تحفة المحتاج بشرح المنهاج ط العلمية

ج / 3 ص -25-          كتاب الجعالة
"هي" بتثليث الجيم كالجعل, والجعيلة لغة ما يجعله الإنسان لغيره على شيء بفعله وأصلها قبل الإجماع أحاديث رقية الصحابي وهو أبو سعيد الخدري رضي الله عنه اللديغ بالفاتحة على ثلاثين رأسا من الغنم في الصحيحين وغيرهما واستنبط منها البلقيني وتبعه الزركشي جوازها على ما ينتفع به المريض من دواء أو رقية وعقبت هنا للقيط لأنها طلب لالتقاط الضالة وفي الروضة وغيرها للإجارة لأنها عقد على عمل نعم تفارقها في جوازها على عمل مجهول وصحتها مع غير معين وكونها جائزة وعدم استحقاق العامل تسليم الجعل إلا بعد تسليم العمل فلو شرط تعجيله فسد المسمى ووجبت أجرة المثل فإن سلمه بلا شرط لم يجز تصرفه فيه على الأوجه ويفرق بينه وبين الإجارة بأنه ثم ملكه بالعقد وهنا لا يملكه إلا بالعمل وشرعا الإذن في عمل معين أو مجهول لمعين أو مجهول بمقابل "كقوله" أي مطلق التصرف المختار "من رد آبقي" أو آبق زيد كما سيصرح به "فله كذا" أو رده ولك كذا والأوجه أنه لا يشترط أن يقول علي ولا نيته واحتمل إيهام العامل لأنه قد لا يعرف راغبا في العمل وكقول من حبس ظلما لمن يقدر على خلاصه وإن تعين عليه على المعتمد إن خلصتني فلك كذا بشرط أن يكون في ذلك كلفة تقابل بأجرة عرفا.
وأركانها عمل وجعل وصيغة وعاقد كما علمت مع شروطها من كلامه هنا وفيما يأتي واستفيد من قوله من رد أن الشرط في العامل قدرته على الرد بنفسه إن كان غير معين وبنفسه أو مأذونه إن كان معينا وهذا لا ينافي ما يأتي في التوكيل فتأمله وأنه لا يشترط فيه بقسميه تكليف ولا رشد ولا حرية ولا إذن سيد أو ولي فيصح من صبي ومجنون له نوع تمييز ومحجور سفه وقن على المعتمد من اضطراب للمتأخرين في ذلك ولا يقاس ما هنا بالإجارة; لأنه يغتفر هنا ما لا يغتفر ثم وقضية الحد صحتها في إن حفظت مالي من متعد عليه فلك كذا وهو متجه إن عين له قدر المال وزمن الحفظ وإلا فلا; لأن الظاهر أن المالك يريد الحفظ على الدوام وهذا لا غاية له فلم يبعد فساده بالنسبة للمسمى فتجب له أجرة المثل لما حفظه "و" علم من مثاله الذي دل به على حدها كما تقرر أنه "يشترط" فيها لتتحقق "صيغة" من الناطق الذي لم يرد الكتابة "تدل على العمل" أي الإذن فيه كما بأصله. "بعوض" معلوم مقصود "ملتزم" لأنها معاوضة أما الأخرس فتكفي إشارته المفهمة لذلك وأما الناطق إذا كتب ذلك ونواه فإنه يصح منه "فلو عمل بلا إذن" أو بإذن من غير ذكر عوض أو بعد الإذن لكنه لم يعلم به سواء المعين وقاصد العوض وغيرهما "أو أذن لشخص فعمل غيره فلا شيء له"; لأنه لم يلتزم له عوضا فوقع عمله تبرعا وإن عرف برد الضوال بعوض. نعم رد قن المقول له كرده لأن يده كيده كذا قالاه وقيده السبكي بما إذا أذن له وأيده الأذرعي بقول القاضي فإن رده بنفسه أو بعبده استحق

 

ج / 3 ص -26-          وتنزيلهم فعل قنه منزلة فعله يؤيد الأول وقولهم المذكور لا يخالفه; لأنه لما تنزل فعله كفعله صح أن يقال رده بعبده, وإن لم يأذن له, ولو قال من رد عبدي من سامعي ندائي فرده من علمه ولم يسمعه لم يستحق ولمن سمع النداء العام التوكيل كهو في تملك المباح وكذا الخاص لكن إن لم يحسنه أو لم يلق به أو عجز عنه وعلم به القائل وإلا فلا, وإن طرأ له نحو مرض نظير ما مر في الوكيل فعلم أن من جوعل على الزيارة لا يستنيب فيها إلا إن عذر وعلمه المجاعل حال الجعالة, "ولو قال أجنبي" مطلق التصرف مختار "من رد عبد زيد فله كذا استحقه الراد" العالم به "على الأجنبي"; لأنه التزمه, وإن لم يأت ب "على" على المنقول, وإن نازع فيه السبكي نظرا إلى أن المتبادر منه ذلك واستشكل ابن الرفعة استحقاق الراد بأنه لا يجوز له وضع يده عليه بغير إذن مالكه بل يضمنه وأجيب بفرضه فيما إذا أذن المالك لمن شاء في الرد والتزم الأجنبي الجعل وقد يصور بما إذا ظنه العامل المالك أو عرفه وظن رضاه على أن وضع اليد عليه للرد يرضى به الملاك غالبا وكفى بذلك مجوزا وظاهر أن المراد من الأجنبي غير الوكيل والولي فلو قال ذلك عن موكله أو محجوره والجعل قدر أجرة المثل وجب في مال الموكل والمحجور "وإن قال" الأجنبي "قال زيد من رد عبدي فله كذا وكان كاذبا لم يستحق" الراد "عليه" أي الأجنبي شيئا لعدم التزامه "ولا على زيد" إن كذبه لذلك ولا تقبل شهادة الأجنبي على زيد بذلك; لأنه متهم في ترويج قوله أما إذا صدقه فيلزمه الجعل وقيده الرافعي بما إذا كان الأجنبي ممن يقبل خبره وإلا فكما لو رده غير عالم بإذنه انتهى ويتجه أن محل قوله إلا إلخ ما إذا لم يصدقه العامل وإلا استحق على المالك المصدق; لأن المحذور عدم علم العامل وبتصديقه يصير عالما ولا نظر لاتهامه; لأن علمه وعدمه لا يعلم إلا منه مع قوته بموافقته للمالك "ولا يشترط قبول العامل" لفظا لما دل عليه لفظ الجاعل "وإن عينه" بل يكفي العمل كالوكيل ومن ثم لو رده ثم عمل لم يستحق إلا بإذن جديد.
"تنبيه" في الروضة وأصلها إذا لم يعين العامل لا يتصور قبول العقد وظاهره ينافي المتن وقد يجاب بأن معنى عدم تصور ذلك بعده بالنظر للمخاطبات العادية ومعنى تصوره الذي أفهمه المتن أنه من حيث دلالة اللفظ على كل سامع سامع مطابقة لعمومه صار كل سامع كأنه مخاطب فتصور قبوله ولا تشترط المطابقة فلو قال إن رددت آبقي فلك دينار فقال أرده بنصف دينار استحق الدينار; لأن القبول لا أثر له في الجعالة قاله الإمام واعترض بقولهم في طلقني بألف فقال بمائة طلقت بها كالجعالة وقولهم في اغسل ثوبي وأرضيك فقال لا أريد شيئا يجب له شيء وقد يجاب بأن الطلاق لما توقف على لفظ الزوج أدير الأمر عليه وبأن الأخيرة ليست نظيرة مسألتنا; لأن ما فيها رد للجعل من أصله فأثر بخلاف رد بعضه.
"وتصح" الجعالة "على عمل مجهول" كما علم من تمثيله أول الباب وذكره هنا لضرورة التقسيم وقيد جمع ذلك بما يعسر ضبطه لا كبناء حائط فيذكر محله وطوله وسمكه وارتفاعه وما يبنى به, وخياطة ثوب فيصفه كالإجارة "وكذا معلوم" كمن رده من

 

ج / 3 ص -27-          موضع كذا "في الأصح"; لأنها إذا جازت مع الجهل فمع العلم أولى ومر أنه لا بد في العمل من كلفة فلو رد من هو بيده ولا كلفة فيه كدينار فلا شيء له, ولو قال من دلني على مالي فله كذا فدله من هو بيده فلا شيء له إذ لا كلفة وعلله شارح بوجوبه عليه وهو مبني على ما شرطه في العمل أنه يشترط كونه غير واجب عليه وهو ضعيف كما مر نعم إن عصى بوضع يده عليه بنحو غصب ثم سمع قول مالكه مثلا من رد مالي فله كذا فرده لم يستحق شيئا, وإن كان فيه كلفة لتعين الرد عليه فورا ليخرج به عن المعصية وعلى هذا يحمل من شرط في العمل عدم تعينه عليه وقد يجمع أيضا بأن ما تعين لعارض كفرض كفاية انحصر في واحد له الأجرة فيه ومنه قولهم باستحقاقها في نحو تعليم الفاتحة وحرز الوديعة, وإن تعينا عليه وما كان متعينا أصالة لا أجرة فيه ومنه مسألة الغاصب المذكورة أو من هو بيد غيره استحق; لأن الغالب أنه تلحقه مشقة بالبحث عنه وقيده الأذرعي بما إذا كان البحث المشق بعد الجعالة أما السابق عليها فلا عبرة به أي لأنه محض تبرع حينئذ, "ويشترط" لصحة العقد عدم تأقيته فيبطل من رد عبدي إلى شهر سواء أضم إليه من محل كذا أم لا; لأنه قد لا يجده فيه و "كون الجعل" مالا "معلوما" بمشاهدة المعين أو وصفه أو وصف ما في الذمة مقصودا يصح غالبا جعله ثمنا لأنه عوض كالأجرة ولا حاجة لجهالته بخلاف العمل "فلو قال من رده فله" ثيابه إن علمت, ولو بالوصف فهي للراد وإلا فله أجرة المثل واستشكله الإسنوي بأن وصف المعين لا يغني عن رؤيته وأجاب عنه البلقيني بأن هذه المعاقدة دخلها التخفيف فلم يشدد فيها بخلاف نحو البيع وقياسه صحة فله نصفه إن علم, وإن لم يعرف محله وهو أحد وجهين يتجه ترجيحه ثم رأيت الأنوار وغيره رجحاه أيضا وقياس الرافعي له على استئجار المرضعة بنصف الرضيع بعد الفطام أجاب عنه في الكفاية بأن الأجرة المعينة تملك بالعقد فجعلها جزءا من الرضيع بعد الفطام يقتضي تأجيل ملكه وهنا إنما يملك بتمام العمل فلا مخالفة لمقتضى العقد ولا عمل يقع في مشترك أو فله "ثوب أو أرضيه" أو فله خمر مثلا "فسد العقد" لجهالة العوض أو عدم ماليته "وللراد" الجاهل بأن الفاسد لا شيء فيه فيما يظهر أخذا مما مر في القراض "أجرة مثله" كالإجارة الفاسدة وفي غير المقصود كالدم لا شيء له; لأنه لم يطمع في شيء ومر صحة الحج بالنفقة للحاجة وحمل على حج عني وأعطيك نفقتك; لأنه أرزاق لا جعالة بخلاف حج عني بنفقتك فإنه فاسد كما في الأم وجزم به الماوردي ويأتي آخر السير صحة من دل على قلعة فله جارية منها وإذا قلنا بأنه أرزاق لزمه كفايته كما هو ظاهر, ثم هل المراد بها كفاية أمثاله عرفا أو كفاية ذاته نظير ما يأتي في كفاية القريب والقن؟ كل محتمل. "ولو قال" من رده "من بلد كذا فرده" من تلك الجهة لكن "من" أبعد منه فلا زيادة له لتبرعه بها أو من "أقرب منه فله قسطه من الجعل"; لأنه قوبل بكل العمل فيوزع على ما قد وجد منه وما عدم ومحله إن تساوت الطريق سهولة أو حزونة وإلا بأن كان النصف مثلا الذي أتى به ضعف ما تركه استحق ثلثي الجعل أما إذا رده من جهة أخرى فلا يستحق شيئا مطلقا على ما بحثه السبكي وتبعه الأذرعي أولا لأنه لم

 

ج / 3 ص -28-          يأذن له في الرد منها وله احتمال أنه يستحق بقدر ما يستحقه لو رد من الجهة المعينة وهو المنقول في الكافي واعتمده أعني الأذرعي قال; لأن التعيين إنما يراد به الإرشاد لمحله ومن ثم لو أراد حقيقة التعيين لم يستحق شيئا ولا يشكل على ما ذكر نحو من خاط لي ثوبا أو بنى لي حائطا أو علمني سورة كذا فأتى ببعضه لم يستحق شيئا; لأنه لم يحصل غرضه الذي سماه وثم حصل غرضه ومن ثم لو ذكر شيئين مستقلين كمن رد عبدي فله كذا استحق نصف الجعل برد أحدهما وقيده شارح بما إذا تساوى محلهما أي وقد استوت طريقهما سهولة وحزونة أخذا من تقييدهم بذلك للرد من نصف الطريق المعين وألحق الزركشي بذلك غيبة الطالب عن الدرس أياما وقد قال الواقف من حضر أشهرا فله كذا فيستحق قسط ما حضر لتفاضل الأيام ومر فيه كلام في الوقف فراجعه.
"فرع" تجوز الجعالة على الرقية بجائز كما مر وتمريض مريض ومداواته, ولو دابة ثم إن عين لذلك حدا كالشفاء ووجد استحق المسمى وإلا فأجرة المثل, ولو جاعله على رد عبيد فرد بعضهم استحق قسطه باعتبار العدد أي بالقيدين المذكورين; لأن أجرة ردهم لا تتفاوت حينئذ غالبا أو على حج وعمرة وزيارة فعمل بعضها استحق بقسطه بتوزيع المسمى على أجرة مثل الثلاثة.
"ولو اشترك اثنان" مثلا معينين أو لا وقد عمهما النداء "في رده اشتركا في الجعل" أو ثلاثة فكذلك بحسب الرءوس, وإن تفاوت عملهم إذ لا ينضبط حتى يوزع عليه وبه فارق توزيعه بقدر الملك على ملاك التزموه وفارق ذلك أيضا من دخل داري فأعطه درهما فدخلها جمع استحق كل درهما بأن كلا هنا دخل وليس كل ثم براد له وإنما الراد له مجموعهم, ولو قال إن رددتما عبدي فلكما كذا فرده أحدهما استحق النصف; لأنه لم يلتزم له سواء كما قالاه وبحث السبكي أنه لا شيء له ضعيف "ولو التزم جعلا لمعين" كإن رددته فلك دينار "فشاركه غيره في العمل إن قصد إعانته" مجانا أو بعوض منه "فله" أي ذلك المعين "كل الجعل"; لأن قصد الملتزم الرد ممن التزم له بأي وجه أمكن فلم يقصر لفظه على المخاطب وحده بخلاف ما مر فيما إذا أذن لمعين فرده نائبه مع قدرته; لأن المالك لم يأذن فيه أصلا ولا شيء للمعاون إلا إن التزم له المخاطب أجرة وأخذ السبكي من كلامهم هنا وفي المساقاة جواز الاستنابة في الإمامة والتدريس وسائر الوظائف القابلة للنيابة, وإن لم يأذن الواقف إذا استناب من وجد فيه شرط الواقف مثله أو خيرا منه ويستحق المستنيب كل المعلوم وضعف إفتاء المصنف وابن عبد السلام أنه لا يستحقه واحد منهما المستنيب لعدم مباشرته, والنائب الذي لم يأذن له الناظر لعدم ولايته ورد عليه الأذرعي ذلك وأطال ثم قال وما ذكره فيه فتح باب لأكل أرباب الجهات مال الوقف دائما المرصد للمناصب الدينية واستنابة من لا يصلح أو يصلح بنزر يسير قال غيره وهكذا جرى فلا حول ولا قوة إلا بالله انتهى. ويرد بأنه سد ذلك الباب باشتراط كونه مثله أو خيرا منه والزركشي بأن الريع ليس من باب جعالة ولا إجارة إذ لا يمكن وقوع العمل مسلما للمستأجر أو الجاعل وإنما هو إباحة بشرط الحضور ولم يوجد فلا يصح أخذه المذكور

 

ج / 3 ص -29-          وقضيته أنه لا شيء للمستنيب, ولو لعذر, ولو لمن هو خير منه وقضية كلام الأذرعي خلافه والذي يتجه استثناء النيابة لمثله أو خير منه لعذر عملا بالعرف المطرد بالمسامحة في الإنابة حينئذ وعليه فيجاب عما ذكره الزركشي بأنه لما أناب بالقيدين المذكورين سومح له, وإن لم يتصور هنا إجارة ولا جعالة عملا باطراد العرف بهذه المسامحة المطلع عليها الواقفون والمنزلة منزلة شروطهم وحينئذ صار كأنه حاضر فاستحق المعلوم ولزمه ما التزم لنائبه ويؤخذ من قول السبكي القابلة للنيابة أن المتفقه لا تجوز له الاستنابة حتى عند السبكي إذ لا يمكن أحدا أن يتفقه عنه, وبه جزم الغزي قال غيره وهو واضح والكلام كله في غير وقف الأتراك لما مر فيها.
"وإن قصد" المشارك "العمل للمالك" يعني الملتزم بجعل أو دونه أو لنفسه أو للجميع أو لاثنين منهم أو لم يقصد شيئا "فللأول قسطه" إن شاركه من أول العمل وهو نصف الجعل إن قصد نفسه أو الملتزم أو هما أو أطلق وثلاثة أرباعه إن قصد نفسه والعامل أو العامل والملتزم وثلثاه إن قصد الجميع "ولا شيء للمشارك بحال" أي في حال مما ذكر لتبرعه, "ولكل منهما" أي الجاعل والعامل "الفسخ قبل تمام العمل"; لأنه عقد جائز من جهة الجاعل لتعلق الاستحقاق فيها بشرط كالوصية والعامل; لأن العمل فيها مجهول كالقراض والمراد بفسخ العامل رده لما مر أنه لا يشترط قبوله ثم هو قبل العمل لا يتأتى إلا في المعين وخرج بقبل تمامه بعده فلا أثر للفسخ حينئذ; لأن الجعل قد لزم واستقر "فإن فسخ" من المالك أو الملتزم أو العامل المعين القابل للعقد وقد علم العامل الذي لم يفسخ بفسخ الجاعل أو أعلن الجاعل بالفسخ أي أشاعه والعامل غير معين "قبل الشروع" في العمل "أو فسخ العامل بعد الشروع" فيه "فلا شيء له", وإن وقع العمل مسلما كأن شرط له جعلا في مقابلة بناء حائط فبنى بعضه بحضرته; لأنه في الأولى لم يعمل شيئا وفي الثانية فوت بفسخه غرض الملتزم باختياره ومن ثم لو كان فسخه فيها لأجل زيادة الجاعل في العمل قال الإسنوي أو نقصه من الجعل انتهى. وفيه مشاحة لا من حيث الحكم بينها شيخنا استحق أجرة المثل لأن الجاعل هو الذي ألجأه إلى ذلك أما إذا لم يعلم العامل المعين ولم يعلن المالك بالرجوع فيما إذا كان غير معين فإنه يستحق المشروط إذ لا تقصير منه بوجه واكتفي بالإعلان; لأنه لا يمكن مع الإيهام غيره.
"وإن فسخ المالك" يعني الملتزم, ولو بإعتاق المردود مثلا "بعد الشروع" في العمل لم يستحق العامل شيئا من المسمى; لأنه إنما يستحق المسمى بالفراغ من العمل فكذا بعضه وحينئذ "فعليه أجرة المثل" لما مضى "في الأصح" لاحترام عمل العامل فلم يفوت عليه بفسخ غيره ورجع ببدله كإجارة فسخت بعيب, ولو حصل بما مضى من العمل بعض المقصود كإن علمت ابني القرآن فلك كذا ثم منعه الأب من تمام التعليم ومثله ما لو منع المالك ماله من أن يتم العامل العمل فيه فتلزمه أجرة مثل ما عمله فيهما لأن منعه فسخ أو كالفسخ وقد تقرر أن فسخ الملتزم يوجب أجرة المثل للماضي وبهذا يتضح رد قول الأذرعي أنه يستحق القسط من الجعل واستشكل وجوب أجرة المثل الذي في المتن

 

ج / 3 ص -30-          بقولهم إذا مات أحدهما أثناء العمل انفسخ واستحق القسط من المسمى أي إن رد العامل لوارث المالك أو وارث العامل للمالك وإلا فأي فرق بين الفسخ والانفساخ ويفرق بأن الفسخ أقوى فكأنه إعدام للعقد مع آثاره فرجع لبدله وهو أجرة المثل بخلاف الانفساخ فإنه لما لم يكن كذلك صار العقد كأنه لم يرفع به فوجب القسط ثم رأيت شارحا فرق بأن العامل في الانفساخ تمم العمل بعده ولم يمنعه المالك منه بخلافه في الفسخ وفيه نظر إذ لا أثر له في الفرق بين خصوص الوجوب من المسمى تارة ومن أجرة المثل أخرى كما هو واضح للمتأمل ثم رأيت شيخنا أجاب بما أجاب به هذا الشارح وقد علمت ما فيه, "وللمالك" يعني الملتزم "أن يزيد وينقص في" العمل وفي "الجعل" وأن يغير جنسه "قبل الفراغ" سواء ما قبل الشروع وما بعده كالثمن في زمن الخيار "وفائدته" إذا وقع التغيير "بعد الشروع" في العمل مطلقا أو قبله وعمل جاهلا بذلك ثم أتم العمل "وجوب أجرة المثل" لجميع عمله ومحل قولهم لو عمل بعد الفسخ لا شيء له حيث كان الفسخ بلا بدل وذلك لأن النداء الأخير فسخ للأول والفسخ من الملتزم أثناء العمل يقتضي الرجوع إلى أجرة المثل نعم بحث ابن الرفعة أنه يستحق لما عمل جاهلا قبل النداء الثاني ما يقابله من الجعل الأول; لأن العقد الأول باق لم ينفسخ وفيه نظر وقول المتن فعليه أجرة المثل في الأصح يرده لما تقرر أن النداء الأخير فسخ للأول وأن الفسخ يوجب أجرة المثل فاندفع قوله أن العقد الأول باق لم ينفسخ وألحق بذلك فسخه بالتغيير قبل العمل المذكور فإن عمل في هذه عالما بذلك فله المسمى الثاني.
"تنبيه" ما اقتضاه المتن من أنه لو لم يعلم بالتغيير قبل الشروع فيما إذا كان العامل معينا ولم يعلن به الملتزم فيما إذا كان غير معين من أن له أجرة المثل هو ما بحثه في الوسيط واقتضاه كلام الروضة وأصلها أيضا وقال الماوردي والروياني يستحق الجعل الأول وأقره جمع متأخرون والذي يتجه الأول فإن قلت علم مما تقرر أنه لو علم بالثاني قبل الشروع استحقه أو في الأثناء لم يستحق من الثاني شيئا وكان القياس أنه يستحق منه قسط عمله بعده قلت يفرق بأنه قبل الشروع لم يلتزم شيئا فأدير الأمر على الثاني وبعده التزم حكم الأول فوجب له مسماه إن سلم من الفسخ وإلا فأجرة المثل ولا نظر للثاني لأنه وقع به الفسخ لا غير.
"ولو مات الآبق" أو تلف المردود "في بعض الطريق" أو مات المالك قبل تسلمه "أو هرب" كذلك أو غصب كذلك أو خاط نصف الثوب فاحترق أو بنى بعض الحائط فانهدم, ولو بلا تفريط من الباني أو لم يتعلم الصبي لبلادته "فلا شيء للعامل" لتعلق الاستحقاق بالرد أو الحصول ولم يوجد وإنما استحق أجير لحج مات أثناءه قسط ما عمل لانتفاع المحجوج عنه بثواب ما عمله, ولو لم يجد المالك ولا وكيله سلمه للحاكم فإن فقد أشهد واستحق أي وإن مات أو هرب بعد ذلك ويجري ذلك في تلف سائر محال الأعمال ومحله في غير الأخيرة أعني عدم تعلم الصبي كما استفيد من المتن وغيره حيث لم يقع العمل مسلما للمالك فإن وقع مسلما له وظهر أثره على المحل كأن مات صبي حر

 

ج / 3 ص -31-          أثناء التعليم استحق أجرة ما مضى من المسمى لما تقرر أن العمل وقع مسلما بالتعليم مع ظهور أثر العمل على المحل بخلاف رد الآبق إذا هرب من الأثناء وكذا الإجارة ومن ثم لو نهب الحمل أو غرق أثناء الطريق لم يجب القسط; لأن الحمل لم يقع مسلما للمالك ولا ظهر أثره على المحل بخلاف ما إذا ماتت الدابة أو نهبت والمالك حاضر أما القن فيشترط تسليمه للسيد أو وقوع التعليم بحضرته أو في ملكه "وإذا رده فليس له حبسه لقبض الجعل"; لأنه إنما يستحق بالتسليم ولا حبس قبل الاستحقاق وعلم منه بالأولى أنه لا يحبسه أيضا لما أنفقه عليه بالإذن, "ويصدق" بيمينه الجاعل سواء "المالك" وغيره "إذا أنكر شرط الجعل أو سعيه" أي العامل "في رده"; لأن الأصل عدم الشرط والرد, والراد في أنه بلغه النداء أو سمعه, "فإن اختلفا" أي الجاعل والعامل بعد الاستحقاق "في" نحو "قدر الجعل" أو جنسه أو في قدر العمل بعد الفراغ وكذا بعد الشروع إن قلنا له قسط المسمى "تحالفا" نظير ما مر في البيع وللعامل أجرة المثل.
"خاتمة" تردد الرافعي في مؤنة المردود وفي الروضة عن ابن كج أنه إذا أنفق عليه الراد فهو متبرع عندنا أي إن كان بغير إذن معتبر مع عدم نية الرجوع بشرطه نظير ما مر في هرب الجمال وبذلك يعلم أن مؤنته على المالك حيث لا متبرع, ولو أكره مستحق على عدم مباشرة وظيفته استحق المعلوم كما أفتى به التاج الفزاري واعتراض الزركشي له بأنه لم يباشر ما شرط عليه فكيف يستحق حينئذ يجاب عنه بأن هذا مستثنى شرعا وعرفا من تناول الشرط له لعذره ونظير ذلك فيما يظهر مدرس يحضر موضع الدرس ولا يحضر أحد من الطلبة أو يعلم أنه لو حضر لا يحضرون بل قد يقال بالجزم بالاستحقاق هنا; لأن المكره تمكنه الاستنابة فيحصل غرض الواقف بخلاف المدرس فيما ذكر نعم إن أمكنه إعلام الناظر بهم وعلى أنه يجبرهم على الحضور فالظاهر وجوبه عليه; لأنه من باب الأمر بالمعروف ثم رأيت أبا زرعة ذكر ما ذكرته وجعله أصلا مقيسا عليه وهو أن الإمام أو المدرس لو حضر ولم يحضر أحد استحق; لأن قصد المصلي والمتعلم ليس في وسعه وإنما عليه الانتصاب لذلك وأفتى أيضا فيمن شرط الواقف قطعه عن وظيفته إن غاب فغاب لعذر كخوف طريق بأنه لا يسقط حقه بغيبته قال ولذلك شواهد كثيرة وأفتى بعضهم بحل النزول عن الوظائف بالمال أي; لأنه من أقسام الجعالة فيستحقه النازل ويسقط حقه, وإن لم يقرر الناظر المنزول; لأنه بالخيار بينه وبين غيره والله أعلم.