تحفة المحتاج بشرح المنهاج ط العلمية

ج / 2 ص -318-      كتاب الوكالة
هي بفتح الواو وكسرها لغة التفويض والمراعاة والحفظ واصطلاحا تفويض شخص لغيره ما يفعله عنه في حياته مما يقبل النيابة أي شرعا إذ التقدير حينئذ مما ليس بعبادة ونحوه فلا دور خلافا لمن زعمه وأصلها قبل الإجماع قوله تعالى:
{فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ} [النساء: 35] بناء على الأصح الآتي أنه وكيل وتوكيله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري في نكاح أم حبيبة وأبا رافع في نكاح ميمونة وعروة البارقي في شراء شاة بدينار. والحاجة ماسة إليها ومن ثم ندب قبولها لأنها قيام بمصلحة الغير وإيجابها إن لم يرد به حظ نفسه لتوقف القبول المندوب عليه لقوله تعالى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] وفي الخبر: "والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه" وأركانها أربعة موكل ووكيل وموكل فيه وصيغة.
"شرط الموكل صحة مباشرته ما وكل" بفتح الواو "فيه بملك" لكونه رشيدا
"أو ولاية" لكونه أبا في نكاح أو مال أو غيره في مال "فلا يصح توكيل صبي ولا مجنون" ولا مغمى عليه في شيء ولا سفيه في نحو مال لأنهم إذا عجزوا عن تعاطي ما وكلوا فيه فنائبهم أولى وخرج بملك أو ولاية المتعلق بالصحة وبالمباشرة الوكيل فإنه لا يوكل كما يأتي لأنه ليس بمالك ولا ولي وصحة توكيله عن نفسه في بعض الصور أمر خارج عن القياس فلا يرد نقضا والقن المأذون له فإنه إنما يتصرف وبالإذن فقط.
تنبيه: قدموا في البيع الصيغة لأنها ثم أهم لكثرة تفاصيلها واشتراطها من الجانبين وقدم في الروضة الموكل فيه لأنه المقصود والبقية وسيلة إليه وهنا الموكل لأنه الأصل في العقد.
"ولا" توكيل "المرأة" لغيرها في النكاح لأنها لا تباشره ولا يرد صحة إذنها لوليها بصيغة الوكالة لأن ذلك ليس في الحقيقة وكالة بل متضمن للإذن "و" لا توكيل "المحرم" بضم الميم لحلال "في النكاح" ليعقد له أو لموليته حال إحرام الموكل لأنه لا يباشره أما إذا وكله ليعقد عنه بعد تحلله أو أطلق فيصح كما لو وكله ليشتري له هذه الخمر بعد تخللها أي أو هذه وأطلق أخذا مما قبلها أو وكل حلال محرما ليوكل حلالا في التزويج "ويصح توكيل الولي في حق الطفل" أو المجنون أو السفيه كأصل في تزويج أو مال ووصي أو قيم في مال إن عجز عنه أو لم تلق به مباشرته لكن رجح جمع متأخرون أنه لا فرق كما اقتضاه إطلاقهما هنا عن نفسه وكذا عن المولى على ما قاله الماوردي ونظر فيه في الروضة وضعفه السبكي وذلك لولايته عليه نعم لا يوكل إلا أمينا كما يأتي ويصح توكيل سفيه أو مفلس أو قن في تصرف يستبديه لا غيره إلا بإذن ولي أو غريم أو سيد "ويستثنى" من عكس الضابط السابق وهو أن كل من لا تصح منه المباشرة لا يصح منه التوكيل "توكيل الأعمى في البيع والشراء" وغيرهما مما يتوقف على الرؤية "فيصح" وإن لم يقدر على

 

ج / 2 ص -319-      مباشرته للضرورة ونازع الزركشي في استثنائه بأنه يصح بيعه في الجملة وهو السلم وشراؤه لنفسه إذ الشرط صحة المباشرة في الجملة ومن ثم لو ورث بصير عينا لم يرها صح توكيله في بيعها مع عدم صحته منه ولك رده بأن الكلام في بيع الأعيان وهو لا يصح منه مطلقا وفي الشراء الحقيقي وشراؤه لنفسه ليس كذلك بل هو عقد عتاقة فصح الاستثناء ومسألة البصير المذكورة ملحقة بمسألة الأعمى لكن يأتي في الوكيل عن المصنف ما يؤيد ما ذكره الزركشي وبه يسقط أكثر المستثنيات الآتية ويضم للأعمى في الاستثناء من العكس المحرم في الصور الثلاث السابقة وتوكيل المشتري البائع في أن يوكل من يقبض المبيع منه عنه مع استحالة مباشرته القبض من نفسه والمستحق في نحو قود الطرف مع أنه لا يباشره والوكيل في التوكيل ومالكة أمة لوليها في تزويجها ويستثنى من طرده، وهو أن كل من صحت مباشرته بملك أو ولاية صح توكيله ولي غير مجبر نهته عنه فلا يوكل وظافر بحقه فلا يوكل في نحو كسر باب وأخذه وإن عجز كما اقتضاه إطلاقهم ويوجه بأن هذا على خلاف الأصل فلم يتوسع فيه والتوكيل في الإقرار وتوكيل وكيل قادر بناء على شمول الولاية للوكالة وسفيه أذن له في النكاح ومثله العبد في ذلك. قاله ابن الرفعة والتوكيل في تعيين أو تبيين مبهمة واختيار أربع إلا أن يعين له عين امرأة وتوكيل مسلم كافرا في استيفاء قود من مسلم أو نكاح مسلمة ورجحا في توكيل المرتد لغيره في تصرف مالي الوقف واعترضا وفي الروضة يجوز توكيل مستحق أي ما دام في البلد إن لم يملكها لانحصاره وإلا فمطلقا كما يعلم مما يأتي في بابها في قبض زكاة له وقيده الزركشي نقلا عن القفال بما إذا كان الوكيل ممن لا يستحقها وفيه نظر لما يأتي أنه يجوز التوكيل في تملك المباحات مع أن للوكيل أن يتملكها لنفسه فإذا صرفه عنها للموكل ملكه فكذلك هنا يملك الموكل غير المحصور بقبض وكيله إن نوى الدافع والوكيل الموكل أو نواه الوكيل ولم ينو الدافع شيئا فإن قصد نفسه وهو مستحق والدافع موكله فالذي يظهر أنه لا يملكه واحد منهما أما الوكيل فلأن المالك قصد غيره والعبرة بقصده لا بقصد الآخذ وأما الموكل فلانعزال وكيله بقصده الأخذ لنفسه وإن قصده الدافع ولم يقصد الوكيل شيئا ملكه أو قصد موكله لم يملكه واحد منهما هنا فيما يظهر أيضا لأن الوكيل بقصده الموكل صرف القبض عن نفسه فلم تؤثر نية الدافع وإنما يعتبر قصده حيث لم يصرفه الآخذ عن نفسه كما هو ظاهر ولأن الموكل صرف المالك الدفع عنه بقصده الوكيل فلم يقع للموكل ولو عارض لفظ أحدهما أو تعيينه قصد الآخر تأتى في الملك نظير ما تقرر في معارضة القصدين.
"وشرط الوكيل" تعيينه إلا في نحو من حج عني فله كذا أي لأن عامل الجعالة هنا وكيل بجعل أو إلا فيما لا عهدة فيه كالعتق كما يأتي فيبطل وكلت أحدكما نعم إن وقع غير المعين تبعا للمعين كوكلتك في بيع كذا مثلا وكل مسلم صح على ما بحثه شيخنا وقال إن عليه العمل فيه نظر ولا يشهد له ما يأتي في الموكل فيه للفرق الظاهر فإنه يحتاط للعاقد لأنه الأصل ما لا يحتاط للمعقود عليه كما صرحوا به في الوصية حيث اغتفروا الإبهام في الموصى به دون الموصى له وفرقوا بما ذكرته و "صحة مباشرته

 

ج / 2 ص -320-      التصرف" الذي وكل فيه "لنفسه" لأنه إذا عجز عنه لنفسه كيف يستطيعه لغيره، واستثنى من طرده وهو أن كل من صحت مباشرته لنفسه صح توكله من غيره منع توكل فاسق عن الولي في بيع مال محجوره ومنع توكل المرأة عن غير زوجها بغير إذنه على ما قاله الماوردي قيل وكأنه أراد الحرة أما الأمة إذا أذن سيدها فلا اعتراض للزوج كالإجارة وأولى وقال الأذرعي الوجه ما اقتضاه كلام الروياني من الصحة إن لم يفوت على الزوج حقا ا هـ. والذي يتجه الصحة مطلقا وإن كان للزوج منعها مما يفوت حقا له لأن هذا أمر خارج ويفرق بين هذا والإجارة بأنها حق لازم تتعلق بالعين فعارض حق الزوج وهو أولى فأبطله ولا كذلك الوكالة ومنع توكل كافر عن مسلم في استيفاء قود مسلم وهذه مردودة بأن الوكيل لا يستوفيه لنفسه وبأن المصنف إنما جعل صحة مباشرته شرطا لصحة توكله ولا يلزم من وجود الشرط وجود المشروط وإنما يلزم من عدمه عدمه والأول صحيح والثاني ليس في محله لأن الشرط وهو صحة المباشرة لم يوجد هنا أصلا "لا" توكل "صبي ومجنون" ومغمى عليه فلا يصح لتعذر مباشرتهم لأنفسهم نعم يصح توكل صبي في نحو تفرقة زكاة وذبح أضحية وما يأتي "وكذا المرأة" أو الخنثى "والمحرم" فلا يصح توكلهما "في النكاح" إيجابا وقبولا لسلب عبارتهما فيه والمرأة أو الخنثى في رجعة أو اختيار لنكاح أو فراق وإن عينت لهما المرأة ولو بان الخنثى ذكرا بعد تصرفه ذلك بانت صحته "الصحيح اعتماد قول صبي" ولو قلنا مميزا لم يجرب عليه كذب وكذا فاسق وكافر كذلك بل قال في شرح مسلم لا أعلم فيهما خلافا "في الإذن في دخول دار وإيصال هدية" ولو أمة قالت له سيدي أهداني إليك على ما اقتضاه إطلاقهم وإن استشكله السبكي فيجوز وطؤها وطلب صاحب وليمة لتسامح السلف في مثل ذلك وغير المأمون بأن جرب عليه كذب ولو مرة فيما يظهر لا يعتمد قطعا وما حفته قرينة يعتمد قطعا وهو في الحقيقة عمل بالعلم لا بخبره ويؤخذ منه أنه لا فرق هنا بين الكاذب وغيره وللمميز ونحوه توكيل غيره في ذلك بشرطه الآتي "والأصح صحة توكيل عبد" مصدر مضاف للمفعول ولو حذفت الياء لكان مضافا للفاعل وهو أوضح "في قبول نكاح" ولو بلا إذن سيد إذ لا ضرر عليه مطلقا وأشار بلكن إلى استثناء هذين أيضا من عكس الضابط وهو من لا تصح مباشرته لنفسه لا يصح توكله ويستثنى أيضا صحة توكل سفيه في قبول نكاح بغير إذن وليه وتوكل كافر عن مسلم في شراء مسلم أو طلاق مسلمة وهذه مردودة إذ لو أسلمت زوجته فطلق ثم أسلم في العدة بان نفوذ طلاقه وتوكل المرأة في طلاق غيرها والمرتد في التصرف لغيره مع امتناعه لنفسه وإنما يصح ذلك إن لم يشرط في بطلان تصرفه لنفسه حجر الحاكم عليه وسيأتي ما فيه في بابه والرجل في قبول نكاح أخت زوجته مثلا أو خامسة وتحته أربع والموسر في قبول نكاح أمة وأشار المصنف في مسألة طلاق الكافر للمسلمة فإنه يصح طلاقه في الجملة إلى أن المراد صحة مباشرة الوكيل التصرف لنفسه في جنس ما وكل فيه في الجملة لا في عينه وحينئذ يسقط أكثر ما مر من المستثنيات وقياسه جريان ذلك في الموكل أيضا كما قدمته "ومنعه" أي توكل العبد أي من فيه رق "في الإيجاب" للنكاح لأنه إذا امتنع من أن يزوج بنته

 

ج / 2 ص -321-      فبنت غيره أولى وبحث الأذرعي صحة توكل المكاتب في تزويج الأمة إذا قلنا إنه يزوج أمته ومثله في هذا المبعض بالأولى ويجوز توكل العبد في نحو بيع بإذن سيده ويجعل مطلقا لأنه تكسب كذا عبر به شارح وصوابه لا يتوكل بلا إذن عن غيره فيما يلزم ذمته عهدته كبيع ولو بجعل بل فيما لا يلزمها كقبول نكاح ولو بغير إذن قال الماوردي ولا يجوز توكله على طفل أو ماله مطلقا لأنها ولاية.
"وشرط الموكل فيه أن يملكه الموكل" وقت التوكيل وإلا فكيف يأذن فيه والمراد ملك التصرف فيه الناشئ عن ملك العين تارة والولاية عليه أخرى بدليل قوله أول الباب بملك أو ولاية ولا ينافيه التفريع الآتي لأنه يصح على ملك التصرف أيضا فقول الأذرعي هذا أي المتن فيمن يوكل في ماله وإلا فنحو الولي وكل من جاز له التوكيل في مال الغير لا يملكه غير صحيح لما علم من المتن أن الشرط ملك محل التصرف أو ملك التصرف فيه على أن الغزي اعترضه أعني الأذرعي بأن الشرط ملك التصرف لا العين ومراده ما قررته أن ملك التصرف يفيد ملك المحل تارة والولاية عليه أخرى ورد بعضهم كلام الغزي بما لا يصح "فلو وكله ببيع" أو إعتاق "عبد سيملكه" موصوف أو معين أم لا لكن هذا لا خلاف فيه ولم يكن تابعا لمملوك كما يأتي عن الشيخ أبي حامد وغيره "وطلاق من سينكحها" ما لم تكن تبعا لمنكوحته أخذا مما قبله "بطل في الأصح" لأنه لا ولاية له عليه حينئذ وكذا لو وكل من يزوج موليته إذا انقضت عدتها أو طلقت على ما قالاه هنا واعتمده الإسنوي لكن رجح في الروضة في النكاح الصحة وكذا لو قالت له وهي في نكاح أو عدة أذنت لك في تزويجي إذا حللت ولو علق ذلك ولو ضمنا كما يأتي تحقيقه على الانقضاء أو الطلاق فسدت الوكالة ونفذ التزويج للإذن وأفتى ابن الصلاح بأنه إذا وكله في المطالبة بحقوقه دخل فيه ما يتجدد بعد الوكالة وخالفه الجوري وقد يؤيد الأول صحة ما لو وكله في بيع نحو ثمر شجرة له قبل إثمارها قيل وكونه مالكا لأصل الثمر هنا لا ينفع في الفرق والثاني إفتاء التاج الفزاري وغيره بأنه لو وكله في التصرف في أملاكه فحدث له ملك لا ينفذ تصرفه فيه أي كما اقتضاه كلام الرافعي قاله الغزي وفرق شيخنا بأن الحق ثم موجود لكن لم يثبت حالا بخلاف حدوث الملك وإنما يتم هذا إن كانت عبارة ابن الصلاح بما يثبت للموكل كما وقع في عبارة بعضهم عنه وأما إذا كانت عبارته بما يتجدد بعد الوكالة كما عبر به الإسنوي والزركشي وغيرهما عنه فلا يتأتى ذلك الفرق لمساواته حينئذ لحدوث الملك فليبطل مثله والفرق بينهما وبين ما مر في الثمرة أنه مالك لأصلها فوقعت تابعة بخلافهما وزعم أن ذلك لا يؤثر في الفرق ليس في محله ويؤيد ذلك قول الشيخ أبي حامد وغيره لو وكله فيما ملكه الآن وما سيملكه صح ويصح في البيع والشراء في وكلتك في بيع هذا وشراء كذا بثمنه وإذن المقارض للعامل في بيع ما سيملكه وألحق به الأذرعي الشريك وبما تقرر علم أن شرط الموكل فيه أن يملك الموكل التصرف فيه حين التوكيل أو يذكره تبعا لذلك أو يملك أصله "وأن يكون قابلا للنيابة" لأن التوكيل استنابة "فلا يصح" التوكيل "في عبادة" وإن لم تحتج لنية لأن القصد منها امتحان عين المكلف وليس

 

ج / 2 ص -322-      منها نحو إزالة النجاسة لأن القصد منها الترك "إلا الحج" والعمرة ويندرج فيهما توابعهما كركعتي الطواف "وتفرقة زكاة" ونذر وكفارة "وذبح أضحية" وهدي وعقيقة سواء أوكل الذابح المسلم المميز في النية أم وكل فيها مسلما مميزا غيره ليأتي بها عند ذبحه كما لو نوى الموكل عند ذبح وكيله وقول بعضهم لا يجوز أن يوكل فيها آخر مردود ونحو عتق ووقف وغسل أعضاء لا في نحو غسل ميت لأنه فرض فيقع عن مباشره وقضيته صحة توكيل من لم يتوجه عليه فرضه كالعبد على أن الأذرعي رجح جواز التوكيل هنا مطلقا لصحة الاستئجار عليه وليس بالواضح فإن قوله لغيره غسل هذا مثلا لا يوجب إلغاء فعل المباشر ووقوعه عن الآذن لأن فعله لا يتوقف على إذنه فتعين انصرافه لما خوطب به من فرض الكفاية بخلاف غسله بكذا فإن استحقاقه الأجرة يوجب وقوع الفعل عن باذلها فاتضح الفرق بين صحة أخذ الأجرة ووقوعه عن المباشر له بلا استئجار "ولا في شهادة" لأن مبناها على التعبد واليقين الذي لا تمكن النيابة فيه وبه فارقت النكاح والشهادة على الشهادة ليست توكيلا بل الحاجة جعلت الشاهد المتحمل عنه كحاكم أدى عنه عند حاكم آخر "وإيلاء ولعان" لأنهما يمينان ومن ثم قال "وسائر الأيمان" أي باقيها لأن القصد بها تعظيمه تعالى فأشبهت العبادة ومثلها النذر وتعليق العتق والطلاق والتدبير قيل ونحو الوصاية وتقييدهم بما ذكر للغالب ا هـ وإنما يكون للغالب إن لم يكن للتقييد به معنى محتمل وإلا كما هنا عمل بمفهومه ويوجه اختصاص المنع بتلك الثلاثة بأن للعبادة فيها شبها بينا إما لبعدها عن قضايا الأموال بكل وجه كالطلاق وإما لتبادر التعبد منها كالآخرين بخلاف نحو الوصاية فإنها تصرف مالي فلم تشبه العبادة فجاز التوكيل في تعليقها وبحث السبكي صحتها في تعليق لا حث فيه ولا منع كهو بطلوع الشمس وفيه نظر "ولا في ظهار" كأن يقول أنت على موكلي كظهر أمه أو جعلته مظاهرا منك "في الأصح" لأنه معصية وكونه يترتب عليه أحكام أخر لا يمنع النظر لكونه معصية وبه يعلم عدم صحة التوكيل في كل معصية نعم ما الإثم فيه لمعنى خارج كالبيع بعد نداء الجمعة الثاني يصح التوكيل فيه وكذا الطلاق في الحيض ومخالفة الإسنوي كالبارزي فيه ردها البلقيني.
"ويصح" التوكيل "في طرفي بيع وهبة وسلم ورهن ونكاح" للنص في النكاح والشراء كما مر وقيس بهما الباقي "و" في "طلاق" منجز "و" في "سائر العقود" وصيغة الضمان والوصية والحوالة جعلت موكلي ضامنا لك أو موصيا لك بكذا أو أحلتك بما لك على موكلي من كذا بنظيره مما له على فلان ويقاس بذلك غيره "والفسوخ" ولو فورية إذا لم يحصل بالتوكيل تأخير مضر ومر ويأتي امتناعه في فسخ نكاح الزائدات على أربع "و" في "قبض الديون" ولو مؤجلة على الأوجه لإمكان قبضه عقب الوكالة بتعجيل المدين وقياسا على ما مر من الصحة في التوكيل بتزويجها إذا طلقت "وإقباضها" ولا يرد منع التوكيل في عوض صرف ورأس مال سلم في غيبة الموكل لأنه بغيبته بطل العقد فلا دين ويصح في الإبراء منه لكن في أبرئ نفسك لا بد من الفور تغليبا للتمليك قيل وكذا في وكلتك لتبرئ نفسك على ما اقتضاه إطلاقهم لكن قياس الطلاق جواز التراخي ذكره السبكي ا هـ،

 

ج / 2 ص -323-      وخرج بالديون الأعيان فلا يصح التوكيل فيما قدر على رده منها بنفسه مضمونة أو أمانة لأن مالكها لم يأذن في ذلك ومن ثم ضمن به وكذا وكيله والقرار عليه ما لم تصل بحالها ليد مالكها نعم إن كان الوكيل من عيال الموكل وكان ثقة مأمونا جاز له تفويض الرد إليه وكذا له الاستعانة على الأوجه بمن يحملها معه لكن إن كان معه على ما يأتي في الوديعة "و" في "الدعوى" بنحو مال أو عقوبة لغير الله "والجواب" وإن كره الخصم وينعزل وكيل المدعي بإقراره بقبض موكله أو إبرائه لا بإبرائه هو لأنه وقع لغوا من غير أن يتضمن رفع الوكالة وينعزل وكيل الخصم بقوله إن موكله أقر بالمدعى به ولا يقبل تعديله لبينة المدعي وتقبل شهادته على موكله مطلقا وله فيما لم يوكل فيه وفيما وكل فيه إن انعزل قبل الخوض في الخصومة ويلزمه حيث لم يصدقه الخصم بينة بوكالته وتسمع من غير تقدم دعوى حضر الخصم أو غاب ومع تصديق الخصم عليها له الامتناع من التسليم حتى يثبتها بالتسلم "وكذا في تملك المباحات كالأحياء والاصطياد والاحتطاب في الأظهر" كالشراء بجامع أن كلا سبب للملك فيحصل الملك للموكل إن قصده الوكيل له وإلا فلا "لا في" الالتقاط كالاغتنام تغليبا لشائبة الولاية على شائبة الاكتساب ولا في "الإقرار" كوكلتك لتقر عني لفلان بكذا "في الأصح" لأنه إخبار عن حق كالشهادة ورجح في الروضة أنه يكون مقرا بالتوكيل لإشعاره بثبوت الحق عليه وفيه ما فيه إذ المدار في الإقرار على اليقين أو الظن القوي نعم إن قال أقر له عني بألف له علي كان إقرارا جزما ولو قال أقر علي له بألف لم يكن مقرا قطعا.
"ويصح" التوكيل "في استيفاء عقوبة آدمي" ولو قبل ثبوتها على الأوجه "كقصاص وحد قذف" بل يتعين في قطع طرف وحد قذف كما يأتي ويصح أيضا في استيفاء عقوبة لله تعالى لكن من الإمام أو السيد لا في إنباتها مطلقا نعم للقاذف أن يوكل في ثبوت زنا المقذوف ليسقط الحد عنه فتسمع دعواه عليه أنه زنى "وقيل لا يجوز" التوكيل في استيفائها "إلا بحضرة الموكل" لاحتمال عفوه ورد بأن احتماله كاحتمال رجوع الشهود إذا ثبت ببينة مع الاستيفاء في غيبتهم اتفاقا "وليكن الموكل فيه معلوما من بعض الوجوه" لئلا يعظم الغرر "ولا يشترط علمه من كل وجه" ولا ذكر أوصاف المسلم فيه لأنها جوزت للحاجة فسومح فيها "فلو قال وكلتك في كل قليل وكثير" لي "أو في كل أموري" أو حقوقي "أو فوضت إليك كل شيء" لي أو كل ما شئت من مالي "لم يصح" لما فيه من عظيم الغرر إذ يدخل فيه ما لا يسمح الموكل ببعضه كطلاق زوجاته والتصدق بأمواله وظاهر كلامهم بطلان هذا وإن كان تابعا لمعين وهو ظاهر فلا ينفذ تصرف الوكيل في شيء من التابع لأن عظم الغرر فيه الذي هو السبب في البطلان لا يندفع بذلك وليس كما مر عن أبي حامد وغيره لأن ذاك في جزئي خاص معين فساغ كونه تابعا لقلة الغرر فيه بخلاف هذا "وإن قال" وكلتك "في بيع أموالي وعتق أرقائي" وقضاء ديوني واستيفائها ونحو ذلك "صح" وإن لم يعلما ما ذكر لقلة الغرر فيه ولو قال في بعض أموالي أو شيء منها لم يصح كبيع هذا أو هذا بخلاف أحد عبيدي لتناوله كلا منهم بطريق العموم البدلي فلا إبهام

 

ج / 2 ص -324-      فيه بخلاف ما قبله أو أبرئ فلانا عن شيء من مالي صح وحمل على أقل شيء لأن الإبراء عقد غبن فتوسع فيه أو عما شئت منه لزمه إبقاء أقل شيء "وإن وكله في شراء عبد" مثلا للقنية "وجب بيان نوعه" كتركي أو هندي ولا يغني عنه ذكر الجنس كعبد ولا الوصف كأبيض ويشترط أيضا بيان صنف وصفة اختلف بهما الغرض اختلافا ظاهرا لا مطلقا بل بالنسبة لمن يشتري له غيره وكالة فيما يظهر أخذا من قولهم لا يشترط استقصاء أوصاف السلم ولا ما يقرب منها اتفاقا فالمراد من هذا النفي ما ذكرته وإلا كان مشكلا فتأمله ولو اشترى من يعتق على الموكل صح وعتق عليه بخلاف القراض لأنه ينافي موضوعه من طلب الربح ولو وكله في تزويج امرأة اشترط تعيينها ولا يكتفي بكونها تكافئه لأن الغرض يختلف مع وجود وصف المكافأة كثيرا فاندفع ما للسبكي هنا نعم إن أتى له بلفظ عام كزوجني من شئت صح "أو" في شراء "دار" للقنية أيضا "وجب بيان المحلة" وهي الحارة ومن لازم بيانها بيان البلد غالبا فلذا لم يصرح به "والسكة" بكسر أوله وهي الرقاق المشتملة عليه وعلى مثله الحارة لاختلاف الغرض بذلك وقد يغني تعيين السكة عن الحارة "لا قدر الثمن" في العبد والدار مثلا "في الأصح" لأن غرضه قد يتعلق بواحد من النوع من غير نظر لخسته ونفاسته نعم يراعى حال الموكل وما يليق به وبحث السبكي أنه لو قال اشتر كذا بما شئت ولو بأكثر من ثمن المثل يقيد بثمن المثل واعتمده الأذرعي قال وكذا ما يكتب في كتاب التوكيل بقليل الثمن وكثيره لا يقصد به البيع بالغبن الفاحش ولا الشراء به ا هـ. وفيه نظر فسيأتي عن السبكي في بع بما شئت جوازه بالغبن الفاحش وهذا مثله فليأت فيه جميع ما يأتي ثم إلا فيما عز وهان فإنه ثم امتنع بالنسيئة لا هنا فيما يظهر لأنها زيادة رفق في الشراء لكن جعل شارح ما هنا كما هناك وفيه نظر ظاهر لوضوح الفرق بينهما في هذا نعم ما قاله الأذرعي فيما يكتب ظاهر ولو قال ذلك في مال المحجور بطل الإذن نفسه لأنه يحتاط له أكثر من غيره أما إذا قصد التجارة فلا يشترط بيان جميع ما مر بل يكفي اشتر لي بهذا ما شئت من العروض أو ما رأيت المصلحة فيه.
"ويشترط من الموكل" أو نائبه "لفظ" صريح أو كناية ومثله كتابة أو إشارة أخرس مفهمة "يقتضي رضاه كوكلتك في كذا أو فوضت إليك" أو أنبتك أو أقمتك مقامي فيه "أو أنت وكيلي فيه" كسائر العقود وخرج بكاف الخطاب ومثلها وكلت فلانا ما لو قال وكلت كل من أراد بيع داري مثلا فلا يصح ولا ينفذ تصرف أحد فيها بهذا الإذن لفساده نعم بحث السبكي صحة ذلك فيما لا يتعلق بعين الوكيل فيه غرض كوكلت كل من أراد في إعتاق عبدي هذا أو تزويج أمتي هذه قال ويؤخذ من هذا صحة قول من لا ولي لها أذنت لكل عاقد في البلد أن يزوجني قال الأذرعي وهذا إن صح محله إن عينت الزوج ولم تفوض إلا صيغة العقد فقط وبنحو ذلك أفتى ابن الصلاح ويجري ذلك التعميم في التوكيل في الدعوى إذ لا يتعلق بعين الوكيل غرض وعليه عمل القضاة لكن كتابة الشهود ووكلا في ثبوته وطلب الحكم به لغو لأنه ليس فيه توكيل لمبهم ولا معين فتعين أن يكتبوا ووكلا في ثبوته وكلاء القاضي أو نحو ذلك ولو قالوا فلانا وكل مسلم جاز على ما مر بما

 

ج / 2 ص -325-      فيه. "ولو قال بع أو أعتق حصل الإذن" فهو قائم مقام الإيجاب بل وأبلغ منه "ولا يشترط" في وكالة بغير جعل "القبول لفظا" بل أن لا يرد وإن أكرهه الموكل ولا يشترط هنا فور ولا مجلس لأن التوكيل رفع حجر كإباحة الطعام ومن ثم لو تصرف غير عالم بالوكالة صح كمن باع مال أبيه ظانا حياته فكان ميتا وسيأتي في الوديعة أنه يكفي اللفظ من أحدهما والقبول من الآخر وقياسه جريان ذلك هنا لأنها توكيل وتوكل وقد يشترط القبول لفظا كما إذا كان له عين معارة أو مؤجرة أو مغصوبة فوهبها لآخر وأذن له في قبضها فوكل من هي بيده في قبضها له لا بد من قبوله لفظا لتزول يده عنها به "وقيل يشترط" مطلقا لأنه تمليك للتصرف وقيل يشترط "في صيغ العقود كوكلتك" قياسا عليها "دون صيغ الأمر كبع أو أعتق" لأنه إباحة أما التي بجعل فلا بد فيها من القبول لفظا إن كان الإيجاب بصيغة العقد لا الأمر وكان عمل الوكيل مضبوطا لأنها إجارة "ولا يصح تعليقها بشرط" من صفة أو وقت "في الأصح" كسائر العقود خلا الوصية لأنها تقبل الجهالة والأمارة للحاجة فلو تصرف بعد وجود الشرط كأن وكله بطلاق زوجة سينكحها أو ببيع أو عتق عبد سيملكه أو بتزويج بنته إذا طلقت وانقضت عدتها فطلق بعد أن نكح أو باع أو أعتق بعد أن ملك أو زوج بعد العدة نفذ عملا بعموم الإذن وتمثيلي بما ذكر هو ما ذكره الإسنوي في الأولى وقياسها ما بعدها كما يقتضيه كلام الجواهر وغيرها وقال الجلال البلقيني يحتمل أن يصح التصرف كالوكالة المعلقة يفسد التعليق ويصح التصرف لعموم الإذن ولم يذكروه أي نصا وأن يبطل لعدم ملك المحل حالة اللفظ بخلاف المعلقة فإنه مالك للمحل عندها وعلى هذا يلزم الفرق بين الفاسدة والباطلة وهو خلاف تصريحهم بأنهما لا يفترقان إلا في الحج والعارية والخلع والكتابة ا هـ. وقضية رده للثاني بما ذكر اعتماده للأول وليست المعلقة مستلزمة لملك المحل عندها إذ الصورة الأخيرة فيها تعليق لا ملك للمحل حال الوكالة نعم الأوجه أنه لا بد في هذه الصور أن يذكر ما يدل على التعليق كقوله التي سأنكحها أو الذي سأملكه بخلاف اقتصاره على وكلتك في طلاق هذه أو بيع هذا أو تزويج بنتي لأن هذا اللفظ يعد لغوا لا يفيد شيئا أصلا فليس ذلك من حيث الفرق بين الفاسد والباطل فتأمله ويأتي في الجزية وغيرها ومر في الرهن الفرق بين الفاسد والباطل أيضا فحصرهم المذكور إضافي وفائدة عدم الصحة بهما في المتن سقوط المسمى إن كان ووجوب أجرة المثل وحرمة التصرف كما قاله جمع متقدمون واعتمده ابن الرفعة لكن استبعده آخرون لبقاء الإذن ومن ثم اعتمد البلقيني الحل ونقله عن مقتضى كلامهم ويصح توقيتها كإلى شهر كذا فينعزل بمجيئه وعجيب نقل شارح هذا عن بحث لابن الرفعة مع كونه مجزوما به في أصل الروضة "فإن نجزها وشرط للتصرف شرط جاز" اتفاقا فوكلتك الآن ببيع هذا ولكن لا تبعه إلا بعد شهر ويظهر أنه يكفي وكلتك ولا تبعه إلا بعد شهر وأن الآن مجرد تصوير وبذلك يعلم أن من قال لآخر قبل رمضان وكلتك في إخراج فطرتي وأخرجها في رمضان صح لأنه نجز الوكالة وإنما قيدها بما قيدها به الشارع فهو كقول محرم زوج بنتي إذا أحللت وقول ولي زوج بنتي إذا طلقت وانقضت عدتها وتكلف فرق بين هذين ومسألتنا بعيد جدا

 

ج / 2 ص -326-      بخلاف إذا جاء رمضان فأخرج فطرتي لأنه تعليق محض وعلى هذا التفصيل يحمل إطلاق من أطلق الجواز ومن أطلق المنع وظاهر صحة إخراجه عنه فيه حتى على الثاني لعموم الإذن كما علم مما تقرر "ولو قال وكلتك" في كذا "ومتى" أو مهما "عزلتك فأنت وكيلي صحت" الوكالة "في الحال في الأصح" لأنه نجزها وللخلاف هنا شروط لا حاجة لنا بذكرها فمتى انتفى واحد منها صحت قطعا "وفي عوده وكيلا بعد العزل الوجهان في تعليقها" لأنه علقها ثانيا بالعزل والأصح عدم العود لفساد التعليق وقضيته أنه يعود له الإذن العام فينفذ تصرفه وهو كذلك فطريقه أن يقول عزلتك عزلتك أو متى أو مهما عدت وكيلي فأنت معزول لأنه ليس هنا ما يقتضي التكرار ومن ثم لو أتى بكلما عزلتك فأنت وكيلي عاد مطلقا لاقتضائها التكرار فطريقه أو يوكل من يعزله أو يقول وكلما وكلتك فأنت معزول فإن قال وكلما انعزلت فطريقه وكلما عدت وكيلي لتقاوم التعليقين واعتضد العزل بالأصل وهو الحجر في حق الغير فقدم وليس هذا من التعليق قبل الملك خلافا للسبكي لأنه ملك أصل التعليقين "ويجريان في تعليق العزل" بنحو طلوع الشمس والأصح عدم صحته فلا ينعزل بطلوعها وحينئذ فينفذ التصرف على ما اقتضاه كلامهم لكن أطال جمع في استشكاله بأنه كيف ينفذ مع منع المالك منه وتخلص عنه بعضهم بأنه لا يلزم من عدم العزل نفوذ التصرف ولا رفع الوكالة بل قد تبقى ولا ينفذ كما لو نجزها وشرط للتصرف شرطا وأخذ بعضهم بقضية ذلك فجزم بعدم نفوذ التصرف وقد يجاب بأنا لا نسلم أن المنع مفيد إلا لو صحت الصيغة الدالة عليه ونحن قد قررنا بطلان هذه المعلقة فعملنا بأصل بقاء الوكالة إذ لم يوجد له رافع صحيح وحينئذ اتضح نفوذ التصرف عملا بالأصل المذكور فتأمله.
فرع: وكله في قبض دينه فتعوض عنه غير جنس حقه بشرطه فإن كان الموكل قال له وكالة مفوضة أو مطلقة صح كما قاله بعضهم وكأنه تجوز بالقبض عن براءة ذمة المدين وإنما قدرنا ذلك لئلا يلزم إلغاء مفوضة أو مطلقة والعقود تصان عن ذلك ما أمكن ولو وكل اثنين في عتق عبد فقال أحدهما هذا وقال الآخر حر عتق بناء على الأصح أن الكلام لا يشترط صدوره من ناطق واحد وقول بعضهم يشترط مردود بأن هذا لم يحفظ عن نحوي بل عن بعض الأصوليين وبأن كلا من المصطلحين لم يتكلم بلغو بل اتكل على نطق الآخر بالأخرى وبه يعلم أن ما نطق به كل له دخل في العتق لأنه شرط للآخر ومشروط له فلا سابق منهما حتى يترتب عليه العتق هذا ما أشار إليه الإسنوي وغيره ولك أن تقول إن نظر إلى أن كلام كل مقدر ومنوي في صحة كلام الآخر فهما في حكم جملتين فلا يتفرع ذلك على اشتراط اتحاد الناطق ولا عدمه وحينئذ فالعتق إنما وقع بالثاني لا غير وإن لم ينظر لذلك فكل تكلم بلغو لأن مدار الكلام على الإسناد وهو إيقاع النسبة أو انتزاعها وذلك الإيقاع لا يتصور تجزيه حتى ينقسم عليهما وبهذا يعلم أن اشتراط اتحاد الناطق هو التحقيق وزعم أنه لم يحفظ عن نحوي ممنوع فإن قلت أي النظرين أصوب قلت الأول لأن اللفظ حيث أمكن تصحيحه لم يجز إلغاؤه وهنا أمكن تصحيح العتق بسبق كلام الأول لكن قضية قولهم لو قال طالق لم يقع به شيء وإن نوى لفظ أنت ينازع في ذلك

 

ج / 2 ص -327-      إلا أن يفرق بأن أنت ثم لم يدل على إضماره لفظ سبقه كطلقها فتمحضت النية فيه وهي وحدها لا تأثير لها في اللفظ المحذوف لضعفها ولا كذلك حر هنا فإنه قد دل عليه لفظ سبقه فلم تتمحض النية فيه فألحق بالملفوظ به حقيقة فتأمله.

فصل في بعض أحكام الوكالة بعد صحتها
وهي ما للوكيل وعليه عند الإطلاق وتعيين الأجل وشراؤه للمعيب وتوكيله لغيره.
"الوكيل بالبيع" حال كون البيع "مطلقا" في التوكيل بأن لم ينص له على غيره أو حال كون التوكيل المفهوم من الوكيل مطلقا أي غير مقيد بشيء ويصح كونه صفة لمصدر محذوف أي توكيلا مطلقا "ليس له البيع بغير نقد البلد" الذي وقع فيه البيع بالإذن وإلا بأن سافر بما وكل في بيعه لبلد بلا إذن لم يجز له بيعه إلا بنقد البلد المأذون فيها والمراد بنقد البلد ما يتعامل به أهلها غالبا نقدا كان أو عرضا لدلالة القرينة العرفية عليه فإن تعدد لزمه بالأغلب فإن استويا فبالأنفع وإلا تخير أو باع بهما وبحث الزركشي وغيره أن محل الامتناع بالعرض في غير ما يقصد للتجارة وإلا جاز به كالقراض وبما قررته في معنى مطلقا اندفع ما قيل كأن يقول بمطلق البيع فإنه ينبغي أن صورته أن يقول بع بكذا ولا يتعرض لبلد ولا أجل ولا نقد بخلاف البيع المطلق لتقيد البيع بقيد الإطلاق وإنما المراد البيع لا بقيد ا هـ ووجه اندفاعه أن مطلقا كما علم مما قررته فيه ليس من لفظ الموكل حتى يتوهم أنه قيد في البيع وإنما هو بيان لما وقع منه من عدم التقييد بأن لم ينص له على ذات ثمن أصلا أو على صفته كبع هذا وكبعه بألف فمعنى الإطلاق في هذا الإطلاق في صفاته فاندفع قوله فإن صورته إلى آخره وكذا ما رتبه عليه فإن قلت كيف يأتي قوله ولا بغبن في الأولى قلت لأن الثمن فيها يتقدر بثمن المثل كما أفاده قوله في عدل الرهن ولا يبيع إلا بثمن المثل حالا من نقد البلد فيصير كأنه منصوص عليه فلا ينقص عنه نقصا فاحشا "ولا بنسيئة" ولو بثمن المثل لأن المعتاد غالبا الحلول مع الخطر في النسيئة ويظهر أنه لو وكله وقت نهب جاز له البيع نسيئة لمن يأتي إذا حفظ به عن النهب وكذا لو وكله وقت الأمن ثم عرض النهب لأن القرينة قاضية قطعا برضاه بذلك وكذا لو قال له بعه ببلد أو سوق كذا وأهله لا يشترون إلا نسيئة وعلم الوكيل أن الموكل يعلم ذلك فله البيع نسيئة حينئذ فيما يظهر أيضا ثم رأيت ما سأذكره آخر مهر المثل عن السبكي كالعمراني أن الولي يجوز له العقد بمؤجل اعتيد وهو يؤيد ما ذكرته لكن سيأتي فيه كلام لا يبعد مجيئه هنا "ولا بغبن فاحش وهو ما لا يحتمل غالبا" في المعاملة كدرهمين في عشرة لأن النفوس تشح به بخلاف اليسير كدرهم فيها نعم قال ابن أبي الدم العشرة إن تسومح بها في المائة فلا يتسامح بالمائة في الألف. قال فالصواب الرجوع للعرف ويوافقه قولهما عن الروياني أنه يختلف بأجناس الأموال لكن قوله في البحر أن اليسير يختلف باختلاف الأموال فربع العشر كثير في النقد والطعام ونصفه يسير في الجواهر والرقيق ونحوهما فيه نظر ولعل ذلك باعتبار عرف زمنه وإلا فالأوجه أنه يعتبر في كل ناحية عرف أهلها المطرد عندهم

 

ج / 2 ص -328-      المسامحة به ولو باع بثمن المثل وهناك راغب أو حدث في زمن الخيار يأتي هنا جميع ما مر في عدل الرهن وأفهم قوله ليس له إلى آخره بطلان تصرفه فمن ثم فرع عليه قوله "فلو باع" بيعا مشتملا "على" أو هي بمعنى مع "أحد هذه الأنواع وسلم المبيع ضمنه" للحيلولة بقيمته يوم التسليم ولو في المثلي لتعديه بتسليمه لمن لا يستحقه ببيع باطل فيسترده إن بقي وحينئذ له بيعه بالإذن السابق وقبض الثمن ويده أمانة عليه وإن لم يبق فهو طريق وقرار الضمان على المشتري فيضمن المثلي بمثله والمتقوم بقيمته وبما قررته في التفريع اندفع ما قيل كان ينبغي أن يقول لم يصح ويضمن "فإن" لم يطلق اتبع تعيينه ففي بع بما شئت أو تيسر له غير نقد البلد لا بنسيئة ولا غبن لأن ما للجنس وصرح جمع بجوازه بالغبن واعتمده السبكي وغيره لأنه العرف ما لم تدل قرينة على خلافه أو بعه كيف شئت جاز بنسيئة فقط لأن كيف للحال فشمل الحال والمؤجل أو بكم شئت جاز بالغبن فقط لأن كم للعدد القليل والكثير أو بما عز وهان جاز غير النسيئة لأن ما للجنس فقرنها بما بعدها يشمل عرفا القليل والكثير من نقد البلد وغيره وظاهر كلامهم أنه لا فرق في هذه الأحكام بين النحوي وغيره وهو محتمل لأن لها مدلولا عرفيا فيحمل لفظه عليه وإن جهله وليس كما يأتي في الطلاق في أن دخلت بالفتح لأن العرف في غير النحوي ثم لا فرق نعم قياس ما يأتي في النذر أنه لو ادعى الجهل بمدلول ذلك من أصله صدق إن شهدت قرائن حاله بذلك ولو قال لوكيله في شيء افعل فيه ما شئت أو كل ما تصنع فيه جائز لم يكن إذنا في التوكيل لاحتماله ما شئت من التوكيل وما شئت من التصرف فيما أذن له فيه فلا يوكل بأمر محتمل كما لا يهب كذا قالوه وعليه فهل يؤخذ منه أن له البيع بعرض أو غبن أو نسيئة أو لا فلا يجوز له شيء من ذلك لما تقرر من احتمال لفظه ولما فيه من الغرر فليكن قوله ما شئت لغوا كل محتمل والثاني أقرب ويتردد النظر في بأي شيء شئت وبمهما شئت ولو قيل إنهما مثل بما شئت لم يبعد وإن "وكله ليبيع مؤجلا وقدر الأجل فذاك" أي بيعه بالأجل المقدر ظاهر وله النقص منه إلا إذا نهاه أو ترتب عليه ضرر كأن يكون لحفظه مؤنة أي أو يترقب خوف كنهب قبل حلوله كما هو ظاهر أو عين له المشتري كما بحثه الإسنوي "وإن أطلق" الأجل "صح" التوكيل "في الأصح وحمل" الأجل "على المتعارف" بين الناس "في مثله" أي المبيع في الأصح أيضا لأنه المعهود فإن لم يكن عرف راعى الأنفع لموكله ثم يتخير نظير ما مر ويلزمه الإشهاد وبيان المشتري حيث باع بمؤجل وإلا ضمن وإن نسي ويظهر اشتراط كون المشتري ثقة موسرا ولا يقبض الثمن عند الحلول إلا إن نص له عليه قال جمع أو دلت عليه قرينة ظاهرة كأن أذن له في السفر لبلد بعيد والبيع فيها بمؤجل "ولا يبيع لنفسه" وإن أذن له وقدر له الثمن ونهاه عن الزيادة خلافا لابن الرفعة وقوله اتحاد الطرفين عند انتفاء التهمة جائز بعيد من كلامهم لأن علة منع الاتحاد ليست التهمة بل عدم انتظار الإيجاب والقبول من شخص واحد وخرج عن ذلك الأب لعارض بقي من عداه على المنع "وولده الصغير" أو المجنون أو السفيه ولو مع ما مر لئلا يلزم تولي الطرفين ومن ثم لو أذن في إبراء أو إعتاق من ذكر صح إذ لا تولي

 

ج / 2 ص -329-      ملك المالك وإنما اختلفا في أن انتفاعه مضمون والأصل في الانتفاع بملك الغير الضمان ولو أقاما في مسألة القرض والقراض بينتين قدمت بينة المالك على أحد وجهين رجحه أبو زرعة وغيره؛ لأن معها زيادة علم بانتقال الملك إلى الآخذ وقال بعضهم الحق التعارض أي فيأتي ما مر عند عدم البينة، ولو قال المالك قراضا والآخذ قرضا صدق الآخذ كما جزم به بعضهم وترتبت عليه أحكام القرض وخالفه غيره فقال لو اختلفا في القرض والقراض أو الغصب والأمانة صدق المالك قال البغوي، ولو ادعى المالك القرض والآخذ الوديعة صدق الآخذ؛ لأن الأصل عدم الضمان وخالفه في الأنوار فقال في الدعاوى فيما لو أبدله الوديعة بالوكالة صدق المالك والوكالة الوديعة متحدان؛ لأن الإيداع توكيل والأوجه ما قاله البغوي ثم رأيت أبا زرعة بحثه وكأنه لم يطلع عليه وعلله بأن الأصل براءة ذمته والأصل عدم انتقال الملك عن الدافع وعدم الصيغة من الجانبين المشترطة في القرض دون الوديعة ثم استدل بما مر أول القرض أنهما لو اختلفا في ذكر البدل صدق الآخذ وبقول الروضة لو بعث لبيت من لا دين له عليه شيئا ثم قال بعثته بعوض صدق المبعوث إليه وما نحن فيه أولى وإنما صدق مطعم مضطر في أنه بعوض حملا للناس على هذه المكرمة العظيمة وإبقاء النفوس وأيضا الأصل هنا عدم انتقال الملك بخلافه ثم "وكذا" يصدق في "دعوى الرد في الأصح" كالوكيل بجعل؛ لأنه أخذ العين لمنفعة المالك، وانتفاعه هو ليس بها بل بالعمل فيها وبه فارق المرتهن والمستأجر، ولو ادعى تلفا أو ردا ثم أكذب نفسه ثم ادعى أحدهما وأمكن قبل كما لو ادعى الربح ثم أكذب نفسه ثم قال خسرت وأمكن.
"ولو اختلفا في المشروط" له أهو النصف أو الثلث مثلا "تحالفا" لاختلافهما في عوض العقد مع اتفاقهما على صحته فأشبها اختلاف المتبايعين "وله أجرة المثل" لتعذر رجوع عمله إليه فوجب له قيمته وهو أجرة مثله وللمالك الربح كله ولا ينفسخ العقد هنا بالتحالف نظير ما مر في البيع.

 

ج / 2 ص -330-      الشراء بعين مال الموكل فإنه وإن وقع للموكل أيضا بهذه الشروط إلا أنه ليس للوكيل رده لتعذر انقلاب العقد له بخلاف الشراء في الذمة فالتقييد للاحتراز عن هذا فقط "وإن علمه فلا" يقع الشراء للموكل "في الأصح" وإن زاد على ما اشتراه به لأنه غير مأذون فيه عرفا "وإن لم يساوه" أي ما اشتراه به "لم يقع عنه" أي الموكل "إن علمه" أي الوكيل العيب لتقصيره إذ قد يتعذر الرد فيتضرر "وإن جهله وقع" للموكل "في الأصح" لعذر الوكيل بجهله مع اندفاع الضرر بثبوت الخيار له "وإذا وقع" الشراء في الذمة لما مر أنه ليس للوكيل الرد في المعين "للموكل" في صورتي الجهل "فلكل من الموكل والوكيل الرد" بالعيب أما الموكل فلأنه المالك والضرر به لاحق نعم شرط رده على البائع أن يسميه الوكيل في العقد أو ينويه ويصدقه البائع وإلا رده على الوكيل ولو رضي به امتنع على الوكيل رده بخلاف عكسه وأما الوكيل فلأنه لو منع لربما لا يرضى به الموكل فيتعذر الرد لكونه فوريا فيقع للوكيل فيتضرر به ومن ثم لو رضي به الموكل لم يرد كما مر ولم ينظروا إلى أنه لو منع كان أجنبيا فلا يؤثر تأخيره لأن منعه لا يستلزم كونه أجنبيا من كل وجه ولا إلى أنه قد يؤخر لمشاورة الموكل لأنه لما استقل بالرد لم يضطر لذلك ولعيب طرأ قبل القبض حكم المقارن في الرد كما اعتمده ابن الرفعة وعلم مما مر أنه حيث لم يقع للموكل فإن كان الشراء بالعين بطل الشراء وإلا وقع للوكيل وعند الإطلاق له شراء من يعتق على موكله فيعتق كما مر ما لم يبن معيبا فللموكل رده ولا عتق ومخالفة القمولي في هذا مردودة "وليس للوكيل أن يوكل بلا إذن إن تأتي منه ما وكل فيه" لأن الموكل لم يرض بغيره نعم لو وكله في قبض دين فقبضه وأرسله له مع أحد من عياله لم يضمن كما قاله الجوري وقيد الأذرعي المرسل معه بكونه أهلا للتسليم أي بأن يكون رشيدا وكان وجه اغتفار ذلك في عياله والذي يظهر أن المراد بهم أولاده ومماليكه وزوجاته اعتياد استنابتهم في مثل ذلك بخلاف غيرهم ومثله إرسال نحو ما اشتراه له مع أحدهم ويؤخذ من تعليلهم منع التوكيل بما ذكر أنه لا فرق بين وكلتك في بيعه وفي أن تبيعه وفرق السبكي بينهما ففي الأول يجوز التوكيل مطلقا دون الثاني فيه نظر هنا للعرف وإن كان صحيحا في نفسه "وإن لم يتأت" ما وكل فيه منه "لكونه لا يحسنه أو لا يليق به" أو يشق عليه تعاطيه مشقة لا تحتمل عادة كما هو ظاهر "فله التوكيل" عن موكله دون نفسه لأن التفويض لمثله إنما يقصد به الاستنابة ومن ثم لو جهل الموكل أو اعتقد خلاف حاله امتنع توكيله كما أفهمه كلام الرافعي واستظهره الإسنوي ويأتي مثله في قوله "ولو كثر" ما وكل فيه "وعجز عن الإتيان بكله فالمذهب أنه يوكل" عن موكله فقط "فيما زاد على الممكن" لأنه المضطر إليه بخلاف الممكن أي عادة بأن لا يكون فيه كبير مشقة لا تحتمل غالبا فيما يظهر ثم رأيت مجليا زيف الوجه القائل بأن المراد عدم تصور القيام بالكل مع بذل المجهود واعتمد مقابله القريب مما ذكرته ولو طرأ العجز لطرو نحو مرض أو سفر لم يجز له أن يوكل "ولو أذن في التوكيل وقال وكل عن نفسك ففعل فالثاني وكيل الوكيل" على الأصح لأنه مقتضى الإذن وللموكل عزله أيضا كما أفهمه جعله وكيل وكيله إذ من ملك عزل الأصل ملك عزل فرعه

 

ج / 2 ص -331-      بالأولى وعبارة أصله تفهم ذلك أيضا فلا اعتراض على المتن خلافا لمن زعمه "والأصح" على الأصح السابق "أنه" أي الثاني "ينعزل بعزله" أي الأول إياه "وانعزاله" بنحو موته أو جنونه أو عزل الموكل له لأنه نائبه وسيعلم من كلامه فيما ينعزل به الوكيل أنه ينعزل بغير ذلك "وإن قال وكل عني" وعين الوكيل أولا ففعل "فالثاني وكيل الموكل وكذا إن أطلق" بأن لم يقل عني ولا عنك "في الأصح" لأن توكيله للثالث تصرف تعاطاه بإذن الموكل فوجب أن يقع عنه وفارق نظيره من القاضي بأن الوكيل ناظر في حق الموكل فحمل الإطلاق عليه وتصرفات القاضي للمسلمين فهو نائب عنهم ولذا نفذ حكمه لمستنيبه وعليه فالغرض بالاستنابة معاونته وهو راجع له "قلت وفي هاتين الصورتين" وهما إذا قال عني أو أطلق "لا يعزل أحدهما الآخر ولا ينعزل بانعزاله" لأنه ليس وكيلا عنه "وحيث جوزنا للوكيل التوكيل" عنه أو عن الموكل "يشترط أن يوكل أمينا" فيه كفاية لذلك التصرف وإن عين له الثمن والمشتري لأن الاستنابة عن الغير شرطها المصلحة "إلا أن يعين الموكل غيره" أي الأمين فيتبع تعيينه لإذنه فيه نعم إن علم الوكيل فسقه دون الموكل لم يوكله على الأوجه كما لا يشتري ما عينه الموكل ولا يعلم عيبه والوكيل يعلمه أو عين له فاسقا فزاد فسقه لم يجز له توكيله على الأوجه أيضا وقضية إطلاق المتن أنه لا يوكل غير الأمين وإن قال له وكل من شئت وقال السبكي الأوجه خلافه كما لو قالت زوجني ممن شئت يجوز تزويجها لغير الكفء وفرق الأذرعي بأن المقصود هنا حفظ المال وحسن التصرف فيه وغير الأمين لا يتأتى منه ذلك وثم وجود صفة كمال هي الكفاءة وقد يتسامح بتركها بل قد يكون غير الكفء أصلح وحاصله أن القياس هو المتبادر وإن أمكن توضيح الفرق بأن المختل هنا بتقدير عدم الأمانة أصل المقصود من الموكل فيه وثم بعض توابعه لا هو فاغتفر ثم ما لم يغتفر هنا فإن قلت قضية تميز النكاح بالاحتياط أنه إذا جاز ذلك ثم كان قياسه هنا بالأولى قلت محل الاحتياط إن تركت للوكيل اجتهادا وبإتيانها باللفظ العام أذنت له في كل أفراده من غير اجتهاد فلا تقصير منه مع سهولة الفائت كما علم مما تقرر أولا "ولو وكل أمينا" في شيء من الصور السابقة "ففسق لم يملك الوكيل عزله في الأصح والله أعلم" لأنه أذن له في التوكيل دون العزل.

فصل في بقية من أحكام الوكالة أيضا
وهي ما يجب على الوكيل عند التقييد له بغير الأجل ومخالفته للمأذون وكون يده يد أمانة وتعلق أحكام العقد به.
"قال بع لشخص معين" هو أعني قوله: معين هنا وفيما بعده حكاية للفظ الموكل بالمعنى فإن الموكل لا يقول ذلك، بل من فلان وهذا واضح فإيراد مثله على المصنف هو التساهل تعين؛ لأنه قد يكون له غرض في تخصيصه كطيب ماله، بل وإن لم يكن له غرض أصلا عملا بإذنه ولا يصح بيعه لوكيله وقيده ابن الرفعة بما إذا تقدم الإيجاب، أو القبول ولم يصرح بالسفارة وبحث البلقيني أنه لو قال بع من وكيل زيد أي لزيد فباع من زيد بطل

 

ج / 2 ص -332-      أيضا وإنما يتجه إن كان الوكيل أسهل منه أو أرفق وإلا فالإذن في البيع من وكيله إذن في البيع منه وبه فارق ما مر بعد بل والأذرعي أنه لو ظهر بالقرينة أن التعيين إنما هو لغرض الربح فقط لكون المشتري ممن يرغب فيه لا غيره لم يتعين واعترض بأنه لرغبته فيه قد يزيده في الثمن وهذا غرض صحيح وأقول في البحث من أصله نظر؛ لأنه إنما يتأتى على الوجه الآتي في المكان إلا أن يفرق بأن التعيين ثم لم يعارضه ما يلغيه وهنا عارضته القرينة الملغية له لولا أن ذلك المعين قد يزيد على ثمن مثله وذلك موافق لغرضه، وهو زيادة الربح فاتضح أن تعيينه لا ينافي غرضه، بل يوافقه خلافا للأذرعي "أو" في "زمن" معين كيوم كذا، أو شهر كذا تعين، فلا يجوز قبله ولا بعده، ولو في الطلاق والفرق بينه وبين العتق بأنه يختلف باختلاف الأوقات في الثواب بخلاف الطلاق ممنوع، بل قد يكون له غرض ظاهر في طلاقها في وقت بخصوصه، بل الطلاق أولى لحرمته زمن البدعة بخلاف العتق ولو قال يوم الجمعة، أو العيد مثلا تعين أول جمعة أو عيد يلقاه كما لو قال في الصيف جمدا فجاء الشتاء قبل الشراء لم يكن له شراؤه في الصيف الآتي وأفهم قوله الجمعة، أو العيد أن يوم جمعة، أو عيد بخلافه وهو محتمل إلا أن يقال الملحظ فيهما واحد وهو صدق المنصوص عليه بأول ما يلقاه فهو محقق وما بعده مشكوك فيه فيتعين الأول هنا أيضا وليلة اليوم مثله إن استوى الراغبون فيهما ومن ثم قال القاضي لو باع أي فيما إذا لم يعين زمنا ليلا والراغبون نهارا أكثر لم يصح "أو" في "مكان معين تعين"، وإن لم يكن نقده أجود ولا الراغبون فيه أكثر؛ لأنه قد يقصد إخفاءه نعم، لو قدر الثمن ولم ينه عن غيره صح البيع في غيره قال القاضي اتفاقا، ورد السبكي له باحتمال زيادة راغب مردود بأن المانع تحققها لا توهمها "وفي المكان وجه" أنه لا يتعين "إذا لم يتعلق به غرض" للموكل ولم ينهه عن غيره؛ لأن تعيينه حينئذ اتفاقي وانتصر له السبكي وغيره ويرد بمنع كونه اتفاقيا كيف والأغراض أمرها خفي فوجب التقييد بنص الإذن لاحتمال أن له غرضا في التعيين، بل هو الظاهر المتعين لصون كلام الكامل عن الإلغاء ما أمكن على أن قوله: إذا لم يتعلق به غرض للموكل إن علم ذلك بنص الموكل عليه تعين إلغاء التعيين اتفاقا أو بقرينة حالية فالقرائن مختلفة وبهذا يزيد اندفاع الانتصار للثاني ثم رأيت ما يصرح بأن المراد الثاني، وهو قولهم إن وجد غرض ككثرة راغب، أو أجودية نقد تعين وإلا فوجهان فإن قلت: لم لم يجر هذا لوجه في الزمن قلت لأن النص عليه قد يضطر إليه لاحتياجه لثمنه أو لإرادته سفرا عقبه فلم يتأت فيه، ما نظر إليه الضعيف هنا من أنه قد تقوم قرينة على أنه لا يتعلق به غرض ومع جواز النقل لغيره يضمن ويفرق بينه وبين قول المودع احفظه في هذا فنقله لمثله لم يضمن بأن المدار ثم على الحفظ ومثله فيه بمنزلته من كل وجه فلا تعدى بوجه وهنا على رعاية غرض الموكل فقد لا يظهر له غرض ويكون له غرض خفي فاقتضت مخالفته الضمان "وإن قال بع بمائة" مثلا "لم يبع بأقل" منها، ولو بتافه لفوات اسم المائة المنصوص له عليه وبه فارق البيع بالغبن اليسير لأنه لا يمنع كونه بثمن المثل "وله" بل عليه إذا وجد راغب ولو في زمن الخيار كما مر "أن يزيد" عليها ولو من غير جنسها لأن المفهوم من

 

ج / 2 ص -333-      تقديرها عرفا امتناع النقص عنها فقط، وليس له إبدال صفتها كمكسرة بصحاح وفضة بذهب "إلا أن يصرح بالنهي" عن الزيادة فتمتنع الزيادة لانتفاء العرف حينئذ وإلا إذا قال بعه لزيد بمائة؛ لأنه ربما قصد محاباته قال الغزالي إلا إذا قامت القرينة على أن لا يحابيه كبعه بمائة، وهو يساوي خمسين وقد يجاب بأنه يحابيه بعدم الزيادة على المائة، وإن لم يحابه محاباة كاملة وإنما جاز لوكيله في خلعها بمائة الزيادة لأنه غالبا يقع عن شقاق فلا محاباة فيه وألحق به ما لو وكله في العفو عن القود بنصف الدية فعفا بالدية فيصح بها لو فيه نظر إذ لا قرينة هنا تنافي قصد المحاباة بخلاف الخلع وقرينة قتله لمورثه تبطلها سماحته بالعفو عنه لا سيما مع نصه على النقص عن البدل الشرعي والشراء كالبيع في جميع ما مر نعم في اشتر عبد فلان بمائة يجوز النقص عنها والفرق أن البيع يمكن من المعين وغيره فتمحض التعيين للمحاباة والشراء لتلك العين لا يمكن من غير مالكها فقد يكون تعيينه لأجل ذلك دون المحاباة "ولو قال اشتر بهذا الدينار شاة ووصفها" بأن بين نوعها وغيره مما مر في شراء العبد وإلا لم يصح التوكيل فإن أريد بالوصف أزيد مما مر ثم كان شرطا لوجوب رعاية الوكيل له في الشراء لا لصحة التوكيل حتى يبطل بفقده "فاشترى به شاتين بالصفة فإن لم تساو واحدة" منهما "دينارا لم يصح الشراء للموكل" وإن زادتا على دينار؛ لأن غرضه لم يحصل ثم إن وقع بعين الدينار بطل من أصله، أو في الذمة ونوى الموكل وكذا إن سماه خلافا لما وقع للأذرعي هنا وقع للوكيل، "وإن ساوته كل واحدة فالأظهر الصحة" أي صحة الشراء "وحصول الملك فيهما للموكل" لحصول مقصود الموكل بزيادة، وإن لم توجد الصفة التي ذكرها في الزائد على الأوجه، وإن ساوته إحداهما فقط فكذلك ولا ترد عليه؛ لأن الخلاف الذي فيها طرق لا أقوال ويظهر أنه لا بد من شرائهما في عقد واحد، أو تكون المساوية هي المشتراة أولا "ولو أمره بالشراء بمعين" أي بعين مال كاشتر بعين هذا "فاشترى في الذمة لم يقع للموكل" لأنه خالفه إذ أمره بعقد ينفسخ بتلف المدفوع حتى لا يطالب الموكل بغيره فأتى بضده، بل للوكيل، وإن صرح بالسفارة "وكذا عكسه في الأصح" بأن قال له اشتر في الذمة وسلم هذا في ثمنه فاشترى بعينه فإنه لا يقع للموكل وكذا لا يقع للوكيل؛ لأنه أمره بعقد لا ينفسخ بتلف المقابل فخالفه وقد يقصد تحصيله بكل حال، فلا نظر هنا لكونه لم يلزم ذمته بشيء، ولو لم يقل بعينه ولا في الذمة كاشتر بهذا الدينار كذا تخير الوكيل على المعتمد لتناول الاسم لهما
"ومتى خالف" الوكيل "الموكل في بيع ماله" أي الموكل بأن باعه على خلاف ما أذن له فيه "أو" في "الشراء بعينه" كأن أمره بشراء ثوب بهذا فاشتراه بغيره أي بعينه من مال الموكل، أو بشراء في الذمة فاشترى بالغبن "فتصرفه باطل" لأن الموكل لم يأذن فيه وكذا لو أضاف لذمة الموكل مخالفا له "ولو اشترى في الذمة" مع المخالفة كأن أمره بشراء ثوب في الذمة بخمسة فزاد أو بالشراء بعين هذا فاشترى في الذمة "ولم يسم الموكل وقع" الشراء "للوكيل" دون الموكل، وإن نواه؛ لأنه المخاطب والنية لا تؤثر مع مخالفة الإذن "وإن سماه فقال البائع بعتك" لنفسك أو زاد وتسميتك له كذب كما هو ظاهر مما يأتي "فقال اشتريت لفلان" أي موكله وحلف البائع على أنه غير

 

ج / 2 ص -334-      وكيل له أخذا من نظير المسألة أو عينها الآتي في مسائل الجارية "فكذا" يقع للوكيل "في الأصح" وتلغو تسمية الموكل في القبول؛ لأن تسميته غير مشترطة للصحة فإذا وقعت مخالفة للإذن كانت لغوا، أو يأتي في تصديقه هنا ما يأتي في تصديقه ثم وقد تجب تسميته الموكل كأن يوكله في قبول نحو هبة وعارية وغيرهما مما لا عوض فيه وإلا وقع للوكيل لوقوع الخطاب المملك معه ما لم ينويا الموكل على الأوجه وبقولي: المملك علم الفرق بين ما هنا وما مر في شرح ويستثنى توكيل الأعمى، وحاصله أن التمليك في الهبة والإباحة في العارية متوقف على العقد فنظر إليه ولم ينصرف عن مدلوله في المخاطب به إلا لصارف قوي هو تسمية الموكل، أو نيتهما له بخلاف ما مر ثم وكان تضمن عقد البيع العتاقة كأن وكل قنا في شراء نفسه من سيده، أو عكسه؛ لأن صرف العقد عن موضوعه بالنية متعذر ولأن المالك قد لا يرضى بعقد يتضمن الإعتاق قبل قبض الثمن "ولو قال بعت" هذا "موكلك زيدا فقال اشتريته له فالمذهب بطلانه" وإن وافق الإذن وكذا لو حذف له لعدم خطاب العاقد وإنما تعين تركه في النكاح؛ لأن الوكيل فيه سفير محض إذ لا يمكن وقوعه له بحال فإن قال بعتك لموكلك وقال قبلت له صح النية جزما "ويد الوكيل يد أمانة، وإن كان بجعل" لأن يده نائبة عن يد الموكل ولأنه عقد إحسان والضمان منفر عنه "فإن تعدى ضمن" كسائر الأمناء ومن التعدي أن يضيع منه المال ولا يدري كيف ضاع، أو وضعه بمحل ثم نسيه "ولا ينعزل بتعديه" بغير إتلاف الموكل فيه "في الأصح" لأن الأمانة حكم من أحكام الوكالة فلا يلزم من ارتفاعه بطلانها بخلاف الوديعة فإنها محض ائتمان فارتفعت بالتعدي إذ لا يمكن مجامعتها له وبحث الأذرعي وغيره انعزاله إذا وكله الولي عن محجوره لمنع إقرار مال المحجور في يد غير عدل ويؤخذ من علته أن الانعزال إنما هو بالنسبة لإقرار المال بيده لا لمجرد تصرفه الخالي عن ذلك إذا وقع على وفق المصلحة إذ الذي يتجه أن محل ما مر من منع توكيل الفاسق في بيع مال المحجور ما إذا تضمن وضع يده عليه وإلا، فلا وجه لمنعه من مجرد العقد له وهذا الذي ذكرته من التفصيل والحمل أولى من إطلاق شيخنا أن ما قاله الأذرعي وغيره مردود؛ لأن الفسق لا يمنع الوكالة فتأمله ويزول ضمانه عما تعدى فيه بيعه وتسليمه ولا يضمن ثمنه؛ لأنه لم يتعد فيه فإن رد عليه بعيب مثلا بنفسه أو بالحاكم عاد الضمان.
فرع: قال له بع هذا ببلد كذا واشتر لي بثمنها قنا جاز له إيداعها في الطريق، أو المقصد عند أمين من حاكم فغيره إذ العمل غير لازم له ولا تغرير منه، بل المالك هو المخاطر بماله ومن ثم لو باعها لم يلزمه شراء القن، ولو اشتراه لم يلزمه رده، بل له إيداعه عند من ذكر، وليس له رد الثمن حيث لا قرينة قوية تدل على رده كما هو ظاهر؛ لأن المالك لم يأذن فيه فإن فعل فهو في ضمانه حتى يصل لمالكه.
"وأحكام العقد" البيع وغيره ويظهر أن أحكام الحل كذلك "تتعلق بالوكيل دون الموكل فيعتبر في الرؤية ولزوم العقد بمفارقة المجلس والتقابض في المجلس حيث يشترط" كالربوي والسلم "الوكيل" لأنه العاقد "دون الموكل" ومن ثم جاز الفسخ بخيار المجلس،

 

ج / 2 ص -335-      وإن أجاز الموكل "وإذا اشترى الوكيل" بعين، أو في الذمة "طالبه البائع بالثمن إن كان دفعه إليه الموكل" لتعلق أحكام العقد به وله مطالبة الموكل أيضا؛ لأنه المالك "وإلا" يكن دفعه إليه "فلا" يطالبه إن كان الثمن معينا؛ لأنه ليس في يده وحق البائع مقصور عليه "وإن كان" الثمن "في الذمة طالبه" وحده به "إن أنكر وكالته، أو قال لا أعلمها" لأن الظاهر أنه يشتري لنفسه "وإن اعترف بها طالبه" به "أيضا في الأصح" وإن لم يضع يده عليه "كما يطالب الموكل ويكون الوكيل كضامن" لمباشرته العقد "والموكل كأصيل" لأنه المالك ومن ثم رجع عليه الوكيل إذا غرم، ولو أرسل من يقترض له فاقترض فهو كوكيل المشتري على المعتمد خلافا لما يصرح به كلام الرافعي في تعجيل الزكاة فيطالب وإذا غرم رجع على موكله.
تنبيه: ذكر القاضي وغيره واعتمده الأنوار وغيره ما يخالف ما تقرر من الرجوع على الوكيل، وحاصله مع الزيادة عليه أن زيدا لو قال لغيره أعط عمرا مائة قرضا علي ليدفعه في ديني كذا في عبارة، وفي أخرى ادفع مائة قرضا علي إلى وكيلي فلان، والظاهر أن ليدفعه في ديني في الأول وإلى وكيلي فلان في الثانية مجرد تصوير فيكفي ادفع مائة قرضا علي لفلان فدفع إليه، وفي عبارة فدفع إليه وقال خذه قرضا على زيد فأخذه وظاهر أيضا أن وقال خذه إلى آخره مجرد تصوير أيضا ثم مات زيد لم يرده عملا وللدافع أي؛ لأن زيدا ملكه بقبض وكيله عمرو، بل لورثة زيد وإلا ضمنه لهم ويتعلق حق الدافع بجميع تركة زيد؛ لأنه من جملة الديون المتعلقة بها، وليس للدافع مطالبة الآخذ؛ لأنه لم يأخذ لنفسه وإنما هو وكيل عن الآمر المنتهي بموته وكالة الآخذ ولذا رد على الورثة كما تقرر. ا هـ. فقولهم: وليس للدافع مطالبة الآخذ مشكل بما تقرر أولا أن الرسول يطالب ولا نظر لانعزاله بالموت؛ لأن الوكيل يطالب، ولو بعد الانعزال كما يصرح به كلامهم وحينئذ فلك في الجواب طريقان إحداهما أن هذا أعني قول هؤلاء: وليس إلى آخره مبني على ما ذكر عن الرافعي ثانيتهما الفرق بما يصرح به تصويرهم لما هنا بأنه وكله في تعاطي عقد القرض فكان كتعاطي عقد الشراء في المطالبة للوكيل؛ لأنها من جملة أحكام العقد وقد تقرر أن أحكامه تتعلق بالوكيل، وإن انعزل ولما هناك بأنه لم يتعاط عقدا وإنما الذي حصل منه مجرد الأخذ، وهو لا يقتضي المطالبة لغير مالك المأخوذ؛ لأنها إنما ثبتت ثم من جهة كونها من آثار العقد الذي تعاطاه كما تقرر وهنا لم يتعاط عقدا فلم يوجد سبب للمطالبة وهذه الطريق أقرب إلى كلامهم في البابين ومن ثم أشار إليها الجلال المحقق البلقيني كما ذكرته في شرح العباب.
"وإذا قبض الوكيل بالبيع الثمن" حيث جوزناه "وتلف في يده" أو بعد خروجه عنها "وخرج المبيع مستحقا رجع عليه المشتري" ببدل الثمن "وإن اعترف بوكالته في الأصح" لدخوله في ضمانه بقبضه له "ثم يرجع الوكيل" إذا غرم "على الموكل" بما غرمه؛ لأنه غره، ومحله إن لم يكن منصوبا من جهة الحاكم وإلا لم يكن طريقا في الضمان لأنه نائب الحاكم، وهو لا يطالب "قلت وللمشتري الرجوع على الموكل ابتداء في الأصح والله أعلم"

 

ج / 2 ص -336-      لأن الوكيل مأمور من جهته ويده كيده وعلم من كلامه أن المشتري مخير في الرجوع على من شاء منهما وأن قرار الضمان على الموكل ويأتي ما تقرر في وكيل مشتر تلف المبيع في يده ثم ظهر استحقاقه وخرج بالوكيل فيما ذكر الولي فيضمن الثمن إن لم يذكر موليه في العقد ولا يضمنه المولي في ذمته لكن ينقده الولي من مال المولي أي إن كان وإلا فمن مال نفسه فإن ذكره ضمنه المولي والفرق أنه غير نائب عنه بخلاف الوكيل، وفي أدب القضاء للغزي لو اشترى في الذمة بنية أنه لابنه الصغير فهو للابن والثمن في ماله أعني الابن بخلاف ما لو اشترى له بمال نفسه يقع للطفل ويصير كأنه وهبه الثمن أي كما قاله القاضي وقال القفال يقع للأب قال في الأنوار وهو الأوفق لإطلاق الأصحاب والكتب المعتبرة. ا هـ. وفيه نظر، بل الأوفق بما يأتي أنه لو أمهر عنه ملكه الابن فيرجع إليه بالفراق لا إلى الأب كلام القاضي ويفرق بينه وبين ما مر في اشتر لي كذا ولم يعطه ثمنا فاشتراه له بنيته بمال نفسه فيقع له ويكون الثمن قرضا على المعتمد بأن الأب يقدر على تمليك ولده قهرا بلا بدل بخلاف الوكيل.

فصل في بيان جواز الوكالة وما تنفسخ به وتخالف الوكيل والموكل ودفع الحق لمستحقه وما يتعلق بذلك
"الوكالة" ولو بجعل ما لم تكن بلفظ الإجارة بشروطها "جائزة من الجانبين" لأن لزومها يضرهما إذ قد يظهر للموكل مصلحة العزل وقد يعرض للوكيل ما يمنعه عن العمل نعم لو علم الوكيل أنه لو عزل نفسه في غيبة موكله استولى على المال جائر حرم عليه العزل على الأوجه كالوصي وقياسه أنه لا ينفذ
"فإذا عزله الموكل في حضوره" بأن قال عزلتك "أو قال" في حضوره أيضا "رفعت الوكالة، أو أبطلتها" ظاهره انعزال الحاضر بمجرد هذا اللفظ، وإن لم ينوه به ولا ذكر ما يدل عليه وأن الغائب في ذلك كالحاضر وعليه فلو تعدد له وكلاء ولم ينو أحدهم فهل ينعزل الكل؛ لأن حذف المعمول يفيد العموم أو يلغو لإبهامه، للنظر في ذلك مجال. والذي يتجه في حاضر، أو غائب ليس له وكيل غيره انعزاله بمجرد هذا اللفظ وتكون أل للعهد الذهني الموجب لعدم إلغاء اللفظ وأنه في التعدد ولا نية ينعزل الكل لقرينة حذف المعمول و لأن الصريح حيث أمكن استعماله في معناه المطابق له خارجا يجوز إلغاؤه "أو أخرجتك منها انعزل" في الحال لصراحة كل من هذه الألفاظ في العزل "فإن عزله، وهو غائب انعزل في الحال" لأنه لم يحتج للرضا فلم يحتج للعلم كالطلاق وينبغي للموكل أن يشهد على العزل إذ لا يقبل قوله فيه بعد تصرف الوكيل، وإن وافقه بالنسبة للمشتري مثلا من الوكيل أما في غير ذلك فإذا وافقه على العزل ولكن ادعى أنه بعد التصرف ليستحق الجعل مثلا ففيه التفصيل الآتي في اختلاف الزوجين في تقدم الرجعة على انقضاء العدة فإذا اتفقا على وقت العزل وقال تصرفت قبله وقال الموكل بعده حلف الموكل أنه لا يعلمه تصرف قبله؛ لأن الأصل عدمه إلى ما بعده، أو على وقت التصرف وقال عزلتك قبله فقال الوكيل: بل بعده حلف الوكيل أنه لا يعلم عزله قبله، وإن

 

ج / 2 ص -337-      لم يتفقا على وقت، حلف من سبق بالدعوى أن مدعاه سابق لاستقرار الحكم بقوله: فإن جاءا معا فالذي يظهر تصديق الموكل؛ لأن جانبه أقوى إذ أصل عدم التصرف أقوى من أصل بقائه؛ لأن بقاءه متنازع فيه ثم رأيت شيخنا جزم بتصديق الموكل ولم يوجهه.
فرع: شهدت بينة أن فلانا القاضي ثبت عنده أن فلانا عزل وكيله فلانا عما وكله فيه قبل تصرفه لم تقبل من غير تعيين لما عزله فيه أخذا مما في الروضة عن الغزالي لو كان بيد ابن الميت عين فقال وهبنيها أبي وأقبضنيها في الصحة فأقام باقي الورثة بينة بأنه رجع فيما وهب لابنه ولم تذكر البينة ما رجع فيه لم تنزع من يده بهذه البينة لاحتمال أن هذه العين ليست المرجوع فيها. ا هـ. ويؤخذ من تعليله أنه لو ثبت إقرار الأب بأنه إنما رجع في هذه أو بأنه لم يهبه غيرها أو صدق المتهب على هذا ولو ضمنيا قبلت بينة الرجوع لانتفاء ذلك الاحتمال فكذا يقال في مسألة الوكالة لو فسر الموكل بهذا التصرف، أو لم يوكله في غيره، أو صدقه المشتري على ذلك قبلت بينته، وإن لم تعين وإنما لم ينظر والعموم ما فيما رجع؛ لأنه خفي محتمل فأثر فيه ذلك الاحتمال.
"وفي قول" لا ينعزل "حتى يبلغه الخبر" ممن تقبل روايته كالقاضي وفرق الأول بتعلق المصالح الكلية بعمل القاضي فلو انعزل قبل بلوغ الخبر عظم ضرر الناس بنقض الأحكام وفساد الأنكحة بخلاف الوكيل وأخذ منه أن المحكم في واقعة خاصة كالوكيل وأن الوكيل العام كوكيل السلطان كالقاضي والذي يتجه خلافهما إلحاقا لكل بالأعم الأغلب في نوعه ولا ينعزل وديع ومستعير إلا ببلوغ الخبر وفارقا الوكيل بأن القصد منعه من التصرف الذي يضر الموكل بإخراج أعيانه عن ملكه وهذا يؤثر فيه العزل، وإن لم يعلم به بخلافهما وإذا تصرف بعد العزل، أو الانعزال بموت، أو غيره جاهلا بطل تصرفه وضمن ما سلمه على الأوجه؛ لأن الجهل لا يؤثر في الضمان ومن ثم غرم الدية والكفارة إذا قتل جاهلا العزل كما يأتي قبيل الديات ولا يرجع على المعتمد الآتي بما غرمه على موكله وإن غره وبهذا اعترض إفتاء الشاشي والغزالي فيما لو اشترى شيئا لموكله جاهلا بانعزاله فتلف في يده فغرم بدله رجع به على الموكل؛ لأنه غره ولهما أن يجيبا بأن عدم الرجوع عليه لعلة لا تأتي هنا وهي أنه محسن ثم بالعفو وأيضا فالوكيل ثم مقصر بتوكله في إراقة الدم المطلوب عدمها، ومن ثم تأكد ندب العفو ولا يضمن ما تلف في يده بعد العزل من غير تفريط وكالوكيل فيما ذكر عامل القراض "ولو قال" الوكيل الذي ليس قنا للموكل "عزلت نفسي، أو رددت الوكالة" أو أخرجت نفسي منها أو رفعتها، أو أبطلتها مثلا "انعزل" حالا وإن غاب الموكل لما مر أن ما لا يحتاج للرضا لا يحتاج للعلم ولأن قوله المذكور إبطال لأصل إذن الموكل له فلا يشكل بما مر أنه لا يلزم من فساد الوكالة فساد التصرف لبقاء الإذن "وينعزل بخروج أحدهما عن أهلية التصرف بموت، أو جنون" وإن لم يعلم الآخر به ولو قصرت مدة الجنون؛ لأنه لو قارن منع الانعقاد فإذا طرأ أبطله وصوب ابن الرفعة في الموت أنه ليس عزلا، بل تنتهي به الوكالة قيل ولا فائدة لذلك في غير التعاليق وإبداء الزركشي له فائدة أخرى منظر فيه "وكذا إغماء في الأصح" بقيده السابق في الشركة نعم وكيل رمي الجمار

 

ج / 2 ص -338-      لا ينعزل بإغماء الموكل؛ لأنه زيادة في عجزه المشترط لصحة الإنابة وذكره لهذه الثلاثة على طريق المثال، فلا يرد عليه أن مثلها طرو نحو فسقه، أو رقه، أو تبذيره فيما شرطه السلامة من ذلك وردة الموكل ينبني العزل بها على أقوال ملكه، وفي ردة الوكيل وجهان والذي جزم به في المطلب الانعزال بردة الموكل دون الوكيل، ولو تصرف نحو وكيل وعامل قراض بعد انعزاله جاهلا في عين مال موكله بطل وضمنها إن سلمها كما مر في ذمته انعقد له "وبخروج" الوكيل عن ملك الموكل و "محل التصرف" أو منفعته "عن ملك الموكل" كأن أعتق، أو باع أو وقف ما وكل في بيعه أو إعتاقه، أو آجر ما أذن في إيجاره لزوال ولايته حينئذ فلو عاد لملكه لم تعد الوكالة، ولو وكله في بيع ثم زوج، أو آجر، أو رهن وأقبض، أو أوصى، أو دبر، أو علق العتق بصفة أخرى، أو كاتب انعزل لأن الغالب أن مريد البيع لا يفعل شيئا من ذلك ولإشعار فعل واحد من هذه بالندم على التصرف وقياس ما يأتي في الوصية أن ما كان فيه إبطال للاسم ينعزل به.
تنبيه: وقع لشيخنا في شرح المنهج التمثيل لزوال الملك عن المنفعة بإيجار الأمة ثم قال وإيجار ما وكل في بيعه ومثله تزويجه فقيد الإجارة بالأمة في الأول وأطلقها في الثاني وأطلق التزويج فيه وقيده في شرح الروض بالأمة وأخرج بها العبد ووقع التقييد الأول لغير واحد من الشراح والإطلاق في الإجارة والزواج لغير واحد منهم ومن غيرهم وهذا هو الذي يتجه ووجهه أنهم عللوا الأول بزوال الولاية، وهو موجود في العبد والأمة بالإشعار بالندم وبالغالب المذكور وهذان موجودان فيهما أيضا فالوجه حمل التقييد على أنه لمجرد التمثيل خلافا لما وقع في شرح الروض، وإن أمكن توجيهه على بعد بأن إشعار تزويجها بالندم أقوى لأدائه إلى ملك أولادها الدال على رغبته في بقائها، ولو وكل قنا بإذن سيده ثم باعه أو أعتقه لم ينعزل، ولو وكل اثنين معا أو مرتبا في تصرف الخصومة، أو غيرها خلافا لمن فرق وقبلا وجب اجتماعهما عليه بأن يصدر عن رأيهما بأن يتشاورا فيه ثم يوجبا، أو يقبلا معا، أو يوكل أحدهما الآخر، أو يأذنا بعد أن رأيا ذلك التصرف صوابا لمن يتصرف حيث جاز لهما التوكيل ما لم يصرح بالاستقلال نظير ما يأتي في الوصيين، ويفرق بين ما هنا وإذنها لوليها وإذن المجبر لاثنين بأن اشتراط نحو القرابة ثم يضعف أن ذلك لاشتراط قصد الاجتماع ويقوي أنه لمجرد التوسعة للأولياء في التزويج فاندفع ما لجمع من محققي المتأخرين هنا ثم رأيت ما يؤيد ما فرقت به، وهو قول بعضهم المقصود في النكاح الإذن أي التوسعة فيه لا الاجتماع على العقد.
تنبيه: يتردد النظر فيما لو وكل شخصا في تزويج أمته وآخر في بيعها فعقدا معا فيحتمل أن يقال محل التردد إن وكلهما معا في ذلك وإلا كان المتأخر منهما مقتضيا لعزل الأول أخذا مما تقرر أن مريد البيع لا يزوج أي ولا يوكل في التزويج وقياسه أن الغالب أن مريد التزويج لا يبيع ولا يوكل في البيع ويحتمل أن التوكيل في التزويج، أو البيع ليس كفعله، فلا يقاس توكيله في التزويج بعد توكيله في البيع على تزويجه بعد توكيله في البيع وبفرض وقوعهما معا أو تسليم أن أحدهما بعد الآخر ليس عزلا له فهل يبطلان لاجتماع
 

 

ج / 2 ص -339-      المقتضى والمانع؛ لأن صحة كل عقد منهما تقتضي فسخ الوكالة في الآخر، أو يصح البيع فقط؛ لأنه أقوى لإزالته الملك أو النكاح فقط استصحابا لأصل دوام الملك أو يصحان؛ لأن التعارض بينهما لا يتحقق إلا إن ترتبا، كل محتمل لكن بطلانهما هو المتبادر.
"وإنكار الوكيل الوكالة لنسيان" منه لها "أو لغرض في الإخفاء" لها كخوف من ظالم على مال الموكل "ليس بعزل" لعذره "فإن تعمد ولا غرض" له في الإنكار "انعزل" ويجري هذا التفصيل الذي هو المعتمد في إنكار الموكل لها "وإذا اختلفا في أصلها" كوكلتني في كذا فقال ما وكلتك "أو" في "صفتها بأن قال وكلتني في البيع نسيئة أو" في "الشراء بعشرين فقال بل نقدا" راجع للأول "أو بعشرة" راجع للثاني "صدق الموكل بيمينه" في الكل لأن الأصل معه. وصورة الأولى أن يتخاصما بعد التصرف أما قبله فتعمد إنكار الوكالة عزل، فلا فائدة للمخاصمة وتسميته فيها موكلا بالنظر لزعم الوكيل "ولو اشترى جارية" مثلا وخصت بالذكر لامتناع الوطء على بعض التقادير قبل التلطف الآتي "بعشرين" وهي تساويها، أو أكثر "وزعم أن الموكل أمره" بالشراء بها "فقال" الموكل "بل إنما أذنت في عشرة" وفي نسخة بعشرة صدق الموكل بيمينه حيث لا بينة؛ لأنه أعرف بكيفية إذنه "و" حينئذ فإذا "حلف" الموكل أن وكيله خالفه فيما أذن له فيه كذا ذكروه وهل يكفي حلفه على أنه إنما أذن بعشرة أو لا لما مر في التحالف أنه لا يكفي ذلك. والجامع أن ادعاء الإذن بعشرين، أو عشرة كادعاء البيع بعشرين، أو بعشرة إلا أن يفرق بأن الاختلاف هنا في صفة الإذن دون ما وقع العقد به، وهو لا يستلزم ذكر نفي ولا إثبات، وثم فيما وقع به العقد المستلزم أن كلا مدع ومدعى عليه وذلك يستلزمهما صريحا وهذا هو الأقرب إلى كلامهم "فإن" كان الوكيل قد "اشترى بعين مال الموكل وسماه في العقد" بأن قال اشتريتها لفلان بهذا والمال له "أو قال بعده" أي الشراء بالعين الخالي عن تسميته الموكل "اشتريته" أي الموكل فيه "لفلان والمال له وصدقه البائع" فيما ذكره أو قامت حجة في الأولى بأنه سماه كما ذكره. "فالبيع باطل" في الصورتين؛ لأنه ثبت بالتسمية، أو التصديق أن المال والشراء لغير العاقد وثبت بيمين ذي المال أنه لم يأذن له في الشراء بذلك القدر فبطل الشراء وحينئذ فالجارية لبائعها وعليه رد ما أخذه للموكل، ومحله كما قاله البلقيني إن لم يصدقه البائع على أنه وكيل بعشرين وإلا فهي باعترافه ملك للموكل فيأتي فيه التلطف الآتي وخرج بقوله: "بعين " مال الموكل ما لو اشترى في الذمة ففيه تفصيل يأتي البطلان في بعضه أيضا، فلا يرد هنا وبقوله: والمال له في الثانية ما لو اقتصر على اشتريته لفلان، فلا يبطل البيع إذ من اشترى لغيره بمال نفسه ولم يصرح باسم الغير بل نواه يصح الشراء لنفسه، وإن أذن له الغير في الشراء "وإن كذبه" البائع بأن قال: إنما اشتريت لنفسك والمال لك، أو سكت عن ذكر المال كما هو ظاهر وقال: له الوكيل أنت تعلم أني وكيل فقال: لا أعلم ذلك، أو بأن قال له: لست وكيلا ولا بينة بالوكالة "حلف" البائع "على نفي العلم بالوكالة" لا على البت ولا على نفي العلم بأن المال لغيره خلافا لمن زعمه وإنما فرقت بين الصورتين بفرض الأولى في دعوى الوكيل عليه بما ذكر دون الثانية؛ لأن الأولى لا تتضمن نفي فعل لغير ولا إثباته فتوقف الحلف على نفي العلم

 

ج / 2 ص -340-      على ذكر الوكيل له ذلك. والثانية تتضمن نفي توكيل غيره له وهذا لا يمكن الحلف عليه؛ لأنه حلف على نفي فعل الغير فتعين الحلف فيه على نفي العلم وبهذا التفصيل الظاهر من كلامهم يندفع استشكال الإسنوي للحلف على نفي العلم الذي أطلقوه "و" إذا حلف البائع كما ذكرناه "وقع الشراء للوكيل" ظاهرا فيسلم الثمن المعين للبائع ويغرم بدله للموكل "وكذا إن اشترى في الذمة ولم يسم الموكل" بأن نواه وقال بعده اشتريت له وكذبه البائع فيحلف كما مر ويقع شراؤها للوكيل ظاهرا فإن صدقه بطل وزعم شارح أن ظاهر المتن وغيره وقوع العقد للوكيل، صرح بالسفارة أو لا، صدقه البائع أو لا، رده الأذرعي بأنه غير سديد. "وكذا إن سماه" في العقد والشراء في الذمة "وكذبه البائع في الأصح" أي في الوكالة بأن قال سميته ولست وكيلا عنه وحلف كما ذكر يقع الشراء للوكيل ظاهرا وتلغو تسميته للموكل وكذا لو لم يصدقه ولم يكذبه وهذا الخلاف هو الذي قدمه بقوله: وإن سماه فقال البائع بعتك. إلخ ولا تكرار فيه إما لتغاير التصوير في بعض الأقسام كما يعلم بتأمل المحلين، وإما لكونه أعاده هنا استيفاء لأقسام المسألة "وإن" اشترى في الذمة وسماه في العقد، أو بعده كما جزم به القمولي وغيره و "صدقه" البائع على الوكالة، أو قامت بها حجة. "بطل الشراء" لاتفاقهما على وقوع العقد للموكل وثبوت كونه بغير إذنه بيمينه واستشكل هذا مع ما مر من وقوع العقد للوكيل إذا اشترى في الذمة على خلاف ما أمر به الموكل وصرح بالسفارة وقد يجاب بحمل ذلك على ما إذا لم يصدقه البائع "وحيث حكم بالشراء للوكيل" ففيما إذا اشترى بالعين وكذبه البائع، إن صدق فالملك للموكل وإلا فللبائع فيستحب أن يرفق الحاكم بهما جميعا ليقول له البائع إن لم يكن موكلك أمرك بشرائها بعشرين فقد بعتكها بها فيقبل والموكل إن كنت أمرتك بشرائها بعشرين فقد بعتكها بها فيقبل وفيما إذا اشترى في الذمة وسماه وكذبه البائع أو لم يسمه إن صدق الوكيل فهي للموكل وإلا فهي للوكيل فحينئذ "يستحب للقاضي" ومثله المحكم كما هو ظاهر وكذا لمن قدر على ذلك غيرهما فيما يظهر ممن يظن من نفسه أنه لو أمر بذلك لأطيع "أن يرفق بالموكل" أي يتلطف به "ليقول الوكيل" إن كنت أمرتك بشرائها "بعشرين فقد بعتكها بها ويقول هو اشتريت" وإنما ندب له ذلك ليتمكن الوكيل من التصرف فيها لاعتقاده أنها للموكل و "لتحل له" باطنا إن صدق في أنه أذن له بعشرين واغتفر التعليق المذكور بتقدير صدق الوكيل، أو كذبه للضرورة على أنه تصريح بمقتضى العقد فهو كقوله: إن كان ملكي فقد بعتكه وبعتك إن شئت، ولو نجز البيع صح جزما وليس إقرارا بما قال الوكيل؛ لأنه إنما أتى به امتثالا للحاكم للمصلحة وهل يلحق بالحاكم هنا أيضا غيره ممن مر - محل نظر؛ لأن القرينة فيه أقوى منها في غيره ثم رأيت غير واحد أطلقوا أن بيع البائع أو الموكل للوكيل ليس إقرارا بما قاله ولم يعللوه بذلك فاقتضى أنه لا فرق، وهو متجه؛ لأن قرينة الاحتياط المقصود من ذلك تخرجه عن الإقرار. فإن لم يجب البائع ولا الموكل لذلك، أو لم يتلطف به أحد فإن صدق الوكيل فهو كظافر بغير جنس حقه؛ لأنها للموكل باطنا فعليه للوكيل الثمن، وهو ممتنع من أدائه فله بيعها وأخذ حقه من ثمنها وإن كذب لم يحل له التصرف فيها بشيء إن اشترى بعين

 

ج / 2 ص -341-      مال الموكل؛ لأنها للبائع لبطلان البيع باطنا فله بيعها من جهة الظفر لتعذر رجوعه على البائع بحلفه فإن كان في الذمة تصرف فيها بما شاء؛ لأنها ملكه لوقوع الشراء له باطنا "ولو قال" الوكيل "أتيت بالتصرف المأذون فيه" من بيع، أو غيره "وأنكر الموكل" ذلك "صدق الموكل" بيمينه؛ لأن الأصل معه فلا يستحق الوكيل الجعل المشروط له على التصرف إلا ببينة، نعم يصدق وكيل بيمينه في قضاء دين ادعاه وصدقه الدائن عليه فيستحق جعلا شرط له "وفي قول الوكيل" لأنه أمينه ولأنه قادر على الإنشاء ومن ثم لو كان ذلك بعد العزل صدق الموكل قطعا "وقول الوكيل في تلف المال مقبول بيمينه" لأنه أمين كالوديع فيأتي تفصيله الآتي آخر الوديعة ولا ضمان عليه وهذا هو غاية القبول هنا وإلا فنحو الغاصب يقبل قوله فيه بيمينه لكنه يضمن البدل، وكذا الوكيل بعد الجحد، ولو تعدى فأحدث له الموكل استئمانا صار أمينا كالوديع "وكذا" قوله: كسائر الأمناء إلا المرتهن والمستأجر "في الرد" للعوض، أو المعوض على موكله مقبول حيث لم تبطل أمانته؛ لأنه أخذ العين لنفع الموكل وانتفاعه بجعل إن كان إنما هو للعمل فيها لا بها نفسها وقضية إطلاق الشيخين وغيرهما قبوله في ذلك، ولو بعد العزل لكن بحث السبكي كابن الرفعة في المطلب أنه لا يقبل بعده وتأييده بقول القفال لا يقبل قول قيم الوقف في الاستدانة بعد عزله فيه نظر ظاهر؛ لأن هذا ليس نظير مسألتنا وإنما هو نظير ما مر فيما لو قال الوكيل أتيت بالتصرف المأذون فيه وقد مر أن الوكيل لا يصدق فيه "وقيل إن كان بجعل، فلا" يقبل قوله في الرد؛ لأنه أخذ العين لمصلحة نفسه ويرده ما مر وفارق المرتهن بأن تعلقه بالمرهون أقوى لتعلق حقه ببدله عند تلفه والمستأجر بذلك أيضا لتعلق حق استيفائه بالعين وأفتى البلقيني بقبول قوله في الرد، وإن ضمن كما إذا ضمن لشخص مالا على آخر فوكله في قبضه من المضمون عنه فقبضه ببينة، أو اعتراف موكله وادعى رده له، وليس هو مسقطا عن نفسه الدين لما تقرر أن قبضه ثابت وبه يبرآن مع كون موكله هو الذي سلطه على ذلك وكالوكيل فيما ذكر جاب فيقبل دعواه تسليم ما جباه على من استأجره للجباية أما لو بطلت أمانته كأن جحد وكيل بيع قبضه للثمن أو الوكالة فثبت ما جحده ضمنه للموكل لخيانته ولم يقبل قوله في تلف ولا رد للمناقضة، ومن ثم لو كانت صيغة جحده لا يستحق علي شيئا أو نحوه صدق إذ لا مناقضة ومحل ضمانه في الأول إن لم تقم بينة بالتلف قبل الجحد، أو بالرد ولو بعد الجحد وإلا سمعت على المعتمد؛ لأن المدعي لو صدقه لم يضمن فكذا إقامة الجحة عليه "ولو ادعى الرد على رسول الموكل وأنكر الرسول صدق الرسول" بيمينه؛ لأنه لم يأتمنه ومن ثم لزمه الإشهاد عليه كوديع أمره المالك بالدفع لوكيله ووكيل أمره موكله بإيداع ماله عند معين، أو مبهم "ولا يلزم الموكل تصديق الوكيل على الصحيح" لأنه يدعي الرد على غيره فليثبته عليه فإن صدقه في الدفع لرسول برئ على الأوجه ولا نظر إلى تفريطه بعدم إشهاده على الرسول "ولو قال" الوكيل بالبيع "قبضت الثمن" حيث له قبضه "وتلف وأنكر الموكل" قبضه "صدق الموكل إن كان" الاختلاف "قبل تسليم المبيع" لأن الأصل بقاء حقه وعدم القبض "وإلا" بأن كان بعد تسليم المبيع "فالوكيل" هو المصدق

 

ج / 2 ص -342-      "على المذهب" لأن الموكل ينسبه إلى تقصير وخيانة بتسليمه المبيع قبل القبض والأصل عدمه فإن أذن له في التسليم قبل القبض، أو في القبض بعد الحلول فهو كما قبل التسليم إذ لا خيانة وإذا صدق الوكيل في القبض وحلف برئ المشتري كما صححه جمع متقدمون وهو ظاهر وقال البغوي لا يبرأ واقتصر عليه في الشرح الصغير؛ لأن الأصل عدم القبض، ولو قال له موكله قبضت الثمن فأنكر صدق وليس للموكل مطالبة المشتري لاعترافه ببراءته بقبض وكيله منه نعم له مطالبة الوكيل بقيمة المبيع إن سلمه لاعترافه بالتعدي بتسليمه قبل القبض "ولو" أعطاه موكله مالا و "وكله بقضاء دين" عليه به "فقال قضيته وأنكر المستحق" دفعه إليه "صدق المستحق بيمينه"؛ لأن الأصل عدم القضاء فيحلف ويطالب الموكل فقط "والأظهر أنه لا يصدق الوكيل على الموكل" فيما قال "إلا ببينة" أو حجة أخرى؛ لأنه يدفع لمن لم يأتمنه فكان حقه إما الإشهاد عليه، ولو واحدا مستورا، وإما الدفع بحضرة الموكل نظير ما مر آخر الضمان، ومن ثم يأتي هنا ما لو أشهد فغابوا، أو ماتوا من أنه لا رجوع عليه وما لو أدى في غيبة الموكل وصدقه في الدفع من أن الموكل يرجع عليه ويصدق الموكل بيمينه أنه لم يؤد بحضرته ولا عبرة بإنكار وكيل بقبض دين لموكله ادعاه المدين وصدقه الموكل لأنه الحق له.
فرع: في الأنوار لو قال لمدينه اشتر لي عبدا بما في ذمتك ففعل صح للموكل وبرئ المدين، وإن تلف. ا هـ. وسيأتي أول الفرع الآتي ما يوافقه، وهو أوجه من قول الأشراف وغيره أنه لا يقع للموكل؛ لأن الإنسان في إزالة ملكه لا يتصور كونه وكيلا عن غيره لما فيه من اتحاد القابض والمقبض ويرده ما يأتي في تلك الفروع المتعددة أن القابض منه يصير كأنه وكيل الآذن فإن قلت هل يؤيد الأشراف تضعيفهم قول القفال لو قال لغيره أقرضني خمسة وأدها عن زكاتي صح بابه مبني على شذوذه بتجويزه اتحاد القابض والمقبض قلت: لا؛ لأن قوله أقرضني منع التقدير الذي أوجب في تلك الفروع كون القابض كأنه وكيل الآذن ولذا صح اشتر لي كذا بكذا، وإن لم يعطه شيئا؛ لأن تقدير القرض هنا لا مانع منه فعلمنا به على الأصح لا بالهبة الضمنية خلافا لمن زعمها.
"وقيم اليتيم" من جهة القاضي إذ هو المراد بالقيم حيث أطلق وزعم أن المراد به ما يعم به الأب والجد يرده تسميته يتيما إذ هو لا أب له ولا جد والوصي يأتي في بابه فتعين ما مر ومثله ولي المجنون والسفيه "إذا ادعى دفع المال إليه بعد البلوغ" والعقل والرشد "يحتاج إلى بينة على الصحيح" لأنه لم يأتمنه وقبل في الإنفاق اللائق لعسر إقامة البينة عليه والمشهور في الأب والجد كما في المطلب وجزم به ابن الصباغ أنهما كالقيم، وهو متجه، وإن خالفه السبكي فجزم بقبول قولهما وبه صرح الماوردي والإمام وألحق بهما قاض عدل أمين ادعى ذلك زمن قضائه ووجه جزما في الوصي بعدم قبوله وحكايته هذا الخلاف في القيم بأنه في معنى القاضي لا نائبه فكان أقوى من الوصي "وليس لوكيل ولا مودع" ولا سائر من يقبل قوله في الرد كشريك وعامل قراض "أن يقول بعد طلب المالك لا أرد المال إلا بإشهاد في الأصح" لأنه لا حاجة به إليه مع قبول قوله في الرد وخشية وقوعه في الحلف

 

ج / 2 ص -343-      لا تؤثر؛ لأنه لا ذم فيه، يعتد به عاجلا ولا آجلا "وللغاصب ومن لا يقبل قوله" من الأمناء كالمرتهن والمستأجر وغيرهم كالمستعير "في الرد" أو الدفع كالمدين "ذلك" أي أن يمسكه للإشهاد ويغتفر له إمساكه هذه اللحظة، وإن كان الخروج عن المعصية واجبا فورا للضرورة، هذا إن كان عليه بينة بالأخذ وإلا فنقلا عن البغوي أي وعليه أكثر المراوزة والماوردي أن له الامتناع؛ لأنه ربما يرفعه لمالكي يرى الاستفصال ومن ثم جزم به الأصوني كما رجحه الإسنوي واقتضى كلام الشرح الصغير ترجيحه وعن العراقيين أنه ليس له الامتناع وقضية كلامهما ترجيحه وجزم به في الأنوار لتمكنه من أن يقول ليس له عندي شيء ويحلف عليه "ولو قال رجل" لآخر عليه، أو عنده مال للغير "وكلني المستحق بقبض ماله عندك من دين" استعمال عند في الدين تغليبا بل وحده صحيح كما يعلم مما يأتي في الإقرار "أو عين وصدقه" الذي عنده ذلك "فله دفعه إليه" لأنه محق بزعمه نعم ينبغي أن يحمل ما ذكر في العين على ما إذا ظن إذن المالك له في قبضها بقرينة قوية حتى لا ينافي قولهم ولا يجوز دفع العين لمدعي وكالة لم يثبتها؛ لأنه تصرف في ملك الغير بغير إذنه وحينئذ، فلا اعتراض على المتن لظهور المراد مع النظر لقولهم المذكور وإذا دفع إليه فأنكر المستحق وحلف أنه لم يوكل فإن كان المدفوع عينا استردها إن بقيت وإلا غرم من شاء منهما ولا رجوع للغارم على الآخر؛ لأنه مظلوم بزعمه قال المتولي هذا إن لم تتلف بتفريط القابض وإلا فإن غرمه لم يرجع، أو الدافع رجع؛ لأن القابض وكيل بزعمه والوكيل يضمن بالتفريط والمستحق ظلمه وماله في ذمة القابض فيستوفيه بحقه، أو دينا طالب الدافع فقط؛ لأن القابض فضولي بزعمه وإذا غرم الدافع فإن بقي المدفوع عند القابض استرده ظفرا وإلا فإن فرط فيه غرمه وإلا فلا "والمذهب أنه لا يلزمه" الدفع إليه "إلا ببينة على وكالته" لاحتمال أن الموكل ينكر فيغرمه فإن لم تكن له بينة لم يكن تحليفه؛ لأن النكول كالإقرار وقد تقرر أنه، وإن صدقه لا يلزمه الدفع إليه "وإن قال" لمن عليه دين "أحالني" مستحقه "عليك" وقبلت الحوالة "وصدقه وجب الدفع" إليه "في الأصح" لما يأتي في الوارث بخلاف ما لو كذبه وهنا له تحليفه لاحتمال أن يقر أو ينكر فيحلف المدعي ويأخذ منه وإذا دفع إليه ثم أنكر الدائن الحوالة وحلف أخذ دينه ممن كان عليه ولا يرجع المؤدي على من دفع إليه؛ لأنه اعترف بالملك إليه "قلت: وإن قال" لمن عنده عين، أو دين لميت "أنا وارثه" المستغرق كما في الشامل وغيره وكأنهم لم ينظروا إلى أن أنا وارثه صيغة حصر؛ لأن ذلك خفي جدا فاندفع ما لابن العماد هنا، أو وصيه، أو موصى له بما تحت يدك وهو يخرج من الثلث "وصدقه وجب الدفع" إليه "على المذهب والله أعلم" لأنه اعترف له بالملك وأمن من التكذيب وبه فارق ما مر في الوكيل.
فرع: قال لمدينه أنفق على اليتيم الفلاني كل يوم درهما من ديني الذي عليك ففعل صح وبرئ على ما قاله بعضهم أخذا مما يأتي في إذن المؤجر للمستأجر في الصرف في العمارة وإذن القاضي للمالك في هرب عامل المساقاة والجمال ومما لو اختلع زوجته وأذن لها في إنفاقه على ولدها ومما نقله الأذرعي عن الماوردي وغيره عن ابن

 

ج / 2 ص -344-      سريج أنه لو وكل مدينه في شراء كذا من جملة دينه صح وبرئ الوكيل مما دفعه ويوافقه قول القاضي لو أمر مدينه أن يشتري له بدينه طعاما ففعل ودفع الثمن وقبض الطعام فتلف في يده برئ من الدين فصار كأنه وكيل البائع تقديرا في قبض ما في ذمة مدينه، وإن لم يكن البائع معينا كما لو أمرت زوجها أن يكيل نفقتها ويدفعها للطحان فهو من جهتها كالوكيل، وإن لم يكن معينا. ومن ثم لو قال أطعم عن كفارتي عشرة أمداد ووصفها جاز وإن لم يعين المساكين ولا ينافي ذلك قولهم لو قال لمدينه أسلم ديني في كذا لم يصح لأنهم ضيقوا في السلم لكونه محض غرر فلم يكتفوا فيه بالقبض الضمني ونحوه من الأمور التقديرية ولك أن تقول هذا كله لا دلالة فيه لما قاله ذلك في البعض؛ لأن القابض في مسألتنا ليس أهلا للقبض إذ اليتيم صغير لا أب له ويؤيد ذلك قول ابن الرفعة في مسألة العمارة وكأنهم جعلوا القابض من المستأجر وإن لم يكن معينا كالوكيل عن الآخر وكالة ضمنية وقول القاضي وصار كأنه وكيل البائع إلى آخره وقوله: إن الطحان صار من جهتها كالوكيل فالوجه في مسألة اليتيم أن المدين لا يبرأ؛ لأن ما في الذمة لا يتعين إلا بقبض صحيح، وفي الروضة لو وكل عمرو رجلا في قبض دينه من زيد فقال زيد: له خذ هذا، أو اقض به دين عمرو، أو ادفعه إليه صار وكيلا لزيد. ا هـ. وفرع القاضي على كونه وكيلا لزيد أنه لو قال لعمرو وعند إعطائه احفظ لي هذا فتلف عند عمرو وكان من ضمان زيد وبحث القمولي أنه من ضمان الدافع لعمرو والأزرق أنه من ضمان عمرو ويؤيد الدفع لعمرو لا في استحفاظه فكان به متعديا قول الأنوار لو دفع دينارا لآخر ليدفعه لغريمه فدفعه إليه وقال احفظه لي فهلك عنده كان من ضمان الدافع لا الغريم نعم إن اعترف عمرو أن المال لغير دافعه ضمنه أيضا والقرار عليه كما هو ظاهر لانتفاء كون الواضع غره حينئذ.