تحفة المحتاج بشرح المنهاج ط العلمية

ج / 3 ص -15-          كتاب اللقيط
فعيل بمعنى مفعول ويقال له منبوذ ودعي وهو شرعا طفل ينبذ بنحو شارع لا يعرف له مدع فهو من مجاز الأول وذكر اللقط للغالب إذ الأصح أن المميز والبالغ المجنون يلتقطان لاحتياجهما إلى التعهد والأصل فيه قوله تعالى:
{وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً} [المائدة: 32] وقوله تعالى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} [الحج: 77] وأركانه لقيط ولاقط ولقط وستعلم من كلامه.
"التقاط المنبوذ" أي المطروح والتعبير به للغالب أيضا كما علم "فرض كفاية" صيانة للنفس المحترمة عن الهلاك هذا إن علم به جمع ولو مترتبا على المعتمد وإلا ففرض عين وفارق ما مر في اللقطة بأن المغلب فيها معنى الاكتساب المجبول على حبه النفوس كالوطء في النكاح "ويجب الإشهاد عليه" أي الالتقاط وإن كان الملتقط مشهور العدالة "في الأصح" لئلا يسترق ويضيع نسبه المبني على الاحتياط له أكثر من المال ووجوبه على ما معه المنصوص عليه في المختصر وقع بطريق التبع له فلا ينافي ما مر في اللقطة ومتى ترك الإشهاد لم تثبت له ولاية الحضانة إلا إن تاب وأشهد فيكون التقاطا جديدا من حينئذ كما بحثه السبكي مصرحا بأن ترك الإشهاد فسق نعم قال الماوردي وغيره متى سلمه له الحاكم سن ولا يجب; لأن تسليمه حكم يغني عنه انتهى وإنما يتأتى هذا التعليل على الضعيف أن تصرف الحاكم حكم مطلقا فالوجه تعليله بأن تسليم الحاكم فيه معنى الإشهاد فأغنى عنه ويجوز التقاط الصبي المميز; لأن فيه حفظا له وقياما بتربيته بل لو خشي ضياعه لم يبعد وجوب التقاطه ويجب رد من له كافل كوصي وقاض وملتقط لكافله "وإنما تثبت ولاية الالتقاط لمكلف حر" ولو فقيرا; لأن طلبه لقوته لا يشغله "مسلم" إن حكم بإسلام اللقيط بالدار وإلا فللكافر العدل في دينه التقاطه وبحث ابن الرفعة جواز التقاط اليهودي للنصراني وعكسه كالتوارث وخالفه الأذرعي بناء على الأصح أنه لا يقر على انتقاله لدين ملتقطه اللازم من تمكينه من التقاطه وفيه نظر; لأن الممتنع الانتقال الاختياري على أنه قد يخير بين الدينين كما يأتي قبيل نكاح المشرك "عدل" ظاهرا فيشمل المستور وسيصرح بأهليته لكن يوكل القاضي به من يراقبه خفية لئلا يتأذى فإذا وثق به صار كمعلوم العدالة "رشيد" ولو أنثى كما هو شأن سائر الولايات على الغير وقضية كلامه وجود العدالة مع عدم الرشد ولا ينافيه خلافا لمن ظنه اشتراطهم في قبول الشهادة السلامة من الحجر; لأن العدالة السلامة من الفسق وإن لم تقبل معها الشهادة والسفيه قد لا يفسق وبحث الأذرعي اعتبار البصر وعدم نحو برص إذا كان الملتقط يتعاهده بنفسه كما في الحاضنة
"ولو التقط عبد" أي قن ولو مكاتبا ومبعضا ولو في نوبته كما رجحه الأذرعي وغيره "بغير إذن سيده انتزع" اللقيط منه; لأنه ولاية وتبرع وليس من أهلهما "فإن علمه" أي التقاطه "فأقره عنده

 

ج / 3 ص -16-          أو التقط" غير المكاتب "بإذن سيده" كأن قال له خذه وإن لم يقل لي فيما يظهر خلافا لما يوهمه كلام شارح وشرط قوله ذلك له وهو غائب عنه عدالة القن ورشده فيما يظهر "فالسيد الملتقط" والعبد نائبه في الأخذ والتربية بخلاف المكاتب لا يكون نائبا عنه عند أمره بمطلق الالتقاط لاستقلاله ولا لاقطا; لأنه غير حر فينزع منه ولا يكون السيد لاقطا إلا إن قال له التقط لي ولو أذن لمبعض ولا مهايأة أو وثم مهايأة وهو في نوبة السيد فكان أو في نوبة المبعض فباطل على الأوجه ما لم يقل له عني كما هو ظاهر فيكون نائبه "ولو التقط صبي" أو مجنون "أو فاسق أو محجور عليه" بسفه ولو كافرا لقيطا "أو كافر مسلما انتزع" أي انتزعه الحاكم منه وجوبا لانتفاء أهليتهم وظاهر تخصيصهم الانتزاع بالحاكم أنه لو أخذه أهل من واحد ممن ذكر لم يقر وعليه فيفرق بين هذا وأخذه ابتداء بأنه هنا وجدت يد والنظر فيها حيث وجدت إنما هو للحاكم بخلاف ما إذا لم توجد فإنه في حكم المباح فإذا تأهل آخذه لم يعارض أما المحكوم بكفره بالدار فيقر بيد الكافر كما مر "ولو ازدحم اثنان على أخذه" فأراده كل وهما أهل "جعله الحاكم عند من يراه منهما أو من غيرهما" إذ لا حق لهما قبل أخذه فلزمه فعل الأحظ له "وإن سبق واحد فالتقطه منع الآخر من مزاحمته" للخبر السابق من سبق إلى ما لم يسبق إليه فهو أحق به أما لو لم يلتقطه فلا حق له وإن وقف على رأسه ويتردد النظر فيما لو سبق بوضع يده على بدنه أو بجره على الأرض من غير أخذ له هل يثبت به حق أو لا وظاهر تعبيرهم بالأخذ يقتضي الثاني لكن الذي يتجه في الجر أنه كالأخذ; لأن المدار على الاستيلاء وهو يحصل بالجر لا مجرد وضع اليد من غير أخذ "وإن التقطاه معا وهما أهل" لحفظه وحفظ ماله "فالأصح أنه يقدم غني" ويظهر ضبطه بغني الزكاة بدليل مقابلته بالفقير "على فقير"; لأنه أرفق به غالبا وقد يواسيه بماله وبقولي غالبا اندفع ما للأذرعي وغيره ولا عبرة بتفاوتهم في الغنى إلا إن تميز أحدهما بنحو سخاء وحسن خلق على ما بحث ويقدم مقيم على ظاعن أي لمحل يمنع من نقله إليه وإلا استويا كذا قالوه ونازع فيه الأذرعي وغيره "وعدل" ولو فقيرا باطنا "على مستور" احتياط للقيط ولا يقدم مسلم على كافر في محكوم بكفره ولا امرأة على رجل وإن كانت أصبر منه على التربية قال الأذرعي بحثا إلا مرضعة في رضيع وبحثه تقديم بصير على أعمى وسليم على مجذوم أو أبرص ينافيه ما مر عنه أنه لا حق لهما بقيده فعلى أن لهما حقا يتجه ما قاله "فإن استويا" في الصفات المعتبرة وتشاحا "أقرع" بينهما إذ لا مرجح ولعدم ميله إليهما طبعا لم يخير المميز بينهما واجتماعهما مشق كالمهايأة بينهما وليس للقارع ترك حقه كالمنفرد بخلافه قبل القرعة،"وإذا وجد بلدي لقيطا ببلد" أو قرية "فليس له نقله" ولو لغير نقلة كما نقلاه وأقراه وإن اعترضا "إلى بادية" لخشونة عيشها وفوات أدب الدين والدنيا ومن ثم لو قربت البادية من البلد أو القرية بحيث يحصل ذلك منها أي بلا كبير مشقة فيما يظهر لم يمنع ولو وجده ببلد لم ينقله لقرية وإن كانت أقل فسادا وقيل يراعى فينقله إليها لا منها والبادية خلاف الحاضرة وهي العمارة فإن قلت فقرية أو كثرت فبلد أو عظمت فمدينة أو كانت ذات زرع وخصب فريف "والأصح أن

 

ج / 3 ص -17-          له نقله" من بلد وجد فيه "إلى بلد آخر" ولو للنقلة لعدم المحذور السابق لكن يشترط تواصل الأخبار وأمن الطريق وإلا امتنع ولو لدون مسافة القصر "و" الأصح "أن للغريب إذا التقط ببلد أن ينقله إلى بلدة" بالشرطين المذكورين فيما يظهر لما مر وحيث منع نزع من يده لئلا يسافر به بغتة ومن ثم بحث الأذرعي أنه لو التزم الإقامة ووثق منه بها أقر بيده وهذه مغايرة للتي قبلها خلافا لمن زعم اتحادهما لإفادة هذه أنه غريب بأحدهما فقط. وصدق الأولى بما لو كان مقيما بهما أو بأحدهما أو غريبا عنهما نعم لو قال أولا ولو غريبا أفاد ذلك مع الاختصار "وإن وجده" بلدي "ببادية آمنة فله نقله إلى بلد" وإلى قرية; لأنه أرفق به أما غير آمنة فيجب نقله إلى مأمن ولو مقصده وإن بعد "وإن وجده بدوي" وهو ساكن البدو "ببلد فكالحضري" فإن أقام به فذاك وإلا لم ينقله لأدون من محل وجوده ولو محلة من بلد اختلفت محلاتها فيما يظهر بل لمثله أو أعلى بالشرطين السابقين "أو" وجده بدوي "ببادية أقر بيده" لكن يلزمه نقله من غير آمنة إليها "وقيل إن كانوا ينتقلون للنجعة" بضم فسكون أي لطلب الرعي أو غيره. "لم يقر" بيده; لأن فيه تضييعا لنسبه والأصح أنه يقر; لأن أطراف البادية كمحال البلد الواسعة والظاهر أنه من أهلها فيكون احتمال ظهور نسبه فيها أقرب من البلدة وعلم مما تقرر أن له نقله من بلد أو قرية أو بادية لمثله ولأعلى منه لا لدونه وأن شرط جواز النقل مطلقا أمن الطريق والمقصد وتواصل الأخبار واختبار أمانة اللاقط "ونفقته في ماله" كغيره "العام كوقف على اللقطاء" وموصى به لهم لا يقال كيف صح الوقف عليهم مع عدم تحقق وجودهم; لأنا نقول الجهة لا يشترط فيها تحقق الوجود بل يكفي إمكانه كما دل عليه كلامهم في الوقف ثم رأيت الزركشي صرح بذلك وإضافة المال العام إليه تجوز; لأنه حقيقة للجهة العامة وليس ملكه ولا يصرف له من وقف الفقراء; لأن وصف الفقر لم يتحقق فيه قال السبكي وخالفه الأذرعي اكتفاء بظاهر الحال أنه فقير "أو الخاص وهو ما اختص به كثياب ملفوفة عليه" فملبوسة له التي بأصله أولى "ومفروشة تحته" ومغطى بها ودابة عنانها بيده أو مشدودة بنحو وسطه "وما في جيبه من دراهم وغيرها ومهده" الذي هو فيه.
"ودنانير منثورة فوقه وتحته" إجماعا; لأن له يدا واختصاصا وقضية المتن التخيير في ذلك واعترض بأن الأوجه أنه يقدم الخاص أولا "وإن وجده" وحده "في دار" لا تعلم لغيره أو حانوت أو بستان أو خيمة كذلك وكذا قرية كما ذكره الماوردي وغيره لكن استبعد ذلك في الروضة ثم بحث أنها ليست كذلك. "فهي" وما فيها "له" لليد فإن وجد بها غيره منبوذ أو كامل فهي لهما أو لهم بحسب الرءوس ويتردد النظر فيما لو وجد على عتبة الدار لكنه في هوائها; لأنه لا يسمى فيها عرفا سيما إن كان بابها مقفولا بخلاف وجوده بسطحها الذي لا مصعد له منها; لأن هذا يسمى فيها عرفا "وليس له مال مدفون تحته" بمحل لم يحكم بملكه له ككبير جلس على أرض تحتها دفين وإن كان به ورقة معلقة به أنه له نعم بحث الأذرعي أنه لو اتصل خيط بالدفين وربط بنحو ثوبه قضي له به لا سيما إن انضمت الرقعة إليه "وكذا ثياب" ودواب "وأمتعة موضوعة بقربه" في غير ملكه إن لم

 

ج / 3 ص -18-          تكن تحت يده "في الأصح" كما لو بعدت عنه وفارق البالغ حيث حكم له بأمتعة موضوعة بقربه عرفا بأن له رعاية أما ما بملكه فهو له قطعا "فإن لم يعرف له مال" خاص ولا عام "فالأظهر أنه ينفق عليه" ولو محكوما بكفره; لأن فيه مصلحة للمسلمين إذا بلغ بالجزية "من بيت المال" من سهم المصالح مجانا كما أجمع عليه الصحابة "فإن لم يكن" في بيت المال شيء أو كان ثم ما هو أهم منه أو منع متوليه ظلما اقترض عليه الحاكم إن رآه وإلا "قام المسلمون" أي مياسيرهم ويظهر ضبطهم بمن يأتي في نفقة الزوجة. فلا تعتبر قدرته بالكسب "بكفايته" وجوبا "قرضا" بالقاف أي على جهته كما يلزمهم إطعام المضطر بالعوض "وفي قول نفقة" فلا يرجعون بها لعجزه ويؤيده ما يأتي أوائل السير أنهم ينفقون المحتاج من غير رجوع وعلى الأول يفرق بأن ذاك تحققت حاجته فوجبت مواساته وهذا لم تتحقق فاحتيط لمال الغير ويؤيده ما مر آنفا عن السبكي فإن امتنعوا كلهم قاتلهم الإمام ويفرق بين كونها هنا قرضا وفي بيت المال مجانا بأن وضع بيت المال الإنفاق على المحتاجين ولو حالا فلهم فيه حق مؤكد دون مال المياسير وإذا لزمتهم وزعها الإمام على مياسير بلده فإن شق فعلى من يراه الإمام منهم فإن استووا في نظره تخير ثم إن بان قنا رجعوا على سيده أو حرا وله مال ولو من كسبه أو قريب أو حدث في بيت المال مال قبل بلوغه ويساره فعليه وإلا فمن سهم الفقراء أو المساكين أو الغارمين وضعف في الروضة ما ذكر في القريب بأن نفقته تسقط بمضي الزمان ورد بأنه المنقول بل المقطوع به ووجهه أنها صارت دينا بالاقتراض "وللملتقط الاستقلال بحفظ ماله في الأصح"; لأنه يستقل بحفظ المالك فماله أولى وبحث الأذرعي تقييده بعدل يجوز إيداع مال اليتيم عنده ومع استقلاله بحفظه لا يخاصم من ادعاه وللقاضي نزعه منه وتسليمه لأمين غيره يباشر الإنفاق عليه بالمعروف اللائق به أو يسلمه للملتقط يوما بيوم "ولا ينفق عليه منه إلا بإذن القاضي قطعا" أي على الأصح ومقابله; لأن ولاية التصرف في المال لا تثبت إلا لأصل أو وصي أو حاكم أو أمينه فإن أنفق بغير إذنه ضمن أي إن أمكنت مراجعته وإلا أنفق وأشهد ولا يضمن حينئذ.

فصل في الحكم بإسلام اللقيط وغيره وكفرهما بالتبعية
"إذا وجد لقيط بدار الإسلام" ومنها ما علم أنه مسكن المسلمين ولو في زمن قديم فغلب عليه الكفار كقرطبة نظرا لاستيلائنا القديم لكن نقل الرافعي عن بعض المتأخرين أن محله إن لم يمنعونا منها وإلا فهي دار كفر وأجاب عنه السبكي بأنه يصح أن يقال إنها صارت دار كفر صورة لا حكما ويأتي ذلك مع زيادة في الأمان "و" إن كان "فيها أهل ذمة" أو عهد "أو بدار فتحوها" أي المسلمون "وأقروها بيد كفار صلحا" أي على وجهه وإن لم يملكوها "أو" وجد بدار أقروها بيدهم "بعد ملكها بجزية وفيها" أي الدار في المسائل الثلاث حتى الأولى كما قاله الدارمي وإن نظر فيه غيره والأخيرتان دارا إسلام كما قالاه خلافا لما قد يتوهم من المتن وإن نظر السبكي في الثانية "مسلم" يمكن كونه منه

 

ج / 3 ص -19-          ولو مجتازا "حكم بإسلام اللقيط" تغليبا لدار الإسلام لخبر أحمد وغيره "الإسلام يعلو ولا يعلى عليه" قال الماوردي وحيث لا ذمي ثم فمسلم باطنا أيضا وإلا فظاهرا فقط. أما إذا لم يكن ثم مسلم يمكن كونه منه فهو كافر واكتفى هنا بالمجتاز تغليبا لحرمة دارنا بخلافه في قوله "وإن وجد بدار كفار فكافر إن لم يسكنها مسلم" ولا عبرة باجتيازه فيها "وإن سكنها مسلم" يمكن كونه منه "كأسير" منتشر "وتاجر فمسلم في الأصح" تغليبا للإسلام فإن نفاه ذلك المسلم قبل في نسبه دون إسلامه وبحث الأذرعي أن المراد بالسكنى هنا ما يقطع حكم السفر قال بل ينبغي الاكتفاء بلبث يمكن فيه الوقاع وأن ذلك الولد منه بخلاف من ولد بعد طروقه بنحو شهر لاستحالة كونه منه قال وقضية إطلاقهم أنه لو كان بمصر عظيم بدار حرب ووجد فيه كل يوم ألف لقيط مثلا حكم بإسلامهم وهذا إن كان لأجل تبعية الإسلام كالسابي فذاك أو لإمكان كونه منه ولو على بعد وهو الظاهر ففيه نظر ولا سيما إذا كان المسلم الموجود امرأة انتهى وأنت خبير من اكتفائهم في دارنا بالمجتاز وفي دارهم بالسكنى أنه لا يكتفى في دارهم إلا بالإمكان القريب عادة وحينئذ فمتى أمكن كونه منه إمكانا قريبا عادة فمسلم وإلا فلا وهذا أوجه مما ذكره الأذرعي فتأمله. ويفرق بين الدارين بأن شرف الأولى اقتضى الاكتفاء فيها بالإمكان وإن بعد فدخل المجتاز بخلاف الثانية فاشترط فيها قرب الإمكان وهو إنما يوجد عند السكنى لا الاجتياز "ومن حكم بإسلامه بالدار" كان حيث لا ذمي ثم مسلما باطنا أيضا كما مر فإذا بلغ وأفصح بالكفر كان مرتدا وحيث ثم ذمي مسلما ظاهرا فقط فإذا بلغ وأفصح بالكفر فكافر أصلي لضعف الدار والتعبير بذمي هنا وفيما مر هو ما وقع في كلام شارح والظاهر أنه مثال وعن جد شارح التعجيز بأنه لو وجد ببرية فمسلم وخصه غيره بما إذا كانت بدارنا أو لا يد لأحد عليها ومن حكم بإسلامه بالدار "فأقام ذمي" أو حربي "بينة بنسبه لحقه"; لأنه كالمسلم في النسب "وتبعه في الكفر" وارتفع ما ظنناه من إسلامه; لأن الدار حكم باليد والبينة أقوى من مجرد يد وتصور علوقه من مسلمة بوطء شبهة نادر لا يعول عليه مع البينة وشملت البينة محض النسوة وخرج بها إلحاق القائف وقد حكى الدارمي فيها وجهين والذي يتجه اعتبار إلحاقه; لأنه حكم فهو كالبينة بل أقوى وفي النسوة أنه إن ثبت بهن النسب تبعه في الكفر وإلا فلا "وإن اقتصر" الكافر "على الدعوى" بأنه ابنه ولا حجة له "فالمذهب أنه لا يتبعه في الكفر" وإن لحقه نسبه; لأن الحكم بإسلامه لا يغير بمجرد دعوى كافر مع إمكان تلك الشبهة النادرة ومحل ذلك إن لم يصدر منه نحو صلاة وإلا لم يغير عن حكم الإسلام قطعا ويحال بينهما وجوبا وكذا ندبا إن قلنا يتبعه في الكفر كمميز أسلم.
"تنبيه" مقتضى حكمهم بإسلام اللقيط تارة وكفره أخرى أن لقاض رفع إليه أمر لقيط الحكم بكفره فيما نصوا على كفره فيه وهو ظاهر وأما ما قيل لا يجوز لقاض أن يحكم بكفر أحد فإن فعل كفر; لأن الحكم بالكفر رضا به انتهى فهو غلط قبيح إذ يلزم عليه أن لا يحكم بردة أحد ولا بكفر لقيط وهو فاسد وأفسد منه ما علل به; لأن الحكم بالكفر ليس

 

ج / 3 ص -20-          معناه إلا الحكم بآثاره المترتبة عليه فلا رضا به قطعا ويلزمه أن لا يحكم بنحو زنا; لأنه رضا به نعم له إذا أسلم مميز أن يحكم بعدم صحة إسلامه إذا احتيج إليه لا بكفره إلا بالنسبة للأحكام الدنيوية وكذا يقال في أطفال الكفار; لأنهم في الجنة فلا يطلق الحكم بكفرهم.
 "ويحكم بإسلام الصبي بجهتين أخريين لا يفرضان في لقيط" وإنما ذكر في بابه استطرادا "إحداهما الولادة فإذا كان أحد أبويه مسلما وقت العلوق" وإن علا ولو أنثى غير وارثة أو قنا قبل الظفر به أو بعده كما يأتي بسطه في السير وإن حدث الولد بعد موته على الأوجه من تردد فيه ولو مع وجود حي أقرب منه بشرط نسبته إليه نسبة تقتضي التوارث ولو بالرحم فلا يرد آدم أبو البشر صلى الله على نبينا وعليه وسلم "فهو مسلم" إجماعا وإن ارتد بعد العلوق "فإن بلغ ووصف كفرا" أي أعرب به عن نفسه كما بأصله "فمرتد"; لأنه مسلم ظاهرا وباطنا "ولو علق بين كافرين ثم أسلم أحدهما" وإن علا كما ذكر قبل بلوغه ولو بعد تمييزه "حكم بإسلامه" إجماعا في إسلام الأب ولخبر "الإسلام يعلو ولا يعلى عليه" ولو أمكن احتلامه فادعاه قبل إسلام أصله فظاهر إطلاقهم قبول قوله فيه لزمن إمكانه قبوله هنا فلا يحكم بإسلامه. وبحث أبي زرعة عدم قبوله إلا إن نبت شعر عانته الخشن فيه نظر ظاهر اللهم إلا أن يقال الاحتياط للإسلام يلغى قوله المانع له لاحتمال كذبه فيه والأصل بقاء الصغر وقد سئلت عن يهودي أسلم ثم وجد بنته مزوجة فادعى صباها لتتبعه وادعت البلوغ هي وزوجها فأفتيت بأنه يصدق أما في دعوى الاحتلام فلما تقرر أن الاحتياط للإسلام اقتضى مخالفة القاعدة من تصديق مدعي البلوغ بالاحتلام وأما في دعوى السن أو الحيض فبالأولى لإمكان الاطلاع عليهما فكلف مدعي أحدهما البينة وقد صرحوا بأنه لو باع أو كاتب أو قتل ثم ادعى صبا يمكن صدق بخلاف ما لو زوج; لأن النكاح يحتاط له ويجري بين الناس فكون الولي صبيا بعيد جدا فلم يلتفت إليه وإن أمكن والمجنون المحكوم بكفره يلحق أحد أبويه إذا أسلم كالصبي "فإن بلغ ووصف كفرا فمرتد" لسبق الحكم بإسلامه ظاهرا وباطنا "وفي قول" هو "كافر أصلي"; لأن تبعيته أزالت الحكم بكفره وقد زالت باستقلاله فعاد لما كان عليه أولا وبني عليه أنه يلزمه التلفظ بالإسلام بعد البلوغ بخلافه على الأول ومن ثم لو مات قبل التلفظ جهز كمسلم بل قال الإمام وصوبه في الروضة هو كذلك على الثاني أيضا; لأن هذه الأمور مبنية على الظواهر. وظاهره الإسلام انتهى وكأنهم لم ينظروا لوجوب التلفظ عليه على الثاني; لأن تركه يوجب الإثم لا الكفر كما هو ظاهر وقول الأحياء كالحليمي المسلم بإسلام أحد أبويه لا يغني عنه إسلامه شيئا ما لم يسلم بنفسه إما غريب بل سبق قلم على ما قاله الأذرعي أو مفرع على وجوب التلفظ ولو تلفظ ثم ارتد فمرتد قطعا ولا ينقض ما جرى عليه من أحكام الإسلام قبل ردته على الأصح الجهة.
"الثانية إذا سبى مسلم" ولو صبيا مجنونا وإن كان معه كافر كامل "طفلا" أو مجنونا والمراد الجنس ليشمل ذكر كل وأنثاه المتحد والمتعدد "تبع السابي في الإسلام" ظاهرا وباطنا "إن لم يكن معه أحد أبويه" إجماعا خلافا لمن شذ; ولأنه صار تحت ولايته

 

ج / 3 ص -21-          كالأبوين وقضية الحكم بإسلامه باطنا أنه لو بلغ ووصف الكفر كان مرتدا وهو متجه خلافا لما يوهمه كلام شارح أنه كافر أصلي ثم رأيتهم صرحوا بما ذكرته أما إذا كان معه أحدهما وإن علا فيما يظهر ثم رأيت الأذرعي أشار إليه بأن كانا في جيش واحد وغنيمة واحدة وإن لم يتحد المالك وقد سبيا معا أو تقدم الأصل فيما يظهر خلافا لمن أطلق عن تعليق القاضي أنه إذا سبق سبي أحدهما سبي الآخر تبع السابي فلا يحكم بإسلامه; لأن تبعيتهما أقوى من تبعية السابي وإن ماتا بعد; لأن التبعية إنما تثبت في ابتداء السبي. "ولو سباه ذمي" قال الإمام قاطن ببلادنا والبغوي ودخل به دارنا والدارمي وسباه في جيشنا وكل إنما هو قيد للخلاف في قولهم "لم يحكم بإسلامه" بل بكونه على دين سابيه لا أبويه "في الأصح"; لأن كونه من أهل دارنا لم يفده كذريته الإسلام فمسبيه أولى ولا يفيده حينئذ إسلام أبويه على ما قاله الحليمي وهو إن صح مقيد لما مر من تبعية الأصول والظاهر أنه ليس كذلك ومن ثم قال السبكي قياسه أنهما لو أسلما بأنفسهما بدارهم أو خرجا إلينا وأسلما لا يحكم بإسلامه لانفراده عنهما قبل ذلك وما أظن الأصحاب يسمحون به انتهى وخرج بسباه في جيشنا نحو سرقته له بأن قلنا يملكه كله فكذلك أو غنيمة وهو الأصح فهو مسلم; لأن بعضه للمسلمين وبحث السبكي ومن تبعه أنه لو أسلم سابيه الذمي أو قهر حربي صغيرا حربيا وملكه ثم أسلم تبعه; لأن له عليه ولاية وملكا وذلك علة الإسلام في السابي المسلم وفي فتاوى البغوي إبداء وجهين في كافر اشترى صغيرا ثم أسلم هل يتبعه والذي يتجه منهما أنه لا يتبعه بل وكذا فيما قبله ولا يلحق بالسبي غيره; لأنه مع كونه أقوى في القهر إنما يؤثر ابتداء فلا يقاس به غيره في الأثناء ثم رأيت الشيخين صرحا بما قدمته أن التبعية إنما تثبت في ابتداء السبي وهو يؤيد ما ذكرته والمستأمن كالذمي "ولا يصح" بالنسبة لأحكام الدنيا "إسلام صبي مميز استقلالا على الصحيح" كغير المميز بجامع عدم التكليف; ولأن نطقه بالشهادتين إما خبر وخبره غير مقبول أو إنشاء فهو كعقوده نعم تسن الحيلولة بينه وبين أبويه لئلا يفتناه وقيل تجب ونقله الإمام عن إجماع الأصحاب وانتصر جمع لصحة إسلامه وقضى به غير واحد ويدل له صحة إسلام علي رضي الله عنه قبل بلوغه ورده أحمد بمنع كونه قبل بلوغه والبيهقي وغيره بأن الأحكام إذ ذاك كانت منوطة بالتمييز إلى عام الخندق وفارق نحو صلاته بأنه لا يتنفل به إما بالنسبة لأحكام الآخرة فيصح ويكون من الفائزين اتفاقا ولا تلازم بين الأحكامين كما فيمن لم تبلغه الدعوة وكأطفال المشركين ولو اشتبه طفل مسلم بطفل كافر وقف أمرهما ولا يجبران على الإسلام بعد البلوغ قاله المصنف وخالفه التاج الفزاري فقال يحكم بإسلامهما ويوقف نسبهما إلى البلوغ.

فصل في بيان حرية اللقيط ورقه واستلحاقه وتوابع لذلك
"إذا لم يقر اللقيط برقه فهو حر" إجماعا وبحث البلقيني تقييده بغير دار حرب لا مسلم فيها ولا ذمي; لأن دار الحرب تقتضي استرقاق النساء والصبيان واعترض بأنها إنما

 

ج / 3 ص -22-          تقتضي استرقاق هؤلاء بالأسر ومجرد اللقط لا يقتضيه وإذا حكم له بالحرية وبالإسلام فقتله حر مسلم أو غيره قتله به الإمام أو عفا على الدية لا مجانا; لأنها لبيت المال وهو لا يجوز له التصرف عما يتعلق به على خلاف المصلحة نعم لو بلغ اللقيط المحكوم بحريته وبإسلامه بالدار ولم يصف الإسلام لم يقتل به الحر على ما نص عليه وصوبه الإسنوي لكن ظاهر الروضة وأصلها خلافه والقياس أن حد قاذفه إن أحصن وقاطع طرفه يجري فيهما ما ذكر في قتله وإن أمكن الفرق بأن القتل يحتاط له أكثر بخلافهما ومن ثم نص على أنه لا يحد قاذفه إلا إن قال اللقيط أنا حر "إلا أن يقيم أحد بينة برقه" فيعمل بها كما يأتي "وإن أقر به" أي الرق وهو المكلف وعن ابن عبد السلام ما يقتضي اعتبار رشده أيضا. وظاهر كلامهم خلافه لشخص "فصدقه" ولو بسكوته عن تكذيبه; لأن فيه تصديقا له "قبل إن لم يسبق إقراره" أي اللقيط ويصح عوده على كل منه ومن المقر له إذ لو أقر إنسان بحريته فأقر اللقيط له به لم يقبل وإن صدقه كما هو واضح "بحرية" كسائر الأقارير بخلاف ما إذا كذبه وإن صدقه بعد أو سبق إقراره بالحرية وهو مكلف; لأنه به التزم أحكام الأحرار المتعلقة بحقوق الله والعباد فلم يقدر على إسقاطها وإنما قبل إقرارها بالرجعة بعد إنكارها; لأن الأصل عدم انقضاء العدة مع تفويض الشرع أمر انقضائها إليها والإقرار بالرق مخالف لأصل الحرية الموافق للإقرار السابق ولا يرد على المتن ما لو أقر به لزيد فكذبه فأقر به لعمرو فصدقه فلا يقبل وإن لم يسبق منه إقرار بحرية; لأن إقراره الأول يتضمن نفي الملك لغيره وقد بطل ملكه برده فصار حر الأصل والحرية يتعذر إسقاطها لما مر ولو أنكر رقه فادعى عليه به وحلف ثم أقر به له فإن كانت صيغة إنكاره لست برقيق لك قبل أو لست برقيق فلا لتضمنه الإقرار بأنه حر الأصل ولو أقر بالرق لمعين ثم بحرية الأصل لم تسمع لكن إن كان حال الإقرار الأول رشيدا على ما مر "والمذهب أنه لا يشترط" في صحة الإقرار بالرق "أن لا يسبق منه تصرف يقتضي نفوذه حرية كبيع ونكاح بل يقبل إقراره في أصل الرق وأحكامه" الماضية المضرة به و "المستقبلة" فيما له كما يقبل إقرار المرأة بالنكاح وإن تضمن ثبوت حق لها وعليه كسائر الأقارير. نعم لو أقرت متزوجة بالرق والزوج ممن لا تحل له الأمة لم ينفسخ نكاحه وتسلم له تسليم الحرائر ويسافر بها بلا إذن وتعتد عدتهن لنحو طلاق وعدة الإماء لموت وولدها قبل إقرارها حر وبعده رقيق وذلك; لأن النكاح كالمقبوض المستوفى ولهذا لا ينفسخ نكاح أمة بطرو نحو يسار "و" في الأحكام "الماضية المضرة بغيره" فلا يقبل إقراره بالنسبة إليها "في الأظهر" كما لا يقبل الإقرار على الغير بدين مثلا وتقبل البينة برقه مطلقا وعلى الأظهر "فلو لزمه دين فأقر برق وفي يده مال قضي منه" ثم إن فضل شيء فللمقر له وإلا اتبع بما بقي بعد عتقه "ولو ادعى رقه من ليس في يده بلا بينة لم يقبل" قطعا; لأن الأصل والظاهر الحرية فلا تترك إلا بحجة بخلاف النسب لما فيه من الاحتياط والمصلحة "وكذا إن ادعاه الملتقط" بلا بينة فلا يقبل "في الأظهر" لما ذكر وبه فارق ما قاس عليه المقابل من دعواه مالا التقطه ولا منازع له إذ ليس في دعواه تغيير صفة للعلم بمملوكيته له أو لغيره ثم

 

ج / 3 ص -23-          يستمر بيده عند المزني. ويجب انتزاعه منها عند الماوردي لخروجه بدعوى رقه عن الأمانة وربما استرقه بعد وأيده الأذرعي بقول العبادي لو ادعى الوصي دينا على الميت أخرجت الوصية عن يده لئلا يأخذها إلا أن يبرأ ونظر الزركشي في تعليل الماوردي بأنه لم يتحقق كذبه حتى يخرج عن الأمانة ويرد بأن اتهامه صيره كغير الأمين; لأن يده صارت مظنة الإضرار باللقيط نعم قياس العبادي أنه لو أشهد أنه حر الأصل بقي بيده "ولو رأينا صغيرا مميزا أو غير مميز" أو مجنونا "في يد من يسترقه" أي يستخدمه مدعيا رقه "ولم يعرف استنادها إلى التقاط حكم له بالرق" إذا ادعاه عملا باليد والتصرف بلا معارض نعم إن كذبه المميز احتاج إلى يمين أنه ملكه "فإن بلغ" الصبي الذي استرقه صغيرا سواء ادعى رقه حينئذ أو بعد البلوغ أو أفاق المجنون "وقال أنا حر لم يقبل قوله في الأصح إلا ببينة" بالحرية; لأنه حكم برقه في صغره أو جنونه فلم يزل إلا بحجة نعم له تحليفه وفارق ما لو رأينا صغيرة بيد من يدعي نكاحها فبلغت وأنكرت فإن على المدعي البينة وكذا لو ادعى عليه حسبة وهي صغيرة بأن اليد دليل الملك في الجملة ويجوز أن يولد وهو مملوك ولا كذلك في النكاح فاحتاج للبينة "ومن أقام بينة" أو حجة أخرى "برقه" بعد الاحتياج إليها لا إن لم يحتج إليها كبينة داخل قبل إشراف يده على الزوال "عمل بها" ولو لخارج غير ملتقط "ويشترط أن تتعرض البينة" أو نحوها في اللقيط "لسبب الملك" من نحو إرث وشراء لئلا يعتمد ظاهر اليد وقضيته أن بينة غير الملتقط لا تحتاج لذلك ويكفي قولها ولو أربع نسوة; لأن شهادتهن بالولادة تثبت الملك كالنسب في الشهادة بالولادة أنه ولد أمته وإن لم تتعرض للملك خلافا لما في تصحيح التنبيه; لأن الغالب أن ولد أمته ملكه "وفي قول يكفي مطلق الملك" كسائر الأموال وفرق الأول بأن اللقيط محكوم بحريته بظاهر الدار فلا يزال ذلك الظاهر إلا عن تحقيق وفي الكفاية أن طريقة الجمهور جريان الخلاف في الملتقط وغيره والمتن محتمل لذلك لكن سياقه يخصه بالملتقط وفرقهم هذا وتعليلهم الذي قضيته ما مر ظاهران فيه "ولو استلحق اللقيط" يعني الصغير ولو غير لقيط "حر مسلم" ذكر ولو غير ملتقط "لحقه" بشروطه السابقة في الإقرار إجماعا وتثبت أحكام النسب من الجانبين ولا يلحق بزوجته إلا ببينة كما يعلم مما يأتي واستحبوا للقاضي أن يقول للملتقط من أين هو ولدك من زوجتك أو أمتك أو شبهة; لأنه قد يظن أن الالتقاط يفيد النسب وقال الزركشي ينبغي وجوبه إن جهل ذلك احتياطا للنسب وسيأتي في الشهادات ما يؤيده أما الكافر فيستلحق من حكم بكفره وكذا من حكم بإسلامه لكن لا يتبعه في الكفر كما مر "وصار أولى بتربيته" من غيره لثبوت أبوته له فأولى ليست على بابها كفلان أحق بماله نعم إن كان كافرا واللقيط مسلما بالدار لم يسلم إليه "وإن استلحقه عبد" بشروطه "لحقه" في النسب دون الرق إلا ببينة عليه; لأنه كالحر في النسب لكن يقر بيد الملتقط وينفق عليه من بيت المال "وفي قول يشترط تصديق سيده"; لأنه يقطع إرثه بفرض عتقه وأجاب الأول بأن هذا لا نظر إليه لصحة استلحاق ابن مع وجود أخ "وإن استلحقته امرأة لم يلحقها في الأصح" لإمكان إقامة البينة

 

ج / 3 ص -24-          بمشاهدة الولادة بخلاف الرجل وإذا أقامتها لحقها ولو أمة ولا يثبت رقه لمولاها ولا يلحق زوجها إلا إن أمكن وشهدت بالولادة على فراشه وحينئذ لا ينتفي عنه إلا باللعان "أو" استلحقه "اثنان لم يقدم مسلم وحر على ذمي" وحربي "وعبد" لصحة استلحاق كل منهم ويد الملتقط لا تصلح للترجيح هنا "فإن" كان لأحدهما بينة سليمة من المعارض عمل بها وإن "لم يكن" لواحد منهما "بينة" أو كان لكل بينة وتعارضتا فإن سبق استلحاق أحدهما ويده عن غير التقاط قدم لثبوت النسب منه معتضدا باليد فهي عاضدة لا مرجحة وإن لم يسبق أحدهما كذلك كأن استلحقه لاقطه ثم ادعاه آخر "عرض على القائف" الآتي قبيل العتق "فيلحق من ألحقه به" لما يأتي ثم ولا يقبل منه بعد إلحاقه بواحد إلحاقه بآخر; لأن الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد ومن ثم لو تعارض قائفان كان الحكم للسابق وتقدم البينة عليه وإن تأخرت كما يقدم هو على مجرد الانتساب; لأنه بمنزلة الحكم فكان أقوى. "فإن لم يكن قائف" بالبلد أو بدون مسافة القصر منه وقيل بالدنيا وقيل بمسافة العدوى "أو" وجد ولكن "تحير أو نفاه عنهما أو ألحقه بهما" وقف الأمر إلى بلوغه و "أمر بالانتساب" قهرا عليه وحبس إن امتنع وقد ظهر له ميل وإلا وقف الأمر على الأوجه "بعد بلوغه إلى من يميل طبعه إليه منهما" لما صح عن عمر رضي الله عنه أنه أمر بذلك ولا يجوز له الانتساب بالتشهي بل لا بد من ميل جبلي كميل القريب لقريبه وشرط فيه الماوردي أن يعرف حالهما ويراهما قبل البلوغ وأن تستقيم طبيعته ويتضح ذكاؤه وأقره ابن الرفعة وأيده الزركشي بقولهم إن الميل بالاجتهاد أي وهو يستدعي تلك المقدمات ولو انتسب لغيرهما وصدقه ثبت نسبه ولم يختر المميز كما يأتي في الحضانة; لأن رجوعه يعمل به ثم لا هنا فقوله ملزم والصبي ليس من أهل الإلزام وينفقانه مدة الانتظار ثم من ثبت له رجع الآخر عليه بما أنفق إن كان بإذن الحاكم ثم بالإشهاد على نية الرجوع ثم بنيته كما يعلم مما مر آخر الإجارة وإلا فهو متبرع ولو تداعاه امرأتان أنفقتا ولا رجوع هنا مطلقا لإمكان القطع بالولادة فأوخذت كل بموجب قولها "ولو أقاما بينتين" على النسب "متعارضتين" كأن اتحد تاريخهما "سقطتا في الأظهر" إذ لا مرجح فيرجع للقائف واليد هنا غير مرجحة خلافا لجمع; لأنها لا تثبت النسب بخلاف الملك.