تحفة المحتاج بشرح المنهاج ط العلمية

ج / 2 ص -345-      كتاب الإقرار
هو لغة الإثبات من قر ثبت، وشرعا إخبار خاص عن حق سابق على المخبر فإن كان له على غيره فدعوى، أو لغيره على غيره فشهادة أما العام عن محسوس فهو الرواية وعن حكم شرعي فهو الفتوى وأصله قبل الإجماع: قوله تعالى
{شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النساء: 135] قال المفسرون شهادة المرء على نفسه هي الإقرار وخبر الشيخين: "اغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها" وأركانه أربعة مقر ومقر له وبه وصيغة.
إنما "يصح" الإقرار "من مطلق التصرف" أي المكلف الرشيد كالإمام في مال بيت المال، أو السفيه الملحق به، ولو بجناية وقعت منه حال صباه أو جنونه وسيعلم من آخر الباب اشتراط أن لا يكذبه الحس ولا الشرع ومما يأتي قريبا اشتراط الاختيار، ولو أقر بشيء وأنه مختار فيه لم تقبل بينته بأنه كان مكرها إلا إن ثبت أنه كان مكرها حتى على إقراره بأنه مختار كما يأتي ومر أن طلب البيع إقرار بالملك والعارية والإجارة إقرار بملك المنفعة لكن تعيينها إلى المقر كما هو ظاهر "إقرار الصبي" وإن راهق وأذن له وليه "والمجنون" والمغمى عليه وكل من زال عقله بما يعذر به "لاغ" لسقوط أقوالهم قيل الأولى التفريع بالفاء. ا هـ. وفيه نظر إذ لا حصر فيما قبله ومفهوم المجرور ضعيف "فإن ادعى" الصبي أو الصبية "البلوغ بالاحتلام" أي نزول المني يقظة، أو نوما والصبية البلوغ بالحيض "مع الإمكان" بأن بلغ تسع سنين قمرية تقريبا "صدق" لأنه لا يعرف إلا من جهته ولا ينافيه إمكان البينة على الحيض؛ لأنه مع ذلك عسر كما يأتي "ولا يحلف" إن خوصم؛ لأنه إن صدق لم يحتج إلى يمين وإلا فالصبي لا يحلف وإنما توقف عليها إعطاء غاز ادعى الاحتلام قبل انقضاء الحرب فأنكره أمير الجيش؛ لأنه لا يلزم من تحليفه المحذور السابق وإثبات اسم ولد مرتزق طلبه احتياطا لمال الغنيمة ولأنه لا خصم هنا يعترف بعدم صحة يمينه وإذا لم يحلف فبلغ مبلغا يقطع ببلوغه لم يحلف لانتهاء الخصومة بقبول قوله أولا، فلا ننقضه "وإن ادعاه بالسن طولب ببينة" وإن كان غريبا لا يعرف لسهولة إقامتها في الجملة ويشترط فيه إذا تعرضت للسن أن تبينه للاختلاف فيه نعم لا يبعد الإطلاق من فقيه موافق للحاكم في مذهبه؛ لأن هذا ظاهر لا اشتباه ولا خلاف فيه عندنا وبه يفرق بين هذا ونظائره الآتية في الدعاوى وهي رجلان نعم إن شهد أربع نسوة بولادته يوم كذا قبلن وثبت بهن السن تبعا كما هو ظاهر وخرج بالاحتلام والسن ما لو ادعاه وأطلق فيستفسر كما رجحه الأذرعي فإن تعذر استفساره اتجه العمل بأصل الصبا وقد يعارض ما رجحه قول الأنوار لو شهدا ببلوغه ولم يعينا نوعه قبلا إلا أن يفرق بأن عدالتهما مع خبرتهما إذ لا بد منها قاضية بأنهما تحققا أحد نوعيه قبل الشهادة به وإنما يتجه بعض الاتجاه إن كانا فقيهين موافقين لمذهب الحكم في البلوغ ومع ذلك القياس أنه لا بد من استفسارهما ويفرق بين

 

ج / 2 ص -346-      هذا وما قدمته في السن بأن الإيهام هنا أقوى "والسفيه والمفلس سبق حكم إقرارهما" في بابيهما "ويقبل إقرار" المفلس بالنكاح والمكاتب مطلقا و "الرقيق بموجب" بكسر الجيم "عقوبة" كزنا وقود وشرب خمر وسرقة بالنسبة للقطع لبعد التهمة فيه؛ لأن النفوس مجبولة على النفرة من المؤلم ما أمكنها، ولو عفا عن القود على مال تعلق برقبته، وإن كذبه السيد؛ لأنه وقع تبعا "ولو أقر" مأذون له في التجارة، أو غيره "بدين جناية لا يوجب عقوبة" أي حدا، أو قودا كجناية خطأ، أو غصب وإتلاف أو أوجبتها كسرقة، وإن زعم أن المسروق باق في يده، أو يد سيده "فكذبه السيد" في ذلك، أو سكت "تعلق بذمته دون رقبته" للتهمة فيتبع به إذا عتق أما إذا صدقه، وليس مرهونا ولا جانيا فيتعلق برقبته ويباع فيه إلا أن يفديه السيد بالأقل من المال وقيمته ولا يتبع ما بقي بعد العتق؛ لأن التعلق إذا وقع بالرقبة انحصر فيها
"وإن أقر بدين معاملة" وهو ما وجب برضا مستحقه "لم يقبل على السيد" وإن صدقه "إن لم يكن مأذونا له في التجارة" بل يتعلق بذمته يتبع به إذا عتق لتقصير معاملة "ويقبل" إقراره بدين التجارة "إن كان" مأذونا له فيها لقدرته على الإنشاء ومن ثم لو حجز عليه لم يقبل، وإن أضافه لزمن الإذن لعجزه عن الإنشاء حينئذ وإنما صح إقرار المفلس على الغرماء لبقاء ما يبقى لهم في ذمته والعبد لو قبل فإن حق السيد بالكلية أما ما لا يتعلق بالتجارة كالقرض، فلا يقبل منه واستشكل بأنه قد اقترض لنفسه فهو فاسد، أو للتجارة بإذن سيده فينبغي أن يؤدي منه؛ لأنه مال تجارة ويرد بأن السيد منكر والقرض ليس من لوازم التجارة التي يضطر إليها التاجر فلم يقبل إقراره به على السيد، ولو أطلق الدين لم يقبل أيضا أي إلا إن استفسر وفسر بالتجارة "ويؤدي" ما لزمه بنحو شراء صحيح لا فاسد؛ لأن الإذن لا يتناوله "من كسبه وما في يده" لما مر في بابه وإقرار مبعض بالنسبة لبعضه القن كالقن فيما مر ولبعضه الحر كالحر فيما مر نعم ملزم ذمته في بعضه الرقيق لا يؤخر للعتق؛ لأن له هنا ما لا بخلافه فيما مر.
"ويصح إقرار المريض مرض الموت لأجنبي" بعين، أو دين فيخرج من رأس المال إجماعا على ما قيل نعم للوارث تحليفه على الاستحقاق فيما يظهر خلافا للقفال ويؤيد ما ذكرته قولهم تتوجه اليمين في كل دعوى لو أقر بمطلوبها لزمته وما يأتي في الوارث وكون التهمة فيه أقوى لا ينافي توجه اليمين "وكذا" يصح إقراره "لوارث" حال الموت بمال ومنه إقرارها بقبض صداقها وإقرار من لا يرثه إلا بيت المال لمسلم، ولو أقر له بنحو هبة مع قبض في الصحة قبل فإن لم يقل في الصحة، أو قال في عين عرف أنها ملكه هذه ملك لوارثي نزل على حالة المرض كما يأتي "على المذهب" وإن كذبه بقية الورثة، أو بعضهم انتهى إلى حالة يصدق فيها الكاذب ويتوب الفاجر فالظاهر صدقه واختار جمع عدم قبوله إن اتهم لفساد الزمان، بل قد تقطع القرائن بكذبه قال الأذرعي، فلا ينبغي لمن يخشى الله أن يقضي، أو يفتي بالصحة ولا شك فيه إذا علم أن قصده الحرمان وقد صرح جمع بالحرمة حينئذ وأنه لا يحل للمقر له أخذه ولبقية الورثة تحليفه أنه أقر له بحق لازم يلزمه الإقرار به فإن نكل حلفوا وقاسموه ولا تسقط اليمين بإسقاطهم كما صرح به جمع فلهم طلبها بعد
 

 

ج / 2 ص -347-      ذلك ويصح إقراره لوارثه بنحو نكاح، أو عقوبة جزما وإن أفضى إلى مال، وفي الجواهر هنا فيما لو كان لمريض دين على وارثه ضمن به أجنبي فأقر بقبضه من الوارث وعكسه ما هو مبني على ضعيف، وهو عدم صحة الإقرار للوارث فظنه بعضهم مبنيا على الصحيح فاعترضه بما ليس في محله.
"ولو أقر في صحته بدين" لشخص "وفي مرضه" بدين "لآخر لم يقدم الأول" بل هما سواء كما لو ثبتا ببينة وكما لو ضمن بعد موته بحفر تعدى به وعليه دين لآخر "ولو أقر في صحته، أو مرضه" بدين لشخص "وأقر وارثه بعد موته" بدين "لآخر لم يقدم الأول في الأصح" لأنه خليفة مورثه، ولو أقر في مرضه بدين لزيد ثم بعين لعمرو ومات ولا مال له غيرها سلمت لعمرو "ولا يصح إقرار مكره" بغير حق على الإقرار بأن ضرب ليقر كسائر تصرفاته أما مكره على الصدق كأن ضرب ليصدق في قضية اتهم فيها فيصح حال الضرب وبعده على إشكال قوي فيه لا سيما إن علم أنهم لا يرفعون الضرب عنه إلا بأخذت مثلا. وغاية ما وجهوا به ذلك أن الصدق لم ينحصر في الإقرار لكن أطال جمع في رده قال ابن عبد السلام في فتاويه، ولو ادعى أنه باع كذا مثلا مكرها لم تسمع دعوى الإكراه والشهادة به إلا مفصلة وإذا فصلا وكان قد أقر في كتاب التبايع بالطواعية لم تسمع دعواه حتى تقوم بينة بأنه أكره على الإقرار بالطواعية. ا هـ. وإذا فصل دعوى الإكراه صدق فيها إن ثبتت قرينة تدل عليه كحبس بدار ظالم لا على نحو دين وكتقييد وتوكل به قال القفال ويسن أن لا يشهد حيث دلت قرينة على الإكراه فإن شهد كتب صورة الحال لينتفع المكره بذكر القرينة وأخذ السبكي من كلام الجرجاني حرمة الشهادة على مقيد، أو محبوس وبه جزم العلائي فقال إن ظهرت قرائن الإكراه ثم أقر لم تجز الشهادة عليه والأوجه أنه عند ظهور تلك القرائن تقبل دعواه الإكراه سواء أكان الإقرار للظالم المكره، أو لغيره الحامل للظالم على الإكراه وتقدم بينة الإكراه على بينة اختيار، لم تقل كان مكرها وزال إكراهه ثم أقر.
"ويشترط في المقر له" تعيينه بحيث تمكن مطالبته كما يشير إليه قوله: لحمل هند كعلي مال لأحد هؤلاء العشرة بخلاف الواحد من البلد علي ألف إلا إن كانوا محصورين فيما يظهر، ولو قال واحد منهم أنا المراد ولي عليك ألف صدق المقر بيمينه فإن كان قال لأحدهم علي ألف فلكل الدعوى عليه وتحليفه فإن حلف لتسعة فهل تنحصر الألف في العاشر فيأخذه بلا يمين، أو يحلف له أيضا لاحتمال كذبه في حلفه للذي قبله كل محتمل ثم رأيتهم قالوا في إن كان هذا الطائر غرابا فنسائي طوالق وإلا فعبدي حر وأشكل لو أنكر الحنث في يمين أحدهما كان اعترافا به في الآخر فقوله: لم أحنث في يمين العبد كقوله: حنثت في يمين النسوة وعكسه وهذا ظاهر في ترجيح الأول. ولو أقر بعين لمجهول كعندي مال لا أعرف مالكه لواحد من أهل البلد نزع منه أي نزعه منه ناظر بيت المال لأنه إقرار بمال ضائع وهو لبيت المال ويظهر أن محله ما لم يدع، أو تقم قرينة على أنه لقطة ولو كان بيده ثلث في عين وآخر سدسها وآخر نصفها فأقر بحصته لهما أو قال العين لهما دوني

 

ج / 2 ص -348-      قسمت حصة بينهما نصفين كما هو ظاهر حذرا من الترجيح بلا مرجح وكون أحدهما له أكثر من الآخر لا يصلح للترجيح نعم إن قال أردت التوزيع عليها بحسب حصتهما قبل لاحتماله ولذي السدس تحليفه إن لم يصدقه و "أهلية استحقاق المقر به" حسا، أو شرعا؛ لأن الإقرار بدونه كذب "فلو قال" له علي الألف الذي في هذا الكيس، وليس فيه شيء، أو "لهذه الدابة علي كذا" وأطلق "فلغو". أما الأول فواضح ويفرق بينه وبين ألف في هذا ولا شيء فيه بأن الاقتصار على له علي ألف مستعمل فكان قوله في هذا ولا شيء فيه متمحضا للرفع فألغي بخلاف الاقتصار على له علي الألف غير مستعمل حيث لا عهد فوقع قوله: الذي في الكيس بيانا لا رافعا ومن ثم اتجه أنه لا فرق هنا بين ذكر الذي وحذفه ثم رأيت شيخنا نقل فرقا هذا أوضح منه كما يعرف بتأملهما ثم هذا في نحوي ظاهر، وأما جريانه في عامي صرف فبعيد والذي يتجه استفساره والعمل بإرادته فإن تعذر لم يعمل به لاحتماله ولا قرينة، بل قرينة أصل البراءة تؤيد الإلغاء، وأما الثاني فلاستحالة ملكها واستحقاقها ومن ثم لو كانت مسبلة بنحو وصية، أو وقف صح لإمكانه "فإن قال" علي لهذه الدابة "بسببها لمالكها" كذا "وجب" لإمكانه وسببيتها لإتلاف بعضها، أو استيفاء منفعتها ويحمل مالكها في كلامه على مالكها حال الإقرار؛ لأنه الظاهر فإن أراد غيره قبل كما لو صرح به، ولو لم يقل لمالكها لم يحمل على مالكها حالا بل يستفسر ويعمل بتفسيره فإن مات قبله رجع فيه لوارثه فيما يظهر، وليس في هذا إبهام المقر له؛ لأنه لما ربط إقراره بمعين هو هذه الدابة صار المقر له معلوما تبعا فاكتفى به بخلاف ما مر في رجل من أهل هذه البلد لأنها، وإن عينت ليست سببا للاستحقاق فلم تصلح للاستتباع، ولو أقر بعين، أو دين لحربي ثم استرق، أو بعد الرق وأسنده لحالة الحرابة كما هو ظاهر لم يكن المقر به لسيده أي بل يوقف فإن عتق فله وإن مات قنا فهو فيء "وإن قال لحمل هذا كذا" علي، أو عندي "بإرث" من نحو أبيه "أو وصية" له "لزمه" لإمكانه والخصم في ذلك ولي الحمل إذا وضع نعم إن انفصل لأكثر من أربع سنين من حين الاستحقاق مطلقا أو لستة أشهر فأكثر من حين ذلك وهي فراش لم يستحق نظير ما يأتي في الوصية له "وإن أسنده إلى جهة لا تمكن في حقه" كله علي ألف أقرضنيه "فلغو" ذلك الإسناد لاستحالته دون الإقرار؛ لأنه وقع صحيحا فلا يبطل ما عقبه به، وكله علي ألف من ثمن خمر أما لو قال باعني كذا بألف فالإقرار نفسه هو اللغو كباعني خمرا بألف وبهذا التفصيل الذي ذكرته يجمع بين إطلاق جمع إلغاء الإقرار، وهو صريح كلام الروضة والمتن وآخرين إلغاء الإسناد وصحة الإقرار وأطالوا في الانتصار له وتوهيم ما في الروضة والمتن على أنه يمكن توجيه ما فيهما بإطلاقه بأن قرينة حال المقر له ملغية للإقرار له لولا تقدير احتمال بعيد وتقديره: إنما يحسن عند الإطلاق دون التقييد بجهة مستحيلة بخلاف ألف من ثمن خمر فإنه لا قرينة في المقر له تلغيه فعمل به وأسقط منه المبطل وهذا معنى ظاهر يصح الاستمساك به في الفرق فتغليظ المصنف في فهمه من كلام المحرر أن الإقرار هو اللغو ليس في محله فتأمله. ومن المستحيل شرعا أن يقر لقن عقب عتقه بدين، أو عين ويظهر أن محله في غير من علمت

 

ج / 2 ص -349-      حرابته وملكه قبل لما مر فيه بخلاف من احتمل فيه ذلك لندرته فإن قلت: يأتي الحمل على الممكن وإن ندر وهذا ينافي عدهم ما ذكر مستحيلا شرعا قلت يفرق بأنه هنا قام مانع بالمقر له حالة الإقرار من صحة وقوع الملك له بكل وجه فعدوه مستحيلا نظرا لذلك وثم لم يقم به مانع حالة الإقرار كذلك فنظروا لإمكان ملكه، وإن ندر وأن يثبت له دين بنحو صداق أو خلع، أو جناية فيقر به لغيره عقب ثبوته لعدم احتمال جريان ناقل حينئذ كما يأتي ومن ذلك أيضا أن يقر عقب إرثه لآخر بما يخصه "وإن أطلق" الإقرار له ولم يسنده إلى شيء "صح في الأظهر" ويحمل على ما يمكن في حقه، وإن ندر كوصية أو إرث حملا لكلام المكلف على الصحة ما أمكن هذا إن انفصل حيا وإلا استفسر فإن مات ولم يستفسر بطل الإقرار ويفرق بينه وبين ما قدمته بأنه ثم ذكر السبب الملزم بخلافه هنا أما إذا أسنده لممكن بعد الإقرار، ولو على التراخي فيصح جزما كما لو أقر لطفل وأطلق، وهو لنحو مسجد كهو لحمل "وإن كذب المقر له" بعين، أو دين ووارثه "المقر" في أصل الإقرار بطل لكن في حقه فقط و "ترك المال في يده" في صورة العين ولم يطالب بالدين في صورته "في الأصح" لأن يده تشعر بالملك ظاهرا والإقرار الطارئ عارضه إنكار المقر له فسقط، ومن ثم كان المعتمد أن يده تبقى عليه يد ملك لا مجرد استحفاظ وبحث الزركشي حرمة وطئه لإقراره بتحريمه عليه قال: بل ينبغي تحريم جميع التصرفات حتى يرجع ويرد بأن التعارض المذكور أوجب له العمل بدوام الملك ظاهرا فقط، وأما باطنا فالمدار فيه على صدقه وعدمه، ولو ظنا وحينئذ، فلا يصح ما ذكره بإطلاقه "فإن رجع المقر في حال تكذيبه" مصدر مضاف للمفعول "وقال غلطت" أو تعمدت الكذب "قبل قوله في الأصح" بناء على الأصح السابق أن إقراره بطل أما على مقابله، فلا يقبل، أما رجوع المقر له، أو إقامة بينة به، فلا يقبل منه حتى يصدقه ثانيا لأن نفيه عن نفسه بطريق المطابقة ونفي المقر بطريق الالتزام فكان أضعف.

فصل في الصيغة
وشرطها لفظ أو كتابة، ولو من ناطق أو إشارة أخرس تشعر بالالتزام بحق فحينئذ "قوله: لزيد" علي ألف فيما أظن، أو أحسب لغو، أو فيما أعلم أو أشهد صحيح وقوله: ليس لك علي شيء ولكن لك علي ألف درهم لم يجب ما بعد لكن لمناقضة ما قبلها لها وقد يستشكل بأن المعنى ليس لك علي إلا ألف درهم ويجاب بأن التناقض في تلك أظهر وقوله لامرأة ألم أتزوجك أمس أو أليس قد تزوجتك أمس فقالت: بلى ثم جحدت لم يكن ما قاله إقرارا منه على الأصح، بل هو استفهام وقوله: لزيد "كذا صيغة إقرار" لأن اللام للملك ثم إن كان ذلك معينا كلزيد هذا الثوب، أو خذ به فإن كان بيده حال الإقرار أو انتقل إليه لزمه تسليمه لزيد، أو غيره كله ثوب، أو ألف اشترط أن ينضم إليه شيء مما يأتي كعندي، أو علي؛ لأنه مجرد خبر لا يقتضي لزوم شيء للمخبر ولهذا التفصيل ذكر كونه صيغة ولم يذكر اللزوم به نعم إن وصل به ما يخرجه عن الإقرار كله علي كذا بعد موتي، أو إن فعل كذا لم يلزمه

 

ج / 2 ص -350-      شيء كما بحثه الأذرعي والثانية مأخوذة مما يأتي في نحو إن شاء الله أنه ليس من تعقيب الإقرار بما يرفعه "وقوله: علي وفي" هي بمعنى، أو كالتي بعدها "ذمتي كل" على انفرادها "للدين" الملتزم في الذمة لأنه المتبادر منه عرفا فإن أراد العين قبل في علي فقط لإمكانه أي على حفظها "ومعي" ولدي "وعندي" كل على انفرادها "للعين" لذلك ويحمل على أدنى المراتب وهو الوديعة فيقبل قوله بيمينه في الرد والتلف وقبلي بكسر أوله صالح لهما كما رجحاه واعترضا بنص الأم أنه كعلي أي فينصرف عند الإطلاق للدين
"ولو قال لي عليك ألف" أو اقض الألف الذي لي عليك فقال لا يلزمني تسليمها اليوم لم يكن مقرا؛ لأن الإقرار لا يثبت بالمفهوم أي لضعف دلالته فيما المطلوب فيه اليقين، أو الظن الغالب، وهو الإقرار وبهذا يندفع قول التاج السبكي مضعفا له وهذا يقوله من يقصر المفاهيم على أقوال الشارع ووجه اندفاعه أنه يأتي على الأصح المقرر في الأصول أن المفهوم يعمل به في غير أقوال الشارع لما قررته أن الإقرار خرج عن ذلك لاختصاصه بمزيد احتياط ومن ثم أطلق الشافعي أنه إنما يؤخذ فيه باليقين ولا يستعمل الغلبة لكن مراده ما قررته أن الظن القوي ملحق فيه باليقين كما صرحوا به في أكثر مسائله ويؤيد ما ذكرته قولهم لو قال لي عليك ألف فقال ليس لك علي أكثر من ألف لم يلزمه شيء؛ لأن نفي الزائد عليه لا يوجب إثباته ولا إثبات ما دونه، ولو قال لزيد علي أكثر مما لك بفتح اللام لم يكن إقرارا لواحد منهما بخلاف ما لو كسرها فإنه إقرار لزيد فإن قلت يؤيد ما قاله التاج قول الروضة لو قال أقرضتك كذا فقال ما أقرضتك غيره كان إقرارا به. ا هـ. فهذا فيه ثبوت الإقرار بالمفهوم قلت: لا يؤيده؛ لأن هذا في قوة ما اقترضت إلا هو، ومفهوم هذه الصيغة وهو ثبوت اقتراضه أعلى المفاهيم، بل قال جمع كثيرون إنه صريح فلا يقاس به مفهوم الظرف المختلف في حجيته فإن قلت: سيأتي قولهم لأن المفهوم من هذه الألفاظ عرفا الإقرار وهذا صريح في العمل فيه بالمفهوم قلت: وهذا لا يرد علينا لأنه في ألفاظ اطرد العرف في استعمالها مرادا منها ذلك وهذا لا شك في العمل به وكلامنا في مفهوم لفظ لم يطرد العرف في قصده منه، ولو قال له أحد تينك الصيغتين "فقال" مع مائة، أو "زن، أو خذ أو زنه، أو خذه، أو اختم عليه، أو اجعله في كيسك" أو هو صحاح، أو مكسرة "فليس بإقرار" لأنه ليس بالتزام وإنما يذكر في معرض الاستهزاء وكذا مهما قلت عندي. "ولو قال" في جواب لي عليك ألف "بلى، أو نعم، أو صدقت"، أو أجل، أو جير، أو إي بالكسر "أو أبرأتني منه" أو أبرئني منه "أو قضيته" أو قضيت نظير ما يأتي في أقضي غدا "أو أنا مقر به" أو لا أنكر ما تدعيه "فهو إقرار" لأن الستة الأول موضوعة للتصديق نعم لو اقترن بواحد مما ذكر قرينة استهزاء كإيراد كلامه بنحو ضحك وهز رأس مما يدل على التعجب والإنكار أي وثبت ذلك كما هو ظاهر لم يكن به مقرا على أحد احتمالين للرافعي والمصنف وميلهما إليه. لكن رجح الإسنوي وغيره أنه لا فرق لضعف القرينة لا لكونه تعقيبا للإقرار بما يرفعه؛ لأن القرينة هنا مقارنة، فلا رفع فيها و لأن دعوى الإبراء أو القضاء اعتراف بالأصل، ولو حذف منه لم يكن إقرارا لاحتماله الإبراء من الدعوى وهو لغو وكذا أقر أنه أبرأني منه، أو استوفاه

 

ج / 2 ص -351-      مني كما أفتى به القفال وهي حيلة لدعوى البراءة مع السلامة من الالتزام وألحق به أبرأتني من هذه الدعوى و لأن الضمير في به يعود للتلف المدعى به وحينئذ لا يحتاج إلى أن يقول لك وبه أجاب السبكي عن قول الرافعي يحتمل إذا حذف لك أنه مقر به لغيره، ولو سأل القاضي المدعى عليه عن جواب الدعوى فقال عندي كان إقرارا قاله السبكي، ولو قال إن شهدا علي بكذا صدقتهما، أو قالا ذلك فهو عندي، أو صدقتهما لم يكن إقرارا لأنه لم يجزم ولأن الواقع لا يعلق بخلاف فهما صادقان لأنهما لا يكونان صادقين إلا إن كان عليه المدعى به الآن فيلزمه، ولو قال فهما عدلان فيما شهدا به فالذي يظهر أنه كقوله: فهما صادقان؛ لأنه بمعناه بخلاف ما لو اقتصر على فهما عدلان، ولو قال شهد عليه هو عدل، أو صادق لم يكن إقرارا حتى يقول فيما شهد به، ولو ادعى عليه بعين فقال صالحني عما كان لك علي كان إقرارا بمبهم فيطالب ببيانه وفارق كان ذلك عندي أو علي ألف بأنه لما لم يقع جوابا عن شيء كان باللغو أشبه، ولو ادعى عليه ألفا فأنكر فقال اشتر هذا مني بالألف الذي ادعيته كان إقرارا به كبعني بخلاف صالحني عنه به إذ ليس من ضرورة الصلح كونه بيعا حتى يكون ثم ثمن بخلاف الشراء "ولو قال أنا مقر" ولم يقل به "أو أنا أقر به فليس بإقرار" لصدق الأول بإقراره ببطلانه أو بالتوحيد ولاحتمال الثاني للوعد بالإقرار في ثاني الحال "ولو قال أليس لي عليك كذا فقال بلى، أو نعم فإقرار، وفي نعم وجه" إذ هي لغة تصديق للنفي المستفهم عنه بخلاف بلى فإنها رد له ونفي النفي إثبات، ومن ثم جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما في آية {أَلَسْتُ} [الأعراف: 172] لو قالوا: نعم كفروا، وردوا هذا الوجه بأن الأقارير ونحوها محمولة على العرف المتبادر من اللفظ لا على دقائق العربية وبه يعلم أنه لا فرق بين النحوي وغيره خلافا لمن فرق لكنه يشكل بالفرق بينهما في أنت طالق أن دخلت بفتح الهمزة وقد يفرق بأن المتبادر هنا حتى عند النحوي عدم الفرق لخفائه على كثير من النحاة بخلافه ثم ولعدم الفرق هنا نظر الزركشي في قول ابن عبد السلام لو لقن العربي كلمات غريبة لا يعرف معناها لم يؤاخذ بها؛ لأنه لما لم يعرف مدلولها يستحيل عليه قصدها ويرد بأن لهذا اللفظ عرفا يفهمه العامي أيضا، وكلام ابن عبد السلام في لفظ لا يعرفه العامي أصلا لكن الأوجه أن العامي الذي يخالطنا يقبل منه دعوى الجهل بمدلول أكثر ألفاظ الفقهاء بخلاف المخالط لنا لا يقبل إلا في الخفي الذي لا عرف له يصرفه إليه، ولو تعارضت بينتا إقرار زيد وإبراء غريمه فإن علم تأخر أحدهما فالحكم له وإلا، فلا شيء "ولو قال اقض الألف الذي لي عليك" أو لي عليك ألف، أو أليس لي عليك ألف، أو أخبرت أن لي عليك ألفا "فقال نعم" أو جير، أو بلى، أو إي "أو أقضي غدا أو أمهلني يوما" أو أمهلني، وإن لم يقل يوما ويؤخذ منه أنه لا يشترط ذكر غدا بعد أقضي "أو حتى أقعد أو أفتح الكيس، أو أجد" أي المفتاح، أو الدراهم مثلا "فإقرار في الأصح" حيث لا استهزاء أخذا مما مر؛ لأنه المفهوم من هذه الألفاظ عرفا.
تنبيه: ظاهر كلامهم، أو صريحه أنه لا يشترط نحو ضمير، أو خطاب في أقضي، أو أمهلني ويشكل عليه اشتراطه في أبرأتني وأبرئني، أو أنا مقر، ومن ثم قال الإسنوي في أقضي لا بد من

 

ج / 2 ص -352-      نحو ضمير لاحتماله للمذكور وغيره على السواء. ا هـ. ولك أن تقول هم لم يغفلوا عن ذلك بل أشاروا للجواب بأن المفهوم من هذه الألفاظ عرفا ما ذكروه فيها ويؤيد ذلك أن الوعد بالقضاء وطلب الإمهال لا يتبادر منهما إلا الاعتراف وطلب الرفق بخلافه في أبرأتني؛ لأنه يحتمل احتمالا قريبا أنه مخبر عن إبرائه من الدعوى عليه بالباطل وأبرئني بالأمر؛ لأنه يستعمل عرفا للاحتياط كثيرا ألا ترى إلى قولهم يسن لنحو مريد سفر طلب الإبراء والاستحلال من كل من بينه وبينه معاملة وأنا مقر؛ لأنه يستعمل كثيرا للإقرار بالوحدانية ونحوها.
فرع: قال الزبيلي لو قال اكتبوا لزيد علي ألف درهم لم يكن إقرارا؛ لأنه إنما أمر بالكتابة فقط ويوافقه قول جمع متقدمين لو قال اشهدوا علي بكذا، أو بما في هذا الكتاب لم يكن إقرارا؛ لأنه ليس فيه إلا الإذن بالشهادة عليه ولا تعرض فيه للإقرار بالمكتوب أي مثلا قالوا بخلاف أشهدكم مضافا لنفسه. ا هـ. وفي الفرق بين أشهدكم واشهدوا علي نظر ظاهر ثم رأيت كلام الغزالي صريحا في أن اشهدوا علي بكذا إقرار أيضا وعبارة فتاويه لو قال اشهدوا علي أني وقفت جميع أملاكي وذكر مصرفها ولم يحدد شيئا منها صارت جميع أملاكه التي يصح وقفها وقفا ولا يضر جهل الشهود بحدودها ولا سكوته عنها ومهما شهدوا بهذا اللفظ ثبت الوقف انتهت فهي صريحة كما ترى في الصحة مع قوله: اشهدوا علي إلى آخره ووافقه على ذلك أبو بكر الشاشي وأقرهما في التوسط ولا يعارضه قول فتاوى البغوي لو قال: المواضع التي أثبت أساميها وحدودها في هذا ملك لفلان وكان الشاهد لا يعرف حدودها ثبت الإقرار ولم تجز الشهادة عليها أي بحدودها وأما على تلفظه بالإقرار بالشهادة فالشهادة جائزة كما يصرح به قوله: ثبت الإقرار وبحث الصلاح أنه لو وجد ذلك أي اشهدوا علي ممن عرف استعماله في الإقرار كان إقرارا وأفتى السبكي بأن قوله: ما نزل في دفتري صحيح يعمل به فيما علم أنه به حالة الإقرار ويوقف ما حدث بعده، أو شك فيه قال غيره، وفي وقف ما علم حدوثه نظر. ا هـ. وهو ظاهر.
تنبيه: مما يرد على الأولين الزبيلي والذين بعده قولهم لو قال أقر له عني بألف له علي كان إقرارا جزما فهذا ليس فيه إلا الأمر بما ذكر وقد علمت أنهم جزموا بلزوم الألف له عملا بقوله: له علي مع كونه وقع تابعا فهو نظير قوله: اشهدوا علي بألف له علي فإن قلت: هل يمكن الفرق بأنه لما صرح هنا بأنه إنما أمر بما ذكر عنه كان ذلك متضمنا للالتزام ومانعا من احتمال ما يخدش فيه بخلاف مجرد اشهدوا بألف له علي فإنه لم يوجد فيه ما يتضمن ذلك قلت يمكن لكنه خفي فكان ما ذكروه من اللزوم ثم القطع به في تلك المسألة قاضيا على أولئك بضعف ما سلكوه فتأمله، ولو قال لي عليك عشرة دنانير فقال صدق له علي عشرة قراريط لزمه كل منهما لكن القراريط مجهولة.

فصل فيما يتعلق بالركن الرابع، وهو المقر به
"يشترط في المقر به" أن يكون مما تجوز المطالبة به و "أن لا يكون ملكا للمقر" حين يقر؛ لأن الإقرار ليس إزالة عن الملك وإنما هو إخبار عن كونه ملكا للمقر له "فلو قال داري

 

ج / 2 ص -353-      أو ثوبي" أو داري التي اشتريتها لنفسي لزيد ولم يرد الإقرار "أو ديني الذي على زيد لعمرو فهو لغو" لأن الإضافة إليه تقتضي الملك له فتنافي إقراره به لغيره فحمل على الوعد بالهبة ومن ثم صح مسكني، أو ملبوسي له إذ قد يسكن ويلبس غير ملكه ويتردد النظر في قوله: داري التي أسكنها؛ لأن ذكر هذا الوصف قرينة على أنه لم يرد بالإضافة الملك أما إذا أراد الإقرار بما ذكر فيصح كما قاله البغوي وقول الأنوار لا أثر للإرادة هنا يشكل بقوله أيضا في الدار التي ورثتها من أبي لفلان إنه إقرار إن أراده إذ لا فرق بين اشتريتها مثلا وورثتها ويوجد ذلك بأن إرادته الإقرار بذلك تبين أن مراده الشراء والإرث في الظاهر دون الحقيقة وفيه أيضا جميع ما عرف لي لفلان صحيح ولو قال الدين الذي كتبته، أو باسمي على زيد لعمرو صح إذ لا منافاة أيضا، أو الدين الذي لي على زيد لعمرو لم يصح إلا إن قال واسمي في الكتاب عارية وكذا إن أراد الإقرار فيما يظهر أخذا مما مر ومر أن دين المهر ونحو المتعة والخلع وأرش الجناية والحكومة لا يصح الإقرار بها عقب ثبوتها وعليه يحمل قول البغوي محل صحة الإقرار فيما مر إذا لم يعلم أنه للمقر إذ لا يجوز الملك بالكذب "ولو قال هذا لفلان وكان ملكي إلى أن أقررت" به "فأول كلامه إقرار وآخره لغو" فيطرح آخره فقط لاستقلاله ومن ثم صح أيضا هذا ملكي هذا لفلان، أو هذا لي وكان ملك زيد إلى أن أقرر؛ لأنه إقرار بعد إنكار، أو عكسه ولم تصح هذه التي هي ملكي لفلان وإنما لم يقبل قول شاهد تناقض كأن حكى ما ذكر، وإن أمكن الجمع فيه؛ لأنه يحتاط للشهادة ما لا يحتاط للإقرار "وليكن المقر به" من الأعيان "في يد المقر" حسا، أو حكما "ليسلم بالإقرار للمقر له" لأنه مع عدم كونه بيده مدع، أو شاهد بغير لفظهما وأفهم المتن أن هذا شرط للتسليم لا لصحة الإقرار فيصح حتى إذا صار في يده عمل به كما يأتي ويستثنى ما لو باع القاضي مال غائب فقدم وادعى تصرفا قبله فيقبل وما لو باع بشرط الخيار فادعاه رجل فأقر البائع في مدة الخيار بأنه ملك المدعي فيصح إقراره وينفسخ البيع؛ لأن له فسخه وما لو وهب لولده عينا ثم أقبضه إياها ثم أقر بها لآخر فيقبل على ما في البيان لكن بناه الأذرعي على ضعيف أن الرجوع يحمل بمجرد التصرف "فلو أقر ولم يكن في يده ثم صار" في يده "عمل بمقتضى الإقرار" لوجود شرط العمل به فيسلم للمقر له حالا.
تنبيه: يؤخذ من المتن وغيره صحة ما أجبت به في ممر مستطيل إلى بيوت، أو مجرى ماء كذلك إلى أراض لا يقبل قسمة فأقر بعض الشركاء لآخر بحق فيه من صحة الإقرار ووقف الأمر لتعذر تسليم المقر به؛ لأن يد الشركاء حائلة فإن صار بيد المقر ما يمكنه به تسليم الحق المقر به وأخذ به وإلا، فلا ولا قيمة هنا للحيلولة؛ لأن الشرط أن تكون من المقر وهي هنا من غيره لتعذر القسمة والمرور في حق الغير.
"فلو أقر بحرية عبد" معين "في يد غيره"، أو شهد بها "ثم اشتراه" لنفسه أو ملكه بوجه آخر أو استأجره وخص الشراء؛ لأنه الذي يترتب عليه جميع الأحكام الآتية "حكم بحريته" بعد انقضاء مدة خيار البائع ورفعت يد المشتري عنه وتسمية الحر في زعم المقر عبدا باعتبار ظاهر الاسترقاق، أو باعتبار ما كان، أو باعتبار مدلوله العام، أو ما اشتراه بطريق

 

ج / 2 ص -354-      الوكالة، فلا يؤثر؛ لأن الأصح أن الملك يقع ابتداء للموكل "ثم إن كان قال" في إقراره "هو حر الأصل"، أو أعتقه مالكه قبل شراء البائع "فشراؤه افتداء" من جهة المشتري؛ لأن اعترافه بحريته مانع من جعله بيعا من جهته وبيعه بيع من جهة البائع تثبت فيه أحكامه وكان سكوته هنا عن ذلك لاختصاص الخلاف بالثانية لكن صرح في المطلب بأن الخلاف ثم يأتي هنا أيضا ولا يرد على المتن؛ لأنه قد لا يرتضيه "وإن قال أعتقه" البائع وإنما يسترقه ظلما "فافتداء من جهته" أي المشتري لذلك "وبيع من جهة البائع على المذهب" فيهما عند السبكي، أو في البائع فقط عند الإسنوي بناء على اعتقاده "فيثبت فيه الخياران" أي المجلس والشرط وكذا خيار عيب الثمن "للبائع فقط دون المشتري" لما تقرر أنه افتداء من جهته ومن ثم لا يرده بعيب ولا أرش له بخلاف البائع إذ لو رد الثمن المعين بعيب جاز له استرداد العبد بخلاف رده بعد عتق المشتري في غير ذلك لاتفاقهما على عتقه ثم، ولو أقر بأن ما في يد زيد مغصوب صح شراؤه منه لأنه قد يقصد استنقاذه "ويصح الإقرار بالمجهول" إجماعا؛ لأن الإخبار عن الحق السابق يقع مجملا ومفصلا وأراد به ما يعم المبهم كأحد العبدين "فإذا قال" ما يدعيه فلان في تركتي فهو حق عينه الوارث، أو "له علي شيء قبل تفسيره بكل ما يتمول، وإن قل" كفلس لصدق الاسم فإن امتنع من التفسير، أو نوزع فيه فسيأتي قريبا وضبط الإمام ما يتمول بمال يسد مسدا أو يقع موقعا يحصل به جلب نفع، أو دفع ضرر ونظر فيه الأذرعي ويرد بأن المراد بالأول ما له قيمة عرفا، وإن قلت جدا كفلس والحاصل أن كل متمول مال ولا ينعكس كحبة بر وقولهم في البيع لا يعد مالا أي متمولا "ولو فسره بما لا يتمول لكنه من جنسه كحبة حنطة، أو بما" أي بنجس "يحل اقتناؤه ككلب معلم" لصيد، أو حراسة، أو قابل للتعليم وميتة لمضطر "وسرجين" وهو الزبل وحق شفعة وحد قذف الوديعة "قبل في الأصح"؛ لأنه شيء ويحرم أخذه ويجب رده وخرج بعلي في ذمتي، فلا يقبل فيه بنحو حبة حنطة وكلب قطعا لأنه لا يثبت فيها.
فرع: قال له هذه الدار وما فيها صح واستحق جميع ما فيها وقت الإقرار فإن اختلفا في شيء أهو بها وقته صدق المقر وعلى المقر له البينة أخذا من قول الروضة لو أقر له بجميع ما في يده، أو ينسب إليه صح وصدق المقر إذا تنازعا في شيء أكان بيده حينئذ وقضيته أنه لو اختلف وارث المقر والمقر له صدق وارث المقر؛ لأنه خليفة مورثه فيحلف على نفي العلم بوجود ذلك فيها حالة الإقرار، أو نحو ذلك ولا يقنع منه بحلفه أنه لا يستحق فيها شيئا وبه أفتى ابن الصلاح، وهو أوجه من قول القاضي يصدق المقر له قال ابن الصلاح ولو كان للمقر زوجة ساكنة معه في الدار قبل قولها في نصف الأعيان بيمينها لأن اليد لهما على جميع ما فيها صلح لأحدهما فقط أو لكليهما "ولا يقبل بما لا يقتنى كخنزير وكلب لا نفع فيه" بوجه حالا ولا مآلا وخمر غير محترمة؛ لأن علي تقتضي ثبوت حق وهذا لا حق ولا اختصاص وبحث السبكي قبول تفسيره بخنزير وخمر إذا أقر لذمي؛ لأنه يقر عليهما إذا لم يظهرهما ويجب ردهما له قال لكنهم أطلقوا هنا عدم القبول ولم يفرقوا بين مسلم وذمي واعترض بما فيه نظر والأوجه ما بحثه ومن ثم اعتمده الإسنوي

 

ج / 2 ص -355-      وغيره، وفي عندي شيء وغصبت منه شيئا يصح تفسيره بما لا يقتنى إذ ليس في لفظه ما يشعر بالتزام حق ومن ثم لم يقبل بنحو عيادة وحد قذف واستشكل الغصب بأنه الاستيلاء الآتي وهذا غير مال ولا حق وقد يجاب بأنه لغة وعرفا يشمل ذلك فصح التفسير به "ولا" يقبل أيضا "بعيادة" لمريض "ورد سلام" لبعده عن الفهم في معرض الإقرار إذ لا مطالبة بهما ويقبل بهما في له علي حق؛ لأن الحق قد شاع استعماله في ذلك ككل ما لا يطالب به عرفا وشرعا فقد عدهما صلى الله عليه وسلم من حق المسلم على المسلم والشيء الأعم من الحق هو الشيء المطلق لا الشيء المقر به أي؛ لأنه صار خاصا بقرينة علي قاله السبكي ردا لاستشكال الرافعي الفرق بين الحق والشيء مع كون الشيء أعم فكيف يقبل في تفسير الأخص ما لا يقبل في تفسير الأعم واعترض الفرق بأن الشافعي رضي الله تعالى عنه لا يستعمل ظواهر الألفاظ وحقائقها في الإقرار، بل قال أصل ما أبني عليه الإقرار أن ألزم اليقين وأطرح الشك ولا أستعمل الغلبة وهذا صريح في أنه لا يقدم الحقيقة على المجاز ولا الظاهر على المؤول في هذا الباب. ا هـ. وليس صريحا في ذلك، بل ولا ظاهرا فيه كيف وعموم هذا النفي الناشئ عن فهم أن المراد باليقين هنا ما انتفت عنه الاحتمالات العشرة المقررة في الأصول يقتضي أن لا يوجد إقرار يعمل به إلا نادرا ولا يتوهم هذا ذو لب، ومن سبر فروع الباب علم أن مراده باليقين الظن القوي وبقوله: ولا أستعمل الغلبة أي حيث عارضها ما هو أقوى منها وحينئذ اتجه فرق السبكي.
"ولو أقر بمال، أو بمال عظيم، أو كبير، أو كثير" أو نفيس، أو أكثر من مال زيد المشهور بالمال الكثير كان مبهما جنسا وقدرا وصفة فمن ثم "قبل" بناء على الأصح السابق في علي شيء "تفسيره بما قل منه" أي المال وإن لم يتمول كحبة بر وقمع باذنجانة أي صالح للأكل وإلا فهو ليس بمال ولا من جنسه؛ لأن الأصل براءة الذمة فيما فوقه ووصفه بنحو العظم يحتمل أنه بالنسبة لتيقن حله أو لشحيح، أو لكفر مستحله وعقاب غاصبه وثواب باذله لنحو مضطر، ولو قال له علي مثل ما في يد زيد أو مثل ما علي لزيد كان مبهما جنسا ونوعا لا قدرا، فلا يقبل بأقل من ذلك عددا؛ لأن المثلية لا تحتمل ما مر لتبادر الاستواء عددا منها "وكذا" يقبل تفسيره "بالمستولدة في الأصح" لصحة إيجارها ووجوب قيمتها إذا تلفت ولأنها تسمى مالا وبه فارقت الموقوف؛ لأنه لا يسماه "لا بكلب وجلد ميتة" وسائر النجاسات لأنها لا تسمى مالا "وقوله: له" عندي أو علي "كذا كقوله" له "شيء" بجامع الإبهام فيهما فيقبل تفسير هذا بما يقبل به تفسير ذاك مما مر وكذا في الأصل مركبة من كاف التشبيه واسم الإشارة ثم نقل عن ذلك وصار يكنى به عن المبهم من العدد وغيره "وقوله: شيء شيء، أو كذا كذا كما لو لم يكرر" ما لم يرد الاستئناف؛ لأنه ظاهر في التأكيد "ولو قال شيء وشيء، أو كذا وكذا" ويظهر أن مثل الواو هنا ما يأتي "وجب شيئان" متفقان أو مختلفان لاقتضاء العطف المغايرة وصحيح السبكي في كذا درهما، بل كذا أنه إقرار بشيء واحد ويلزمه مثل ذلك في كذا درهما وكذا، وهو بعيد من كلامهم إذ تفسير أحد المبهمين لا يقتضي اتحادهما، ولو مع بل الانتقالية أو الإضرابية وإنما المقتضي للاتحاد

 

ج / 2 ص -356-      نفس بل لما يأتي فيها فقوله: درهما موهم أنه سبب الاتحاد، وليس كذلك "ولو قال" له عندي "كذا درهما" بالنصب تمييزا لإبهام كذا "أو رفع الدرهم" بدلا، أو عطف بيان كما قاله الإسنوي وقول السبكي له لحن بعيد، وإن سبقه إليه ابن مالك فقال: تجويز الفقهاء للرفع خطأ؛ لأنه لم يسمع من لسانهم وكأنه بناه على عدم النقل السابق في كذا وحينئذ يتجه ما قالاه أما مع ملاحظة النقل فلا وجه له، بل هو مبتدأ ودرهم بيان، أو بدل وله خبر وعندي ظرف له وقيل درهم مبتدأ وله خبر وكذا حال "أو جره" لحنا عند البصريين، أو سكنه وقفا "لزمه درهم" ولا نظر للحن؛ لأنه لا يؤثر هنا وقيل علي نحوي في النصب عشرون؛ لأنها أقل عدد مفرد يميز بمفرد منصوب ورد بأنه يلزم عليه مائة في الجر؛ لأنها أقل عدد يجر مميزه ولا قائل به وقول جمع يجب في الجر بعض درهم إذ التقدير كذا من درهم مردود، وإن نسب للأكثرين بأن كذا إنما تقع على الآحاد دون كسورها "والمذهب أنه لو قال" له علي "كذا وكذا" أو ثم كذا، أو فكذا وأراد العطف بالفاء لما يأتي فيها مع الفرق بينهما وبين بل "درهما بالنصب وجب درهمان" لأنه عقب مبهمين بمميز فكان الظاهر أنه تفسير لكل منهما واحتمال التأكيد يمنعه العاطف ولأن التمييز وصف في المعنى، وهو يعود لكل ما تقدمه كما يأتي في الوقف، ولو زاد في التكرير فكما في نظيره الآتي "و" المذهب "أنه لو رفع، أو جر" الدرهم، أو سكنه "فدرهم" أما الرفع فلأنه خبر عن المبهمين أي هما درهم كذا قيل وفيه نظر إذ يلزمه عدم المطابقة قبل عدم الصحة إذا كان العطف بثم، أو الفاء؛ لأنه يلزم عليه حينئذ وجوب درهمين وكذا يلزم هذا على جعله خبرا صناعة؛ لأن عدم المطابقة يستدعي أن يقدر أن درهما خبر عن أحدهما وخبر الآخر محذوف فيلزم وجوب درهمين فالوجه أنه بدل، أو بيان لهما والخبر الظرف نظير ما مر آنفا وأما الجر فلأنه، وإن امتنع ولم يظهر له معنى عند جمهور النحاة لكنه يفهم منه عرفا أنه تفسير لجملة ما سبق فحمل على الضم، وأما السكون فواضح "ولو حذف الواو فدرهم في الأحوال" كلها لاحتمال التأكيد حينئذ "ولو قال ألف ودرهم قبل تفسير الألف بغير الدراهم" من المال اتحد جنسه، أو اختلف؛ لأنه مبهم والعطف إنما يفيد زيادة عدد لا تفسيرا كألف وثوب قال القاضي: ولو قال ألف ودرهم فضة وجب الكل فضة، وهو واضح ما لم يجرها بإضافة درهم إليها ويبقى تنوين ألف، بل الذي يتجه حينئذ بقاء الألف على إبهامها، ولو قال ألف وقفيز حنطة بالنصب لم يعد للألف إذ لا يقال ألف حنطة ولو قال ألف درهما، أو ألف درهم بالإضافة فواضح، وإن رفعهما ونونهما، أو نون الأول فقط فله تفسير الألف بما لا تنقص قيمته عن درهم فكأنه قال ألف مما قيمة الألف منه درهم "ولو قال خمسة وعشرون درهما" أو ألف ومائة وخمسة وعشرون درهما "فالجميع دراهم على الصحيح" لأن لفظ الدرهم لما لم يجب به عدد زائد تمحض لتفسير الكل ولأن التمييز كالوصف، وهو يعود للكل كما مر، وفي نحو خمسة عشر درهما يجب الكل دراهم جزما. وقضية التعليل أنه لو رفع الدرهم، أو جره لم يكن كذلك نعم بحث أنه كما ذكر في ألف درهم منونين مرفوعين فيلزمه ما عدده العدد المذكور وقيمته درهم وعن ابن الوردي أنه يلزمه في اثني عشر درهما وسدسا أي ولا نية له، سبعة دراهم

 

ج / 2 ص -357-      لأنهما تمييزان لكل من الاثني عشر فيكون كل مميزا لنصف الاثني عشر المبهمة حذرا من الترجيح من غير مرجح ونصفها دراهم ستة وأسداسا درهم، أو درهما وربعا فسبعة ونصف، أو وثلثا فثمانية، أو ونصفا فتسعة لنظير ما تقرر من أن نصف المبهم بعدد ذلك الكسر فإن قال أردت أن جملة ذلك العدد يساوي درهما وسدس درهم صدق بيمينه لاحتماله وكذا الباقي، أو اثني عشر سدسا صدق بالأولى؛ لأنه غلظ على نفسه مع احتمال لفظه له كذا قيل وفي تعليله نظر، بل لا يحتمله لفظه بوجه فالذي يتجه أنه كما لو أطلق فتلزمه السبعة لما علم مما تقرر أنها مدلول اللفظ ما لم يصرف عنه لمعنى يحتمله ويؤخذ من تعليله للاثني عشر بما ذكر أنه فيما عداها من المركب المزجي كثلاثة عشر درهما وسدسا يلزمه خمسة عشر وسدس؛ لأن المركب هنا في حكم المفرد وقد ميزه بأنه جميعه دراهم كذا وأسداسا كذا فلزمه ما ذكر "ولو قال الدراهم التي أقررت بها ناقصة الوزن فإن كانت دراهم البلد" الذي أقر به "تامة الوزن" بأن كان كل منها ستة دوانق "فالصحيح قبوله إن ذكره متصلا" بالإقرار؛ لأنه في المعنى بمثابة الاستثناء وحينئذ يرجع لتفسيره في قدر الناقص فإن تعذر بيانه نزل على أقل الدراهم "ومنعه إن فصله عن الإقرار" وكذبه المقر له فيلزمه دراهم تامة؛ لأن اللفظ وعرف البلد يمنعان ما يقوله "وإن كانت" دراهم البلد "ناقصة قبل" قوله "إن وصله" بالإقرار؛ لأن اللفظ أي من حيث الاتصال والعرف يصدقانه "وكذا إن فصله" عنه "في النص" عملا بخلاف البلد كما في المعاملة ويجري ذلك على الأوجه في بلد زاد وزنهم على درهم الإسلام فإذا قال أردته قبل إن وصله لا إن فصله "والتفسير بالمغشوشة كهو بالناقصة" فإن الدرهم عند الإطلاق محمول على الفضة الخالصة وما فيها من الغش ينقصها فكانت كالناقصة في تفصيلها المذكور وبحث جمع قبول التفسير بالفلوس، وإن فصل في بلد يتعاملون بها فيه ولا يعرفون غيرها ولو تعذرت مراجعته حمل على دراهم البلد الغالبة على المنقول المعتمد ويجري ذلك في الكيل مثلا كما هو ظاهر فلو أقر له بإردب بر وبمحل الإقرار مكاييل مختلفة ولا غالب فيها تعين أقلها ما لم يختص المقر به بمكيال منها فيحمل عليه لا على غيره الأنقص منه إلا إن وصله، وفي العقود يحمل على الغالب المختص من تلك المكاييل كالنقد ما لم يختلفا في تعيين غيره فإنهما حينئذ يتحالفان ويصدق الغاصب والمتلف بيمينه في قدر كيل ما غصبه، أو أتلفه، ولو فسر الدراهم بغير سكة البلد، أو بجنس رديء قبل مطلقا لو فارق الناقص بأن فيه رفع بعض ما أقر به بخلافه هنا وإنما انعقد البيع بنقد البلد؛ لأن الغالب في المعاملة قصد ما يروج في البلد والإقرار إخبار بحق سابق وبه يعلم أن الأشرفي إذا أطلق ينصرف هنا للذهب ولا يعتبر فيه عرف البلد لما مر في البيع أنه موضوع للذهب أصالة فلم يؤثر فيه العرف هنا وإن أثر فيه ثم لما تقرر ويأتي قريبا لذلك مزيد "ولو قال" له "علي من درهم إلى عشرة لزمه تسعة في الأصح" كما مر في الضمان بتوجيهه وفارق بعتك من هذا الجدار إلى هذا الجدار فإنه لا يدخل المبدأ أيضا بأن هذا من غير الجنس بخلاف الأول وقضيته أنه لو قال في الأرض من هذا الموضع إلى هذا الموضع دخل المبدأ؛ لأنه من الجنس، والظاهر خلافه ويفرق بأن

 

ج / 2 ص -358-      هذا من المساحات الحسية وهي لا تشمل شيئا من حدودها لاستقلالها بإيراد العقد عليها من غير محوج إلى دخول حدودها بخلاف المبدأ هنا فإنه ليس كذلك وما بعده مترتب عليه فيلزم دخوله، ولو قال ما بين درهم وعشرة أو إلى عشرة لزمه ثمانية وقال شارح والحكم هنا، وفي الطلاق واليمين والنذر والوصية واحد. ا هـ. وما ذكره في الطلاق غلط صريح والذي في أصل الروضة أنه لو قال أنت طالق من واحدة إلى ثلاث طلقت ثلاثا وفرقوا بينه وبين المذكورات بأن عدده محصور فالظاهر قصد استيفائه بخلاف غيره "وإن قال" له "علي درهم في عشرة" أو درهم في دينار "فإن أراد المعية لزمه أحد عشر" أو الدرهم والدينار؛ لأن في تأتي بمعنى مع كـ {ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ} [الأعراف: 38]، أي معهم واستشكله الإسنوي وغيره بشيئين أحدهما جزمهم في درهم مع درهم بأنه يلزمه درهم لاحتمال أن يريد مع درهم لي فمع نيته أولى وأجاب البلقيني بأن فرض ما ذكر أنه لم يرد الظرف، بل المعية فوجب أحد عشر وفرض درهم مع درهم أنه أطلق، وهو محتمل الظرف أي مع درهم لي فلم يجب إلا واحد فالمسألتان على حد سواء وفيه تكليف ينافيه ظاهر كلامهم في الثاني أنه يلزمه الدرهم مطلقا أي ما لم ينو مع درهم يلزمني كما هو ظاهر وأجاب غيره بأن نية المعية تجعل في عشر بمعنى وعشرة بدليل تقديرهم جاء زيد وعمرو بمع عمرو بخلاف لفظة مع فإن غايتها المصاحبة وهي تصدق بمصاحبة درهم للمقر وفيه نظر وتكلف وليست الواو بمعنى مع بل تحتملها وغيرها وقد يجاب بأن مع درهم صريح في المصاحبة الصادقة بدرهم له ولغيره فليس فيها تصريح بلزوم الدرهم الثاني، بل ولا إشارة إليه فلم يجب فيها إلا واحد، وأما في عشرة فهو صريح في الظرفية المقتضية للزوم واحد فقط فنية مع بها قرينة ظاهرة على أنه لم يرد ما يراد بمع درهم؛ لأنه يرادفها، بل ضم العشرة إلى الدرهم فوجب الأحد عشر والحاصل أن الدرهم لازم فيهما والدرهم الثاني في مع درهم لم تقم قرينة على لزومه والعشرة قامت قرينة على لزومها إذ لولا أن نية المعية تفيد معنى زائدا على الظرفية التي هي صريح اللفظ لما أخرجه عن مدلوله الصريح إلى غيره فتأمله. ثانيهما ينبغي أن العشرة مبهمة كالألف، في ألف ودرهم بالأولى وأجاب الزركشي بأن العطف في هذه يقتضي مغايرة الألف للدراهم فبقيت على إبهامها بخلافه في درهم في عشرة وأجاب غيره بأن العشرة هنا عطفت تقديرا على مبين فتخصصت به إذ الأصل مشاركة المعطوف للمعطوف عليه وثم عطف المبين على الألف فلم يخصصها وفيه نظر إذ قضيته أنه في ألف درهم وعشرة تكون العشرة دراهم وكلامهم يأباه فالذي يتجه الفرق بأن في الظرفية المقترنة بنية المعية إشعارا بالتجانس والاتحاد لاجتماع أمرين كل منهما مقرب لذلك بخلاف ألف ودرهم فإن فيه مجرد العطف، وهو لا يقتضي بمفرده صرف المعطوف عليه عن إبهامه الذي هو مدلول لفظه ثم رأيت السبكي أجاب بأن المراد بنية مع بذلك أنه أراد مع عشرة دراهم له وجرى عليه غير واحد وعليه، فلا يرد شيء من الإشكالين ولا يحتاج لشيء من تلك الأجوبة، وهو ظاهر لولا أن ظاهر كلامهم، أو صريحه أنه لم يرد إلا مجرد معنى مع عشرة فعليه يرد الإشكالان ويحتاج إلى الجواب عنهما بما ذكر "أو" أراد "الحساب" وعرفه

 

ج / 2 ص -359-      "فعشرة" لأنه موجبه "وإلا" يرد المعية في الأول بل أراد الظرفية، أو أطلق ولا الحساب في الثاني أو أراده ولم يعرف معناه "فدرهم" لأنه اليقين.

فصل في بيان أنواع من الإقرار و في بيان الاستثناء
"قال له عندي سيف في غمد" بكسر المعجمة وهو غلافه "أو ثوب في صندوق" أو ثمرة على شجرة أو زيت في جرة "لا يلزمه الظرف" لأنه مغاير للمظروف والإقرار يعتمد اليقين وهكذا كل ظرف ومظروف ولا يدخل أحدهما في الآخر، ولذا قال "أو" له عندي "غمد فيه سيف أو صندوق فيه ثوب" أو خاتم فيه فص أو أمة في بطنها حمل أو شجرة عليها ثمرة "لزمه الظرف وحده" لما ذكر "أو عبد" عليه ثوب أو "على رأسه عمامة لم يلزمه" الثوب ولا "العمامة على الصحيح" لأن الالتزام لم يتناولها، ولو قال خاتم ثم عين ما فيه فص، وقال لم أرد الفص لم يقبل منه لأنه يتناوله وفارق ما مر لقرينة الوصف الموقع في الشك أو أمة وعين حاملا، وقال لم أرد الحمل قبل لأنها لا تتناوله مع أن المطلوب هنا اليقين ومن ثم قالوا كل ما دخل في مطلق البيع دخل هنا وما لا فلا إلا الثمرة غير المؤبرة والحمل والجدار فيدخل، ثم لأن المدار فيه على العرف لا هنا "أو دابة بسرجها أو ثوب مطرز" بالتشديد "لزمه الجميع" لأن الباء بمعنى مع نحو:
{اهبط بسلام} [هود: 48] أي معه والطراز جزء من الثوب باعتبار لفظه، وإن كان في الواقع مركبا عليه وبحث ابن الرفعة أن عليه طرازا كذلك وخالفه غيره وهو متجه إذ هو كعليه ثوب ومع سرجها كبسرجها كما علم بالأولى ويفرق بينه وبين مع درهم بأنه لا قرينة ثم على لزوم الثاني وهنا قرينة على لزومه وهو إضافته إليها "ولو قال" ابن مثلا حائز لزيد "في ميراث أبي ألف فهو إقرار على أبيه بدين" لإضافة الألف إلى جميع التركة المضافة إلى الأب دونه وهذا ظاهر في تعلق المال بجميعها وضعا تعلقا يمنعه من تمام التصرف فيها ولا يكون كذلك إلا الدين فاندفع بالتعلق بالجميع احتمال الوصية لأنها إنما تتعلق بالثلث واحتمال نحو الرهن عن دين الغير، ووجه اندفاع هذا أن الرهن عن دين الغير لا يتصور عمومه لها من حيث الوضع وبقولي وضعا فارق هذا قوله له في هذا العبد ألف فإنه يقبل تفسيره منه بنحو جناية أو رهن، ووجه الفرق ما تقرر أن كلام الوارث هنا ظاهر في التعلق بجميع التركة من حيث ذاتها لا بالنظر لزيادة ما ذكر عليها أو نقصه عنه وذلك لا يوجد إلا في الدين بخلاف نحو الجناية والرهن فإنه إنما يتعلق في الموجود بقدره منه وحينئذ فلا نظر هنا إلى تفسيره بما يعم الميراث ولا، ثم إلى تفسيره بما يخص البعض كله في هؤلاء ألف وفسر بجناية أحدهم "ولو قال له" في ميراثي كما هو ظاهر أو "في ميراثي من أبي" ألف أو نصفه ولم يرد الإقرار ولا أتى بنحو علي "فهو وعد هبة" أي أن يهبه ألفا لأنه أضاف الميراث لنفسه وهو يقتضي عرفا عدم تعلق دين به وما لها يتعذر الإقرار به لغيره كما في مالي لزيد فجعل جزء له منه لا يتصور إلا بالهبة وبحث ابن الرفعة أن محل هذا إذا كانت التركة دراهم وإلا فهو كله في هذا العبد ألف فيعمل بتفسيره. قال الإسنوي وفي كلام الرافعي ما يشير إليه أما

 

ج / 2 ص -360-      غير الحائز إذا كذبه البقية فيغرم في الأولى قدر حصته فقط. وأما لو أراد الإقرار في الثانية أو أتى بنحو علي فهو إقرار بكل حال كما في الشرح الصغير ولو أقر في الأولى بجزء شائع صح وحمل على وصية قبلها وأجيزت إن زادت على الثلث ولا ينصرف للدين لأنه لا يتعلق ببعض التركة بل بكلها ذكره الإسنوي ومن تبعه وهو أوجه من تفصيل السبكي بين النصف فيكون وعد هبة والثلث فيكون إقرارا بوصية به ويظهر في قوله حظي من تركة أبي صيرتها لفلان إنه صحيح لاحتماله الصيرورة الصحيحة بنذر أو نحوه.
"ولو قال له علي درهم درهم لزمه درهم" واحد وإن كرره ألوفا في مجالس لاحتماله التأكيد مع عدم ما يصرفه عنه وأخذ من هذا رد ما يأتي في الطلاق مع رده أيضا من تقييد إفادة التأكيد بثلاث فأقل "فإن قال ودرهم لزمه درهمان" لمكان الواو ومثلها، ثم، وكذا الفاء إن أراد العطف ويفرق بينها وبين ثم بأن ثم لمحض العطف والفاء كثيرا ما تستعمل للتفريع وتزيين اللفظ ومقترنة بجزاء حذف شرطه أي فتفرع على ذلك درهم يلزمني له أو إن أردت معرفة ما يلزمني بهذا الإقرار فهو درهم فتعين القصد فيها كما هو شأن سائر المشتركات وفرق بغير ذلك لكن ضعفه الرافعي وإنما وقع طلقتان في نظير ذلك لأنه إنشاء وهو أقوى مع تعلقه بالإبضاع المبنية على الاحتياط ويظهر في بل أنه لا بد فيها من قصد الاستئناف وإن جرد إرادة العطف بها لا يلحقها بالفاء لأنها مع قصد العطف لا تنافي قولهم فيها لا يلزم معها إلا واحد لأنه ربما قصد الاستدراك فتذكر أنه لا حاجة إليه فيعيد الأول "ولو قال درهم ودرهم ودرهم لزمه بالأولين درهمان" لمكان الواو كما مر. "وأما الثالث فإن أراد به تأكيد الثاني" بعاطفة "لم يجب به شيء" كالطلاق خلافا لمن زعم بينهما فرقا "وإن نوى الاستئناف لزمه ثالث، وكذا إن نوى تأكيد الأول" بالثلث لمنع الفصل والعاطف منه "أو أطلق في الأصح" لأن العطف ظاهر في التغاير وفي درهم ودرهم ثم درهم يجب ثلاثة بكل حال لتعذر التأكيد هنا "ومتى أقر بمبهم كشيء وثوب" وجعل بعضهم منهم الأشرفي قال لأنه موضوع عرفا لقدر معلوم من الذهب والفضة فهو مجمل فيرجع في تفسير للمقر، ثم لوارثه وهذا قد ينافيه قوله في محل آخر أنه موضوع لضرب مخصوص من الذهب فيحمل في البيع وغيره عليه ا هـ وقد يقال وضعه لمقدار معلوم من الذهب هو الأصل فيه. وأما استعماله فيما يعم الفضة أيضا فهو اصطلاح حادث وقاعدتهم في الإقرار أنه لا يقبل إلا إن وصله به لا إن فصله، نعم الغالب الآن أنه لا يستعمل إلا في مقدار معلوم من الفضة فينبغي عند الإطلاق في محل اطرد فيه هذا الاستعمال حمله عليه لأنه المتبادر منه، وكذا الدينار على نظير ما مر في الفلوس. وأما البيع فمنوط بغالب نقد محله فليرجع فيه لمصطلح أهله "وطولب بالبيان" لما أبهمه ولم تمكن معرفته من غيره "فإن امتنع منه فالصحيح أنه يحبس" لامتناعه من واجب عليه فإن مات قبل البيان طولب وارثه ووقف جميع التركة، ولو في نحو شيء وإن قبل تفسيره بغير المال كما مر احتياطا لحق الغير وسمعت هنا الدعوى بالمجهول والشهادة به للضرورة إذ لا يتوصل لمعرفته إلا بسماعها، ومن ثم لو أمكن معرفة المجهول من غيره كأن أحاله على معروف كزنة هذه من كذا أو ما باع به فلان فرسه أو

 

ج / 2 ص -361-      ذكر ما يمكن استخراجه بالحساب، وإن دق لم يسمعا ولم يحبس.
"ولو بين" المقر إقراره المبهم تبيينا صحيحا "وكذبه المقر له" في ذلك "فليبين" المقر له جنس الحق وقدره وصفته "وليدع" به إن شاء "والقول قول المقر في نفيه" أي ما ادعاه المقر له ثم إن ادعى بزائد على المبين من جنسه كأن بين بمائة وادعى بمائتين فإن صدقه على إرادة المائة ثبتت وحلف المقر على نفي الزيادة وإن قال بل أردت المائتين حلف أنه لم يردهما وأنه لا يلزمه الأمانة فإن نكل حلف أنه يستحقهما لا أنه أرادهما لأن الإقرار لا يثبت حقا وإنما هو إخبار عن حق سابق وبه فارق حلف الزوجة أن زوجها أراد الطلاق بالكتابة لأنه إنشاء يثبت الطلاق أو من غير جنسه كأن بين بمائة درهم فادعى بمائة دينار فإن صدقه على إرادة الدراهم أو كذبه في إرادتها، وقال إنما أردت الدنانير فإن وافقه على أن الدراهم عليه ثبتت لاتفاقهما عليها وإلا بطل الإقرار بها وكان مدعيا للدنانير فيحلف المقر على نفيها، وكذا على نفي إرادتها في صورة التكذيب.
"ولو أقر بألف، ثم أقر له بألف"، ولو "في يوم آخر لزمه ألف فقط"، وإن كتب بكل وثيقة محكوما بها لأنه لا يلزم من تعدد الخبر تعدد المخبر عنه قيل هذا ينقض قاعدة أن النكرة إذا أعيدت كانت غير الأولى ويرد بأن هذا مع كونه مختلفا فيه لم يشتهر ولم يطرد إذ كثيرا ما تعاد وهي عين كما هو مقرر في محله ومنه
{وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف: 84] فلم يعمل بقضيتها لذلك فلا نقض ولا تخالف. "ولو اختلف القدر" كأن أقر في يوم بألف وفي آخر قبله أو بعده بخمسمائة "دخل الأقل في الأكثر" إذ يحتمل أنه ذكر بعض ما أقر به "ولو وصفهما بصفتين مختلفتين" تأكيد كمائة صحاح في مجلس ومائة مكسرة في آخر "أو أسندهما إلى جهتين" كثمن مبيع مرة وبدل قرض أخرى "أو قال قبضت" منه "يوم السبت عشرة، ثم قال قبضت" منه "يوم الأحد عشرة لزما" أي القدر أن في الصور الثلاث لتعذر اتحادهما، ومن ثم لو أطلق مرة وقيد أخرى حمل المطلق على المقيد ولم يلزمه غيره "ولو قال" له علي من ثمن خمر مثلا ألف لم يلزمه شيء قطعا أو "له علي ألف من ثمن خمر أو كلب" مثلا "أو ألف قضيته لزمه الألف"، ولو جاهلا "في الأظهر" إلغاء الآخر لفظه الرافع لما أثبته فأشبه علي ألف لا تلزمني نعم إن قال كان من نحو خمر وظننته يلزمني حلف المقر له على نفيه رجاء أن ينكل فيحلف المقر فلا يلزمه شيء وبحث جمع في مالكي يعتقد بيع الكلب وحنفي يعتقد بيع النبيذ أنه لو رفع لشافعي، , وقد أقر كذلك لا يلزمه لأنه لم يقصد حكم رفع الإقرار فلم يكن مكذبا لنفسه وفيه نظر ظاهر لقولهم العبرة بعقيدة الحاكم لا الخصم، ولو أشهد أنه سيقر بما ليس عليه فأقر أن عليه لفلان كذا ألزمه ولم ينفعه ذلك الإشهاد، ولو قال كان له علي ألف قضيته فلغو لأنه لم يقر بشيء حالا ومر في شرح أو قضيته ما له تعلق بذلك، ولو قال له علي ألف أو لا بسكون الواو فلغو للشك، ولو شهدا عليه بألف درهم وأطلقا قبلا ولم ينظر لقوله إنها من ثمن خمر ولا يجاب لتحليف المدعي وللحاكم استفسارهما عن الوجه لزم به الألف فإن امتنعا لم يؤثر في شهادتهما فيما يظهر كما يعلم مما يأتي بقيده في الشهادات في بحث المنتقبة وغيرها.

 

ج / 2 ص -362-      "ولو قال" له علي ألف أخذته أنا وفلان لزمه الألف لأنه من تعقيب الإقرار بما يرفعه ولا ينافيه قولهم لو قال غصبنا من زيد ألفا، ثم قال كنا عشرة أنفس وخالفه زيد صدق الغاصب بيمينه لأنه هنا ذكر نون الجمع الدالة على ما وصله به فلا رفع فيه أو "من ثمن" بيع فاسد لزمه الألف أو من ثمن "عبد لم أقبضه إذا سلمه" لي "سلمت" له الألف وأنكر المقر له البيع وطالبه بالألف "قبل" إقراره كما ذكر "على المذهب وجعل ثمنا" لتترتب عليه أحكامه لأن الآخر لا يرفع حكم الأول ولا بد من اتصال قوله من ثمن عبد ويلحق به فيما يظهر كل تقييد لمطلق أو تخصيص لعام كاتصال الاستثناء كما هو ظاهر وإلا لبطل الاحتجاج بالإقرار بخلاف لم أقبضه وقوله إذا إلخ إيضاح لحكم لم أقبضه، وكذا جعل ثمنا مع قبل ولو أقر بقبض ألف عن قرض أو غيره، ثم ادعى أنه لم يقبضه قبل لتحليف المقر له وأفتى البلقيني بأنه لو قال لزوجتي في ذمتي ألف عوض كساويها لغا وليس من تعقيب الإقرار بما يرفعه لأن هنا شيئا يرجع إليه وهو الكساوي ولا يتخيل أنها باعته الكسوة بعد أن قبضتها لأن ذلك ليس عوض الكسوة وإنما هو ثمن قماش كان كسوة ا هـ. وخالفه الزركشي فجعله من تعقيب الإقرار بما يرفعه حتى يلزمه الألف أي وما بذمته من كساويها باق بحاله لأن قوله عوض كساويها وقع لغوا على بحث الزركشي، ولو ادعى عليه بألف، فقال له علي ألف من ثمن مبيع لم يلزمه في إلا أن يقول من ثمن مبيع قبضته منه بخلاف له علي تسليم ألف ثمن مبيع لأن علي وما بعدها هنا يقتضي أنه قبضه ومن ثم لو قال لم أقبضه لم يصدق. "ولو قال له علي ألف إن شاء الله" أو إن أو إذا مثلا شاء أو قدم زيد أو إلا أن يشاء أو يقدم أو إن جاء رأس الشهر ولم يرد التأجيل "لم يلزمه شيء على المذهب" نظير ما يأتي في الطلاق، ومن ثم اشترط هنا قصد التعليق قبل فراغ الصيغة كهو ثم وفارق من ثمن كلب بأن دخول الشرط على الجملة يصيرها جزءا من جملة الشرط فلزم تغيير معنى الشرط أول الكلام بخلاف من ثمن كلب لأنه غير معتبر بل مبين لجهة اللزوم بما هو باطل شرعا فلم يقبل "ولو قال ألف لا تلزم لزمه" لأنه غير منتظم. "ولو قال له علي ألف، ثم جاء بألف، وقال أردت هذا وهو وديعة، فقال المقر له لي عليك ألف آخر" غير الوديعة وهو الذي أردته بإقرارك "صدق المقر في الأظهر بيمينه" أنه لا يلزمه تسليم ألف أخرى إليه وأنه ما أراد بإقراره إلا هذه لأن عليه حفظ الوديعة فصدق لفظه بها "فإن كان قال" له ألف "في ذمتي أو دينا"، ثم جاء بألف وفسر الوديعة كما تقرر. "صدق المقر له" بيمينه "على المذهب" لأن العين لا تكون في الذمة ولا دينا الوديعة لا تكون في ذمته بالتعدي بل بالتلف ولا تلف وأفهم قوله، ثم جاء أنه لو وصله كعلي ألف وديعة قبل، وكذا هنا كعلي ألف في ذمتي أو دينا وديعة وقوله أردت هذا أنه لو جاء هنا بألف، وقال الألف التي أقررت بها كانت وديعة وتلفت وهذه بدلها أنه يقبل لجواز تلفها بتفريط فيكون بدلها ثابتا في ذمته. "قلت فإذا قبلنا التفسير الوديعة فالأصح أنها أمانة فتقبل دعواه" ولو بعد مدة طويلة "التلف" الواقع "بعد" تفسير "الإقرار" بما ذكر "ودعوى الرد" الواقع بعده أيضا لأن هذا شأن الوديعة وخرج بقوله بعد الإقرار الذي هو ظرف للتلف كما تقرر ما لو قال

 

ج / 2 ص -363-      أقررت بها ظانا بقاءها، ثم بان لي أو ذكرت تلفها أو إني رددتها قبل الإقرار فلا يقبل لأنه يخالف قوله علي "وإن قال له عندي أو معي ألف صدق" بيمينه "في دعوى الوديعة والرد والتلف" الواقعين بعد تفسير الإقرار نظير ما تقرر في علي "قطعا والله أعلم" إذ لا إشعار لعندي ومعي بذمة ولا ضمان وسيأتي آخر العارية ما يشكل علي ذلك.
"ولو أقر ببيع" مثلا "أو هبة وإقباض" بعدها "ثم قال" ولو متصلا فثم لمجرد الترتيب "كان" ذلك "فاسدا وأقررت لظني الصحة لم يقبل" لأن الاسم يحمل عند الإطلاق على الصحيح ولأن الإقرار يراد به الالتزام فلم يشمل الفاسد إذ لا التزام فيه نعم إن قطع ظاهر الحال بصدقه كبدوي حلف فينبغي قبوله وخرج بإقباض ما لو اقتصر على الهبة فلا يكون مقرا بإقباض، وإن قال خرجت إليه منها أو ملكها ما لم تكن بيد المقر له وذلك لأنه قد يعتقد الملك بمجرد الهبة، وقد يؤخذ منه أن الفقيه الذي لا يخفى عليه ذلك بوجه يكون في حقه بمنزلة الاعتراف بالإقباض وهو متجه. ويظهر أيضا أنه لو قال ملكها ملكا لازما وهو يعرف معنى ذلك كان مقرا بالقبض أيضا "وله تحليف المقر له" أنه ليس فاسد الإمكان ما يدعيه ولا تقبل بينته لأنه كذبها بإقراره "فإن نكل حلف المقر" على الفساد وحكم به "وبرئ" لأن اليمين المردودة كالإقرار قيل قوله برئ غير مستقيم لأن النزاع في عين، ورد عليها بنحو بيع لا في دين ا هـ ويرد بأنه وإن كان في عين لكنه قد يترتب عليه دين كالثمن فغلب على أنه يصح أن يريد يبرئ غاية بطل الذي بأصله "ولو قال هذه" الدار أو البر مثلا وهي بيده "لزيد بل" أو، ثم ومثلها الفاء هنا وفيما يأتي "لعمرو أو غصبتها من زيد بل" أو، ثم "من عمرو سلمت لزيد". سواء أقال ذلك متصلا بما قبله أم منفصلا عنه، وإن طال الزمن لامتناع الرجوع عن الإقرار بحق آدمي "والأظهر أن المقر يغرم قيمتها" إن كانت متقومة ومثلها إن كانت مثلية "لعمرو" وإن أخذها زيد منه جبرا بالحاكم لأنه حال بينه وبين ملكه بإقراره الأول كما يضمن قنا غصبه فأبق من يده وقضيته أن المغروم هو القيمة لا غير إذ لو عادت للمقر سلمها له واسترجع القيمة، وقد يجاب بأن الحيلولة هنا بوجه مملك فكانت أقوى من تلك فغرمه البدل عملا بتعذر رجوعه للمقر فإذا فرض رجوعه رتب عليه حكمه ويجري الخلاف في غصبتها من زيد وهو غصبها من عمر فإن قال غصبتها منه والملك فيها لعمرو سلمت لزيد لأنه اعترف له باليد ولا يغرم لعمرو لاحتمال كونها ملك عمرو وهي في يد زيد بنحو إجارة أو رهن، ولو قال عن عين في تركة مورثة هذه لزيد بل لعمرو لم يغرم لعمرو على الأوجه والفرق أنه هنا معذور لعدم كمال اطلاعه. "ويصح الاستثناء" هنا ككل إخبار وإنشاء لوروده في الكتاب والسنة وهو إخراج ما لولاه لدخل بنحو إلا كأستثني أو أحظ من الثني بفتح فسكون أي الرجوع لأنه رجع عما اقتضاه لفظه "إن اتصل" بالإجماع وما حكي عن ابن عباس قيل لم يصح، وإن صح فمؤول نعم لا يضر يسير سكوت بقدر سكتة تنفس وعي ولا لتذكر وانقطاع صوت ويضر يسير كلام أجنبي كله علي ألف الحمد لله إلا مائة، وكذا أستغفر الله ويا فلان علي ما أشار إليه في الروضة فإنه لما نقل صحة الاستثناء مع ذلك نظر فيه قال غيره والنظر واضح في يا فلان بخلافه

 

ج / 2 ص -364-      في أستغفر الله لقول الكافي لا يضر لأنه لاستدراك ما سبق ويظهر أنه لا يضر اليسير مطلقا من غير المستثنى كغير المطلوب جوابه في البيع بل أولى ويشترط قصده قبل فراغ الإقرار نظير ما يأتي في الطلاق ولكونه رفعا لبعض ما شمله اللفظ احتاج لنية، وإن كان إخبارا ولا بعد في ذلك خلافا للزركشي "ولم يستغرق" المستثنى المستثنى منه فإن استغرقه كعشرة إلا عشرة بطل الاستثناء إجماعا إلا من شذ للتناقض الصريح، ومن ثم لم يخرجوه على الجمع بين ما يجوز وما لا يجوز إذ لا تناقض فيه ومحل ذلك إن اقتصر عليه وإلا كعشرة إلا عشرة إلا أربعة صح ولزمه أربعة لأنه استثنى من العشرة عشرة إلا أربعة وعشرة إلا أربعة إلا ستة أو لأن الاستثناء من النفي إثبات وعكسه كما قال. "فلو قال له علي عشرة إلا تسعة إلا ثمانية وجب تسعة" أي إلا تسعة لا تلزم إلا ثمانية تلزم فتضم للواحد الباقي من العشرة وطريق ذلك ونظائره أن تجمع كل مثبت وكل منفي وتسقط هذا من ذاك فالباقي هو الواجب فمثبت هذه الصورة ثمانية عشر ومنفيها تسعة أسقطها منها تبق تسعة، ولو زاد عليها إلى الواحد كان مثبتها ثلاثين ومنفيها خمسة وعشرين أسقطها منها تبق خمسة هذا كله إن كرر بلا عطف وإلا كعشرة لا خمسة وثلاثة أو إلا خمسة وإلا ثلاثة كانا مستثنيين من العشرة فيلزمه درهما فإن كانا لو جمعا استغرقا كعشرة إلا سبعة وثلاثة اختص البطلان بما به الاستغراق وهو الثلاثة فيلزمه ثلاثة وفي ليس له علي شيء إلا خمسة يلزمه خمسة وفي ليس له علي عشرة إلا خمسة لا يلزمه شيء لأن عشرة لا خمسة خمسة فكأنه قال ليس له على خمسة يجعل النفي متوجها إلى المستثنى والمستثنى منه، وإن خرج عن قاعدة الاستثناء من النفي إثبات احتياطا للإلزام وفي ليس له علي أكثر من مائة لا يلزمه المائة ولا أقل منها ولا يجمع مفرق في المستثنى منه ولا في المستثنى ولا فيهما لاستغراق ولا لعدمه فعلي درهم ودرهم ودرهم إلا درهما مستغرق فيلزمه ثلاثة وثلاثة إلا درهمين ودرهما أو إلا درهما ودرهما ودرهما يلغى درهما لأن به الاستغراق فيجب درهم، وكذا ثلاثة إلا درهما ودرهما يلزمه درهم لجواز الجمع هنا إذ لا استغراق. "ويصح من غير الجنس" وهو المنقطع "كألف" دراهم "إلا ثوبا" لوروده لغة وشرعا نحو {لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً إِلَّا سَلاماً} [مريم: 62] "ويبين بثوب قيمته دون ألف" حتى لا يستغرق فإن بين بثوب قيمته ألف بطل الاستثناء لأنه لما بين الثوب بالألف صار كأنه تلفظ به ولزمه الألف وفي شيء الأشياء يعتبر تفسيره فإن فسر بمستغرق بطل الاستثناء وإلا فلا "و" يصح أيضا "من المعين كهذه الدار له إلا هذا البيت أو هذه الدراهم" له "إلا ذا الدرهم"، وكذا الثوب إلا كمه لصحة المعنى فيه إذ هو إخراج بلفظ متصل فأشبه التخصيص "وفي المعين وجه شاذ" أنه لا يصح الاستثناء منه لتضمن الإقرار بها ملك جميعها فيكون الاستثناء رجوعا بخلافه في الدين فإنه مع الاستثناء عبارة عن الباقي ويرد فرقة بأنه تحكم صرف "قلت ولو قال هؤلاء العبيد له إلا واحدا قبل" ولا أثر للجهل بالمستثنى كما لو قال الأشياء "ورجع في البيان إليه" لأنه أعرف بنيته ويلزمه البيان لتعلق حق الغير به فإن مات خلفه وارثه "فإن ماتوا إلا واحدا وزعم أنه المستثنى صدق بيمينه" أنه الذي أراده بالاستثناء "على الصحيح والله أعلم" لاحتمال ما ادعاه، ولو قتلوا قتلا مضمنا قبل قطعا لبقاء أثر الإقرار.

 

ج / 2 ص -365-      فرع: أفتى ابن الصلاح بأنه لو قامت بينة على إقراره لزيد بدين فأقام بينة على إقرار زيد أنه لا يستحق عليه شيئا وتاريخهما واحد حكم بالأولى لأنه ثبت بها الشغل وشككنا في الرفع والأصل عدمه وخالفه غيره، فقال لا يلزمه شيء كما مر أي للتعارض المضعف لاستصحاب ذلك الشغل وهو ظاهر، ولو أقر بدين لآخر، ثم ادعى أداءه إليه وأنه نسي ذلك حالة الإقرار سمعت دعواه للتحليف فقط أخذا مما مر في الرهن فإن أقام بينة بالأداء قبلت على ما أفتى به بعضهم لاحتمال ما قاله فلا تناقض كما لو قال لا بينة لي، ثم أتى ببينة تسمع وفيه نظر والفرق ظاهر إذ كثيرا ما يكون للإنسان بينة ولا يعلم بها فلا ينسب لتقصير بخلاف مسألتنا، ثم محل قبول ادعاء النسيان كما قاله بعضهم ما لم يلتزم عدم قبول فيه بأن يذكر في ألفاظ الإقرار بعدم الاستحقاق ولا نسيانا لأن دعواه حينئذ مخالفة لما أقر به أولا ونظير ذلك ما لو حلف لا يفعل كذا عامدا ولا ناسيا ففعله ناسيا فإنه يحنث وقد ينافيه إطلاق قولهم لو أبرأ براءة عامة وكان له عليه دين سلم مثلا فادعى أنه لم يعلم به حالة الإبراء أو علمه ولم يرده صدق بيمينه ويفرق بينه وبين الحلف بأن الإقرار لا يقبل التزام خلاف ما دل عليه اللفظ لأنه إخبار عن حق سابق فكيف يدخل فيه التزام أمر مستقبل بخلاف الإنشاء فإنه يقع في الحال والمستقبل فأثر فيه التزام الحنث بما فعله نسيانا، ولو قال لا حق لي على فلان ففيه خلاف في روضة شريح والراجح منه أنه إن قال فيما أظن أو فيما أعلم، ثم أقام بينة بأن له عليه حقا قبلت وإن لم يقل ذلك لم تقبل بينته إلا إن اعتذر بنحو نسيان أو غلط ظاهر.
فائدة: كثر كلامهم في قاعدة الحصر والإشاعة وحاصله أنهم قد يغلبون الأول قطعا أو على الأصح والثاني كذلك ولم يبينوا سر القطع والخلاف في كل، وقد بينته بحمد الله مع ذكر مثله قبيل المتعة فراجعه فإنه مهم فمن فروعها هنا إقرار بعض الورثة على التركة بدين أو وصية فيشيع حتى لا يلزمه إلا قسطه من حصته من التركة لأنه خليفة عن مورثه فتقيد بقدر خلافته عنه وهو حصته فقط وكما في إقرار أحد مالكي قن بجنايته واستثنى البلقيني من ذلك مسائل ينحصر الإقرار فيها في حصته لكن لمدرك آخر كما يعلم بتأملها أو أقر أحد شريكين لثالث بنصف مشترك بينهما تعين ما أقر به في نصيبه وفارق الوارث بانتفاء الخلافة هنا الموجبة للإشاعة، ثم، ومن ثم ألحقوا بهذا نحو البيع والرهن والوصية والصداق والعتق وما ذكر من الحصر في إقرار أحد الشريكين هو ما رجحه في الروضة هنا لكنه خالفه في العتق ولكون ما في الباب يقدم على ما في غيره غالبا جزم ابن المقري وغيره بما هنا ولم ينظروا لقول الإسنوي الفتوى على التفصيل لقوة مدركه أو على الإشاعة وهو الحق لنقله عن الأكثرين ولا لموافقة البلقيني له على أن الأفقه الإشاعة.

فصل في الإقرار بالنسب
وهو مع الصدق واجب ومع الكذب في ثبوته حرام كالكذب في نفيه بل صح في الحديث أنه كفر لكنه محمول على المستحل أو على كفر النعمة.

 

ج / 2 ص -366-      إذا "أقر" مكلف أو سكران ذكر مختار، ولو سفيها قنا كافرا "بنسب إن ألحقه بنفسه" بلا واسطة كهذا ابني أو أبي لا أمي لسهولة البينة بولادتها وقوله يد فلان ابني لغو بخلاف نحو رأسه مما لا يبقى بدونه أخذا مما مر في الكفالة ومثله الجزء الشائع كربعه "اشترط لصحته" أي الإلحاق "أن لا يكذبه الحس" فإن كذبه بأن كان في سن لا يتصور أن يولد لمثله مثل هذا الولد، ولو لطرو قطع ذكره وأنثييه قبل زمن إمكان العلوق بذلك الولد كان إقراره لغوا "و" أن "لا" يكذبه "الشرع". فإن كذبه "بأن يكون معروف النسب من غيره" أو ولد على فراش نكاح صحيح لم يصح استلحاقه وإن صدقه المستلحق لأن النسب لا يقبل النقل نعم لو استلحق قنه عتق عليه إن أمكن أن يولد مثله لمثله وإن عرف نسبه من غيره كما يأتي فعلم أن المنفي باللعان إن ولد على فراش نكاح صحيح لم يجز لأحد استلحاقه لما فيه من إبطال حق النافي إذ له استلحاقه وإن هذا الولد لا يؤثر فيه قافة ولا انتساب يخالف حكم الفراش بل لا ينتفي إلا باللعان رخصة أثبتها الشارع لدفع الأنساب الباطلة وأخذ ابن الصلاح من هذا المذكور في النهاية وغيرها إفتاءه في مريض أقر بأنه باع كذا من ابنه هذا فمات فادعى ابن أخيه أنه الوارث وأن ذلك الابن ولد على فراش فلان وقام به بينة وفلان والابن سكران لذلك بأنه يلحق بذي الفراش ولا أثر لإقرار الميت ولا لإنكار ذينك وسمعت دعوى ابن الأخ وبينته وإن كان إثباتا للغير لأنه طريق في دفع خصمه ويستحق الابن ما أقر له به، وإن انتفى نسبه نظرا للتعيين في قوله هذا وتقبل بينته أنه ولد على فراش المقر ولا وارث له غيره فيرثه وكان وجه تقديم بينته أنها ترجحت بإقرار هذا لا سيما مع إنكار صاحب ذلك الفراش أو على فراش وطء شبهة أو نكاح فاسد جاز للغير استلحاقه لأنه لو نازعه فيه قبل النفي سمعت دعواه ولا يجوز استلحاق ولد الزنا مطلقا.
تنبيه: اشتراط أن لا يكذب المقر الحس ولا الشرع ولا يختص بما هنا بل يعم سائر الأقارير كما علم مما مر أنه يشترط في المقر له أهلية استحقاق المقر به حسا وشرعا.
"وأن يصدقه المستلحق" بفتح الحاء "إن كان أهلا للتصديق" وهو المكلف أو السكران لأن له حقا في نسبه وهو أعرف به من غيره وخرج يصدقه ما لو سكت فلا يثبت النسب خلافا لما وقع لهما في موضع نعم إن مات قبل التمكن من التصديق صح وعليه قد يحمل كلامهما ويشترط أيضا أن لا ينازع فيه وإلا فسيأتي وأن لا يكون المستلحق بفتح الحاء قنا أو عتيقا للغير وإلا لم يصح لأحد استلحاقه إلا إن كان بالغا عاقلا وصدق المستلحق ومع ذلك رقه في الأولى باق أي، وكذا ولاؤه لمعتقه في الثانية فيما يظهر إذ لا فرق بينهما أخذا من تعليلهم الأولى بعدم التنافي بين النسب والرق لأن النسب لا يستلزم الحرية وهي لم تثبت ثم رأيت ما يأتي في إقرار عتيق بأخ وهو يؤيد ما ذكرته.
تنبيه: وقع خطب فيمن أتى بزوجته المعروفة النسب لقاض وأقر بأنها أخته فصدقته وأقرت بأنها لا حق لها عليه من جهة مورثهما فحكم عليها بذلك، ثم بان أنها زوجته هل تحرم عليه ظاهرا فقط أو وباطنا أو لا ولا؟، وقد ألفت في ذلك كتابا حافلا بينت فيه فساد

 

ج / 2 ص -367-      هذه الإطلاقات وإن حاصل المنقول بل الصواب من ذلك أنها لا تحرم عليه بمجرد قوله لها أنت أو هذه أختي ولو زاد من أبي إلا إن قصد استلحاقها وهي ممن يمكن لحوقها بأبيه لو فرض جهل نسبها فإنه إن صدق باطنا حرمت عليه باطنا قطعا، وكذا ظاهرا على خلاف فيه وأنه يتعين حمل إطلاق الحل فيهما على ما إذا قصد الكذب أو أخوة الإسلام أو أطلق والحرمة فيهما على ما إذا قصد الاستلحاق وصدق فيه والحل باطنا فقط على ما إذا قصده وكذب.
"فإن كان بالغا" عاقلا "فكذبه" أو سكت وأصر أو قال لا أعلم "لم يثبت نسبه" منه "إلا ببينة" أو يمين مردودة كسائر الحقوق، ولو تصادقا، ثم تراجعا لم يبطل النسب خلافا لابن أبي هريرة. "وإن استلحق صغيرا" أو مجنونا "ثبت" نسبه منه بالشروط السابقة خلا التصديق لعسر إقامة البينة فيترتب عليه أحكام النسب "فلو بلغ" أو أفاق "وكذبه لم يبطل" استلحاقه له بتكذيبه "في الأصح" لأن النسب يحتاط له فلا يندفع بعد ثبوته، ولو استلحق أباه المجنون لم يثبت نسبه حتى يفيق ويصدق ويفرق بينه وبين ما ذكر في الابن بأن استلحاق الأب على خلاف الأصل والقياس فاحتيط له أكثر "ويصح أن يستلحق ميتا صغيرا"، ولو بعد أن قتله، وإن نفاه بلعان أو غيره قبل موته أو بعده ولا يبالى بتهمة الإرث وسقوط القود لأن النسب يحتاط له، ومن ثم ثبت بمجرد الإمكان "وكذا كبير" لم يسبق منه إنكار في حال تكليفه "في الأصح" لأن الميت لما تعذر تصديقه كان كالمجنون الكبير "ويرثه" أي المستلحق بكسر الحاء الميت الصغير والكبير لأن الإرث فرع النسب وقد ثبت "ولو استلحق اثنان بالغا" عاقلا ووجدت الشروط فيهما ما عدا التصديق "ثبت" نسبه "لمن صدقه" منهما لاجتماع الشروط فيه دون الآخر فإن صدقهما أو لم يصدق واحدا منهما كأن سكت عريض على القائف كما قالاه واعتراضا بأن استلحاق البالغ يعتبر فيه تصديقه ويرد بما يأتي أن قول القائف حكم فلا استلحاق هنا حتى يحتاج للتصديق "وحكم الصغير" الذي يستلحقه اثنان واستلحاق المرأة والعبد "يأتي في اللقيط إن شاء الله تعالى".
فرع:
اشتبه طفل مسلم بطفل نصراني وقف أمرهما نسبا وغيره إلى وجود بينة فقائف فانتساب بعد التكليف مختلف فإن لم يوجد واحد من هذه دام وقف النسب ويتلطف بهما حتى يسلما باختيارهما من غير إجبار فإن ماتا قبل الامتناع من الإسلام فكمسلمين في تجهيزهما لكن دفنهما يكون بين مقبرتي الكفار والمسلمين أو بعده فلا لأن أحدهما كافر أصلي والآخر مرتد.
"ولو قال لولد أمته هذا ولدي" سواء قال منها أم لا وذكره في الروضة كالتنبيه تصوير فقط أو تقييد لمحل الخلاف "ثبت نسبه" بالشروط السابقة فيشترط خلوها من زوج يمكن كونه منه كما يأتي "ولا يثبت الاستيلاد في الأظهر" لاحتمال أنه ملكها بعد أن حبلت منه بنكاح أو شبهة وإنما استقر مهر مستفرشة رجل أتت بولد يلحقه، وإن أنكر الوطء لأن هنا ظاهرا يؤيد دعواها وهو الولادة منه إذا لحمل من الاستدخال نادر وفي مسألتنا لا ظاهر

 

ج / 2 ص -368-      على الاستيلاد "وكذا لو قال" فيه هذا "ولدي ولدته في ملكي" لما ذكر "فإن قال علقت به في ملكي" أو استولدتها به في ملكي أو هذا ولدي منها ولد سنة وهي في ملكي من خمس سنين مثلا "ثبت الاستيلاد" قطعا لانتفاء ذلك الاحتمال ولا نظر في القطع منها لاحتمال كونه رهنها، ثم أولدها وهو معسر فبيعت في الدين، ثم اشتراها فإن في عود استيلادها قولين مر الأرجح منهما لندرة ذلك وشرط ثبوت الاستيلاد في إقرار من سبقت كتابته إقراره الواقع بعد حريته أن ينتفي احتمال حملها به زمن الكتابة لأن الحمل فيها لا يفيد أمية الولد "فإن كانت الأمة فراشا له" بأن أقر بوطئها "لحقه" عند الإمكان "بالفراش من غير استلحاق" لخبر "الولد للفراش" وتصير أم ولد "وإن كانت مزوجة فالولد للزوج" عند إمكان كونه منه لأن الفراش له "واستلحاق السيد" له حينئذ "باطل" للحوقه بالزوج شرعا "وأما إذا ألحق النسب بغيره" ممن يتعدى النسب منه إلى نفسه بواسطة واحدة وهي الأب. "كهذا أخي أو" بثنتين كالأب والجد في هذا "عمي" أو بثلاثة كهذا ابن عمي وهل يشترط أن يقول أخي من أبوي أو من أبي أو ابن عمي لأبوين ولأب كما يشترط ذلك في البينة كالدعوى أو يفرق بأن المقر يحتاط لنفسه فلا يقر إلا عن تحقيق، ومن ثم لو أقر بأخوة مجهول لم يقبل تفسيره بأخوة الرضاع ولا الإسلام كل محتمل وظاهر المتن وغيره يشهد للثاني لكن المنقول عن القفال وغيره الأول وأقره الأذرعي وغيره بل جرى عليه الشيخان أواخر الباب الثالث لأنه بعد التفسير ينظر في المقر أهو وارث الملحق به الحائز لتركته فيصح أو لا فلا يصح وفي الملحق به أذكر فيصح الإلحاق به أو أنثى فلا ولا يمكن ذلك إلا بعد بيان الملحق به وسواء أقال فلان وارثي وسكت أو زاد لا وارث لي غيره ولما نقل الجلال البلقيني عن جمع منهم التاج السبكي ما يخالف بعض ما مر ويأتي قال هذا وهم سببه عدم استحضار النقل وفي فتاوى ابن الصلاح أخذا من كلام القاضي لو قال ليس لي وارث إلا أولادي هؤلاء وزوجتي قبل لكن نازعه ابن الأستاذ وأطال بأن كلام القاضي لا يدل لما ذكره وبأن الأصح ما قاله ابن عبد السلام أنه لا يكفي قوله في الحصر بل لا بد فيه من البينة ويكفي قول البينة ابن عم لأب مثلا، وإن لم يسموا الوسائط بينه وبين الملحق به كذا جزم به بعضهم ويتجه أن محله في فقيهين عارفين بحكم الإلحاق بالغير بخلاف عاميين لا يعرفان ذلك فيجب استفصالهما، وكذا يقال في المقر. ثم رأيت الغزي بحث قبول شهادة الفقيه الموافق لمذهب القاضي أي في هذه المسألة وإن لم يفصل، ثم نقل عن شريح أنه لو حكم قاض بأنه وارثه لا وارث له غيره حمل على الصحة، ثم قيده بقاض عالم أي ثقة أمين قال ويقاس به كل حكم أجمله ا هـ وهي فائدة حسنة يتعين استحضارها في فروع كثيرة يأتي بعضها في القضاء وغيره "فيثبت"، وإن كان المقر في الظاهر ولا وارث إلا بيت المال على المنقول خلافا للتاج الفزاري "نسبه من الملحق به" الذكر لأن الوارث يخلف مورثه في حقوقه والنسب منها أما الأنثى فلا يصح استلحاق فوارثها أولى "بالشروط السابقة" فيما إذا ألحقه بنفسه فيصح هنا من السفيه أيضا.
"ويشترط" هنا زيادة على ذلك "كون الملحق به ميتا" فيمتنع الإلحاق بالحي ولو

 

ج / 2 ص -369-      مجنونا لأنه قد يتأهل فلو ألحق به ثم صدق ثبت بتصديقه دون الإلحاق وفيما إذا كان واسطتان كهذا عمي يشترط تصديق الجد فقط لأنه الأصل الذي ينسب إليه ومن اشترط تصديق الأب أيضا كالبغوي فقد أبعد لأنه غير وارث وليس الإلحاق به وفرعه لم يقع إلحاق بقوله حتى يقول يبعد إلحاق الفرع بدون الأصل بل السبب في الإلحاق تصديق الجد فقط فاندفع استشكال ذلك، وإن قال شارح إنه إشكال قوي، ثم حكى عن السبكي جوابا عنه بما لا يصح. "ولا يشترط أن لا يكون الملحق به" نفاه في الأصح بل لا يجوز الإلحاق به، وإن نفاه قبل موته بلعان أو غيره لأنه لو استلحقه لقبل فكذا وارثه.
"ويشترط كون المقر وارثا حائزا" لتركه الملحق به حين الإقرار وإن تعدد فلو أقر بعم اشترط كونه حائزا لتركة أبيه الحائز لتركة جده ومنه بنت ورثت الكل فرضا وردا بشرطه لأنه إن لم يرث الميت لم يكن خليفته، وكذا إن لم يستغرق تركته لأن القائم مقامه مجموعهم لا خصوص المستلحق فيعتبر حتى موافقة أحد الزوجين والمعتق وألحق بالوارث الحائز الإمام فيلحق بميت مسلم وارثه بيت المال لأنه نائب الوارث وهو جهة الإسلام ولو قاله حكما ثبت أيضا لأن له القضاء بعلمه وكونه أيضا لا ولاء عليه، ولو أقر عتيق بأخ أو عم لم يقبل لإضراره بمن له الولاء الذي لا قدرة له على إسقاطه كأصله وهو الملك أو بابن قبل لأنه قادر على استلحاق بملك أو نكاح فلم يقدر مولاه على منعه. وقضية قولهم حين الإقرار أنه لو أقر بابن لعمه فأثبت آخر أنه ابنه لم يبطل إقراره لكن أفتى القفال ببطلانه لأنه بان بالبينة أنه غير حائز ولابن الرفعة هنا ما أجبت عنه في شرح الإرشاد. "والأصح" فيما إذا أقر أحد الحائزين بثالث أو بزوجة للميت وأنكره الآخر أو سكت "إن المستلحق لا يرث" لعدم ثبوت نسبه وبفرض المتن في هذا الذي دل على السياق وصرح به في بعض النسخ يندفع ما اعترض به الفزاري وأطال "ولا يشارك المقر في حصته" ظاهرا بل باطنا إن صدق ففي ابنين أقر أحدهما بثالث يلزمه أن يعطيه ثلث حصته، ولو ادعى على ابني ميت بعين في التركة فصدقه. أحدهما فإن كان قبل القسمة دفع إليه نصفها أو بعدها فإن كانت بيد المصدق سلمها له كلها ولا شيء له على المكذب أو بيد المكذب لم يلزمه شيء وعلى المصدق نصف قيمتها "و" الأصح "أن البالغ" العاقل "من الورثة لا ينفرد بالإقرار" بل ينتظر كما الآخرين فإن أقر فمات غير الكامل وورثه نفذا قراره من غير تجديد كما في قوله "و" الأصح "أنه لو أقر أحد الوارثين" الحائزين بثلث "وأنكر الآخر" أو سكت لم يرث شيئا ولا من حصة المقر لكن ظاهرا فقط كما تقرر لأن الإرث فرع النسب ولم يثبت وإنما طولب من أقر بكونه ضامنا لعمر وفي ألف بالألف، وإن لم يثبت على عمرو، ولو كذب الضامن لأنه لا ملازمة بين مطالبتهما فقد يطالب الضامن فقط لإعسار الأصيل أو نذر المضمون له أن لا يطالبه أو موت الضامن والدين مؤجل وقد يطالب الأصيل فقط كإن ضمن الحال مؤجلا أو أعسر الضامن أو مات الأصيل والدين مؤجل. وأما النسب والإرث فبينهما ملازمة من حيث إنه يلزم من ثبوت الإرث بالقرابة ثبوت النسب ولا عكس كما يأتي ونظيره إقراره بالخلع فإنه يثبت البينونة ولا مال لوجودها قبل الدخول وعند استيفاء العدد من غير مال

 

ج / 2 ص -370-      بخلاف وجوبه بالطلاق فإنه يستلزمها "و" يستمر عدم إرث المقر به إلى موت المنكر أو الساكت فإن "مات ولم يرثه إلا المقر ثبت النسب" بالإقرار الأول وورث لأنه صار حائزا، وكذا لو ورثه غير المقر وصدقه "و" الأصح "أنه لو أقر ابن حائز" مشهور النسب لا ولاية عليه "بأخوة مجهول فأنكر المجهول نسب المقر" بأن قال أنا ابن الميت ولست أنت ابنه "لم يؤثر فيه" لثبوته وشهرته ولأنه لو بطل نسبه بطل نسب المجهول فإنه لم يثبت إلا لإرثه وحيازته ولو بطل نسبه ثبت نسب المقر وذلك دور حكمي، ومن ثم غلط المقابل ولو أقرا بثلث فأنكر نسب الثاني وليس توأما سقط لثبوت نسب الثالث باتفاقهما فاشترط موافقته على نسب الثاني لثبوته بالاستلحاق وبهذا فارق ما قبله "ويثبت أيضا نسب المجهول" لأن الحائز قد استلحقه فلم ينظر لإخراجه له عن أهلية الإقرار بتكذيبه له "و" الأصح "أنه إذا كان الوارث الظاهر يحجبه المستلحق" حجب حرمان "كآخ أقر بابن للميت ثبت النسب" للابن لأن الحائز ظاهرا قد استلحقه "ولا إرث" له للدور الحكمي وهو أن يلزم من إثبات الشيء رفعه إذا لو ورث حجب الأخ فخرج عن كونه وارثا فلم يصح استلحاقه فلم. يرث فأدى إرثه إلى عدم إرثه، ولو ادعى المجهول على الأخ فنكل وحلف المجهول ثبت نسبه ثم إن قلنا اليمين المردودة كالبينة ورث أو كالإقرار وهو الأصح فلا وخرج ب يحجبه ما لو أقرت بنت معتقه للأب بأخ لها فيثبت نسبه لكونها حائزة ويرثانه أثلاثا لأنه لا يحجبها حرمانا.