تحفة المحتاج بشرح المنهاج ط العلمية

ج / 3 ص -32-          كتاب الفرائض
أي مسائل قسمة المواريث جمع فريضة بمعنى مفروضة من الفرض بمعنى التقدير فهي هنا شرعا نصيب مقدر للوارث غلبت على غيرها لفضلها بتقدير الشارع لها ولكثرتها وورد الحث على تعلمه وتعليمه في خبر ضعيف "تعلموا الفرائض وعلموه فإنه نصف العلم" أي صنف منه أو لتعلقه بالموت المقابل للحياة "وهو ينسى وهو أول علم ينزع من أمتي" أي بموت أهله وصح "تعلموا الفرائض وعلموه فإني امرؤ مقبوض وإن العلم سيقبض وتظهر الفتن حتى يختلف اثنان في الفريضة فلا يجدان من يقضي بها" وصح أيضا طألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى أي أقرب رجل ذكر" وفائدة ذكره بيان أن الرجل يطلق بإزاء المرأة فيعم وبإزاء الصبي فيخص البالغ وقيل غير ذلك مما فيه تكلف ظاهر وهو متوقف على علم الفتوى والنسب والحساب.
"يبدأ" وجوبا "من تركة الميت" وهي ما يخلف من حق كخيار وحد قذف أو اختصاص أو مال كخمر تخللت بعد موته ودية أخذت من قاتله لدخولها في ملكه وكذا ما وقع بشبكة نصبها في حياته على ما قاله الزركشي وفيه نظر لانتقالها بعد الموت للورثة فالواقع بها من زوائد التركة وهي ملكهم إلا أن يجاب بأن سبب الملك نصبه للشبكة لا هي وإذا استند الملك لفعله يكون تركة.
"تنبيه" أفتى بعضهم فيمن عاش بعد موته معجزة لنبي بأنه يتبين بقاء ملكه لتركته وفيه نظر ظاهر إلا أن يحمل على أنه بالإحياء بان أنه لم يمت وذلك خلاف الفرض في سؤاله إذ لا توجد المعجزة إلا بعد تحقق الموت عند تحققه ينتقل الملك للوارث إجماعا فإذا وجد الإحياء كانت هذه حياة جديدة مبتدأة بلا تبين عود ملك ويلزمه أن نساءه لو تزوجن أن تعدن إليه وليس كذلك بل يبقى نكاحهن لما تقرر والحاصل أن زوال الملك والعصمة محقق وعوده مشكوك فيه فيستصحب زواله حتى يثبت ما يدل على العود ولم يثبت فيه شيء فوجب البقاء مع الأصل وفي شرح الإرشاد الصغير في الصداق حكم الممسوخ حيوانا أو جمادا بالنسبة لمخلفه فراجعه "بمؤنة تجهيزه" من نحو كفن وحنوط وماء وأجرة غسل وحمل وحفر حيث لا زوج أو لا مؤنة عليه لنشوز ثم تجهيز ممونه بما يليق بهما عرفا الآن يسرا وعسرا, وإن خالف حالهما في الحياة وفي اجتماع ممونين له كلام لي في شرح الإرشاد "ثم" بعد مؤنة التجهيز "تقضى ديونه" مقدما منها دين الله تعالى كزكاة وكفارة وحج على دين الآدمي "ثم" بعد الدين, وإن كان إنما ثبت بإقرار الوارث بعد ثبوت الوصية أو قبلها كما علم مما نقلاه عن الصيدلاني ومن غيره "تنفذ وصاياه" وما ألحق بها مما يأتي فهي متأخرة عن الدين وعكسه في الآية الذي شذ به أبو ثور لحث الورثة على المبادرة بإخراجها لتوانيهم عنه غالبا "من" للابتداء فتدخل الوصية بالثلث أيضا "ثلث

 

ج / 3 ص -33-          الباقي" بعد الدين إن أخذ كما هو الغالب وبقي بعده شيء فلا يقتضي عدم نفوذها إذا استغرق فلو أبرأ أو تبرع أحد بوفائه بان نفوذها ونقل الشيخان في الإقرار عن الأكثرين صورة يتساوى فيها الدين والوصية وصورة تقدم فيها الوصية وبينت ما في ذلك في خطبة شرح العباب بما يتعين الوقوف عليه قال بعضهم ووجوب الترتيب فيما ذكر إنما هو عند المزاحمة فلو دفع الوصي مثلا مائة للدائن ومائة للموصى له ومائة للوارث معا لم يتجه إلا الصحة أي والحل ويوجه بأنه حينئذ لم يقارن الدفع مانع ونظيره من عليه حجة الإسلام وغيرها فإنهم صرحوا بوجوب الترتيب بينهما قالوا والمراد به أن لا يتقدم على حجة الإسلام غيرها لا أن يقارنها غيرها ومر آخر الرهن حكم ما لو غاب الدائن "ثم يقسم الباقي" عنها "بين الورثة" على ما يأتي يعني أنهم يتسلطون على التصرف حينئذ وإلا فالدين لا يمنع الإرث ومن ثم فازوا بزوائد التركة كما مر وسيعلم مما يأتي في الوصية أنه بقبولها سواء المعينة كهذا وغيرها كالثلث يتبين ملكها بالموت فهي مانعة له حينئذ في عين الأول وثلث الثاني شائعا لا قبله; لأن الأمر فيه موقوف وما يتوهم من بعض العبارات من الفرق بين المعينة والمطلقة إنما هو من جهة الخلاف لا غير, "قلت" محل تأخر الدين عن مؤن التجهيز إذا لم يتعلق بعين التركة حق "فإن تعلق بعين التركة حق" بغير حجر في الحياة قدم "كالزكاة" الواجبة فيها قبل موته, وإن كانت من غير الجنس فتقدم على مؤنة التجهيز بل على سائر الحقوق المتعلقة بالتركة لما مر أن تعلقها تعلق شركة غير حقيقية لجواز الأداء من غيرها فكانت التركة كالمرهونة بها, ولو تلف النصاب بعد التمكن إلا قدر الزكاة كشاة من أربعين مات عنها فقط لم يقدم إلا ربع عشرها على الأوجه ويوجه بأن حق الفقراء من التالف ديون مرسلة فتؤخر لما تقرر أن الكلام في زكاة متعلقة بعين موجودة "والجاني" هو كما بعده أمثلة للتركة المتعلق بها حق فما قبله إما على ظاهره أنه مثال للحق كما مر ففيه توزيع وإما مراد به المال الزكوي فإذا تعلق أرش الجناية برقبته, ولو بالعفو عن قوده قدم المجني عليه بأقل الأمرين من الأرش وقيمة الجاني حتى عن المرتهن لانحصار تعلقها في الرقبة فلو قدم غيرها فاتت والرهن يتعلق بالذمة أيضا أما إذا تعلق برقبته قود أو بذمته مال فلا يمنع تصرف الوارث فيه. "والمرهون" رهنا جعليا, وإن حجر على الراهن بعده أو آثر به بعض غرمائه في مرض موته إن أقبضه له دون وارثه على الأوجه فيقدم حقه على مؤن التجهيز وألحق بعضهم بالمرهون حجة الإسلام إذا مات وقد استقرت في ذمته لتعلقها بعين التركة حينئذ قال فلا يصح تصرف الورثة في شيء منها حتى يفرغ الحاج عنه من جميع أعمال الحج إلا لضرورة كأن خيف تلف شيء منها إن لم يبادر إلى بيعه ا هـ وقوله لتعلقها إلى آخره يحتاج لسند بل تأخير الحج عن مؤن التجهيز الذي مر يرده وأي فرق بينها وبين نحو زكاة في الذمة وكأنه فهم أن المراد بالتعلق بالعين وجوب المبادرة فورا إلى إخراجه وليس كذلك كما هو معلوم من مثلهم المذكورة ويأتي في تعليل تعلق الغرماء بماله بالحجر ما يوضح رد ما قاله فالاستثناء منقطع; لأن البائع لها حينئذ الحاكم لا الوارث كما هو ظاهر وبتسليمه يظهر جواز التصرف بمجرد

 

ج / 3 ص -34-          فراغه من التحلل الثاني, وإن بقيت واجبات أخرى; لأن الدم يقوم مقامها ولأنه يصدق حينئذ أن يقال أن ذمة الميت برئت من الحج وحيث برئت ذمته منه جاز التصرف لأن المنع إنما كان لمصلحة براءتها. "والمبيع" بثمن في الذمة "إذا مات المشتري مفلسا" بثمنه ولم يكن هناك مانع من الفسخ فيمكن البائع منه ويفوز به حجر عليه قبل موته أم لا ولكون الفسخ إنما يرفع العقد من حينه لم يخرج به عن كونه تركة فإن وجد مانع كتعلق حق لازم به وكتأخير فسخه بلا عذر قدم التجهيز لانتفاء التعلق بالعين حينئذ وإنما "قدم" ذلك الحق في تلك الصور "على مؤنة تجهيزه" إيثارا للأهم كما تقدم تلك الحقوق على حقه في الحياة "والله أعلم" وخرج بقولي بغير حجر تعلق الغرماء بماله بالحجر فيقدم التجهيز إن تعلق بعين ماله قبل موته لأنه لم يخرج عن كونه مرسلا في الذمة, ولو اجتمعت الزكاة والجناية في عبد تجارة فالذي يظهر تقديم الزكاة لانحصار تعلق كل في العين وتزيد الزكاة بأن فيها حقين فكانت أولى والمستثنيات لا تنحصر فيما ذكر وقد بينت أكثرها مع فوائد نفيسة في شرح الإرشاد.
"وأسباب الإرث أربعة" مجمع عليها "قرابة" يأتي تفصيلها نعم لو اشترى بعضه في مرض موته عتق عليه ولا يرث لأداء توريثه إلى عدمه كما يعلم من الدور الحكمي الآتي في الزوجة "ونكاح" صحيح, ولو قبل الدخول نعم لو أعتق أمة تخرج من ثلثه في مرض موته وتزوج بها لم ترثه للدور إذ لو ورثت لكان عتقها وصية لوارث فيتوقف على إجازة الورثة وهي منهم وإجازتها تتوقف على سبق حريتها وهي متوقفة على سبق إجازتها فأدى إرثها لعدم إرثها وبه يعلم أن الكلام في غير المستولدة; لأن عتقها, ولو في مرض الموت لا يتوقف على إجازة أحد; لأن الإجازة إنما تعتبر بعد الموت وهي به تعتق من رأس المال "وولاء" ويختص دون سابقيه بطرف "فيرث المعتق" ومن يدلي به "العتيق ولا عكس" إجماعا إلا ما شذ به ابن زياد والخبر فيه محمول على أنه أعطاه مصلحة لا إرثا على أن البخاري ضعفه وقد يتوارثان بأن يعتقه حربي فيستولي على سيده ثم يعتقه أو حربي أو ذمي فيرق فيشتريه ويعتقه أو يشتري أبا معتقه ثم يعتقه فله على معتقه ولاء الانجرار ولا يرد لأنه لم يرث من حيث كونه عتيقا. "والرابع الإسلام" أي جهته ومن ثم جاز نقله عن بلد المال على ما اقتضاه كلامهم وإعطاؤه لواحد وبذلك فارق الزكاة لكن اعتمد غير واحد امتناع نقله كهي وعليه يجوز للإمام نقلها "فتصرف التركة" أو بعضها إذا كان الميت مسلما "لبيت المال إرثا" للمسلمين بسبب العصوبة لأنهم يعقلون عنه كأقاربه "إذا لم يكن" له "وارث بالأسباب الثلاثة" المتقدمة وقيل مصلحة كالمال الضائع فعلى الأول لا يصرف منه شيء لقن ولا كافر ولا قاتل نعم يجوز لمن له وصية ولمن أعتق أم ولد أو أسلم بعد موته ويوجه بأن فيه شائبة إرث وشائبة مصلحة فغلبت الأولى في تلك لقبحها والثانية في هذه لعدمه وكان هذا هو سبب قوله الرابع لينبه به على أن بينه وبين الثلاثة قبله مغايرة فيسأل عنها أما الذمي الذي لا وارث له ومن له أمان نقضه واسترق ثم مات وله مال عندنا فإن مالهما يصرف لبيت المال فيئا.

 

ج / 3 ص -35-          "والمجمع على إرثهم من الرجال" أي الذكور "عشرة" بطريق الاختصار وخمسة عشر بالبسط "الابن وابنه, وإن سفل والأب وأبوه, وإن علا والأخ" مطلقا "وابنه إلا من الأم والعم" للميت وأبيه وجده "إلا للأم وكذا ابنه والزوج والمعتق" ومن يدلي به في حكمه "ومن النساء سبع" بالاختصار وبالبسط عشر "البنت وبنت الابن, وإن سفل" عدل عن قول أصله سفلت, وإن وافق الأكثر في عود الضمير على المضاف لإيهامه أن بنت بنت الابن وارثة "والأم والجدة" من الجهتين بشرط إدلائها بوارث "والأخت" لأبوين أو لأب أو لأم "والزوجة" الأفصح زوج لكنهم آثروا المرجوح للاحتياج للتمييز هنا "والمعتقة" ومن يدلي بها في حكمها "ولو اجتمع كل الرجال" ويلزم منه كون الميت أنثى "ورث الأب والابن والزوج فقط"; لأن من بقي محجوب بغير الزوج إجماعا ويصح أصلها من اثني عشر "أو" اجتمع "كل النساء" ويلزم كون الميت ذكرا "ف" الوارث هو "البنت وبنت الابن والأم والأخت للأبوين والزوجة" لأن غيرهن محجوب بغير الزوجة ويصح أصلها من أربعة وعشرين. "أو" اجتمع كل من "الذين يمكن اجتماعهم من الصنفين ف" الوارث هو "الأبوان والابن والبنت" لم يقل الابنان مغلبا كالذي قبله لإيهام هذا دون ذاك لشهرته فاندفع ما للزركشي هنا "وأحد الزوجين" لحجبهم من عداهم ثم هي والميت ذكر من أربعة وعشرين وتصح من اثنين وسبعين أو وهو أنثى من اثني عشر وتصح من ستة وثلاثين وأفهم قوله يمكن استحالة اجتماع الزوج والزوجة على ميت واحد نعم لو أقام رجل بينة على ميت ملفوف في كفن أنه امرأته وهؤلاء أولاده منها وأقامت امرأة بينة أنها زوجته وهؤلاء أولادها منه فكشف عنه فإذا هو خنثى له الآلتان إذ هو الذي يمكن اتضاحه وإشكاله وأما من له ثقبة فهو مشكل أبدا فلا يصح نكاحه ولا يعمل بواحدة من البينتين فعن النص يقسم المال بينهما وعليه يمكن اجتماع الكل وحينئذ من لا يختلف نصيبه كالأبوين حكمه واضح وهو أن لهما السدسين ومن يختلف كالزوجين حكمه أن الزوجة تنازع الزوج في ثمن فيقسم بينهما وأولادها ينازعونه في ثمن فيقسم بينهما فيعطى الثمن وهي نصف الثمن ويقسم الباقي بين الأولاد من الجانبين للذكر مثل حظ الأنثيين ووقع لشارح هنا ما يخالف ذلك فاجتنبه, وإن أمكن تأويله وقال الأستاذ أبو طاهر بينة الرجل أولى لأن الولادة صحت من طريق المشاهدة والإلحاق بالأب أمر حكمي والمشاهدة أقوى وهو وجيه مدركا ثم رأيت البلقيني قال أنه الأرجح وأن الأول مفرع على ضعيف هو استعمال البينتين عند التعارض ا هـ على أنهم قالوا إن هذا النص غريب نقلا "ولو فقدوا" أي الورثة "كلهم فأصل المذهب أنه لا يورث ذوو الأرحام" الآتي بيانهم لما صح أنه صلى الله عليه وسلم استفتي فيمن ترك عمته وخالته لا غير فرفع رأسه إلى السماء فقال "اللهم رجل ترك عمته وخالته لا وارث له غيرهما" ثم قال "أين السائل؟" فقال: ها أنا ذا قال "لا ميراث لهما" وبه يعتضد الحديث المرسل أنه صلى الله عليه وسلم ركب إلى قباء يستخير الله في العمة والخالة فأنزل الله الميراث لهما "ولا" استئناف لفساد العطف بإيهامه التناقض "يرد على أهل الفرض" فيما إذا وجد بعضهم ولم يستغرق كبنت أو أخت فلا يرد عليهما الباقي لئلا يبطل فرضهما المقدر "بل

 

ج / 3 ص -36-          المال" وهو الكل في الأول والباقي في الثاني "لبيت المال", وإن لم ينتظم بأن جار متوليه أو لم يكن أهلا; لأن الإرث لجهة الإسلام ولا ظلم من المسلمين فلم يبطل حقهم بجور الإمام ومعنى الأصل هنا المعروف الثابت المستقر من المذهب وقد يطرأ على الأصل ما يقتضي مخالفته. "و" من ثم "أفتى المتأخرون" من الأصحاب وفي الروضة أنه الأصح أو الصحيح عند محققي الأصحاب منهم ابن سراقة من كبار أصحابنا ومتقدميهم ثم صاحب الحاوي والقاضي حسين والمتولي وآخرون وبه كقول ابن سراقة هو قول عامة شيوخنا اعترض تخصيصه بالمتأخرين وقد يجاب بأنه أراد أكثرهم كما دل عليه كلامه في الروضة فلا ينافي أن كثيرين من المتقدمين عليه ومن هذا يؤخذ أن المتأخرين في كلام الشيخين ونحوهما كل من كان بعد الأربعمائة وأما الآن وقبله فهم من بعد الشيخين "إذا لم ينتظم أمر بيت المال" بأن فقد الإمام أو بعض شروط الإمامة كأن جار "بالرد على أهل الفرض" للاتفاق على انحصار مصرف التركة فيهم أو في بيت المال فإذا تعذر تعينوا وإنما جاز دفع الزكاة للجائر لأن للمزكى غرضا في الدفع إليه لتيقنه به براءة ذمته وتوفر مؤنة التفرقة عليه ودفع خطر ضمانه بالتلف بعد التمكن لو لم يبادر بالدفع إليه ولا غرض هنا وأيضا فمستحقو الزكاة قد ينحصرون بالأشخاص فيطالبون ولا كذلك جهة المصالح فكانت أقرب للضياع وأيضا فالشارع نص على ولاية الإمام للزكاة دون الإرث وما أوهمته عبارته من أنه عند فقد ذوي الأرحام وغيرهم لا يصرف على رأي المتأخرين لغير المنتظم غير مراد بل على من هو بيده صرفه لقاضي البلد الأهل ليصرفه في المصالح إن شملتها ولايته. فإن لم تشملها تخير بين صرفه له وتوليه صرفه لها بنفسه إن كان أمينا عارفا كما لو فقد الأهل فإن لم يكن أمينا فوضه لأمين عارف وعبارة ابن عبد السلام إذا جار الملوك في مال المصالح وظفر به أحد ممن يعرفها صرفه فيها وهو مأجور على ذلك بل الظاهر وجوبه "غير" بالجر صفة لأهل على ما قيل ويوجه بتعرفها بالإضافة إن وقعت بين ضدين على ما فيه والنصب على الاستثناء وهو أولى أو متعين "الزوجين" إجماعا; لأنه لا رحم لهما ومن ثم ترث زوجة تدلي بعمومة أو خؤولة بالرحم لا بالزوجية "ما" معمول للرد على ضعف فيه. "فضل عن فروضهم بالنسبة" أي بنسبة فروضهم إن اجتمع أكثر من صنف, وعدد سهامهم أصل المسألة طلبا للعدل فللبنت وحدها الكل ومع الأم ثلاثة أرباع وربع للأم; لأن أصلها من ستة وسهامها منها أربعة فاجعلها أصل المسألة واقسمها بينهما أرباعا ويصح أن تقول يبقى سهمان للأم ربعها نصف يضرب في الستة فتصح من اثني عشر وترجع بالاختصار إلى أربعة, ولو تعدد ذو فرض قسم بينهم بالسوية فعلم أن الرد ضد العول الآتي "فإن لم يكونوا" أي ذوو الفروض "صرف إلى ذوي الأرحام" إرثا عصوبة فيأخذه كله من انفرد منهم, ولو أنثى وغنيا للحديث الصحيح "الخال وارث من لا وارث له" وقدم الرد; لأن القرابة المفيدة لاستحقاق الفرض أقوى وفي إرثهم إذا اجتمعوا مذهب أهل القرابة وهو تقديم الأقرب للميت, ومذهب أهل التنزيل بأن ينزل كل منزلة من يدلي به فيجعل ولد البنت والأخت كأمهما وبنتا الأخ والعم كأبيهما والخال والخالة كالأم والعم

 

ج / 3 ص -37-          للأم والعمة كالأب ففي بنت بنت وبنت بنت ابن المال بينهما أرباعا وإذا نزل كل كما ذكر قدم الأسبق للوارث لا للميت فإن استووا قدر كأن الميت خلف من يدلون به ثم يجعلون نصيب كل لمن أدلى به على حسب إرثه منه لو كان هو الميت إلا أولاد ولد الأم والأخوال والخالات منها فبالسوية ويراعى الحجب فيهم كالمشبهين بهم ففي ثلاث بنات إخوة متفرقين لبنت الأخ للأم السدس ولبنت الشقيق الباقي وتحجب بها الأخرى كما يحجب أبوها أباها.
"تنبيه" وقع للدميري في عمة لأم وبنت أخ شقيق أن الثانية تقدم عند الجميع المقربين والمنزلين وهو غلط منشؤه الغفلة عما في الروضة وغيرها وجريت عليه آنفا أن العمة ولو للأم تنزل منزلة الأب وهو مقدم على الأخ وحينئذ فالمال كله للعمة على الأصح "وهم" شرعا كل قريب وفي اصطلاح الفرضيين "من سوى المذكورين من الأقارب" من كل من ليس له فرض ولا عصوبة "وهم عشرة أصناف" وبالمدلي الآتي يصيرون أحد عشر "أبو الأم وكل جد وجدة ساقطين" كأبي أبي الأم وأم أبي الأم, وإن عليا هؤلاء صنف "وأولاد البنات" ذكورا وإناثا ومنهم أولاد بنات الابن "وبنات الإخوة" مطلقا دون ذكور غير الإخوة للأم "وأولاد الأخوات" مطلقا "وبنو الإخوة للأم" وبناتهم ذكرت في بنات الإخوة "والعم للأم" أي أخو الأب لأمه "وبنات الأعمام والعمات" بالرفع "والأخوال والخالات" وعطف على عشرة قوله "و" الفروع "المدلون بهم" أي المذكورين ما عدا الأول; لأن الأم تدلي به وهي ذات فرض.

فصل في بيان الفروض التي في القرآن الكريم وذويها
"الفروض" أي الأنصباء "المقدرة" فلا يزاد عليها ولا ينقص عنها إلا لرد أو عول "في كتاب الله تعالى" للورثة "ستة" وأخصر ما يعبر به عنها الربع والثلث ونصف كل وضعفه وثلث ما يبقى فيما يأتي مزيد لدليل آخر وليس المراد أن كل من له شيء منها يأخذه بنص القرآن لأن فيهن من أخذ بالإجماع أو القياس كما يأتي "النصف" بدءوا به لأنه نهاية الكسور المفردة في الكثرة وبعضهم بدأ بالثلثين اقتداء بالقرآن أي ولأنه نهاية ما ضوعف "فرض خمسة زوج" بالجر ويجوز الرفع وكذا النصب لولا تغييره للفظ المتن وبدءوا به تسهيلا للتعليم; لأن كل ما قل الكلام فيه يكون أرسخ في الذهن وهو على الزوجين أقل منه على غيرهما والقرآن العزيز بالأولاد; لأنهم أهم عند الآدمي ومن ثم ابتدءوا في تعليم القرآن بآخره على خلاف السنة في قراءته "لم تخلف زوجته ولدا ولا ولد ابن" ذكرا أو أنثى وارثا للآية وابن الابن, وإن سفل ملحق به إجماعا "وبنت أو بنت ابن أو أخت لأبوين أو لأب منفردات" عمن يأتي للآيات فيهن مع الإجماع على الثانية وعلى إخراج الأخت للأم من الآية, "والربع فرض" اثنين "زوج لزوجته ولد أو ولد ابن" ذكر أو أنثى وارث, وإن نزل للآية مع الإجماع في ولد الابن فإن فقد الولد أو كان غير وارث لنحو قتل أو ورث بعموم القرابة كفرع البنت فله النصف "وزوجة" فأكثر إلى أربع بل, وإن زدن في حق نحو

 

ج / 3 ص -38-          مجوسي "ليس لزوجها واحد منهما" كما ذكر للآية "والثمن" لواحد; لأنه "فرضها" أي الزوجة فأكثر "مع أحدهما" كما ذكر للآية أيضا وجعل له في حالتيه ضعف مالها في حالتيها; لأن فيه ذكورة وهي تقتضي التعصيب فكان معها كالابن مع البنت وسيذكر توارث الزوجين في عدة الطلاق الرجعي, "والثلثان فرض" أربع "بنين فصاعدا" للآية وفوق فيها صلة للإجماع على أن للبنتين الثلثين المستند للحديث الصحيح أنها نزلت في بنتين وزوجة وابن عم فقضى صلى الله عليه وسلم للزوجة بالثمن وللبنتين بالثلثين ولابن العم بالباقي "وبنتي ابن فأكثر" إجماعا "وأختين فأكثر لأبوين أو لأب" للآية في الثنتين وللإجماع فيما زاد على أنها نزلت في قصة جابر لما مرض وسأل عن إرث أخواته السبع منه وما قيل لما مات غلط لأنه عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم بكثير فكان تقديرها ثنتين فأكثر ويشترط انفرادهن عمن يعصبهن أو يحجبهن حرمانا أو نقصانا, "والثلث فرض" اثنين فرض "أم ليس لميتها ولد ولا ولد ابن" وارث "ولا اثنان من الإخوة والأخوات" يقينا فإن شك في نسب اثنين فسيأتي في الموانع للآية وولد الولد كالولد إجماعا وجمع الإخوة فيها المراد به عدد من هذا الجنس إجماعا قبل ظهور خلاف ابن عباس رضي الله عنهما وسيأتي أن فرضها في إحدى الغراوين ثلث الباقي "وفرض اثنين فأكثر من ولد الأم" لقوله تعالى {وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ} [النساء: 12] الآية أي من أم إجماعا وهو في قراءة شاذة وهي إذا صح سندها كخبر الواحد في وجوب العمل بها خلافا لشرح مسلم "وقد يفرض" الثلث "للجد مع الإخوة" فيما يأتي وبه يكون الثلث لثلاثة, وإن كان الثالث ليس في القرآن "والسدس فرض سبعة أب وجد" لم يدل بأنثى "لميتهما ولد أو ولد ابن" وارث للآية والجد كالأب فيها "وأم لميتها ولد أو ولد ابن" وارث "أو اثنان من إخوة وأخوات", وإن لم يرثا لحجبهما بالشخص دون الوصف كما يعلم مما يأتي كأخ لأب مع شقيق ولأم مع جد, ولو كانا ملتصقين ولكل رأس ويدان ورجلان وفرج إذ حكمهما حكم الاثنين في سائر الأحكام كما نقلوه عن ابن القطان وأقروه وظاهر أن تعدد غير الرأس ليس بشرط بل متى علم استقلال كل بحياة كأن نام دون الآخر كانا كذلك.
"تنبيه" سئلت عن ملتصقين ظهر أحدهما في ظهر الآخر ولم يمكن انفصالهما فأحرما بالحج ثم أراد أحدهما تقديم السعي عقب طواف القدوم والآخر تأخيره إلى ما بعد طواف الركن فمن المجاب وهل إذا فعل أحدهما ما لزمه من الأركان والواجبات بموافقة الآخر ثم أراد الآخر ذلك يلزم الأول موافقته والمشي والركوب معه إلى الفراغ أيضا أو لا وهل يلزم كلا أن يفعل مع الآخر واجبه من نحو صلاة سواء أوجب عليه نظير ما وجب على صاحبه أو لا ضاق الوقت أم لا؟ فأجبت بقولي الذي يظهر من قواعدنا أنه لا يجب على أحدهما موافقة الآخر في فعل شيء أراده مما يخصه أو يشاركه الآخر فيه لأن تكليف الإنسان بفعل لأجل غيره من غير نسبته لتقصير ولا لسبب فيه منه لا نظير له ولا نظر لضيق الوقت; لأن صلاتهما معا لا تمكن; لأن الفرض تخالف وجهيهما فإن قلت لم لا نجبره ويلزم الآخر بالأجرة كما هو قياس مسائل ذكروها قلت تلك ليست نظير مسألتنا; لأنها

 

ج / 3 ص -39-          ترجع إلى حفظ النفس تارة كمرضعة تعينت والمال أخرى كوديع تعين وما هنا إنما هو إجبار لمحض عبادة وهي يغتفر فيها ما لا يغتفر فيهما فإن قلت عهدنا الإجبار بالأجرة للعبادة كتعليم الفاتحة بالأجرة قلت يفرق بأن ذاك أمر يدوم نفعه بفعل قليل لا يتكرر بخلاف ما هنا فإنه يلزم تكرر الإجبار بل دوامه ما بقيت الحياة وهذا أمر لا يطاق فلم يتجه إيجابه فإن رفعا الأمر للحاكم في شيء من ذلك أعرض عنهما إلى أن يصطلحا على شيء يتفقان عليه أخذا مما ذكروه أواخر العارية بل أولى فتأمل ذلك فإنه مهم فإذا اجتمع معها ولد وأخوان فالحاجب لها الولد فقط; لأنه أقوى.
"وجدة" فأكثر لما صح أنه صلى الله عليه وسلم أعطاها السدس وأنه قضى به للجدتين "ولبنت ابن" فأكثر "مع بنت صلب" أو بنت ابن أعلى منها إجماعا "ولأخت أو أخوات لأب مع أخت لأبوين" قياسا على الذي قبله "ولواحد من ولد الأم" ذكرا أو أنثى وقد يرث بعض المذكورين بالتعصيب كما يعلم مما يأتي.

فصل في الحجب
وهو لغة المنع وشرعا منع من قام به سبب الإرث بالكلية أو من أوفر حظيه ويسمى الأول حجب حرمان وهو إما بالشخص أو الاستغراق وهو المراد هنا أو الوصف وسيأتي والثاني حجب نقصان وقد مر ومنه حجب الفرع للزوج أو الزوجة أو للأبوين "الأب والابن والزوج لا يحجبهم" من الإرث حرمانا "أحد" إجماعا لأن كلا منهم يدلي للميت بنفسه وليس فرعا عن غيره بخلاف المعتق فإنه, وإن أدلى بنفسه لكنه فرع عن النسب; لأنه مشبه به فقدم عليه "وابن الابن", وإن سفل "لا يحجبه إلا الابن" إجماعا أباه كان لإدلائه به أو عمه; لأنه أقرب منه "أو ابن ابن أقرب منه" كابن ابن وابن ابن ابن ابن ابن, ولولا قولي وإن سفل لم ينتظم استثناء نحو هذه الصورة ويحجبه أيضا أصحاب فروض مستغرقة كأبوين وبنتين "والجد", وإن علا "لا يحجبه إلا" ذكر "متوسط بينه وبين الميت" إجماعا كالأب; لأن كل من أدلى للميت بواسطة حجبته إلا أولاد الأم وخرج بذكر من أدلى بأنثى فإنه لا يرث أصلا فلا يسمى حجبا كما علم من حده السابق "والأخ لأبوين يحجبه الأب والابن وابن الابن", وإن سفل إجماعا "و" الأخ "للأب يحجبه هؤلاء" لأنهم حجبوا الشقيق فهو أولى "وأخ لأبوين"; لأنه أقوى وأقرب منه ويحجبه أيضا أخت لأبوين معها بنت أو بنت ابن وهو وإن كان حجبا بالاستغراق لكنه لا يخرج عن كونه حجب بأقرب منه فربما يرد على تعبيره المذكور ولا يشمله قوله الآتي وكل عصبة تحجبه أصحاب فروض مستغرقة; لأن الأخت هنا لم تأخذ إلا تعصيبا نعم أجاب ابن الرفعة بأن الكلام في مطلق من يحجبه وكل من البنت أو بنت الابن والشقيقة لا تحجبه عند الإطلاق, "و" الأخ "لأم يحجبه أب وجد وولد وولد ابن", وإن سفل, ولو أنثى للخبر الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم فسر الكلالة في الآية التي فيها إرث ولد الأم كما مر بأنه من لم يخلف ولدا ولا والدا, "وابن الأخ لأبوين يحجبه ستة أب وجد", وإن علا; لأنه أقوى منه وقيل يقاسم أبا الجد لاستواء

 

ج / 3 ص -40-          درجتيهما كالأخ مع الجد ويرد بأن هذا خارج عن القياس كما يأتي فلا يقاس عليه "وابن وابنه وأخ لأبوين ولأب"; لأنه أقرب منه وذكر ستة هنا ليرفع إيهام التكرر المحض عن هذا وما يليه وليفيد أن قوله "والأب" هذا معطوف على لأبوين الأول لا على ما يليه "يحجبه هؤلاء" الستة "وابن أخ لأبوين"; لأنه أقرب منه, "والعم لأبوين يحجبه هؤلاء" السبعة "وابن أخ لأب"; لأنهم أقرب منه "و" العم "لأب يحجبه هؤلاء" الثمانية "وعم لأبوين" كذلك "وابن عم لأبوين يحجبه هؤلاء" التسعة "وعم لأب و" ابن عم "لأب يحجبه هؤلاء" العشرة "وابن عم لأبوين" كذلك ولا يرد عليه أن كلا من العم بقسميه يطلق على عم الميت وعم أبيه وعم جده مع أن ابن عم الميت, وإن نزل يحجب عم أبيه, وابن عم أبيه وإن نزل يحجب عم جده وذلك; لأن الكلام بقرينة السياق في عم الميت لا عم أبيه ولا عم جده, "والمعتق يحجبه عصبة النسب" إجماعا; لأن النسب أقوى ومن ثم اختص بالمحرمية ووجوب النفقة وسقوط القود والشهادة ونحوها, "والبنت والأم والزوجة لا يحجبن" حرمانا إجماعا "وبنت الابن يحجبها ابن" مطلقا; لأنه أبوها أو عمها "أو بنتان إذا لم يكن معها من يعصبها" لأنه لم يبق من الثلثين شيء فإن وجد معها ذلك كأخيها أو ابن عمها أخذت معه الثلث الباقي تعصيبا "والجدة للأم لا يحجبها إلا الأم" لإدلائها بها ولا كذلك الأب والجد "و" الجدة "للأب يحجبها الأب" لإدلائها به وقال جمع مجتهدون لا يحجبها لحديث فيه لكن ضعفه عبد الحق وغيره وقد ترث وابن ابنها أو ابن بنتها حي من ابنه في صورة هي أن تكون جدة من جهتين بأن يموت ابنها أو بنتها وتترك ولدا متزوجا بنت عمته أو خالته وله منها ولد فيموت هذا الولد بعد موت أمه وأمها ويترك أباه وجدته العليا التي هي أم أم أمه وأم أبي أبيه أو وأم أم أبيه فترثه من جهة كونه ابن بنت بنتها لا من جهة كونه ابن ابن ابنها أو ابن ابن بنتها "والأم" إجماعا ولأنها أقرب منها في الأمومة التي بها الإرث,."و" الجدة "القربى من كل جهة تحجب البعدى منها" سواء أدلت بها كأم أب وأم أم أب وأم أم وأم أم أم الأم لا كأم أب وأم أبي أب وقصر اتحاد الجهة على المدلية فالمنع في المثال الأخير للأقربية مع اختلاف الجهة اصطلاح آخر غير ما في المتن هنا يناسبه ما يأتي في شرح في الأظهر فلا يرد عليه نعم إن كانت البعدى من جهة أخرى لم تحجب كما في الجدة العليا في الصورة السابقة فإن بنتها التي هي أم أم الميت لا تسقطها لأنها أعني العليا أم أم أبيه فهي مساوية لها من جهة الأب فورثت معها لا من جهتها وليس لنا جدة ترث مع بنتها الوارثة إلا هذه,."والقربى من جهة الأم" كأم أم "تحجب البعدى من جهة الأب كأم أم أب"; لأن لها قوتين: قربها بدرجة, وكون الأم كالأصل لتحقق نسبة الميت لها ولا كذلك الأب والجدات كفرعها, "والقربى من جهة الأب" كأم أب "لا تحجب البعدى من جهة الأم" كأم أم الأم "في الأظهر" بل يشتركان في السدس لأن الأب لا يحجبها فالجدة المدلية به أولى وفارق هذا القربى من جهة الأم لقوة قرابتها بتيقنها ومن ثم حجبت جميع الجدات من الجهتين بخلافه والقربى من جهة أمهات الأب كأم أم أب تسقط بعدى جهة آبائه كأم أم أبي الأب وأم أبي أبي الأب والقربى من

 

ج / 3 ص -41-          جهة آبائه كأم أبي أبيه لا تسقط بعدى جهة أمهاته كأم أم أم الأب على الأظهر أخذا برواية أهل المدينة عن زيد; لأنهم لكونهم أهل بلده أعرف بمرويه من غيرهم, "والأخت من الجهات" كلها "كالأخ" منها فيحجبها من يحجبه بتفصيله السابق نعم الشقيقة أو التي لأب لا يحجبها فروض مستغرقة حيث فرض لها والتي لأب لها السدس مع الشقيقة والأخ ليس كذلك ولا يرد للعلم به من كلامه "والأخوات الخلص لأب يحجبهن أيضا" شقيقة مع بنت لاستغراقهما و "أختان لأبوين" لأنه لم يبق من الثلثين شيء وخرج بالخلص ما لو كان معهن أخ لأب فيعصبهن ويأخذ الثلث هو وهما, "والمعتقة كالمعتق" فيحجبها عصبات النسب "وكل عصبة" لم تنتقل للفرض وهو غير ابن لما قدمه أولا أنه لا يحجب "يحجبه" استشكل تسمية هذا حجبا بما يرده أنه لا مشاحة في الاصطلاح فأخذ شارح بقضية الإشكال ليس في محله "أصحاب فروض مستغرقة" للمال كزوج وأم وولد أم وعم لا شيء للعم للخبر المتفق عليه {ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر} وخرج بقولي لم ينتقل للفرض الأخ لأبوين في المشركة والأخت لأبوين أو لأب في الأكدرية فكل منهما عصبة ولم يحجبه الاستغراق; لأنه انتقل للفرض, وإن لم يرث به في الأكدرية.
"تنبيه" شرط الحجب في كل ما مر الإرث فمن لا يرث لمانع مما يأتي لا يحجب غيره حرمانا ولا نقصانا أو يحجب فكذلك إلا في صور كالإخوة مع الأب يحجبون به ويردون الأم من الثلث إلى السدس وولديها مع الجد يحجبان به ويردانها إلى السدس ففي زوج وشقيقة وأم وأخ لأب لا شيء للأخ مع أنه مع الشقيقة يردان الأم إلى السدس.

فصل في إرث الأولاد وأولاد الابن اجتماعا وانفرادا
"الابن" المنفرد "يستغرق المال" بالعصوبة "وكذا البنون" إجماعا "وللبنت" المنفردة عمن يعصبها "النصف ولبنتين" كذلك "فصاعدا الثلثان" كما مر وذكر هنا تتميما وتوطئة لقوله "ولو اجتمع بنون وبنات فالمال لهم
{فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 176] للآية والإجماع وفضل الذكر لاختصاصه بنحو النصرة وتحمل العقل والجهاد وصلاحيته للإمامة والقضاء وغير ذلك وجعل له مثلاها; لأن له حاجتين حاجة لنفسه وحاجة لزوجته وهي لها الأولى بل قد تستغني بالزوج ولم ينظر إليه لأن من شأنها الاحتياج ولأنه قد لا يرغب فيها غالبا إذا لم يكن لها مال فأبطل تعالى حرمان الجاهلية لها, "وأولاد الابن" وإن سفلوا "إذا انفردوا كأولاد الصلب" فيما ذكر إجماعا لتنريلهم منزلتهم "فلو اجتمع الصنفان" أي أولاد الصلب وأولاد الابن "فإن كان من ولد الصلب ذكر" وحده أو مع أنثى "حجب أولاد الابن" إجماعا "وإلا" يكن منهم ذكر "فإن كان للصلب بنت فلها النصف والباقي لولد الابن الذكور أو الذكور والإناث" للذكر مثل حظ الأنثيين كأولاد الصلب "فإن لم يكن" منهم "إلا أنثى أو إناث فلها أو لهن السدس" تكملة الثلثين إجماعا ولخبر مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قضى به للواحدة "وإن كان للصلب بنتان فصاعدا أخذتا" أو أخذن "الثلثين" لما سبق "والباقي لولد الابن الذكور أو الذكور والإناث" للذكر مثل حظ الأنثيين "ولا شيء للإناث

 

ج / 3 ص -42-          الخلص" إجماعا "إلا أن يكون أسفل منهن" أو مساويهن كما فهم بالأولى وقد يدخل فيما قبله بجعل قوله لولد الابن للجنس الصادق بأخيهن وابن عمهن بل صرح بذلك في قوله الآتي إلا أن بنات الابن يعصبهن من في درجتهن أو أسفل.
"تنبيه" المتبادر من كلامهم أن المراد بالخلص أن لا يكون معهن معصب مساو أو أنزل وعليه فالاستثناء منقطع لأنهن مع وجوده لسن بخلص ويصح كونه متصلا بجعل الخلص مقصورا على من ليس معهن أخ وحينئذ يختص المساوي الذي أشرنا لدخوله بابن العم وفيه ما فيه.
"ذكر فيعصبهن" لتعذر إسقاطه لكونه عصبة ذكرا وحيازته مع بعده أو مساواته فأخذ الواحد منه مثلي نصيب الواحدة منهن ويسمى الأخ المبارك, "وأولاد ابن الابن مع أولاد الابن كأولاد الابن مع أولاد الصلب" في جميع ما مر "وكذا سائر المنازل" فلكل ذي درجة نازلة مع أعلى منها حكم ما ذكر "وإنما يعصب الذكر النازل من في درجته" كأخته وبنت عمه فيأخذ مثليها استغرق الثلثان أم لا وخرج بمن في درجته من هي أسفل منه فإنه يسقطها "ويعصب من" هي "فوقه إن لم يكن لها شيء من الثلثين" كبنتين وبنت ابن وابن ابن ابن بخلاف ما إذا كان لها منهما شيء كبنت وبنت ابن وابن ابن ابن فلها السدس وتستغني به وله الثلث الباقي, ولو كان في هذا المثال بنت ابن ابن أيضا قسم الثلث بينهما; لأن هذه لا شيء لها في السدس الذي هو تكملة الثلثين فعصبها قالوا وليس لنا من يعصب أخته وعمته وعمة أبيه وجده وبنات أعمامه وأعمام أبيه وجده إلا المستقل من أولاد الابن.

فصل في كيفية إرث الأصول
وقدم الفروع; لأنهم أقوى "الأب يرث بفرض" فقط هو السدس غير عائل "إذا كان معه ابن أو ابن ابن" وارث أو بنتان وأم وعائلا إذا كان معه بنتان وأم وزوج "و" يرث "بتعصيب" فقط "إذا لم يكن" معه "ولد ولا ولد ابن" سواء انفرد أو كان معه ذو فرض آخر كزوجة أو أم أو جدة "و" يرث "بهما إذا كان" معه "بنت أو بنت ابن" أو هما أو بنتان أو بنتا ابن "له السدس فرضا والباقي بعد فرضهما" أي فرض الأب وفرض البنت أو وفرض بنت الابن قيل لا يصح إفراد الضمير وإن وجب بعد العطف بأو لاقتضائه أنه عند اجتماعهما يأخذ الباقي بعد فرض إحداهما انتهى وهو صحيح إلا قوله وأن إلى آخره بناء على أن الضمير كما تقرر في حله للأب والبنت أو وبنت الابن ولم يسبق في هذين قول المحشي قوله: أو بعد فرضي البنت وبنت الابن ليس هذا في النسخ بأيدينا ا هـ. عطف بأو على أنها تدخل في عبارته ويصح شمول عبارته للبنت وبنت الابن فيصح ما قاله ويرد عليه فرضا البنتين وبنتي الابن فإن له ما فضل عن فرضهما أيضا "بالعصوبة" للخبر السابق آنفا, "وللأم الثلث أو السدس في الحالين السابقين في الفروض" وذكر تتميما وتوطئة لقوله "ولها في مسألتي زوج أو زوجة وأبوين ثلث ما بقي بعد الزوج" أصلها من اثنين للزوج واحد يبقى واحد على ثلاثة لا يصح ولا يوافق تضرب اثنين في ثلاثة للزوج ثلاثة وللأب

 

ج / 3 ص -43-          اثنان وللأم واحد ثلث ما بقي "أو الزوجة" أصلها من أربعة; لأن فيها ربعا وثلث ما يبقى ومنها تصح للزوجة واحد وللأم ثلث الباقي وللأب الباقي وجعل له ضعفاها; لأن كل أنثى مع ذكر من جنسها له مثلاها, وقال ابن عباس بعد إجماع الصحابة على ما تقرر, وخرق الإجماع إنما يحرم على من لم يكن موجودا عنده كما يأتي في العول لها الثلث كاملا لظاهر القرآن وأجاب الآخرون بتخصيصه بغير هذين الحالين لنص القرآن على أن له مثليها عند انفرادهما فكذا عند اجتماع غيرهما معهما إذ لا يتعقل بين الحالين فرق ولم يعبروا بسدس في الأول وربع في الثاني تأدبا مع ظاهر لفظ القرآن وزعم أنه لا تأدب مع مخالفة معناه ليس في محله; لأن المخالفة للدليل كما هنا واجبة فلتعذر مخالفة المعنى وإمكان موافقة اللفظ كانت الموافقة له تأدبا أي تأدب وتلقبان بالغراوين تشبيها لهما بالكوكب الأغر أي المضيء لشهرتهما وبالغريبتين; لأنه لا نظير لهما وبالعمريتين لقضاء عمر رضي الله عنه فيهما بذلك."والجد كالأب" في جميع ما تقدم حتى في جمعه بينهما فيما مر, وقيل لا يأخذ في هذه إلا بالتعصيب ومن فوائد الخلاف ما لو أوصى بشيء مما يبقى بعد الفرض أو بمثل فرض بعض ورثته أو بمثل أقلهم نصيبا فإذا أوصى لزيد بثلث ما يبقى بعد الفرض ومات عن بنت وجد فعلى الأول هي لزيد بثلث الثلث وعلى الثاني بثلث النصف ولا يرد عليه جمع زوج هو ابن عم أو معتق وزوجة معتقة بين الفرض والتعصيب; لأنه بجهتين والكلام في جمعهما بجهة واحدة "إلا أن الأب يسقط الإخوة والأخوات" للميت كما مر "والجد يقاسمهم إن كانوا لأبوين أو لأب" كما يأتي تفصيله "والأب يسقط أم نفسه"; لأنها تدلي به "ولا يسقطها" أي أم الأب "الجد"; لأنها لا تدلي به "والأب في زوج أو زوجة وأبوين يرد الأم من الثلث إلى ثلث الباقي ولا يردها الجد" بل تأخذ الثلث كاملا; لأنه لا يساويها فلا يلزم تفضيلها عليه ولا يرد على حصره أن جد المعتق يحجبه أخو المعتق وابن أخيه وأبو المعتق يحجبهما; لأنه سيذكر ذلك بقوله لكن الأظهر إلى آخره وأن الأب لا يرث معه إلا جدة واحدة والجد يرث معه جدتان; لأنه معلوم من قوله والأب يسقط إلى آخره وأبو الجد ومن فوقه كالجد في ذلك وكل جد يحجب أم نفسه ولا يحجبها من هو فوقه فكل ما علا الجد درجة زاد معه جدة وارثة فيرث مع الجد جدتان ومع أبي الجد ثلاث ومع جد الجد أربع وهكذا."وللجدة السدس" لما تقدم "وكذا الجدات" أي الجدتان فأكثر; لأن المراد بالجمع في هذا الباب ما فوق الواحد وذلك للحديث الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قضى للجدتين من الميراث بالسدس بينهما وفي مرسل أنه أعطاه لثلاث جدات وعليه إجماع الصحابة "وترث منهن أم الأم وأمهاتها المدليات بإناث خلص" كأم أم الأم وإن علت اتفاقا ولا ترث من جهة الأم إلا واحدة دائما "وأم الأب وأمهاتها كذلك" أي المدليات بإناث خلص لما صح عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قسم السدس بين أم الأم وأم الأب لما قيل له, وقد آثر به الأولى أعطيت التي لو ماتت لم يرثها ومنعت التي لو ماتت ورثها "وكذا أم أب الأب وأم الأجداد فوقه وأمهاتهن" يرثن "على المشهور"; لأنهن يدلين بوارث فهن كأم الأب لا كأم أبي الأم "وضابطه" أي إرثهن المعلوم من السياق

 

ج / 3 ص -44-          أن تقول "كل جدة أدلت بمحض إناث" كأم أم أم "أو" بمحض "ذكور" كأم أبي الأب "أو" بمحض "إناث إلى ذكور" كأم أم أب "ترث ومن أدلت بذكر بين أنثيين" كأم أبي الأم "فلا" ترث وحكى ابن المنذر الإجماع على ذلك.

فصل في إرث الحواشي
"الإخوة والأخوات لأبوين إذا" وفي نسخة إن "انفردوا" عن الإخوة والأخوات لأب "ورثوا كأولاد الصلب" فيأخذ الواحد فأكثر كل المال أو الباقي والواحدة نصفه والثنتان فأكثر ثلثيه والمجتمعون الذكر مثل حظ الأنثيين وقدم أن الابن لا يحجب بخلاف الشقيق فلا يرد عليه هنا "وكذا إن كانوا لأب" وانفردوا عن الأشقاء فيأخذون المال كما ذكر إجماعا "إلا" استثناء مما تضمنه كلامه أن الأخوات لأب كالأشقاء "في المشركة" بفتح الراء المشددة, وقد تكسر "وهي زوج وأم" أو جدة "أو ولدا أم" فأكثر "وأخ" فأكثر "لأبوين" سواء أكانوا ذكورا أم ذكورا وإناثا "فيشارك الأخ" الشقيق فأكثر "ولدي الأم في الثلث" بأخوة الأم فيأخذ كواحد منهم الذكر والأنثى في ذلك سواء لاشتراكهم في القرابة التي ورثوا بها وهي بنوة الأم, وقيل يسقط الشقيق; لأنه عصبة ولم يبق له شيء "ولو كان بدل الأخ" لأبوين "أخ لأب" وحده أو مع أخته أو أختيه "سقط" هو وهن إجماعا لفقد قرابة الأم ويسمى الأخ المشئوم, أو أخت أو أختان لأب فرض لها النصف ولهما الثلثان وعالت كما لو كانت شقيقة أو شقيقتان."ولو اجتمع الصنفان" أي الأشقاء والإخوة لأب "فكاجتماع أولاد الصلب وأولاد ابنه" فإن كان الشقيق ذكرا حجبهم إجماعا أو أنثى فلها النصف أو أكثر فلهما الثلثان, ثم إن كان ولد الأب ذكرا أو مع إناث أخذوا الباقي للذكر مثل حظ الأنثيين أو أنثى أو أكثر فلها أو لهما مع شقيقة السدس تكملة الثلثين ومع شقيقتين لا شيء لهما إلا إن كان معهما أخ يعصبهما ويسمى الأخ المبارك لا ابن أخ كما قال "إلا أن بنات الابن يعصبهن من في درجتهن أو أسفل" كما مر. "والأخت لا يعصبها إلا أخوها" بخلاف ابن أخيها بل الكل له دونها, والفرق أن ابن الأخ لا يعصب أخته فعمته أولى, وابن الابن يعصب عمته فأخته أولى. "وللواحد من الإخوة والأخوات لأم السدس وللاثنين فصاعدا الثلث" كما مر وذكر توطئة لقوله "سواء ذكورهم وإناثهم" إجماعا إلا رواية شاذة عن ابن عباس رضي الله عنهما ولأن إرثهم بالرحم كالأبوين مع الولد وإرث غيرهم بالعصوبة وهي تقتضي تفضيل الذكر وهذا أحد الأحكام الخمسة التي تميزوا بها والبقية أن ذكرهم المنفرد كأنثاهم المنفردة وأنهم يرثون مع من يدلون به وأنهم يحجبون من يدلون به حجب نقصان وإن ذكرهم يدلي بأنثى ويرث. "والأخوات" أو الأخت "لأبوين أو لأب مع" البنت أو "البنات" ومع بنت الابن "أو بنات الابن عصبة كالأخوة" إجماعا إلا ما حكي عن ابن عباس وغيره أنه لا ترث أخت مع بنت بل الباقي للعصبة كابن الأخ أو العم وإذ كن عصبة "فتسقط أخت لأبوين مع البنت" أو بنت الابن "الأخوات لأب" كما يسقط الشقيق الأخ لأب. "وبنو الإخوة لأبوين أو لأب كل منهم كأبيه اجتماعا وانفرادا" فيستغرق الواحد أو الجمع

 

ج / 3 ص -45-          المال إن انفرد وإلا أسقط ابن الشقيق ابن الأخ لأب "لكن يخالفونهم" أي آباءهم "في أنهم لا يردون الأم" من الثلث "إلى السدس" وفارقوا ولد الولد بأنه يسمى ولدا مجازا مشهورا بل حقيقة وابن الأخ لا يسمى أخا كذلك "ولا يرثون مع الجد" إجماعا; لأنه كأخ والأخ يسقطهم "ولا يعصبون أخواتهم"; لأنهن من ذوي الأرحام لتراخي قربهم مع ضعف الأنوثة "ويسقطون في المشركة" أي أولاد الإخوة الأشقاء كما صرح به أصله وعلم مما مر أن أولاد الأب يسقطون فيها فأولى أبناء الأشقاء المحجوبون بهم وذلك; لأن مأخذ التشريك قرابة الأم وابن ولد الأم لا يرث وفي أن أولاد الأشقاء لا يحجبون الإخوة لأب بخلاف الأشقاء وأن الأخ لأب يحجب ابن الشقيق وابنه لا يحجبه وإن بني الإخوة لا يرثون مع الأخوات إذا كن عصبات مع البنات بخلاف آبائهم وهذه الثلاثة علمت من كلامه كما يظهر بأدنى تأمل. "والعم لأبوين أو لأب" سواء عم الميت وعم أبيه وعم جده وهكذا "كالأخ من الجهتين اجتماعا وانفرادا" فيأخذ الواحد فأكثر منهم المال أو ما بقي ويسقط العم الشقيق العم للأب وهو يسقط بني الشقيق ومر ما يعلم منه أن بني الإخوة من الجهتين يحجبون الأعمام "وكذا قياس بني العم" لأبوين أو لأب فيحجب بنو العم الشقيق بني العم لأب "وسائر" أي باقي "عصبة النسب" كبني بني الإخوة وبني بني العم وهكذا فكل ابن منهم كأبيه وليس بعد بني الأعمام عصبة وبنو الأخوات العصبة ليسوا مثلهن ولا يرد عليه; لأن الكلام في العصبة بنفسه بل يتأمل أن أولادهن خرجوا بقوله عصبة النسب يندفع الإيراد من أصله. "والعصبة" بنفسه وبغيره ومع غيره وهو يشمل الواحد والمتعدد والذكر والأنثى "من ليس له سهم مقدر" حالة تعصيبه من جهة التعصيب "من المجمع على توريثهم" خرج بمقدر ذو الفرض وبما بعده ذوو الأرحام بناء على أن من ورثهم لا يسميهم عصبة وفيه خلاف بل على مذهب أهل التنزيل ينقسمون إلى ذوي فرض وعصبات ودخل في الحد بمراعاة قولنا حالة تعصيبه إلى آخره البنت مع الابن والأخت مع البنت والأب والجد وابن العم الذي هو أخ لأم أو زوج فإن أخذهم للفرض ليس في حالة التعصيب ولا ينافي ما قررته من شمول الحد للثلاثة تفريعه ما يختص بالعاصب بنفسه أو بنفسه وبغيره وهو قوله "فيرث المال" المخلف كله إذا لم يكن معه ذو فرض; لأنهم قد لا يلاحظون في التفريع بعض ما سبق على أن الآخرين يرث كل منهما على حدته كل المال إذا لم ينتظم أمر بيت المال وذلك للخبر السابق فما أبقت الفروض فلأولى رجل ذكر "أو ما فضل بعد الفروض" أو الفرض وهذا يعم الأنواع الثلاثة.

فصل في الإرث بالولاء
"من لا عصبة له بنسب وله معتق" استقر ولاؤه عليه فخرج عتيق حربي رق وعتقه مسلم فإنه الذي يرثه على النص "فماله" كله "أو الفاضل عن الفروض" أو الفرض "له" وسيعلم مما سيذكره أنه يلحق بالعتيق كل منتسب إليه "رجلا كان" المعتق "أو امرأة" للحديث الصحيح "إنما الولاء لمن أعتق" وللإجماع "فإن لم يكن" أي يوجد المعتق مطلقا

 

ج / 3 ص -46-          أو بصفة الإرث "ف" المال "لعصبته" أي المعتق "بنسب المتعصبين بأنفسهم لا لبنته" العصبة بغيرها "وأخته" العصبة مع غيرها; لأن الولاء أضعف من النسب المتراخي وإذا تراخى النسب لم ترث الأنثى كبنت الأخ والعم وعلم من تفسيري يكن بما مر رد ما أورده البلقيني وغيره عليه من أن كلامه صريح في أن الولاء لا يثبت للعصبة في حياة المعتق بل بعد موته وليس كذلك بل هو ثابت لهم في حياته حتى لو كان مسلما وأعتق نصرانيا ثم مات ولمعتقه أولاد نصارى ورثوه مع حياة أبيهم "وترتيبهم" هنا "كترتيبهم في النسب" فيقدم عند موت المعتق ابن فابنه وإن سفل الأقرب فالأقرب فأب فجد وإن علا فبقية الحواشي كما مر "لكن الأظهر أن أخا المعتق" لأبوين أو لأب "وابن أخيه" كذلك "يقدمان على جده" هنا وفي النسب الجد يشارك الأخ ويسقط ابن الأخ أما في الأول فلأن تعصيب الأخ يشبه تعصيب الابن لإدلائه بالبنوة وهي مقدمة على الأبوة وكان قياس ذلك أنه في النسب كذلك لكن صد عنه الإجماع وأما في الثانية فلقوة البنوة كما يقدم ابن الابن وإن سفل على الأب ويجري ذلك في عم المعتق أو ابنه وأبي جده فيقدم عمه أو ابن عمه وفي كل عم اجتمع مع جد وقد أدلى ذلك العم بأب دون ذلك الجد وضم في الروضة لتينك ما إذا كان للمعتق ابنا عم أحدهما أخ لأم فإنه يقدم وفي النسب يستويان فيما يبقى بعد فرض أخوة الأم; لأنه لما أخذ فرضها لم تصلح للتقوية وهنا لا فرض لها فتمحضت للترجيح "فإن لم يكن له عصبة فلمعتق المعتق, ثم عصبته" من النسب "كذلك" أي كالترتيب السابق في عصبة المعتق فإن فقدوا فلمعتق معتق المعتق ثم لعصبته وهكذا, ثم لبيت المال. "ولا ترث امرأة بولاء إلا معتقها" بفتح التاء ومنه خلافا لمن اعترض المتن أبوها أو ابنها إذا ملكته فعتق قهرا وقهرية عتقه عليها لا تخرجه عن كونه معتقها شرعا; لأن قبولها لنحو شرائه بمنزلة قولها له وهو في ملكها أنت حر "أو منتميا إليه بنسب" كابن ابنه وإن سفل "أو ولاء" كعتيقه وعتيق عتيقه وهكذا; لأن النعمة على الأصل نعمة على فروعه فلو اشترت امرأة أباها وعتق عليها, ثم هو عبدا وأعتقه فمات الأب عنها وعن ابن مثلا, ثم عتيقه عنهما فميراثه للابن دونها; لأنه عصبة معتق من النسب بنفسه وهي معتقة معتق والأولى مقدمة قيل أخطأ في هذه أربعمائة قاض غير المتفقهة حيث قدموها.

فصل في أحكام الجد مع الإخوة
إذا "اجتمع جد" وإن علا "وإخوة وأخوات لأبوين أو لأب" ففيه خلاف منتشر بين الصحابة رضوان الله عليهم ومن ثم عدوا الكلام فيه خطيرا حتى قال عمر وعلي رضي الله عنهما أجرؤكم على قسم الجد أجرؤكم على النار وقال علي من سره أن يقتحم جراثيم جهنم بحر وجهه فليقض بين الجد والإخوة وقال ابن مسعود سلوني عما شئتم من عضلكم ولا تسألوني عن الجد لا حياه الله ولا بياه. والحاصل أنهم أجمعوا على أنهم لا يسقطونه, ثم قال كثير من الصحابة وأكثر التابعين أنه يحجبهم كالأب وذهب إليه أبو حنيفة واختاره جمع من أصحابنا وقال الأئمة الثلاثة ككثير من الصحابة إنه يقاسمهم على

 

ج / 3 ص -47-          تفصيل فيه حاصله أنه متى اجتمع معهم "فإن لم يكن معهم ذو فرض فله الأكثر من ثلث المال ومقاسمتهم كأخ"; لأنه اجتمع فيه جهتا فرض وتعصيب, ووجه خصوص الثلث أنه مع الأم يأخذ مثليها والإخوة لا ينقصونها عن السدس فوجب أن لا ينقصوه عن ضعفه. والمقاسمة أنه مستو معهم في الإدلاء بالأب "فإن أخذ الثلث فالباقي لهم" للذكر مثل حظ الأنثيين, ثم إن كانوا مثليه لكونهم أخوين أو أخا وأختين أو أربع أخوات استويا ثم قيل يحكم على مأخوذه بأنه الثلث فرضا وصححه ابن الهائم ونقله ابن الرفعة عن ظاهر نص الأم, ووجهه أنه مهما أمكن الأخذ بالفرض كان أولى لقوته وتقديم صاحبه, وقيل بل هو تعصيب وهو ظاهر كلام الرافعي رحمه الله واعتمده الزركشي قال وقد تضمن كلام ابن الرفعة نقلا عن بعضهم أن جمهور أصحابنا عليه انتهى لكن قول المتن السابق, وقد يفرض للجد مع الإخوة صريح في الأول وقول السبكي رحمه الله لو أخذ بالفرض لأخذت الأخوات الأربع فأكثر في الصورة الثالثة الثلثين بالفرض لعدم تعصيبه لهن ولفرض لهن إذا كان ثم ذو فرض يجاب عنه بأن تغليب أخذه بالفرض نظرا لما فيه من جهة الولادة كالأم المنصوص عليه فيها لا يقتضي قطع النظر عما فيه من جهة التعصيب للأخوات نظير ما يأتي في الأكدرية وينبني عليهما ما لو أوصى بجزء بعد الفرض أو دون مثليه لكونهم أختا أو أخا أو أختين أو ثلاث أخوات أو أخا وأختا فالمقاسمة خير له أو فوق مثليه. وذلك فيما عدا الأمثلة المذكورة فالثلث خير له.
"وإن كان" معهم "ذو فرض فله" بعد الفرض "الأكثر من سدس" جميع "التركة وثلث الباقي والمقاسمة" وجه السدس أن الأولاد لا ينقصونه عنه فالإخوة أولى وثلث الباقي أنه لو فقد ذو الفرض أخذ ثلث المال والمقاسمة ما مر من تنزيله منزلة الأخ وذوات الفرض معهم بنت بنت ابن أم جدة زوجة زوج فالسدس خير له في زوجة وبنتين وجد وأخ وثلث الباقي في جدة وجد وخمسة إخوة والمقاسمة في جدة وجد وأخ. "وقد لا يبقى شيء" بعد أصحاب الفروض "كبنتين وأم وزوج فيفرض له سدس ويزاد في العول" إذ هي من اثني عشر وعالت لثلاثة عشر فيزاد له إلى خمسة عشر "وقد يبقى دون سدس كبنتين وزوج فيفرض له ويعال" إذ هي من اثني عشر يفضل واحد يزاد له عليه آخر فتعال بثلاثة عشر "وقد يبقى سدس كبنتين وأم" أصلها ستة يفضل واحد "فيفوز به الجد وتسقط الإخوة" والأخوات "في هذه الأحوال"; لأنهم عصبة ولم يبق بعد الفروض شيء, ولو كان مع الجد إخوة وأخوات لأبوين ولأب "فحكم الجد ما سبق" من خير الأمرين حيث لا صاحب فرض وخير الثلاثة مع ذي فرض كما لو لم يكن معه إلا أحد الصنفين المذكور أول الفصل ومن ثم عطف ثم بأو وهنا بالواو. "ويعد أولاد الأبوين عليه أولاد الأب في القسمة" أي يدخلونهم معهم فيها إذا كانت خيرا له "فإذا أخذ حصته فإن كان في أولاد الأبوين ذكر" واحد أو أكثر معه أنثى أو أكثر أو كان الشقيق ذكرا وحده أو أنثى معها بنت أو بنت ابن وأخ لأب "فالباقي" في الأولى بأقسامها "لهم" للذكر مثل حظ الأنثيين وفي الثانية له وفي الثالثة لها أي تعصيبا لما مر أنها معها عصبة مع الغير "وسقط أولاد الأب" كما في جد

 

ج / 3 ص -48-          وشقيق وأخ لأب للجد الثلث والباقي للشقيق وحجباه مع أن أحدهما غير وارث كما يحجبان الأم عن الثلث بجامع أن له ولادة كهي وكما يحجبها معه ولداها مع حجبهما به وكما أنهم يردونها إلى السدس والأب يحجبهم ويأخذ ما نقص من الأم وفارق ما تقرر اجتماع أخ لأم مع جد وشقيق فإن الجد هو الحاجب له مع أنه لا يفوز بحصته بأن الأخوة جهة واحدة فجاز أن ينوب أخ عن أخ ولا كذلك الجدودة والأخوة وأيضا ولد الأب المعدود غير محروم أبدا بل قد يأخذ كما يأتي فكان لعده وجه والأخ لأم محروم بالجد أبدا فلا وجه لعده "وإلا" يكن فيهم ذكر بل تمحضوا إناثا "فتأخذ الواحدة إلى النصف" أي النصف تارة كجد وشقيقة وأخ لأب من خمسة وتصح من عشرة للجد أربعة وللشقيقة النصف خمسة أي فرضا يفضل واحد للأخ من الأب ودونه أخرى كجد وزوجة وأم وشقيقة وأخ لأب للشقيقة هنا الفاضل وهو دون النصف; لأنه ربع وعشر "و" تأخذ "الثنتان فصاعدا إلى الثلثين" أي الثلثين تارة كجد وشقيقتين وأخ لأب من ستة ولا شيء للأخ ودونهما أخرى كجد وشقيقتين وأخت لأب من خمسة للشقيقتين ثلاثة وهي دون الثلثين وعدم زيادة الواحدة إلى النصف والثنتين إلى الثلثين يدل على أن ذلك تعصيب وإلا زيد وأعيل وظاهر أن هذا تعصيب بالغير وإن لم يأخذ مثليها; لأنه لعارض هو اختلاف جهة الجدودة والأخوة "ولا يفضل عن الثلثين شيء"; لأن الجد لا يأخذ أقل من الثلث "وقد يفضل عن النصف" شيء "فيكون لأولاد الأب" كما مر في جد وشقيقة وأخ لأب. "والجد مع أخوات كأخ فلا يفرض لهن معه" ولا تعال المسألة بينهن وأما هو فقد يفرض له وتعال كما مر; لأنه صاحب فرض فرجع إليه عند الضرورة "إلا في الأكدرية" قيل نسبة لأكدر الذي سأله عنها عبد الملك فأخطأ أو للذي ألقاها على ابن مسعود أو زوج الميتة أو بلدها أو لأكدرة وهي الميتة, وقيل; لأن زيدا كدر على الأخت بإعطائها النصف, ثم استرجاعه بعضه منها, وقيل; لأنها كدرت عليه مذهبه فإنه لا يفرض للأخوات مع الجد ولا يعيل, وقد فرض فيها وأعال, وقيل لتكدر أقوال الصحابة فيها "وهي زوج وأم وجد وأخت لأبوين أو لأب فللزوج نصف وللأم ثلث وللجد سدس وللأخت نصف" إذ لا مسقط لها ولا معصب; لأن الجد لو عصبها نقص حقه "فتعول" المسألة بنصفها من ستة إلى تسعة "ثم يقسم الجد والأخت نصيبيهما" وهما أربعة "أثلاثا له الثلثان" لا ينقسم عليهما فتضرب ثلاثة في تسعة للزوج تسعة وللأم ستة وللجد ثمانية وللأخت أربعة وقسم الثلثان بينهما لتعذر تفضيلها عليه كما في سائر صور الجد والإخوة ففرض لها بالرحم وقسم بينهما بالتعصيب رعاية للجانبين قال القاضي ومحل الفرض لها إذا لم يكن معها أخت أخرى لا تساويها وإلا أخذت السدس ولم تزد وهذه مما يغلط فيها كثيرا انتهى ويوجه ذلك بأن تعدد الأختين حجب الأم عن الثلث فبقي سدس فتعين للشقيقة لعدها أختها عليه وقوله لا تساويها ليس بقيد إلا في أخذها السدس وحدها إذ لو كان معها شقيقة مثلها حجبت الأم وأخذتا السدس.

 

ج / 3 ص -49-          فصل في موانع الإرث وما معها
"لا يتوارث مسلم وكافر" بنسب وغيره للحديث المتفق عليه "لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم" وللإجماع على الثاني وفارق جواز نكاح المسلم للكافرة بأن مبنى ما هنا على الموالاة ولا موالاة بينهما بوجه وأما النكاح فمن نوع الاستخدام وخبر الحاكم وصححه "لا يرث المسلم النصراني إلا أن يكون عبده أو أمته" مؤول بأن ما في يده للسيد كما في الحياة لا الإرث الحقيقي من العتيق; لأنه سماه عبده على أنه أعلى واعترض المتن بأن نفي التفاعل الصادق بانتفاء أحد الطرفين لا يستلزم نفي كل منهما المصرح به في أصله ويرد بأنه عول في ذلك على شهرة الحكم فلم يبال بذلك الإيهام على أن التفاعل يأتي كثيرا لأصل الفعل كعاقبت اللص وبأنه يوهم أنه لو مات كافر عن زوجة حامل ثم أسلمت, ثم ولدت لم يرث ولدها; لأنه مسلم تبعا لها وليس في محله; لأن العبرة بالاتحاد في الدين حالة الموت وهو محكوم بكفره حينئذ والإسلام هنا إنما طرأ بعده وإنما ورث مع كونه جمادا; لأنه بان بصيرورته للحيوانية أنها كانت موجودة فيه بالقوة ومن ثم قيل لنا جماد يملك وهو النطفة واعتراضه بأن الجماد ما ليس بحيوان ولا كان حيوانا أي ولا خرج من حيوان وإلا لم يتم الاعتراض يرد بأن هذا تفسير للجماد في بعض الأبواب لا مطلقا فلا يرد. "ولا يرث" زنديق وهو من لا يتدين بدين ولا "مرتد" حال الموت بحال وإن أسلم; لأنه لا مناصرة بينه وبين أحد لإهداره وبحث ابن الرفعة إرثه إذا أسلم خارق للإجماع قاله السبكي "ولا يورث" بحال بل ماله فيء لبيت المال سواء ما اكتسبه في الإسلام والردة ارتد في صحته أو مرضه وسيأتي في الجراح أن وارثه لولا الردة يستوفي قود طرفه.
"ويرث الكافر الكافر وإن اختلفت ملتهما"; لأن جميع ملل الكفر في البطلان كالملة الواحدة قال تعالى
{فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ} [يونس: 32] ونقل المصنف في شرح مسلم عن الأصحاب أن الحربيين في بلدين متحاربين لا يتوارثان سهو وتصوير إرث اليهودي من النصراني وعكسه مع أن المنتقل من ملة لملة لا يقر ظاهر في الولاء والنكاح وكذا النسب فيمن أحد أبويه يهودي والآخر نصراني فإنه يخير بينهما بعد البلوغ وكذا أولاده فلبعضهم اختيار اليهودية ولبعضهم اختيار النصرانية "لكن المشهور أنه لا توارث بين حربي وذمي" أو معاهد أو مستأمن ببلادنا لانتفاء الموالاة بينهما ويتوارث ذمي ومعاهد ومستأمن وأحد هؤلاء ببلادهم وحربي. "ولا يرث من فيه رق" وإن قل إجماعا ولأنه لو ورث ملكه السيد وهو أجنبي عن الميت وإنما لم يقولوا بإرثه, ثم تلقي سيده له بالملك كما قالوه في قبول قنه لنحو وصية أو هبة له; لأن هذه عقود اختيارية تصح للسيد فإيقاعها لقنه إيقاع له ولا كذلك الإرث وأفهم المتن أن الحر يرث وإن استغرقت منافعه بالوصية وسيأتي ما فيه ثم "والجديد أن من بعضه حر يورث" جميع ما ملكه ببعضه الحر; لأنه تام الملك عليه كالحر وأفهم هذا ما بأصله أن الرقيق لا يورث إلا في صورة هي كافر له أمان إن جني عليه, ثم نقض الأمان فسبي واسترق ومات بالسراية قنا فقدر الدية لوارثه ويجاب

 

ج / 3 ص -50-          بأنهم إنما أخذوها نظرا للحرية السابقة لاستقرار جنايتها قبل الرق ففي الحقيقة لا استثناء إلا بالنظر لكونهم حالة الموت أحرارا وهو قن. "ولا" يرث "قاتل" بأي وجه كان وإن وجب عليه كالقاضي يحكم به من مقتوله شيئا كأن حفر بئرا بداره فوقع بها مورثه لأخبار فيه يقوي بعضها بعضا وإن لم تخل من ضعف نعم قال ابن عبد البر في بعضها ليس للقاتل من مقتوله شيء إنه صحيح بالاتفاق وأجمعوا عليه في العمد قيل وتطابقت عليه الملل السابقة ولأنه لو ورث لاستعجل الورثة قتله فيؤدي إلى خراب العالم فاقتضت المصلحة منع إرثه مطلقا نظرا لمظنة الاستعجال أي باعتبار السبب فلا ينافي كونه مات بأجله كما هو مذهب أهل السنة ويرث المفتي بقتله وراوي خبر موضوع به على الأوجه; لأن قتله لا ينسب إليهما بوجه; لأن ما صدر عنهما لا يختص بمعين حتى يقصد به بخلاف حكم الحاكم "وقيل إن لم يضمن ورث"; لأنه قتل بحق ويرده أن المعنى إذا لم ينضبط أنيط الحكم بوصف أعم منه مشتمل عليه منضبط غالبا كالمشقة في السفر وقصد الاستعجال هنا وبه يندفع ما قيل كاد الشافعي أن يكون ظاهريا محضا في هذه المسألة قال المصنف رحمه الله ويضمن بضم أوله ليدخل فيه القاتل خطأ فإن العاقلة تضمنه ورد بأنه مبني على ضعيف أن الدية تلزمهم ابتداء, وقد يرث المقتول قاتله كأن يجرحه, ثم يموت هو قبله ومن الموانع الدور الحكمي كما مر آخر الإقرار وكون الميت نبيا قال صلى الله عليه وسلم "نحن معاشر الأنبياء لا نورث" ويحتاج لذلك عند موت عيسى صلى الله وسلم على نبينا وعليه وعلى سائر الأنبياء.
"تنبيهات" منها وقع في كلام الشيخين وغيرهما تقييد ما ذكر في الحفر بالعدوان فمن قتل مورثه ببئر حفرها بملكه يرثه وكذا وضع الحجر ونصب الميزاب وبناء حائط وقع عليه وغير ذلك وممن صرح بذلك الماوردي وسبقه إليه ابن سريج فإنه لما نقل عن أبي حنيفة وصاحبيه رحمهم الله تعالى أنه لو أخرج كنيفا أو ميزابا أو ظلة أو تطهر بماء أو صب ماء في الطريق أو أوقف دابة فيه فبالت مثلا فمات بذلك مورثه ورثه قال وهذا كله مخرج على قياس قول الإمام الشافعي على معنيين: أحدهما أن كل شيء فعله من ذلك مما له فعله لم يمنع إرثه ومما ليس له فعله أو كان متعديا فيه أو كان عليه حفظه كالسائق والقائد لم يرثه ولما نقل الأذرعي هذا قال عقبه وظاهر كلام الأصحاب أن المذهب أن كل مهلك مضمون عليه أو على عاقلته بما ذكر في الديات يمنع الإرث وقال أيضا عقب ما مر من التفصيل بين الحفر العدوان وغيره إنه الصحيح أو الصواب وتبعه الزركشي فقال إنه الصواب ولم ينظروا لقول بعض الأصحاب مشهور المذهب أنه لا فرق لقول المطلب وتبعه في الجواهر لا خلاف أن من حفر بئرا بملكه أو وضع حجرا فمات به قريبه ولا تفريط من صاحب الملك أنه يرثه. وكذا إذا وقع عليه حائطه; لأنه لا ينسب إليه القتل اسما ولا حكما انتهى.
ومنها ما ذكر أنه لا فرق بين المباشرة والسبب والشرط هو ما صرحوا به حتى الشيخان فإنهما وإن اقتصرا على الأولين مثلا لاشتباه السبب ببعض صور الشرط كالحفر

 

ج / 3 ص -51-          فقالا أو السبب كمن حفر بئرا عدوانا ومنها يؤخذ مما تقرر في صور الحفر ونحوه من كل ما ذكروه في الديات من التفصيل بين العدوان وغيره أن قولهم لا فرق بين المضمون وغيره محله في المباشرة والسبب دون الشرط ويفرق بأن المباشرة محصلة للقتل والسبب له دخل فيه فلم يفترق الحال فيهما بين المضمون وغيره بخلاف الشرط فإنه لا يحصله ولا يؤثر إذ هو ما حصل التلف عنده لا به فلبعد إضافة القتل إليه احتيج إلى اشتراط التعدي فيه ومنها ما وقع في بحر الروياني أمسكه فقتله آخر ورثه الممسك لا القاتل; لأنه الضامن وجرى عليه القمولي وغيره لكن جزم بعض متأخري الفرضيين بخلافه فقال لا يرث الممسك للجلاد أو غيره ويوجه الأول بأن الإمساك شرط لا سبب كما صرحوا به. وقد تقرر في الشرط أنه لا بد من تعدي فاعله لضعفه وقضية رعاية ضعفه اشتراط أن لا يقطعه غيره كما في الممسك مع الحاز لم ينظر إليه وأنيط الأمر بالمباشر وحده لاضمحلال فعل ذلك في جنب فعله.
ومنها لا يرث شهود التزكية ولا الإحصان سواء شهدوا به قبل الزنا أو بعده كما اقتضاه إطلاقهم قال الزركشي وهو المنقول في الغرم عند الرجوع, ثم استشكل ما هنا بأنهم بعد الرجم لو رجعوا هم وشهود الزنا غرم شهود الزنا لا الإحصان وهذا يدل على أنه لا تأثير لشهادتهما في القتل فينافي ما هنا أن لها تأثيرا وقد يفرق بأن الملحظ مختلف إذ هو هنا مجرد وجوده في الوقت, ولو مع غيره وإن جاز أو وجب, ولو لم يضمن به حسما للباب ولا كذلك, ثم; لأنهم توسعوا هنا ما لم يتوسعوا بنظيره في الضمان وأثر فيه أن القتل بعد الرجوع إنما يضاف لشهود الزنا لا غير فتأمله.
ومنها صرحوا في الرهن في مسائل أن الميتة بالولادة السبب في موتها الوطء فمن ذلك قولهم لو أحبلها الراهن فماتت بالولادة ضمن قيمتها; لأن وطأها هو السبب في هلاكها بخلاف ما لو زنى بأمة من غير أن يستولي عليها فماتت بإحباله; لأن الشرع لما قطع نسبة الولد عنه انقطع نسبة الوطء إليه. وقيل لا يضمن الراهن لاحتمال أن الموت ليس من وطئه بل لعارض آخر ولا يضمن زوجته بلا خلاف لتولد هلاكها من مستحق عليها هو وطؤه ونازع ابن عبد السلام في إطلاقهم المذكور في الزاني بأنه يتعين تقييده بما إذا لم يعلم أن الولد منه وإلا فينبغي أن يضمن; لأن إفضاء الوطء إلى الإتلاف والفوات لا يختلف بين كون السبب حلالا أو حراما وهذا كله كما ترى صريح في أن الزوج لا يرث زوجته التي أحبلها فماتت بالولادة لما علمت أن الوطء الذي هو فعله سبب في الهلاك بواسطة الإحبال الناشئ عنه الولادة الناشئ عنها الموت ولا نظر لاحتمال طرو مهلك آخر لما علمت أنهم أعرضوا عن النظر لقائله حيث عبروا عنه بقولهم, وقيل لا يضمن الراهن لاحتمال أن الموت إلى آخره ثم رأيت عن بعض المتأخرين أنه قال ينبغي أن يرث وعلله بأن أحدا لا يقصد القتل بالوطء فلا يسمى فاعله قاتلا وبأنها لم تمت بالوطء الذي هو فعله بل بالولادة الناشئة عن الحبل الناشئ عنه فهو مجاز بعيد في المرتبة الثالثة فلم يدخل في اللفظ ولا في المعنى وأنت خبير بأن كلا تعليليه لا ينتج له ما بحثه أما الأول

 

ج / 3 ص -52-          فلأنهم لم يشترطوا تسميته قاتلا بل أن يكون له دخل في القتل بمباشرة أو سبب أو شرط ولا شك أن الوطء كذلك بل كلامهم الذي في الرهن مصرح بأنه يسمى قاتلا وبأن الوطء يفضي للهلاك من غير نظر لاحتمال طرو مهلك. وبأن الشارع قطع نسبة الولد للزاني فلم يضمن المزني بها وأما الثاني فلأنهم مصرحون بأنه لا فرق في منع ماله دخل في القتل بين الداخل القريب والبعيد كتزكية مزكي الشاهد بإحصان المورث الزاني فتأمل بعد هذا المدخل مع منعه الإرث فبطل جميع ما وجه به بحثه الذي أفاده بذكره بعد ذكر ما تقدم عنهم في الرهن أنه أعني بحثه مخالف للمنقول, ووجه مخالفته له ما قررته, لكن صرح الزركشي بأن الزوج يرث جاذما به جزم المذهب وحينئذ ففي جريه على قواعدهم دقة والذي يتضح به جريه عليها أن يقال لا شك أن الوطء من باب التمتعات وهي من شأنها أن لا يقصد بها قتل ولا ينسب إليها وإنما خالفوه في الرهن لكون الراهن حجر على نفسه به في المرهونة فاقتضى الاحتياط لحق المرتهن منع الراهن من الوطء لحرمته ونسبة التفويت إليه بواسطة نسبة الولد إليه ليغرم البدل وأما هنا فقد تقرر في الشرط مع أنه من جنس ما يقصد به التفويت وينسب إليه القتل أنه لا بد من التعدي به لبعد إضافة القتل إليه فما لا تعدي به لا يمنع فإذا كان هذا لا يمنع فأولى إذ الشرط من جنس ما يقصد ولا كذلك الوطء.
ومنها اللعان والشك في النسب فلو تنازعا مجهولا ولا حجة فإن ماتا قبله وقف إلى البيان من تركة كل إرث ولد أو عكسه وقف من تركته إرث أب وسئلت عمن وطئت بشبهة فأتت بولد أي يمكن كونه من الزوج وواطئ الشبهة, وقد وطئاها في طهر واحد فمات قبل لحوقه بأحدهما ولأحدهما ولدان من غيرها فهل ترث السدس أو الثلث فأجبت أخذا من كلامهم المذكور بأنها تأخذ السدس; لأنها تستحقه على كل تقدير ويوقف السدس الآخر بينها وبين بقية الورثة إلى البيان للشك في مستحقه مع احتمال ظهوره لها أو لغيرها فلا مقتضي يقينا لأخذها له, ثم رأيت شارحا حكى فيها وجهين وقال أصحهما السدس انتهى وكأنه أخذ ذلك من قول المصنف رحمه الله لو شك في وجود أخوين فهل للأم الثلث أو السدس; لأنه المتيقن وجهان أرجحهما الثاني ا هـ. ولم يتعرضوا لوقف السدس الآخر ولا بد منه كما ذكرته وعدم تحقق حياة الوارث عند موت المورث ومن ثم قال:
"ولو مات متوارثان بغرق أو هدم" أو نحوهما كحريق "أو في غربة معا أو جهل أسبقهما" ومنه أن يعلم سبق ولا يعلم عين السابق أي ولا يرجى بيانه وإلا وقف فيما يظهر أخذا من نظائر له تأتي "لم يتوارثا" لإجماع الصحابة عليه فإنهم لم يجعلوا التوارث بين من قتل في يوم الجمل وصفين والحرة إلا فيمن علموا تأخر موته "ومال كل" منهما "لباقي ورثته" إذ لو ورثنا أحدهما كان تحكما أو كلا من الآخر تيقنا الخطأ, ولو علم السابق, ثم نسي وقف للبيان أو الصلح ونفيه التوارث باعتبار الحكم والأغلب فلا يرد عليه إيهام امتناعه في نفس الأمر ولا أن أحدهما قد يرث من الآخر دون عكسه كالعمة وابن أخيها وكثير من

 

ج / 3 ص -53-          تلك الموانع فيه تجوز لعدم صدق حد المانع عليه وهو الوصف الوجودي الظاهر المنضبط المعرف نقيض الحكم فانتفاء الإرث إما لانتفاء الشرط أو السبب. "ومن أسر أو فقد وانقطع خبره ترك ماله حتى تقوم بينة بموته أو تمضي مدة" من ولادته "يغلب على الظن" وفي بعض النسخ إسقاط على ويغلب إما بضم الفوقية وتشديد اللام أو بفتح التحتية وتخفيف اللام فالرابط محذوف أي بسببها ومعنى تغليبها الظن تقويتها له بحيث يصير قريبا من العلم فلا يكفي أصل الظن "أنه لا يعيش فوقها" ولا تتقدر بشيء على الصحيح "فيجتهد القاضي ويحكم بموته"; لأن الأصل بقاء الحياة فلا يورث إلا بيقين أو ما نزل منزلته ومنه الحكم; لأنه إن استند إلى المدة فواضح أو إلى العلم وإن لم تمض مدة فهو منزل منزلة البينة المنزلة منزلة اليقين "ثم" بعد الحكم بموته "ويعطى ماله من يرثه وقت الحكم" بأن يستمر حيا إلى فراغ الحكم فمن مات قبله أو معه لم يرثه وكلام البسيط الموهم خلاف ذلك مؤول هذا إن أطلق فإن قيدته البينة أو قيده هو في حكمه بزمن سابق اعتبر ذلك الزمن ومن كان وارثه حينئذ ولا تتضمن قسمة الحاكم الحكم بموته إلا إن وقعت بعد رفع إليه; لأن الأصح أن تصرف الحاكم ليس بحكم إلا إذا كان في قضية رفعت إليه وطلب منه فصلها ويعلم مما تقرر أنه لا يكفي مضي المدة وحدها بل لا بد معه من الحكم وقول بعضهم لا يحتاج معها إليه لقولهم في قن انقطع خبره بعد هذه المدة لا تجب فطرته ولا يجزئ عن الكفارة اتفاقا ولم يذكروا هنا الحكم انتهى فيه نظر بل لا يصح; لأن ما هنا أمر كلي يترتب عليه مصالح ومفاسد عامة فاحتيط له أكثر. "ولو مات من يرثه المفقود" كلا أو بعضا قبل الحكم بموته "وقفنا حصته" أي ما خصه من كل المال إن انفرد وبعضه إن كان مع غيره حتى يتبين أنه كان عند الموت حيا أو ميتا وبما قررت به كلامه اندفع ما توهم أنه لا التئام بين يرثه الظاهر في إرث الكل وحصته الظاهر في إرث البعض, ولو مات عن أخوين أحدهما مفقود وجب وقف نصفه إلى الحكم بموته, ثم إذا لم تظهر حياته في مدة الوقف يعود كل مال الميت الأول إلى الحاضر وليس لورثة المفقود منه شيء إذ لا إرث بالشك لاحتمال موته قبل مورثه ذكره الغزالي رحمه الله وغيره وهو ظاهر "وعملنا في" حق "الحاضرين بالأسوأ" فمن يسقطه المفقود لا يعطى شيئا ومن تنقصه حياته أو موته يعطى اليقين ففي زوج مفقود وشقيقتين وعم يعطيان أربعة من سبعة ويوقف الباقي وفي أخ لأب مفقود وشقيق وجد يقدر حيا في حق الجد وميتا في حق الآخر ويوقف السدس ومن لا يختلف حقه بحياته وموته كزوج وابن مفقود وبنت يعطى الزوج الربع; لأنه له بكل حال وتلف الموقوف للغائب يكون على الكل فإذا حضر استرد ما دفع لهم وقسم بحسب إرث الكل كما صرحوا به فيما إذا بانت حياة الحمل وذكورة الخنثى فيما يأتي. "ولو خلف حملا يرث" مطلقا لو كان منفصلا وإن لم يكن منه كأن مات من لا ولد له عن زوجة ابن حامل "أو قد يرث" بتقدير الذكورة كحمل حليلة الأخ أو الجد أو الأنوثة كمن ماتت عن زوج وشقيقة وحمل لأبيها فإنه إن كان ذكرا لم يأخذ شيئا; لأنه عصبة ولم يفضل له شيء أو أنثى ورثت السدس وأعيلت "عمل بالأحوط في حقه" أي

 

ج / 3 ص -54-          الحمل "وحق غيره" كما يأتي "فإن انفصل" كله "حيا" حياة مستقرة يقينا وتعرف بنحو قبض يد وبسطها لا بمجرد نحو اختلاج; لأنه قد يقع مثله لانضغاط وتقلص عصب ومن ثم ألغوا كل ما لا تعلم به الحياة لاحتمال أنه لعارض آخر "لوقت يعلم" أو يظن إذ إلحاق الولد بالفراش ظني أقامه الشارع مقام العلم فالعلم في كلامهم المراد به الحقيقي أو المنزل منزلته "وجوده عند الموت" بأن انفصل لأقل من أكثر من مدة الحمل ولم تكن فراشا لأحد أو لدون ستة أشهر وإن كانت فراشا أو اعترف الورثة بوجوده الممكن عند الموت "ورث" لثبوت نسبه وخرج بكله موته قبل تمام انفصاله فإنه كالميت هنا وفي سائر الأحكام إلا في الصلاة عليه إذا استهل, ثم مات قبل تمام انفصاله. وفيما إذا حز إنسان رقبته قبل انفصاله فإنه يقتل به وبحياة مستقرة ما لو انفصل وحياته لثبت كذلك كأن شك فيها أو في استقرارها فهو في حكم الميت "وإلا" بأن انفصل ميتا ولو بجناية أو حيا ولم يعلم وجوده عند الموت "فلا" يرث; لأن الأول كالعدم والثاني منتف نسبه عن الميت ولا ينافي هذا المقتضي لتوقف إرثه على ولادته بشرطها ما مر أنه ورث وهو جماد; لأن هذا باعتبار الظهور وذاك باعتبار التبين, ثم رأيت الإمام ذكر ما يصرح بذلك وأن المشروط بالشرطين إنما هو الحكم بالإرث لا الإرث نفسه وبعضهم أجاب بما يوهم خلاف ذلك فلا يعول عليه واعلم أن من يرث مع الحمل لا يعطى إلا اليقين "بيانه" أن تقول "إن لم يكن وارث سوى الحمل أو كان من قد يحجبه" الحمل "وقف المال" إلى انفصاله "وإن كان من لا يحجبه" الحمل "وله" سهم "مقدر أعطيه عائلا إن أمكن عول كزوجة حامل وأبوين لها ثمن ولهما سدسان عائلان" لاحتمال أنه بنتان فتكون من أربع وعشرين وتعول لسبعة وعشرين للزوجة ثلاثة وللأبوين ثمانية ويوقف الباقي فإن كان بنتين فهو لهما وإلا كمل الثمن والسدسان وهذه هي المنبرية لأن عليا كرم الله وجهه سئل عنها وهو يخطب بمنبر الكوفة على روي العين والألف فقال ارتجالا صار ثمن المرأة تسعا "وإن لم يكن له مقدر كأولاد لم يعطوا" حالا شيئا إذ لا ضبط للحمل; لأنه وجد منه في بطن خمسة وسبعة واثنا عشر وكذا أربعون على ما حكاه ابن الرفعة رحمه الله وأن كلا منهم كان كالإصبع وأنهم عاشوا وركبوا الخيل مع أبيهم في بغداد وكان من سلاطينها.
"تنبيه" إذا لم يعطو شيئا حالا ولم يكن لهم مال غير حصتهم من التركة فالكامل منهم الحكم فيه ظاهر وهو أنه يحصل كفاية نفسه إلى الوضع; لأن حصته الآن بمنزلة العدم م وأما المحجور فهو الذي يحتاج للنظر والذي يظهر فيه أن الولي الوصي أو غيره يرفع الأمر إلى القاضي ليفعل نظير ما مر في هرب نحو عامل المساقاة إذا تعذر بيع نصيبه ولم يوجد متبرع وفي اللقيط إذا لم يوجد مقرض ولا بيت مال ولا متبرع فحينئذ يفترض لهم من بيت المال أو غيره فإن تعذر ألزم الأغنياء بالإنفاق عليهم قرضا فإن تعذر القاضي, ولو بغيبته فوق مسافة العدوى أو خيف منه على المال اقترض الولي. وله الإنفاق من ماله والرجوع إن أشهد أنه أنفق ليرجع فإن لم يكن ولي لزم صلحاء البلد إقامة من يفعل ما ذكر أخذا مما مر أواخر الحجر والذي يظهر أخذا مما مر في زكاة نحو المغصوب أن الحاكم

 

ج / 3 ص -55-          لا يقترض هنا لإخراج زكاة الفطر بل يؤخر للوضع, ثم يخرج لما مضى وفارقت النفقة بأنها حالا ضرورية ولا كذلك الزكاة ويجري ذلك كله في سائر صور الوقف في كلامهم "وقيل أكثر الحمل أربعة" بالاستقراء وانتصر له كثيرون "فيعطون اليقين" فيوقف ميراث أربعة ويقسم الباقي ففي ابن وزوجة حامل لها الثمن وله خمس الباقي ويمكن من دفع له شيء من التصرف فيه ولا يطالب بضامن وإن احتمل تلف الموقوف ورد ما أخذه ليقسم بين الكل كما مر.
"تنبيه" يكتفى في الوقف بقولها أنا حامل وإن ذكرت علامة خفية بل ظاهر كلام الشيخين أنه متى احتمل لقرب الوطء وقف وإن لم تدعه.
"والخنثى المشكل" وهو من له آلتا الرجل والمرأة, وقد يكون له كثقبة الطائر وما دام مشكلا استحال كونه أبا أو جدا أو أما أو زوجا أو زوجة وهو من تخنث الطعام اشتبه طعمه المقصود بطعم آخر "وإن لم يختلف إرثه" بذكورته أو أنوثته "كولد أم ومعتق فذاك" واضح أنه يدفع له نصيبه "وإلا" بأن اختلف إرثه بالذكورة وضدها "فيعمل باليقين في حقه وحق غيره ويوقف" الباقي "المشكوك فيه حتى يتبين" حاله ولو بقوله وإن اتهم فإن ورث بتقدير لم يدفع له شيء ووقف ما يرثه على ذلك التقدير وإن ورث عليهما لكن اختلف إرثه أعطي الأقل ووقف الباقي أمثلة ذلك التي في أصله ولد خنثى وأخ يصرف للولد النصف ولد خنثى وبنت وعم يعطى الخنثى والبنت الثلثين بالسوية ويوقف الثلث بين الخنثى والعم ولد خنثى وزوج وأب للزوج الربع وللأب السدس وللخنثى النصف ويوقف الباقي بينه وبين الأب, ولو مات الخنثى مدة الوقف والورثة غير الأولين أو اختلف إرثهم لم يبق إلا الصلح ويجوز من الكمل في حق أنفسهم على تفاوت وتساو وإسقاط بعضهم ولا بد من لفظ صلح أو تواهب واغتفر مع الجهل للضرورة ولا يصالح نحو ولي محجور على أقل من حقه بفرض إرثه. "ومن اجتمع فيه جهتا فرض وتعصيب كزوج هو معتق أو ابن عم ورث بهما" لاختلافهما فيأخذ النصف بالزوجية والباقي بالولاء أو ببنوة العم وخرج بجهتا فرض وتعصيب إرث الأب بالفرض والتعصيب فإنه بجهة واحدة هي الأبوة "قلت فلو وجد في نكاح المجوس أو الشبهة بنت هي أخت" لأب بأن وطئ بنته فأولدها بنتا, ثم ماتت العليا عنها فهي أختها من أبيها وبنتها "ورثت بالبنوة" فقط; لأنهما قرابتان يورث بكل منهما بالفرض عند الانفراد فبأقواهما عند الاجتماع كالأخت لأبوين لا ترث النصف بأخوة الأب والسدس بأخوة الأم وزعم أنه لا يلزم من انتفاء التوريث بجهتي فرض انتفاؤه بجهتي فرض وتعصيب ممنوع; لأن الفرض أقوى من التعصيب فإذا لم يؤثر فأولى التعصيب ولا يرد ما مر في الزوج; لأن كلامنا هنا في جهتي فرض وتعصيب من جهة القرابة "وقيل" ترث "بهما" النصف بالبنوة والباقي بالأخوة وهو قياس ما يأتي في ابني عم أحدهما أخ لأم حيث يأخذ بأخوة الأم وبنوة العم إلا أن يفرق بأن وجود ابن العم فقط معه أوجب له تميزا عليه فوجب العمل بقضيته وهنا لا موجب للتميز لاتحاد

 

ج / 3 ص -56-          الأخذ فإن قلت قضية ذلك أنه لو كان مع هذه البنت التي هي أخت لأب أخت أخرى خير بأن أخذت الأولى النصف بالبنوة وقسم الباقي بينهما بالأخوة وكلامهم يأبى ذلك ويقتضي أن الباقي للثانية فقط. قلت ليس قضيته ذلك; لأن التعصيب في الأولى إنما جاء فيها من جهة البنتية التي فيها, وقد أخذت بها بخلاف بنوة العم في الأخ للأم فإن تعصيبه بها ليس من جهة أخوته التي أخذ بها وقولهم السابق في الولاء لما أخذ فرضها لم تصلح للتقوية يؤيد ذلك فتأمله "والله أعلم" وهذا استدراك على إطلاق أصله أن من فيه جهتا فرض وتعصيب يرث بهما وقول جمع من الشراح لا يحتاج لهذه الزيادة لعلمها من قوله الآتي ومن اجتمع فيه جهتا فرض نعم أفادت حكاية وجه ليس في أصله غير سديد; لأن ما هنا من قاعدة اجتماع فرض وتعصيب إذ الأخت عصبة مع البنت وما يأتي من قاعدة اجتماع فرضين ولا يلزم من رعاية الفرض الأقوى, ثم رعاية خصوص الفرض وأنه الأقوى هنا نعم في عبارة أصله ما يفهم هذا الاستدراك ولعله أشار لذلك بقوله فلو تفريعا على ما في أصله المفهم له ومع ذلك هو حسن لوضوحه وخفاء ذاك; لأن في التصريح من الوضوح وبيان المراد ما ليس في غيره لا سيما ما فيه خفاء.
"ولو اشترك اثنان في جهة عصوبة وزاد أحدهما بقرابة أخرى كابني عم أحدهما أخ لأم" بأن يتعاقب أخوان على امرأة وتلد لكل ابنا ولأحدهما ابن من غيرها فابناه ابنا عم الآخر وأحدهما أخوه لأمه "فله السدس" فرضا بأخوة الأم "والباقي بينهما بالسوية" وإنما أخذ الأخ من الأم في الولاء جميع المال لما مر أن أخوة الأم لا إرث بها فيه فتمحضت للترجيح بخلافه هنا "فلو كان معهما بنت فلها نصف والباقي بينهما" بالسوية لسقوط أخوة الأم بالبنت "وقيل يختص به الأخ"; لأن أخوته للأم لما حجبت تمحضت للترجيح كأخ لأبوين مع أخ لأب ويرد بوضوح الفرق فإن الحجب هنا أبطل اعتبار قرابة الأم فكيف يرجح بها حينئذ ولا يرد ما مر في الولاء; لأنها ثم لم يوجد مقتض للإرث بها وهنا وجد مانع لها عنه وشتان ما بينهما. "ومن اجتمع فيه جهتا فرض ورث بأقواهما فقط" لما مر "والقوة بأن تحجب إحداهما الأخرى" حجب حرمان أو نقصان "أو لا تحجب" أصلا والأخرى قد تحجب "أو تكون أقل حجبا" من الأخرى "فالأول كبنت هي أخت لأم بأن يطأ مجوسي أو مسلم بشبهة أمه فتلد بنتا" فالأخوة للأم ساقطة بالبنتية وصورة حجب النقصان أن ينكح مجوسي بنته فتلد بنتا ويموت عنهما فلهما الثلثان ولا عبرة بالزوجية; لأن البنت تحجب الزوجة من الربع إلى الثمن "والثاني كأم هي أخت لأب بأن يطأ بنته فتلد بنتا" فترث بالأمومة; لأنها لا تحجب حرمانا أصلا والأخت تحجب "والثالث كأم أم هي أخت" لأب "بأن يطأ هذه البنت الثانية فتلد ولدا فالأولى أم أمه" أي الولد "وأخته" لأبيه فترث بالجدودة; لأنها أقل حجبا إذ لا يحجبها إلا الأم والأخت يحجبها جماعة نعم إن حجبت القوية وورثت بالضعيفة كما لو مات هنا عن الأم وأمها فأقوى جهتي العليا وهي الجدودة محجوبة بالأم فترث بالأخوة فللأم الثلث بالأمومة ولا تنقصها أخوة نفسها مع الأخرى عن الثلث إلى السدس وللعليا النصف بالأخوة ويلغز بها فيقال قد ترث الجدة أم

 

ج / 3 ص -57-          الأم مع الأم ويكون للجدة النصف وللأم الثلث قال الشيخان ولا يرثون هنا بالزوجية قطعا لبطلانها وفيه نظر بناء على الأصح من صحة أنكحتهم.

فصل في أصول المسائل وما يعول منها وتوابع لذلك
"إن كانت الورثة عصبات" بالنفس وتأتي فيه الأقسام الثلاثة الآتية أو بالغير ويختص بالثالث "قسم المال" يعني التركة من مال وغيره "بينهم بالسوية إن تمحضوا ذكورا" كبنين أو إخوة "أو إناثا" كثلاث نسوة أعتقن قنا بالسوية ولا يتصور في غيرهن على أن السبكي نازع في أنه وجد فيها اجتماع عصبات حائزات لكن بما لا جدوى له "وإن" عطف على أن الأولى لا الثانية لفساد المعنى لكنه يوهم أن هذا القسم ليس فيه أن الورثة عصبات ولم يبال به لوضوح المراد "اجتمع الصنفان" من النسب "قدر كل ذكر أنثيين" عدل إليه عن قدر للأنثى نصف نصيبه لاتفاقهم على عدم ذكر الكسر "وعدد الرءوس المقسوم عليهم" يقال له "أصل المسألة" قيل الأحسن إعراب أصل مبتدأ مؤخر ويجاب بأن المراد الحكم على هذا العدد بأنه يقال له ذلك كما قدرته ففي ابن وبنت هي من ثلاثة وكذا في الولاء إن لم يتفاوتوا في الملك وإلا فأصل المسألة من مخرج المقادير كالفروض."وإن كان فيهم" أي الورثة لا العصبات وإن دل السياق عليه لفساد المعنى "ذو فرض أو ذوا" بالتثنية "فرضين" أو كانوا كلهم ذوي فرض أو ذوي فرضين فالاقتصار على الصورة الأولى للتمثيل "متماثلين فالمسألة" أصلها "من مخرج ذلك الكسر" ففي بنت وعم هي من اثنين وفي أم وأخ لأم وأخ لأب هي من ستة وزوج وشقيقة أو أخت لأب هي من اثنين وتسمى اليتيمة إذ ليس لنا شخصان يرثان المال مناصفة فرضا سواهما وأختين لغير أم وأخوين لأم هي من ثلاثة والمخرج أقل عدد يصح منه الكسر "فمخرج النصف اثنان والثلث" والثلثين "ثلاثة والربع أربعة والسدس ستة والثمن ثمانية" وكلها مشتقة من اسم العدد لفظا ومعنى إلا النصف فإنه من المناصفة لتناصف القسمين واستوائهما, ولو أريد ذلك لقيل ثني بضم أوله كثلث وما بعده. "وإن كان" أي وجد "فرضان مختلفا المخرج فإن تداخل مخرجاهما فأصل المسألة أكبرهما كسدس وثلث" في أم وأخ لأم وعم هي من ستة "وإن توافقا" بأحد الأجزاء "ضرب وفق أحدهما في الآخر. والحاصل أصل المسألة كسدس وثمن" في أم وزوجة وابن "فالأصل أربعة وعشرون" حاصلة من ضرب نصف أحدهما في كامل الآخر وهو أربعة في ستة أو ثلاثة في ثمانية "وإن تباينا ضرب كل" منهما "في كل. والحاصل الأصل كثلث وربع" في أم وزوجة وشقيق "الأصل اثنا عشر" حاصلة من ضرب ثلاثة في أربعة أو عكسه "فالأصول" أي المخارج "سبعة" فرعه على ما قبله لعلمه من ذكره للمخارج الخمسة وزيادة الأصلين الآخرين "اثنان وثلاثة وأربعة وستة وثمانية واثنا عشر وأربعة وعشرون"; لأن الفروض القرآنية لا يخرج حسابها عن هذه وزاد متأخرو الأصحاب أصلين آخرين في مسائل الجد والإخوة حيث كان ثلث الباقي بعد الفروض خيرا له ثمانية عشر كجد وأم وخمسة إخوة لغير أم; لأن أقل عدد له سدس صحيح وثلث ما يبقى هو

 

ج / 3 ص -58-          الثمانية عشر وستة وثلاثين كزوجة وأم وجد وسبعة إخوة لغير أم; لأن أقل عدد له ربع وسدس صحيحان وثلث ما يبقى هو الستة والثلاثون واستصوب المتولي والإمام هذا واختاره في الروضة لأنه أخصر ولأن ثلث ما يبقى فرض ضم لغيره فلتكن الفريضة من مخرجهما كما في زوج وأبوين هي من ستة اتفاقا فلولا ضم ثلث الباقي للنصف لكانت من اثنين وتصح من ستة ونوزع في الاتفاق بأن جمعا جعلوها من اثنين واعتذر الإمام عن القدماء بأنهم إنما جعلوا ذلك تصحيحا لوقوع الخلاف في ثلث الباقي والأصول إنما هي موضوعة للمجمع عليه. "والذي يعول منها" أي من هذه الأصول ثلاثة ومر أن العول زيادة في السهام ونقص في الأنصباء, وقد أجمع الصحابة رضي الله عنهم عليه لما جمعهم عمر مستشكلا القسمة في زوج وأختين فأشار عليه العباس به أخذا مما هو معلوم فيمن مات وترك ستة وعليه لرجل ثلاثة ولآخر أربعة أن المال يجعل سبعة أجزاء ووافقوه, ثم خالف فيه ابن عباس رضي الله عنهما وكأنه ممن يرى أن شرط انعقاد الإجماع الذي تحرم مخالفته انقراض العصر وسكوته ليس لظنه أن عمر لا يقبل الحق لو ظهر له بل لكونه لم يقو عنده سبب المخالفة كذا قيل ويلزم منه أن لا إجماع إلا أن يقال إن عدم ظهور شيء له حينئذ صيره كالعدم بالنسبة لانعقاد الإجماع وإن جاز له خرقه بعد النظر لعدم انقراض العصر بل بالنظر لهذا يجوز له خرقه وإن وافق المجمعين أولا ونظيره ما وقع لعلي كرم الله وجهه في بيع أم الولد حيث وافقهم على منعه, ثم رأى جوازه فقال له عبيدة السلماني رأيك في الجماعة أحب إلينا من رأيك وحدك وحينئذ لا إشكال أصلا. "الستة إلى سبعة كزوج وأختين" لغير أم فتعول بمثل سدسها ونقص من كل سبع ما نطق له به "وإلى ثمانية كهم" إدخال الكاف على الضمير لغة عدل إليها مع قلتها روما للاختصار "وأم" لها السدس وكزوج وأخت لغير أم وأم وتسمى المباهلة من البهل وهو اللعن; لأن عمر لما قضى فيها بذلك خالفه ابن عباس بعد موته فجعل للأخت ما بقي بعد النصف والثلث فقيل له خالفت الناس فطلب المباهلة المذكورة في الآية وفيه ما مر آنفا "وإلى تسعة كهم وأخ لأم" له السدس "وإلى عشرة كهم وآخر لأم" له السدس وتسمى أم الفروخ بالخاء المعجمة والجيم لكثرة الإناث فيها أو لكثرة سهامها العائلة والشريحية; لأن القاضي شريحا أول من جعلها عشرة "والاثنا عشر" تعول "إلى ثلاثة عشر كزوجة وأم وأختين" لغير أم فتعول بنصف سدسها "وإلى خمسة عشر كهم وأخ لأم" له السدس "وسبعة عشر كهم وآخر لأم" له السدس وكثلاث زوجات وجدتين وأربع أخوات لأم وثمان أخوات لغير أم وتسمى أم الأرامل; لأن فيها سبع عشرة أنثى متساويات والدينارية; لأن الميت لو ترك سبعة عشر دينارا خص كلا دينار "والأربعة والعشرون" تعول "إلى سبعة وعشرين" فقط "كبنتين وأبوين وزوجة" فتعول بمثل ثمنها ومر أنها تسمى المنبرية. "وإذا تماثل العددان" كثلاثة وثلاثة "فذاك" ظاهر أنه يكتفي بأحدهما "وإن اختلفا وفني الأكثر بالأقل مرتين فأكثر كثلاثة مع ستة أو تسعة" أو خمسة عشر "فمتداخلان" لدخول الأقل في الأكثر حينئذ وهو المراد من التفاعل فيكتفي بالأكبر ويجعل أصل المسألة كما مر "وإن" اختلفا و "لم يفنهما إلا عدد

 

ج / 3 ص -59-          ثالث فمتوافقان بجزئه كأربعة وستة" فإنهما متوافقان "بالنصف"; لأن الأربعة لا تفني الستة بل يبقى منها اثنان يفنيان كليهما وهما عدد ثالث فكان التوافق بجزئه وهو النصف; لأن العبرة بنسبة الواحد لما وقع به الإفناء ونسبته للاثنين النصف وللثلاثة كتسعة واثني عشر إذ لا يفنيهما إلا الثلاثة الثلث وإلى الأربعة كثمانية وأربعين مع اثنين وخمسين إذ لا يفنيهما إلا أربعة الربع ولم يعتبر هنا إفناء الاثنين; لأنه سبق مثال التوافق بالنصف وهكذا إلى العشرة فإن كان المفنى أكثر من عشرة فالتوافق بالأجزاء كجزء من أحد عشر ومتى تعدد المفنى فالتوافق بحسب نسبة الواحد إلى كل من ذلك المتعدد كاثني عشر مع ثمانية عشر يفنيهما ثلاثة وستة واثنان ونسبة الواحد للأولى ثلث وللثانية سدس وللثالثة نصف فتوافقهما بالأثلاث والأسداس والأنصاف ومر أن حكمهما أنك تضرب وفق أحد العددين في الآخر لكن العبرة بأدق الأجزاء كالسدس هنا "وإن" اختلفا و "لم يفنهما إلا واحد" لم يقل عدد واحد; لأنه ليس بعدد عند أكثر الحساب "تباينا"; لأن مفنيهما وهو الواحد من غير جنسهما وهو العدد وكأنه أشار إلى هذا الفرق بتغيير الجزء الموجب للسؤال عن حكمته "كثلاثة وأربعة" يضرب أحدهما في الآخر ويجعل الحاصل أصل المسألة كما مر. "والمتداخلان متوافقان" أي كل متداخلين متوافقان بأجزاء ما في العدد الأقل كثلاثة مع ستة بينهما توافق بالأثلاث "ولا عكس" بالمعنى اللغوي أي ليس كل متوافقين متداخلين لوجود التوافق ولا تداخل كستة مع ثمانية; لأن شرط التداخل أن لا يزيد الأقل على نصف الأكثر والمراد بالتوافق هنا مطلقه الصادق بغير التباين لا التوافق السابق; لأنه قسيم التداخل كما عرف من حديهما السابقين فكيف يصدق عليه ألا ترى أن الثلاثة لا توافق الستة حقيقة; لأن شرطه أن لا يفنيهما إلا ثالث والثلاثة تفني الستة.
"فرع" في تصحيح المسائل ولتوقفه على معرفة تلك الأحوال الأربعة وطأ له ببيانها وجعل الفرع ترجمة له; لأنه المندرج تحت كلي سابق فالترجمة به هنا أظهر منها فيما بعد ولكون القصد به سلامة الحاصل لكل من الكسر سمي تصحيحا.
"إذا عرفت أصلها" أي المسألة "وانقسمت السهام عليهم" أي الورثة بلا كسر كزوج وثلاثة بنين "فذاك" واضح غني عن العمل "وإن انكسرت" السهام "على صنف" منهم "قوبلت" سهامه المنكسرة "بعدده فإن تباينا" أي السهام والرءوس "ضرب عدده في المسألة بعولها إن عالت" فما اجتمع صحت منه كزوجة وأخوين لهما ثلاثة منكسرة يضرب اثنان عددهما في أربعة أصل المسألة تبلغ ثمانية ومنها تصح وكزوج وخمس أخوات لهن أربعة لا تصح بضرب عددهن في سبعة ومنها تصح "وإن توافقا ضرب وفق عدده" أي الصنف "فيها" بعولها إن كان "فما بلغ صحت منه" كأم وأربعة أعمام لهم سهمان يوافقان عددهم بالنصف فيضرب اثنان في ثلاثة ومنها تصح وكزوج وأبوين وست بنات تعول لخمسة عشر للبنات ثمانية توافق عددهن بالنصف فيضرب نصفهن ثلاثة في خمسة عشر تبلغ خمسة وأربعين ومنها تصح. "وإن انكسرت على صنفين قوبلت سهام كل صنف" منهما "بعدده فإن توافقا" أي سهام كل منهما وعدده ويحتمل عود الضمير على مطلق السهام والعدد

 

ج / 3 ص -60-          ليشمل توافق واحد فقط "رد الصنف" الموافق أي عدد رءوسه "إلى" جزء "وفقه وإلا" يتوافقا كذلك بأن تباينا في كل من القسمين أو إحداهما "ترك" عدد كل فريق بحاله في الأولى وترك المباين بحاله في الثانية فهذه ثلاثة أحوال إما أن يوافق كل أو لا يوافق واحد منهما أو يوافق أحدهما فقط وفي كل منهما أربع نسب بين ذوات الصنفين توافق وتداخل وقسيماهما "ثم إن تماثل عدد الرءوس" في تلك الأحوال "ضرب أحدهما في أصل المسألة بعولها" إن كان "وإن تداخلا ضرب أكبرهما" في ذلك "وإن توافقا ضرب وفق أحدهما في الآخر, ثم" ضرب "الحاصل في" أصل "المسألة" بعولها إن كان "وإن تباينا ضرب أحدهما في الآخر, ثم" ضرب "الحاصل في" أصل "المسألة" بعولها إن كان "فما بلغ" الضرب في نوع مما ذكر "صحت المسألة منه" ويسمى المضروب في المسألة من المثل أو الأكبر أو الوفق أو الكل أو حاصل كل جزء السهم وأمثلة تلك الأحوال الاثنا عشر ظاهرة منها للتوافق مع التماثل أم وستة إخوة لأم وثنتا عشرة أختا لغير أم للإخوة سهمان من سبعة يوافقان عددهم بالنصف فترجع لثلاثة وللأخوات أربعة توافق عددهن بالربع فترجع لثلاثة فتماثلا فتضرب ثلاثة في سبعة ومنها تصح ومنها للتباين ثلاث بنات وأخوان لغير أم. تصح من ثمانية عشر ومنها للتوافق في أحدهما مع التداخل أربع بنات وأربعة إخوة لغير أم يرجع عددهن لاثنين فيتداخلان فتضرب أربعة في ثلاثة تبلغ اثني عشر ومنها تصح "ويقاس على هذا" المذكور "الانكسار على ثلاثة أصناف" كجدتين وثلاثة إخوة لأم وعمين "وأربعة" كزوجتين وأربع جدات وثلاثة إخوة لأم وعمين فينظر في سهام كل صنف وعدد رءوسهم فحيث وجدنا الموافقة رددنا الرءوس إلى جزء الوفق وإلا أبقيناها بحالها, ثم في عدد الأصناف تماثلا وتوافقا وقسيميهما فالأولى من ستة وتصح من ستة وثلاثين والثانية من اثني عشر وتصح من اثنين وسبعين "ولا يزيد الانكسار على ذلك" في غير الولاء بالاستقراء; لأن الورثة في الفريضة الواحدة عن اجتماع كل الأصناف لا يمكن زيادتهم على خمسة كما علم مما مر أول الباب ومنهم الأب والأم والزوج ولا تعدد فيهم "فإذا أردت" بعد فراغك من تصحيح المسألة "معرفة نصيب كل صنف من مبلغ المسألة فاضرب نصيبه من أصل المسألة" بعولها إن كان "فيما ضربته فيها فما بلغ فهو نصيبه ثم تقسمه على عدد الصنف" مثاله بلا عول جدتان وثلاث أخوات لأب وعم من ستة وتصح من ستة وثلاثين جزءا سهمها ستة للجدتين واحد فيها بستة وللأخوات أربعة فيها بأربعة وعشرين والباقي للعم وبعول زوجتان وأربع جدات وست شقيقات من اثني عشر وتعول لثلاثة عشر جزءا سهمها ستة فتصح من ثمانية وسبعين من له شيء منها أخذه مضروبا في ستة.
"فرع" في المناسخات وهي من جملة تصحيح المسائل فلذا حسنت ترجمتها بفرع كالذي قبلها وهي لغة مفاعلة من النسخ وهو لغة الإزالة والنقل وشرعا هنا أن يموت أحد الورثة قبل القسمة والمعنى اللغوي موجود فيه إذ المسألة الأولى ذهبت وصار الحكم للثانية مثلا وأيضا فالمال قد تناسخته الأيدي وهي من عويص علم الفرائض.
"مات عن ورثة فمات أحدهم قبل القسمة فإن لم يرث الثاني غير الباقين وكان إرثهم"

 

ج / 3 ص -61-          أي الباقين "منه" أي الثاني "كإرثهم من الأول جعل" الحال بالنظر للحساب "كأن الثاني" من ورثة الأول "لم يكن وقسم" المال "بين الباقين كإخوة وأخوات" لغير أم "أو بنين وبنات مات بعضهم عن الباقين" وقدم الإخوة لاتحاد إرثهم من الأول والثاني إذ هو بالأخوة بخلاف البنين فإنه في الأول بالبنوة وفي الثاني بالأخوة وما أشعر به كلامه وتمثيله من اشتراط كون جميع الباقين وارثين وكونهم عصبة ليس بشرط ألا ترى أنها لو ماتت عن زوج وابنين من غيره, ثم مات أحد الابنين قبل القسمة فوارث الثاني هو الابن الباقي وهو عصبة فيهما دون الزوج وهو ذو فرض في الأولى وغير وارث في الثانية فيفرض أن الميت الثاني لم يكن ويدفع ربع التركة للزوج والباقي للابن "وإن لم ينحصر إرثه في الباقين" لكون الوارث غيرهم أو لكون الغير يشاركهم فيه. "أو انحصر" إرثه فيهم "واختلف قدر الاستحقاق" لهم من الأول والثاني "فصحح مسألة الأول, ثم مسألة الثاني, ثم إن انقسم نصيب الثاني من مسألة الأول على مسألته فذاك" واضح كزوج وأختين لأب ماتت إحداهما عن الأخرى وبنت فالأولى بعولها من سبعة والثانية من اثنين ونصيب الميتة اثنان من الأولى ينقسم على مسألتها "وإلا" ينقسم "فإن كان بينهما موافقة ضرب وفق مسألته في مسألة الأول" كجدتين وثلاث أخوات متفرقات ماتت الأخت لأم عن أخت لأم هي الشقيقة في الأولى وأم أم هي إحدى الجدتين وعن شقيقتين فالأولى من ستة وتصح من اثني عشر والثانية من ستة صحيحة ونصيب الميتة الثانية من الأولى اثنان يوافقان مسألتها بالنصف فيضرب نصف مسألتها في الأولى تبلغ ستا وثلاثين لكل من الجدتين في الأولى سهم في ثلاثة بثلاثة وللوارثة في الثانية سهم في واحد بواحد وللأخت للأب في الأولى سهمان في ثلاثة بستة وللأخت للأبوين في الأولى ستة في ثلاثة بثمانية عشر وفي الثانية سهم في واحد بواحد وللشقيقتين في الثانية أربعة في واحد بأربعة "وإلا" يكن بينهما توافق بل تباين ولا يأتي هنا التماثل والتداخل. "ضرب كلها فيها فما بلغ صحتا منه, ثم" قل "من له شيء من" المسألة "الأولى أخذه مضروبا فيما ضرب فيها" وهو جميع المسألة الثانية أو وفقها "ومن له شيء من الثانية أخذه مضروبا في نصيب الثاني من الأولى" إن تباينا "أو" في "وفقه إن كان بين مسألته ونصيبه وفق" كزوجة وثلاثة بنين وبنت ماتت البنت عن أم وثلاثة إخوة هم الباقون من ورثة الأول فالأولى من ثمانية والثانية تصح من ثمانية عشر ونصيب الميتة من الأولى سهم يباين مسألتها فتضرب الثانية في الأولى تبلغ مائة وأربعا وأربعين للزوجة من الأولى سهم في ثمانية عشر ومن الثانية واحد في ثلاثة ولكل ابن من الأولى سهمان في ثمانية عشر ومن الثانية سهم واحد وما صحتا منه يصير كمسألة أولى فإذا مات ثالث عمل في مسألته ما عمل في مسألة الثاني وهكذا.