تحفة المحتاج بشرح المنهاج ط العلمية

ج / 2 ص -384-      كتاب الغصب
"هو" لغة أخذ الشيء ظلما وقيل بشرط المجاهرة وشرعا "الاستيلاء" ويرجع فيه للعرف كما يتضح بالأمثلة الآتية وليس منه منع المالك من سقي ماشيته أو غرسه حتى تلف فلا ضمان، وإن قصد منعه عنه على المعتمد وفارق هذا هلاك ولد شاة ذبحها بأنه ثم أتلف غذاء الولد المتعين له بإتلاف أمه بخلافه هنا وبهذا الفرق يتأيد ما يأتي عن ابن الصلاح وغيره قبيل والأصح أن السمن ويأتي قبيل قول المتن فإن أراد قوم سقي أرضهم فيمن عطل شرب أرض الغير ما يؤيد ذلك "على حق الغير"، ولو خمرا وكلبا محترمين وسائر الحقوق والاختصاصات كحق متحجر وكإقامة من قعد بسوق أو مسجد لا يزعج منه والجلوس محله وجعله في دقائقه حبة البر غير مال مراده به غير متمول لما قدمه في الإقرار أنها مال وعبر أصله بالمال؛ لأنه بمعنى المتمول المترتب عليه الضمان الآتي وعدل عنه إلى أعم منه كما تقرر ليكون التعريف جامعا لأفراد الغصب المحرم الواجب فيه الرد، وأما الضمان فيصرح بانتفائه عن غير المال بقوله ولا يضمن الخمر فصنيعه أحسن خلافا لمن انتصر لصنيع أصله "عدوانا" أي على جهة التعدي والظلم وخرج به نحو عارية ومأخوذ بسوم وأمانة شرعية كثوب طيرته الريح إلى حجره أو داره ولا يرد عليه ما لو أخذ مال غيره يظنه ماله فإنه يضمنه ضمان الغصب؛ لأن الثابت في هذه الصورة حكم الغصب لا حقيقته قاله الرافعي نظرا إلى أن المتبادر والغالب من الغصب ما يقتضي الإثم وعبارة الروضة بغير حق. واستحسنت؛ لأنها تشمل هذه الصورة وتقتضي أن الثابت فيها حقيقة الغصب نظرا إلى أن حقيقته صادقة مع انتفاء التعدي إذ القصد بالحد ضبط سائر صور الغصب التي فيها إثم والتي لا إثم فيها واستحسن الرافعي زيادة " قهرا " لتخرج السرقة وغيره زيادة لا على وجه اختلاس أو انتهاب وردا بأن الثلاثة خارجة بالاستيلاء لإنبائه عن القهر والغلبة، والتنظير في هذا بادعاء أن السرقة نوع من الغصب أفرد بحكم خاص فيه نظر وصنيعهم بإفرادها بباب مستقل وجعلها من مباحث الجنايات قاض بخلافه وآخذ مال غيره بالحياء له حكم الغاصب وقد قال الغزالي من طلب من غيره مالا في الملأ فدفعه إليه لباعث الحياء فقط لم يملكه ولا يحل له التصرف فيه والأصل في الباب الكتاب والسنة وإجماع الأمة وهو كبيرة، قالا عن الهروي: إن بلغ نصابا واعترض بنقل ابن عبد السلام الإجماع على أن غصب الحبة وسرقتها كبيرة لكن توقف فيه الأذرعي ويوافقه إطلاق الماوردي الإجماع على أن فعله مع الاستحلال ممن لا يخفى عليه كفر ومع عدمه فسق وكأن هذا التفصيل إنما هو من جهة حكاية الإجماع عليه وإلا فصريح مذهبنا أن استحلال ما تحريمه ضروري كفر، وإن لم يفعله وما لا فلا وإن فعله فتفطن له. "فلو ركب دابة" لغيره بغير إذنه وإن كان هو المسير لها بخلاف ما لو وضع عليها متاعا بغير إذنه

 

ج / 2 ص -385-      بحضوره فسيرها المالك فإنه يضمن المتاع ولا يضمن مالكه الدابة إذ لا استيلاء منه عليها "أو جلس" أو تحامل برجله كما قاله البغوي أي، وإن اعتمد معها على الرجل الأخرى فيما يظهر "على فراش" لم تدل قرينة الحال على إباحة الجلوس عليه مطلقا أو لناس مخصوصين كفرش مصاطب البزازين أي جمع مصطبة بالصاد والسين وتفتح الميم وقد تكسر "فغاصب، وإن لم ينقله" لحصول غاية الاستيلاء وهي الانتفاع تعديا، ولو لم يقصد الاستيلاء كما في الروضة، وإن نظر فيه السبكي وصوب الزركشي قول الكافي من لم يقصده لا يكون غاصبا ولا ضامنا وأفهم كذلك خلافا لقول جمع لو رفع منقولا ككتاب من بين يدي مالكه لينظره ويرده حالا من غير قصد استيلاء عليه لم يضمنه نعم قد يحمل كلامهم على ما إذا دلت القرينة على رضا مالكه بأخذه للنظر إليه على أن ما يأتي في الدخول للتفرج يؤيدهم إلا أن يفرق بأن الأخذ والرفع استيلاء حقيقي فلم يحتج معه لقصد بخلاف مجرد الدخول وأفهم اشتراط النقل أنه لو أخذ بيد قن ولم يسيره لم يضمنه قال بعضهم بخلاف بعثه في حاجته كما ذكروه. ا هـ. وعبارة غير واحد أخذ بيد قن غيره وخوفه بسبب تهمة ولم ينقله من مكانه إلى آخر أو نقله لا بقصد الاستيلاء عليه أي بناء على خلاف ما مر عن الروضة لم يضمنه وكذا إن انتقل هو من محله باختياره أو ضرب ظالم قن غيره فأبق؛ لأن الضرب ليس باستيلاء نعم إن لم يهتد إلى دار سيده ضمنه، ولو زلق داخل حمام مثلا فوقع على متاع لغيره فكسره ضمنه ولا يضمن صاحبه الزالق إلا إن وضعه بالممر بحيث لا يراه الداخل ووجد له محلا سوى الممر فيهدر المتاع دون الزالق به، ولو دفع عبده إلى غيره ليعلمه حرفة فأمانة وإن استعمله في مصالح تلك الحرفة أي المتعلقة به بخلاف استعماله في غير ذلك وأفهم المتن أيضا أنه لا فرق فيهما بين حضور المالك وغيبته لكن نقلا عن المتولي أن هذا إن غاب أي وحينئذ يضمن الكل، وإلا اشترط أن يزعجه أو يمنعه التصرف فيه وحينئذ إذا جلس أو ركب معه لا يضمن إلا النصف، وإن ضعف المالك بناء على ما يأتي عن الأذرعي قال المتولي، ولو رفع برجله شيئا بالأرض لينظر جنسه ثم تركه فضاع لم يضمنه قال شارح ونظيره رفع سجادة برجله ليصلي مكانها. ا هـ ويتعين حملهما على رفع ليس فيه انفصال المرفوع عن الأرض على رجله وإلا ضمنه لما هو ظاهر أن الأخذ بالرجل كهو باليد في حصول الاستيلاء وأفتى القاضي بأن من ظفر بآبق لصديقه أي أو خلصه من نحو غاصب فأخذه ليرده فهرب قبل تمكنه من رده ورفعه لحاكم لم يضمنه وأطلق الماوردي وابن كج أنه يضمنه بوضع يده عليه وتأييد الزركشي للأول بأخذ المحرم صيدا ليداويه مردود بأن هذا حق الله فيسامح فيه وسيأتي عن الشيخين في شرح والأيدي المترتبة ما يصرح بالثاني وألحق الغزي بالصديق غيره إذا عرف مالكه بخلاف من لم يعرفه أو لم يرد رده أو قصر فيه فإنه يضمنه مطلقا لتقصيره. ولو سخر ظالم قهرا مالك دابة بيده على عمل فتلفت في يد مالكها لم يضمنها المسخر، وعليه أجرة مثل ذلك العمل، ولو سيقت أو انساقت بقرة إلى راع لم تدخل في ضمانه إلا إن ساقها مع البقر.

 

ج / 2 ص -386-      "ولو دخل داره وأزعجه عنها" أي أخرجه منها فغاصب، وإن لم يقصد الاستيلاء؛ لأن وجوده يغني عن قصده وقيداه بأن يدخل بأهله على هيئة من يقصد السكنى وبه يخرج دخولها هجما لإخراجه وقد قطع الإمام بعدم ضمانه لكن رجح ابن الرفعة أنه غصب كما اقتضاه المتن كأصله قيل وتصريح الروضة وأصلها بحصوله المفهوم منه حصوله هنا بالأولى في قولهما "أو أزعجه" أي أخرجه عنها "وقهره على الدار" أي منعه التصرف فيها وهذا لازم للإزعاج فالتصريح به تصريح باللازم ومن ثم حذفه غيره "ولم يدخل فغاصب"، وإن لم يقصد الاستيلاء عليها خلافا لجمع "وفي الثانية وجه واه" أنه لا يكون غاصبا عملا بالعرف ولو منعه من نقل الأمتعة فغاصب لها أيضا، وإن لم يقصد الاستيلاء عليها بخصوصها وما أفهمه كلام جمع أنه لا بد أن يقصد الاستيلاء عليها بخصوصها ولا يكفي قصد الاستيلاء على الدار رده الأذرعي فقال الأقرب وفاقا لصاحب الكافي أن الاستيلاء على الظرف استيلاء على المظروف.
"ولو سكن بيتا" أو لم يسكنه "ومنع المالك منه دون باقي الدار فغاصب للبيت فقط"؛ لأنه الذي استولى عليه "ولو دخل بقصد الاستيلاء وليس المالك فيها" ولا من يخلفه من أهل ومستأجر ومستعير "فغاصب"، وإن ضعف الداخل وقوي المالك حتى لو انهدمت حينئذ ضمنها؛ لأن قوته إنما تسهل النزع منه حالا ولا تمنع استيلاءه فعلم خطأ من أفتى فيمن ادعى عليه غصب عقار فأقام بينة بضعفه بأنها تسمع ويبطل عنه حكم الغصب، وإن ثبت بالبينة أما إذا لم يقصد الاستيلاء كأن دخل لتفرج لم يكن غاصبا وإنما ضمن منقولا رفعه لذلك؛ لأن يده عليه حقيقية واليد على العقار حكمية فتوقفت على قصد الاستيلاء كما مر "وإن كان" المالك أو نحوه فيها وقد دخل بقصد الاستيلاء بخلاف نحو التفرج "ولم يزعجه عنها فغاصب لنصف الدار" لاجتماع يدهما فيكون الاستيلاء لهما معا وبه يعلم أن مالك الدار لو تعدد كان غاصبا لحصته بعدد الرءوس وعكسه "إلا أن يكون ضعيفا لا يعد مستوليا على صاحب الدار" فلا يكون غاصبا لشيء منها لتعذر قصد ما لا يمكن تحققه وأخذ منه السبكي وتبعه الإسنوي أنه لو ضعف المالك بحيث لا يعد له مع قوة الداخل استيلاء يكون غاصبا لجميعها إذا قصد الاستيلاء عليها واعترضه الأذرعي بأن يد المالك باقية لم تزل فهي قوية لاستنادها للملك ورد بأنه قد يعارض بمثله في الداخل الضعيف بقصد الاستيلاء ويرد بوضوح الفرق بأن يد المالك الحسية منتفية ثم فأثر قصد الاستيلاء وموجودة هنا فلم يؤثر قصده معها في دفعها من أصلها وإن ضعفت وحيث لم يجعل غاصبا لم تلزمه أجرة على ما أفتى به القاضي في سارق تعذر خروجه فتخبأ في الدار ليلة لكن قال الأذرعي إنه مشكل لا يوافق عليه وهو ظاهر إلا أن يكون القاضي نظر إلى أن الليلة لا أجرة لها غالبا فيصح كلامه حينئذ، ولو استولى على أم أو هادي الغنم فتبعه الولد أو الغنم لم يضمن غير ما استولى عليه لكن بحث ابن الرفعة أنه لو غصب أم النحل فتبعها النحل ضمن قطعا لاطراد العادة بتبعيته لها قيل: وكذا الرمكة لذلك. ا هـ وقضيته أنه لو غصب الولد فتبعته أمه ضمنها لاطراد العادة بذلك فيها، وفي جميع ذلك نظر ومخالفة

 

ج / 2 ص -387-      لإطلاقهم أنه لا يضمن إلا ما استولى عليه واستشهاد ابن الرفعة لضمان الولد والقطيع الذي اختاره بقولهم لو كان بيده دابة خلفها ولدها ضمن إتلافه كأمه مردود بجواز حمله على ما إذا وضع يده عليه.
"وعلى الغاصب" الخروج من المغصوب العقار بنية عدم العود إليه وتمكين المالك منه و "الرد" فورا عند التمكن للمنقول الذي ببلد الغصب والمنتقل عنه، ولو بنفسه أو فعل أجنبي، وإن عظمت المؤنة، ولو نحو حبة وكلب محترم، وإن لم يطلبه المالك للخبر الصحيح "على اليد ما أخذت حتى تؤديه" كذا استدلوا به وهو إنما يدل على وجوب الضمان ولعلهم وكلوا ذلك إلى ما هو معلوم مجمع عليه أن الخروج عن المعصية واجب فوري ويكفي وضع العين بين يدي المالك بحيث يعلم ويتمكن من أخذها، وكذا بدلها كما علم مما مر أول المبيع قبل قبضه أنه يكفي ذلك في الديون كالأعيان وقضية كلامهما في موضع اختصاصه بالعين وجزم به في الأنوار وفي داره إن علم، ولو بإخبار ثقة ولو غصب من غير المالك برئ بالرد لمن غصب منه إن كان نحو وديع ومستأجر ومرتهن لا ملتقط وفي مستعير ومستام وجهان أوجههما كما اقتضاه كلامهما أنهما كالأول بجامع الضمان وقد يجب مع الرد القيمة للحيلولة كما لو غصب أمة فحملت بحر لتعذر بيعها وقد لا يجب الرد لكونه ملكه بالغصب كأن غصب حربي مال حربي أو لخوف ضرر كأن غصب خيطا وخاط به جرح محترم فلا ينزع منه ما دام حيا إلا إذا لم يخف من نزعه مبيح تيمم أو لملك الغاصب لها بفعله كما يأتي وقد لا يجب فورا كأن غصب لوحا وأدخله في سفينة وكانت في الماء وخيف من نزعه هلاك محترم وكأن أخره للإشهاد كما مر آخر الوكالة. "فإن تلف عنده" المغصوب أو بعضه وهو مال متمول بإتلاف أو تلف "ضمنه" إجماعا نعم لو غصب حربي مال محترم ثم عصم فإن كان باقيا رده أو تالفا لم يضمنه كقن غير مكاتب غصب مال سيده وأتلفه وباغ أو عادل غصب شيئا وأتلفه حال القتال أو تلف فيه بسببه أما غير متمول كحبة بر أتلفها فلا يضمنها، وكذا اختصاص، وإن غرم على نقله أجرة، ولو غصب قنا وجب قتله بنحو ردة فقتله لم يضمنه. واستطرد هنا كالأصحاب مسائل يقع بها الضمان بلا غصب بمباشرة أو سبب لمناسبتها به، وإن كان الأنسب بها باب الجنايات فقال "ولو أتلف مالا" محترما "في يد مالكه ضمن" هـ إجماعا وقد لا يضمنه كأن كسر بابا أو نقب جدارا في مسألة الظفر أو لم يتمكن من إراقة خمر إلا بكسر إنائه أو من دفع صائل إلا بقتل دابته وكسر سلاحه وما يتلفه باغ على عادل وعكسه حال القتال وحربي على معصوم وقن غير مكاتب على سيده ومهدر بنحو ردة أو صيال أتلف وهو في يد مالكه وخرج بالتلف ما لو سخر دابة ومعها مالكها فتلفت فلا يضمنها كما مر نعم إن كان السبب منه كأن اكتراها لحمل مائة فزاد وصاحبها معها ضمن قسط الزيادة وأفتى البغوي بأنه لو صرع فوقع على مال لغيره ضمنه كما لو سقط عليه طفل من مهده واعترض بما في الروضة عنه قبيل الجهاد أنه لو سقطت الدابة ميتة لم يضمن راكبها ما تلف بها. ا هـ وقد يفرق بأن الأول إتلاف مباشرة والثاني إتلاف سبب ويغتفر فيه لضعفه ما لا يغتفر في الأولى لقوتها.

 

ج / 2 ص -388-      "ولو فتح رأس زق" وتلف ضمن؛ لأنه باشر إتلافه أما إذا كان ما فيه جامدا فخرج بتقريب غيره نارا إليه فالضامن هو المقرب لقطعه أثر الأول بخلاف ما لو خرج بريح هابة حال الفتح أو شمس مطلقا؛ لأنهما لا يصلحان للقطع ومثلهما كما هو ظاهر فعل غير العاقل "مطروح على الأرض" مثلا "فخرج ما فيه بالفتح أو منصوب فسقط بالفتح" لتحريكه الوكاء وجذبه أو لتقاطر ما فيه حتى ابتل أسفله وسقط "وخرج ما فيه" بذلك وتلف "ضمن" لتسببه في إتلافه إذ هو ناشئ عن فعله وإن حضر مالكه وأمكنه تداركه كما لو رآه يقتل قنه فلم يمنعه ودعوى أن السبب يسقط حكمه مع القدرة على منعه بخلاف المباشرة ممنوعة. "وإن سقط بعارض ريح" أو زلزلة طرأ بعد الفتح أو بوقوع طائر عليه "لم يضمن"؛ لأن الخروج ليس بفعله مع عدم تحقق هبوبها بخلاف طلوع الشمس فلم يبعد قصد الفاتح له ويتردد النظر في البلاد الباردة التي يعتاد فيها الغيم أياما أو عدم إذابتها لمثل هذا فطلعت وأذابته على خلاف العادة ومقتضى نظرهم للتحقق فيها المقتضي للقصد المذكور - عدم الضمان عند اطراد العادة بذلك ويؤيده عدمه في قولهم، ولو شك في مسقطه فلا ضمان كما في الشامل والبحر؛ لأن الظاهر أنه بأمر حادث وحل السفينة كفتح الزق.
"ولو فتح قفصا عن طائر وهيجه فطار" حالا "ضمن" هـ إجماعا؛ لأنه ألجأه إلى الفرار كإكراه الآدمي "وإن اقتصر على الفتح فالأظهر أنه إن طار في الحال" أو كان آخر القفص فمشى عقب الفتح قليلا قليلا حتى طار أو وثبت هرة عقب الفتح فقتلته كذا أطلقاه وقيده السبكي وغيره بما إذا علم بحضورها حين الفتح وإلا كانت كريح طرأت بعده وقد يفرق بأن الإتلاف قد يقصد من هرة تمر عليه بعده مفتوحا ولا كذلك الريح الطارئة؛ لأن تلك أقوى في الإتلاف وأغلب في مراقبة المأكول ويتجه أن علمه بوجود نحو هرة ضارية بذلك المكان غالبا كحضورها حال الفتح حتى عند السبكي أو أطلق بهيمة وبجانبها حب فأكلته بخلاف ما لو فتح وعاء حب فأكلته بهيمة على ما نقل ويفرق بأنه في الأول أغرى البهيمة بإطلاقها وهو بجانبها وفي الثاني لم يغرها، والفرض أنه لم يستول على الحب "ضمنـ"ـه لإشعاره بتنفيره ومحل قولهم المباشرة مقدمة على السبب ما لم يكن السبب ملجئا "وإن وقف ثم طار فلا" لإشعاره باختياره ويجري ذلك في حل رباط البهيمة وفتح باب إصطبلها ومثلها قن غير مميز ومجنون لا عاقل، ولو آبقا وألحق جمع بفتح القفص ما لو كان بيد صبي أو مجنون طائر فأمره إنسان بإطلاقه من يده فأطلقه قال الأذرعي وهذا حيث لا تمييز، وإلا ففيه نظر إذ عمد المميز عمد وكغير المميز من يرى تحتم طاعة آمره قيل الأولى طير لا طائر؛ لأنه في القفص لا يطير ورد بأن الذي قاله جمهور اللغويين أن الطائر مفرد والطير جمعه. "والأيدي المترتبة" بغير تزوج "على يد الغاصب" الضامن، وإن كانت في أصلها أمانة كوديعة ووكالة بأن وكله في الرد "أيدي ضمان، وإن جهل صاحبها الغصب" لأنه وضع يده على ملك غيره بغير إذنه والجهل إنما يسقط الإثم؛ لأنه من خطاب التكليف لا الضمان؛ لأنه من خطاب الوضع فيطالب أيهما شاء نعم الحاكم وأمينه لا يضمنان بوضع يدهما للمصلحة، وكذا من انتزعه ليرده لمالكه من يد غير ضامنة وهي يد

 

ج / 2 ص -389-      قنه أو حربي دون غيرهما مطلقا كما قالاه لكن رجح السبكي الوجه القائل بعدم الضمان إذا كان معرضا للضياع والغاصب بحيث تفوت مطالبته ظاهرا واستثنى البغوي من الجهل ما لو غصب عينا ودفعها لقن الغير ليردها لمالكها فتلفت في يده فإن جهل العبد ضمن الغاصب فقط وإلا تعلق برقبته وغرم المالك أيهما شاء أما لو زوج غاصب المغصوبة لجاهل بغصبها فتلفت عند الزوج بغير الولادة منه فلا يضمنها؛ لأن الزوجة من حيث هي زوجة لا تدخل تحت يد الزوج وبهذا يندفع إيراد هذه على المتن "ثم إن علم" الثاني بالغصب "فكغاصب من غاصب فيستقر عليه ضمان ما تلف عنده" ويطالب بكل ما يطالب به الأول لصدق حد الغصب عليه نعم لا يطالب بزيادة قيمة حصلت في يد الأول فقط بل المطالب بها هو الأول ويبرأ الأول لكونه كالضامن لتقرر الضمان على الثاني بإبراء المالك للثاني ولا عكس "وكذا إن جهل" الثاني الغصب "وكانت يده في أصلها يد ضمان كالعارية" والبيع والقرض، وكذا الهبة، وإن كانت يده ليست يد ضمان؛ لأنه دخل على الضمان فلا تغرير من الغاصب وفي الهبة أخذ للتملك "وإن كانت يد أمانة" بغير اتهاب "كوديعة فالقرار على الغاصب"؛ لأنه دخل على أن يده نائبة عن الغاصب فإن غرم الغاصب لم يرجع عليه، وإن غرم هو رجع على الغاصب ومثله ما لو صال المغصوب على شخص فأتلفه كما مر آنفا ويد الالتقاط ولو للتملك قبله كيد الأمانة وبعده كيد الضمان. "ومتى أتلف الآخذ من الغاصب" شيئا "مستقلا به" أي بالإتلاف وهو أهل للضمان "فالقرار عليه مطلقا" أي سواء أكانت يده يد ضمان أو أمانة؛ لأن الإتلاف أقوى من إثبات اليد العادية أما إذا لم يستقل بالإتلاف بأن حمله عليه الغاصب فإن كان لغرضه كذبح شاة أو قطع ثوب أمره به ففعله جاهلا فالقرار عليه أولا لغرض فعل المتلف وكذا إن كان لغرض نفسه كما قال "وإن حمله الغاصب عليه بأن قدم له طعاما مغصوبا ضيافة فأكله فكذا" القرار عليه "في الأظهر"؛ لأنه المتلف وإليه عادت المنفعة هذا إن لم يقل له هو ملكي، وإلا لم يرجع عليه لاعترافه بأن المالك ظلمه والمظلوم لا يرجع على غير ظالمه "وعلى هذا" الأظهر "لو قدمه لمالكه فأكله" جاهلا "برئ الغاصب"؛ لأنه المتلف أما إذا أكله عالما فيبرأ قطعا هذا كله إن قدمه له على هيئته أما إذا غصب حبا ولحما أو عسلا ودقيقا وصنعه هريسة أو حلواء مثلا فلا يبرأ قطعا؛ لأنه لما صيره كالتالف انتقل الحق لقيمته وهي لا تسقط ببذل غيرها إلا برضا مستحقها وهو لم يرض، ولو كان المغصوب قنا فقال الغاصب لمالكه أعتقه أو أعتقه عنك فأعتقه جاهلا كونه عبده أو حياته بل، وإن ظن موته نفذ العتق وبرئ الغاصب فإن قال عني عتق وبرئ أيضا على ما رجحه السبكي ومن تبعه وعلى العتق قال الشيخان يقع عن المالك لا الغاصب فإن قلت العبرة في العقود بما في نفس الأمر فعتقه عنه إما ببيع ضمني إن ذكر عوضا، وإلا فهبة قلت: يفرق بأن قرينة الغصب صيرت عتقه كالمبتدأ والأصل في عتق المالك وقوعه عنه فصرفه عنه إلى غيره لا بد له من مقتض قوي ولم يوجد وليس هذا من تلك القاعدة؛ لأن ما هنا في أمر ترتب عليه عتقه وقد تقرر أنه واقع عنه أصالة وتلك في عقد استوفى الشروط في نفس الأمر من غير مانع فيه فتأمله.

 

ج / 2 ص -390-      فصل في بيان حكم الغصب وانقسام المغصوب إلى مثلي ومتقوم وبيانهما وما يضمن به المغصوب وغيره
"تضمن نفس الرقيق" ومنه مستولدة ومكاتب "بقيمته" بالغة ما بلغت "تلف أو أتلف تحت يد عادية" بتخفيف الياء كسائر الأموال وأراد بالعادية الضامنة، وإن لم يتعد صاحبها ليدخل نحو مستام ومستعير ويخرج نحو حربي وقن المالك وآثرها؛ لأن الباب موضوع للتعدي والمراد كما يعلم مما يأتي بالقيمة في المغصوب وأبعاضه أقصاها من الغصب إلى التلف وفي غيره قيمة يوم التلف "وأبعاضه التي لا يتقدر أرشها من الحر" كهزال وزوال بكارة وجنابة على نحو ظهر أو عتق تضمن لكن بعد الاندمال لا قبله "بما نقص من قيمته" إجماعا فإن لم تنقص لم يلزمه شيء. أما الجناية على نحو كف مما هو مقدر منه بنظيره في الحر ففيها ما نقص من قيمته لكن بشرط أن لا يساوي النقص مقدره كنصف القيمة في اليد فإن ساواه نقص منه القاضي كما في الحكومة في حق الحر كذا ذكره المتولي واعتمده جمع ورد بأنه إنما يأتي في غير الغاصب أما هو فيضمن بما نقص مطلقا؛ لأنهم شددوا عليه في الضمان بما لم يشددوا على غيره ويؤيده ما يأتي في نحو قطع يده من أنه يضمن الأكثر "وكذا المقدرة" كيد "إن تلفت" بآفة سماوية أو قود أو حد فيجب بعد الاندمال هنا أيضا ما نقص؛ لأن الساقط من غير جناية لا يتعلق به قود ولا كفارة ولا ضرب على عاقلة فأشبه الأموال فإن لم تنقص كأن قطع ذكره وأنثياه كما هو الغالب لم يجب شيء "وإن أتلفت" بالجناية عليها "فكذا في القديم" يجب ما نقص من قيمته كسائر الأموال "وعلى الجديد يتقدر من الرقيق والقيمة فيه كالدية في الحر ففي" أنثييه وذكره قيمتان، وإن زادت قيمته وفي يديه كمال قيمته نعم إن قطعهما مشتر وهو بيد البائع لم يكن قابضا له فلا يلزمه إلا ما نقص، وإلا كان قابضا له مع كونه بيد البائع وفي "يده نصف قيمته" كما سيذكره آخر الديات وهل يتوقف الضمان هنا على الاندمال أيضا قولان ظاهر النص كما قاله القمولي لا. وقال الأذرعي إنه الأصح فيقوم مجروحا قد برئ. وقال البلقيني والزركشي المرجح: أن المال لا يؤخذ قبل الاندمال لاحتمال حدوث نقص بسريان إلى نفس أو بشركة جارحه وكلام الشيخين هنا ظاهر في ذلك وعلى الأول فالفرق بين المقدر وغيره خفي إذ المحذور المذكور في التعليل المذكور يأتي في المقدر وغيره هذا إن كان الجاني غير غاصب أما هو فيلزمه أكثر الأمرين من نصف القيمة والنقص على القولين لاجتماع الشبهين فلو نقص بقطعها ثلثا قيمته لزمه النصف بالقطع والسدس بالغصب نعم إن كان القاطع غير الغاصب والمالك وهو ممن يضمن كما هو ظاهر لزمه النصف والغاصب الزائد عليه فقط أو المالك ضمن الغاصب الزائد عليه. "وسائر الحيوان" أي باقيه وهو ما عدا الآدمي إلا الصيد في الحرم أو على المحرم لما مر أنه يضمن بمثله للنص تضمن نفسه "بالقيمة" أي أقصاها كما يعلم مما يأتي وأجزاؤه بما نقص منها؛ لأنه لا يشبه الآدمي بل الجماد وحمل المتن على ما ذكر أولى من تخصيص

 

ج / 2 ص -391-      الإسنوي له بالإجزاء قال؛ لأن ضمان نفسه بالقيمة يشارك فيه القن. ا هـ لكن وجه تمايزهما أن أجزاءه كنفسه بخلاف القن فحمل المتن على هذا التعميم المختص به ليفرق به بينه وبين القن أولى.
تنبيه: التقويم بعد الاندمال دائما والقيمة المعتبرة كلا أو بعضا قيمة يوم التلف في غير المغصوب وأقصى القيم فيه فتأمله.
فرع: أخذ قنا فقال أنا حر فتركه ضمنه وأفتى بعضهم فيمن أطعم دابة غيره مسموما فماتت بأنه يضمنها لا غير مسموم ما لم يستول عليها ومن آجر داره إلا بيتا وضع فيه دابته لم يضمن ما أتلفته على المستأجر إلا إن غاب وظن أن البيت مغلق وبهذا يقيد ما يأتي قبيل السير من إطلاق عدم الضمان.
"وغيره" أي الحيوان من الأموال "مثلي ومتقوم" بكسر الواو وقيل بفتحها "والأصح أن المثلي ما حصره كيل أو وزن" أي أمكن ضبطه بأحدهما وإن لم يعتد فيه بخصوصه "وجاز السلم فيه" فما حصره عد أو ذرع كحيوان وثياب متقوم، وإن جاز السلم فيه والجواهر والمعجونات ونحوها وكل ما مر مما يمتنع السلم فيه متقوم وإن حصره كيل أو وزن؛ لأن المانع من ثبوته في الذمة بعقد السلم مانع من ثبوته فيها بالتعدي وأورد عليه خل التمر فإنه متقوم مع حصره بأحدهما وصحة السلم فيه ويرد بمنع حصره بذلك؛ لأن ما فيه من الماء صيره مجهولا وبر اختلط بشعير مثلي مع عدم صحة السلم فيه فيجب إخراج القدر المحقق من كل منهما كذا قاله الإسنوي وتبعه جمع لكن قال الأذرعي إنه عجيب ومن ثم قال الزركشي وقد يمتنع رد مثله؛ لأنه بالاختلاط انتقل من المثلي إلى المتقوم للجهل بقدر كل منهما وهذا هو الأوجه بل كلامهم مصرح به حيث شرطوا في المثلي صحة السلم فيه فعليه لا إيراد على أن إيجاب رد المثل لا يستلزم كونه مثليا كما يجب رد مثل المتقوم في القرض ومعيب حب أو غيره تجب قيمته كما أفتى به ابن الصلاح مع صدق حد المثلي عليه وقد يمنع صدقه عليه فإنه لا يصح السلم فيه بوصف العيب لعدم انضباطه "كماء" غير مسخن بنار أما المسخن بها فمتقوم على ما في المطلب لاختلاف درجات حموه وألحق به الأذرعي الأدهان إذا دخلت النار أي لغير التمييز لكن خالفه في الكفاية حيث جوز بيع بعضه ببعض والأول أوجه وقيده شريح وغيره بما لم يخالطه تراب وترددوا في الماء الملح ويظهر أنه إن اختلفت ملوحته ولم ينضبط كان متقوما لعدم صحة السلم فيه، وإلا كان مثليا، ولو ألقى حجرا حارا في ماء برد في الصيف فزال برده فأوجه أوجهها أنه يلزمه ما بين قيمته باردا وحارا حينئذ. "وتراب ورمل ونحاس" بضم أوله أشهر من كسره وحديد وفضة "وتبر" وهو ذهب المعدن الخالص عن ترابه ويأتي ما يعلم منه أن نحو الإناء من نحو النحاس متقوم ودراهم ودنانير ولو مغشوشة ومكسرهما ونحو سبيكة "ومسك وكافور وقطن"، وإن كان فيه حبه كما ذكره الرافعي ولم يره ابن الرفعة فبحث خلافه قال بعضهم وقشر بن لم يعرض على النار بما

 

ج / 2 ص -392-      يمنع صحة السلم فيه. ا هـ ومثله في ذلك البن نفسه "وعنب" وسائر الفواكه الرطبة على ما جريا عليه هنا لكنهما جريا في الزكاة نفلا عن الأكثرين على أن ذلك متقوم وصححه في المجموع واعتمده ابن الرفعة وغيره "ودقيق" كما في الروضة أيضا خلافا لمن وهم فيه ونخالة وحبوب وأدهان وسمن ولبن ومخيض وخل لا ماء فيه وبيض وصابون وتمر وزبيب "لا غالية ومعجون" لاختلاف أجزائهما مع عدم انضباطهما "فيضمن المثلي بمثله" ما لم يتراضيا على قيمته؛ لأنه أقرب إلى حقه نعم إن خرج المثلي عن القيمة كأن أتلف ماء بمفازة ثم اجتمعا بمحل لا قيمة للماء فيه أصلا لزمه قيمته بمحل الإتلاف بخلاف ما إذا بقيت له قيمة، ولو تافهة؛ لأن الأصل المثل فلا يعدل عنه إلا حيث زالت ماليته من أصلها، وإلا فلا كما لا ينظر عند رد العين إلى تفاوت الأسعار ومحله كما يعلم مما يأتي في قوله، ولو ظفر بالغاصب في غير بلد التلف إلخ فيما لا مؤنة لنقله، وإلا غرمه قيمته بمحل التلف، ولو صار المثلي متقوما أو مثليا أو المتقوم مثليا كجعل الدقيق خبزا والسمسم شيرجا والشاة لحما ثم تلف ضمن المثل ساوى قيمة الآخر أم لا ما لم يكن الآخر أكثر قيمة فيضمن بقيمته في الأولى والثالثة ويتخير المالك بمطالبته بأي المثلين في الثانية فعلم أنه لو غصب صاع بر قيمته درهم فطحنه فصارت قيمته درهما وسدسا فخبزه فصارت درهما وثلثا وأكله لزمه درهم وثلث وكيفية الدعوى هنا استحق عليه قيمة خبز درهما وثلثا، ولو صار المتقوم متقوما كإناء نحاس صيغ منه حلي وجب فيه أقصى القيم. ويضمن الحلي من النقد بوزنه وصنعته بقيمتها من نقد البلد وقال الجمهور يضمنه كله بقيمته من نقد البلد، وإن كان من غير جنسه ولا ربا؛ لأنه مختص بالعقود "تلف" المغصوب إذ الكلام فيه خلافا لمن وهم فأورد عليه ما لا يرد "أو أتلف فإن تعذر" المثل حسا كأن لم يوجد بمحل الغصب ولا بدون مسافة القصر منه نظير ما مر في السلم أو شرعا كأن لم يوجد المثل فيما ذكر إلا بأكثر من ثمن المثل "فالقيمة" هي الواجبة؛ لأنه الآن كما لا مثل له "والأصح" فيما إذا كان المثل موجودا عند التلف فلم يسلمه حتى فقده كما صرح به أصله "أن المعتبر أقصى قيمه من وقت الغصب إلى تعذر المثل"؛ لأن وجود المثل كبقاء عين المغصوب؛ لأنه كان مأمورا برده كما كان مأمورا برد المغصوب فإذا لم يفعل غرم أقصى قيمه في تلك المدة؛ لأنه ما من حالة إلا وهو مطالب برده فيها أما إذا كان المثل مفقودا عند التلف فيجب الأكثر من الغصب إلى التلف.
تنبيه: هل المعتبر قيمة المثل أو المغصوب وجهان رجح السبكي وغيره الأول قالوا؛ لأنه الواجب، وإن كان المغصوب هو الأصل وينبني عليهما أن الواجب على الأول الأقصى من التلف إلى انقطاع المثل وعلى الثاني الأقصى من الغصب إلى التلف كذا قاله شارح والذي صرحوا به كما علمت أن الواجب الأقصى من الغصب إلى تعذر المثل في حالة أو إلى التلف في أخرى وهذا غير الأمرين اللذين بناهما على ما ذكره وهو ظاهر أو صريح في أن العبرة بقيمة المغصوب لا المثل وإلا لم يعتبر من وقت الغصب ومن ثم ذكر شيخنا في شرح الروض ما يصرح بأن المنقول هو اعتبار المغصوب.

 

ج / 2 ص -393-      "ولو نقل المغصوب المثلي" أو انتقل بنفسه أو بفعل أجنبي، وكذا المتقوم كما علم كالذي قبله من قوله السابق وعلى الغاصب الرد فذكر نقله مثال والاقتصار على المثلي؛ لأنه الذي يترتب عليه جميع التفريعات الآتية منها قوله طالبه بالمثل فلا اعتراض عليه خلافا لمن زعمه "إلى بلد" أو محل "آخر"، ولو من بلد واحد بشرط أن يتعذر إحضاره حالا كما اعتمده الأذرعي أي وإلا لم يطالبه بالقيمة "فللمالك أن يكلفه رده" إذا علم مكانه لخبر على اليد السابق "وأن يطالبه"، وإن قرب محل المغصوب، ولو لم يخف هربه ولا تواريه كما يصرح به إطلاقهم وهو الأوجه خلافا للماوردي ومن تبعه "بقيمته" أي بأقصى قيمه من الغصب إلى المطالبة "في الحال" أي قبل الرد للحيلولة بينه وبين ملكه ومن ثم لم يطالب بالمثل؛ لأنه لا بد من التراد فقد يزيد السعر أو ينحط فيحصل الضرر والقيمة شيء واحد ويملكها ملك القرض؛ لأنه ينتفع بها على حكم ردها أو رد بدلها عند رد العين ولا يبرأ بدفعها عن ضمان زوائده وأجرته ومعنى كونها للحيلولة وقوع التراد فيها "فإذا رده" أي المغصوب أو عتق مثلا "ردها" إن بقيت، وإلا فبدلها لزوال الحيلولة ويمتنع رد بدلها مع وجودها وإنما لم يردها إذا أخذها لفقد المثل ثم وجد؛ لأنه ليس عين حقه بخلاف المغصوب ولو اتفقا على تركه في مقابلتها فلا بد من بيع بشروطه وقضية المتن أنه ليس للغاصب حبسه لاستردادها وهو ما رجحه الرافعي كما لا يجوز للمشتري فاسدا حبس المبيع لاسترداد ثمنه على ما مر وفرق غيره بأن المشتري رضي بوضع البائع يده على الثمن ولا كذلك الغاصب فإنها أخذت منه قهرا ويرد بأنه قهر بحق فهو كالاختيار على أن وجوب الرد عليه فورا يمنع الحبس مطلقا وليس كالحبس للإشهاد كما مر قبيل الإقرار. "فإن تلف" المغصوب المثلي "في البلد" أو المحل "المنقول" أو المنتقل "إليه" أو عاد وتلف في بلد الغصب "طالبه بالمثل في أي البلدين" أو المحلين شاء؛ لأن رد العين قد توجه عليه في الموضعين وأخذ منه الإسنوي أن له الطلب في أي موضع شاء من المواضع التي وصل إليها في طريقه بين البلدين "فإن فقد المثل غرمه قيمة أكثر البلدين قيمة" لذلك ويأتي هنا بحث الإسنوي أيضا فله مطالبته بأقصى قيم المحال التي وصل إليها المغصوب. "ولو ظفر بالغاصب في غير بلد التلف" والمغصوب مثلي والمثل موجود "فالصحيح أنه إن كان لا مؤنة لنقله كالنقد" اليسير وكان الطريق آمنا "فله مطالبته بالمثل" إذ لا ضرر على واحد منهما حينئذ وقضيته بل صريحه وصريح ما مر في السلم والقرض أن ماله مؤنة وتحملها المالك كما لا مؤنة له بل هو داخل فيه؛ لأنه بعد التحمل يصدق عليه أنه لا مؤنة له ولا ينافيه قولهما لو تراضيا على المثل لم يكن له تكليفه مؤنة النقل ولا قول السبكي والقمولي كالبغوي لو قال له الغاصب خذه وخذ مؤنة حمله لم يجبر أما الأول فلأن على الغاصب ضررا في أخذ المثل ومؤنة النقل منه، وأما الثاني فلأن على المالك ضررا في تكليفه حمله إلى بلده، وإن أعطاه الغاصب مؤنة وأما صورتنا فلا ضرر فيها على واحد منهما؛ لأن المالك إذا رضي بأخذ المثل ودفع مؤنة حمله لم يكن على الغاصب ضرر بوجه ويؤيد ذلك قول البرهان الفزاري لم تمتنع المطالبة بالمثل هنا لأجل اختلاف

 

ج / 2 ص -394-      القيمة بل لأجل مؤنة حمله وقضية كلام المصنف أيضا أنه لا فرق بين زيادة سعر المثل في بلد المطالبة وعدمها وهو ما رجحاه لكن أطال جمع متأخرون في الانتصار للتقييد بما إذا لم يزد ويرد بأنه حيث تيسر المثل بلا ضرر لا نظر للقيمة "وإلا" بأن كان لنقله مؤنة ولم يتحملها المالك أخذا مما تقرر أو خاف الطريق "فلا مطالبة بالمثل" ولا للغاصب أيضا تكليفه قبوله لما فيه من المؤنة والضرر "بل يغرمه قيمة بلد التلف" سواء أكانت بلد الغصب أم لا هذا إن كانت أكثر قيمة من المحال التي وصل إليها المغصوب، وإلا فقيمة الأقصى من سائر البقاع التي حل بها المغصوب وذلك؛ لأن تعذر الرجوع للمثل كفقده و القيمة هنا للفيصولة فإذا غرمها ثم اجتمعا في بلد المغصوب لم يكن للمالك ردها وطلب المثل ولا للغاصب استردادها وبذل المثل. "وأما المغصوب المتقوم" كالحيوان وأبعاضه سواء القن وغيره "فيضمنه بأقصى قيمه من الغصب إلى التلف"؛ لأنه في حالة زيادة القيمة غاصب مطالب بالرد فإذا لم يرد ضمن بدله بخلاف ما لو رد بعد الرخص لا يغرم شيئا؛ لأنه مع بقاء العين يتوقع زيادتها على أنه لا نظر مع وجودها للقيمة أصلا وتجب قيمته من غالب نقد بلد التلف ومحله إن لم ينقله، وإلا اعتبر نقد محل القيمة وهو أكثر المحال التي وصل إليها وقد يضمن المتقوم بالمثل الصوري كما لو تلف المال الزكوي في يده بعد التمكن؛ لأنه لو أخرج مثله الصوري مع بقائه جاز فأولى مع تلفه.
فرع: قال القاضي غصب برا قيمته خمسون فطحنه فعاد عشرين فخبزه فعاد خمسين ثم تلف ضمن ثمانين إذ ما نقصه الطحن لا تجبره زيادة الخبز كما لو نسي القن حرفته وعلمه أخرى. ا هـ وأقره جمع متأخرون بل جزم به آخرون وكأنهم نظروا إلى أن هذا من صور ما إذا صار المثلي متقوما، المرجح فيه أنه يجب مثله ما لم يكن المتقوم أغبط فتجب قيمته وهي الثمانون في صورة القاضي؛ لأنها الأغبط والثلاثون، وإن وجبت للنقص لكنها بدل الجزء الفائت بالطحن فضمت للخمسين وبهذا يجاب عما يقال القياس وجوب البر والثلاثين؛ لأنه حيث لا أغبط يجب المثل وأما الثلاثون فقد استقرت بالطحن إذ لا ينجبر، وإن زاد بالخبز أضعافا وعما يقال أيضا هذا مبني على ما قاله القاضي إنه لو طحن البر ثم خبزه وجب أكثر القيم ولا يطالب بالمثل نظرا لحاله عند تلفه وهو ضعيف، ووجه الفرق بين هذا وصورته الأولى ما تقرر أنه وجب أرش أجزاء فائتة فضمت للأصل، ووجبت قيمة الكل فوجوب القيمة هنا ليس للنظر لوقت التلف بل لضم الأرش إلى الأصل وفيما انفرد به القاضي للنظر إلى وقت التلف فتخالف المدركان نعم يلزم على ذلك أن محل قولهم إذا صار المثلي متقوما وجب المثل ما لم يكن المتقوم أغبط ما إذا لم يكن الغاصب ضمن جزءا من المثل إذا ضم أرشه إلى قيمة المتقوم صار أغبط فيجب الأغبط هنا نظرا لما قررته من تبعية الأرش للعين؛ لأنه بدل جزئها، ولا ينافي ما مر من ضمان الثلاثين ما قيل: القاعدة في المثلي أنه لا يتغير ضمانه بنقص القيمة؛ لأن هذا في نقص بالرخص فقط ثم رد بعينه أما نقص بفعل الغاصب أو بغير فعله كنسيان الصنعة عنده فيضمنه رده أو تلف وإن زاد عنده ما يزيد على ذلك النقص كما مر.

 

ج / 2 ص -395-      "وفي الإتلاف" لمضمون "بلا غصب" يضمنه "بقيمة يوم التلف" في محله إن صلح وإلا كمفازة فقيمة أقرب محل إليه وذلك؛ لأنه لم يدخل في ضمانه قبل وبعد التلف هو معدوم وضمان الزائد في المغصوب إنما كان بالغصب ولم يوجد هنا، ولو أتلف عبدا مغنيا لزمه تمام قيمته أو أمة مغنية لم يلزمه ما زاد على قيمتها بسبب الغناء؛ لأنه لحرمة استماعه منها عند خوف الفتنة لا قيمة له وقضيته أن غناء العبد لو حرم لكونه أمردا حسنا يخشى منه الفتنة أو غير أمرد، لكنه لا يعرف الغناء إلا على وجه محرم كان مثلها فيما ذكر ولو استوى في القرب إليه محال مختلفة القيم تخير الغاصب فيما يظهر. "فإن جنى" عليه بتعد لا بنحو صيال وهو بيد مالكه أو من يخلفه في اليد "وتلف بسراية" من تلك الجناية "فالواجب الأقصى أيضا" من حين الجناية إلى التلف؛ لأن ذلك إذا وجب في اليد العادية ففي الإتلاف الساري أولى "ولا تضمن" حشيشة ونحوها من المسكرات الطاهرة على ما قاله ابن النقيب كالخمر وفيه نظر؛ لأنها متقومة يصح بيعها فليحمل على ما إذا فوتها على مريد أكلها المحرم وانحصر تفويتها في إتلافها، ولا "الخمر"، ولو محترمة لذمي إذ لا قيمة لها ككل نجس، ولو دهنا وماء على الأوجه والمراد بها هاهنا ما يعم النبيذ نعم لا ينبغي إراقته قبل استحكام غير حنفي فيه لئلا يرفع له فيغرمه قيمته ولا نظر هنا لكون من هو له يعتقد حله أو حرمته خلافا لما يوهمه كلام الأذرعي؛ لأن ذلك إنما هو بالنسبة لوجوب الإنكار لما يأتي أنه إنما يكون في مجمع عليه أو ما يعتقد الفاعل تحريمه "ولا تراق" هي فأولى بقية المسكرات "على ذمي" ومثله فيما يظهر معاهد ومستأمن؛ لأنهم يقرون على الانتفاع بها بمعنى أنهم لا يتعرض لهم فيه "إلا أن يظهر شربها أو بيعها" أو هبتها ونحو ذلك، ولو من مثله بأن يطلع عليه من غير تجسس فتراق عليه؛ لأن في إظهار ذلك استهانة بالإسلام وآلة اللهو والخنزير مثلها في ذلك هذا كله إذا كانوا بين أظهرنا وإن انفردوا بمحلة من البلد فإن انفردوا ببلد أي بأن لم يخالطهم مسلم كما هو ظاهر لم يتعرض لهم "وترد عليه" عند أخذها منه وهو لم يظهرها "إن بقيت العين" لما تقرر أنه يقر عليها والمؤنة على الغاصب كما في الروضة وأصلها، وإن أطالوا في الانتصار لمقابلة أنه ليس عليه إلا التخلية. "وكذلك المحترمة" وهي التي عصرت بقصد الخلية أو لا بقصد شيء من خلية ولا خمرية على المعتمد "إذا غصبت من مسلم" يجب ردها عليه ما بقيت العين؛ لأن له إمساكها لتصير خلا أما غير المحترمة فتراق ولا ترد عليه، ومن أظهر خمرا وزعم أنها محترمة لم يقبل منه، وإلا لاتخذ الفساق ذلك وسيلة إلى اقتناء الخمور وإظهارها قال الأذرعي إلا أن يعلم ورعه وتشتهر تقواه ويؤيده قول الإمام لو شهدت مخايل بأنها محترمة لم يتعرض لها.
"والأصنام" والصلبان "وآلات الملاهي" والأواني المحرمة "لا يجب في إبطالها شيء" لوجوبه على القادر عليه ولأن صنعة المحرم لا تقابل بمال أما آلة لهو غير محرمة كدف فيحرم كسرها ويجب أرشها ويأتي في اليراع المختلف فيه ما مر في النبيذ "والأصح أنها لا تكسر الكسر الفاحش" لإمكان إزالة الهيئة المحرمة بذلك مع بقاء بعض المالية "بل تفصل لتعود كما قبل التأليف" لزوال اسمها وهيئتها المحرمة بذلك فلا يكفي إزالة

 

ج / 2 ص -396-      الأوتار مع بقاء الجلد اتفاقا. "فإن عجز المنكر عن رعاية هذا الحد" في الإنكار "لمنع صاحب المنكر" مثلا من يريد إبطاله لقوته "أبطله كيف تيسر" بإحراق تعين طريقا وإلا فبكسر، وإن زاد على ما ذكر لتقصير صاحبه ومتى أحرقها من غير تعين غرم قيمتها مكسورة بالحد المشروع؛ لأن رضاضها متمول محترم، بخلاف ما لو جاوز الحد المشروع مع إمكانه فإنه لا يلزمه إلا التفاوت بين قيمتها مكسورة بالحد المشروع وقيمتها منتهية إلى الحد الذي أتى به قال في الإحياء ويجري ما ذكر من الإبطال كيف تيسر فيما لو عجز عن صب الخمر لضيق رءوس أوانيها مع خشية لحوق فسقة له ومنعهم من ذلك أو كان يمضي في ذلك زمانه ويتعطل شغله أي بحيث يمضي فيه زمن يقابل عمله فيه بأجرة غير تافهة عرفا فيما يظهر قال وللولاة كسر ظروفها مطلقا زجرا وتأديبا دون الآحاد قال الإسنوي وهو من النفائس المهمة، ولو اختلف المالك والمنكر في أنه لم يمكن إلا ما فعله صدق المالك على ما بحثه الزركشي أخذا من قول البغوي لو أراقه ثم قال كان خمرا وقال المالك بل عصيرا صدق المالك بيمينه لأصل بقاء المالية ا هـ قال غيره وفيه نظر ويوجه بوضوح الفرق فإنا تحققنا هنا المالية واختلفنا في زوالها فصدق مدعي بقائها لوجود الأصل معه وأما في مسألتنا فهما متفقان على إهدار تلك الهيئة التي الأصل عدم ضمانها فإذا اختلفا في المضمن صدق المنكر؛ لأن الأصل عدم ضمانه وسيأتي أن الزوج لو ضرب زوجته وادعى أنه بحق وقالت بل تعديا صدق؛ لأن الشارع لما أباح له الضرب جعله وليا فيه فوجب تصديقه فيه وهذا بعينه يأتي هنا فالأوجه تصديق المتلف.
تنبيه: سيأتي في الجهاد أنه تجب إزالة المنكر ويختص وجوبه بكل مكلف قادر، ولو أنثى وقنا وفاسقا ويثاب عليه المميز كما يثاب عليه البالغ.
"وتضمن منفعة الدار والعبد ونحوهما" من كل ما له منفعة يستأجر عليها "بالتفويت" بالاستعمال "والفوات" وهو ضياع المنفعة من غير انتفاع كإغلاق الدار "في يد عادية"؛ لأن المنافع متقومة فضمنت بالغصب كالأعيان سواء أكان مع ذلك أرش نقص أم لا كما يأتي فإن تفاوتت الأجرة في المدة ضمن كل مدة بما يقابلها ولا يتصور هنا أقصى لانفصال واجب كل مدة باستقراره في الذمة عما قبله وما بعده بخلاف القيمة خلافا لمن وهم فزعم استواءهما في اعتبار الأقصى، ولو كان للمغصوب صنائع وجبت أجرة أعلاها إن لم يمكن جمعها، وإلا فأجرة الكل كخياطة وحراسة وتعليم قرآن أما ما لا منفعة له أو له منفعة لا يجوز استئجاره لها كحب وكلب وآلة لهو فلا أجرة له، ولو اصطاد الغاصب به فهو له كما لو غصب شبكة أو قوسا واصطاد بهما؛ لأنه آلة محضة له بخلاف ما لو غصب قنا واصطاد له فإنه يضمن صيده إن وضع يده عليه؛ لأنه على ملك مالكه وأجرته؛ لأن مالكه ربما استعمله في غير ذلك ولو أتلف ولد حلوب فانقطع بسببه لبنها لزمه مع قيمته أرشها وهو ما بين قيمتها حلوبا وقيمتها ولا لبن فيها. "ولا يضمن منفعة البضع" وهو الفرج "إلا بتفويت" بالوطء فيضمنه بمهر المثل بتفصيله الآتي آخر الباب لا بفوات؛ لأن اليد لا تثبت عليه ومن ثم صح تزويجه لأمته المغصوبة مطلقا لا إيجارها إن عجز كالمستأجر عن

 

ج / 2 ص -397-      انتزاعها؛ لأن يد الغاصب حائلة، "وكذا منفعة بدن الحر" لا تضمن إلا بالتفويت "في الأصح" دون الفوات كأن حبسه، ولو صغيرا؛ لأن الحر لا يدخل تحت اليد كما سيذكره في السرقة إذ لو حمله لمسبعة فأكله سبع لم يضمنه فمنافعه الفائتة تحت يده أولى فإن أكرهه على العمل وجبت أجرته إلا أن يكون مرتدا ويموت على ردته بناء على زوال ملكه بالردة أو وقفه ومنفعة المسجد والرباط والمدرسة كمنفعة الحر فإذا وضع فيه متاعه وأغلقه لزمه أجرة جميعه تصرف لمصالحه فإن لم يغلقه ضمن أجرة موضع متاعه فقط، وإن أبيح وضعه أو لم يكن فيه تضييق على المصلين أو كان مهجورا لا يصلي أحد فيه على ما اقتضاه إطلاقهم وكذا الشوارع وعرفة ومنى ومزدلفة وأرض وقفت لدفن الموتى وإطلاقهم ذلك كله مشكل جدا فالذي يتجه أنه ينبغي أن يقيد ما ذكر في نحو المسجد بما إذا شغله بمتاع لا يعتاد الجالس فيه وضعه فيه ولا مصلحة للمسجد في وضعه فيه زمنا لمثله أجرة بخلاف متاع يحتاج نحو المصلي أو المعتكف لوضعه وفي نحو عرفة بما إذا شغله وقت احتياج الناس له في النسك بما لا يحتاج إليه ألبتة حتى ضيق على الناس وأضرهم به وحينئذ يصرف الإمام أو نائبه ما لزمه في مصالح المسلمين إلا في الأرض الموقوفة للدفن فلمصالحها كالمسجد ونحو الرباط فيما يظهر وقد جمعت في شرح العباب بين إطلاق جمع حرمة غرس الشجرة في المسجد وإطلاق آخرين كراهته بحمل الأول على ما إذا غرس لنفسه أو أضر بالمسجد أو ضيق على المصلين والثاني على ما إذا انتفى ذلك. وصرح الغزالي فيما منع من غرسها بأنه يلزمه أجرة مثلها وظاهره أن ما أبيح غرسها لا أجرة فيها وذكر الرافعي في تاريخ قزوين ما هو صريح كما بينته ثم أيضا في جواز وضع مجاوري الجامع الأزهر خزائنهم فيه التي يحتاجونها لكتبهم ولما يضطرون لوضعه فيها من حيث الإقامة لتوقفها عليه دون التي يجعلونها لأمتعتهم التي يستغنون عنها وإطلاق بعض المتأخرين الجواز رددته عليهم ثم أيضا ويؤخذ مما ذكر عن الغزالي أنه لا أجرة عليهم لما جاز وضعه وأنه يلزمهم الأجرة لما لم يجز وضعه ويؤخذ من ذلك أن كل ما جاز وضعه لا أجرة فيه وكل ما لم يجز وضعه فيه الأجرة وبه يتأيد ما ذكرته فتأمله وقس به ما ذكرته في نحو عرفة فإن ذلك مهم. "وإذا نقص المغصوب" أو شيء من زوائده "بغير استعمال" كعمى حيوان وسقوط يده بآفة "وجب الأرش" للنقص "مع الأجرة" له سليما إلى حدوث النقص ومعيبا من حدوثه إلى الرد لفوات منافعه في يده وخالف في ذلك البغوي فأفتى فيمن غصب عبدا فشلت يده عنده وبقي عنده مدة بأنه تجب عليه أجرة مثله صحيحا قبل الرد وبعده إلى البرء فاعتبرها أجرة سليم مطلقا واعتبر ما بعد الرد إلى البرء وهذا الاعتبار الأخير متجه إن تعذر بسبب العيب عمله عند المالك أو نقص فتجب الأجرة أو ما نقص من الرد إلى البرء "وكذا لو نقص به" أي الاستعمال "بأن بلي الثوب" باللبس فيجب الأرش وأجرة المثل "في الأصح"؛ لأن كلا منهما يجب ضمانه عند الانفراد فكذا عند الاجتماع على أن الأجرة ليست في مقابلة الاستعمال بل في مقابلة الفوات، ولو خصى العبد المغصوب أي قطع ذكره وأنثياه لزمه قيمتاه؛ لأنه جناية فلا نظر معها لزيادة القيمة

 

ج / 2 ص -398-      بخلاف ما لو سقطا بآفة؛ لأنه منوط بالنقص ولم يوجد بل زادت به القيمة.

فصل في اختلاف المالك والغاصب وضمان ما ينقص به المغصوب وجنايته وتوابعهما
"ادعى" الغاصب "تلفه" أي المغصوب "وأنكر المالك صدق الغاصب بيمينه على الصحيح"؛ لأنه قد يصدق ويعجز عن البينة فلو لم نصدقه أدى ذلك إلى دوام حبسه وأخذ منه الزركشي أن محله إذا لم يذكر سببا أو ذكر سببا خفيا أما إذا ذكر سببا ظاهرا فيحبس حتى يبينه كالوديع "فإذا حلف غرمه المالك" المثل أو القيمة "في الأصح" لعجزه عن الوصول إلى عين ماله بيمين الغاصب فصار كالتالف ومن ثم لم يجب للمالك أجرة لما تعذر من التلف الذي حلفه عليه وله إجباره على قبول البدل منه لتبرأ ذمته. "فلو اختلفا في قيمته" بعد اتفاقهما على تلفه أو حلف الغاصب عليه "أو" اختلفا في "الثياب التي على العبد المغصوب" فادعاها كل منهما "أو" اختلفا "في عيب خلقي" كأن قال كان أعمى أو أعرج خلقة وقال المالك بل حدث عندك "صدق الغاصب بيمينه" أما الأولى فلأصل براءة ذمته من الزيادة فيثبتها المالك وتسمع بينته بأنها بعد الغصب لا قبله أكثر مما ذكره الغاصب، وإن لم تقدر شيئا فيكلف الغاصب الزيادة إلى حد لا تقطع البينة بالزيادة عليه ولا تسمع أي تقبل لإفادة ما يأتي أنه يصغي إليها بالصفات لاختلاف القيمة مع استوائها لكن يستفيد بإقامتها إبطال دعوى الغاصب بقيمة حقيرة لا تليق بها فيؤمر بالزيادة إلى حد يمكن أن تكون قيمة لمثل ذلك الموصوف، وعلى ذلك يحمل قولهم: لو شهدا بأنه غصب عبدا صفته كذا فما سمعت وأما في الثانية فلأن يده على العبد وما عليه ومن ثم لو غصب حرا أو سرقه لم تثبت يده على ثيابه فيصدق الولي أنها لموليه وأما في الثالثة فلأن الأصل العدم والبينة ممكنة، ولو اختلفا في العين فقال الغاصب إنما غصبت هذا العبد وقال المالك بل إنما غصبت أمة صفتها كذا صدق الغاصب أنه لم يغصب أمة وبطل حق المالك من العبد لرده الإقرار له به. "وفي عيب حادث" كسرقة وإباق وقطع يد ادعاه الغاصب "يصدق المالك بيمينه في الأصح"؛ لأن الأصل والغالب السلامة ومحله إن تلف فإن بقي ورده معيبا وقال غصبته هكذا صدق الغاصب كما نقلاه وأقراه؛ لأن الأصل براءته من الزيادة. "ولو رده ناقص القيمة" بسبب الرخص "لم يلزمه شيء"؛ لأنه لا نقص في ذاته ولا في صفاته والفائت إنما هو رغبات الناس وهي غير متقومة. "ولو غصب ثوبا قيمته عشرة فصارت بالرخص درهما ثم لبسه فأبلاه فصارت نصف درهم فرده لزمه خمسة وهي قسط التالف من أقصى القيم" وهو العشرة؛ لأن الناقص باللبس نصف القيمة فلزمه قيمته أكثر ما كانت من الغصب إلى التلف وهي خمسة والنقص الباقي وهو أربعة ونصف سببه الرخص وهو غير مضمون ويجب مع الخمسة أجرة اللبس. "قلت، ولو غصب خفين" أي فردتي خف ومثلهما كل فردين لا يصلح أحدهما إلا بالآخر كزوجي نعل ومصراعي باب وطائر مع زوجه وهو يساوي

 

ج / 2 ص -399-      معها أكثر "قيمتهما عشرة فتلف أحدهما ورد الآخر وقيمته درهمان أو أتلف" أو تلف عطف على غصب "أحدهما غصبا" له فقط "أو" أتلف أحدهما "في يد مالكه لزمه ثمانية في الأصح"، وإن نوزع في الثانية بقسميها "والله أعلم" خمسة للتالف وثلاثة للأرش ما حصل من التفريق عنده أما في الأولى فواضح وأما في الأخيرتين فلأنه أتلف أحدهما وأدخل النقص على الباقي بتعديه وإنما لم يعتبروا في السرقة قيمة أحدهما منضما إلى الآخر احتياطا للقطع ولو أتلفهما اثنان معا لزم كلا خمسة أو مرتبا لزم الأول ثمانية والثاني اثنان.
"ولو حدث نقص" في المغصوب "يسري إلى التلف بأن" بمعنى كأن "جعل الحنطة هريسة" أو الدقيق عصيدة "فكالتالف" نظير ما يأتي بما فيه مع جوابه؛ لأنه لو ترك بحاله لفسد فكأنه هلك كما رجحه المصنف في نكته وابن يونس والسبكي بل قال لا وجه للوجه الثاني أنه للمالك ثم اختار لنفسه ما استحسنه الرافعي في الشرح الصغير و نسبه الإمام إلى النص من أن المالك يتخير بين جعله كالتالف وبين أخذه مع أرش عيب سار أي شأنه السراية وهو أكثر من أرش عيب واقف ووجه الأول المعتمد أن الغاصب غرم ما يقوم مقامها من كل وجه نعم الأوجه نظير ما يأتي أنه يحجر عليه فيه إلى أداء بدله وإنما كان المالك أحق بجلد شاة قتلها غاصبها وبزيت نجسه غاصبه؛ لأنه لا مالية فيهما فلم يغرم في مقابلتهما شيئا؛ لأنهما صارا كالتالف "وفي قول يرده مع أرش النقص" كالتعييب الذي لا يسري وخرج بجعل ما لو حدث النقص في يده من غير فعله كما لو تعفن الطعام عنده لطول مكثه فيتعين أخذه مع أرشه قطعا وسيأتي ما يعلم منه أن خلط نحو زيت بجنسه يصيره كالهالك فيملكه وله إبداله أو إعطاؤه مما خلطه بمثله أو أجود لا بأردأ إلا برضاه، وكذا الحكم فيما لو غصبه من اثنين أو خلط الدراهم بمثلها بحيث لا تتميز على المعتمد فيهما.
"ولو جنى" القن "المغصوب فتعلق برقبته مال" ابتداء أو للعفو عليه "لزم الغاصب تخليصه"؛ لأنه نقص حدث في يده وهو مضمون عليه "بالأقل من قيمته والمال" الواجب بالجناية؛ لأن الأقل إن كان القيمة فهو الذي دخل في ضمانه أو المال فلا واجب غيره "فإن تلف" الجاني "في يده" أي الغاصب "غرمه المالك أقصى القيم" من الغصب إلى التلف كسائر الأعيان المغصوبة "وللمجني عليه تغريمه" أي الغاصب؛ لأن جناية المغصوب مضمونة عليه "و" له "أن يتعلق بما أخذه المالك" من الغاصب بقدر حقه؛ لأن حقه كان متعلقا بالرقبة فيتعلق ببدلها ومن ثم لو أخذ المجني عليه الأرش لم يتعلق به المالك "ثم" إذا أخذ المجني عليه حقه من تلك القيمة "يرجع المالك على الغاصب" بما أخذه منه المجني عليه؛ لأنه أخذه منه بجناية مضمونة على الغاصب وأفهم ثم أنه لا يرجع قبل أخذ المجني عليه منه لاحتمال أنه يبرئ الغاصب نعم له مطالبة الغاصب بالأداء للمجني عليه حتى لا يتعلق بما أخذه كما يطالب به الضامن الأصيل "ولو رد العبد" أي القن الجاني "إلى المالك فبيع في الجناية رجع المالك بما أخذه المجني عليه على الغاصب"

 

ج / 2 ص -400-      لأن الجناية حصلت حين كان مضمونا عليه وصوب البلقيني أنه إذا أخذ الثمن بجملته مثلا وكان دون أقصى القيم رجع المالك على الغاصب بالأقصى لا بما بيع به فقط وفيه نظر، وإن بسط ذلك واستشهد له؛ لأنه لا نظر للأقصى عند رد العين بل عند تلفها في يد الغاصب ولم يوجد ذلك هنا فهو نظير ما مر في الرخص فإن قلت بيعه بسبب وجد بيد الغاصب منزل منزلة تلفه في يده قلت ممنوع للفرق الواضح بينهما.
"ولو غصب أرضا فنقل ترابها" بكشط عن وجهها أو حفرها "أجبره المالك على رده" إن بقي وإن غرم عليه أضعاف قيمته، ولو فرض أنه لا قيمة له "أو رد مثله" إن تلف لما مر أنه مثلي ولا يرد المثلي إلا بإذن المالك؛ لأنه في الذمة فلا بد من قبض المالك له حتى يبرأ منه "و" على "إعادة الأرض كما كانت" من ارتفاع أو ضده لإمكانه فإن تعذر بعد ذلك إلا بزيادة تراب آخر لزمه لكن إن أذن له المالك "وللناقل" للتراب "الرد" له "وإن لم يطالبه المالك به بل"، وإن منعه منه كما قال في المطلب عن الأصحاب "إن" لم يتيسر نقله لموات و "كان له فيه غرض" كأن نقله لملكه أو غيره وأراد تفريغه منه ليتسع أو ليزول الضمان عنه أو نقصت الأرض به ونقصها ينجبر برده ولم يبرئه منه وإنما لم يجز له رفو ثوب تخرق عنده؛ لأنه لا يعود به كما كان أما إذا تيسر نقله لنحو موات في طريقه ولم تنقص الأرض لو لم يرده أو أبرأه فلا يرده إلا بالإذن، وكذا في غير طريقه ومسافته كمسافة أرض المالك أو أقل وللمالك منعه من بسطه، وإن كان في الأصل مبسوطا لا من طم حفر به حفرها وخشي تلف شيء فيها إلا إذا أبرأه من ضمانها نظير ما يأتي "وإلا" يكن له فيه غرض بأن نقله لموات ولم تنقص به ولا طلب المالك رده "فلا يرده إلا بإذن في الأصح"؛ لأنه تصرف في ملك غيره بلا حاجة فإن فعل كلفه النقل. "ويقاس بما ذكرنا حفر البئر" الذي تعدى به الغاصب "وطمها" إن أراده فإن أمره المالك بالطم وجب، وإلا فإن كان له فيه غرض استقل به، وإن منعه منه، وإلا فلا ومن الغرض هنا ضمان التردي فإن لم يكن له غرض غيره وقال له المالك رضيت باستدامة البئر امتنع عليه الطم لاندفاع الضمان عنه بذلك وتطم بترابها إن بقي، وإلا فبمثله واستشكل بما مر أن المثل في الذمة وهو لا يملك إلا بقبض صحيح فليحمل على ما إذا أذن له المالك في رده وله نقل ما طوى به البئر وللمالك إجباره عليه، وإن سمح له به "وإذا أعاد الأرض كما كانت ولم يبق نقص فلا أرش" إذ لا موجب له "لكن عليه أجرة المثل لمدة الإعادة" والحفر كما في الروضة وأصلها؛ لأنه وضع يده عليها مدتهما تعديا، وإن كان آتيا بواجب "وإن بقي نقص" في الأرض بعد الإعادة "وجب أرشه معها" أي الأجرة لاختلاف سببيهما. "ولو غصب زيتا ونحوه" من الأدهان "وأغلاه فنقصت عينه دون قيمته" بأن كان صاعا قيمته درهم فصار نصف صاع قيمته درهم "رده" لبقاء العين "ولزمه مثل الذاهب في الأصح"؛ لأن له بدلا مقدرا وهو المثل فأوجبناه، وإن زادت القيمة بالإغلاء كما لو خصى العبد فإنه يضمن قيمته، وإن زادت أضعافها "وإن نقصت القيمة فقط" أي دون العين "لزمه الأرش" جبرا له "وإن نقصتا" أي العين والقيمة معا "غرم الذاهب ورد الباقي" مطلقا و "مع أرشه إن كان نقص القيمة

 

 

ج / 2 ص -401-      أكثر" مما نقص بالعين كرطلين قيمتهما درهمان صارا بالإغلاء رطلا قيمته نصف درهم فيرد الباقي ويرد معه رطلا ونصف درهم أما إذا لم يكن نقص القيمة أكثر بأن لم يحصل في الباقي نقص كما لو صارا رطلا قيمته درهم أو أكثر فيغرم الذاهب فقط ويرد الباقي، ولو غصب عصيرا وأغلاه فنقصت عينه دون قيمته لم يغرم مثل الذاهب؛ لأنه مائية لا قيمة لها والذاهب من الدهن دهن متقوم.
فرع: غصب وثيقة بدين أو عين وأتلفها ضمن قيمة الكاغد مكتوبا ملاحظا أجرة الكتابة لا أنها تجب مع ذلك كما حملوا عليه عبارة الروضة الموهمة لإيجابها الذي لا يقوله أحد على ما قاله الزركشي، وإن محاه ضمن قيمة ما نقص منه وإفتاء ابن الصلاح بأنه يلزمه قيمة ورقة فيها إثبات ذلك المال فيقال كم قيمة ورقة يتوصل بها إلى إثبات مثل هذا الملك ثم يوجب ما ينتهي إليه التقويم الضعيف، وإن اعتمده الإسنوي وقال مقتضاه وجوب قيمة الكاغد أبيض وأجرة الوراق قال ولا بد من اعتبار أجرة الشهود وإن لم يكتبوا شهادتهم ا هـ وليس كما قال ثم رأيت الأذرعي بالغ في الرد عليه فقال: وهذا كلام رديء ساقط وأفتى أيضا بضمان شريك غور ماء عين ملك له ولشركائه فيبس ما كان يسقى بها من الشجر وبنحوه أفتى الفقيه إسماعيل الحضرمي ونظر فيه بعضهم وكأنه نظر لقولهم لو أخذ ثيابه مثلا فهلك برد لم يضمنه، وإن علم أن ذلك مهلك له لكن مر أول الباب ما يرده فتأمله.
"والأصح أن السمن" الطارئ في يد الغاصب "لا يجبر نقص هزال قبله" فلو غصب سمينة فهزلت بالبناء للمفعول لا غير ثم سمنت ردها وأرش السمن الأول؛ لأن الثاني غيره وما نشأ عن فعل الغاصب لا قيمة له حتى لو زال هذا غرم أرشه أيضا هذا إن رجعت قيمتها إلى ما كانت عليه، وإلا غرم أرش النقص قطعا وأشار بقوله نقص هزال إلى أنه لا أثر لزوال سمن مفرط لا ينقص زواله القيمة، ولو انعكس الحال بأن سمنت في يد معتدلة سمنا مفرطا نقص قيمتها ردها ولا شيء عليه؛ لأنها لم تنقص حقيقة ولا عرفا كذا نقله في الكفاية وأقره وفيه نظر كما قاله الإسنوي وغيره؛ لأنه مخالف لقاعدة الباب في تضمين نقص القيمة. "و" الأصح "إن تذكر صنعة" بنفسه أو بتعليم "نسيها" عند الغاصب "يجبر النسيان"؛ لأن العائد هو عين الأول بخلاف السمن وشمل المتن تذكرها في يد المالك فيسترد ما دفع من الأرش كما اعتمده ابن الرفعة واستشهد له بما لو رده مريضا ثم برئ قال الإسنوي نعم لو تذكرها في يده بتعليم فالأوجه عدم الاسترداد وعود الحسن كعود السمن لا كتذكر الصنعة قاله الإمام، وكذا صوغ حلي انكسر "وتعلم صنعة لا يجبر نسيان" صنعة "أخرى قطعا"، وإن كانت أرفع من الأولى للتغاير مع اختلاف الأغراض باختلاف الصنائع. "ولو غصب عصيرا فتخمر ثم تخلل فالأصح أن الخل للمالك"؛ لأنه عين ماله "وعلى الغاصب الأرش" لنقصه "إن كان الخل أنقص قيمة" من العصير لحصوله في يده ويجري ذلك فيما إذا غصب بيضا فتفرخ أو حبا فنبت فإن لم ينقص عن قيمته عصيرا فلا شيء عليه غير الرد وخرج بثم تخلل ما لو تخمر ولم يتخلل فيلزمه مثل العصير لا إراقتها؛

 

ج / 2 ص -402-      لأنها محترمة ما لم يعلم أن المالك عصرها بقصد الخمرية خلافا لما أطال به شارح هنا وقياس ما مر في زيت نجسه أن الخمر المحترمة هنا ترد للمالك فقول هذا الشارح لم يوجبوا ردها مع غرامة المثل للمالك مبني على ما اعتمده من وجوب إراقتها مطلقا وقد تقرر أنه ضعيف ومتى تخللت ردها مع أرش النقص واسترد العصير. "ولو غصب خمرا فتخللت أو جلد ميتة فدبغه فالأصح أن الخل والجلد للمغصوب منه"؛ لأنهما فرعا ملكه وليس قضيته إخراج غير المحترمة خلافا لمن ادعاه؛ لأن ملكه هو العصير ولا شك أن خل المحترمة وغيرها فرع عنه ومن ثم سوى المتولي بينهما وهو أوجه من استثناء الإمام لغير المحترمة من ذلك فإن تلفا في يده ضمنهما وخرج بغصب ما لو أعرض عنهما وهو ممن يصح إعراضه فيملكه آخذه.

فصل فيما يطرأ على المغصوب من زيادة ووطء وانتقال للغير وتوابعها
"زيادة المغصوب إن كانت أثرا محضا كقصارة" لثوب وطحن لبر وخياطة بخيط للمالك وضرب سبيكة دراهم "فلا شيء للغاصب بسببها" لتعديه بعمله في ملك غيره وبه فارق ما مر في المفلس من مشاركته للبائع؛ لأنه عمل في ملك نفسه "وللمالك تكليفه رده كما كان إن أمكن" ولو بعسر كرد اللبن طينا والدراهم والحلي سبائك إلحاقا لرد الصفة برد العين لما تقرر من تعديه وشرط المتولي أن يكون له غرض خالفه فيه الإمام وإطلاق الشيخين يوافقه فهو الأوجه، وإن قال الأذرعي إن الأول أحسن فإن لم يمكن رده كما كان كالقصارة لم يكلف ذلك بل يرده بحاله، وقد يقتضي المتن أنه لو رضي المالك ببقائه لم يعده وقيداه بما إذا لم يكن له غرض، وإلا كأن ضرب الدراهم بغير إذن السلطان فله إعادته خوفا من التعزير "وأرش" بالرفع عطفا على تكليفه والنصب عطفا على رده "النقص" لقيمته قبل الزيادة سواء أحصل النقص بها من وجه آخر أم بإزالتها ويلزمه مع ذلك أجرة مثله لدخوله في ضمانه لا لما زاد بصنعته؛ لأن فواته بأمر المالك ومن ثم لو رده بغير أمره ولا غرض له غرم أرشه وعلم مما مر في رد التراب أنه لو لم يكن للغاصب غرض في الرد سوى عدم لزوم الأرش ومنعه المالك منه وأبرأه امتنع عليه وسقط عنه الأرش "وإن كانت" الزيادة التي فعلها الغاصب "عينا كبناء وغراس كلف القلع" وأرش النقص لخبر:
"ليس لعرق ظالم حق" وهو حسن غريب وفيه كلام بينته في شرح المشكاة مع بيان معناه بما ينبغي الرجوع إليه والمراد بالعرق هنا أصل الشيء وفيهما التنوين وتنوين الأول وإضافة الثاني وللغاصب قلعه وإن نقصت به الأرض أو رضي المالك بإبقائه بالأجرة أو أراد تملكه إذ لا أرش على المالك في القلع وبه فارق ما مر في العارية ولا يلزمه قبوله لو وهبه له وكذا الصبغ فيما يأتي للمنة. "ولو صبغ" الغاصب "الثوب بصبغه وأمكن فصله" بأن لم يتعقد الصبغ به "أجبر عليه" أي الفصل، وإن خسر خسرانا بينا، ولو نقصت قيمة الصبغ بالفصل "في الأصح" كالبناء والغراس وله الفصل قهرا على المالك، وإن نقص الثوب به؛ لأنه يغرم أرش النقص نظير ما مر آنفا، ولو تراضيا على الإبقاء فهما شريكان ومحل ذلك

 

ج / 2 ص -403-      في صبغ يحصل منه عين مال أما ما هو تمويه محض ولم يحصل به نقص فهو كالتزويق فلا يستقل الغاصب بفصله ولا يجبره المالك عليه وخرج بصبغه صبغ المالك فالزيادة كلها للمالك والنقص على الغاصب وليس له فصله بغير إذن المالك وله إجباره عليه مع أرش النقص وصبغ مغصوب من آخر فلكل من مالكي الثوب والصبغ تكليفه فصلا أمكن مع أرش النقص فإن لم يمكن فهما في الزيادة والنقص كما في قوله "وإن لم يمكن" فصله لتعقده "فإن لم تزد قيمته" ولم تنقص بأن كان يساوي عشرة قبله وساواها بعده مع أن الصبغ قيمته خمسة لا لانخفاض سوق الثوب "فلا شيء للغاصب فيه" ولا عليه؛ لأن صبغه كالمعدوم حينئذ "وإن نقصت" قيمته بأن صار يساوي خمسة "لزمه الأرش" وهو ما نقص من قيمته لحصول النقص بفعله "وإن زادت قيمته" بسبب الصبغ أو الصنعة "اشتركا فيه" أي الثوب بالنسبة فإذا صار يساوي خمسة عشر فهو بينهما أثلاثا، وإن كان الصبغ يساوي عشرة مثلا؛ لأن النقص عليه أو بسبب ارتفاع سعر أحدهما فقط فالزيادة لصاحبه ولو نقص عن الخمسة عشر قيمتهما كأن ساوى اثني عشر فإن كان النقص لانخفاض سعر الثياب فهو على الثوب أو سعر الصبغ أو بسبب الصنعة فعلى الصبغ وبهذا أعني اختصاص الزيادة بمن ارتفع سعر ملكه يعلم أنه ليس معنى اشتراكهما أنه على جهة الشيوع بل هذا بثوبه وهذا بصبغه. "ولو خلط المغصوب" أو اختلط عنده "بغيره" كبر أبيض بأسمر أو بشعير وكغزل سدى نسجه بلحمته لنفسه وشمل كلامهم خلطه أو اختلاطه باختصاص كتراب بزبل "وأمكن التمييز" للكل أو للبعض "لزمه وإن شق" عليه ليرده كما أخذه "وإن تعذر" التمييز كخلط زيت بمثله أو شيرج وبر أبيض بمثله ودراهم بمثلها "فالمذهب أنه كالتالف" على إشكالات فيه يعلم ردها مما يأتي "فله تغريمه" بدله، خلطه بمثله أو بأجود أو بأردأ؛ لأنه لما تعذر رده أبدا أشبه التالف فيملكه الغاصب إن قبل التملك، وإلا كتراب أرض موقوفة خلطه بزبل وجعله آجرا غرم مثله ورد الآجر للناظر ولا نظر لما فيه من الزبل؛ لأنه اضمحل بالنار كذا ذكره بعضهم ومع ملكه المذكور يحجر عليه فيه حتى يرد مثله لمالكه على الأوجه ويكفي كما في فتاوى المصنف أن يعزل من المخلوط أي بغير الأردأ قدر حق المغصوب منه ويتصرف في الباقي كما يأتي. وبهذا يندفع كما يعلم مما يأتي أيضا ما أطال به السبكي من الرد والتشنيع على القول بملكه وإنما قلنا بالشركة في نظير ذلك من المفلس لئلا يحتاج للمضاربة بالثمن وهو إضرار به وهنا الواجب المثل فلا إضرار ومن ثم لو فرض فلس الغاصب أيضا لم يبعد كما في المطلب جعل المغصوب منه أحق بالمختلط من غيره وشمل قوله بغيره خلطه بمال آخر مغصوب أيضا فكذلك كما جزم به ابن المقري واقتضاه كلام الشيخين في غير هذا الكتاب وأصله أيضا وغيرهما. لكن قال البلقيني المعروف عند الشافعية أنه لا يملك شيئا منه ولا يكون كالهالك واعتمده بعضهم لموافقته لما أفتى به المصنف وفرق بأنه إنما ملك في الخلط بماله تبعا لماله وهنا لا تبعية وفي فتاوى المصنف غصب من جمع دراهم مثلا وخلطها بحيث لا تتميز، ثم فرق عليهم المخلوط على قدر حقهم حل لكل أخذ قدر

 

ج / 2 ص -404-      حصته فإن خص أحدهم بحصته لزمه أن يقسم ما أخذه عليه وعلى الباقين بالنسبة إلى قدر أموالهم هذا كله إذا عرف المالك أو الملاك كما تقرر أما لو جهلوا فإن لم يحصل اليأس من معرفتهم وجب إعطاؤها للإمام ليمسكها أو ثمنها لوجود ملاكها وله أن يقترضها لبيت المال، وإن أيس منها أي عادة كما هو ظاهر صارت من أموال بيت المال فلمتوليه التصرف فيها بالبيع وإعطائها لمستحق شيء من بيت المال وللمستحق أخذها ظفرا ولغيره أخذها ليعطيها للمستحق كما هو ظاهر، ثم رأيت ابن جماعة وغيره صرحوا بذلك وقد قال ابن عبد السلام عقب قول الإمام وغيره لو عم الحرام قطرا بحيث ندر وجود الحلال فيه جاز أخذ المحتاج إليه، وإن لم يضطر ولا يتبسط ا هـ هذا إن توقع معرفة أهله، وإلا فهو لبيت المال كما تقرر فيصرف للمصالح وخرج بخلط أو اختلط عنده الاختلاط حيث لا تعدي كأن انثال بر على مثله فيشترك مالكاهما بحسبهما فإن استويا قيمة فبقدر كيلهما فإن اختلفا قيمة بيعا وقسم الثمن بينهما بحسب قيمتهما نظير ما يأتي في اختلاط حمام البرجين ولا تجوز قسمة الحب على قدر قيمتيهما للربا سيأتي لذلك مزيد قبيل الأضحية.
"وللغاصب أن" يفرز قدر المغصوب، ويحل له الباقي كما مر وأن "يعطيه" أي المالك، وإن أبى "من غير المخلوط"؛ لأن الحق قد انتقل إلى ذمته لما تقرر من أن المختلط صار كالهالك ومن المخلوط إن خلط بمثله أو أجود مطلقا أو بأردأ إن رضي.
تنبيه: قيل ليس الغاصب بأولى من المالك بملك الكل بل المالك أولى به لعدم تعديه وجوابه منع ذلك؛ لأن المغصوب لما تعذر رد عينه لمالكه بسبب يقتضي شغل ذمة الغاصب به لتعديه مع تمكين المالك من أخذ بدله حالا جعل كالتالف للضرورة وذلك غير موجود في المالك إذ لا تعدي يقتضي ضمان ما للغاصب فلو ملك الكل لم يلزمه رد شيء وبفرض أنه يلزمه لا يلزمه الفور ففيه حيف أي حيف وقد يوجد الملك بدون الرضا للضرورة كأخذ مضطر طعام غيره قهرا عليه لنفسه أو لبهيمته وليس إباق القن كالخلط حتى يملكه الغاصب؛ لأنه مرجو العود فيلزمه قيمته للحيلولة لعدم الضرورة المقتضية كونها للفيصولة، وإنما لم يرجحوا قول الشركة؛ لأنه صار مشاعا ففيه تملك كل حق الآخر بغير إذنه أيضا، ومنع تصرف المالك قبل البيع أو القسمة هنا أيضا بسبب التعدي بل فوات حقه إذ قد يتأخر ذلك فلا يجد مرجعا بخلاف ما إذا علقنا حقه بالذمة فإنه يتصرف فيه حالا بحوالة أو نحوها ومن ثم صوب الزركشي قول الهلاك قال ويندفع المحذور بمنع الغاصب من التصرف فيه وعدم نفوذه منه حتى يعطي البدل كما مر وإذا كان المالك لو ملكه له بعوض لم يتصرف حتى يرضى بذمته فكيف بغير رضاه قيل كيف يستبعد القول بالملك وهو موجود في المذاهب الأربعة بل اتسعت دائرته عند الحنفية والمالكية.
"ولو غصب خشبة" أو لبنة "وبنى عليها" ولم يخف من إخراجها تلف نحو نفس أو مال معصوم وكلامه الآتي يصلح شموله لهذه أيضا "أخرجت" وإن تلف من مال الغاصب

 

ج / 2 ص -405-      أضعاف قيمتها لتعديه ويلزمه أجرة مثلها وأرش نقصها هذا إن بقي لها قيمة، ولو تافهة، وإلا فهي هالكة فتجب قيمتها ويرجع المشتري إن جهل الاستحقاق على بائعه بأرش نقص بنائه ومن ثم أفتى بعضهم فيمن أكرى آخر جملا وأذن له في السفر به مع الخوف فتلف فأثبته آخر له وغرمه قيمته بأنه يرجع بها على مكريه إن جهل أن الجمل لغيره "ولو" غصب خشبة و "أدرجها في سفينة فكذلك" تخرج ما لم تصر لا قيمة لها "إلا أن يخاف تلف نفس أو مال معصومين" أو اختصاص كذلك، ولو للغاصب بأن كانت في اللجة والخشبة في أسفلها فلا تنزع إلا بعد وصولها للشط لسهولة الصبر إليه بخلاف الخشبة فيما مر؛ لأنه لا أمد ينتظر ثم وحينئذ يأخذ المالك قيمتها للحيلولة والمراد أقرب شط يمكن الوصول إليه والأمن فيه كما هو ظاهر لا شط مقصده وكالنفس نحو العضو وكل مبيح للتيمم وقول الزركشي كغيره إلا الشين أخذا مما صرحوا به في الخيط مراده إلا الشين في حيوان غير آدمي؛ لأن هذا هو الذي صرحا به ثم حيث قالا وكخوف الهلاك خوف كل محذور يبيح التيمم وفاقا وخلافا، ثم قالا للحيوان غير المأكول حكم الآدمي إلا أنه لا اعتبار ببقاء الشين ا هـ أما نفس غير معصومة كزان محصن، ولو قنا كأن زنى ذميا، ثم حارب واسترق وتارك صلاة بشرطه وحربي ومرتد ومال غير معصوم كمال الحربي فلا يبقى لأجلهما لإهدارهما وثنى معصومين؛ لأن بين النفس والمال شبه تناقض، وإن صدق أحدهما على الآخر.
"ولو وطئ" الغاصب "المغصوبة عالما بالتحريم" وليس أصلا للمالك "حد" وإن جهلت؛ لأنه زان "وإن جهل" تحريم الزنا مطلقا أو بالمغصوبة وقد عذر بقرب إسلامه ولم يكن مخالطا لنا أو مخالطنا وأمكن اشتباه ذلك عليه أو نشئه بعيدا عن العلماء "فلا حد" للشبهة "وفي الحالين" أي حالي علمه وجهله "يجب المهر"، وإن أذن له المالك؛ لأنه استوفى المنفعة وهي غير زانية إذ الغرض كما يعلم مما يأتي أنها جاهلة أو مكرهة نعم يتحد وإن تعدد الوطء في حالة الجهل لاستدامة الشبهة بخلافه مع العلم بتعدد الوطآت، ولو وطئ مرة جاهلا ومرة عالما فمهران ويجب في البكر مهر ثيب مع أرش البكارة كما مر في البيع "إلا أن تطاوعه" عالمة بالتحريم كما يفهمه قوله الآتي إن علمت "فلا يجب" مهر "على الصحيح"؛ لأنها زانية، وقد نهى عن مهرها وإنما أثر رضاها في سقوط حق السيد؛ لأنه إنما ينشأ عنها ومن ثم سقط بردتها قبل وطء وإرضاعها إرضاعا مفسدا ويظهر في مميزة عالمة بالتحريم أنها ككبيرة في سقوط المهر؛ لأن ما وجد منها صورة زنا فأعطيت حكمه ألا ترى أنه لو اشتراها، ثم بان فيها ذلك ردها به "وعليها الحد إن علمت" بالتحريم لزناها وكالزانية مرتدة ماتت على ردتها "ووطء المشتري من الغاصب كوطئه" أي الغاصب "في" ما قرر فيه من "الحد والمهر" وأرش البكارة لاشتراكهما في وضع اليد على مال الغير بغير حق نعم تقبل دعواه هنا الجهل مطلقا ما لم يقل علمت الغصب فيشترط عذر مما مر "فإن غرمه" أي المالك المشتري المهر "لم يرجع به" المشتري "على الغاصب في الأظهر"؛ لأنه الذي انتفع به وباشر الإتلاف، وكذا أرش البكارة. "وإن أحبل" الغاصب أو المشتري

 

ج / 2 ص -406-      منه المغصوبة "عالما بالتحريم فالولد رقيق غير نسيب" لما مر أنه زنا فإن انفصل حيا ضمنه كل منهما أو ميتا بجناية فبدله وهو عشر قيمة أمه للسيد أو بغيرها ضمنه كل منهما بقيمته يوم الانفصال وقول الإسنوي إنهما ناقضا ما هنا رده الأذرعي بأنه اشتباه فإن هذا في عالم وذاك في جاهل أي وسيأتي الفرق بين الرقيق وهو ما هنا والحر وهو ما هناك "وإن جهل" التحريم "فحر" من أصله لا أنه انعقد قنا، ثم عتق "نسيب" للشبهة "وعليه" إذا انفصل حيا حياة مستقرة "قيمته" بتقدير رقه لتفويته رقه بظنه فإن انفصل ميتا بجناية فعلى الجاني الغرة وهي نصف عشر دية الأب وعليه عشر قيمة أمه لمالكها؛ لأنا نقدره قنا في حقه قال المتولي والغرة مؤجلة فلا يغرم الواطئ حتى يأخذها وتوقف فيه الإمام أو بغير جناية لم يضمنه لعدم تيقن حياته وفارق ما مر في الرقيق بأنه يدخل تحت اليد فجعل تبعا للأم في الضمان وهذا حر فلا يدخل تحت اليد وتردد الأذرعي في حي حياة غير مستقرة ورجح غيره أنه كالحي كما أفهمه تعليلهم الميت بأنا لم نتيقن حياته وقد يقال بل قياس إلحاقهم لهذا بالميت في نظائره أنه هنا كذلك ومعنى التعليل أنا لم نتيقن حياته حياة يعتد بها والعبرة بقيمته "يوم الانفصال" لتعذر التقويم قبله ويلزمه أرش نقص الولادة "ويرجع بها" أي بقيمة الولد ومثله أرش قيمة الولادة "المشتري على الغاصب"؛ لأن غرمها ليس من قضية الشراء بل قضيته أن يسلم له الولد حرا من غير غرامة ورجح البلقيني أن المتهب كالمشتري.
"ولو تلف المغصوب عند المشتري وغرم لم يرجع به" وإن جهله؛ لأن المبيع بعد القبض من ضمانه وإنما يرجع عليه بالثمن " وكذا لو تعيب عنده في الأظهر" تسوية بين الجملة والأجزاء هذا إن لم يكن بفعله، وإلا لم يرجع قطعا "ولا يرجع بغرم منفعة استوفاها" كلبس "في الأظهر" لما مر في المهر "ويرجع بغرم ما تلفت عنده" من المنافع ونحوها كثمر ونتاج وكسب من غير استيفاء إذا غرمه المالك مقابلها؛ لأنه لم يتلفها ولا التزم ضمانها بالعقد وما وإن شملت العين أيضا لكنه غير مراد؛ لأنه قدم حكمها وكلامه هنا إنما هو في المنفعة والفوائد من قبيل المنفعة ولدفع هذا الإيهام ألحقت في خطه تاء بعد الفاء ليعود الضمير للمنفعة صريحا، وإن صح عوده لها مع عدم التأنيث رعاية للفظ ما "وبأرش نقص بنائه" بالمهملة "وغراسه إذا" اشترى أرضا وبنى أو غرس فيها، ثم بانت مستحقة للغير فلم يرض ببقاء ذلك فيها حتى "نقض" بالمعجمة بناؤه أو غراسه "في الأصح" فيهما أما الأولى فلما مر وأما الثانية فلأنه غره بالبيع، وإن جهل الحال أيضا؛ لأنه مقصر بعدم بحثه حتى وقع في ذلك فرجع عليه بأرش ما حصل في ماله من النقص وهو ما بين قيمته قائما ومقلوعا وللمستحق تكليف المشتري نزع ما زوق به من نحو طين أو جبس ثم يرجع بأرش نقصه على البائع لذلك قال في الروضة عن البغوي وأقره والقياس أن لا يرجع على الغاصب بما أنفق على العبد وما أدى من خراج الأرض؛ لأنه شرع في الشراء على أنه يضمنها. ا هـ "وكل ما لو غرمه المشتري رجع به" على الغاصب كقيمة الولد وأجرة المنافع الفائتة تحت يده "لو غرمه الغاصب" ابتداء "لم يرجع به على المشتري"؛ لأن القرار على الغاصب فقط "وما لا" أي وكل ما لو غرمه المشتري لم يرجع به على الغاصب كقيمة

 

ج / 2 ص -407-      العين والأجزاء ومنافع استوفاها "فيرجع" به الغاصب إذا غرمه ابتداء على المشتري؛ لأن القرار عليه فقط لتلفه في يده هذا إن لم يسبق من الغاصب اعتراف للمشتري بالملك كما مر نظيره، وإلا فهو مقر بأن المغصوب منه ظالم له والمظلوم لا يرجع إلا على ظالمه ولو زادت القيمة عند الغاصب عليها عند المشتري لم يطالب بتلك الزيادة؛ لأنه لم يضع يده عليها فإذا غرمها الغاصب لم يرجع بها وليس ذلك مما شمله الضابط لما تقرر أن المشتري لا يغرم الزائد ولا يطالب به "قلت وكل من انبنت" بنونين ثانية ورابعة كما بخطه "يده على يد الغاصب فكالمشتري" فيما تقرر من الرجوع وعدمه "والله أعلم" ومر أوائل الباب ذكر ذلك بأبين من هذا فراجعه.
فرع: ادعى على آخر تحت يده دابة أن له فيها النصف مثلا وأنه غصبها فأجاب بأنها إنما كانت عندي بجهة المهايأة وأقام بينة بها لم يضمنها كما استنبطه البلقيني من كلام المروزي في الشركة وقول بعضهم إنها في زمن نوبته كالمعارة عنده فليضمنها يرد بأن جعل الأكساب كلها له زمن نوبته صريح في أنه كالمالك لها حينئذ لا كالمستعير.