تحفة المحتاج بشرح المنهاج ط العلمية

ج / 2 ص -371-      كتاب العارية
بتشديد الياء وقد تخفف اسم لما يعار وللعقد المتضمن لإباحة الانتفاع بما يحل الانتفاع به مع بقاء عينه ليرده من عار ذهب وجاء بسرعة أو من التعاور أي التناوب لا من العار لأنه يائي وهي واوية وأصلها قبل الإجماع {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون:7] قال جمهور المفسرين هو ما يستعيره الجيران بعضهم من بعض واستعارته صلى الله عليه وسلم فرسا لأبي طلحة فركبه متفق عليه. وأدرعا من صفوان بن أمية يوم حنين، فقال أغصب يا محمد، فقال: "لا بل عارية مضمونة" رواه أبو داود والنسائي وهي سنة. قال الروياني وغيره وكانت واجبة أول الإسلام للآية وقد تجب كإعارة نحو ثوب لدفع مؤذ كحر ومصحف أو ثوب توقفت صحة الصلاة عليه أي حيث لا أجرة له لقلة الزمن وإلا لم يلزمه بذله بلا أجرة فيما يظهر، ثم رأيت الأذرعي ذكره حيث قال والظاهر من حيث الفقه وجوب إعارة كل ما فيه إحياء مهجة محترمة لا أجرة لمثله، وكذا إعارة سكين لذبح مأكول يخشى موته وكإعارة ما كتب صاحب كتاب الحديث بنفسه أو مأذونه فيه سماع غيره أو روايته لينسخه منه كما صوبه المصنف وغيره. وتحرم كما يأتي مع بيان أنها فاسدة وتكره كإعارة مسلم لكافر كما يأتي وأركانها أربعة معير ومستعير ومعار وصيغة.
"شرط المعير" الاختيار كما يعلم مما يأتي في الطلاق فلا تصح إعارة مكره أي بغير حق وإلا كالإكراه عليها حيث وجبت صحت فيما يظهر و "صحة تبرعه" بأن يكون رشيدا لأنها تبرع بالمنافع فلا تصح إعارة محجور إلا السفيه لبدن نفسه إذا لم يقصد عمله لاستغنائه عنه بماله على أنه في الحقيقة لا استثناء لأن بدنه في يده فلا عارية وإلا المفلس لعين زمنا لا يقابل بأجرة ولا مكاتب بغير إذن سيده إلا في نظير ما ذكر في المفلس فيما يظهر. ويشترط ذلك في المستعير أيضا فلا تصح استعارة محجور، ولو سفيها ولا استعارة وليه له إلا لضرورة كبرد مهلك فيما يظهر أو حيث لا ضمان كأن استعار له من نحو مستأجر ويشترط تعيينه فلو فرش بساطه لمن يجلس عليه، ولو بالقرينة كما على دكاكين البزازين بالنسبة لمريد الشراء منهم لم يكن عارية بل مجرد إباحة، ولو أرسل صبيا ليستعير له شيئا لم يصح فلو تلف في يده أو أتلفه لم يضمنه هو ولا مرسله كذا في الجواهر ونظر غيره في قوله أو أتلفه والنظر واضح إذا الإعارة ممن علم أنه رسول لا تقتضي تسليطه على الإتلاف فليحمل ذلك على ما إذا لم يعلم أنه رسول "وملكه المنفعة" وأن يملك الرقبة لأن الإعارة إنما ترد على المنفعة. وأخذ الأذرعي منه امتناع إعارة صوفي وفقيه سكنهما في رباط ومدرسة لأنهما يملكان الانتفاع لا المنفعة وكان مراده أن ذلك لا يسمى عارية حقيقة فإن أراد حرمته فممنوع حيث لا نص من الواقف أو عادة مطردة في زمنه تمنع ذلك وكملكه لها اختصاصه بها لما سيذكره في الأضحية أن له إعارة هدي أو الأضحية نذره مع

 

ج / 2 ص -372-      خروجه عن ملكه ومثله إعارة كلب للصيد وإعارة الأب لابنه الصغير، وكذا المجنون والسفيه كما بحثه الزركشي زمنا لا يقابل بأجرة ولا يضر به لأن له استخدامه في ذلك وأطلق الروياني حل إعارته لخدمة من يتعلم منه لقصة أنس في الصحيح وظاهر أن تسمية مثل هذه المذكورات عارية فيه نوع تجوز. قال الإسنوي وإعارة الإمام مال بيت المال لأنه إذا جاز له التمليك فالإعارة أولى ورد بأنه إن أعاره لمن له حق في بيت المال فهو إيصال حق لمستحقه فلا يسمى عارية أو لمن لا حق له فيه لم يجز لأن الإمام فيه كالولي في مال وليه وهو لا يجوز له إعارة شيء منه مطلقا، ومن ثم كان المعتمد أنه لا يصح بيعه لقن بيت المال من نفسه لأنه عقد عتاقة وهو ليس من أهل العتق ولو بعوض كالكتابة لأنه بيع لبعض بيت المال ببعض آخر لملكه إكسابه لولا البيع ولأنه يمتنع عليه تسليم ما باعه قبل قبض ثمنه وهذا مثله لأن القن قبل العتق لا ملك له وبعده قد يحصل، وقد لا فلا مصلحة في ذلك لبيت المال أصلا ومن هذا أخذ جمع متأخرون أن أوقاف الأتراك لا تجب مراعاة شروطهم فيها لبقائها على ملك بيت المال لأنهم أرقاء له فمن له فيه حق حلت له على أي وجه وصلت إليه ومن لا لم تحل له مطلقا. "فيعير مستأجر" إجارة صحيحة كما يعلم مما يأتي وموصى له بالمنفعة إلا مدة حياته على تناقض فيه وموقوف عليه على ما مر إن لم يشرط الواقف استيفاءه بنفسه أي بإذن الناظر إن كان غيره وعليه يحمل تقييد ابن الرفعة جواز إعارة الموقوف عليه بما إذا كان ناظرا أي وإلا احتاج إلى إذن الناظر إذا من الواضح أن مراده أن لا يصدر ذلك إلا عن رأيه ليشمل كونه مستحقا وآذنا للمستحق وذلك لملكهم المنفعة "لا مستعير" بغير إذن المال "على الصحيح" لأنه لا يملكها وإنما يملك أن ينتفع ومن لم يؤجر ولا تبطل عاريته إلا بإذن المالك له فيها ولا يبرأ من ضمانها إلا إن عين له الثاني. "وله أن يستنيب من يستوفي المنفعة له" كأن يركب دابة استعارها للركوب من هو مثله أو دونه لحاجته قال في المطلب، وكذا زوجته وخادمه لأن الانتفاع راجع إليه أيضا ومنه يؤخذ أنه لا يركبهما إلا في أمر تعود منفعته عليه وحينئذ يكون مما شمله قولهم لحاجته فلا يحتاج إليه لا يقال فائدته أن له إركابهما، وإن كانا أثقل منه فلا يشمله ما قبله لأنا نقول ممنوع لأن رعاية كون نائبه مثله أو دونه لا بد منها مطلقا كما يعلم مما يأتي في المتن والذي يتجه أنه إذا استعار لإركاب زوجته فلانة جاز له إركاب ضرتها التي مثلها أو دونها ما لم تقم قرينة على التخصيص ككون "المسماة محرم المعبر و". شرط "المستعار كونه منتفعا به" حالا انتفاعا مباحا مقصودا فلا تصح إعارة حمار زمن وجحش صغير كما يصرح به قول الروياني كل ما جازت إجارته جازت إعارته وما لا فلا واستثنوا فروعا ليس هذا منها والاستثناء معيار العموم وآلة لهو وأمة لخدمة أجنبي ونقد لأن معظم المقصود منه الإخراج نعم لو صرح بإعارته للتزيين أو الضرب على طبعه صح قالا وحيث لم تصح العارية فجرت ضمنت لأن للفاسد حكم صحيحه وقيل لا ضمان لأن ما جرى بينهما ليس بعارية صحيحة ولا فاسدة ومن قبض مال غيره بإذنه لا لمنفعته كان أمانة ا هـ وكان معنى تعليل الضعيف بمن قبض إلخ أنه يشترط في الضمان قبضه للمنفعة بعقد، ولو فاسدا ويؤخذ

 

ج / 2 ص -373-      من ذلك أنها مع اختلال شرط أو شروط مما ذكروه تكون فاسدة مضمونة بخلاف الباطلة قبل استعمالها والمستعير أهل للتبرع وهي التي اختل فيها بعض الأركان كما يؤخذ مما يأتي في الكتابة وفي الفاسدة التي فيها إذن معتبر لا يضمن أجرة ما استوفاه من المنافع بخلافه التي لا إذن فيها كذلك كمستعير من مستأجر إجارة فاسدة وفي الباطلة ويفرق بأن في تلك صورة عقد فألحق بصحيحه ولا كذلك هذه وفي الأنوار المأخوذ من غير أهل التبرع مضمون بالقيمة والأجرة ومن الفاسدة أعراكه بشرط رهن أو كفيل ذكره الماوردي واعترض بتصريحهم بصحة ضمان الدرك في العارية وأجيب بأن ما هنا في شرط التضمين ابتداء وما هناك في شرطه دواما وفيه نظر والظاهر أن كلام الماوردي مقالة "مع بقاء عينه" فلا تصح إعارة نحو شمعة لوقود وطعام لأكل لأن منفعتهما باستهلاكهما، ومن ثم صحت للتزيين بهما كالنقد وهذا أعني استعارة المستعير لمحض المنفعة هو الأكثر فلا ينافي كونه قد يستفيد عينا من المعار كإعارة شاة أو شجرة أو بئر لأخذ در ونسل أو ثمرة أو ماء وكإباحة أحد هذه فإنها تتضمن عارية أصلها وذلك لأن الأصل هو العارية والفوائد إنما جعلت بطريق الإباحة والتبع فعلم أن شرط العارية أن لا يكون فيها استهلاك المعار لا أن لا يكون المقصود فيها استيفاء عين، ولو أعاره شاة أو دفعها له وملكه درها ونسلها لم تصح الإعارة ولا التمليك ويضمنها الآخذ بحكم العارية الفاسدة لا هما لأنهما بهبة فاسدة وقد يستشكل فساد العارية هنا بصحتها فيما قبلها إلا أن يفرق بأن التمليك الفاسد هو الغرض منها هنا فأفسدها بخلاف الإباحة ثم فإنها صحيحة فلا موجب للفساد ولا يشترط تعيين المستعار فيكفي خذ ما أردت من دوابي بخلاف الإجارة لأنها معاوضة.
"وتجوز إعارة جارية لخدمة امرأة" إذا لا محذور نعم يأتي حرمة نظر كافرة لشيء من مسلمة وفاسقة بفجور أو قيادة لعفيفة فعليه تمتنع إعارتها لها كالأجنبي وعلى جواز نظر ما يبدو في المهنة منها تجوز العارية "أو" ذكر "محرم" أو مالك لها بأن يستعير من مستأجر، وكذا موصى له بالمنفعة إن كانت ممن لا تحبل لحل وطئه حينئذ بخلاف من تحبل لأنها قد تلد فتكون منافع ولده للموصى له فهو نوع من الإرقاق كذا قاله شارح وهو غفلة عما يأتي في الوصية بالمنافع أن المالك إذا أولدها يكون الولد حرا وتلزمه قيمته ليشتري بها مثله وإن حرمة وطئها إن كانت ممن تحبل ليست لذلك بل لخوف الهلاك أو النقص أو الضعف أو زوج قال ابن الرفعة ويضمنها ولو في بقية الليل إلى أن يسلمها لسيدها أو نائبه وذلك لانتفاء المحذور بخلاف إعارتها وهي غير صغيرة ولو عجوزا شوهاء لأجنبي ولو شيخا هما لتخدمه وقد تضمن نظرا أو خلوة محرمة، ولو باعتبار المظنة فيما يظهر فلا يصح على المعتمد لتعذر استيفائه المستعار له بنفسه شرعا واستنابته غيره لأن الفرض أنه استعارها لخدمة نفسه المتضمنة نظرا أو خلوة فالمنع ذاتي خلافا لابن الرفعة بخلاف ما لا يتضمن ذلك وعليه يحمل كلام الروضة نعم لامرأة خدمة مريض منقطع ولسيد أمة إعارتها له لخدمته. ويتجه حرمة إعارة أمرد لخدمة تضمنت خلوة أو نظرا محرما، ولو لمن لا يعرف بالفجور خلافا لما يوهمه كلام بعضهم، ولو كان المستعير أو المستعار خنثى

 

ج / 2 ص -374-      امتنعت فتفسد أخذا بالأحوط وإنما جاز إيجار حسناء لأجنبي والإيصاء له بمنفعتها لأنه يملك المنفعة فينقلها لمن شاء والمستعير لا يعير فينحصر استيفاؤه بنفسه أي أصالة حتى لا ينافي ما مر من جواز إنابته والأوجه في إعارة قن كبير لامرأة أنه كعكسه فيما ذكر وعلم مما مر أنا حيث حكمنا بالفساد فلا أجرة خلافا لما يوهمه كلام ابن الرفعة.
"ويكره إعارة عبد مسلم لكافر" واستعارته لأن فيها نوع امتهان له ولم تحرم خلافا لجمع لأنه ليس فيها تمليك لشيء من منافعه فليس فيها تمام استذلال ولا استهانة وتكره استعارة وإعارة فرع أصله إلا إن قصد ترفيهه فتندب وإعارة أصل نفسه لفرعه واستعارة فرعه إياه منه ليست حقيقة عارية لما مر في السفيه فلا كراهة فيهما وتحرم إعارة سلاح وخيل لنحو حربي ونحو مصحف لكافر وإن صحت وقارفت المسلم لأنه يمكنه دفع الذل عن نفسه بخلافها. "والأصح اشتراط لفظ" يشعر بالإذن في الانتفاع أو بطلبه أو نحوه ككتابة وإشارة أخرس فاللفظ المشعر بذلك بل المصرح به "كأعرتك أو أعرني" وما يؤدي معناهما كأبحتك منفعته واركب وأركبني وخذه لتنتفع به لأن الانتفاع بمال الغير يتوقف على رضاه المتوقف على ذلك اللفظ أو نحوه، ولو شاع أعرني في القرض كما في الحجاز كان صريحا فيه قاله في الأنوار وعليه فيفرق بينه وبين قولهم في الطلاق لا أثر للإشاعة في الصراحة بأنه يحتاط للأبضاع ما لا يحتاط لغيرها وظاهر كلامهم أن هذه الألفاظ كلها ونحوها صرائح وأنه لا كناية للعارية لفظا وفيه وقفة، ولو قيل إن نحو خذه أو ارتفق به كناية لم يبعد ولا يضر صلاحية خذه للكناية في غير ذلك "ويكفي لفظ أحدهما مع فعل الآخر" وإن تأخر أحدهما عن الآخر لظن الرضا حينئذ وسيأتي أن الوديعة كذلك خلافا لمن فرق وقد تحصل بلا لفظ ضمنا كأن فرش له ثوبا ليجلس عليه كما جرى عليه المتولي واقتضى كلامهما اعتماده. قيل والأوجه أنه إباحة فلا يضمن إلا بالتعدي ا هـ ويؤيد الأول ما يأتي فيمن أركب منقطعا دابته من غير سؤال وتخيل فرق بينهما بعيد وفي أنه لا يشترط في ضمان العارية كونها بيد المستعير وخرج بله جلوسه على مفروش للعموم فهو إباحة حتى عند المتولي وكان أذن له في حلب دابته واللبن للحالب فهي مدة الحلب عارية تحت يده وكأن سلمه البائع المبيع في ظرف فهو عارية وكان أكل الهدية من ظرفها المعتاد أكلها منه وقبل أكلها هو أمانة، وكذا إن كانت عوضا كما في قوله "ولو قال أعرتكه" أي فرسي مثلا "لتعلفه" أو على أن تعلفه "أو لتعيرني فرسك فهو إجارة" لأن فيها عوضا "فاسدة" لجهل المدة والعوض مع التعليق في الثانية "توجب أجرة المثل" إذا مضى بعد قبضه زمن لمثله أجرة ولا يضمن لو تلفت كالمؤجرة. وكلامهم هذا صريح في أن مؤنة المستعار ليست على المستعير وهو كذلك صحت العارية أو فسدت فإن أنفق لم يرجع إلا بإذن الحاكم أو إشهاد بنية الرجوع عند فقده وشذ القاضي في قوله إنها عليه فعليه لا تفسد بشرط كونه يعلفه أما لو عين المدة والعوض كأعرتك هذه شهرا من الآن بعشرة دراهم أو لتعيرني ثوبك هذا شهرا من الآن فقبل فهو إجارة صحيحة بناء على أن الاعتبار بمعاني العقود ورجح لأن له مقتضيين ذكر المدة والعوض وهما أقوى من مجرد ذكر لفظ العارية،

 

ج / 2 ص -375-      ولو أعاره ليضمنه بأكثر من قيمته فهل هو إجارة فاسدة لأن الأكثر يقع في مقابلة المنافع أو عارية فاسدة وجهان قيل وإلا قيس الثاني ولا يبرأ إلا بالرد للمالك أو وكيله دون نحو ولده وزوجته فيضمنانها وهو طريق نعم يبرأ كما في الروضة بردها لما أخذها منه إن علم به المالك، ولو بخبر ثقة فتركها فيه ولو استعارها ليركبها فركبها مالكها معه لم يضمن إلا نصفها، ولو قال أعطها لهذا ليجيء معي في شغلي أو أطلق والشغل للآمر فهو المستعير أو في شغله أو أطلق وهو صادق فالراكب إن وكله وليس طريقا كوكيل السوم وإن كذب فهو المستعير والقرار على الراكب. "ومؤنة الرد" للعارية "على المستعير" من المالك أو نحو مستأجر رد عليه للخبر الصحيح "على اليد ما أخذت حتى تؤديه" ولأنه قبضها لمنفعة نفسه أما إذا رد على المالك فالمؤنة عليه كما لو رد عليه معيره وظاهر كلامهم أنه لا فرق بين بعد دار معيره وعدمه ويوجه بأنه منزل منزلة معيره ومعيره لو كان في محله لم يلزمه مؤنة فكذا هو فتأمله ليندفع به ما للأذرعي هنا ويجب الرد فورا عند طلب معير أو موته أو عند الحجر عليه فيرده لوليه فإن أخر بعد علمه وتمكنه ضمن مع الأجرة ومؤنة الرد نعم لو استعار نحو مصحف أو مسلم فارتد مالكه امتنع رده عليه بل يتعين الحاكم. "فإن تلفت" العين المستعارة أو شيء من أجزائها ومنها ما أركب مالكها عليها منقطعا ولو تقربا لله تعالى، وإن لم يسأله لأنها تحت يده، ومن ثم لو ركب مالكها معه لم يضمن إلا النصف ومنها أيضا نحو إكاف الدابة دون ولدها نعم إن تبعها والمالك ساكت وجب رده فورا إلا ضمن كالأمانة الشرعية ودون نحو ثياب العبد على الأوجه لأنه لم يأخذه ليستعملها "لا باستعمال" مأذون فيه كأن خطت في بئر حالة السير قال الغزي ومن تبعه وقياسه أن عثورها حال الاستعمال كذلك وظاهره أنه لا فرق بين أن يعرف ذلك من طبعها وأن لا ويظهر تقييده بما إذا لم يكن العثور مما أذن المالك في حمله عليها على أن جمعا اعترضوه بأن التعثر يعتاد كثيرا أي فلا تقصير منه ومحله إن لم يتولد من شدة إزعاجها وإلا ضمن لتقصيره وكأن جنى العبد أو صالت الدابة فقتلا للدفع ولو من مالكهما نظير قتل المالك قنة المغصوب إذا صال عليه فقصد دفعه فقط "ضمنها" بدلا أو أرشا لكنه طريق فقط فيما لو جنى عليها في يده بقيمة يوم التلف في المتقوم ومثله في المثلي كما جرى عليه ابن أبي عصرون واعتمده السبكي وغيره وهو أوجه من جزم الأنوار بلزوم القيمة، ولو في المثلي وإن اقتضاه كلام جمع واعتمده بعض الشراح "وإن" شرطا عدم ضمانها. وبحث الإسنوي أن هذا الشرط لا يفسدها كشرط رد مكسر عن صحيح في الفرض وفيه نظر لإمكان الفرق، ولو "لم يفرط" للخبر السابق بل عارية مضمونة "والأصح أنه لا يضمن ما ينمحق" من الثياب أو نحوها "أو ينسحق باستعمال" مأذون فيه لحدوثه بإذن المالك فهو كاقتل عبدي والثاني يضمن مطلقا لخبر على اليد السابق "والثالث يضمن المنمحق" دون المستحق أي البالي بعض أجزائه لأن مقتضى الإعارة الرد ولم يوجد في الأول وموت الدابة كالانمحاق وعرجها وتقرح ظهرها باستعمال مأذون فيه وكسر سيف أعاره ليقاتل به كالانسحاق ومر جواز إعارة المنذور ولكن يضمن كل من المعير

 

ج / 2 ص -376-      والمستعير ما نقص منه بالاستعمال، ولو استعار عبدا لتنظيف سطح مثلا فسقط من سلمه ومات ضمنه بخلاف ما إذا استأجره ولا يشترط في ضمان المستعير كون العين في يده بل، وإن كانت بيد المالك كما صرح به الأصحاب وفي الروضة لو حمل متاع غيره على دابته بسؤال الغير كان مستعيرا لكل الدابة إن لم يكن عليها شيء وإلا فبقدر متاعه واستشكل ذلك بقولهما عن الشيخ أبي حامد وغيره لو سخر رجلا ودابته فتلفت البهيمة في يد صاحبها لم يضمنها المسخر لأنها في يد صاحبها ويجاب بأن هذا من ضمان الغصب وهو لا بد فيه من الاستيلاء ولم يوجد وما نحن فيه من ضمان العارية وهي لا يشترط فيها ذلك لحصولها بدونه وهذا أولى من إشارة القمولي إلى تضعيف أحد الموضعين.
فرع: اختلفا في أن التلف بالاستعمال المأذون فيه صدق المعير كما قاله الجلال البلقيني وأيده غيره بكلام البيان ويوجه بأن الأصل في العارية الضمان حتى يثبت مسقطه.
"والمستعير من مستأجر" أو موصى له أو موقوف عليه بقيده السابق أو مستحق منفعة بنحو صداق أو صلح أو سلم "لا يضمن في الأصح" لأن يده نائبة عن يد غير ضامنة نعم إن كانت الإجارة فاسدة ضمن لأن معيره ضامن كما جزم به البغوي قال لأنه فعل ما ليس له والقرار على المستعير ولا يقال حكم الفاسدة حكم الصحيحة في كل ما تقتضيه بل في سقوط الضمان بما يتناوله الإذن فقط وألحق البلقيني بهؤلاء الثلاثة جلد أضحية منذورة فإنه يجوز إعارته ولا يضمنه مستعيره لا بتناء يده على يد غير مالك، وكذا مستعار لرهن تلف في يد مرتهن لا ضمان عليه كالراهن وصيد استعير من محرم وكتاب موقوف على المسلمين مثلا استعاره فقيه فتلف في يده من غير تفريط لأنه من جملة الموقوف عليهم "ولو تلفت دابته في يد وكيل بعثه في شغله أو في يد من سلمها إليه ليروضها" أي يعلمها المشي الذي يستريح به راكبها "فلا ضمان" عليه حيث لم يفرط لأنه إنما أخذها لغرض المالك أما إذا تعدى كأن ركبها في غير الرياضة فيضمن كما لو سلمه قنه ليعلمه حرفة فاستعمله في غيرها، ولو بإذن المالك "وله الانتفاع بحسب الإذن" لأن المالك رضي به دون غيره نعم لو أعاره دابة ليركبها لموضع كذا ولم يتعرض للركوب في الرجوع جاز له الركوب فيه كما نقلاه وأقراه بخلاف نظيره من الإجارة والفرق أن الرد لازم للمستعير فتناول الإذن الركوب في العود عرفا والمستأجر لا رد عليه ومنه يؤخذ أن المستعير الذي لا يلزمه الرد كالمستأجر ويحتمل خلافه، ولو جاوز المحل المشروط لزمه أجرة مثل الذهاب منه والعود إليه وله الرجوع منه راكبا كما صححه السبكي وغيره بناء على أن العارية لا تبطل بالمخالفة وهو ما صححاه.
فرع: قال العبادي وغيره واعتمدوه في كتاب مستعار رأي فيه خطأ لا يصلحه إلا المصحف فيجب ويوافقه إفتاء القاضي بأنه لا يجوز رد الغلط في كتاب الغير وقيده الريمي بغلط لا يغير الحكم وإلا رده وكتب الوقف أولى وغيره بما إذا تحقق ذلك دون ما ظنه فليكتب لعله كذا ورد بأن كتابة لعله إنما هي عند الشك في اللفظ لا الحكم والذي يتجه
 

 

ج / 2 ص -377-      أن المملوك غير المصحف لا يصلح فيه شيء مطلقا إلا إن ظن رضا مالكه به وأنه يجب إصلاح المصحف لكن إن لم ينقصه خطه لرداءته وإن الوقف يجب إصلاحه إن تيقن الخطأ فيه وكان خطه مستصلحا سواء المصحف وغيره وأنه متى تردد في عين لفظ أو في الحكم لا يصلح شيئا وما اعتيد من كتابة لعله كذا إنما يجوز في ملك الكاتب.
"وإن أعاره لزراعة حنطة زرعها ومثلها" في الضرر ودونها بالأولى كالشعير والفول لا أعلى منها كالذرة والقطن "إن لم ينهه" فإن نهاه عن المثل أو الأدون امتنعا أيضا اتباعا لنهيه وعلم منه ما بأصله أنه لو عين نوعا ونهى عن غيره اتبع "أو" أعاره "لشعير لم يزرع فوقه" ضررا "كحنطة" بل دونه ومثله وتنكيره لهذين خلاف تعريف أصله لهما ليبين أنه لا فرق في التفصيل المذكور بين أعرتك لزراعة الحنطة أو حنطة وترجيح الإسنوي أنه إذا أشار لمعين منهما أو أعاره لزارعته لا يجوز الانتقال عنه قال ولهذا عرفهما في المحرر فيه نظر والصحيح في الإجارة الجواز فكذا هنا وصرح في الشعير بما لا يجوز فقط عكس الحنطة تفننا ولدلالة كل على الآخر ففيه نوع من أنواع البديع المشهورة وحيث زرع ما ليس له زرعه فللمالك قلعه مجانا فإن مضت مدة لها أجرة لزمه جميع أجرة المثل على المعتمد.
"ولو أطلق الزراعة" أي الإذن فيها كأعرتك للزارعة ولتزرعها "صح في الأصح ويزرع ما شاء" لإطلاق اللفظ وإنما لم يلزمه الاقتصار على أخف الأنواع ضررا لأن المطلقات أنما تنزل على الأقل إذا كانت بحيث لو صرح به لصح وهذا لو صرح به لم يصح لأنه لا يوقف على حد الأقل ضررا فيؤدي إلى النزاع والعقود تصان عن ذلك قاله البلقيني جوابا عن قولهما لو قيل لا يزرع إلا أقل الأنواع ضررا لكان مذهبا وقال الأذرعي يزرع ما عهد زرعه هناك، ولو نادرا، ولو قال لتزرع ما شئت زرع ما شاء جزما "وإذا استعار لبناء أو غراس فله الزرع" لأنه أخف "ولا عكس" لأن ضررهما أكثر "والصحيح أنه لا يغرس مستعير لبناء، وكذا العكس" لاختلاف الضرر فإن ضرر البناء في ظاهر الأرض أكثر من باطنها والغراس بالعكس لانتشار عروقه وما يغرس للنقل في عامه ويسمى الشتل كالزرع وإذا استعار لواحد مما ذكر ففعله، ثم مات أو قلعه ولم يكن قد صرح له بالتحديد مرة بعد أخرى لم يجز له فعل نظيره ولا إعادته مرة ثانية إلا بإذن جديد "و" الصحيح "أنه لا يصح إعارة الأرض مطلقة بل يشترط تعيين نوع المنفعة" قياسا على الإجارة نعم إن قال لتنتفع بها كيف شئت أو بما بدا لك صح وينتفع بما شاء على الأوجه كما في الإجارة وقيل بما هو العادة ثم، وبه جزم ابن المقري وهو نظير ما مر عن الأذرعي في إطلاق الزراعة وذكر الأرض مثال لما ينتفع به بجهتين أو أكثر كالدابة أما ما ينحصر الانتفاع به في جهة واحدة كبساط لا يصلح إلا للفراش فلا يحتاج في إعارته إلى بيان الانتفاع ويستعمل في ذلك بالمعروف قال في المطلب، وكذا لو كان يمكن الانتفاع بجهات لكن إحداها هي المقصودة منه عادة ا هـ.

 

ج / 2 ص -378-      فصل في بيان جواز العارية وما للمعير وعليه بعد الرد في عارية الأرض وحكم الاختلاف
هي جائزة من الجانبين كالوكالة فحينئذ "لكل منهما" أي المعير والمستعير "رد العارية" المطلقة والمؤقتة قبل فراغ المدة "متى شاء" لأنها مبرة من المعير وارتفاق من المستعير فلا يليق بها الإلزام والرد في المعير بمعنى رجوعه المعبر به في أصله وغيره على أنه يصح إبقاؤه على حقيقته بأن يراد بالعارية العقد فمعنى رده قطعه وذلك لا تجوز فيه ولو استعمل المستعار أو المباح له منافعه بعد الرجوع جاهلا فلا أجرة عليه كما مر ومحل قولهم إن الضمان لا يختلف بالعلم والجهل إذا لم يسلطه المالك ولم يقصر بترك إعلامه ولو أعاره لحمل متاعه إلى بلد فرجع أثناء طريقها لزمه لكن بالأجرة نقل متاعه إلى ما من وينبغي أن مثله في ذلك نفسه إذا عجز عن المشي أو خاف واستفيد من جوازها كالوكالة انفساخها بما تنفسخ به الوكالة من نحو موت وجنون وإغماء وحجر وعلى وارث المستعير الرد فورا فإن تعذر عليه ردها ضمنت مع مؤنة الرد في التركة فإن لم تكن تركة فلا شيء عليه غير التخلية عند بقائها وإن لم يتعذر ضمنها الوارث مع الأجرة ومؤنة الرد ومر أنه يجب الرد فورا عند نحو موت المعير "إلا إذا أعار لدفن" ودفن فيه محترم "فلا يرجع حتى يندرس أثر المدفون" بأن يصير ترابا فيرجع حينئذ بأن يكون أذن له في تكرير الدفن وإلا فالعارية انتهت وذلك لأنه دفن بحق وفي النبش هتك حرمته ولا يرد عليه عجب الذنب فإنه، وإن لم يندرس إلا أن الكلام في الأجزاء التي تحس وهو لا يحس وقضية المتن أنه لا أجرة له، وإن رجع وهو كذلك خلافا للأنوار ويفرق بينه وبين ما مر في الرجوع في الطريق بأن العرف غير قاض به هنا لتوطن النفس فيه على البقاء إلى البلاء ولو أظهره منه نحو سبع ولم يوجد غيره أقرب منه أو مساو له أعيد إليه قهرا لأنه صار حقا له إلى اندراسه من غير مقابل وللمالك سقي لم يضر بالميت أما إذا رجع قبل الدفن أي مواراته بالتراب ومثلها فيما يظهر سد اللحد بل وخشية تهريه بنقله من هذا القبر، وإن لم يوار فيجوز كما نقلاه عن المتولي وأقره واعتمده الأذرعي بل قال إنه لم ير أحدا صرح بما في الشرح الصغير من امتناع الرجوع بمجرد وضعه في القبر نعم يغرم مؤنة الحفر لولي الميت لأنه غره ولا طم على الولي وفارق هذا ما لو رجع بعد الحرث وقبل الزرع لا تلزمه مؤنة الحرث على المعتمد لأنه لم يغره لإمكان الزرع بلا حرث في الجملة بخلاف الدفن لا يمكن بلا حفر ويؤخذ منه أنها لو انفسخت بنحو جنون المعير لم تلزمه مؤنة الحفر لأنه لا غرر حينئذ وأن من أعاره أرضا لحفر بئر فيها ينتفع بمائها، ثم طمها يلزمه مؤنة الحفر ما لقبر وإلا إذا أعار كفنا وكفن فيه فإن الأصح بقاؤه على ملكه ولا يرجع فيه حتى يندرس أيضا وإلا إذا قال أعيروا داري بعد موتي لزيد شهرا وخرجت من الثلث فليس للوارث الرجوع، وكذا لو نذر المعير مدة أو أن لا يرجع إلى مدة كذا وإلا إذا رجع معير سفينة بها أمتعة معصومة وهي في اللجة وبحث ابن الرفعة أنه له الأجرة في هذه كما لو

 

ج / 2 ص -379-      رجع قبل انتهاء الزرع وإلا إذا أعاروه دابة أو سلاحا للغزو والتقى الصفان ويظهر أن يأتي فيه بحث ابن الرفعة وإلا إذا أعار ثوبا للستر أو الفرش على نجس في مفروضة فيمتنع الرجوع على ما بحثه الإسنوي لحرمة قطع الفرض ويوافقه قول البحر ليس للمعير الاسترداد ولا للمستعير الرد إلا بعد فراغ الصلاة لكن يرد ذلك قول المصنف في مجموعه لو رجع المعير في أثناء الصلاة نزعه وبنى على صلاته ولا إعادة عليه بلا خلاف وقياسه ذلك في المفروش على النجس إلا أن عليه الإعادة وعلى الأول يظهر أنه يلزمه بعد الرجوع الاقتصار على أقل مجزئ ومن واجباتها وإلا إذا أعار دار السكنى معتدة فهي لازمة من جهة المستعير فقط وإلا إذا أعاره جذعا ليسند به جدارا مائلا فلا يرجع على الأوجه وفاقا للبحر نعم يتجه أن له الأجرة في هذه كالتي قبلها، وكذا لو أعار ما يدفع به عمل يجب الدفع عنه أو ما يقي نحو برد مهلك أو ما ينقذ به غريقا.
"وإذا أعار للبناء أو" لغرس "الغراس ولم يذكر مدة ثم رجع" بعد أن بنى أو غرس "إن كان" المعير "شرط القلع" "مجانا" أي بلا بدل "لزمه" عملا بالشرط فإن امتنع فللمعير القلع ويلزم المستعير أيضا تسوية حفر إن شرطها وإلا فلا وصوب السبكي ومن تبعه حذف مجانا كما فعله النص والجمهور، وكذا الشيخان في الإجارة فذكره غير شرط للقلع بل للقلع بلا أرش ولو اختلفا في وقوع شرط القلع مجانا صدق المعير كما بحث الأذرعي كما لو اختلفا في أصل العارية لأن من صدق في شيء صدق في صفته، وقال غيره يصدق المستعير لأن الأصل عدم الشرط واحترام ماله وهذا أوجه ولا ينافيه ما مر عن الجلال البلقيني كما هو ظاهر بأدنى تأمل "وإلا" يشرط عليه القلع "فإن اختار المستعير القلع" أراد به ما يعم الهدم بقرينة ذكره بعدهما "قلع" بلا أرش لأنه ملكه وقد رضي بنقصه "ولا يلزمه تسوية الأرض في الأصح" لأن الإعارة مع علم المعير بأن للمستعير أن يقلع رضا بما يحدث من القلع "قلت الأصح تلزمه والله أعلم" لأنه قلع باختياره ولو امتنع منه لم يجبر عليه فيلزمه إذا قلع ردها إلى ما كانت عليه وهو المراد بالتسوية حيث أطلقت فلا يكلف ترابا آخر لو لم يكف الحفر ترابها وبحث السبكي وغيره أن محله في الحفر الحاصلة بالقلع قال الأذرعي وكلام الأصحاب مصرح بهذا التصوير بخلاف الحاصلة في مدة العارية لا حل الغرس والبناء لحدوثها بالاستعمال وهو ظاهر، ولو حفر زائدا على حاجة القلع لزمه طم الزائد جزما "فإن لم يختر" القلع "لم يقلع مجانا" لوضعه بحق "بل للمعير الخيار" لأنه المحسن ولأنه مالك الأرض وهي الأصل "بين أن يبقيه بأجرة" لمثله واستشكلت بأن المدة مجهولة قال الإسنوي وأقرب ما يمكن سلوكه ما مر في بيع حق البناء دائما على الأرض بعوض حال بلفظ بيع أو إجارة فينظر لما شغل من الأرض ثم يقال لو أوجر هذا النحو بناء دائما بحال كم يساوي فإذا قيل كذا أوجبناه وعليه يتجه أن له إبدال ما قلع لأنه بذلك التقدير ملك منفعة الأرض على الدوام "أم يقلع" أو يهدم البناء، وإن وقف مسجدا "ويضمن أرش نقصه" وهو قدر ما بين قيمته قائما ومقلوعا ولا بد من ملاحظة كونه مستحق الأخذ لنقص قيمته حينئذ وقضية ضمانه ذلك أن مؤنة القلع أو الهدم عليه أيضا واعتمده في

 

ج / 2 ص -380-      التدريب كالكفاية فإنه لما نقل فيها عن الإمام أن الظاهر من كلام المعظم أنها على المستعير قال وفي كلام الأصحاب ما يدل على أنها على المعير كما عليه ما ينقصه القلع وهو متجه جدا ا هـ لكنه ناقض نفسه في المطلب فإن ظاهر كلامه أنها على المستعير كالمستأجر وتبعه شارح حيث رد الأول بأن المؤنة في نظيره من الإجارة على المستأجر فالمستعير أولى منه أما أجرة نقل النقص فعلى مالكه قطعا "قيل أو يتملكه" بعقد مشتمل على إيجاب وقبول "بقيمته" حال التملك مستحق القلع والأصح كنظائره من الشفعة وغيرها، ومن ثم قيل إنهما جزما به في مواضع وجري عليه هنا جمع متأخرون ولم يعتمدوا ما في الروضة هنا من تخصيص التخير بالتملك والقلع ولا ما في المتن فيتخير بين الثلاثة، وقد يتعين الأول بأن بنى أو غرس شريك بإذن شريكه، ثم رجع أو الثاني إذا لم يكن فيه نقص أو أحد الأولين فقط بأن وقف المستعير البناء أو الغراس فيمتنع التملك بالقيمة خلافا لابن الصلاح، ولو وقف الأرض تخير أيضا لكن لا يفعل الأول إلا إذا كان أصلح للوقف من الثاني ولا الأخير إلا إذا كان في شرط الواقف جواز تحصيل مثل ذلك البناء والغراس من ريعه وينبغي أن يقيد بهذا قول ابن الحداد في أرض وقفت بعد البناء فيها بإجارة يقلع البناء مجانا وخالفه الروياني فرأي أنه قبل مضي مدة الإجارة لا يطالب بالقلع، وكذا بعدها إلا إن شرط عليه وإلا دفع المتولي قيمته إن رأى فيه الخط لأن الوقف ورد بعد استحقاق البناء أي فطروه بعد الإجارة المقتضية للقلع بالأرش أو التملك لا يغير حكمها، ولو كان على الشجر ثمر لم يبد صلاحه فلا تخيير إلا بعد الجذاذ كما في الكفاية عن الإمام والقاضي كما في الزرع لأن له أمدا ينتظر قال الإسنوي لكن المنقول في نظيره من الإجارة هو التخيير، ثم إن اختار التملك تملك الثمرة أيضا إن كانت غير مؤبرة وإلا أبقاها إلى أو أن الجذاذ، وإن أراد القلع غرم أرش نقص الثمرة أيضا وإذا اختار ما له اختياره لزم المستعير موافقته فإن أبي كلف تفريغ الأرض مجانا لتقصيره "فإن لم يختر" المعير شيئا مما ذكر "لم يقلع مجانا إن بذل المستعير الأجرة" لانتفاء الضرر "وكذا إن لم يبذلها في الأصح" لأن المعير مقصر بتركه الاختيار راض بإتلاف منافعه "ثم" عليه "قيل يبيع الحاكم الأرض وما فيها" من بناء وغراس "ويقسم بينهما" على الكيفية السابقة في رهن الأم دون ولدها فصلا للخصومة "والأصح أنه يعرض عنهما حتى يختارا شيئا" لأن المستعير لا تقصير منه فكيف يجبر على إزالة ملكه والمعير، وإن قصر لكن الضرر عليه فقط وإجبار الحاكم إنما هو لإزالة الضرر المتعدي للغير كبيع مال مدين امتنع عن الوفاء وقوله يختارا المحكي عن خطه هنا وعن أصله وأكثر نسخ الشرحين ينافيه إسقاط الألف من خطه في الروضة وصحح عليه واستحسنه السبكي وصوبه الإسنوي لأن اختيار المعير كاف في فصل الخصومة ورجح الأذرعي إثباتها لأنه الموافق لتعبير جمع بأنه يقال لهما انصرافا حتى تصطلحا على شيء ولأنه قد يختار المعير ما لا يجبر عليه المستعير ولا يوافقه ا هـ والوجه صحة كل من التعبيرين أما الأول فلأن المعير هو المخير أولا فصح إسناد الاختيار إليه وحده وقد صرح ابن الرفعة وغيره بأنه إذا عاد وطلب شيئا من الخصال الثلاث أجيب كالابتداء وإن

 

ج / 2 ص -381-      اختار شيئا من غير الثلاث ووافقه المستعير انفصل الأمر وإلا استمر الإعراض عنهما على أنه مع حذف الألف يصح الإسناد لأحدهما الشامل للمستعير لأنه إذا اختار ما له اختياره كالقلع مجانا انفصلت الخصومة أيضا. وأما الثاني فلأن المعير وإن كان هو الأصل لكن لا يتم الأمر عند اختيار غير الثلاث إلا بموافقة المستعير فصح الإسناد إليهما "و" في حالة الإعراض عنهما إلى الاختيار يجوز "للمعير دخولها والانتفاع بها" لأنها ملكه وله الاستناد إلى بقاء المستعير وغراسه والاستظلال بهما وإن منعه كما مر في الصلح وتخيل فرق بينهما غير صحيح وإطلاق جمع امتناع الاستناد إليه محمول على ما يضر، ولو أدنى ضرر حالا أو مآلا "ولا يدخلها المستعير بغير إذن" من المعير "لتفرج" وغيره من الأغراض التافهة كالأجنبي وهي مولدة قيل لعلها من انفراج الهم أي انكشافه "ويجوز" دخوله "للسقي والإصلاح" للبناء بغير آلة أجنبية ونحوهما كاجتناء الثمر "في الأصح" صيانة لملكه عن الضياع فإن عطل بدخوله منفعة تقابل بأجرة لزمته أما إصلاح البناء بآلة أجنبية فلا يمكن منه لأن فيه ضررا بالمعير لأنه قد يختار التملك أو النقض مع الغرم فيزيد الغرم عليه من غير حاجة إليه بخلاف إصلاحه بآلته كما إن سقي الشجر يحدث فيها زيادة عين وقيمة "ولكل" منهما "بيع ملكه" من صاحبه وغيره ويثبت للمشتري من كل ما كان لبائعه أو عليه مما ذكر نعم له الفسخ إن جهل الحال "وقيل ليس للمستعير بيعه لثالث" لأن ملكه غير مستقر إذ للمعير تملكه ورد بأن غايته أنه كشقص مشفوع وقيل ليس للمعير ذلك أيضا للجهل بأمد البناء والغراس، ولو اتفقا على بيع الكل لثالث بثمن واحد جاز للضرورة ووزع كما مر.
"والعارية المؤقتة كالمطلقة" في جميع ما مر فيها رجع قبل انقضائها لأن التأقيت وعد لا يلزم وقيل لا يجوز الرجوع حينئذ وإلا لم يكن للتأقيت فائدة أو بعده ويأتي معنى الرجوع حينئذ وذكر المدة كما يجوز أن يكون للقلع يجوز أن يكون لمنع الأحداث أو لطلب الأجرة.
تنبيه: قوله كالمطلقة وقول الشراح في جميع ما مر فيها مشكل لأنهم إن أرادوا التشبيه في البناء والغراس فقط كما يدل عليه حكاية القول الآتي ورد عليهم أنه إذا أعير لهما ولم يذكر مدة فله فعلهما ما لم يرجع لكن لا يفعلهما إلا مرة واحدة وغيرهما مثلهما في ذلك، وإن قيد بمدة كرر المرة بعد الأخرى ما لم تنقض أو يرجع أو فيهما وفي غيرهما ورد عليهم منع الانتفاع بعد المدة ولزوم الأجرة فيه بخلافه في المطلقة وكأنهم وكلوا هذا التفصيل إلى محله في الكتب المبسوطة.
"وفي قول له القلع فيها" أي المؤقتة بعد المدة "مجانا إذا رجع" أي انتهت بانتهاء المدة لأن فائدة التأقيت القلع بعد المدة وجوابه ما مر قبيله.
"وإذا أعار لزراعة" مطلقا "فرجع قبل إدراك الزرع فالصحيح أن عليه الإبقاء إلى الحصاد" إن نقص بالقلع قبله لأنه محترم وله أمد ينتظر بخلاف ما إذا لم ينقص كما بحثه

 

ج / 2 ص -382-      ابن الرفعة لانتفاء الضرر هذا إن لم يحصد قصيلا كقمح أما ما يحصد قصيلا كباقلاء فيكلف قلعه في وقته المعتاد "و" الصحيح "أن له الأجرة" أي أجرة مدة الإبقاء وقت الرجوع لانتفاء الإباحة به فأشبه ما إذا أعار دابة ثم رجع أثناء الطريق فعليه نقل متاعة إلى ما من بأجرة المثل كما مر "فلو عين مدة" للزراعة "ولم يدرك" الزرع "فيها لتقصيره بتأخير الزراعة" أو بنفسها كأن كان على الأرض نحو سيل أو ثلج، ثم زرع بعد زواله ما لا يدرك في بقية المدة أو زرع غير المعين مما يبطئ أكثر منه "قلع مجانا" لما تقرر من تقصيره ويلزمه أيضا تسوية الأرض أما إذا لم يقصر فلا يقلع مجانا كما لو أطلق سواء أكان عدم الإدراك لنحو برد أم لقصر المدة المعينة "ولو حمل السيل" أو نحو الهواء "بذرا" بمعجمة أي ما سيصير مبذورا، ولو نواة أو حبة لم يعرض مالكها عنها "إلى أرض" لغير مالكه "فنبت فهو" أي النابت "لصاحب البذر" لأنه عين ماله وإن تحول لصفة أخرى فيجب على ذي الأرض فالحاكم رده إليه أي إعلامه به كما في الأمانة الشرعية أما ما أعرض مالكه عنه وهو ممن يصح إعراضه لا كسفيه فهو لذي الأرض إن قلنا بزوال ملك مالكه عنه بمجرد الإعراض.
تنبيه: سيعلم مما يأتي قبيل الأضحية جواز أخذ ما يلقى مما يعرض عنه غالبا ويؤخذ منه أن ما هو كذلك يملكه مالك الأرض هنا، وإن لم يتحقق إعراض المالك عنه وحينئذ فالشرط أن لا يعلم عدم إعراضه لا أن يعلم إعراضه خلافا لما يوهمه كلامهم هنا فتأمله.
"والأصح أنه يجبر" أي يجبره المالك ولو من غير رفع الحاكم بأن يتولى قلعه بنفسه نظير ما مر في الصلح خلافا لابن الرفعة "على قلعه" لأن المالك لم يأذن فيه فأشبه ما إذا انتشرت أغصان شجرة للغير إلى هواء داره ولا أجرة لمالك الأرض على مالك البذر لمدته قبل القلع وإن كثر كما جزم به في المطلب لعدم الفعل منه، ومن ثم لزمه تسوية الحفر الحاصلة بالقلع لأنه من فعله وقضية ذلك أنه لو كان وصوله لأرض الغير من فعل مالكه كأن بذره فيما يظن أنه ملكه فبان غير ملكه لزمته الأجرة وهو متجه وسئلت عن سيل نقل تراب وحجارة أرض عليا إلى سفلى هل يجبر مالك العليا على إزالة ذلك فأجبت بأنه يجبر أخذا مما ذكر هنا في محمول السيل وفي انتشار الأغصان.
"ولو ركب دابة، وقال لمالكها أعرتنيها، فقال أعرتكها" مدة كذا بكذا ويجوز كما رجحه السبكي إطلاق الأجرة بناء على الأصح الآتي أن الواجب أجرة المثل "أو اختلف مالك الأرض وزارعها كذلك فالمصدق المالك على المذهب" لا في بقاء العقد لو بقي بعض المدة بل في استحقاق الأجرة أو القيمة بتفصيلهما الآتي لأن الغالب إذنه في الانتفاع بمقابل فيحلف لكل يمينا تجمع نفيا وإثباتا أنه ما أعاره بل آجره ويستحق أجرة المثل إن وقع الاختلاف مع بقائها وبعد مضي مدة لها أجرة فإن وقع قبل مضي تلك المدة صدق مدعي العارية بيمينه قطعا لأنه لم يتلف شيئا حتى يجعل مدعيا لسقوط بدله أو بعد تلفها ومضي مدة لها أجرة فإن كانت القيمة

 

ج / 2 ص -383-      دون الأجرة أو مثلها أخذها بلا يمين لاتفاقهما على وجوب قدرها ولا يضر الاختلاف في الجهة ويحلف للزائد في الأولى "وكذا" يصدق المالك فيما "لو قال" الراكب أو الزارع "أعرتني، وقال المالك بل غصبته مني" وقد مضت مدة لمثلها أجرة والعين باقية لأن الأصل أنه لم يأذن فيحلف وله أجرة المثل "فإن تلفت العين" قبل درها تلفا تضمن به العارية "فقد اتفقا على الضمان" لها لأن كلا من المعار والمغصوب مضمون "لكن" يوجه الاستدراك فيه خلافا لمن زعم أنه لا وجه له بأن قوله اتفقا على الضمان يقتضي مساواة ضمان العارية لضمان الغصب الذي سيذكره وما قبله من ذكر الاختلاف يقتضي تخالفهما وأنه متفق عليه فبين تخالفهما بذكر ما تضمن به العارية عنا المخالف لما سيذكره في ضمان الغصب وما فيها من الخلاف المشتمل على بيان اتحادهما على وجه "الأصح أن العارية تضمن بقيمة يوم التلف" إن كانت متقومة وإلا فبالمثل على المعتمد والمغصوب يضمن بأقصى القيم من يوم القبض إلى يوم التلف والفرق أن هذا متعد فغلظ عليه بالنظر لأي زيادة وجدت في يده بخلاف المستعير فنظر لأول وقت ضمانها وهو وقت التلف و "لا" تضمن العارية "بأقصى القيم ولا بيوم القبض" خلافا لمقابل الأصح "فإن كان ما يدعيه المالك" بالغصب "أكثر" من قيمة يوم التلف "حلف للزيادة" أنه يستحقها وما يساويها وما دونها فيأخذه بلا يمين لاتفاقهما عليه نظير ما مر وفي الروضة لو قال المالك غصبتني وذو اليد أودعتني حلف المالك لأنه يدعي عليه الإذن والأصل عدمه وأخذ القيمة إن تلف والأجرة إن مضت مدة لمثلها أجرة ومحله إن لم يوجد من ذي اليد استعمال وإلا صدق المالك بلا يمين فإن قلت يخالف هذا ما مر في الإقرار أن من أقر بألف وفسرها الوديعة قبل أي سواء أقال أخذتها منه أم دفعها إلي على المعتمد ولم ينظر لدعوى المقر له الغصب قلت يفرق بأن الألف ثم لم تثبت إلا بإقراره فصدق في صفة ثبوتها ويؤيده قولهم من كان القول قوله في أصل الشيء كان القول قوله في صفته وممن تكلم على هذه القاعدة وأطال التاج السبكي في قواعده ولأنه لا أصل هنا يخالف دعواه الوديعة بخلافه فيما نحن فيه فإنه لما علم أن يده على العين اقتضى ذلك ضمانه إذ هو الأصل في الاستيلاء على مال الغير فدعواه الإذن مخالفة لأصل الضمان الناشئ عن الاستيلاء والأصل عدم الإذن فصدق المالك وبهذا يعلم ضعف قول البغوي لو دفع لغيره ألفا فهلكت فادعي الدافع القرض والمدفوع إليه الوديعة صدق المدفوع إليه وسيأتي آخر القراض ما له تعلق بذلك، ثم رأيت ما يرد كلام البغوي وهو قول الأنوار عن منهاج القضاة لو قال بعد تلفه دفعته قرضا، وقال الآخر بل وكالة صدق الدافع ا هـ.