تحفة المحتاج بشرح المنهاج ط العلمية

ج / 2 ص -313-      كتاب الشركة
بكسر فسكون وحكي فتح فكسر وفتح فسكون وقد تحذف هاؤها فتصير مشتركة بينها وبين النصيب. لغة الاختلاط وشرعا ثبوت الحق ولو قهرا شائعا في شيء لأكثر من واحد أو عقد يقتضي ذلك كالشراء وهذا حيث قصد به ابتغاء الربح بلا عوض هو المترجم له وإنما لم نقل إن المترجم له هو الآذن في التصرف في المشترك لابتغاء ذلك لأن هذا ليس واحدا من الثبوت والعقد المحصور فيهما مدلول الشركة الشرعية بخلاف عقد نحو الشراء بالمشترك لابتغاء ذلك وأصلها قبل الإجماع الخبر الصحيح القدسي:
"ويقول الله تعالى أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه فإذا خانه خرجت من بينهما" أي بنزع البركة من مالهما.
"هي" بالمعنى اللغوي "أنواع" أربعة أحدها "شركة الأبدان كشركة الحمالين وسائر المحترفة ليكون بينهما كسبهما" بحرفتهما "متساويا أو متفاوتا مع اتفاق الصنعة أو اختلافها" وهي باطلة لما فيها من الغرر والجهل "وشركة المفاوضة" بفتح الواو من تفاوضا في الحديث شرعا فيه جميعا أو من قوم فوضى أي مستوين "ليكون بينهما كسبهما" ببدن أو مال من غير خلط "وعليهما ما يعرض من غرم" بنحو غصب أو إتلاف وهي باطلة أيضا لاشتمالها على أنواع من الغرر فيختص كل في هاتين بما كسبه. "وشركة الوجوه بأن يشترك الوجيهان" عند الناس لحسن معاملتهما معهم "ليبتاع" أي يشتري "كل منهما بمؤجل" أو حال ويكون المبتاع "لهما فإذا باعا كان الفاضل عن الأثمان بينهما" أو أن يبتاع وجيه في ذمته ويفوض بيعه لحامل والربح بينهما أو يشترك وجيه لا مال له وحامل له مال ليكون المال من هذا والعمل من هذا من غير تسليم للمال والربح بينهما والكل باطل إذ ليس بينهما مال مشترك فكل من اشترى شيئا فهو له عليه خسره وله ربحه والثالث قراض فاسد لاستبداد المالك باليد ولو نويا هنا وفيما مر شركة العنان وثم مال بينهما صحت "وهذه الأنواع باطلة" بما ذكرناه. "وشركة العنان" التي هي بعض تلك الأنواع أيضا وتركه لوضوحه وسيعلم أنها اشتراكهما في مال لهما ليتجرا فيه "صحيحة" إجماعا ولسلامتها من سائر أنواع الغرر من عنان الدابة لاستوائهما في التصرف وغيره كاستواء طرفي العنان أو لمنع كل الآخر مما يريد كمنع العنان للدابة أو من عن ظهر لظهورها بالإجماع عليها أو من عنان السماء أي ما ظهر منها فهي على غير الأخير بكسر العين على الأشهر وعليه بفتحها وأركانها خمسة عاقدان ومعقود عليه وعمل وصيغة. "ويشترط فيها لفظ" صريح من كل منهما أو من أحدهما للآخر "يدل على الإذن" للمتصرف من كل منهما أو أحدهما "في التصرف" بالبيع والشراء الذي هو التجارة أو كناية تشعر بذلك لما مر آنفا أنها مشعرة لا دالة إلا بتجوز وحينئذ فقد يشملها كلامه وقولي بالبيع إلى آخره أخذته من قول الروضة وأصلها لا بد من لفظ يدل على الإذن

 

ج / 2 ص -314-      في التجارة فعليه لو عبرا بالإذن في التصرف اشترط اقتران لفظ به يدل على التجارة كتصرف في هذا وعوضه وتكفي القرينة المعينة للمراد من ذلك كما هو ظاهر وكاللفظ الكتابة وإشارة الأخرس المفهمة فلو أذن أحدهما فقط تصرف المأذون له في الكل والآذن في نصيبه فقط فإن شرطا أن لا يتصرف في نصيبه بطلت "فلو اقتصرا على" قولهما "اشتركنا" لم يكف عن الإذن في التصرف "في الأصح" لاحتماله الإخبار عن وقوع الشركة فقط ومن ثم لو نوياه به كفى "و" يشترط "فيهما" أي الشريكين إن تصرفا "أهلية التوكيل والتوكل" في المال لأن كلا منهما وكيل عن صاحبه وموكل له أما إذا تصرف أحدهما فيشترط فيه أهلية التوكل وفي الآخر أهلية التوكيل فيصح كون الثاني أعمى دون الأول وقضية كلامهم جواز مشاركة الولي في مال محجوره وتوقف فيه ابن الرفعة بأن فيه خلطا قبل العقد بلا مصلحة ناجزة بل قد يورث نقصا ويجاب بأن الفرض أن فيه مصلحة لتوقف تصرف الولي عليها واشتراط إنجاز المصلحة ممنوع نعم قال الأذرعي شرط الشريك أن يكون أمينا يجوز إيداع مال اليتيم عنده. قال غيره وهو ظاهر إن تصرف دون ما إذا تصرف الولي وحده ا هـ نعم قياس ما مر أن لا تكون بماله شبهة أي إن سلم مال الولي عنها ولو كان المكاتب هو المتصرف اشترط إذن سيده لتبرعه بالعمل.
"وتصح" الشركة "في كل مثلي" إجماعا في النقد وعلى الأصح في المغشوش الرائج لأنه باختلاطه يرتفع تميزه كالنقد ومنه التبر كما سيصرح به في الغصب فما وقع للشارح من اعتماد أنها لا تجوز فيه ينبغي حمله على نوع منه لا ينضبط "دون المتقوم" بكسر الواو لتمايز أعيانه وإن اتفقت قيمتها وحينئذ تتعذر الشركة لأن بعضها قد يتلف فيذهب على صاحبه وحده "وقيل تختص بالنقد المضروب" الخالص كالقراض وعلى الأول يفرق بأن الغرض من القراض الربح فانحصر فيما يحصله غالبا في كل محل وهو الخالص لا غير ولا كذلك الشركة والمضروب صفة كاشفة إذ النقد لا يكون إلا كذلك على ما مر في الزكاة "ويشترط خلط المالين" قبل العقد "بحيث لا يتميزان" وإن لم تتساو أجزاؤهما في القيمة لتعذر إثبات الشركة مع التميز "ولا يكفي الخلط مع اختلاف جنس" كدنانير ودراهم "أو صفة كصحاح ومكسرة" وأبيض وغيره كبر أبيض بأحمر لإمكان التميز وإن عسر ولو كان لكل علامة مميزة عند مالكه دون بقية الناس فوجهان أوجههما عدم الصحة "هذا" المذكور من اشتراط خلطهما "إذا أخرجا مالين وعقدا فإن ملكا مشتركا" بينهما على جهة الشيوع وهو مثلي إذ الكلام فيه وأما غيره فسيعلم حكمه من قوله والحيلة إلى آخره ويصح التعميم هنا وتكون تلك الحيلة لابتداء الشركة في عروض حاصلة بينهما.
تنبيه: في نصب مشتركا بملكا تجوز لأن الاشتراك لم يتقدم الملك وإنما قارنه.
"بإرث وشراء وغيرهما وأذن كل للآخر في التجارة فيه" أو أذن أحدهما فقط نظير ما مر "تمت الشركة" لحصول المعنى المقصود بالخلط "والحيلة في الشركة في" المتقوم من "العروض" لها طرق منها أن يرثاها مثلا أو "أن يبيع" مثلا "كل واحد بعض عرضه ببعض

 

ج / 2 ص -315-      عرض الآخر" تجانسا وتساوى البعضان وعلما قيمتهما أم لا قال الإمام والبغوي والرافعي وهذا أبلغ في الاشتراك من خلط المالين لأن ما من جزء منهما إلا وهو مشترك بينهما وهناك وإن وجد الخلط فمال كل واحد ممتاز عن مال الآخر ا هـ. وفيه نظر وإن جزم به شيخنا في شرح الروض لأنه إن أريد الخلط مع التميز فهذا لا شركة فيه أصلا أو مع عدم التميز فالمصرح به فيه أنهما به ملكا كلا بالسوية حتى لو تلف بعضه تلف عليهما وقد يجاب بالفرق بين مطلق الخلط ونحو الإرث بأن هذا يملكان به الكل مشاعا ابتداء ولا كذلك الخلط لتوقف الملك به على عدم التميز ولا ينافي الملك هنا ما يأتي آخر الأيمان في لا آكل طعاما أو من طعام اشتراه زيد من التفصيل بين القليل والكثير لأن ذلك لا يرجع للقول بالملك ولا بعدمه خلافا لما يوهمه كلام الأذرعي وغيره بل لما يطلق عليه أنه اشتراه أولا فالقليل يظن أنه مما لم يشتره بخلاف الكثير وأراد بكل الكل البدلي لا الشمولي إذ يكفي بيع أحدهما بعض عرضه ببعض عرض الآخر إلا أن يقال إن الآخر في هذه يصدق عليه إنه باع بعض عرضه ببعض عرض الآخر لأنه بائع الثمن فتكون كل حينئذ على ظاهرها على أن كل لا بد منه بالنسبة لقوله "ويأذن له في التصرف" فيه بعد التقابض وغيره مما شرط في البيع ومحله إن لم تشرط الشركة في التبايع وإلا فسد البيع ومنها أن يشتريا سلعة بثمن واحد ثم يدفع كل عرضه عما يخصه "ولا يشترط" في صحة الشركة "تساوي قدر المالين" عدل إليه عن قول أصله وليس من شرط الشركة تساوي المالين في القدر لأنه مع كونه بمعناه أخصر منه وإن كانت عبارة أصله أوضح منه إذ التعدد في فاعل التفاعل الذي هو شرط فيه أظهر في عبارة الأصل منه في عبارة المتن إذ المضاف إلى متعدد متغاير متعدد بل تثبت الشركة مع تفاوتهما على نسبتهما إذ لا محذور حينئذ لما يأتي أن الربح والخسران على قدر المالين "والأصح إنه لا يشترط العلم بقدرهما" أي النسبتين في المختلط ككونه مناصفة "عند العقد" إذا أمكن معرفته بعد بنحو مراجعة حساب أو وكيل لأن الحق لهما لا يعدوهما ولو جهل القدر وعلما النسبة بأن وضع كل دراهمه بكفة حتى تساويا صح جزما "ويتسلط كل واحد منهما على التصرف" إذا أذن كل للآخر "بلا ضرر" أصلا بأن تكون فيه مصلحة وإن لم توجد الغبطة خلافا لما يوهمه تعبير أصله بها من منع شراء ما توقع ربحه إذ هي التصرف فيما فيه ربح عاجل له وقع واكتفى هنا بالمصلحة لأنه كتصرف الوكيل في جميع ما يأتي فيه "فلا" يبيع بثمن المثل وثم راغب بل لو ظهر في زمن الخيار لزمه الفسخ وإلا انفسخ ولا "يبيع نسيئة" للغرر "ولا بغير نقد البلد" كالوكيل هذا ما جزما به هنا وقياس ما يأتي في عامل القراض أن له ذلك إذا رآه مصلحة "ولا" يبيع ولا يشتري "بغبن فاحش" وسيأتي ضابطه في الوكالة فإن فعل شيئا من ذلك صح في نصيبه فقط فتنفسخ الشركة فيه ويصير مشتركا بين المشتري والشريك "ولا يسافر به" حيث لم يعطه له في السفر ولا اضطر إليه لنحو قحط أو خوف ولا كانا من أهل النجعة وإن أعطاه له حضرا فإن فعل ضمن وصح تصرفه "ولا يبضعه" بضم التحتية فسكون الموحدة أي يجعله بضاعة يدفعه لمن يعمل لهما فيه ولو متبرعا لأنه لم يرض بغير يده فإن

 

ج / 2 ص -316-      فعل ضمن أيضا "غير إذنه" قيد في الكل وبمجرد الإذن في السفر لا يتناول ركوب البحر الملح بل لا بد من النص عليه وقوله ما شئت إذن في المحاباة كما يأتي بزيادة في الوكالة لا بما ترى لأن فيه تفويضا لرأيه وهو يقتضي النظر بالمصلحة. "ولكل فسخه" أي عقد الشركة "متى شاء" لما مر أنها توكيل وتوكل "وينعزلان عن التصرف بفسخهما" أي فسخ كل منهما "فإن قال أحدهما" للآخر "عزلتك، أو لا تتصرف في نصيبي لم ينعزل العازل" لأنه لم يمنعه أحد بخلاف المخاطب "وتنفسخ بموت أحدهما وبجنونه وبإغمائه" وبطرو رهن أو رق أو حجر سفه أو فلس بالنسبة لما لا ينفذ تصرفه فيه وغير ذلك مما يأتي في الوكالة كما علم مما قدمه أن كلا وكيل وموكل نعم الإغماء الخفيف بأن لم يستغرق وقت فرض صلاة لا يؤثر "والربح والخسران على قدر المالين" باعتبار القيمة لا الأجزاء "تساويا" أي الشريكان "في العمل أو تفاوتا" فيه وإن لم يشرطا ذلك لأنه ثمرتهما فكان على قدرهما والخسر منهما فكان عليهما "فإن شرطا خلافه" أي ما ذكر كأن شرطا تساوي الربح والخسر مع تفاضل المالين أو عكسه "فسد العقد" لمنافاته لوضع الشركة "فيرجع كل منهما على الآخر بأجرة عمله في ماله" أي مال الآخر كالقراض إذا فسد وقد يقع التقاص نعم إن تساويا مالا وتفاوتا عملا وشرط الأقل للأكثر عملا لم يرجع بالزائد إن علم الفساد وأنه لا شيء في الفاسد لأنه عمل غير طامع في شيء كما لو عمل أحدهما فقط في فاسده "وتنفذ التصرفات" منهما للإذن "والربح" بينهما في هذا أيضا "على قدر المالين" رجوعا للأصل "ويد الشريك يد أمانة فيقبل قوله في الرد" لنصيب الشريك إليه لا لنصيبه هو إليه "والخسران والتلف" كالوكيل "فإن ادعاه" أي التلف "بسبب ظاهر" كحريق وجهل "طولب ببينة" بالسبب "ثم" بعد إقامتها "يصدق في التلف به" بيمينه كما يأتي ذلك مع بقية أقسام المسألة آخر باب الوديعة وحاصلها أنه إن عرف دون عمومه أو ادعاه بلا سبب أو بسبب خفي كسرقة صدق بيمينه وإن عرف هو وعمومه صدق بلا يمين "ولو قال من في يده المال" من الشريكين "هو لي وقال الآخر مشترك أو" قالا "بالعكس" أي قال من بيده المال هو مشترك وقال الآخر هو لي "صدق صاحب اليد" بيمينه لأنها تدل على الملك الموافق لدعواه به في الأولى ونصفه في الثانية "ولو قال" ذو اليد "اقتسمنا وصار لي صدق المنكر" لأن الأصل عدم القسمة وإنما قبل قوله في الرد مع أن الأصل عدمه لأن من شأن الأمين قبول قوله فيه توسعة عليه "ولو اشترى" الشريك "وقال اشتريته للشركة أو لنفسي وكذبه الآخر صدق المشتري" بيمينه لأنه أعرف بقصده نعم لو اشترى شيئا فظهر عيبه وأراد رد حصته لم يقبل قوله على البائع أنه اشتراه للشركة لأن الظاهر أنه اشتراه لنفسه فليس له تفريق الصفقة عليه وظاهر هذا تعدد الصفقة لو صدقه ويوجه بأنه أصيل في البعض ووكيل في البعض فكانا بمنزلة عقدين.
فرع: أفتى المصنف كابن الصلاح فيمن غصب نحو نقد أو بر وخلطه بماله ولم يتميز بأن له إفراز قدر المغصوب ويحل له التصرف في الباقي و يأتي لذلك تتمة قبيل الأضحية ولو باعا عبدهما صفقة أو وكل أحدهما الآخر فباعه لم يشارك أحدهما الآخر فيما قبضه فإن قلت ينافي ذلك قولهم في مشترك بنحو إرث أنه يشاركه فيه لاتحاد الحق قلت لا

 

ج / 2 ص -317-      ينافيه ويفرق بأن المشترك بنحو الشراء يتأتى فيه تعدد الصفقة المقتضي لتعدد العقد وترتب الملك فكان كل من الشريكين فيه كالمستقل ولأن حقه يتوقف وجوده على وجود غيره فإذا قبض قدر حصته أو بعضها فاز به بخلاف نحو الإرث فإنه حق يثبت للورثة دفعة واحدة من غير أن يتصور فيه ترتب ولا توقف فكان جميعه كالحق الذي لا يمكن تبعيضه فلم يختص قابض شيء منه به فإن قلت يبطل هذا الفرق إلحاقهم دين الكتابة بنحو الإرث قلت لا يبطله بل يؤيده لأن كتابة بعض الرقيق لما كان الأصل فيها الامتناع كانت كالإرث فيما ذكر فألحق دينها به في عدم الاستقلال نظرا لأصل امتناع التعدد فيه فإن قلت ينافي ما ذكر في الشراء قولهم ادعيا عينا في يد ثالث بالشراء معا فأقر لأحدهما بنصفها شاركه الآخر فيه قلت يفرق بأن الثبوت هنا لا ينسب للشراء الذي ادعياه بل للإقرار ومن شأن الإقرار أن لا يدخله تعدد صفقة ولا اتحادها فكان بالإرث أشبه فأعطي حكمه ووقع لشيخنا هنا في شرح الروض ما يعلم بتأمله مع تأمل ما ذكرته أن ما ذكرته أدق مدركا وأوفق لكلامهم فتأمله ولو أجر حصته في مشترك لم يشارك فيما قبضه مما أجر به وإن تعدى بتسليمه العين للمستأجر بغير إذن شريكه.