تحفة المحتاج بشرح المنهاج ط العلمية

ج / 2 ص -429-      كتاب المساقاة
هي معاملة على تعهد شجر بجزء من ثمرته من السقي الذي هو أهم أعمالها والأصل فيها قبل الإجماع معاملته صلى الله عليه وسلم يهود خيبر على نخلها وأرضها بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع رواه الشيخان والحاجة ماسة إليها والإجارة فيها ضرر بتغريم المالك حالا مع أنه قد لا يطلع شيء، وقد يتهاون الأجير في العمل لأخذه الأجرة وبالغ ابن المنذر في رد مخالفة أبي حنيفة رضي الله عنه فيها ومن ثم خالفه صاحباه وزعم أن المعاملة مع الكفار تحتمل الجهالات مردود بأن أهل خيبر كانوا مستأمنين وأركانها ستة عاقدان ومورد وعمل وثمر وصيغة وكلها مع شروطها تعلم من كلامه.
"تصح من" مالك وعامل "جائز التصرف" وهو الرشيد المختار دون غيره كالقراض "و" تصح "لصبي ومجنون" وسفيه من وليهم "بالولاية" عليهم عند المصلحة للاحتياج إلى ذلك ولبيت المال من الإمام وللوقف من ناظره، وأفتى ابن الصلاح بصحة إيجار الولي لبياض أرض موليه بأجرة هي مقدار منفعة الأرض وقيمة الثمر ثم مساقاة المستأجر بسهم للمولى من ألف سهم بشرط أن لا يعد ذلك عرفا غبنا فاحشا في عقد المساقاة بسبب انضمامه لعقد الإجارة وكونه نقصا مجبور بزيادة الأجرة الموثوق بها ورده البلقيني بما حاصله أنهما صفتان متباينتان فلا تنجبر إحداهما بالأخرى وبه يندفع استشهاد الزركشي له بأن الولي إذا وجد ما اشتراه للمولي معيبا والغبطة في إبقائه أبقاه، ولو بلا أرش لكن انتصر له أبو زرعة بعد اعتماده له بأنه ما زال يرى عدول النظار والقضاة الفقهاء يفعلون ذلك ويحكمون به وبأنهم اغتفروا الغبن في أحد العقدين لاستدراكه في الآخر لتعين المصلحة فيه المترتب على تركها ضياع الشجر والثمر.
"وموردها النخل والعنب" للنص في النخل وألحق به العنب بجامع وجوب الزكاة وإمكان الخرص وتجويز صاحب الخصال لها على فحول النخل مقصودة منظر فيه بأنه ليس في معنى المنصوص عليه وبأنه بناه على اختياره للقديم في قوله "وجوزها القديم في سائر الأشجار المثمرة" لقوله في الخبر السابق من ثمر أو زرع ولعموم الحاجة واختير والجديد المنع؛ لأنها رخصة فتختص بموردها وعليه يمتنع في المقل كما صححه المصنف وتصح على أشجار مثمرة تبعا للنخل والعنب إذا كانت بينهما وإن كثرت وشرط بعضهم تعذر إفرادها بالسقي نظير المزارعة وعليه فيأتي هنا جميع ما يأتي ثم من اتحاد العامل وما بعده ويشترط رؤية المساقي عليه وتعيينه فلا يصح على غير مرئي ولا على مبهم كأحد الحديقتين ولا يأتي فيه خلاف إحدى الصورتين السابق للزوم المساقاة.
"ولا تصح المخابرة" قيل باتفاق المذاهب الأربعة "وهي عمل الأرض" أي المعاملة عليها كما بأصله وعبر به في الروضة وأشار إليه هنا بقوله وهي هذه المعاملة "ببعض ما

 

ج / 2 ص -430-      يخرج منها والبذر من العامل ولا المزارعة وهي هذه المعاملة والبذر من المالك" للنهي الصحيح عنهما ولسهولة تحصيل منفعة الأرض بالإجارة واختار جمع جوازهما وتأولوا الأحاديث على ما إذا شرط لواحد زرع قطعة معينة ولآخر أخرى واستدلوا بعمل عمر رضي الله عنه وأهل المدينة ويرد بأنها وقائع فعلية محتملة في المزارعة لكونها تبعا وفيها وفي المخابرة لكونها بإحدى الطرق الآتية ومن زارع على أرض بجزء من الغلة فعطل بعضها لزمه أجرته على ما أفتى به المصنف، لكن غلطه التاج الفزاري وليس كما زعم ففي البحر التصريح بما أفتى به لكن في المخابرة فيحمل كلامه عليه. وصرح السبكي بأن الفلاح لو ترك السقي مع صحة المعاملة حتى فسد الزرع ضمنه؛ لأنه في يده وعليه حفظه "فلو كان بين النخل" أو العنب "بياض" أي أرض لا زرع فيها ولا شجر "صحت المزارعة عليه مع المساقاة على النخل" أو العنب تبعا للمساقاة لعسر الإفراد وعليه حمل ما مر من معاملة أهل خيبر على شطر الثمر والزرع "بشرط اتحاد العامل" أي أن لا يكون من ساقاه غير من زارعه وإن تعدد؛ لأن إفرادها بعامل يخرجها عن التبعية "وعسر" هو على بابه على الأوجه خلافا لجمع بل قولهم الآتي وإن كثير البياض صريح فيه فتعين حمل التعذر في عبارة الروضة وأصلها عليه وكذا تعبير آخرين بعدم الإمكان "إفراد النخل بالسقي و" إفراد "البياض بالعمارة" أي الزراعة؛ لأن التبعية إنما تتحقق حينئذ بخلاف تعسر أحدهما "والأصح أنه يشترط أن لا يفصل بينهما" أي المساقاة والمزارعة التابعة بل يأتي بهما على الاتصال لتحصل التبعية وأنه يشترط اتحاد العقد فلو قال ساقيتك على النصف فقبل ثم زارعه على البياض لم تصح المزارعة؛ لأن تعدد العقد يزيل التبعية "و" الأصح أنه يشترط "أن لا يقدم المزارعة" على المساقاة بأن يأتي بها عقبها؛ لأن التابع لا يتقدم على متبوعه واشترط الدارمي بيان ما يزرع؛ لأنه شريك وبه فارق عدم اشتراط بيانه في الإجارة "و" الأصح "أن كثير البياض" بأن اتسع ما بين مغارس الشجر "كقليله" لأن الفرض تعسر الإفراد والحاجة لا تختلف "و" الأصح "أنه لا يشترط تساوي الجزء المشروط من الثمر والزرع" فيجوز شرط نصف الزرع وربع الثمر مثلا للعامل؛ لأن الزراعة وإن كانت تابعة هي في حكم عقد مستقل وكون التفاضل يزيل التبعية من أصلها ممنوع ويفرق بين هذه وإزالته لها في بعتك الشجرة بعشرة والثمرة بخمسة حتى يحتاج قبل بدو الصلاح لشرط القطع على ما مر بأن الثمرة قبل بدوه غير صالحة اتفاقا لا يراد العقد عليها وحدها من غير شرط قطع فاحتاجت لمتبوع قوي ولا كذلك البياض هنا لما مر من جواز المزارعة مستقلة عند كثيرين وقضية كلامهما أنه يلحق بالبياض فيما مر زرع لم يبد صلاحه. "و" الأصح "أنه لا يجوز أن يخابر تبعا للمساقاة" بل يشترط أن يكون البذر من رب النخل؛ لأن الخبر ورد في المزارعة تبعا في قصة خيبر وهي في معنى المساقاة من حيث إنه ليس على العامل فيهما إلا العمل بخلاف المخابرة فإنه يكون عليه العمل والبذر واعترض السبكي هذا التعليل بأن الوارد في طرق الخبر ظاهره أن البذر منهم فتكون هي المخابرة "فإن أفردت أرض بالزراعة فالمغل للمالك" لأنه نماء ملكه "وعليه للعامل
 

 

ج / 2 ص -431-      أجرة عمله ودوابه وآلاته" إن كانت له وسلم الزرع لبطلان العقد وعمله لا يحبط مجانا أما إذا لم يسلم فلا شيء للعامل على ما أخذ من تصويب المصنف لكلام المتولي في نظيره من الشركة الفاسدة فيما إذا تلف الزرع أنه لا شيء للعامل؛ لأنه لم يحصل للمالك شيء ورد بأن قياسه على القراض الفاسد أوجه لاتحاد المساقاة والقراض في أكثر الأحكام فالعامل هنا أشبه به في القراض من الشريك وكان الفرق بين الشريك والعامل أن الشريك يعمل في ملك نفسه فاحتيج في وجوب أجرته لوجود نفع شريكه بخلاف العامل في القراض والمساقاة أو أفردت بالمخابرة فالمغل للعامل؛ لأن الزرع يتبع البذر وعليه لمالك الأرض أجرة مثلها، ولو كان البذر لهما فالغلة لهم ولكل على الآخر أجرة ما أصرف من منافعه على حصة صاحبه. "وطريق جعل الغلة لهما ولا أجرة" في إفراد المزارعة "أن يستأجره" أي المالك العامل "بنصف البذر" شائعا "ليزرع له النصف الآخر" من البذر في نصف الأرض مشاعا "ويعيره نصف الأرض" مشاعا وبهذا علم جواز إعارة المشاع "أو يستأجره بنصف البذر ونصف منفعة الأرض" شائعين "ليزرع له النصف الآخر" من البذر "في النصف الآخر من الأرض" فيشتركان في الغلة مناصفة ولا أجرة لأحدهما على الآخر؛ لأن العامل يستحق من منفعة الأرض بقدر نصيبه من الزرع والمالك يستحق من منفعة العامل بقدر نصيبه من الزرع وتفارق الأولى هذه بأن الأجرة ثم عين وهنا عين ومنفعة وثم يتمكن من الرجوع بعد الزراعة في نصف الأرض ويأخذ الأجرة وهنا لا يتمكن، ولو فسد منبت الأرض في المدة لزمه قيمة نصفها ثم لا هنا؛ لأن العارية مضمونة ومن الطرق أيضا أن يقرضه نصف البذر ويؤجره نصف الأرض بنصف عمله ونصف منافع آلته فإن كان البذر من العامل فمن طرقه أن يستأجر العامل نصف الأرض بنصف البذر ونصف عمله ونصف منافع آلاته أو منهما فمن طرقه أن يؤجره نصف الأرض بنصف منافع عمله وآلاته ويشترط في هذه الإجارات وجود جميع شروطها الآتية.
فرع: أذن لغيره في زرع أرضه فحرثها وهيأها للزراعة فزادت قيمتها بذلك فأراد رهنها أو بيعها مثلا من غير إذن العامل لم يصح لتعذر الانتفاع بها بدون ذلك العمل المحترم فيها ولأنها صارت مرهونة في ذلك العمل الزائد به قيمتها، وقد صرحوا بأن لنحو القصار حبس الثوب لرهنها بأجرته حتى يستوفيها وللغاصب إذا غرم قيمة الحيلولة ثم وجد المغصوب حبسه حتى يرد له ما غرمه على ما مر.

 

ج / 2 ص -432-      فصل في بيان الأركان الثلاثة الأخيرة ولزوم المساقاة وهرب العامل
"يشترط تخصيص الثمر بهما" فلو شرط بعضه لثالث فكما مر في القراض بتفصيله ووقع لشارح الفرق بينهما في بعض ذلك وليس بصحيح على أن فرقه في نفسه غير صحيح أيضا كما يعرف بتأمله مع كلامهم، قيل صواب العبارة اختصاصهما بالثمر ا هـ، ويرده ما مر ويأتي أن الباء تدخل على المقصور والمقصور عليه "واشتراكهما فيه" بالجزئية نظير ما مر في القراض ففي على أن الثمرة كلها لك أو لي تفسد ولا أجرة له في الثانية

 

ج / 2 ص -433-      إن علم الفساد وأنه لا شيء له نظير ما مر وتفسد أيضا إن شرط الثمر لواحد والعنب للآخر واحتياج لهذا مع فهمه مما قبله؛ لأنه قد يفهم منه أيضا أن القصد به إخراج شرطه لثالث فيصدق بكونه لأحدهما ولما بعده؛ لأنه مع الاختصاص والشركة يصدق بكونه لهما على الإبهام، ولو ساقاه على ذمته ساق غيره أو عينه فلا فإن فعل ومضت المدة انفسخ العقد والثمر للمالك ولا شيء للأول مطلقا ولا للثاني إن علم فساد العقد وإلا فله أجرة مثله على الأول وكذا حيث فسدت نظير ما مر في القراض "والعلم" منهما "بالنصيبين بالجزئية" ومنها بيننا لحمله على المناصفة "كالقراض" في جميع ما مر فيه، ولو فاوت بين الشيئين في الجزء المشروط لم يصح على ما في الروضة واعترض وخرج بالثمر ومثله القنو وشماريخه الجريد وأصله وكذا العرجون على أحد وجهين يتجه ترجيحه إن أريد به أصل القنو كما هو أحد مدلولاته المذكورة في القاموس والليف يختص به المالك فإن شرطت الشركة فيه فوجهان أوجههما فسادها؛ لأنه خلاف قضيتها ثم رأيت شيخنا قال إن الصحة أوجه أو شرط للعامل بطل قطعا ومر أن العامل يملك حصته بظهور الثمر ومحله إن عقد قبل ظهوره وإلا ملك بالعقد. "والأظهر صحة المساقاة بعد ظهور الثمرة" كما قبل ظهورها بل أولى؛ لأنه أبعد عن الغرر ولوقوع الآفة فيه كثيرا نزل منزلة المعدوم فليس اشتراط جزء منه كاشتراط جزء من النخل "لكن" لا مطلقا بل "قبل بدو الصلاح" لبقاء معظم العمل بخلافه بعده، ولو في البعض كالبيع فيمتنع قطعا بل قيل إجماعا. "ولو ساقاه على ودي" غير مغروس بفتح فكسر للمهملة فتحتية مشددة وهو صغار النخل "ليغرسه ويكون الشجر" أو ثمرته إذا أثمر "لهما لم يجز" لأنها رخصة ولم ترد في مثل ذلك وحكى السبكي عن قضية المذاهب الأربعة منعها معترضا به على حكم قضاة الحنابلة بها ونقل غيره إجماع الأمة على ذلك لكنه معترض بأن قضية كلام جمع من السلف جوازها والشجر لمالكه وعليه لذي الأرض أجرة مثلها كما أن على ذي الأرض والشجر أجرة العمل والآلات ويأتي في القلع والإبقاء هنا ما مر آخر العارية "ولو كان" الودي "مغروسا وشرط له" معاملة فقبل أو عكسه "جزءا من الثمر على العمل فإن قدر له مدة يثمر فيها غالبا صح" وإن كان أكثرها ثمرة فيه؛ لأنها حينئذ بمثابة الشهور من السنة الواحدة فإن لم تثمر فلا شيء له وفي هذه الحالة لا يصح بيع الشجر؛ لأن للعامل حقا في الثمرة المتوقعة فكأن البائع استثنى بعضها "وإلا" يثمر فيها غالبا "فلا" يصح لخلوها عن العوض سواء أعلم العدم أم غلب أم استويا أم جهل الحال نعم له الأجرة في الأخيرتين؛ لأنه طامع "وقيل إن تعارض الاحتمالان" للإثمار وعدمه على السواء "صح" كالقراض ورد بأن الظاهر وجود الربح بخلاف هذا. "وله مساقاة شريكه" في الشجر إذا شرط له "زيادة" معينة "على حصته" كما إذا كان بينهما نصفين وشرط له ثلثي الثمرة فإن شرط قدر حصته لم يصح لعدم العوض وكذا لا أجرة له بخلاف ما إذا شرط له الكل كما مر واستشكل هذا بأن عمل الأجير يجب كونه في خالص ملك المستأجر وأجاب السبكي بأن صورة المسألة أن يقول ساقيتك على نصيبي وبهذا صور أبو الطيب كالمزني، قال لكن ظاهر كلام غيرهما

 

ج / 2 ص -434-      كالمتن أنه لا فرق بين ذلك وقوله على جميع هذه الحديقة أي وعليه فقد يجاب بأنه يغتفر في المساقاة ما لا يغتفر في الإجارة.
"ويشترط" لصحة المساقاة "أن لا يشترط على العامل ما ليس من جنس أعمالها" التي سنذكر قريبا أنها عليه فلا اعتراض عليه خلافا لمن زعمه ويوجه كونه في القراض قدم ما عليه ثم ذكر حكم ما لو شرط عليه ما ليس عليه وعكس هنا بأن الأعمال ثم قليلة وليس فيها كبير تفصيل ولا خلاف فقدمت، ثم ذكر حكمها وهنا بالعكس فقدم حكمها ثم أخرت لطول الكلام عليها فإذا شرط عليه ذلك كبناء جدار الحديقة لم يصح العقد؛ لأنه استئجار بلا عوض وكذا شرطهما على العامل على المالك كالسقي ونص البويطي أنه لا يضر شرطه على المالك وبه جزم الدارمي ضعيف "وأن ينفرد" العامل "بالعمل" نعم لا يضر شرط عمل عبد المالك معه نظير ما مر في القراض بل أولى؛ لأن بعض أعمال المساقاة على المالك فيأتي هنا جميع ما مر ثم "واليد في الحديقة" ليعمل متى شاء فشرط كونها بيد المالك أو عبده مثلا ولو مع يد العامل يفسدها "ومعرفة العمل" جملة لا تفصيلا "بتقدير المدة كسنة" أو أقل إذ أقل مدتها ما يطلع فيه الثمر ويستغني عن العمل "أو أكثر" إلى مدة تبقى فيها العين غالبا للاستغلال فلا تصح مطلقة ولا مؤبدة؛ لأنها عقد لازم فكانت كالإجارة، وهذا مما خالفت فيه القراض والسنة المطلقة عربية ويصح شرط غيرها إن علماه، ولو أدركت الثمرة قبل انقضاء المدة عمل بقيتها بلا أجرة وإن انقضت وهو طلع أو بلح فله حصته منه وعلى المالك التبقية والتعهد إلى الجذاذ ويفرق بين هذا والشريكين بأن شركة العامل هنا وقعت تابعة غير مقصودة منه فلم يلزمه بسببها شيء ولا حق للعامل فيما حدث بعدها. "ولا يجوز التوقيت بإدراك الثمر" أي جذاذه كما قاله السبكي "في الأصح" للجهل به فإنه قد يتقدم وقد يتأخر "وصيغتها" صريحة وكناية فمن صرائحها "ساقيتك على هذا النخل" أو العنب "بكذا" من الثمرة لأنه الموضوع لها "أو سلمته إليك لتعهده" أو اعمل عليه أو تعهده بكذا لأداء كل من هذه الثلاثة معنى الأول ومن ثم اعتمد ابن الرفعة صراحتها، لكن الذي اعتمده السبكي والأذرعي أنها كناية "ويشترط القبول" لفظا متصلا نظير ما مر في البيع ومن ثم اشترط في الصيغة هنا ما مر فيها ثم إلا عدم التأقيت "وتصح بإشارة أخرس وبكتابة مع النية ولو من ناطق دون تفصيل الأعمال" فلا يشترط التعرض له في العقد، ولو بغير لفظ المساقاة على الأوجه؛ لأن المحكم فيها العرف كما قال "ويحتمل المطلق في كل ناحية على العرف الغالب" لأنه يحكم في مثل ذلك هذا إن كان عرف غالب وعرفاه وإلا وجب التفصيل جزما. "وعلى العامل" بنفسه أو نائبه عمل "ما يحتاج إليه لصلاح الثمر واستزادته مما يتكرر كل سنة كسقي" إن لم يشرب بعروقه وتوابعه كإصلاح طرق الماء وإدارة الدولاب وفتح رأس الساقية أي القناة وسدها عند السقي.
تنبيه: قد يقال جعل ما ذكر توابع للسقي يحيل حقيقته وجوابه أنه أريد به إيصال الماء وبتوابعه ما يحصله فلا إحالة.

 

ج / 2 ص -435-      "وتنقية نهر" أي مجرى الماء من طين وغيره "وإصلاح الأجاجين" وهي الحفر حول النخل "التي يثبت فيها الماء" شبهت بالأجانة التي يغسل فيها "وتلقيح" وهو وضع بعض طلع ذكر على طلع أنثى "وتنحية حشيش" ولو رطبا وإطلاقه عليه لغة وإن كان الأشهر أنه اليابس "وقضبان مضرة" لاقتضاء العرف ذلك وقيدنا ما عليه بالعمل؛ لأنه لا يجب عليه عين أصلا فنحو طلع يلقح به وقوصرة تحفظ العنقود عن الطير على المالك "وتعريش جرت به" أي التعريش "عادة" في ذلك المحل ليمتد الكرم عليه ووضع حشيش على العناقيد صونا لها عن الشمس عند الحاجة "وكذا حفظ الثمر" على النخل وفي الجرين من نحو سارق وطير فإن لم يتحفظ به لكثرة السراق أو كبر لبستان فالمؤنة عليه كما اقتضاه إطلاقهم، لكن قال الأذرعي الذي يقوي أنه لا يلزمه أن يكري عليه من ماله بل على المالك معونته عليه "وجذاذه" أي قطعه "وتجفيفه في الأصح" لأن الصلاح يحصل بهما نعم الذي في الروضة وأصلها تقييد وجوب التخفيف بما إذا اعتيد أو شرطاه لكنه معترض بأن الوجه ما أطلقه المتن من وجوبه مطلقا إذ مقابل الأصح لا يتأتى إلا عند انتفاء العادة والشرط إذ لا يسعه مخالفتهما، وإذا وجب إصلاح موضعه وتهيئته ونقل الثمرة إليه وتقليبها في الشمس وما عليه يصح استئجاره المالك له، ولو فعل ما على المالك بإذنه استحق عليه الأجرة تنزيلا له منزلة قوله لغيره اقض ديني وبه فارق قوله له اغسل ثوبي وظاهر كلامهم أن ما ذكروا أنه على العامل أو المالك من غير تعويل فيه على عادة لا يلتفت فيه إلى عادة مخالفة له وهو ظاهر بناء على أن العرف الطارئ لا يعمل به إذا خالف عرفا سبقه وهو ما دل عليه كلام الزركشي في قواعده بل كلامهم في الوصية والأيمان وغيرهما صريح فيه فبحث أن ما ذكروه على العامل لو اعتيد منه شيء على المالك لزمه غير صحيح، ولو ترك العامل بعض ما عليه نقص من حصته بقدره كما في الجعالة. "وما قصد به حفظ الأصل ولا يتكرر كل سنة كبناء الحيطان" ونصب نحو باب ودولاب وفأس ومعول ومنجل وبقرة تحرث أو تدير الدولاب واستشكل باتباع العرف في نحو خيط الخياطة في الإجارة وفرق بأن هذا به قوام الصنعة حالا ودواما والطلع نفعه انعقاد الثمرة حالا ثم يستغنى عنه بعد ويبطله جعلهم ثم الطلع كالخيط والذي يتجه أن العرف هنا لم ينضبط فعمل فيه بأصل أن العين على المالك وثم قد ينضبط، وقد يضطرب فعمل به في الأول ووجب البيان في الثاني "وحفر نهر جديد فعلى المالك" لأنه المتعارض فيه وصححا في سد الثلم اتباع العرف وكذا وضع الشوك على رأس الجدار وبحث غير واحد أن العامل لو ترك ما عليه حتى فسدت الأشجار ضمن وأبو زرعة أنهما لو اختلفا أثناء المدة في إتيان العامل بما لزمه فإن بقي من أعمالها ما يمكن تداركه صدق المالك وألزم العامل بالعمل؛ لأن الأصل عدمه ويمكنه إقامة البينة وإن لم يبق شيء ولا أمكن تداركه صدق العامل لتضمن دعوى المالك انفساخها والأصل عدمه. "والمساقاة لازمة" من الجانبين قبل العمل وبعده؛ لأن عملها في أعيان باقية بحالها فأشبهت الإجارة دون القراض فيلزمه إتمام الأعمال وإن تلفت الثمرة كلها بآفة ونحو غصب كما يلزم عامل القراض

 

ج / 2 ص -436-      التنضيض مع عدم الربح "فلو هرب العامل" أو مرض أو حبس "قبل الفراغ من العمل" ولو قبل الشروع فيه "وأتمه المالك متبرعا" بالعمل أو بمؤنته عن العامل "بقي استحقاق العامل" لما شرط له كما لو تبرع أجنبي بذلك والتبرع عنه مع حضوره كذلك وبحث السبكي أنه لو عمل في مال نفسه لا تبرعا عنه أو عمل الأجنبي عن المالك لا العامل لم يستحق العامل شيئا كالجعالة وهو ظاهر ولا نظر لجواز تلك ولزوم هذه فإن قلت يمكن الفرق؛ لأن الأعمال صارت كالدين عليه كما يعلم من استئجار الحاكم عنه وغيره مما يأتي فالعمل في حصته كقضاء دينه وهو يقع عنه وإن لم يقصد وقوعه عنه قلت ممنوع؛ لأن قصده المالك صرف له عن جهة العامل فهو كالأداء للدائن بقصد التبرع عليه "وإلا" يتبرع أحد بإتمامه ورفع الأمر للحاكم ولم يكن له ضامن فيما لزمه من أعمال المساقاة أو كان ولم يمكن التخلص منه "استأجر الحاكم عليه من يتمه" بعد ثبوت المساقاة والهرب مثلا وتعذر إحضاره عنده؛ لأنه واجب عليه "قوله حتى ما سبق" هكذا بالنسخ التي بأيدينا ولعله ينافي ما سبق فناب عنه فيه، ولو امتنع وهو حاضر فكذلك يستأجر من مالك إن وجد ولو من نصيبه إذا كان بعد بدو الصلاح أو من يرضى بأجرة مؤجلة إن وجده فإن تعذر ذلك افترض عليه من المالك أو غيره ويوفي من نصيبه من الثمرة فإن تعذر افتراضه عمل المالك بنفسه وللمالك فعل ما ذكر بإذن الحاكم على ما رجحه ابن الرفعة، لكن قيده السبكي بما إذا قدر له الحاكم الأجرة وعين الأجير وإلا لم يجز هذا كله إن كانت المساقاة على الذمة فإن كانت على العين فقضية قولهما ليس له أن يستنيب غيره فإن فعل انفسخت بتركه العمل والثمر كله للمالك أنه لا يستأجر عنه مطلقا قاله الأذرعي وقال السبكي والنشائي وصاحب المعين لا يستأجر عنه قطعا، ولكن يتخير المالك بين الفسخ والصبر "وإن لم يقدر" المالك "على الحاكم" بأن كان فوق مسافة العدو أو حاضرا و لم يجبه لما التمسه أو أجابه إليه لكن بمال يعطيه له وإن قل كما هو ظاهر "فليشهد على الإنفاق" أي لمن استأجره وأنه إنما يبذل بشرط الرجوع أو على العامل إن عمل بنفسه وإنه إنما يعمل بشرط الرجوع "إن أراد الرجوع" تنزيلا للإشهاد حينئذ منزلة الحكم ويصدق حينئذ المالك في قدر ما أنفقه كما رجحه السبكي واعترض بأن كلامهما في هرب الجمال صريح في تصديق العامل؛ لأن المالك مقصر بعد الإشهاد على عين ما أنفقه مع كونه غير مستند لائتمان من جهة الحاكم أما إذا لم يشهد كما ذكرنا فلا يرجع لظهور أنه متبرع فإن تعذر الإشهاد لم يرجع أيضا؛ لأنه عذر نادر فإن عجز حينئذ عن العمل والإنفاق ولم تظهر الثمرة فله الفسخ وللعامل أجرة عمله وإن ظهرت فلا فسخ وهي لهما. "ولو مات" العامل قبل العمل "وخلف تركة أتم الوارث العمل منها" كسائر ديون مورثه "وله أن يتم العمل بنفسه أو بماله" ولا يجبر على الوفاء من عين التركة وعلى المالك تمكينه إن كان أمينا عارفا بالعمل فإن امتنع بالكلية استأجر الحاكم عليه أما إذا لم يخلف تركة فللوارث العمل ولا يلزمه هذا كله إن كانت على الذمة وإلا انفسخت بموته كالأجير المعين ولا تنفسخ بموت المالك مطلقا فيستمر العامل ويأخذ نصيبه "ولو ثبتت خيانة عامل" بإقراره أو

 

ج / 2 ص -437-      ببينة أو يمين مردودة "ضم إليه مشرف" ولا تزال يده؛ لأن العمل حق عليه ويمكن استيفاؤه منه بهذا الطريق فتعين جمعا بين الحقين وأجرة المشرف عليه فإن ضم إليه لريبة فقط فأجرته على المالك "فإن لم يتحفظ" العامل "به" أي المشرف على الخيانة "استؤجر من ماله عامل" لتعذر الاستيفاء منه هذا إن كان العامل في الذمة وإلا تخير المالك على الأوجه نظير ما مر آنفا "ولو خرج الثمر مستحقا" لغير المساقي "فللعامل" الجاهل بالحال "على المساقي أجرة المثل" لأنه فوت منافعه بعوض فاسد فرجع ببدلها كما لو استأجر رجلا للعمل في مغصوب فعمل جاهلا أما العالم فلا شيء له قطعا.