تحفة المحتاج بشرح المنهاج ط العلمية

ج / 3 ص -62-          كتاب الوصايا
قيل الأنسب تقديمها على ما قبلها; لأن الإنسان يوصي, ثم يموت, ثم تقسم تركته, ويرد بأن علم قسمة الوصايا ودورياتها متأخر عن علم الفرائض وتابع له فتعين تقديم الفرائض كما درج عليه أكثرهم جمع وصية مصدر أو اسمه ومنه {حِينَ الْوَصِيَّةِ}, وبمعنى اسم المفعول ومنه
{مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ} [النساء: 11-12] من وصيت الشيء بالشيء بالتخفيف وصلته, ومن ثم قال في القاموس وصى كوعى وصل واتصل و {يُوصِيكُمُ اللَّهُ} يفرض عليكم وتواصوا به أوصى به أولهم آخرهم ا هـ ويقال وصى وأوصى بكذا لفلان بمعنى وأوصى إليه ووصاه وأوصاه توصية ووصية عهد إليه, وجعله وصية فعلم إطلاق الوصية على التبرع الآتي قريبا والعهد الآتي آخر الباب وأنها لغة الإيصال; لأن الموصي وصل خير دنياه بخير عقباه, كذا وقع في عبارة وفي عبارة شارح وصل القربة الواقعة بعد الموت بالقربات المنجزة في حياته, وهذا أوضح; لأن القصد بالوصية إيصال ثوابها إلى ما قدمه منجزا في حياته, وشرعا لا بمعنى الإيصاء لما يأتي فيه تبرع بحق مضاف ولو تقديرا لما بعد الموت ليس بتدبير ولا تعليق عتق بصفة, وإن التحقا بها حكما كتبرع نجز في مرض الموت, أو ما ألحق به وهي سنة مؤكدة إجماعا وإن كانت الصدقة بصحة فمرض أفضل فينبغي أن لا يغفل عنها ساعة كما نص عليه الخبر الصحيح "ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي به يبيت ليلة أو ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه" أي ما الحزم أو المعروف شرعا إلا ذلك; لأن الإنسان لا يدري متى يفجؤه الموت, وقد تباح كما يأتي وعليه حمل قول الرافعي إنها ليست عقد قربة أي دائما بخلاف التدبير, وتجب وإن لم يقع به نحو مرض على ما اقتضاه إطلاقهم لكن يأتي قبيل قوله وطلق حامل ما يصرح بتقييد الوجوب بالمخوف ونحوه بحضرة من يثبت الحق به إن ترتب على تركها ضياع حق عليه أو عنده ولا يكتفى بعلم الورثة أو ضياع نحو أطفاله لما يأتي في الإيصاء وتحرم لمن عرف منه أنه متى كان له شيء في تركة أفسدها, وتكره بالزيادة على الثلث إن لم يقصد حرمان ورثته, وإلا حرمت على ما يأتي وأركانها موص وموصى له وموصى به وصيغة وذكرها على هذا الترتيب مبتدئا بأولها; لأنه الأصل فقال:
"تصح وصية كل مكلف حر" كله أو بعضه مختار عند الوصية "وإن كان" مفلسا أو سفيها لم يحجر عليه أو "كافرا" ولو حربيا وإن أسر ورق بعدها كما شمله كلامهم, وإنما يتجه إن مات حرا وإلا ففيه نظر; لأن المال في الوصية معتبر بحال الموت وهو غير مالك حينئذ إلا أن يقال محل اعتباره حينئذ فيمن يتصور ملكه في هذه الحالة لكنه بعيد, وذلك كما يصح سائر عقوده والتنظير في هذه أخذا من أن القصد منها زيادة الأعمال بعد الموت وهو لا عمل له بعده يرد بأن المنظور إليه فيها بطريق الذات كونها عقدا ماليا لا خصوص

 

ج / 3 ص -63-          ذلك, ومن ثم صحت صدقته وعتقه ويأتي في الردة أن وصية المرتد موقوفة وشمل الحد المحجور عليه بسفه أيضا لكن صرح به لبيان ما فيه من الخلاف الذي لا يأتي في غير المحجور وإن أتى فيه خلاف آخر مخرج من الخلاف في أنه هل يعود الحجر بطرو السفه من غير حجر حاكم أو لا؟ فقال "وكذا محجور عليه بسفه على المذهب" لصحة عبارته ومن ثم نفذ إقراره بعقوبة وطلاقه ولاحتياجه للثواب "لا مجنون ومغمى عليه وصبي" إذ لا عبارة لهم بخلاف السكران وإن لم يكن له تمييز كما يعلم مما يأتي في الطلاق "وفي قول تصح من صبي مميز"; لأنها لا تزيل الملك حالا, ويجاب بأنه لا نظر لذلك مع فساد عبارته حتى في غير المال "ولا رقيق" كله عندها ولو مكاتبا لم يأذن له سيده لعدم ملكه أو أهليته "وقيل إن عتق" بعدها "ثم مات صحت" منه, ويرد بنظير ما مر في المميز أما المبعض فتصح بما ملكه ببعضه الحر إلا بالعتق كما قاله جمع; لأنه ليس من أهل الولاء "وإذا أوصى لجهة عامة فالشرط أن لا تكون معصية" ولا مكروها أي لذاته لا لعارض كما يعلم مما يأتي في النذر فيهما, وكذا إذا أوصى لغير جهة يشترط عدم المعصية والكراهة أيضا, ومن ثم بطلت لكافر بنحو مسلم أو مصحف, وكان وجه اقتصاره على الأولى كثرة وقوعها وقصدها بخلاف غير الجهة وشمل عدم المعصية القربة كبناء مسجد ولو من كافر ونحو قبة على قبر نحو عالم في غير مسبلة وتسوية قبره ولو بها لا بنائه ولو بغيرها للنهي عنه وفي زيادات العبادي لو أوصى بأن يدفن في بيته بطلت الوصية ولعله بناه على أن الدفن في البيت مكروه, وليس كذلك, والمباحة كفك أسارى كفار منا وإن أوصى به ذمي وإعطاء غني وكافر وبناء رباط لنزول أهل الذمة أو سكناهم به, وإن سماه كنيسة ما لم يأت بما يدل على أنه للتعبد وحده أو مع نزول المارة على الأوجه أما إذا كانت معصية فلا تصح من مسلم ولا كافر "كعمارة" أو ترميم "كنيسة" للتعبد وكتابة نحو توراة وعلم محرم وإعطاء أهل حرب أو ردة ووقود كنيسة بقصد تعظيمها لا نفع مقيم بها أي لغير تعبد فيما يظهر واختار جمع المنع مطلقا.
"تنبيه" وقع لشيخنا في شرح الروض أنه علل صحتها بفك الكفار من أسرنا بأن الوصية لأهل الحرب جائزة, فالأسارى أولى ثم ناقضه بعد بقوله في شرح صحتها لحربي ومرتد والكلام في المعينين فلا تصح لأهل الحرب والردة, ويجاب بأن مراده بأهل الحرب في الأول ما صدقه أي جماعة معينين منهم فلا ينافي كلامه آخرا كما دل عليه تفريعه المذكور فيه.
"أو" أوصى "لشخص" واحد أو متعدد "فالشرط أن" يكون معينا كما بأصله أي ولو بوجه لما يأتي في إن كان ببطنها ذكر واكتفي عنه بما بعده خلافا لمن اعترضه; لأن المبهم كأحد الرجلين لا يتصور له ما دام على إبهامه الملك الذي نحن فيه, وهو ما يحصل بعقد مالي, وإنما صح أعطوا هذا أحدهما; لأنه تفويض لغيره وهو إنما يعطي معينا, ومن ثم صح قوله لوكيله بعه لأحدهما وأن يكون ممن يمكن أن "يتصور له الملك" حال الوصية كما سيصرح به في الحمل, ومن ثم لو أوصى لحمل سيحدث بطلت وإن حدث قبل موت

 

ج / 3 ص -64-          الموصي; لأنها تمليك وتمليك المعدوم ممتنع ولأنه لا متعلق للعقد في الحال فأشبه الوقف على من سيولد له, وقد صرحوا بذلك في المسجد بقولهم لو أوصى لمسجد سيبنى بطل أي وإن بني قبل موته فقول جمع حال موت الموصي فيه إيهام بإرث أو معاقدة ولي, فخرج المعدوم والميت والبهيمة في غير ما يأتي نعم إن جعل المعدوم تبعا للموجود كأن أوصى لأولاد زيد الموجودين ومن سيحدث له من الأولاد صحت لهم تبعا كما هو قياس الوقف إلا أن يفرق بأن من شأن الوصية أن يقصد بها معين موجود بخلاف الوقف; لأنه للدوام المقتضي لشموله للمعدوم ابتداء. ثم رأيت بعضهم اعتمد القياس, وأيده بقول الروضة الأولاد والذرية والنسل والعقب والعترة على ما ذكرنا في الوقف, وهو متجه لما يأتي أن الملك ثم ناجز وهنا منتظر فإذا كفت التبعية في الناجز فأولى في المنتظر, ولا ينافيه تعليل الرافعي الآتي لما علمت أن التمليك فيها لا يتصل به أثره فلم تضر التبعية فيه وجمعا اعتمدوا الفرق فقالوا لأنها للتمليك وتمليك المعدوم ممتنع كما صرح به الرافعي تعليلا للمذهب من بطلان الوصية لما ستحمله هذا المرأة, واستدل بعضهم لذلك بقول البيان لو أوصى لعقب زيد فمات الموصي, ثم زيد فالوصية لولده أو لأولاد زيد صرف للموجودين يوم الوصية دون من يولد له بعده ا هـ وفي فرقه بين العقب والأولاد نظر وعلى ما قاله أولئك من البطلان فالذي يظهر بطلان الوصية في النصف قياسا على ما يأتي في الوصية لزيد والجدار أو نحوه مما لا يوصف بالملك, ولا شك أن من سيحدث من ذلك فإفتاء بعضهم بإلغاء ذكرهم وصحتها بالكل للموجودين غير صحيح وتخريجها على الوصية للأقارب وقلنا لا تدخل ورثته فاسد; لأنه ثم لم يذكر الورثة حتى يوزع عليهم فكأنهم لم يذكروا, ومن ثم لو قلنا بدخولهم بطل في نصيبهم, ثم رأيت بعضهم صرح بما ذكرته لكنه استدل بما لا ينهض ولا ينافي البطلان صحة الإيصاء على أطفاله الموجودين ومن سيولد له أخذا مما نقل أن الشافعي رضي الله عنه فعل ذلك في وصيته; لأنه لا تمليك هنا بخلافه فيما مر وأورد عليه صحتها مع عدم ذكر جهة ولا شخص كأوصيت بثلث مالي, ويصرف للفقراء والمساكين أو بثلثه لله ويصرف في وجوه البر, ويجاب بأن من شأن الوصية أن يقصد بها أولئك فكان إطلاقها بمنزلة ذكرهم ففيه ذكر جهة ضمنا, وبهذا فارقت الوقف فإنه لا بد فيه من ذكر المصرف, وسيأتي صحتها بغير المملوك, وليس قضية المتن هنا خلاف ذلك خلافا لمن زعمه لما يأتي من الفرق الواضح بين الموصى به وله.
"فرع" صرح الصيمري وصاحب التنبيه وتبعهم ابن الرفعة والقمولي ولم يباليا باقتضاء كلام الرافعي خلافه بأنه يصح تعليق الوصية بالشرط في الحياة أو بعد الموت كأوصيت بكذا له إن تزوج بنتي أو رجع من سفره أو إن مت من مرضي هذا أو إن شاء زيد فشاء أو إن ملكت هذا فملكه, وصرح الماوردي بقبولها للتعليق بأن يدخل الأداة على أصل الفعل وللشرط بأن يجزم بالأصل, ويشترط فيه أمرا آخر حيث قال لو أوصى بعتقها على أن لا تتزوج عتقت على الشرط فإن تزوجت لم يبطل العتق والنكاح; لأن عدم الشرط يمنع

 

ج / 3 ص -65-          إمضاء الوصية ونفوذ العتق يمنع الرجوع فيه لكن يرجع عليها بقيمتها تكون ميراثا وإن طلقها الزوج, ولو أوصى لأم ولده بألف على أن لا تتزوج أعطيتها فإن تزوجت استرجعت منها بخلاف العتق ا هـ. وبه يعلم أنه لو أوصى لفلان بعين إلا أن يموت قبل البلوغ فهي لوارثي أو بعين إن بلغ وبمنفعتها قبل بلوغه صح, وعمل بشرطه نعم لا بد من البلوغ في حياة الموصي أخذا من قولهم في متى أو إن دخلت الدار أو شئت فأنت مدبر أو حر بعد موتي لا بد من الدخول أو المشيئة في حياة السيد كسائر الصفات المعلق عليها فإن دخل أو شاء بعد موت السيد فلا تدبير وقد يفرق بأن التدبير له أحكام خاصة به في الحياة فاشترط لتحققها وجود المعلق به في الحياة لتعلم والوصية لا يثبت لها من الأحكام شيء قبل الموت لجواز الرجوع عنها بالقول فلم يحتج لوجود المعلق به في الحياة بل لا يعتد بوجوده إلا بعد الموت كما اقتضاه كلامهم في هذا الباب أو أوصى له بكذا إن لم يفعل كذا فقبل وتصرف في الموصى به, ثم فعل ذلك بان بطلان الوصية والتصرف فيرجع الوارث بعين الموصى به أو بدله, ولو بعد مدد وأعوام وتنقله من أيد مختلفة, وأما ما في تدريب البلقيني من قبول الوصية للتعليق دون الشرط فضعيف لما علمت من تصريح الماوردي بخلافه ولو أشار لمملوك غيره بقوله أوصيت بهذا, ثم ملكه صحت كما يأتي بما فيه.
"فتصح لحمل وتنفذ" بالمعجمة "إن انفصل حيا" حياة مستقرة وإلا لم يستحق شيئا كالإرث "وعلم" أو ظن "وجوده عندها" أي الوصية "بأن انفصل لدون ستة أشهر" منها, وإن كانت فراشا لزوج أو سيد; لأنها أقل مدة الحمل فيعلم أنه كان موجودا عندها "فإن انفصل لستة أشهر فأكثر" منها "والمرأة فراش زوج أو سيد" وأمكن كون الولد من ذلك الفراش "لم يستحق" لاحتمال حدوثه من ذلك الفراش بعد الوصية فلا يستحق بالشك, ومنه يؤخذ اتجاه قول الإمام لا بد أن يمكن غشيان ذي الفراش لها أي عادة فإن أحالته العادة كأن كان بين أوله والوضع دون ستة أشهر أو كان ممسوحا كان كالعدم لما يأتي أن الظاهر وجوده عند الوصية إلى آخره وإلحاقهم الستة أشهر فقط هنا بما فوقها لا يخالف ما ذكروه في الطلاق والعدد من إلحاقها بما دونها; لأن الملحظ ثم الاحتياط للبضع, وهو إنما يحصل بتقدير لحظة العلوق أو مع الوضع نظرا للغالب من أنه لا بد منهما فنقصوهما من الستة فصارت في حكم ما دونها. وأما هنا فالأصل عدم الوجود وعدم الاستحقاق ولا داعي للاحتياط, وذلك الغالب يمكن أن لا يقع بأن يقارن الإنزال العلوق والوضع آخر الستة فنظروا لهذا الإمكان وألحقوا الستة هنا بما فوقها وهذا الذي ذكرته هنا أولى من قول شيخنا في شرح منهجه ما حاصله أن العبرة بإمكان مقارنة العلوق لأول المدة المستلزم لإلحاق الستة بما فوقها في الكل, ولا ينافيه من ألحقها بما دونها; لأنه نظر في سائر الأبواب للغالب أنه لا مقارنة فلا بد من لحظة ا هـ, وذلك لأن إلغاء اللحظة في سائر الأبواب نظرا لإمكان المقارنة مناف لتصريحهم في محال متعددة باعتبارها بل مع لحظة أخرى للوضع فإن أراد بذلك صحة كل من التعبيرين نظرا للإمكان وللغالب قلنا يلزم انبهام المعتمد إذ لا

 

ج / 3 ص -66-          يدرى من ذلك أن العبرة بالإمكان أو بالغالب فالوجه بل الصواب ما قررته من الأخذ بالإمكان هنا وبالغالب في بقية الأبواب لما تقرر من الفرق فتأمله فإنه مهم, وسيعلم من كلامه قبيل العدد أن التوأمين حمل واحد فاندفع قول جمع يرد عليه ما لو انفصل أحد توأمين لستة أشهر, ثم انفصل توأم آخر بينه وبين الأول دون ستة أشهر فإنه يستحق, وإن انفصل لفوق ستة أشهر من الوصية "فإن لم تكن فراشا" لزوج أو سيد أو كانت "وانفصل" لدون ستة أشهر منه و "لأكثر من أربع سنين" من الوصية "فكذلك" لا يستحق للعلم بحدوثه بعد الوصية "أو لدونه" أي الأكثر "استحق في الأظهر"; لأن الظاهر وجوده عند الوصية إذ لا سبب هنا ظاهر يحال عليه وتقدير الزنا إساءة ظن بها ووطء الشبهة نادر وبهذا اتضح الفرق بين إلحاق الأربع بما دونها والستة بما فوقها, وحاصله أن وجود الفراش ثم وعدمه هنا غلب على الظن التفرقة بينهما بما ذكر, والكلام كله حيث عرف لها فراش سابق, ثم انقطع أما من لم يعرف لها فراش أصلا, وقد انفصل لأربع سنين فأقل ولستة أشهر فأكثر فلا استحقاق قطعا لانحصار الأمر حينئذ في وطء الشبهة أو الزنا وكلاهما يحتمل الحدوث فيضاف إلى أقرب زمان يمكن; لأن الأصل عدمه فيما قبله قاله السبكي ويقبل الوصية ولو قبل انفصاله على المعتمد وليه بتقدير خروجه.
"وإن أوصى لعبد" أو أمة وقد يشملها لغيره سواء المكاتب وغيره "فاستمر رقه" إلى موت الموصي "فالوصية لسيده" عند موت الموصي أي تحمل على ذلك لتصح, وإن قصد العبد على الأوجه بل إطلاقهم هنا وتفصيلهم الآتي في الدابة كالصريح في ذلك وفارق بطلان نحو الوقف والهبة بهذا القصد; لأن الملك فيهما ناجز, وهو ليس من أهله وهنا منتظر, ولعله يعتق قبل موت الموصي فيكون الملك له وقضيته صحة وقفه على زيد, ثم على عبد فلان وقصد تمليكه; لأن الاستحقاق فيه منتظر إلا أن يقال وضع الوقف أن الملك فيه ناجز فلا نظر لهذه الصورة, ويقبلها هو وإن نهاه سيده; لأن الخطاب معه لا سيده إلا إذا لم يتأهل القن لنحو صغر أو جنون على أحد احتمالين لا يبعد ترجيحه, ثم رأيت شيخنا رجحه, ويظهر أن السيد لو أجبره عليه لم يصح; لأنه ليس محض اكتساب كما يفهمه قولهم; لأن الخطاب معه, وأنه لو أصر على الامتناع تأتى فيه ما يأتي من أن الموصى له يجبر على القبول أو الرد ولا نظر هنا إلى عدم استحقاق العبد لما تقرر أن المدار على كونه مخاطبا لا غير "فإن عتق قبل موت الموصي فله" الوصية; لأنها تمليك بعد الموت وهو حر حينئذ ولو عتق بعضه فقياس قولهم في الوصية لمبعض ولا مهايأة يقسم بينهما أنه يستحق هنا بقدر حريته, والباقي للسيد قاله الزركشي وعليه فلا فرق هنا بين وجود مهايأة وعدمها, ويفرق بأن وجود الحرية عند الوصية اقتضى ذلك التفصيل بخلاف طروها بعدها والعبرة في الوصية لمبعض, وثم مهايأة بذي النوبة يوم الموت كيوم القبض في الهبة "وإن عتق بعد موته" أو معه "ثم قبل بني" القول بملكه للموصى به "على أن الوصية بم تملك", والأصح أنها تملك بالموت بشرط القبول فتكون للسيد ولو بيع قبل موت الموصي فللمشتري, وإلا فللبائع ومحل ذلك كله في قن عند الوصية فلو أوصى لحر فرق لم تكن

 

ج / 3 ص -67-          لسيده بل له إن عتق وإلا فهي فيء وتصبح لقنه برقبته فإن أوصى له بثلث ماله نفذت في ثلث رقبته فيعتق وباقي ثلث ماله وصية لمن بعضه حر وبعضه ملك للوارث ولقن وارثه, وتتوقف على الإجازة مطلقا ما لم يبعه قبل موت الموصي وإلا فهي للمشتري "وإن أوصى لدابة" يصح الوقف عليها كالخيل المسبلة أولا "وقصد تمليكها أو أطلق فباطلة"; لأن مطلق اللفظ للتمليك, وهي لا تملك حالا ولا مآلا وبه فارقت العبد وتقبل دعوى الوارث المبطل بيمينه وفي البيان لو قال: ما أدري ما أراد مورثي بطلت قطعا "وإن" قصد علفها أو "قال ليصرف في علفها" بفتح اللام المأكول وبإسكانها المصدر ونقلا عن ضبطه "فالمنقول صحتها"; لأن مؤنتها على مالكها فهو المقصود بالوصية, ومع ذلك يتعين صرفه في مؤنها وإن انتقلت لآخر رعاية لغرض الموصي, ومن ثم لو دلت قرينة ظاهرة على أنه إنما قصد به مالكها وإنما ذكرها تجملا أو مباسطة تعين له على الأوجه كما أشار إليه الأذرعي أخذا مما قالوه في الهبة ويتولاه الوصي وإلا فالقاضي أو مأمور أحدهما ولو المالك, ولا يسلم له بغير إذن أحدهما ولو ماتت كان ما بقي لمالكها كما هو ظاهر ويشترط قبوله.
قال الأذرعي وأن لا تكون متخذة لمعصية كقطع الطريق ا هـ وقياس ما يأتي من صحة الوصية لقاطع الطريق إلا أن قال ليقطعها توقف البطلان هنا على قوله ليقطعها عليها إلا أن يفرق بأن الوصية له لم تنحصر في المعصية لاحتمال صرفه الموصى به في غير ذلك بخلافها فيها فإن قصدها بالرفق مع علم قطع الطريق عليها فيه إعانة على معصية, ويظهر أنه يأتي ما ذكر في الوصية بشيء ليصرف في مؤنة قن الغير وأن ذكرهم للدابة إنما هو للغالب لا غير ومن ثم لو أوصى بعمارة دار غيره لزمت وتعين الصرف لعمارتها رعاية لغرض الموصي.
"وتصح لعمارة" نحو "مسجد" ورباط ومدرسة ولو من كافر إنشاء وترميما; لأنها من أفضل القرب ولمصالحه لا لمسجد سيبنى إلا تبعا على قياس ما مر آنفا "وكذا إن أطلق في الأصح" بأن قال أوصيت به للمسجد وإن أراد تمليكه لما مر في الوقف أنه حر يملك أي منزل منزلته "وتحمل" الوصية حينئذ "على عمارته ومصالحه" ولو غير ضرورية عملا بالعرف ويصرفه الناظر للأهم والأصلح باجتهاده وهي للكعبة وللضريح النبوي على مشرفه أفضل الصلاة والسلام تصرف لمصالحهما الخاصة بهما كترميمهما, وهي من الكعبة دون بقية الحرم وقيل في الأول لمساكين مكة وللحرم يدخل فيها مصالحهما, ويظهر أخذا مما تقرر ومما قالوه في النذر للقبر المعروف بجرجان صحتها كالوقف لضريح الشيخ الفلاني, ويصرف في مصالح قبره والبناء الجائز عليه ومن يخدمونه أو يقرءون عليه ويؤيد ذلك ما مر آنفا من صحتها ببناء قبة على قبر ولي أو عالم أما إذا قال للشيخ الفلاني ولم ينو ضريحه ونحوه فهي باطلة "ولذمي" ومعاهد ومستأمن ولأهل الذمة أو العهد لكن لا بنحو مصحف, وذلك كما تحل الصدقة عليهم "وكذا حربي" بغير نحو سلاح "ومرتد" حال الوصية لم يمت على ردته "في الأصح" كالصدقة أيضا وفارقت الوقف بأنه يراد للدوام وهما

 

ج / 3 ص -68-          مقتولان ولا تصح لأهل الحرب والردة ولا لمن يرتد أو يحارب أو يفعل كذا وهو معصية بل أو مكروه فيما يظهر "وقاتل" بأن يوصي لشخص فيقتله هو أو سيده ولو عمدا فهو قاتل باعتبار الأول "في الأظهر"; لأنها تمليك بعقد فأشبهت الهبة لا الإرث وخبر ليس للقاتل وصية ضعيف ساقط, ولا تصح لمن يقتله إلا إن جاز قتله وتصح لقاتل فلان بعد القتل لا قبله إلا إن جاز قتله "ولوارث" من ورثة متعددين "في الأظهر إن أجاز باقي الورثة" المطلقين التصرف, وقلنا بالأصح إن إجازتهم تنفيذ لا ابتداء عطية وإن كانت الوصية ببعض الثلث للخبر بذلك وإسناده صالح, وبه يخص الخبر الآخر "لا وصية لوارث" وحيلة أخذه من غير توقف على إجازة أن يوصي لفلان بألف أي وهو ثلثه فأقل إن تبرع لولده بخمسمائة أو بألفين كما هو ظاهر فإذا قبل وأدى للابن ما شرط عليه أخذ الوصية ولم يشارك بقية الورثة الابن فيما حصل له, ويوجه بأنه لم يحصل له من مال الميت شيء تميز به حتى يحتاج لإجازة بقية الورثة. فيه ومنه يؤخذ ما أفتيت به أنه لو أوصى لمستولدته بكذا إن خدمت أحد أولاده كذا بعد موته ففعلت استحقت الوصية من غير اعتبار إجازة البقية لما تقرر أنه لم يحصل له من مال الميت شيء بخلاف ما لو علق عتق عبده بخدمة بعض أولاده فإنه يحتاج للإجازة; لأن المنفعة المصروفة للمخدوم من جملة التركة قال شارح وقيدت الوارث في المتن بالخاص احترازا عن العام كوصية من لا يرثه إلا بيت المال بالثلث فأقل فتصح قطعا ولا يحتاج لإجازة الإمام, ويرد بأن الوارث جهة الإسلام لا خصوص الموصى له فلا يحتاج للاحتراز عنه كما يعلم مما مر في إرث بيت المال, وخرج بما ذكرته وصية من ليس له إلا وارث واحد فإنها باطلة لتعذر إجارته لنفسه, وسيأتي أن الإمام تتعذر إجازته بما زاد على الثلث; لأن الحق للمسلمين ولا تصح إجازة ولي محجور ولا يضمن بها إلا إن قبض بل توقف إلى كماله على الأوجه وإن استبعده الأذرعي بعد أن رجحه مرة والبطلان أخرى. بل قال قد أفتيت به فيما لا أحصي وانتصر له غيره لعظم الإضرار بالوقف لا سيما فيمن أوصى بكل ماله وله طفل محتاج ويرد بأن التصرف وقع صحيحا فلا مساغ لإبطاله, وليس في هذا إضرار لإمكان الاقتراض عليه ولو من بيت المال إلى كماله, وظاهر أن القاضي في حالة الوقف يعمل في بقائه وبيعه وإيجاره بالأصلح ومن الوصية له إبراؤه وهبته والوقف عليه نعم لو وقف عليهم ما يخرج من الثلث على قدر نصيبهم نفذ من غير إجازة فليس لهم نقضه كما مر في الوقف ولا بد لصحة الإجازة من معرفة قدر المجاز أو عينه فإن ظن كثرة التركة فبان قلتها فسيأتي "ولا عبرة بردهم وإجازتهم في حياة الموصي" إذ لا حق لهم حينئذ لاحتمال برئه وموتهم بل بعد موته في الواقع, وإن ظنه قبله كما يعلم مما مر فيمن باع مال أبيه ظانا حياته فجزم بعضهم ببطلان القبول قبل العلم بموت المورث وإن بان بعده غير صحيح ولو تراخى الرد عن القبول بعد الموت لم يرفع العقد على خلاف المعتمد الآتي إلا من حينه كذا قاله غير واحد, وقضيته أن الموصى له يستحق الزوائد الحادثة بين الموت والرد, وقد يؤيده أن الإجازة تنفيذ لا ابتداء عطية إذ صريحه أن المملك هو الوصية والقبول فيكون الرد قاطعا للملك بذلك لا

 

ج / 3 ص -69-          رافعا له من أصله إلا أن يقال هو ملك ضعيف جدا فلا يقتضي ملك الزوائد كالهبة قبل القبض وهذا أقرب "والعبرة في كونه وارثا بيوم الموت" أي وقته دون القبول كما يعلم مما سأذكره في مبحثه فلو أوصى لأخيه فحدث له ابن قبل موته فوصية لأجنبي أو ولد ابن فمات قبله فوصية لوارث "والوصية لكل وارث بقدر حصته" مشاعا كنصف وثلث "لغو"; لأنه يستحقه بغير وصية, ويظهر أنه لا يأثم بذلك; لأنه مؤكد للمعنى الشرعي لا مخالف له بخلاف تعاطي العقد الفاسد "وبعين هي قدر حصته" كأن ترك ابنين ودارا وقنا قيمتهما سواء فخص كلا بواحد "صحيحة وتفتقر إلى الإجازة في الأصح" لاختلاف الأغراض بالأعيان, ولذا صحت ببيع عين من ماله لزيد ولو وصى للفقراء بشيء لم يجز للوصي أن يعطي منه شيئا لورثة الميت ولو فقراء كما نص عليه الشافعي رضي الله عنه في الأم حيث قال في قول الموصي ثلث مالي لفلان يضعه حيث يراه الله تعالى أي أو حيث يراه هو أنه لا يأخذ منه لنفسه شيئا ولا يعطي منه وارثا للميت; لأنه إنما يجوز له ما كان يجوز للميت بل يصرفه في القرب التي ينتفع بها الميت, وليس له حبسه عنده ولا إيداعه لغيره ولا يبقى منه في يده شيئا يمكنه أن يخرجه ساعة من نهار وفقراء أقاربه أولى, ثم أحفاده, ثم جيرانه والأشد تعففا وفقرا أولى ا هـ ملخصا وكأنه أراد بأحفاده محارمه من الرضاع لينتظم الترتيب, وإنما أخذ الواقف الفقير مما وقفه على الفقراء; لأن الملك ثم لله فلم ينظر إلا لمن وجد فيه الشرط وهنا الحق لبقية الورثة وللميت فلم يعط وارثه وقضية تعليله رضي الله عنه عدم إعطاء الوارث بما ذكر أن بقية الورثة لو رضوا بإعطاء الوارث الفقير جاز وهو محتمل; لأن الوصية له إذا نفذت برضاهم مع التصريح به فأولى إذا دخل ضمنا ولك رده بمنع دخوله فيها هنا بالكلية لما يأتي أنه لا يوصى له عادة فلا تتصور الإجازة حينئذ بخلاف ما إذا نص عليه وهذا هو الأوجه وللموصى به شروط منها كونه قابلا للنقل بالاختيار فلا تصح بنحو قود وحد قذف لغير من هو عليه ولا بحق تابع للملك كخيار وشفعة لغير من هي عليه لا يبطلها التأخير لنحو تأجيل الثمن وكونه مقصودا بأن يحل الانتفاع به شرعا فتصح بعين مملوكة للغير كما يأتي "وتصح بالحمل" الموجود واللبن في الضرع وبكل مجهول ومعجوز عن تسليمه وتسلمه ويظهر في الوصية باللبن الموجود أخذا مما ذكر في الحمل أن العبرة بما وجد عند الوصية دون ما حدث بعد, وأنه يقبل قول الوارث في قدره بيمينه وأنه لو انفصل وضمن كانت الوصية في بدله, وإلا فلا "ويشترط" لصحة الوصية به "انفصاله حيا لوقت يعلم وجوده عندها" أي الوصية أما في الآدمي فيأتي فيه ما تقرر في الوصية له, وأما في غيره فيرجع لأهل الخبرة في مدة حمله ولو انفصل حمل الآدمية بجناية مضمونة نفذت الوصية فيما ضمن به بخلاف حمل البهيمة; لأن الواجب فيه ما نقص من قيمة أمه ولا تعلق للموصى له بشيء منه, وإنما لم يفرقوا فيما مر في الموصى له بين المضمون وغيره; لأن المدار فيه على أهلية الملك كما مر ويصح القبول قبل الوضع; لأن الحمل يعلم وتعبيرهم بالحي للغالب إذ لو ذبحت الموصى بحملها فوجد ببطنها جنين أحلته ذكاتها وعلم وجوده عند الوصية ملكه الموصى له كما هو ظاهر

 

ج / 3 ص -70-          "وبالمنافع" المباحة وحدها مؤبدة ومطلقة ولو لغير الموصى له بالعين; لأنها أموال تقابل بالعوض كالأعيان, ويمكن صاحب العين المسلوبة المنفعة تحصيلها, وإذا رد ذو المنفعة انتقلت للورثة لا للموصى له بالعين "وكذا" تصح الوصية بمملوك للغير إن قال إن ملكته, ثم ملكه وإلا فلا كما اعتمده جمع متأخرون وحكى الرافعي الاتفاق عليه في موضع لكن الذي في الروضة هنا صحتها وإن لم يقل ذلك وبمرهون جعلا أو شرعا, ثم إن بيع في الدين بطلت وإلا فلا والقياس صحة قبول الموصى له بعد الموت, وقبل فك الرهن نظير ما مر من صحته قبل علمه بالموت اعتبارا بما في نفس الأمر وإفتاء غير واحد ببطلانها بموت الراهن وإن انفك الرهن ليس في محله و "بثمرة أو حمل سيحدثان" ثناه; لأن الحمل لكون المراد به الحيوان ضد الثمرة فاندفع الاعتراض عليه بأن الأولى سيحدث "في الأصح" لاحتمال وجوه من الغرر فيها رفقا بالناس, ولا حق له في الموجود عندها بأن ولدته الآدمية لدون ستة أشهر منها مطلقا أو لدون أكثر من أربع سنين وليست فراشا أو البهيمة لزمن قال الخبراء إنه موجود عندها, ويدخل خلافا لما في التدريب في الوصية بدابة نحو حمل وصوف ولبن موجود عند الوصية وبشجرة ما يدخل في بيعها من غير المتأبر مثلا عند الوصية, ويجب بقاؤه إلى الجذاذ ونظير اعتبار الوصية هنا ما لو أوصى لأولاد فلان فإنه إنما يتناول المنفصل عند الوصية لا المنفصل بعد بخلاف الوقف; لأنه يراد للدوام كما مر وهي بما تحمله ولا نية لكل حمل على الأوجه; لأن ما للعموم, ثم رأيت ما سأذكره عن الزركشي وغيره آخر مبحث الوصية بالمنافع وهو صريح فيما رجحته وإذا استحق الثمرة فاحتاجت هي أو أصلها لسقي لم يلزم واحدا منهما كما مر, ويظهر أن يأتي هنا ما مر آخر فرع باع شجرة "وبأحد عبديه" مثلا ويعينه الوارث; لأنها تحتمل الجهالة فالإبهام أولى, وإنما لم تصح لأحد الرجلين; لأنه يحتمل في الموصى به لكونه تابعا ما لا يحتمل في الموصى له ومن ثم صحت بحمل سيحدث لا لحمل سيحدث "وبنجاسة يحل الانتفاع بها" لثبوت الاختصاص فيها وانتقالها بالإرث والهبة لا بما يحرم الانتفاع به كخمر غير محترمة وخنزير وفرعه وكلب عقور وكلب نحو صيد لمن لا يصيد مثلا بناء على الأصح من حرمة اقتنائه له; لأنه ينافي مقصود الوصية بخلاف ما يحل "ككلب معلم" وجرو قابل للتعليم لحل اقتنائهما ككلب يحرس الدور قيل ولا يسمى معلما; لأنه يدفع بطبعه وفيه نظر والمشاهدة ترده ويؤخذ من حل اقتناء قابل التعليم حل الاقتناء لمن يريد تعلم الصيد وهو قابل لذلك "وزبل" ولو من مغلظ على الأوجه لتسميد الأرض والوقود وميتة ولو مغلظة لإطعام الجوارح "وخمر محترمة" وهي ما عصرت بقصد الخلية أو لا بقصد شيء, ويتجه أنه لو غير قصده قبل تخمرها تغير الحكم إليه, وأنها لا تدفع للموصى له بل لثقة إلا إن عرفت ديانته وأمن شربه لها, وبحث ابن الرفعة فيما أيس من عودها خلا إلا بصنع آدمي أي بعين حرمة إمساكها فلا تصح الوصية بها ونوزع بأنه قد يستعملها في أغراض أخر كإطفاء نار, ويرد بأن اليأس من تخللها صيرها كغير المحترمة وهي لا يجوز إمساكها لتلك الأغراض بل تجب إراقتها فورا مطلقا "ولو أوصى" لشخص "بكلب من كلابه" المنتفع بها, ثم مات وله

 

ج / 3 ص -71-          كلاب "أعطي" الموصى له "أحدها" بخيرة الوارث إن احتاج للصيد والحراسة معا فإن احتاج لأحدهما فقط أعطي ما يناسبه بخلاف ما إذا لم يحتج لواحد منهما لما مر من بطلان الوصية.
"تنبيه" قضية قولهم بخيرة الوارث هنا وفي مسائل تأتي قولهم فيما مر آنفا ويعينه الوارث أنه لا دخل للوصية في ذلك وهو محتمل; لأن الوارث المالك فلا يتصرف عليه مع كماله فيما قد يضره, والظاهر في الناقص الوقف لكماله فإن قلت لم لم يتصرف الوصي أو الولي ويؤمر في التعيين بالأحوط للوارث قلت لو قيل به لم يبعد إلا أن يكونوا لمحوا أنه قد يخطئ في تعيين الأحظ فيتضرر المالك وهو بعيد فإن عدالته وحذقه يمنعان ذلك.
"فإن لم يكن له" عند الموت إذ العبرة به "كلب" ينتفع به "لغت" الوصية وإن قال من مالي لتعذر شرائه ولا يكلف الوارث أنها به وبه فارق عبدا من مالي ولا عبد له "ولو كان له مال وكلاب" منتفع بها "ووصى بها أو ببعضها فالأصح نفوذها" في الكلاب جميعها "وإن كثرت وقل المال" وإن كان أدنى متقوم كدانق إذ الشرط بقاء ضعف الموصى به للورثة, وقليل المال خبر من كثير الكلاب إذ لا قيمة لها وتقدير أن لا مال أو أن لها قيمة حتى تنفذ في ثلثها فقط يشبه التحكم ولو أوصى بثلثه لواحد وبها لآخر لم تنفذ إلا في ثلثها كما لو لم يكن له إلا كلاب وينظر فيه إلى عددها بخلاف ما إذا اختلفت أجناس غير المتمول فإنه ينظر إلى قيمتها بتقدير المال عند من يراها "ولو أوصى بطبل" سواء أقال من طبولي أم لا "وله طبل لهو" لا يصلح لمباح "وطبل يحل الانتفاع به كطبل حرب" يقصد به التهويل "أو حجيج" يقصد به الإعلام بالنزول والرحيل أو غيرهما كطبل الباز "حمل على الثاني" لتصح; لأن الظاهر قصده للثواب أو صلح تخير الوارث أو بعود من عيدانه وله عود لهو لا يصلح لمباح وعود بناء وأطلق بطلت لانصراف مطلقه لعود للهو والطبل يقع على الكل إطلاقا واحدا "ولو أوصى بطبل اللهو" وهو الكوبة الآتية في الشهادات "لغت" الوصية; لأنه معصية "إلا أن يصلح لحرب أو حجيج" أو منفعة أخرى مباحة ولو مع تغيير لكن إن بقي معه اسم الطبل, وإلا لغت وإن كان رضاضه من نقد أو جوهر.

فصل في الوصية لغير الوارث وحكم التبرعات في المرض
"ينبغي" لمن ورثته أغنياء أو فقراء "أن لا يوصي بأكثر من ثلث ماله" بل الأحسن أن ينقص منه شيئا; لأنه صلى الله عليه وسلم استكثره فقال "الثلث والثلث كثير" ومن ثم صرح جمع بكراهة الزيادة عليه, وأما تصريح آخرين بحرمتها فهو ضعيف وإن قصد بذلك حرمان ورثته كما علم مما قدمته في شرح قوله في الوقف كعمارة الكنائس فباطل, وأيضا فهو لا حرمان منه أصلا أما الثلث فلأن الشارع وسع له في ثلثه ليتدارك به ما فرط منه فلم يؤثر قصده به ذلك, وأما الزائد عليه فهو إنما ينفذ إن أجازوه ومع إجازتهم لا ينسب إليه حرمان فهو لا يؤثر قصده وتحريم عقد الفضولي لا يشهد للقائلين بالتحريم هنا خلافا لمن زعمه; لأنه تلبس بعقد فاسد ولا كذلك هنا; لأن الملك له فصح التصرف فيه ألا ترى أنه لو برأ نفذ

 

ج / 3 ص -72-          لكنه غير لازم لجواز إبطاله له ولوارثه, ومن ثم كان الأصح أن إجازته تنفيذ لا ابتداء عطية "فإن زاد" على الثلث "ورد الوارث" الخاص المطلق التصرف الزيادة "بطلت" الوصية "في الزائد" إجماعا; لأنه حقه فإن كان عاما بطلت ابتداء من غير رد; لأن الحق للمسلمين فلا مجيز. "وإن أجاز" وهو مطلق التصرف وإلا لم تصح إجازته ولا رده بل توقف لكماله على الأوجه كما مر بما فيه مع فروع أخر تأتي هنا قيل محله إن رجي وإلا كجنون مستحكم أيس من برئه بطلت الوصية وهو متجه إن غلب على الظن ذلك بأن شهد به خبيران وإلا فلا; لأن تصرف الموصي وقع صحيحا كما تقرر فلا يبطله إلا مانع قوي وعلى كل فمتى برأ وأجاز بان نفوذها "فإجازته تنفيذ" أي إمضاء لتصرف الموصي بالزيادة على الثلث لصحته كما مر وحق الوارث إنما يثبت في ثاني الحال فأشبه عفو الشفيع "وفي قول عطية مبتدأة والوصية بالزيادة لغو" لنهيه صلى الله عليه وسلم سعد بن أبي وقاص عن الوصية بالنصف وبالثلثين رواه الشيخان ويجاب بأن النهي إنما يقتضي الفساد إن كان لذات الشيء أو لازمه وهو هنا ليس كذلك; لأنه لخارج عنه وهو رعاية الوارث, وإن توقف الأمر على إجازته وعلى الأول لا يحتاج للفظ هبة وتجديد قبول وقبض ولا رجوع للمجيز قبل القبض وتنفذ من المفلس وعليهما لا بد من معرفته لقدر ما يجيزه مع التركة إن كانت بمشاع لا معين ومن ثم لو أجاز وقال ظننت قلة المال أو كثرته ولم أعلم كميته وهي بمشاع حلف أنه لا يعلم, ونفذت فيما ظنه فقط أو بمعين لم يقبل "ويعتبر المال" حتى يعرف قدر الثلث منه "يوم الموت" أي وقته; لأن الوصية تمليك بعده وبه تلزم من جهة الموصي وقضية ذلك أنه لو قتل فوجبت فيه دية ضمت لماله حتى لو أوصى بثلثه أخذ ثلثها "وقيل يوم الوصية" فلا عبرة بما حدث بعدها كما لو نذر التصدق بثلث ماله اعتبر يوم النذر ورد بأنه وقت اللزوم فهو نظير يوم الموت هنا, ومر أن الثلث إنما يعتبر لها بعد الدين وأنها معه ولو مستغرقا صحيحة حتى لو أبرأ مستحقه نفذت, ولم يبين الاعتبار في قيمة ما يفوت على الورثة وما يبقى لهم وحاصله الاعتبار في المنجز بوقت التفويت, ثم إن وفى بجميعها ثلثه عند الموت فذاك وإلا ففيما يفي به وفي المضاف للموت بوقته وفيما بقي لهم بأقل قيمة من الموت إلى القبض; لأن الزيادة على يوم الموت في ملكهم والنقص عن يوم القبض لم يدخل في يدهم فلا يحسب عليهم "ويعتبر من الثلث أيضا" راجع ليعتبر وللثلث لتقدم لفظهما أما الأول فواضح, وأما الثاني فلأن هذا عطف على ينبغي المتعلق بالثلث كما أن هذا متعلق به وبهذا مع ما يأتي الصريح في أن محل المعلق بالموت الثلث يندفع ما قيل لم يبين حكم المعلق بالموت من غير العتق الذي هو الأصل, وإنما بين حكم الملحق به وهو المنجز "عتق علق بالموت" في الصحة أو المرض نعم لو قال صحيح لقنه أنت حر قبل مرض موتي بيوم, ثم مات من مرض بعد التعليق بأكثر من يوم أو قبل موتي بشهر مثلا, ثم مرض دونه ومات بعد أكثر من شهر عتق من رأس المال; لأن عتقه وقع في الصحة وكذا لو مات بعد أن مرض شهرا فأكثر كما لو علقه بصفة في الصحة فوجدت في مرضه بغير اختياره ولو أوصى بعتق عن كفارته المخيرة اعتبرت على ما قالا إنه الأقيس عند الأئمة

 

ج / 3 ص -73-          بعدما قالا عن مقابله إنه الأصح الزيادة على الأقل من الإطعام والكسوة من الثلث لحصول الإجزاء بدونه "وتبرع نجز في مرضه" أي الموت "كوقف" وعارية عين سنة مثلا وتأجيل ثمن مبيع كذلك فيعتبر منه أجرة الأولى وثمن الثانية. وإن باعها بأضعاف ثمن مثلها; لأن تفويت يدهم كتفويت ملكهم "وهبة وعتق" لغير مستولدته إذ هو فيه هنا من رأس المال "وإبراء" وهبة في صحة وإقباض في مرض باتفاق المتهب والوارث وإلا حلف المتهب; لأن العين في يده وقضيته أنها لو كانت بيد الوارث وادعى أنه ردها إليه أو إلى مورثه وديعة أو عارية صدق الوارث أو بيد المتهب وقال الوارث أخذتها غصبا أو نحو وديعة صدق المتهب وهو محتمل ولو قيل يأتي هنا ما قالوه في تنازع الراهن والواهب مع المرتهن والمتهب في القبض من التفصيل لم يبعد, ولو ادعى المورث موته من مرض تبرعه والمتبرع عليه شفاءه وموته من مرض آخر أو فجأة فإن كان مخوفا صدق الوارث وإلا فالآخر أي; لأن غير المخوف بمنزلة الصحة وهما لو اختلفا في وقوع التصرف فيها أو في المرض صدق المتبرع عليه; لأن الأصل دوام الصحة فإن أقاما بينتين قدمت بينة المرض; لأنها ناقلة.
"وإذا اجتمع تبرعات متعلقة بالموت" ترتبت أولا "وعجز الثلث" عنها "فإن تمحض العتق" كأعتقتكم أو أنتم أحرار أو سالم وغانم وخالد أحرار بعد موتي أو سالم حر بعد موتي وغانم كذلك أو دبر عبدا وأوصى بإعتاق آخر "أقرع" فمن قرع عتق منه ما يفي بالثلث للخبر الآتي. ولأن القصد من العتق التخلص من الرق ولا يحصل مع التشقيص "أو" تمحض "غيره قسط الثلث" على الكل باعتبار القيمة أو المقدار لعدم المرجح مع اتحاد وقت الاستحقاق فلو أوصى لزيد بمائة ولبكر بخمسين ولعمرو بخمسين وثلثه مائة أعطي الأول خمسين وكل من الآخرين خمسة وعشرين "أو" اجتمع "هو" أي العتق "وغيره" كأن أوصى بعتق سالم ولزيد أو الفقراء بمائة أو عين مثلية أو متقومة "قسط" الثلث عليهما "بالقيمة" أو مع المقدار لاتحاد وقت الاستحقاق نعم لو تعدد العتق أقرع فيما يخصه أو دبر قنه وهو بمائة وأوصى له بمائة وثلث ماله مائة قدم عتقه ولا شيء له بالوصية "وفي قول يقدم العتق" لقوته ولو رتب المعلقة بالموت كأعتقوا سالما, ثم غانما وكأعطوا زيدا مائة, ثم عمرا مائة وأعتقوا سالما, ثم أعطوا زيدا مائة قدم ما قدمه; لأنه هنا صرح باعتبار وقوعها من غيره كذلك فوجب امتثاله بخلافه فيما لو رتبها في الوجود فإنه لا صراحة فيه على أنها كذلك بعد الموت فاندفع ما للقونوي هنا "أو" اجتمع تبرعات "منجزة" مرتبة كأن أعتق, ثم تصدق, ثم وقف, ثم وهب وأقبض وكقوله سالم حر وغانم حر لا حران "قدم الأول فالأول حتى يتم الثلث" لقوته بسبقه. ويتوقف ما زاد عليه على الإجازة ولو تقدمت الهبة وتأخر القبض اعتبر وقته كما مر لتوقف الملك عليه. نعم المحاباة في نحو بيع لا تفتقر لقبض; لأنها تابعة "فإن وجدت دفعة" بضم الدال كما يأتي بما فيه في الجراح "واتحد الجنس كعتق عبيد أو إبراء جمع" كأعتقتكم أو أبرأتكم "أقرع في العتق" خاصة لما مر في خبر مسلم أن رجلا أعتق ستة لا يملك غيرهم عند موته فدعاهم النبي صلى الله عليه وسلم فجزأهم أثلاثا

 

ج / 3 ص -74-          وأقرع بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة "وقسط في غيره" باعتبار القيمة أو المقدار أو هما وفيما إذا كان فيها حج تطوع يعتبر أجرة المثل; لأنها قيمة المنفعة ولا يقدم على غيره على الأوجه ولو أعتقهما, وشك في الترتيب والمعية ففي الروضة وأصلها يعتق من كل نصفه وفي الشرح الصغير يقرع وكالشك ما لو علم ترتيب دون عين السابق أو نسيت أي ولم يرج بيانها "وإن اختلف" الجنس "و" صورة وقوعها معا حينئذ إما بأن قيل له أعتقت وأبرأت ووقفت فيقول نعم أو بأن "تصرف وكلاء" له فيها بأن وكل وكيلا في هبة وقبض وآخر في صدقة وآخر في إبراء وتصرفوا معا "فإن لم يكن فيها عتق قسط" الثلث على الكل "وإن كان" فيها عتق "قسط" الثلث وأقرع فيما يخص العتق كما مر "وفي قول يقدم" العتق كما مر ولو اجتمع منجزة ومعلقة بالموت قدمت المنجزة للزومها "ولو كان له عبدان فقط" أي لا ثالث له غيرهما ولا يخرج من الثلث إلا أحدهما وهذا مجرد تصوير فلا اعتراض عليه "سالم وغانم" وهو يخرج من الثلث وحده "فقال إن أعتقت غانما فسالم حر" سواء أقال في حال إعتاقي في غانما أم لا "ثم أعتق غانما في مرض موته عتق" غانم "ولا" توزيع للثلث عليهما ولا "إقراع لئلا يؤدي لإرقاقهما معا; لأنها قد تخرج لسالم فيرق غانم فيرق سالم; لأنه مشروط بعتق غانم وفارق ما لو قال إن تزوجت فأنت حر حال تزويجي فتزوج في المرض بأكثر من مهر المثل فإن الثلث يوزع على الزيادة على مهر المثل وقيمة العبد; لأنه لا ترتيب بينهما, وإنما لم يوزع فيما نحن فيه كما لا يقرع; لأن العتق ثم معلق بالنكاح والتوزيع لا يرفعه وعتق سالم معلق بعتق غانم كاملا والتوزيع يمنع من تكميل عتق غانم فلا يمكن إعتاق شيء من سالم فإن لم يخرج من الثلث عتق بقسطه أو خرج مع سالم عتقا أو مع بعضه عتق وبعض سالم كما أفاد ذلك كله كلامه في مواضع أخر, ويستثنى من الإقراع أيضا ما لو قال ثلث كل حر بعد موتي فيعتق من كل ثلثه عند الإمكان ولا قرعة كما سيذكره في العتق, وعلم مما تقرر أنه لو أوصى بأنواع فعجز الثلث عنها وزع على قيمتها وأجرتها كإطعام عشرة وحمل آخرين إلى محل كذا والحج عنه, ولو أوصى ببيع كذا لزيد تعين أي وإن لم يكن فيه رفق به ظاهرا فيما يظهر; لأنه قد يكون له في ذلك غرض فإن أبى بطلت الوصية إلا أن يقول ويتصدق بثمنه فيباع لغيره بخلاف ما لو أوصى بأنه يحج عنه بكذا فامتنع فإنه يستأجر عنه أي توسعة في طرق العبادة ووصول ثوابها إليه يحج الغير ولا كذلك شراء الغير "ولو أوصى بعين حاضرة هي ثلث ماله وباقيه" دين أو "غائب" وليس تحت يد الوارث "لم تدفع كلها" ولا بعضها فيما يظهر أخذا مما يأتي في التصرف, وإن أمكن الفرق "إليه في الحال" لجواز تلف الغائب فلا يحصل للورثة مثلا ما حصل له "والأصح أنه لا يتسلط" من غير إذنهم "على التصرف" كالاستخدام "بثلث" من العين "أيضا" كثلثيها اللذين لا خلاف فيهما وذلك; لأن تسلطه يتوقف على تسلطهم على مثلي ما تسلط عليه, وهو متعذر لاحتمال سلامة الغائب فتكون له ومن تصرف فيما منع منه, ثم بان له صح كما علم مما مر آخر رابع شروط البيع وعلم من قولي دين أنه لو أوصى بثلث ماله وله عين ودين دفع للموصى له ثلث العين وكلما نض من الدين شيء دفع له ثلثه وقياس ما

 

ج / 3 ص -75-          تقررأن المدين لو مات عن تركة غائبة إلا أعيانا أوصى بها, وهي تخرج من الثلث أن الأمر يوقف إلى حضور الغائب ولا تباع تلك الأعيان في الدين نظرا لمنفعة الغرماء; لأن فيه ضررا لأصحابها ببيعها مع احتمال أنها ملكهم بتقدير سلامة الغائب لكن أخذ بعضهم من الإجماع على تقديم الدين مع رهن التركة به أنها تباع, ثم إن وصل الغائب بان بطلان البيع وإلا فلا واستدل لذلك بفروع لا تدل إلا لتبين بطلان البيع بوصول الغائب وهذا لا نزاع فيه, وإنما الذي يظهر فيه النزاع الإقدام على بيع الأعيان قبل تلف الغائب نعم لو ترتب على وقفها ضرر خوف تلفها أو نحوه باعها الحاكم وحفظ ثمنها إلى تبين الأمر, وأفتى ابن الصلاح بأنه لو باع الحاكم مال غائب في دينه فقدم وأبطل الدين بان بطلان بيع الحاكم كما اعتمدوه خلافا لقول الروياني يمضي بيعه, ويعطى الغائب ثمن ما باعه وإن تبعه القمولي وقد قال بعضهم هذا لا يوافق مذهبنا بل مذهب أبي حنيفة.

فصل في بيان المرض المخوف
والملحق به المقتضي كل منهما للحجر عليه فيما زاد على الثلث وعقبه بالصيغة لما يأتي.
"إذا ظننا المرض مخوفا" لتولد الموت عن جنسه "لم ينفذ" بفتح فسكون فضم فمعجمة "تبرع زاد على الثلث"; لأنه محجور عليه في الزيادة لحق الورثة, قيل إن أريد عدم النفوذ باطنا لم ينظر لظننا بل لوجوده, وإن ظنناه غيره أو ظاهرا خالف الأصح من جواز تزويج الولي من أعتقت فيه وإن لم تخرج من الثلث; لأنها حرة ظاهرا, ثم بعد موته إن خرجت من الثلث أو أجاز الورثة استمرت الصحة وإلا فلا, وأجاب الزركشي بأن المراد بعدم النفوذ الوقف أي وقف اللزوم والاستمرار لا وقف الصحة لينتظم الكلامان وقوله زاد على الثلث لا يلتئم مع قولهم الذي قدمه العبرة بالثلث عند الموت لا الوصية فإن أريد الثلث عنده لم ينظر لظننا أيضا قال الجلال البلقيني: وكان ينبغي له أن يقول لم ينفذ تبرع منجز فإن التبرع المعلق بالموت لا حجر عليه فيه. ولو زاد على الثلث; لأن الاعتبار بالثلث عند الموت, وهذا إنما يعرف بعد الموت وأما المنجز فيثبت حكمه حالا فيحجر عليه فيما زاد على الثلث ا هـ وفي جميعه نظر كجواب الزركشي; لأن وقف اللزوم الذي ذكره لا يتقيد بظننا كما هو واضح مما تقرر في مسألة العتيقة, وما ذكر عن الجلال عجيب مع ما تقرر في الثلث أنه لا يعتبر إلا عند الموت مطلقا وفي مسألة العتيقة أنها تزوج حالا مع كونها كل ماله اعتبارا بالظاهر من صحة التصرف الآن فلا فرق بين المنجز والمعلق والذي يندفع به جميع ما اعترض به عليه أن كلامه الآتي مبين لمراده مما هنا أن محله فيما إذا طرأ على المرض قاطع له من نحو غرق أو حرق فحينئذ إن كنا ظننا المرض مخوفا بقول خبيرين لم ينفذ تبرع زاد على الثلث حينئذ منجزا كان أو معلقا بالموت, وإن كنا ظنناه غير مخوف وحملنا الموت على نحو الفجأة لكونه نحو جرب أو وجع ضرس نفذ المنجز, وإن زاد على الثلث حينئذ فاتضح أن اعتبار الثلث حين طرو القاطع لا يخالف ما مر أن العبرة فيه

 

ج / 3 ص -76-          بالموت; لأنا لم نعتبره هنا إلا عند الموت. "فإن برأ نفذ" أي بان نفوذه من حين تصرفه في الكل قطعا لتبين أن لا مخوف ومن صار عيشه عيش مذبوح لمرض أو جناية في حكم الأموات بالنسبة لعدم الاعتداد بقوله "وإن ظنناه غير مخوف فمات" أي اتصل به الموت "فإن حمل على الفجأة" لكون المرض الذي به لا يتولد منه موت كجرب ووجع عين أو ضرس وهي بضم الأول والمد وبفتح فسكون واعتراضه بأنه لم يسمع إلا تنكيرها يرده حديث "موت الفجأة أخذة أسف" أي لغير المستعد وإلا فهو راحة للمؤمن كما في رواية أخرى "نفذ" جميع تبرعه "وإلا" يحمل على ذلك لكون المرض الذي به غير مخوف, لكنه قد يتولد عنه الموت كإسهال أو حمى يوم أو يومين وكان التبرع قبل أن يعرق واتصل الموت به "فمخوف" فلا ينفذ ما زاد على الثلث, وفائدة الحكم في هذا بأنه إن اتصل به الموت مخوف وإلا فلا أنه إذا حز عنقه أو سقط من عال مثلا كان من رأس المال بخلاف المخوف فإنه يكون من الثلث مطلقا كما تقرر "ولو شككنا" قبل الموت "في كونه" أي المرض "مخوفا لم يثبت" كونه مخوفا "إلا ب" قول "طبيبين حرين عدلين" مقبولي الشهادة لتعلق حق الموصى له والورثة بذلك فسمعت الشهادة به ولو في حياته كأن علق شيء بكونه مخوفا واعترض اقتصاره على الحرية وحذفه الإسلام والتكليف وذكره العدالة المغنية عن الحرية إن أريد بها عدالة الشهادة. ويجاب بأنه لوح بذكر الحرية إلى أن المراد عدالة الشهادة لا الرواية ولا العدالة الظاهرة وأفهم كلامه أنه لا يثبت برجل وامرأتين ولا بمحض النسوة ومحله في غير علة باطنة بامرأة, ويقبل قول الطبيبين إنه غير مخوف أيضا خلافا للمتولي وقد لا ترد عليه بإرجاع ضمير يثبت إلى كل من طرفي الشك أما لو اختلف الوارث والمتبرع عليه بعد الموت بنحو غرق في المرض فيصدق الثاني وعلى الوارث البينة ويكفي فيها غير طبيبين إذا وقع الاختلاف في نحو الحمى المطبقة ووجع الضرس ولو اختلف الأطباء رجح الأعلم فالأكثر عددا فمن يخبر بأنه مخوف "ومن" المرض "المخوف" لم يذكر حده لطول الاختلاف فيه بين الفقهاء فقيل كل ما يستعد بسببه للموت بالإقبال على العمل الصالح, وقيل كل ما اتصل به الموت وقال الماوردي وتبعاه كل ما لا يتطاول بصاحبه معه الحياة وقالا عن الإمام وأقراه ولا يشترط في كونه مخوفا غلبة حصول الموت به بل عدم ندرته كالبرسام الذي هو ورم في حجاب القلب أو الكبد يصعد أثره إلى الدماغ, وهو المعتمد وإن نازع فيه ابن الرفعة فعلم أنه ما يكثر عنه الموت عاجلا وإن خالف المخوف عند الأطباء "قولنج" بضم أوله مع اللام وفتحها وكسرها وهو أن تنعقد أخلاط الطعام في بعض الأمعاء فلا تنزل, ويصعد بسببه بخار إلى الدماغ فيهلك وهو أقسام عند الأطباء ولا فرق بين معتاده وغيره "وذات جنب" وهي قروح تحدث في داخل الجنب بوجع شديد, ثم تنفتح في الجنب ويسكن الوجع وذلك وقت الهلاك, وإنما كانت مخوفة لقربها من الرئيسين القلب والكبد ومن علاماتها الحمى اللازمة وشدة الوجع تحت الأضلاع وضيق النفس والسعال "ورعاف" بتثليث أوله "دائم" لإسقاطه القوة بخلاف غير الدائم. ويظهر أن مرادهم بالدائم المتتابع, وأنه لا بد في تتابعه من مضي زمن يفضي مثله

 

ج / 3 ص -77-          فيه عادة كثيرا إلى الموت, ولا يضبط بما يأتي في الإسهال; لأن القوة تتماسك معه نحو اليومين بخلاف الدم; لأنه قوام الروح "وإسهال متواتر" أي متتابع أياما لذلك "ودق" بكسر أوله وهو داء يصيب القلب ولا تبقى معه الحياة غالبا, وخرج به السل وهو داء يصيب الرئة فينقص البدن ويصفر فليس بمخوف مطلقا لامتداد الحياة معه غالبا, وتعريفه بما ذكر لا يوافق تعريف الموجز له أولا بأنه قرحة في الرئة معها حمى دقية وثانيا بأنه قرحة في الرئة يلزمها حمى دقية وهذا هو الصواب كما قاله العلامة القطب الشيرازي ومن تبعه, ويمكن توجيه ما ذكره الفقهاء بأنهم لما رأوا هذا الاختلاف فيه عبروا بما يحتمل كلا منها معولين على تفصيله عند أهله إذ الداء شامل للأمرين سواء أكان الثاني جزءا أم لازما وظاهر المتن وغيره أن الدق ليس من الحميات, وليس كذلك بل هو المراد من الحمى الدقية في كلام الأطباء. وعرفها في الموجز بأنها التي تتشبث بالأعضاء الأصلية فهي لا محالة تفني رطوبتها وفيه أيضا حمى الدق أكثر ما تكون انتقالية أي عن حمى أخرى تسبقها ويمكن توجيه كلام الفقهاء في الدق المخالف ظاهره لكلام الأطباء بأن ذلك التشبث أعظم ما يكون بالقلب فاقتصروا عليه; لأنه أشرف تلك الأعضاء الأصلية "وابتداء فالج" وهو أعني الفالج عند الأطباء استرخاء عام لأحد شقي البدن طولا وعند الفقهاء استرخاء أي عضو كان وسببه غلبة الرطوبة والبلغم ووجه الخوف في ابتدائه أنهما يهيجان حينئذ فربما أطفآ الحر الغريزي, وذلك منتف مع دوامه "وخروج الطعام غير مستحيل" لزوال القوة الماسكة ويلزم من هذا الإسهال لكن لا يشترط تواتره فلهذا ذكره بعده "أو كان يخرج بشدة ووجع" ويسمى الزحير وإفادة المضارع في حيز كان للتكرار المراد هنا اختلف فيها الأصوليون, والتحقيق أنه يفيده عرفا لا وضعا "أو" يخرج "ومعه دم" من عضو شريف كالكبد دون البواسير; لأنه يسقط القوة. قال السبكي وما بأصله من أن خروجه بشدة ووجع ومعه دم إنما يكون مخوفا إن صحبه إسهال ولو غير متواتر هو الصواب, ثم بين هو ومن تبعه أن أصل نسخة المصنف موافقة لأصله, وإنما فيها إلحاق اشتبه على الكتبة فوضعوه بغير محله وكل ذلك فيه نظر وكلام الأطباء مصرح بأن الزحير وحده مخوف, وكذا خروج دم العضو الشريف فالوجه أخذا مما أشعرت به كأن حمل ما في المتن على ما إذا تكرر ذلك تكرارا يفيد إسقاط القوة وإن لم يكن معه إسهال, ويحمل كلام أصله ومن تبعه على أنه إذا صحبه إسهال نحو يومين لا يشترط فيه ذلك التكرار فلا خلاف بين العبارتين "وحمى" شديدة "مطبقة" بكسر الباء أشهر من فتحها أي لازمة لا تبرح بأن جاوزت يومين لإذهابها حينئذ للقوة التي هي دوام الحياة فإن لم تجاوزهما فقد مر حكمها "أو غيرها" من ورد تأتي كل يوم وغب تأتي يوما وتقلع يوما وثلث تأتي يومين وتقلع في الثالث وحمى الأخوين تأتي يومين وتنقطع يومين, وظاهر كلامهم أنه لا فرق في هذه الأربعة بين طول زمنها وقلته "إلا الربع" بكسر أوله كالبقية وهي التي تأتي يوما وتقلع يومين; لأنه يتقوى في يومي الإقلاع, ومحله إن لم يتصل بها الموت وإلا فقد مر فيها تفصيل بين أن يكون التبرع قبل العرق وبعده. وكان الأنسب تسميتها الثلث كما في ألسنة العامة لكن جمع لغويون وجهوا الأول بأنه من ربع الإبل وهو

 

ج / 3 ص -78-          ورود الماء في اليوم الثالث وبقي من المخوف أشياء منها جرح نفذ لجوف أو على مقتل أو محل كثير اللحم أو صحبه ضربان شديد أو تآكل أو تورم وقيء دام أو صحبه خلط, ويظهر أن العبر في دوامه بما مر في الإسهال لا الرعاف والوباء والطاعون أي زمنهما فتصرف الناس كلهم فيه محسوب من الثلث لكن قيده في الكافي بمن وقع الموت في أمثاله واستحسنه الأذرعي وهل يقيد به بتسليم اعتماده إطلاقهم حرمة دخول بلد الطاعون أو الوباء والخروج منها لغير حاجة أو يفرق محل نظر وعدم الفرق أقرب "والمذهب أنه يلحق بالمخوف أسر كفار" أو مسلمين "اعتادوا قتل الأسرى والتحام قتال بين" اثنين أو حزبين "متكافئين" أو قريبي التكافؤ اتحدا إسلاما وكفرا أم لا "وتقديم القتل" بنحو "قصاص أو رجم" ولو بإقراره "واضطراب ريح وهيجان موج" الجمع بينهما تأكيد لتلازمهما عادة "في" حق "راكب سفينة" ببحر أو نهر عظيم كالنيل والفرات وإن أحسن السباحة وقرب من البر على ما اقتضاه إطلاقهم; لأن ذلك كله يخاف منه الموت كثيرا بل هو لكونه لا ينفع فيه دواء أولى من المرض. وخرج باعتادوا غيرهم كالروم وبالالتحام الذي هو اتصال الأسلحة ما قبله وإن تراموا بالنشاب والحراب وبمتكافئين الغالبة بخلاف المغلوبة وبتقديم لذلك الحبس له وإنما جعل مثله في وجوب الإيصاء الوديعة ونحوها احتياطا لحفظ مال الآدمي عن الضياع, وظاهر تعبيرهم بالتقديم للقتل أن ما قبله ولو بعد الخروج من الحبس إليه لا يعتبر وهو ظاهر لبعد السبب حينئذ, وأنه بعد التقديم لو مات بهدم مثلا كان تبرعه بعد التقديم محسوبا من الثلث كالموت أيام الطعن بغير الطاعون "وطلق حامل" وإن تكررت ولادتها لعظم خطره ومن ثم كان موتها منه شهادة, وخرج به نفس الحمل فليس بمخوف ولا أثر لتولد الطلق المخوف منه; لأنه ليس بمرض وبه فارق قولهم لو قال الخبراء إن هذا المرض غير مخوف لكن يتولد منه مخوف لا نادرا كان كالمخوف "وبعد الوضع" لولد مخلق "ما لم تنفصل المشيمة" وهي التي تسميها النساء الخلاص; لأنها تشبه الجرح الواصل إلى الجوف ولا خوف في إلقاء علقة أو مضغة بخلاف موت الولد في الجوف أما إذا انفصلت المشيمة فلا خوف, ومحله إن لم يحصل من الولادة جرح أو ضربان شديد أو ورم وإلا فحتى يزول الركن الرابع الصيغة وفصل بينه وبين الثالث بما في هذا الفصل والذي قبله; لأن لهما مناسبة بما ذكره قبلهما من الإجازة في الوصية للوارث ومن كون الموصى به قد يبلغ الثلث وقد لا وقد يكون في المرض وقد لا فذيل بهما ليتفرغ الذهن للرابع لصعوبته وطول الكلام فيه.
"وصيغتها" أي الوصية ما أشعر بها من لفظ أو نحوه كإشارة وكتابة صريحا كان أو كناية فمن الصريح "أوصيت" فما أفهمه تعريف الجزأين من الحصر غير مراد "له بكذا" وإن لم يقل بعد موتي لوضعها شرعا لذلك "أو ادفعوا إليه" كذا "أو أعطوه" كذا وإن لم يقل من مالي على المعتمد أو وهبته أو حبوته أو ملكته كذا أو تصدقت عليه بكذا "بعد موتي" أو نحوه الآتي راجع لما بعد أوصيت, ولم يبال بإيهام رجوعه له اتكالا على ما عرف من سياقه إن أوصيت وما اشتق منه موضوعة لذلك "أو جعلته له أو هو له بعد موتي" أو

 

ج / 3 ص -79-          بعد عيني أو إن قضى الله علي, وأراد الموت وإلا فهما لغو, وذلك لأن إضافة كل منها للموت صيرتها بمعنى الوصية, وكان حكمة تكريره بعد موتي اختلاف ما في السياقين إذ الأول محض أمر والثاني لفظه لفظ الخبر ومعناه الإنشاء, وزعم أنها لو تأخرت لم تعد للكل; لأن العطف بأو ضعيف كما يعلم مما مر في الوقف. "فلو اقتصر على" نحو وهبته له فهو هبة ناجزة أو على نحو ادفعوا إليه كذا من مالي فتوكيل يرتفع بنحو الموت, وفي هذه وما قبلها لا تكون كناية وصية أو على جعلته له احتمل الوصية والهبة فإن علمت نيته لأحدهما وإلا بطل أو على ثلث مالي للفقراء لم يكن إقرارا ولا وصية, وقيل وصية للفقراء ويظهر أخذا مما يأتي في هو له من مالي أنه كناية وصية فإن قلت لم لم يكن إقرارا بنذر سابق قلت; لأن قوله مالي الصريح في بقائه كله على ملكه ينفي ذلك وإن أمكن تأويله إذ لا إلزام بالشك, ومن ثم لو قال ثلث هذا المال للفقراء لم يبعد حمله على ذلك ليصح; لأن كلام المكلف متى أمكن حمله على وجه صحيح من غير مانع فيه لذلك حمل عليه أو على "هو له فإقرار"; لأنه من صرائحه, ووجد نفاذا في موضوعه فلا يجعل كناية وصية وكذا لو اقتصر على قوله هو صدقة أو وقف على كذا فينجز من حينئذ وإن وقع جوابا ممن قيل له أوص; لأن مثل ذلك لا يفيد خلافا لأبي ثور والمزني "إلا أن يقول هو له من مالي فيكون وصية" أي كناية فيها لاحتماله لها والهبة الناجزة فافتقر للنية, وبه يرد ترجيح السبكي أنه صريح وعلى الأول لو مات ولم تعلم نيته بطل; لأن الأصل عدمها والإقرار هنا غير متأت لأجل قوله مالي نظير ما مر "وتنعقد بالكناية" وهي ما احتمل الوصية وغيرها كقوله عينت هذا له أو عبدي هذا له كالبيع بل أولى وفي قوله هذا صدقة بعد موتي على فلان مثلا لكناية ليست في الوصية; لأن هذا صريح فيها بل في قوله صدقة لاحتماله الملك والوقف فإن جهل ما أراد به بطل ما لم يؤمر الوارث بالحلف أنه لا يعلم إرادته فينكل فيحلف المدعي أنه أراد الملك أو الوقف, ويعمل به حينئذ. وصرح جمع متأخرون بصحة قوله لمدينه إن مت فأعط فلانا ديني الذي عليك أو ففرقه على الفقراء ولا يقبل قوله في ذلك بل لا بد من بينة به "والكتابة" بالتاء "كناية" فتنعقد بها مع النية ولو من ناطق ولا بد من الاعتراف بها نطقا منه أو من وارثه وإن قال هذا خطي وما فيه وصيتي وليس للشاهد التحمل حتى يقرأ عليه الكتاب أو يقول أنا عالم بما فيه وإشارة من اعتقل لسانه ينبغي أن يأتي فيها تفصيل الأخرس فإن فهمها كل أحد فصريحة, وإلا فكناية ومر أن كنايته لا بد فيها من نية, وأنه يكفي الإعلام بها بإشارة أو كتابة ولو قال من ادعى علي شيئا أو أنه أوفى مالي عنده فصدقوه بلا حجة كان وصية على الأوجه فإن قال في الثانية صدقوه بيمينه أو بلا بينة لم يكن وصية على الأوجه أيضا; لأنه لم يسمح له بشيء, وإنما قنع منه بحجة بدل حجة وهذا مخالف لأمر الشارع فليكن لغوا ويكلف البينة فإن قلت: لم لم يكن وصية لمن ادعى الوفاء وحلف؟ قلت: ليس هذا وضع الوصية ولا قريبا منه فلم يحمل عليها سواء أعين الغرماء أم أجملهم فما أوهمه كلام أبي زرعة من أنه إذا عين الغريم وقدر مدعاه كان وصية بعيد جدا لما قررته أن اشتراطه اليمين إعراض عن الوصية بكل وجه كما

 

ج / 3 ص -80-          هو ظاهر وفي الإشراف لو قال المريض ما يدعيه فلان فصدقوه فمات قال الجرجاني هذا إقرار بمجهول وتعيينه للورثة, وسكت عليه الزركشي وغيره وفيه نظر; لأن قوله يدعيه تبرؤ منه ولأن أمره لغيره بتصديقه لا يقتضي أنه هو مصدقه فلو قيل إنه وصية أيضا لم يبعد أو ما في جريدتي قبضته كله كان إقرارا بالنسبة لما علم أنه فيها وقته.
"وإن أوصى لغير معين" يعني لغير محصور "كالفقراء لزمت بالموت بلا" اشتراط "قبول" لتعذره منهم ومن ثم لو قال لفقراء محل كذا, وانحصر وأبان سهل عادة عدهم تعين قبولهم ووجبت التسوية بينهم ولو رد غير المحصورين لم ترتد بردهم كما أفهمه قوله لزمت بالموت ودعوى أن عدم حصرهم يستلزم عدم تصور ردهم ترد بأن المراد بعدم الحصر كثرتهم بحيث يشق عادة استيعابهم فاستيعابهم ممكن ويلزم منه تصور ردهم وعليه فالمراد بتعذر قبولهم تعذره غالبا أو باعتبار ما من شأنه يجوز الاقتصار على ثلاثة من غير المحصورين ولا تجب التسوية بينهم "أو" وصى "لمعين" محصور لا كالعلوية; لأنهم كالفقراء "اشترط القبول" منه إن تأهل, وإن كان الملك لغيره كما مر في الوصية للقن, وإلا فمن وليه أو سيده أو ناظر المسجد على الأوجه بخلاف نحو الخيل المسبلة بالثغور لا تحتاج لقبول; لأنها تشبه الجهة العامة ولو كانت الوصية للمعين بالعتق كأعتقوا هذا بعد موتي سواء أقال عني أم لا لم يشترط قبوله; لأن فيه حقا مؤكدا لله فكان كالجهة العامة, وكذا المدبر بخلاف أوصيت له برقبته لاقتضاء هذه الصيغة القبول وبهذا التفصيل فيه الناظر إلى أن الأول تحرير والثاني تمليك فارق ما مر في المسجد; لأنه تمليك لا غير فناسبه القبول مطلقا "ولا يصح قبول ولا رد في حياة الموصي" ولا مع موته إذ لا حق له إلا بعد الموت فلمن رد حينئذ القبول بعد الموت وعكسه بخلافهما بعد الموت نعم القبول بعد الرد لا يفيد, وكذا الرد بعد القبول قبل القبض أو بعده على المعتمد ومن صريح الرد ردتها أو لا أقبلها أو أبطلتها أو ألغيتها ومن كناياته نحو لا حاجة لي بها وأنا غني عنها وهذه لا تليق بي فيما يظهر قال الزركشي وظاهر كلامهم أن المراد القبول اللفظي ويشبه الاكتفاء بالفعل وهو الأخذ كالهدية ا هـ وسبقه إليه القمولي فقال في الرهن يكفي التصرف بالرهن ونحوه وكلاهما ضعيف, والفرق بين هذا والهدية ونحو الوكيل واضح إذ النقل للإكرام الذي استلزمته الهدية عادة يقتضي عدم الاحتياج للفظ في القبول ولا كذلك هنا ونحو الوكالة لا يقتضي تملك شيء فلا يشبه ما هنا, وإنما يشبهه الهبة وهي لا بد فيها من القبول لفظا "ولا يشترط بعد موته الفور" في القبول; لأنه إنما يشترط في عقد ناجز يتصل قبوله بإيجابه نعم يلزم الولي القبول أو الرد فورا بحسب المصلحة. فإن امتنع مما اقتضته المصلحة عنادا انعزل أو متأولا قام القاضي مقامه, والأوجه صحة الاقتصار على قبول البعض; لأن المطابقة بين الإيجاب والقبول إنما هي في البيع, وما ألحق به كالهبة والوصية ليست كذلك "فإن مات الموصى له قبله" أي قبل موت الموصي وكذا لو مات معه "بطلت" الوصية لعدم لزومها وأيلولتها للزوم حينئذ "أو بعده" أي بعد موت الموصي وقبل القبول والرد لم تبطل "فيقبل" أو يرد "وارثه" ولو الإمام فيمن يرثه بيت المال; لأنه خليفته

 

ج / 3 ص -81-          ومن ثم لو قبل قضى دين مورثه منه, ويؤخذ منه أن وارث الموصى له لو كان وارثا للميت دون مورثه لم يكن وصية لوارث; لأن العبرة في كونه وارثا بيوم الموت كما مر فلا نظر للقبول لما تقرر أنه مبين لاستقرار ملك الموصى له بالموت, ولأنه لم يملك هنا من جهة الوصية بل من جهة إرثه للوارث وهما جهتان مختلفتان, ويلزم ولي الوارث الأصلح من القبول والرد نظير ما مر آنفا, وقد يتخالفان أعني قبول الموصى له وقبول وارثه فيما إذا أوصى له بولده فإنه إن قبله هو ورث منه أو وارثه حجب الموصى به القابل كأخي الأب أم لا كأخي الولد فلا يرث للدور; لأنه إن حجبه بطل قبوله فيبطل عتق الولد فلا يرث فأدى إرثه لعدمه وإن لم يحجبه فكذلك إذ لو ورث لخرج أخوه عن أهلية القبول في النصف ولا يمكن أن يقبله الولد الموصى به لتوقفه على إرثه المتوقف على عتقه المتوقف على قبوله فتوقف قبوله على قبوله وهو محال, وإذا اقتصر القبول على النصف بقي نصفه رقيقا ومن بعضه رقيق لا يرث "وهل" جرى على العرف في استعمال هل مقام طلب التصور الذي هو محل الهمزة في مثل هذا المقام؟ ولذا أتى في حيزها بالعطف بأم المناسب للهمزة لا لهل فإنه إنما يعطف في حيزها بأو هذا كله إن قلنا بما قاله صاحب المغني وجرى عليه صاحب التلخيص وشارحه, وكلامه أن الهمزة في نحو أزيد في الدار أم عمرو؟ وأزيد في الدار أم في المسجد؟ لطلب التصور أما على ما حققه السيد أن الهمزة في نحو هذين لطلب التصديق; لأن السائل متصور لكل من زيد وعمرو وللدار والمسجد قبل جواب سؤاله وبعد الجواب لم يزد له شيء في تصورها أصلا بل بقي تصورها على ما كان, والحاصل بالجواب هو التصديق أي الحكم الذي هو إدراك أن النسبة إلى أحدهما بعينه واقعة أولا فهل في كلامه باقية على وضعها من طلب التصديق الإيجابي أو السلبي خلافا لمن وهم فيه, وأم في كلامه منقطعة لا متصلة ولا مانع من وقوعها في حيز هل تشبيها له بوقوعها في حيز الهمزة التي بمعناها "يملك الموصى له" المعين الموصى به الذي ليس بإعتاق "بموت الموصي أو بقبوله أم" الملك "موقوف" ومعنى الوقف هنا عدم الحكم عليه عقب الموت بشيء "فإن قبل بان أنه ملك بالموت وإلا" يقبل بأن رد "بان" أنه ملك "للوارث" من حين الموت "أقوال أظهرها الثالث" لتعذر جعله للميت مطلقا وللوارث قبل خروج الوصية وللموصى له وإلا لما صح رده فتعين الوقف "وعليها" أي الأقوال الثلاثة "تبنى الثمرة وكسب عبد حصلا" لا قلاقة فيه; لأن تعريف ثمرة جنسي فساوى التنكير في كسب ووقع حينئذ حصلا صفة لهما من غير إشكال فيه "بين الموت والقبول" وكذا بقية الفوائد الحاصلة حينئذ "ونفقته وفطرته" وغيرهما من المؤن فعلى الأول له الأولان وعليه الآخران وعلى الثاني لا ولا قبل القبول بل للوارث وعليه وعلى المعتمد هي موقوفة فإن قبل فله الأولان وعليه الآخران, وإلا فلا وإذا رد فالزوائد بعد الموت للوارث, وليست من التركة فلا يتعلق بها دين.
"تنبيه" مر في الوقف الفرق بين الواقف والمستحقين في أن المدار فيه على التأبير وعدمه وفيهم على الموجود وعدمه وحينئذ فلو أوصى بنخله فهل المؤبر عند الموت

 

ج / 3 ص -82-          تركة كما قلنا, ثم إنه للواقف وغيره للموصى له وإن برز قبل الموت أو أن ما وجد عند الموت تركة تأبر أو لا وما حدث بعده للموصى له كل محتمل, والأقرب هنا الثاني, ويفرق بينه وبين الواقف بأن المملك ثم الصيغة وحدها فاعتبرنا حال الثمرة عندها كالبيع وهنا لا اعتبار بالصيغة; لأن وقت القول والتمليك لم يدخل بها بل بالموت بشرط القبول فاعتبرناه واعتبرنا وجود الثمرة عنده فتكون تركة وبعده فتكون وصية.
"ويطالب" يصح بناؤه للفاعل فالضمير للعبد وللمفعول فهو لكل من صلحت منه المطالبة كالوارث أو وليه والوصي "الموصى له بالنفقة إن توقف في قبوله ورده" فإن لم يقبل ولم يرد خيره الحاكم بينهما فإن أبى حكم عليه بالإبطال كمتحجر امتنع من الإحياء, وقضية المتن جريان ذلك على كل قول واستشكل جريانه على الثاني بأن الملك لغيره فكيف تطالب بالنفقة, وقد يوجه بأن مطالبته بها وسيلة لفصل الأمر بالقبول أو الرد فجاز لذلك وبهذا يجاب أيضا عن ترجيح ابن الرفعة على قول الوقف وجوب النفقة عليهما كاثنين عقدا على امرأة وجهل السابق, وفرق السبكي بأن كلا منهما معترف بوجوب النفقة عليه, وليس متمكنا من دفع الآخر بخلافهما هنا. ويرده ما مر في خيار البيع أنهما يطالبان على القول بالوقف مع فقد نظير ما ذكره من الاعتراف فعلم أنه ليس هو السبب في مطالبتهما, والكلام في المطالبة حالا ما بالنسبة للاستقرار فهي على الموصى له إن قبل, وإلا فعلى الوارث وفي وصية التملك أما لو أوصى بإعتاق قن معين بعد موته فالملك فيه للوارث إلى عتقه قطعا كما قالاه فالكسب وبدله لو قتل له, والنفقة عليه كما اقتضاه كلامهما وصحح في البحر أن الكسب له; لأنه استحق العتق استحقاقا مستقرا لا يسقط بوجه, والأول أوجه ولو نظرنا لما علل به لما أوجبنا النفقة عليه ولا يقال هو مقصر بتأخير الإعتاق; لأنه قد يفوض لغيره كالوصي, ومثله ما لو أوصى بوقف شيء فتأخر وقفه فعلى الأول هو للوارث وبه أفتى جماعة واعتمده الأذرعي وغيره وعلى الثاني هو للموقوف عليهم وبه أفتى بعضهم وكلام الجواهر يميل إليه ورجحه بعض المحققين وبحث الزركشي أنه لو أوصى بشراء عقار بثلثه ووقفه على زيد وعمرو وثم على الفقراء فمات أحدهما قبل وقفه لم يبطل في نصف الميت بل ينتقل للفقراء وفارق الوقف على هذين, ثم الفقراء فإن أحدهما إذا مات انتقل نصيبه للآخر بأنه هنا مات بعد الاستحقاق وثم قبله فكأنه لم يوجد, ومن ثم لو وقف على زيد وعمرو فبان أحدهما ميتا كان الكل للآخر كما قاله الخفاف وغيره "تنبيه" الوجه في أوصيت له برقبته أنه ليس كما لو أوصى بإعتاقه لاقتضاء الأولى أنه ملكه رقبته كما مر بخلاف الثانية كما تقرر, وحينئذ فلو كان غير متأهل للقبول في الأولى لسفه أو جنون وقف كسبه وإنفاقه إلى قبوله نظير ما مر في وصية التملك ولا ينظر لتضرر الورثة لكون إفاقة المجنون غير منتظرة; لأن تعلق حق الوصية به أوجب الاحتياط له, وهو لا يحصل إلا بالوقف فيستكسبه القاضي وينفق عليه إلى تأهله.

 

ج / 3 ص -83-          فصل في أحكام لفظية للموصى به وله
إذا "أوصى بشاة" وأطلق "تناول" لفظه "صغيرة الجثة وكبيرتها سليمة ومعيبة" وكون الإطلاق يقتضي السلامة إنما هو في غير ما أنيط بمحض اللفظ كالبيع والكفارة دون الوصية, ومن ثم لو قال: اشتروا له شاة أو عبدا تعين السليم; لأن إطلاق الأمر بالشراء يقتضيه كما في التوكيل به "ضأنا ومعزا" وإن كان عرف الموصي اختصاصها بالضأن; لأنه عرف خاص وهو لا يعارض اللغة ولا العرف العام, وخرج بهما نحو أرنب وظبي ونعام وحمر وحش وبقره وزعم ابن عصفور إطلاقها على هذه كلها ضعيف بل شاذ نعم لو قال شاة من شياهي, وليس له إلا ظباء أعطي ظبية "وكذا ذكر" وخنثى "في الأصح"; لأنها اسم جنس كالإنسان وتاؤها للوحدة ونوزع فيه بأنه في الأم نص على أنها لا تشمله للعرف قال السبكي وهو أعرف باللغة فلم يخرج عنها إلا لعرف مطرد فإن صح عرف بخلافه اتبع ا هـ وقد يؤخذ منه الجواب بأن الأكثرين لم يخرجوا عما قاله إلا; لأنه ثبت عندهم أن العرف لم يثبت اطراده بخلاف اللغة فمآل الخلاف إلى أن العرف العام هنا هل خالف اللغة أو لا ومقتضى ترجيح الشيخين كالأكثرين للدخول أنه لم يخالفها, ويؤيده قول الرافعي وربما أفهمك كلامهم توسطا وهو تنزيل النص على ما إذا عم العرف باستعمال البعير بمعنى الجمل, والعمل بقضية اللغة إذا لم يعم قال الزركشي, وينبغي مجيئه في تناول الشاة للذكر ا هـ وهذا كله صريح فيما ذكرته من أن مأخذ الخلاف في تناول الذكر الخلاف في العرف العام هل خالف اللغة أو لا, ويؤيده ما يأتي أن العرف العام مقدم على اللغة في الدابة فتقديمه عليها حيث اتفق على وجوده لا نزاع فيه يعتد به وتقديمها عليه حيث اختلف في وجوده هو الأصح ومحل الخلاف حيث لم يأت بمخصص ففي شاة ينزيها يتعين الذكر الصالح لذلك وينزي عليها أو ينتفع بدرها أو نسلها تتعين الأنثى الصالحة لذلك, وينتفع بصوفها يتعين ضأن, وشعرها يتعين معز "لا سخلة" وهي الذكر أو الأنثى من ولد الضأن والمعز ما لم يبلغ سنة "وعناق" وهي أنثى المعز ما لم تبلغ سنة والجدي ذكره وهو مثلها بالأولى وذكرهما في كلامهم مع دخولهما في السخلة للإيضاح "في الأصح" لتميز كل باسم خاص فلم يشملهما في العرف العام لفظ الشاة "ولو قال أعطوه شاة من غنمي" بعد موتي "ولا غنم له" عند الموت "لغت" هذه الوصية وإن كان له ظباء لعدم ما تتعلق به, والظباء إنما تسمى شياه البر لا غنمه وبه فارق ما مر, وتوهم شارح أن من شياهي كمن غنمي وليس في محله أما إذا كانت له عند موته فيعطى واحدة منها فإن لم يكن له إلا واحدة أعطيها ولو كان له نصف مثلا من واحدة ونصف من أخرى فهل يعطى الجزأين; لأن مجموعهما شاة, واللفظ يجب تصحيحه ما أمكن أو لا يعطى ذلك; لأن الشاة إذا أطلقت لا تتناول إلا الكاملة دون الملفقة؟ كل محتمل, ويأتي ذلك فيما لو حلف أن لا شاة له وله نصفان وقضية تعليلهم دخول المعيبة بقولهم وكون الإطلاق إلى آخره ربما يؤيد الأول, ثم يحتمل أن محل هذا التردد ما لم يقاسم الوارث الشريك, ويحصل بالقسمة كاملة وإلا

 

ج / 3 ص -84-          أعطيها ويحتمل خلافه; لأن العبرة في الوصية بحالة الموت ولم يحصل شاة كاملة عنده "وإن قال" أعطوه شاة "من مالي" ولا غنم له كما بأصله أي عند الموت "اشتريت له شاة" ولو معيبة أو وله غنم أعطي واحدة ولو على غير صفة غنمه كما لو لم يقل من مالي ولا من غنمي "والجمل والناقة" قال أهل اللغة إنما يقال جمل وناقة إذا أربعا فأما قبل ذلك فقعود وقلوص وبكر ا هـ وحينئذ فهل تعتبر هذه الأسماء ولا يتناول أحدها الآخر عملا باللغة أو ما عدا الفصيل الذكر يشمله الجمل, والأنثى تشمله الناقة للنظر فيه مجال والذي يتجه أخذا مما مر وسأذكره أنه إن عرف عرف عام بخلاف اللغة عمل به وإلا فيها واقتضاء كلام غير واحد من الشراح وغيرهم الثاني أعني ما عدا الفصيل في إطلاقه نظر ظاهر "يتناولان البخاتي" بتشديد الياء وتخفيفها "والعراب" السليم والصغير وضدهما لصدق الاسم عليهما "لا أحدهما الآخر" فلا يتناول الجمل الناقة وعكسه لاختصاصه بالذكر وهي بالأنثى فمن ثم لم تتناول البعير قال الزركشي والظاهر الجزم به "والأصح تناول بعير ناقة" وغيرها من نظير ما مر في الشاة; لأنه اسم جنس ومن ثم سمع حلب بعيره إلا الفصيل وهو ولد الناقة إذا فصل عنها "لا" بغلة ذكرا ولا "بقرة ثورا" بالمثلثة ولا عجلة وهي ما لم تبلغ سنة للعرف العام. وإن اتفق أهل اللغة على إطلاقها عليه; لأنه لم يشتهر عرفا "والثور" أو الكلب أو الحمار أو البغل مصروف "للذكر" فقط لذلك وزعم بعض اللغويين في نحو الحمار والجمل والبغل أنه يطلق عليهما شاذ أو خفي وإن بني على ذلك أنه لو حلف لا يركب بغلا أو بغلة حنث في كل بهما, وأن بغلته صلى الله عليه وسلم الشهباء المسماة بالدلدل الباقية إلى زمن معاوية أنثى كما أجاب به ابن الصلاح أو ذكر كما نقل عن إجماع أهل الحديث, ويدل له قوله صلى الله عليه وسلم "ابرك دلدل" ولم يقل ابركي وأن نملة سليمان أنثى أو ذكر, وزعم أن تاء قالت تدل على التأنيث رده أبو حنيفة ونقل أنه القائل به ووجه الرد أنه تأنيث لفظي كتاء جرادة وشاة وفي القاموس الفرس الذكر والأنثى وهو فرسة وقضية فرسة أن الفرس في كلام الموصي للذكر; لأنهم عللوا اختصاص نحو الحمار بالذكر بأنه يفرق بينه وبين الأنثى بالتاء, ويحتمل أنه لهما فيتخير الوارث ويوجه بأن نحو حمارة مشهور فاقتضى حذف التاء اختصاص محذوفها بالذكر ولا كذلك الفرس, وهذا أقرب ولا يتناول البقر جاموسا وعكسه على ما قاله جمع للعرف أيضا فلا ينافيه تكميل نصابها بها ولا عدهما في الربا جنسا واحدا. لكن بحث الشيخان تناولها لها ولا بقر وحش نعم إن قال من بقري وليس له إلا بقر وحش دخل كالجواميس على الأول, وإنما حنث من حلف لا يأكل لحم بقر بأكله لحم بقر وحشي; لأن ما هنا مبني على العرف وما هناك إنما ينبني عليه إذا لم يضطرب وهو في ذلك مضطرب كذا ذكره شيخنا في شرح الروض وهو عجيب إذ قضيته بل صريحه تقديم العرف هنا على اللغة, وإن اضطرب وهو بعيد جدا; لأن معنى اضطرابه اختلافه باختلاف النواحي فأي مقدم منها ورعاية عرف الموصي يلزمه بإطلاقه منافاة لأكثر كلامهم, والذي يتجه في الفرق كما يعلم مما هنا وثم أن اللغة ثم مقدمة على العرف إن اشتهرت وإلا فالعرف المطرد فالخاص بعرف الحالف وهي في البقر مشتهرة بشموله لبقر الوحش فعمل

 

ج / 3 ص -85-          بها ثم, وأما هنا فالعرف العام مقدم عليها وإن اشتهرت وهو قاض بتخصيص البقر بالأهلي فعمل به هنا فإن انتفى العرف العام فاللغة ما أمكن فالخاص ببلد الموصي فاجتهاد الوصي فالحاكم فيما يظهر فتأمله, ويفرق بين البابين بأن الأمر هنا منوط بغير الموصي من الورثة والموصى له فنظرنا إلى ما يتعارفونه ليكون حجة على أحد الفريقين للفريق الآخر, وثم منوط بالحالف فيما بينه وبين نفسه فأمرنا بالنظر لما هو الأصل وهو اللغة والحاصل أن التنازع هنا أوجب تقديم العرف العام; لأنه القاطع له بواسطة أنه يغلب على الظن أن الموصي أراده, وعدم التنازع ثم أوجب الرجوع للأصل; لأنه لم يعارضه شيء, ثم بعد العرف العام هنا واللغة ثم ألحقوا بكل ما يناسبه من المراتب المذكورة "والمذهب حمل الدابة" وهي لغة كل ما يدب على الأرض "على فرس وبغل وحمار" أهلي وإن لم يمكن ركوبها خلافا لما في التتمة فيعطى أحدها في كل بلد عملا بالعرف العام وزعم خصوصه بأهل مصر ممنوع كزعم أن عرفهم يخصها بالفرس كالعراق بخلاف سائر البلاد, ويتعين أحدها إن لم يكن له عند الموت غيره أو إن ذكر مخصصه كالكر والفر أو القتال للفرس وألحق بها إذا قال ذلك قيل اعتيد القتال عليه وكالحمل للأخيرين وحينئذ لا يعطى إلا صالحا له أخذا مما مر فإن اعتيد على البراذين أو البقر أو الجمال دخلت على نزاع فيه فيعطى أحدها ولو لم يكن له عند موته واحد من الثلاث بطلت وبحث البلقيني والأذرعي وسبقهما إليه صاحب البيان الصحة ويعطى من غيرها إن كان له نعم أو غيرها لتعين المجاز بتعين الواقع كما لو وقف على أولاده, وليس له إلا أولاد ولد وكما لو قال من شياهي وليس له إلا ظباء, "ويتناول الرقيق صغيرا وأنثى ومعيبا وكافرا وعكوسها" وخنثى لصدق الاسم نعم إن خصصه تخصص نظير ما مر, ففي يقاتل معه أو يخدمه في السفر يتعين الذكر وكونه في الأولى سليما من نحو عمى وزمانة ولو غير بالغ وفي الثانية سليما مما يمنع الخدمة عرفا, ويحضن ولده تتعين الأنثى ويظهر في يتمتع به تعين الأنثى السليمة من مثبت خيار النكاح, "فرع" بحث بعضهم في الوصية بطعام أنه يحمل على عرفهم دون عرف الشرع المذكور في الربا والوكالة, ويوجه بأن هذا لم يشتهر فيبعد قصده ويوافقه إفتاء جمع يمنيين فيمن أوصى بغنم وحب لمن يقرءون عليه بإجراء ذلك على عادتهم المطردة به في عرف الموصي.
"وقيل إن أوصى بإعتاق عبد" أو أمة تطوعا "وجب المجزئ كفارة"; لأنه المعروف في الإعتاق أو يرد بأن المعروف في الوصية عدم التقييد بذلك فقدم وكفارة ضبطه بخطه بالنصب وهو إما على نزع الخافض وإن كان شاذا أو حال أو تمييز أو مفعول لأجله مرادا به التكفير لا به لفساد المعنى, "ولو أوصى بأحد رقيقه" مبهما "فماتوا أو قتلوا قبل موته" ولو قتلا مضمنا أو أعتقهم أو باعهم مثلا "بطلت" الوصية إذ لا رقيق له عند الموت, ويفرق بين هذا وبين ما مر في الحمل واللبن إذا تلفا تلفا مضمنا فإن الوصية في بدلهما بأن الوصية ثم بمعين شخصي فتناولت بدله وهنا بمبهم وهو لا بدل له فاشترط وجود ما يصدق عليه عند الموت, وحينئذ يكون بدله مثله لتيقن شمول الوصية له حينئذ بخلاف التالف قبله فإنه

 

ج / 3 ص -86-          لم يتحقق شمولها له "وإن بقي واحد تعين" للوصية لصدق الاسم فليس للوارث إمساكه ودفع قيمة مقتول أما إذا قتلوا بعد الموت قتلا مضمنا فيصرف الوارث قيمة من شاء منهم أو مضمنا وغيره فله تعيين الغير للوصية هذا كله إن قيد بالموجودين وإلا أعطى واحدا من الموجودين عند الموت وإن تجدد بعد الوصية "أو" أوصى "بإعتاق رقاب" بأن قال أعتقوا عني بثلثي رقابا أو اشتروا بثلثي رقابا وأعتقوهم "فثلاث" من الرقاب يتعين شراؤها إن لم تكن بماله وعتقها عنه; لأنها أقل مسمى الجمع أي على الأصح الموافق للعرف المشتهر فلا عبرة باعتقاد الموصي أن أقله اثنان كما هو ظاهر ومعنى تعينها عدم جواز النقص عنها لا منع الزيادة عليها بل هي أفضل فقد قال الشافعي رضي الله عنه الاستكثار مع الاسترخاص أولى من الاستقلال مع الاستغلاء عكس الأضحية ولو صرفه لثنتين مع إمكان الثالثة ضمنها بأقل ما يجد به رقبة ولو فضل عن أنفس ثلاث ما لا يأتي برقبة كاملة فهو للورثة نظير ما يأتي "فإن عجز ثلثه عنهن فالمذهب أنه لا يشترى شقص" مع رقبتين; لأن ذلك لا يسمى رقابا "بل يشترى" نفيسة أو "نفيستان به" أي الثلث وقضية قوله نفيستان أنه حيث وجدهما تعين شراؤهما وإن وجد رقبة أنفس منهما وله وجه; لأن التعدد أقرب لغرض الموصي فحيث أمكن تعين وليست الأنفسية غرضا مستقلا حتى ترجح على العدد, ويحتمل أنه يتخير; لأن في كل غرضا "فإن فضل" من الموصى به "عن أنفس" رقبة أو "رقبتين شيء فللورثة" وتبطل الوصية فيه ولا يشترى شقص وإن كان باقيه حرا على الأوجه; لأنه لا يسمى رقبة.
"تنبيه" تصوير المتن بأعتقوا عني بثلثي رقابا هو ما في الروضة وغيرها, وظاهر المتن أنه لا يحتاج إليه ولا تخالف; لأن الثلاث حيث وسعها الثلث واجبة فيهما, وأما الزائد ففي الأولى يجب إلى استكمال الثلث وفي الثانية لا يجب, وقوله فإن عجز ثلثه عنهن يأتي في كل منهما; لأنه إذا صرح بالثلث وعجز ثلثه عن ثلاث لم يشتر الشقص كما لو لم يصرح به ولو أوصى أن يشتري له عشرة أقفزة حنطة جيدة بمائتي درهم, ويتصدق بها وكان ثمنها مائة فأوجه رجح رد المائة الزائدة للورثة أي أخذا مما هنا لكن الفرق واضح; لأن المدار هنا على اسم الرقبة ولم توجد كما تقرر وثم على بر الفقراء وهو مقتض لصرف المائة في شراء حنطة بهذا السعر والتصدق بها كما هو وجه آخر يظهر ترجيحه وهل المراد الأنفس باعتبار محل الموصي أو الوصي أو الورثة وقت الموت أو إرادة الشراء, وهل ينتظر وجود الأنفس ولو رجا وعليه فما ضابط الرجاء؟ لم أر في ذلك شيئا, ويظهر اعتبار محل الموصي عند تيسر الشراء من مال الوصية.
"ولو قال ثلثي للعتق اشتري شقص" أي جاز ذلك وإن قدر على الكامل خلافا لجمع من شراح الحاوي وغيرهم لصدق اللفظ به لكن الكامل أولى.
"فرع" قال لغيره أعتق عني عتقا بمائة دينار فالمتبادر منه على ما قاله بعضهم الرقبة الكاملة فتتعين; لأن التبعيض يؤدي إلى السراية على الآمر ما لم يقل بعد موتي فلا تتعين

 

ج / 3 ص -87-          وإذا اشتراها بثمانين وهي تساوي المائة صح وأعتقها عنه وصرف الزائد للعتق لا للوارث, ولو أوصى بثلثه وقال يصرف منه كذا فصرف وبقي منه فضلة فالأوجه أنها للمساكين لما مر أنه لا يشترط في الوصية بيان المصرف; لأن غالبها لهم, وليس كمن أوصى بعتق رقبة فلم يف ثلثه بأدنى رقبة رد للورثة خلافا لمن زعم أنه مثله, ويفرق بأنه عين هنا جهة مخصوصة وقد تعذرت وفي مسألتنا لم يعين للفاضل جهة فحمل على الغالب المتبادر ولو زاد فيها لله صرف الفاضل لوجوه القرب.
"ولو أوصى لحملها" بكذا "فأتت بولدين" حيين معا أو مرتبا وبينهما أقل من ستة أشهر "فلهما" الموصى به بالسوية بينهما الأنثى كالذكر, وكذا لو أتت بأكثر; لأنه مفرد مضاف فيعم "أو" أتت "بحي وميت فكله للحي في الأصح"; لأن الميت كالمعدوم "ولو قال إن كان حملك ذكرا" أو غلاما فله كذا. "أو قال" إن كان حملك "أنثى فله كذا فولدتهما" أي الذكر والأنثى "لغت" الوصية لشرطه صفة الذكورة أو الأنوثة في جملة الحمل, ولو تحصل ولو ولدت ذكرين فأكثر أو أنثيين فأكثر قسم بينهما أو بينهم أو بينهن بالسوية وفي إن كان حملها ابنا أو بنتا فله كذا لا يستحق إلا المنفرد وفارق الذكر والأنثى بأنهما اسما جنس يقعان على القليل والكثير بخلاف الابن والبنت, ووجه قول المصنف ردا على الرافعي أنه واضح أن المدار في الوصايا على المتبادر غالبا, وهو من كل ما ذكر فيه فاتضح الفرق "ولو قال إن كان ببطنها ذكر فله كذا فولدتهما" أي الذكر والأنثى "استحق الذكر"; لأن الصيغة ليست حاصرة للحمل فيه "أو ولدت ذكرين فالأصح صحتها"; لأنه لم يحصر الحمل في واحد, وإنما حصر الوصية فيه "ويعطيه الوارث" إن لم يكن وصي وإلا فهو كما هو ظاهر من كلامهم ولا يعارضه ما قدمته في تنبيه في شرح قوله أعطي أحدها أي الكلاب; لأن ذاك فيما قد يتصور فيه ضرر على الوارث لو فوض الأمر للوصي. وهذا لا يتصور فيه ذلك; لأن الموصى به معين بشخصه, وإنما التخيير في المعطى له ففوض للوصي; لأن الميت أقامه فيما لا ضرر فيه على الوارث مقام نفسه, ويقاس بكل من الطرفين ما في معناه "من شاء منهما" ولا يشرك بينهما لاقتضاء التنكير هنا التوحيد بخلافه فيما مر في إن كان حملك; لأن قرينة جعله صفة الذكورة مثلا لجملة الحمل يقتضي عدم الوحدة فعمل في كل بما يناسبه أو إن ولدت ذكرا فله مائة أو أنثى فلها خمسون فولدت خنثى دفع له الأقل ووقف الباقي, وقضية كلامهم هنا أنه لو أوصى لمحمد بن بنته وله بنتان لكل ابن اسمه محمد أعطاه الوصي, ثم الوارث من شاء منهما, وبحث بعضهم أنه يوقف حتى يصطلحا; لأن الموصى له معين باسمه العلم لا يحتمل إبهامه إلا في القصد بخلافه هنا يمكن رده بأنه لا أثر هنا لهذا التعيين الناشئ عن الوضع العلمي لمساواته بالنسبة إلى جهلنا بعين الموصى له منهما لذكر فيما قالوه, وأما كون هذا مبهما وضعا وذاك معين وضعا فلا أثر له هنا, ويمكن توجيهه بأن عين الموصى له هنا يمكن معرفتها بمعرفة قصد الميت وبدعوى أحدهما أنه المراد فينكل الآخر عن الحلف على أنه لا يعلمه أراده فيحلف المدعي ويستحق وفيما قالوه لا يمكن ذلك وهذا أوجه.

 

ج / 3 ص -88-          "ولو أوصى لجيرانه" بكسر الجيم "فلأربعين دارا من كل جانب" من جوانب داره الأربعة حيث لا ملاصق لها فيما عدا أركانها كما هو الغالب أن ملاصق أركان كل دار يعم جوانبها فلذا عبروا بما ذكر تصرف الوصية فهي مائة وستون دارا لخبر فيه مسندا من طرق يفيد مجموعها حسنه ومرسلا من طريق صحيح ونظر في التحديد بمائة وستين بما أجبت عنه في شرح الإرشاد, ويجب استيعاب المائة والستين إن وفى بهم بأن يحصل لكل أقل متمول وإلا قدم الأقرب أما الملاصق لها فيما عدا الأركان الشامل لما فوقها وتحتها, فيقدم على الملاصق كملاصق أركانها, ثم ما كان أقرب للملاصق فيما يظهر في كل ذلك; لأنه أحق باسم الجوار من غيره وأقرب إلى غرض الموصي ومن ثم لو اتسعت جوانبها بحيث زاد ملاصقها على مائة وستين دارا صرف للكل فيما يظهر أيضا إن وفى بهم لصدق اسم الجوار على الكل صدقا واحدا من غير مرجح, ويقسم المال على عدد الدور, ثم ما خص كل دار على عدد سكانها أي بحق عند الموت فيما يظهر فيهما وإن كانوا كلهم في مؤنة واحدة كما هو ظاهر سواء في ذلك المسلم والغني والحر والمكلف وضدهم كما شمله إطلاقهم نعم يظهر أنه لا يدخل أحد من ورثته وإن أجيزت وصيته أخذا مما يأتي أنه لا يوصى له عادة وكذا يقال في كل ما يأتي من العلماء ومن بعدهم, ثم رأيت نص الشافعي الذي قدمته في مبحث الوصية للوارث وهو صريح في ذلك وظاهر أن ما خص القن لسيده والمبعض بينهما بنسبة الرق والحرية حيث لا مهايأة وإلا فلمن وقع الموت في نوبته ولو تعددت دار الموصي صرف لجيران أكثرهما سكنى فإن استويا فإلى جيرانهما أي مائة وستين من كل أو ثمانين من كل محل نظر, والأول أقرب ومر فيمن أحد مسكنيه حاضر الحرم تفصيل لا يبعد مجيء بعضه هنا إذ حاضر الشيء وجاره متقاربان فكما حكم العرف, ثم يحكم هنا وبحث الأذرعي اعتبار التي هو بها حالتي الوصية والموت والزركشي اعتبار التي مات بها, وكلاهما فيه نظر كبحث الزركشي أن جار المسجد من سمع النداء لخبر فيه لوضوح الفرق بين ما هنا وثم; لأن المدار هنا على العرف كما تقرر وذاك على تحصيل الفضيلة من غير مشقة فلا جامع بينهما. "والعلماء" في الوصية لهم هم الموصوفون يوم الموت لا الوصية كما هو قياس ما مر بأنهم "أصحاب علوم الشرع من تفسير" وهو معرفة معنى كل آية وما أريد بها نقلا في التوقيفي واستنباطا في غيره ومن ثم قال الفارقي لا يصرف لمن علم تفسير القرآن دون أحكامه; لأنه كناقل الحديث "وحديث" وهو علم يعرف به حال الراوي قوة وضدها والمروي صحة وضدها وعلل ذلك ولا عبرة بمجرد الحفظ والسماع "وفقه" بأن يعرف من كل باب طرفا صالحا يهتدي به إلى معرفة باقيه مدركا واستنباطا, وإن لم يكن مجتهدا خلافا لما يوهمه بعض العبارات عملا بالعرف المطرد المحمول عليه غالب الوصايا فإنه حيث أطلق العالم لا يتبادر منه إلا أحد هؤلاء, ومن ثم لو أوصى للفقيه لم يشترط فيه ما ذكر بل من حصل شيئا من الفقه وإن قل نظير ما في الوقف أي بأن يحصل طرفا من كل باب بحيث يتأهل لفهم باقيه أخذا من كلام الإحياء ويكفي ثلاثة من أصحاب العلوم الثلاثة أو بعضها ولو عين علماء بلد أو فقراءه مثلا ولا

 

ج / 3 ص -89-          عالم أو لا فقير فيهم يوم الموت بطلت الوصية. ولو اجتمعت الثلاثة في واحد أخذ بأحدها فقط نظير ما يأتي في قسم الصدقات ولو أوصى لأعلم الناس اختص بالفقهاء لتعلق الفقه بأكثر العلوم والمتفقه من اشتغل بتحصيل الفقه, وحصل شيئا منه له وقع "لا مقرئ" وإن أحسن طرق القرآن وأداءها وضبط معانيها وأحكامها "وأديب" وهو من يعرف العلوم العربية نحوا وبيانا وصرفا ولغة وشعرا ومتعلقاتها "ومعبر" للمرائي النومية والأفصح عابر من عبر بالتخفيف وفي الحديث الرؤيا لأول عابر "وطبيب" وهو من يعرف عوارض بدن الإنسان صحة وضدها وما يحصل أو يزيل كلا منهما "وكذا متكلم عند الأكثرين" وإن كان علمه بالنظر لمتعلقه أفضل العلوم وأصولي ماهر وإن كان الفقه مبنيا على علمه; لأنه ليس بفقيه ومنطقي وإن توقفت كمالات العلوم على علمه وصوفي وإن كان التصوف المبني عليه تطهير الباطن والظاهر من كل خلق دنيء وتحليتهما بكل كمال ديني هو أفضل العلوم لما مر من العرف ولو أوصى للقراء لم يعط إلا من يحفظ كل القرآن عن ظهر قلب أو لأجهل الناس صرف لعباد الوثن فإن قال من المسلمين فمن يسب الصحابة واستشكلت صحة الوصية بأنها معصية وهي في الجهة مبطلة, ويجاب بأن الضار ذكر المعصية لا ما قد يستلزمها أو يقارنها كما هنا ومن ثم ينبغي بل يتعين بطلانها لو قال لمن يعبد الوثن أو يسب الصحابة وقبول شهادة الساب لا تمنع عصيانه بالسب كما يعلم مما يأتي فيه أو للسادة فالمتبادر عرفا أنهم الأشراف الآتي بيانهم, وقال بعضهم بل هم شرعا وعرفا العلماء والصوفية العاملون بالكتاب والسنة ظاهرا وباطنا وسيد الناس الخليفة; لأنه المتبادر منه والشريف المنتسب من جهة الأب إلى الحسن أو الحسين; لأن الشرف وإن عم كل رفيع إلا أنه اختص بأولاد فاطمة رضي الله عنهم عرفا مطردا عند الإطلاق وأعقل الناس وأكيسهم أزهدهم في الدنيا وأحمقهم أسفههم عند الماوردي والمثلث عند الروياني. "ويدخل في وصية الفقراء المساكين" والمراد بهما هنا ما يأتي في قسم الصدقات فيتعين المسلمون "وعكسه" ومن عبارات الشافعي رضي الله تعالى عنه البديعة إذا افترقا اجتمعا وإذا اجتمعا افترقا, ويجوز النقل هنا إلى غير فقراء بلد المال والوصية لليتامى والعميان والزمنى ونحوهم كالحجاج على ما في الروضة, ويوجه وإن أطيل في رده بأن الحج يستلزم السفر بل طوله غالبا, وهو يستلزم الحاجة غالبا فكان مشعرا بالفقر تختص بفقرائهم "ولو جمعهما" أي النوعين في وصية "شرك" الموصى به بينهما أي شركه الوصي إن كان وإلا فالحاكم "نصفين" فيجعل نصف الموصى به للفقراء ونصفه للمساكين كما في الزكاة وبه فارق ما لو أوصى لبني زيد وبني عمرو فإنه يقسم على عددهم ولا ينصف "وأقل كل صنف" من الفقراء والمساكين مثلا حيث لم يقيدوا بمحل أو قيدوا به وهم به غير محصورين "ثلاثة"; لأنها أقل الجمع فإن دفع الوصي أو الوارث وكذا الحاكم بغير اجتهاد أو تقليد صحيح كما هو ظاهر لاثنين غرم للثالث أقل متمول, ثم إن لم يتعمد استقل بالدفع إليه لبقاء عدالته وإلا وعلم حرمة ذلك كما هو ظاهر دفعه للقاضي وهو يدفعه له أو يرده للدافع ويأمره بالدفع له كذا قالوه وهو مشكل; لأنهم بعد أن قرروا فسقه بتعمده لذلك كيف

 

ج / 3 ص -90-          يجوزون للقاضي الدفع إليه ولو ليدفعه لغيره, فالوجه حمل كلامهم على ما إذا تاب إذ الظاهر أنه لا يشترط في مثل هذا استبراء, وبحث الأذرعي تعين الاسترداد منهما إن أعسر الدافع; لأنه ليس أهلا للتبرع.
"وله" أي الوصي وإلا فالحاكم "التفضيل" بين آحاد كل صنف, ويتأكد تفضيل الأشد حاجة والأولى إن لم يرد التعميم الأفضل تقديم أرحام الموصي ومحارمهم أولى فمحارمه رضاعا فجيرانه فمعارفه, ومر أنهم متى انحصروا وجب قبولهم واستيعابهم والتسوية بينهم وإن تفاوتت حاجاتهم خلافا للقاضي أبي الطيب, وكان بعضهم أخذ من كلامه ما يأتي عنه آخر الباب أنه لو فوض للوصي التفرقة بحسب ما يراه لزمه تفضيل أهل الحاجة إلى آخره, وقد يفرق بأنه هنا ربط الإعطاء بوصف الفقر مثلا فقطع اجتهاد الوصي, وثم وكل الأمر لاجتهاده فلزمه ذلك. "أو" أوصى "لزيد والفقراء فالمذهب أنه كأحدهم في جواز إعطائه أقل متمول"; لأنه ألحقه بهم "لكن لا يحرم" وإن كان غنيا لنصه عليه, ولو وصفه بصفتهم كزيد الفقير فإن كان غنيا فنصيبه لهم أو فقيرا فكما مر أو بغيرها كزيد الكاتب أخذ النصف وكان السبكي أخذ من هذا قوله لو وقف على مدرس وإمام وعشرة فقهاء قسم على ثلاثة للعشرة ثلثها على المذهب ولو أوصى لزيد بدينار وللفقراء بثلث ماله لم يصرف لزيد ولو فقيرا غيره; لأنه بتقديره قطع اجتهاد الوصي وقضيته أنه لو أوصى أن يحط من دينه على فلان أربعة مثلا وأن يحط جميع ما على أقاربه وفلان منهم لم يحط عنه غير الأربعة; لأنه أخرجه بإفراده ولأن العدد له مفهوم عند الشافعي رضي الله عنه وبه يجاب عن قول الرافعي إذا جاز أن يكون النص على زيد أي في مسألة المتن لئلا يحرم جاز أن يكون التقدير هنا أي في مسألة الدينار لئلا ينقص عنه, وأيضا يجوز أن يقصد عين زيد للدينار وجهة الفقراء للباقي فيستوي في غرضه الصرف لزيد وغيره ا هـ. ووجه الجواب أن زيدا في مسألة المتن لقب ولا قائل يعتد به بحجية مفهومه بخلاف مفهوم العدد أو ما تضمنه كالدينار فإن كثيرين عليه بل هو نص الشافعي كما تقرر, وإذا روعي مفهومه على القول به أو ذكره المتبادر منه عادة الاقتصار عليه وإن لم يقل بالمفهوم اتضح الفرق بين المسألتين, وأن النص على الدينار له قطع اجتهاد الوصي أن ينقصه أو يزيد عليه فتأمله ولو أوصى لشخص, وقد أسند وصيته إليه بألف, ثم أسند وصيته لجمع هو منهم وأوصى لكل من يقبل وصيته منهم بألفين فالذي يتجه أنه إن صرح أو دلت قرينة ظاهرة على أن الألف المذكورة أولا مرتبطة بقبول الإيصاء لم يستحق سوى ألفين; لأن الأولى حينئذ من جملة إفراد الثانية وإلا استحق ألفا, ثم إن قبل استحق ألفين أيضا; لأنهما حينئذ وصيتان متغايرتان الأولى محض تبرع لا في مقابل والثانية نوع جعالة في مقابلة القبول والعمل فليس هذا كالإقرار له بألف, ثم بألفين أو بألف ولم يذكر سببا, ثم بألف وذكر لها سببا; لأنه لم يغاير بينهما من كل وجه فأمكن حمل أحدهما على الآخر بخلافه في مسألتنا, وبهذا يندفع ما وقع في فتاوى أبي زرعة مما يخالف بعض ذلك على أنه متردد فيه وما أبعد قوله لعل حمل المطلق من حيث اللفظ على المقيد أولا وإن كانت مادتهما مختلفة اعتبارا باللفظ من غير نظر إلى

 

ج / 3 ص -91-          المعنى. "أو" أوصى "لجمع معين غير منحصر كالعلوية" وهم المنسوبون لعلي وإن لم يكونوا من فاطمة كرم الله وجههما وبني تميم "صحت في الأظهر وله الاقتصار على ثلاثة" كالوصية للفقراء, والفرق بأن الشرع خصصهم بثلاثة بخلاف غيرهم يجاب عنه بأنا نتبع في الوصايا عرف الشارع غالبا حيث علم أو لزيد ولله كان لزيد النصف والباقي لوجوه الخير أو لزيد ونحو جبريل أو الجدار مما لا يوصف بملك وهو مفرد فلزيد النصف وبطلت في الباقي نعم لو أضاف الجدار لمسجد أو دار زيد صحت له وصرفت في عمارته كما بحثه الأذرعي أو لزيد ونحو الرياح فله أقل متمول, وبطلت فيما عداه ولو أوصى بثلثه لله تعالى صرف في وجوه البر ويأتي آخر الباب بيانهم ومثلهم وجوه الخير ولا يدخل فيهم ورثته نظير ما مر ويأتي فإن لم يقل لله تعالى صح وصرف للمساكين, وفرق في الروضة بينه وبين الوقف بأن غالب الوصايا للمساكين فحمل المطلق عليه وبأن الوصية مبنية على المساهلة أي حيث تصح بالمجهول والنجس وغيرهما بخلاف الوقف فيهما, ووقع لبعضهم هنا ما يخالف ذلك فاحذره. "أو" أوصى "لأقارب زيد دخل كل قرابة" له "وإن بعد" وارثا وكافرا وغنيا وضدهم فيجب استيعابهم والتسوية بينهم وإن كثروا وشق استيعابهم كما شمله كلامهم ولا ينافيه قولهم لو لم ينحصروا فكالعلوية; لأن محله فيما إذا تعذر حصرهم, وذلك لأن هذا اللفظ يذكر عرفا شائعا لإرادة جهة القرابة فعمم ومن ثم لو لم يكن له إلا قريب صرف له الكل ولم ينظر لكون ذلك اللفظ جمعا واستوى الأبعد مع غيره مع كون الأقارب جمع أقرب وهو أفعل تفضيل, واعترض الرافعي التعليل بالجهة بأنه لو كان كذلك لم يجب الاستيعاب كالوصية للفقراء, ويجاب بأنه في نفسه غير جهة حقيقية; لأن من شأن القرابة الحصر, وإنما المتبادر من ذكرها ما يتبادر من الجهة بالنسبة لإعطاء من ذكر وقولهم يذكر عرفا شائعا لإرادة جهة القرابة يشير لما ذكرته "لا أصلا" أي أبا أو أما "وفرعا" أي ولدا "في الأصح" ونقل الأستاذ أبو منصور إجماع الأصحاب عليه والاعتراض عليه مردود, وذلك لأنهم لا يسمون أقارب عرفا أي بالنسبة للوصية فلا ينافي تسميتهما أقارب في غير ذلك وعدل عن قول أصله الأصول والفروع ليفيد دخول الأجداد والجدات والأحفاد, ويؤخذ مما مر في الوقف أنه لو وقف على أولاده وليس له إلا أولادهم صرف إليهم لما مر, ثم إنه لو لم يكن له هنا قريب غير أولئك صرف إليهم. "ولا تدخل قرابة الأم في وصية العرب في الأصح" ونقل عن الجمهور; لأنهم لا يفتخرون بها ولا يعدونها قرابة والأصح في الروضة, ونقل عن الأكثرين دخولهم كالعجم; لأن العرب يفتخرون بها فقد صح أنه صلى الله عليه وسلم قال عن سعد بن أبي وقاص "سعد خالي فليرني امرؤ خاله" ويدخلون في الرحم اتفاقا "والعبرة" في ضبط الأقارب "بأقرب جد ينسب إليه زيد" أو أمه بناء على دخول أقاربها "وتعد أولاده" أي ذلك الجد "قبيلة" واحدة ولا يدخل أولاد جد فوقه أو في درجته فلو أوصى لأقارب حسني لم تدخل الحسينيون وإن انتهوا كلهم إلى علي كرم الله وجهه أو لأقارب الشافعي دخل كل من ينسب لشافع; لأنه أقرب جد عرف به الشافعي لا لمن ينسب لجد بعد شافع كأولاد أخوي شافع علي والعباس; لأنهم

 

ج / 3 ص -92-          إنما ينسبون للمطلب أو لأقارب بعض أولاد الشافعي دخل فيها أولاده دون أولاد جده شافع "ويدخل في أقرب أقاربه" أي زيد "الأصل" أي الأبوان "والفرع" أي الولد, ثم غيرهما عند فقدهما على التفصيل الآتي رعاية لوصف الأقربية المقتضي لزيادة القرب أو قوة الجهة وبهذا الذي دل عليه قوله وأخ على جد اندفع الاعتراض عليه بأنه يوهم أن ثم أقرب من غير الأصول والفروع واندفع قول شارح المراد بالأصل الأب والأم وأصولهما "والأصح تقديم" الفروع وإن سفلوا ولو من أولاد البنات الأقرب فالأقرب فيقدم ولد الولد على ولد ولد الولد, ثم الأبوة, ثم الأخوة ولو من الأم, ثم بنوة الإخوة, ثم الجدودة من قبل الأب أو الأم القربى فالقربى نظرا في الفروع إلى قوة الإرث والعصوبة في الجملة وفي الأخوة إلى قوة البنوة فيها في الجملة, ثم بعد الجدودة العمومة والخؤولة فيستويان, ثم بنوتهما ويستويان أيضا لكن بحث ابن الرفعة تقديم العم والعمة على أبي الجد والخال والخالة على جد الأم وجدتها ا هـ قال غيره وكالعم في ذلك ابنه كما في الولاء إذا تقرر ذلك علم منه تقديم "ابن" وبنت وذريتهما "على أب و" تقديم "أخ" وذريته من أي جهاته "على جد" من أي جهاته "ولا يرجح بذكورة ووراثة بل يستوي الأب والأم والابن والبنت" والأخ والأخت لاستواء الجهة في كل; نعم يقدم الشقيق على غيره ويستوي الأخ للأب والأخ للأم "ويقدم ابن البنت على ابن ابن الابن"; لأنه أقرب منه في الدرجة.
"فرع" أوصى لجماعة من أقرب أقارب زيد وجب استيعاب الأقربين واستشكله الرافعي بأن القياس بطلان الوصية; لأن لفظ جماعة منكر فهو كما لو أوصى لأحد رجلين أو لثلاثة لا على التعيين من جماعة معينين قال الأذرعي ويحتاج إلى الفرق ا هـ وأقول يمكن أن يفرق بأن ما ذكره فيه إيهام من كل وجه من غير قرينة تبينه وما هنا ليس كذلك; لأنه لما ربط الموصى لهم بوصف الأقربية علم أن مراده إناطة الحكم بها من غير نظر لمن; لأنها كما تفيد التبعيض تفيد الاستغراق أو الابتداء فأعرضوا عنها لانبهامها وقضوا بالقرينة التي ذكرتها على أن لنا أن نقول إنها هنا للبيان لا غير بمعونة تلك القرينة فاتضح ما ذكروه واندفع ما لشيخنا هنا المستلزم لإخراج كلامهم عن ظاهره بل صريحه المصرح به كلام الرافعي.
"ولو أوصى لأقارب نفسه" أو أقرب أقارب نفسه "لم تدخل ورثته في الأصح" وإن صححنا الوصية للوارث; لأنه لا يوصى له عادة فتختص بالباقين وفي الروضة لو أوصى لأهله فهم من تلزمه نفقتهم أي غير الورثة فيما يظهر من كلامهم ويظهر أيضا فيمن أوصى بزكاة أو كفارة عليه أنه يجوز للوصي والقاضي الصرف للوارث في هذه; لأن الآخذ فيها لم يأخذ بجهة الوصية إليه قصدا; لأن المصرف هنا غير مقصود وإنما المقصود بيان ما اشتغلت به ذمته لتبرأ لا غير وحينئذ فلا يأتي هنا قولهم; لأنه لا يوصى له عادة بخلاف الوصية بالتصدق عنه مثلا فإن المتبادر منه قصد المصرف من نحو الفقراء لما مر أن غالب الوصايا لهم ومتى أدير الأمر على قصد المصرف اتضح عدم دخول ورثته نظرا للعادة المذكورة فإن لم يكن غيرهم فيحتمل أنه كما مر آنفا ويحتمل الفرق بما أفاده التعليل أن الوارث لا يوصى له عادة بخلاف غيره.

 

ج / 3 ص -93-          فصل في أحكام معنوية للموصى به مع بيان ما يفعل عن الميت وما ينفعه
"تصح الوصية بمنافع" نحو "عبد ودار" كما قدمه ووطأ به هنا لما بعده "وغلة" عطف على منافع "حانوت" ودار مؤبدة ومؤقتة ومطلقة وهي للتأبيد, وما اقتضاه عطف الغلة على المنفعة من تغايرهما صحيح, ومن ثم اعترض الشيخان إطلاقهم التسوية بين المنفعة والغلة والكسب والخدمة في القن والمنفعة والسكنى والغلة في الدار, ثم استحسنا أن المنفعة تتناول الخدمة والسكنى أي وغيرهما مما صرحا به قبل لكن بقيده الآتي في الغلة, وأن كلا من الخدمة والسكنى لا يفيد غيره ومن ثم لو استأجر قنا للخدمة لم يكلفه نحو كتابة وبناء قالا بل ينبغي أن الوصية بالغلة أو الكسب لا تفيد استحقاق سكنى ولا ركوب ولا استخدام وبواحد من هذه الثلاثة لا تفيد استحقاق غلة ولا كسب; لأن الغلة فائدة عينية والمنفعة مقابلة للعين ا هـ ولا ينافي ما ذكراه في المنفعة خلافا لمن توهمه شمولها للكسب لما يأتي أنه بدلها, وقول ابن الرفعة الخدمة أن تفيد ما تفيده المنفعة ضعيف, وكذا قوله إن الغلة تفيد السكنى وقوله ليس في للغلة محمل في الدار غير المنفعة, وكون المنفعة مقابلة للعين لا يمنع أن الغلة المضافة للدار بمعنى المنفعة ا هـ وقال غيره الوجه أن المنافع تشمل الغلة والكسب, والغلة وإن كانت فائدة عينية هي معدودة من منافع الأرض والغلة والكسب لا تفيد نحو ركوب وسكنى ومنفعة بل ما يحصل من الغلة والكسب خاصة. والمفهوم من المنفعة أعم مما يفهم منهما ا هـ وفي بعضه نظر يعرف مما تقرر, والحاصل أن ما ذكره الشيخان صحيح ومن ثم اعتمده المحققون, وأن المنفعة تطلق على ما يقابل العين ومن ثم فسرها الإمام وغيره هنا بأنها ما ملك بعقد الإجارة الصحيح والمملوك به قصدا هو محض المنفعة لا غير واستتباعها للعين إنما هو للضرورة أو الحاجة كما بينوه ثم, وهذا الإطلاق هو المتبادر منها هنا فمن ثم حملوها عليه كما حملوا الوصية على عود اللهو فيما مر لذلك, وقد تطلق على ما هو أعم من ذلك فتشمل حتى الغلة التي هي الفوائد العينية الحاصلة لا بفعل أحد وهذا لا يعمل به هنا إلا لقرينة فالغلة قسمان قسم يحصل بدل استيفاء منفعة فتتناوله المنفعة بلا قرينة وقسم يحصل بنفسه فهو أجنبي عن المنفعة فاحتاج تناولها له إلى قرينة ومن هذا يعلم أنه لا يصح الإيصاء بدراهم يتجر فيها الوصي, ويتصدق بما يحصل من ربحها; لأن الربح بالنسبة لها لا يسمى غلة ولا منفعة للعين الموصى بها; لأنه لا يحصل إلا بعد زوالها, وهذا واضح خلافا لمن وهم فيه, وأن الذي يتجه في نحو النخلة والشاة أنه إن أوصى بفوائدهما أو بغلتهما اختص بنحو الثمرة واللبن والصوف أو بمنافعهما لم يدخل نحو الثمرة إلا إن قامت قرينة ظاهرة على إرادة ما يشمل الغلة بأن لم يكن لها منفعة تقصد غير نحو ثمرتها, أو اطرد عرف الموصي بذلك, وقد مر لذلك نظائر فإن قلت ما منفعة النخلة والشاة غير الغلة قلت ربط نحو الدواب في النخلة ونشر نحو الثياب عليها ونحو دياسة الشاة للحب, فإنه يصح استئجارها لذلك كما صرحوا به.

 

ج / 3 ص -94-          "تنبيه" وقع في الروضة هنا أنه لو أوصى بخدمة عبده سنة غير معينة كان تعيينها للوارث, ونازع فيه الأذرعي ثم قال ينبغي حملها على سنة متصلة بموته وكأنه أخذ هذا من نظيره الآتي أنه لو أوصى بمنفعة داره سنة حملت على السنة التي تلي الموت, وهو أخذ ظاهر إلا أن يفرق بأنه هنا أبقى للوارث شركة في المنافع إذ ما عدا الخدمة من نحو كتابة وبناء له خلافا لابن الرفعة كما تقرر وعند بقاء حق للوارث تكون الخيرة في تسليم ما عداه إليه; لأنه أصلي والموصى له عارض فلقوة حقه كان التعيين إليه, وأما ثم فلم يبق له حقا في المنفعة فلم يعارض حق الموصى له فانصرف حقه لأول سنة تلي الموت إذ لا معارض له فيها فتأمله ومما يؤيد ذلك قول القاضي لو أوصى بثمرة هذا البستان سنة, ولم يعينها فتعيينها للوارث أي; لأنه بقيت له المنافع غير الثمرة فهو كالوصية بالخدمة فيما ذكر "ويملك الموصى له" بالمنفعة وكذا بالغلة إن قامت قرينة على أن المراد بها مطلق المنفعة أو اطرد العرف بذلك فيما يظهر نظير ما مر "منفعة" نحو "العبد" الموصى بمنفعته فليست إباحة ولا عارية للزومها بالقبول. ومن ثم جاز له أن يؤجر ويعير ويوصي بها ويسافر به عند الأمن, ويده يد أمانة وورثت عنه, ومحل ذلك في غير مؤقتة بنحو حياته على اضطراب فيه, وإلا كانت إباحة فقط كما لو أوصى له بأن ينتفع أو يسكن أو يركب أو يخدمه فلا يملك شيئا مما مر, ويأتي لأنه لما عبر بالفعل وأسنده إلى المخاطب اقتضى قصوره على مباشرته بخلاف منفعته أو خدمته أو سكناها أو ركوبها خلافا لابن الرفعة, والتعبير بالاستخدام كهو بأن يخدمه بخلاف الخدمة كما هو واضح, ويستقل الموصى له بتزويج العبد أي إن كانت الوصية مؤبدة وإلا احتيج إلى إذن الوارث أيضا فيما يظهر كما أنه لا بد من رضاهما في الأمة مطلقا "و" يملك أيضا "أكسابه المعتادة" كاحتطاب واصطياد وأجرة حرفة; لأنها أبدال المنافع الموصى بها "لا النادرة" كهبة ولقطة إذ لا تقصد بالوصية "وكذا مهرها" أي الأمة إذا وطئت بشبهة أو نكاح يملكه الموصى له بمنافعها "في الأصح"; لأنه من نماء الرقبة كالكسب, وكما يملكه الموقوف عليه, وما لا في الروضة وأصلها إلى أنه ملك لورثة الموصي, وفرق الأذرعي بينه وبين الموقوف عليه بأن ملك الثاني أقوى لملكه النادر والولد بخلاف الأول. ويملك الوارث الرقبة هنا لا ثم قال غيره ولأنه يملك الرقبة على قول فقوي الاستتباع بخلافه هنا ورد هذا بأن الموصى له بالمنفعة أبدا قيل فيه أنه يملك الرقبة أيضا, ويرد الأولان بأن الموصى له يملك الإجارة والإعارة والسفر بها وتورث عنه المنفعة ولا كذلك الموقوف عليه فكان ملك الموصى له أقوى وعدم ملكه النادر إنما هو لعدم تبادر دخوله, والولد إنما هو لما يأتي ولأنه جزء من الأم وهو لا يملكها لا أن ذلك لضعف ملكه, ومن ثم كان المعتمد ملكه المهر وفاقا للإسنوي وغيره, وأنه فيما إذا أبدت المنفعة لا يحد لو وطئ بخلاف الموقوف عليه لما تقرر من أن ملكه أضعف وأيضا فالحق في الموقوفة للبطن الثاني, ولو مع وجود البطن الأول ولا حق هنا في المنفعة لغير الموصى له فاندفع ما قيل الوجه التسوية بينهما أو وجوب الحد في الوصية دون الوقف, والأوجه في أرش البكارة أنه للورثة; لأنه بدل إزالة جزء من البدن الذي هو ملك لهم ولو

 

ج / 3 ص -95-          عينت المنفعة كخدمة قن أو كسبه أو غلة دار أو سكناها لم يستحق غيرها كما مر فليس له في الأخيرة عمل الحدادين والقصارين إلا إن دلت قرينة على أن الموصي أراد ذلك على الأوجه "لا ولدها" أي الموصى بمنفعتها أمة كانت, والحال أنه من زوج أو زنا أو غيرها فلا يملكه الموصى له ويفرق بينه وبين ولد الموقوفة بأن ملك الموقوف عليه له لم يعارضه أقوى منه بخلافه هنا فإن إبقاء ملك الأصل للوارث المستتبع له معارض أقوى لملك الموصى له فقدم عليه "في الأصح بل هو" إن كانت حاملا به عند الوصية; لأنه كالجزء منها أو حملت به بعد موت الموصي; لأنه الآن من فوائد ما استحق منفعته بخلاف الحادث بعد الوصية. وقبل الموت وإن وجد عنده لحدوثه فيما لم يستحقه إلى الآن "كالأم" في حكمها فتكون "منفعته له ورقبته للوارث"; لأنه جزء منها ولو نص في الوصية على الولد دخل قطعا ولو قتل الموصى بمنفعته فوجب مال وجب شراء مثله به رعاية لغرض الموصي فإن لم يف بكامل فشقص والمشتري الوارث, ويفرق بينه وبين الوقف فإن المشتري فيه الحاكم بأن الوارث هنا مالك للأصل فكذا بدله, والموقوف عليه ليس مالكا له فلم يكن له نظر في البدل فتعين الحاكم, ويباع في الجناية وحينئذ يبطل حق الموصى له بخلاف ما إذا فدي. "وله" أي الوارث ومثله موصى له برقبته دون منفعته "إعتاقه" يعني القن الموصى بمنفعته كما بأصله ولو مؤبدا; لأنه خالص ملكه نعم يمتنع إعتاقه عن الكفارة وكتابته لعجزه عن الكسب ومنه يؤخذ أنها لو أقتت بزمن قريب لا يحتاج فيه لنفقة أو بقي من المدة ما لا يحتاج فيه لذلك صح إعتاقه عنها وكتابته لعدم عجزه حينئذ وعلى هذا يحمل ما بحثه الأذرعي فتأمله وكالكفارة النذر على الأوجه; لأنه يسلك به مسلك الواجب, والوصية بحالها بعد العتق ومؤنته في بيت المال وإلا فعلى مياسير المسلمين وللوارث أيضا وطؤها إن أمن حبلها, ولم يفوت به على الموصى له منفعة يستحقها فإن لم يأمنه امتنع خوف الهلاك بالطلق والنقص والضعف بالحمل أما ولدها من الوارث فحر نسيب, وعليه قيمته يشترى بها مثله لينتفع به الموصى له وتصير أم ولد فتعتق بموته مسلوبة المنفعة, وظاهر أن الواطئ بشبهة يلحقه الولد ويكون حرا وتلزمه قيمته ليشتري بها مثله كما ذكر "وعليه" أي الوارث ومثله الموصى له برقبته "نفقته" يعني مؤنة الموصى بمنفعته قنا كان أو غيره ومنها فطرة القن "إن أوصي" بالبناء للمفعول وهو الأحسن, ويصح للفاعل وحذف للعلم به أي إن أوصى الموصي "بمنفعته مدة"; لأنه مالك الرقبة والمنفعة فيما عدا تلك المدة. وفيما إذا أوصي بمنفعة عبد أو دار سنة تحمل على السنة الأولى لقولهم لو أوصى بمنفعته سنة ثم آجره سنة ومات فورا بطلت الوصية; لأن المستحق منفعة السنة الأولى, وقد فوتها وعلى تعين الأولى لو كان الموصى له غائبا عند الموت, وجب له إذا قبل الوصية بدل منفعة تلك السنة التي تلي الموت, وإن تراخى القبول عنها; لأن به يتبين استحقاقه من حين الموت كما علم مما مر على من استولى عليها من وارث أو غيره كما هو ظاهر خلافا لمن ظن فوات حقه بغيبته, ثم رتب عليه بحثه أنه ينبغي أن له سنة من حين المطالبة "وكذا أبدا في الأصح"; لأنه ملكه وهو متمكن من دفع الضرر عنه بالإعتاق أو غيره, وأفتى صاحب البيان بأنه وإن عتق يستمر عليه

 

ج / 3 ص -96-          حكم الأرقاء لاستغراق منافعه على الأبد بخلاف المستأجر لانتهاء ملك منافعه, واعتمده الأصبحي في كتابه الأسرار وخالفهما أبو شكيل والسبتي فقالا بل له حكم الأحرار, ورجح بعض المتأخرين الثاني بأنه أوفق لإطلاق الأئمة إذ لم يعد أحد من موانع نحو الإرث والشهادة استغراق المنافع ا هـ. وقول الهروي لا تلزمه الجمعة يحتمل كلا من الرأيين أما الأول فواضح, وأما الثاني فهو لاستغراق منافعه وإن كان حرا, ومحله إن زاد اشتغاله بها على قدر الظهر وإلا لزمته ولم يكن لمالك منافعه منعه منها كالسيد مع قنه "وبيعه" أي الموصى بمنفعته فهو مضاف للمفعول وحذف فاعله وهو الوارث للعلم به, ويصح عود الضمير للوارث السابق فهو مضاف للفاعل "إن لم يؤبد" بالبناء للفاعل وحذف للعلم به أي الموصي المنفعة وللمفعول أي إن لم تؤبد الوصية بمنفعته "ك" بيع الشيء "المستأجر" فيصح البيع, ولو لغير الموصى له وأفهم التشبيه أنه لا بد هنا من العلم بالمدة وهو كذلك فإبداء ابن الرفعة ذلك بحثا لعله لعدم كون هذا نصا فيه وإلا كالمقدرة بحياته لم يصح بيعه أي لا للموصى له كما علم من قوله "وإن أبد" المنفعة ولو بإطلاقها لما مر أنه يقتضي التأبيد "فالأصح أنه يصح بيعه للموصى له دون غيره" إذ لا فائدة ظاهرة لغيره فيه, ومن ثم إن اجتمعا على بيعه من ثالث صح على الأوجه من وجهين فيه لوجود الفائدة حينئذ. ولم ينظروا هنا لفائدة الإعتاق كالزمن; لأنه لم يحل أحد بين المشتري وبين منافعه, وهنا الموصى له لما استحق جميع منافعه على التأبيد صار حائلا بينه وبين مريد شراه فلم يصح كما علم مما مر في ثالث شروط البيع وإذا لم يصح بيعه إلا للموصى له فأسلم القن والموصى له والوارث كافران فالذي يظهر أنه يحال بينهما وبينه, ويستكسب عند مسلم ثقة للموصى له ولا يجبران على بيعه لثالث; لأنه لا يدرى ما يخص كلا من الثمن, ولو أوصى بمنفعة كافر لمسلم أبدا فأسلم القن فهل يجبر الوارث الكافر على بيعه للموصى له إن رضي به تخليصا له من ذل بقائه في ملكه الموجب لاستيلائه عليه في غير وقت الانتفاع به أو لا كل محتمل, والأول أقرب فإن قلت يشكل على ما تقرر من صحة بيعهما لثالث ما مر أنهما لو باعا عبديهما لثالث لم يصح وإن تراضيا. قلت يفرق بأن كلا من القنين مثلا مقصود لذاته فقد يقع النزاع بينهما في التقويم لا إلى غاية بخلاف أحد المبيعين هنا فإنه تابع فسومح فيه, ولو أوصى أن يدفع من غلة أرضه كل سنة كذا لمسجد كذا مثلا, وخرجت من الثلث لم يصح بيع بعضها وترك ما يحصل منه المعين لاختلاف الأجرة فقد تستغرقها فيكون الجميع للموصى له نعم يصح بيعها لمالك المنفعة. وفيما إذا قال بمائة من غلتها فلم تأت الغلة إلا مائة فقد تعارض مفهوم من ومفهوم مائة فما المرجح والذي يتجه تقديم الثاني; لأن المائة لا تطلق على ما دونها ومن قد تكون لابتداء الغاية كما تقدم في: ثم وصاياه من ثلث الباقي أنه يشمل الوصية بالثلث, وتكون من للابتداء ولو أوصى بمنفعة مسلم لكافر فظاهر كلام بعضهم صحة الوصية وعليه فيجبر على نقلها لمسلم كما لو استأجر كافر مسلما عينا, وقد يفهم المتن أنه لا يصح بيع الموصى له بالمنفعة المؤبدة إلا للوارث وهو كذلك, ونظيره ما مر في بيع حق نحو البناء أو المرور, وقد يرد على هذا الحصر قولهم لو جنى ففدى

 

ج / 3 ص -97-          الوارث أو الموصى له نصيبه بيع في الجناية نصيب الآخر, واستشكله الشيخان بأنه إن فديت الرقبة فكيف تباع المنافع وحدها. وأجيب بأنه معقول صرحوا به في بيع حق نحو البناء كما تقرر وبأنها تباع وحدها بالإجارة وفيه نظر; لأن الإجارة المحضة إنما تتصور في مؤقت بمعلوم, والمنفعة هنا ليست كذلك ولأن قضية الجواب الأول صحة بيع الموصى له المنفعة بغير الوارث مطلقا ولم يقولوا به فالذي يتجه في الجواب أن هذا بيع لضرورة الجناية فسومح فيه دون غيره ولو أوصى بأمة لرجل وبحملها لآخر فأعتقها مالكها لم يعتق الحمل; لأنه لما انفرد بالملك صار كالمستقل أو بما تحمله وقلنا بما مر أن الوصية تستغرق كل حمل وجد في المستقبل فأعتقها الوارث وتزوجت ولو بحر فعن بعضهم أن أولادها أرقاء, وصوب الزركشي رحمه الله انعقادهم أحرارا. ويغرم الوارث قيمتهم; لأنه بالإعتاق فوتهم على الموصى له ا هـ وهو عجيب مع قولهم الآتي في العتق لو كان الحمل لغير المعتق بوصية أو غيرها لم يعتق بعتق الأم فعلم أن الوجه هو الأول; لأن تعلق حق الموصى له بالحمل يمنع سريان العتق إليه فيبقى على ملكه.
"و" الأصح "أنه تعتبر قيمة العبد" مثلا "كلها" أي مع منفعته "من الثلث إن أوصى بمنفعته أبدا" أو مدة مجهولة; لأنه حال بينها وبين الوارث ولتعذر تقويم المنفعة بتعذر الوقوف على آخر عمره فيتعين تقويم الرقبة مع منفعتها فإن احتملها الثلث لزمت الوصية في الجميع, وإلا ففيما يحتمله فلو ساوى العبد بمنافعه مائة وبدونها عشرة اعتبرت المائة كلها من الثلث فإن وفى بها فواضح, وإلا كأن لم يف إلا بنصفها صار نصف المنفعة للوارث, والذي يتجه في كيفية استيفائها أنهما يتهايآنها "وإن أوصى بها مدة" معلومة "قوم بمنفعته ثم" قوم "مسلوبها تلك المدة, ويحسب الناقص من الثلث"; لأن الحيلولة له بصدد الزوال. فإذا ساوى بالمنفعة مائة وبدونها تلك المدة تسعين فالوصية بعشرة فإن وفى بها الثلث فواضح وإلا كان وفى بنصفها فكما مر كما هو ظاهر والكلام في الوصية بجميع المنافع فلو أوصى له ببعضها كلبن شاة فقط قومت بلبنها ثم خلية عنه أبدا أو إلى المدة المعلومة إن ذكرها ونظر في التفاوت أيسعه الثلث أم لا, ولو أوصى بالرقبة فقط لم تحسب من الثلث; لأن الرقبة الخالية من المنافع كالتالفة فلا قيمة لها أو بالمنفعة لواحد وبالرقبة لآخر فرد الأول رجعت المنفعة للوارث على الأوجه, ولو أعاد الدار بآلاتها عاد حق الموصى له بمنافعها.
"فرع" لو أوصى بأن يعطى خادم تربته أو أولاده مثلا كل يوم أو شهر أو سنة كذا أعطيه كذلك إن عين إعطاءه من ريع ملكه وإلا أعطيه اليوم الأول إن خرج من الثلث وبطلت الوصية فيما بعده; لأنه حينئذ لا يعرف قدر الموصى به في المستقبل حتى يعلم أيخرج من الثلث أو لا ومن ذلك ما لو أوصى لوصيه كل سنة بمائة دينار ما دام وصيا فيصح بالمائة الأولى إن خرجت من الثلث لا غير خلافا لمن غلط فيه.
"وتصح" الوصية "بحج تطوع" أو عمرته أو هما "في الأظهر" بناء على الأظهر من

 

ج / 3 ص -98-          جواز النيابة فيه, ويحسب من الثلث أما الفرض فيصح قطعا "ويحج من بلده أو" من "الميقات" أو من غيرهما إن كان أبعد من الميقات "كما قيد" عملا بوصيته هذا إن وفى ثلثه بالحج مما عينه قبل الميقات وإلا فمن حيث يفي نعم لو لم يف بما يمكن الحج به من الميقات أي ميقات الميت كما علم مما مر في الحج بطلت الوصية وعاد للورثة قطعا; لأن الحج لا يتبعض بخلاف ما مر في العتق "وإن أطلق" الوصية "فمن الميقات" يحج عنه "في الأصح" حملا على أقل الدرجات "وحجة الإسلام" أو النذر أي في الصحة كما قاله جمع وإلا فمن الثلث "من رأس المال" وإن لم يوص بها كسائر الديون, ويحج عنه من الميقات فإن قيد بأبعد منه ووفى به الثلث فعل ولو عين شيئا ليحج به عنه حجة الإسلام لم يكف إذن الورثة أي ولا الوصي لمن يحج عنه بل لا بد من الاستئجار; لأن هذا عقد معاوضة لا محض وصية ذكره البلقيني رحمه الله وظاهر أن الجعالة كالإجارة نعم لو قال إذا أحججت له غيرك فلك كذا فاستأجر لم يستحق ما عينه الميت ولا أجرة للمباشر بإذنه على التركة كما لو حج عن غيره بغير عقد بل على مستأجره "فإن أوصى بها من رأس المال أو" من "الثلث عمل به" أي بقوله. ويكون في الأول للتأكيد وفي الثاني لقصد الرفق بورثته إذا كان هناك وصايا أخر; لأن حجة الإسلام تزاحمهما حينئذ فإن وفى بها ما خصها وإلا كملت من رأس المال فإن لم يكن وصايا فلا فائدة في نصه على الثلث قال الجلال البلقيني رحمه الله ولو ضاف الوصية الزائدة على أجرة المثل إلى رأس المال كأحجوا عني من رأس مالي بخمسمائة, والأجرة من الميقات مائتان فهما من رأس المال والثلثمائة من الثلث "وإن أطلق الوصية بها فمن رأس المال وقيل من الثلث"; لأنها من رأس المال أصالة فذكرها قرينة على إرادته الثلث, ويرده أنه كما يحتمل ذلك يحتمل أنه أراد التأكيد, وإذا وقع التردد وجب الرجوع للأصل على أن الاحتمال الثاني أرجح; لأن تقصير الورثة في أداء حق الميت الغالب عليهم يرجح إرادة التأكيد "ويحج" عنه "من الميقات"; لأنه الواجب فإن عين أبعد منه ووسعه أو أقرب منه الثلث فعل وإلا فمن الميقات, ولو قال أحجوا عني زيدا بكذا لم يجز نقصه عنه حيث خرج من الثلث, وإن استأجره الوصي بدونه أو وجد من يحج بدونه ومحله كما هو ظاهر إن كان المعين أكثر من أجرة المثل لظهور إرادة الوصية له والتبرع عليه حينئذ. وإلا جاز نقصه عنه ولو كان المعين وارثا فالزيادة على أجرة المثل وصية لوارث ففي الجواهر في أحجوا عني زيدا بألف يصرف إليه الألف, وإن زادت على أجرة المثل حيث وسعها الثلث إن كان أجنبيا, وإلا توقف الزائد على أجرة المثل على الإجازة, ولو حج غير المعين أو استأجر الوصي المعين بمال نفسه أو بغير جنس الموصى به أو صفته رجع القدر الذي عينه الموصي لورثته, وعليه في الثانية بأقسامها أجرة الأجير من ماله, ولو عين قدرا فقط فوجد من يرضى بأقل منه, قال ابن عبد السلام جاز إحجاجه والباقي للورثة, وقال الأذرعي الصحيح وجوب صرف الجميع له ويتعين الجمع بما ذكرته أولا بأن يحمل الأول على ما إذا كان المعين قدر أجرة المثل عادة, والثاني على ما إذا زاد عنها ثم رأيت في الجواهر فيما لو عين قدرا فقط زائدا على أجرة المثل قيل يحج

 

ج / 3 ص -99-          بأجرة المثل فقط, وقيل يحج بالمعين كله إن وسعه الثلث وبه يشعر نصه في الأم, وأجاب به الماوردي واختاره ابن الصلاح ا هـ. ولو عين الأجير فقط أحج عنه بأجرة المثل فأقل إن رضي ذلك المعين على الأوجه أو شخصا لا سنة فأراد التأخير إلى قابل ففيه تردد, وبحث الأذرعي أنه إن مات عاصيا لتأخيره متهاونا حتى مات أنيب غيره رفعا لعصيان الميت ولوجوب الفورية في الإنابة عنه وإلا أخرت إلى اليأس من حجه; لأنها كالتطوع ولو امتنع أصلا, وقد عين له قدر أو لا أحج غيره بأقل ما يوجد ولو في التطوع, وفيما إذا عين قدرا إن خرج من الثلث فواضح, وإلا فمقدار أقل ما يوجد من أجرة مثل حجه من الميقات من رأس المال, والزائد من الثلث.
"فرع" حيث استأجر وصي أو وارث أو أجنبي من يحج عن الميت امتنعت الإقالة; لأن العقد وقع للميت فلم يملك أحد إبطاله وحمله غير واحد على ما لا مصلحة في إقالته وإلا كأن عجز الأجير أو خيف حبسه أو فلسه أو قلة ديانته جازت قال الزبيلي, ويقبل قول الأجير إلا إن رئي يوم عرفة بالبصرة مثلا حججت أو اعتمرت بلا يمين, وأما بحث بعضهم أنه لا بد من يمينه وإلا صدق مستأجره بيمينه أخذا مما مر في قول الوكيل أتيت بالتصرف المأذون فيه, وأنكر الموكل فيرد بأن العبادات يتسامح فيها ألا ترى إلى ما مر أن الزكاة ليس فيها يمين واجبة وإن اتهم, ودلت القرينة على كذبه ووارث الأجير مثله وفي إن حججت عني فلك كذا لا يقبل إلا ببينة وإلا حلف القائل أنه ما يعلمه حج عنه وفارقت الجعالة الإجارة بأنه هنا استحق الأجرة بالعقد اللازم والأداء مفوض إلى أمانته وثم لا يستحق إلا بالإتيان بالعمل, والأصل عدمه فلم يقبل قوله فيه إلا ببينة.
"وللأجنبي" فضلا عن الوارث الذي بأصله, ومن ثم اختص الخلاف بالأجنبي الشامل هنا لقريب غير وارث "أن يحج عن الميت" الحج الواجب كحجة الإسلام وإن لم يستطعها الميت في حياته على المعتمد; لأنها لا تقع عنه إلا واجبة فألحقت بالواجب "بغير إذنه" يعني الوارث "في الأصح" كقضاء دينه بخلاف حج التطوع لا يجوز عنه من وارث أو أجنبي إلا بإيصائه, وإنما جعلت الضمير للوارث على خلاف السياق; لأن محل الخلاف حيث لم يأذن الوارث وإلا صح قطعا وإن لم يوص الميت, ويصح بقاء السياق بحاله من عوده للميت ولا يرد عليه ما ذكر من القطع; لأن إذن وارثه أو الوصي أو الحاكم في نحو القاصر قائم مقام إذنه ويجوز كون أجير التطوع لا الفرض ولو نذرا قنا ومميزا ونازع فيه الأذرعي فقال لا ينبغي أن يستأجر لتطوع أوصى به إلا كاملا لا سيما, وهو يقع فرض كفاية وكالحج زكاة المال والفطر. ثم ما فعل عنه بلا وصية لا يثاب عليه إلا إن عذر في التأخير كما قاله القاضي أبو الطيب "ويؤدي الوارث" ولو عاما "عنه" من التركة "الواجب المالي ولو في كفارة مرتبة" ككفارة قتل وظهار ودم نحو تمتع ويكون الولاء في العتق للميت وكذا البدني إن كان صوما كما قدمه فيه "ويطعم ويكسو" الواو بمعنى أو "في المخيرة" ككفارة يمين ونحو حلق محرم ونذر لحاج "والأصح أنه يعتق" عنه من التركة "أيضا" كالمرتبة; لأنه نائبه شرعا فجاز له ذلك, وإن كان الواجب من الخصال في حقه أقلها قيمة "و" الأصح "أن له"

 

ج / 3 ص -100-        أي الوارث "الأداء من ماله" في المرتبة والمخيرة "إذا لم يكن له تركة" سواء العتق وغيره كقضاء الدين, وكذا مع وجود التركة أيضا كما اعتمده جمع منهم البلقيني ووجهه بأن له إمساك عين التركة وقضاء دين الآدمي المبني على المضايقة من ماله فحق الله أولى, والتعلق بالعين موجود فيهما, وتعلق العتق بعين التركة كما لا يمنع الوارث من شراء غير عبيدها, ويعتقه كذلك لا يمنعه من شراء ذلك من مال نفسه حيث لم يتعلق العتق بعين عبد "و" الأصح "أنه" أي ما فعل عنه من طعام أو كسوة "يقع عنه لو تبرع أجنبي" وهو هنا غير الوارث كما مر "بطعام أو كسوة" كقضاء دينه "لا إعتاق" في مرتبة أو مخيرة "في الأصح" لاجتماع بعد العبادة عن النيابة وبعد إثبات الولاء للميت من غير نائبه الشرعي, وما في الروضة من جوازه في المرتبة مبني على ضعيف. "وينفع الميت صدقة" عنه ومنها وقف لمصحف وغيره وحفر بئر وغرس شجر منه في حياته أو من غيره عنه بعد موته "ودعاء" له "من وارث وأجنبي" إجماعا وصح في الخبر "إن الله تعالى يرفع درجة العبد في الجنة باستغفار ولده له" وهما مخصصان وقيل ناسخان لقوله تعالى {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [لنجم:39] إن أريد ظاهره وإلا فقد أكثروا في تأويله, ومنه أنه محمول على الكافر أو أن معناه لا حق له إلا فيما سعى, وأما ما فعل عنه فهو محض فضل لا حق له فيه, وظاهر مما هو مقرر في محله أن المراد بالحق هنا نوع تعلق ونسبة إذ لا يستحق أحد على الله ثوابا مطلقا خلافا للمعتزلة ومعنى نفعه بالصدقة أنه يصير كأنه تصدق, واستبعاد الإمام له بأنه لم يأمر به ثم تأويله أنه يقع عن المصدق وينال الميت بركته رده ابن عبد السلام بأن ما ذكروه من وقوع الصدقة نفسها عن الميت حتى يكتب له ثوابها هو ظاهر السنة قال الشافعي رضي الله عنه وواسع فضل الله أن يثيب المصدق أيضا. ومن ثم قال أصحابنا يسن له نية الصدقة عن أبويه مثلا فإنه تعالى يثيبهما ولا ينقص من أجره شيئا وقول الزركشي ما ذكر في الوقف يلزمه تقدير دخوله في ملكه, وتمليكه الغير ولا نظير له. ويرد بأن هذا يلزم في الصدقة أيضا, وإنما لم ينظروا له; لأن جعله كالمتصدق محض فضل فلا يضر خروجه عن القواعد لو احتيج لذلك التقدير على أنه لا يحتاج إليه بل يصح نحو الوقف عن الميت وللفاعل ثواب البر وللميت ثواب الصدقة المترتبة عليه, ومعنى نفعه بالدعاء حصول المدعو به له إذا استجيب واستجابته محض فضل من الله تعالى لا تسمى ثوابا عرفا أما نفس الدعاء وثوابه فهو للداعي; لأنه شفاعة أجرها للشافع ومقصودها للمشفوع له وبه فارق ما مر في الصدقة نعم دعاء الولد يحصل ثوابه نفسه للوالد الميت; لأن عمل ولده لتسببه في وجوده من جملة عمله كما صرح به خبر "ينقطع عمل ابن آدم إلا من ثلاث ثم قال أو ولد صالح أي مسلم يدعو له" جعل دعاءه من عمل الوالد, وإنما يكون منه ويستثنى من انقطاع العمل إن أريد نفس الدعاء لا المدعو به وأفهم المتن أنه لا ينفعه غير ذينك من سائر العبادات ولو القراءة نعم ينفعه نحو ركعتي الطواف تبعا للحج والصوم عنه السابق في بابه. وفارق كالحج القراءة لاحتياجه فيهما لبراءة ذمته مع أن للمال فيهما دخلا ومن ثم لو مات وعليه قراءة منذورة احتمل كما قاله السبكي جوازها

 

 

ج / 3 ص -101-        عنه وفي القراءة وجه وهو مذهب الأئمة الثلاثة على اختلاف فيه عن مالك بوصول ثوابها للميت بمجرد قصده بها ولو بعدها, واختاره كثيرون من أئمتنا قيل فينبغي نيتها عنه لاحتمال أن هذا القول هو الحق في نفس الأمر أي فينوي تقليده لئلا يتلبس بعبادة فاسدة في ظنه ولا ينافيه في رعاية احتمال كونه الحق منازعة السبكي في بعض ماصدقاته حيث قال لم يصرح أحد بأن مجرد النية بعدها يكفي قال ومن عزاه للشالوسي من أصحابنا فقد وهم; لأنه إنما يقول بإفادة الجعل والظاهر أنه لا يشترط الدعاء وعليه فهو ليس من الإيثار بالقرب المختلف في حرمته; لأن الذي منه أن يقرأ عنه أو له; لأن جعله عبادته نفسها لغيره يخرجه عن كونه متقربا بها لربه, وإنما الذي فيه تصرفه في الثواب وهو غير القربة بجعله لغيره ولم يقل به; لأن الشرع لم يجعل له تصرفا فيه قبل حصوله ولا بعده بنية ولا جعل لكنه خالف ذلك فقال كابن الرفعة الذي دل عليه الخبر بالاستنباط أن بعض القرآن إذا قصد به نفع الميت نفعه إذ قد ثبت أن القارئ لما قصد بقراءته نفع الملدوغ نفعته, وأقر ذلك صلى الله عليه وسلم بقوله "وما يدريك أنها رقية" وإذا نفعت الحي بالقصد كان نفع الميت بها أولى ا هـ. ولك رده بأن الكلام ليس في مطلق النفع بل في حصول ثوابها له, وهذا لا يدل عليه حديث الملدوغ لما قرره هو أن الشرع لم يجعل له تصرفا فيه بنية ولا بجعل نعم حمل جمع عدم الوصول الذي قال عنه المصنف في شرح مسلم: إنه مشهور المذهب على ما إذا قرأ لا بحضرة الميت ولم ينو القارئ ثواب قراءته له أو نواه ولم يدع له أما الحاضر ففيه خلاف منشؤه الخلاف في أن الاستئجار للقراءة على القبر يحمل على ماذا فالذي اختاره في الروضة أنه كالحاضر في شمول الرحمة النازلة عند القراءة له, وقيل محملها أن يعقبها بالدعاء له, وقيل أن يجعل أجره الحاصل بقراءته للميت وحمل الرافعي على هذا الأخير الذي دل عليه عمل الناس وفي الأذكار أنه الاختيار قول الشالوسي إن قرأ ثم جعل الثواب للميت لحقه وأنت خبير أن هذا كالثاني صريح في أن مجرد نية وصول الثواب للميت لا يفيد ولو في الحاضر, ولا ينافيه ما ذكره الأول; لأن كونه مثله فيما ذكر إنما يفيده مجرد نفع لا حصول ثواب القراءة الذي الكلام فيه, وقد نص الشافعي والأصحاب على ندب قراءة ما تيسر عند الميت والدعاء عقبها أي; لأنه حينئذ أرجى للإجابة, ولأن الميت يناله بركة القراءة كالحي الحاضر لا المستمع; لأن الاستماع يستلزم القصد فهو عمل وهو منقطع بالموت وسماع الموتى هو الحق وإن قيل لا يلزم من السلام عليهم سماعهم; لأن القصد به الدعاء بالسلامة لهم من الآفات كما في السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين قال ابن الصلاح وينبغي الجزم بنفع اللهم أوصل ثواب ما قرأناه أي مثله فهو المراد, وإن لم يصرح به لفلان; لأنه إذا نفعه الدعاء بما ليس للداعي فما له أولى, ويجري هذا في سائر الأعمال وبما ذكره في أوصل ثواب ما قرأناه إلى آخره يندفع إنكار البرهان الفزاري قولهم اللهم أوصل ثواب ما تلوته إلى فلان خاصة وإلى المسلمين عامة; لأن ما اختص بشخص لا يتصور التعميم فيه ا هـ. ثم رأيت الزركشي قال الظاهر خلاف ما قاله فإن الثواب يتفاوت فأعلاه ما خصه وأدناه ما عمه وغيره والله

 

ج / 3 ص -102-        تعالى يتصرف فيما يعطيه من الثواب بما يشاء ومنع التاج الفزاري من إهداء القرب لنبينا صلى الله عليه وسلم معللا له بأنه لا يتجرأ على جنابه الرفيع بما لم يؤذن فيه شيء انفرد به ومن ثم خالفه غيره واختاره السبكي رحمه الله, ومر في الإجارة ما له تعلق بذلك ولو أوصى بكذا لمن يقرأ على قبره كل يوم جزء قرآن, ولم يعين المدة صح ثم من قرأ على قبره مدة حياته استحق الوصية وإلا فلا كذا أفتى به بعضهم وفي فتاوى الأصبحي لو أوصى بوقف أرض على من يقرأ على قبره حكم العرف في غلة كل سنة بسنتها فمن قرأ بعضها استحق بالقسط أو كلها استحق غلة السنة كلها أو بنفس الأرض فإن عين مدة لم يستحق الأرض إلا من قرأ جميع المدة, وإن لم يعين مدة فالاستحقاق تعلق بشرط مجهول لا آخر لوقته فيشبه مسألة الدينار المجهولة ا هـ ومراده بمسألة الدينار ما مر في الفرع قبل قوله وتصح بحج تطوع واعترض بأنه لا يشبهها أي لإمكان حمل هذا على أنه شرط لاستحقاق الوصية قراءته على قبره جميع حياته فليحمل عليه تصحيحا للفظ ما أمكن ومر في الوقف ما له تعلق بذلك فراجعه.

فصل في الرجوع عن الوصية
"له الرجوع عن الوصية" إجماعا وكالهبة قبل القبض بل أولى ومن ثم لم يرجع في تبرع نجزه في مرضه وإن اعتبر من الثلث; لأنه عقد تام إلا إن كان لفرعه "وعن بعضها" ككلها ولا تقبل بينة الوارث به إلا إن تعرضت لكونه بعد الوصية ولا يكفي عنه قولها رجع عن جميع وصاياه ويحصل الرجوع "بقوله نقضت الوصية أو أبطلتها أو رجعت فيها أو فسختها" أو رددتها أو أزلتها أو رفعتها وكلها صرائح كهو حرام على الموصى له والأوجه صحة تعليق الرجوع عنها على شرط لجواز التعليق فيها فأولى في الرجوع عنها "أو" بقوله "هذا" إشارة إلى الموصى به "لوارثي" أو ميراث عني وإن لم يقل بعد موتي سواء أنسي الوصية أم ذكرها; لأنه لا يكون كذلك إلا وقد أبطل الوصية فيه فصار كقوله رددتها, ويفرق بينه وبين ما لو أوصى بشيء لزيد ثم به لعمرو فإنه يشرك بينهما لاحتمال نسيانه للأولى بأن الثاني هنا لما ساوى الأول في كونه موصى له وطارئا استحقاقه لم يمكن ضمه إليه صريحا في رفعه فأثر فيه احتمال النسيان وشركنا إذ لا مرجح بخلاف الوارث فإنه مغاير له واستحقاقه أصلي فكأن ضمه إليه رافعا لقوته. ثم رأيت من فرق بقريب من ذلك لكن هذا أوضح وأبين كما يعلم بتأملهما, ومن فرق بأن عمرا لقب ولا مفهوم له ووارثي مفهومه صحيح أي لا لغيره وفيه ما فيه على أنه منتقض بما لو أوصى لزيد بشيء, ثم أوصى به لعتيقه أو قريبه غير الوارث فإن صريح كلامهم التشريك بينهما هنا مع أن الثاني له مفهوم صحيح فتعين ما فرقت به ولا أثر لقوله هو من تركتي وعلم من قولنا إذ لا مرجح أنه لو قال بما أوصيت به لعمرو أو أوصى بشيء للفقراء ثم أوصى ببيعه وصرف ثمنه للمساكين أو أوصى به لزيد ثم بعتقه أو عكسه كان رجوعا لوجود مرجح الثانية من النص على الأولى الرافع لاحتمال النسيان المقتضي للتشريك, ومن ثم لو كان ذاكرا للأولى

 

ج / 3 ص -103-        اختص بها الثاني كما بحث ومن كون الثانية مغايرة للأولى فيتعذر التشريك وقد ينازع في ذلك البحث تعليلهم التشريك باحتمال إرادته له دون الرجوع إلا أن يقال هذا الاحتمال لا أثر له; لأنه يأتي في هذا لوارثي فالوجه ما سبق. وسئلت عما لو أوصى بثلث ماله إلا كتبه ثم بعد مدة أوصى له بثلث ماله ولم يستثن هل يعمل بالأولى أو بالثانية فأجبت بأن الذي يظهر العمل بالأولى; لأنها نص في إخراج الكتب والثانية محتملة أنه ترك الاستثناء فيها لتصريحه به في الأولى, وأنه تركه إبطالا له. والنص مقدم على المحتمل وأيضا فقاعدة حمل المطلق على المقيد تقدم المقيد أو تأخر تصرح بذلك ويفرق بينه وبين ما يأتي فيما لو أوصى له بمائة ثم بخمسين بأن الثانية ثم صريحة في مناقضة الأولى وإن قلنا إن مفهوم العدد ليس بحجة; لأن محله حيث لا قرينة كما هو معلوم من محله, وهنا القرينة المناقضة فعمل بالثانية; لأنها المتيقنة فهي عكس مسألتنا; لأن المتيقن فيها هو الأولى كما تقرر ولا يتأتى هنا اعتبارهم نسيان الأولى فيما مر; لأنهم إنما اعتبروه في الوصية لاثنين فقالوا فيها بالتشريك بخلاف الوصيتين لواحد فإن الثانية وصية مبطلة للأولى فاحتيط لها باشتراط تحقق مناقضتها للأولى فتأمل ذلك فإنه دقيق, ولو أوصى بأمة وهي حامل لواحد وبحملها لآخر أو عكس شرك بينهما في الحمل بناء على أن الوصية بالحامل تسري لحملها; لأنه حينئذ تواردت عليه وصيتان لاثنين فشركنا بينهما فيه وإنكارها بعد أن سئل عنها رجوع إن كان لغير غرض "وبيع" وإن فسخ في المجلس "وإعتاق" وتعليقه وإيلاد وكتابة "وإصداق" لما وصى به, وكل تصرف ناجز لازم إجماعا, ولأنه يدل على الإعراض عنها "وكذا هبة أو رهن" له "مع قبض" لزوال الملك في الهبة وتعريضه للبيع في الرهن "وكذا دونه في الأصح" لدلالتهما على الإعراض وإن لم يوجد قبول بل وإن فسدا من وجه آخر على الأوجه "ويوصيه بهذه التصرفات" البيع وما بعده لإشعارها بالإعراض "وكذا توكيل في بيعه وعرضه" يصح رفعه, وكذا جره فيفيد أن توكيله في العرض رجوع "عليه في الأصح" بخلاف نحو تزويج لمن لم ينص له على التسري بها ووطء وإن أنزل ولا نظر لإفضائه لما به الرجوع لبعده بخلاف العرض; لأنه يوصل غالبا لما به الرجوع ومر أنه لو أوصى له بمنفعة شيء سنة ثم آجره سنة ومات عقب الإجارة بطلت الوصية.; لأن المستحق بها هي السنة التي تلي الموت, وقد صرفها لغيرها فإن مات بعد نصفها بقي له نصفها الثاني, ولو حبسه الوارث السنة بلا عذر غرم للموصى له الأجرة أي أجرة مثله تلك المدة كما هو ظاهر ومن العذر حبسه من غير انتفاع لإثبات الوصية كما هو ظاهر أيضا وكذا لطلبه من القاضي من تكون العين تحت يده خوف خيانة الموصى له فيها لقرينة فيما يظهر "وخلطه حنطة معينة" وصى بها بمثلها أو أجود أو أردأ بحيث لا يمكن التمييز منه أو من مأذونه "رجوع" لتعذر التسليم بما أحدثه في العين بخلاف ما إذا أمكن التمييز أو اختلطت بنفسها أو كان الخلط من غيره بغير إذنه على الأوجه لما يأتي من الفرق بين الهدم ونحو الطحن "تنبيه" كذا أطلقوا الغير هنا وهو مناف لقولهم في الغصب لو صدر خلط ولو من غير الغاصب لمغصوب مثلي أو متقوم بما لا يتميز من جنسه أو غيره أجود أو أردأ أو مماثلا

 

ج / 3 ص -104-        كان إهلاكا فيملكه الغاصب, وكذا لو غصب من اثنين شيئين وخلطهما كذلك فيملكهما أيضا بخلاف خلط متماثلين بغير تعد فإنه يصيرهما مشتركين ا هـ. وحينئذ فيتعين فرض ما هنا في خلط لا يقتضي ملك المخلوط للخالط وإلا بطلت الوصية ولا شركة وإلا بطلت في نصفه لاستلزام الشركة خروج نصف الموصى به عن ملك الموصي أو وارثه إلى ملك الخالط وفرع شيخنا رحمه الله على عدم الرجوع أن الزيادة الحاصلة بالجودة غير متميزة فتدخل في الوصية وفيه نظر لما تقرر أن الخلط إن كان بفعل الموصي أو مأذونه أو أجنبي وملك بطلت أو لا بفعل أحد أو أجنبي ولم يملك ولا شارك فكيف يملك الموصى له صفة لم تنشأ من الموصي ولا نائبه فالذي يظهر أنه يحمل على ما إذا لم تزد القيمة بذلك الخلط, وإلا وجب لمالك الجيد المختلط التفاوت بين ما حصل له بتقدير خلط غير الجيد به وما حصل للموصى له بتقدير خلط الجيد به.
"ولو أوصى بصاع من صبرة" معينة "فخلطها" هو أو مأذونه "بأجود منها" خلطا لا يمكن معه التمييز "فرجوع"; لأنه أحدث بالخلط زيادة لم يرض بتسليمها ولا يمكن بدونها "أو مثلها فلا" قطعا; لأنه لم يحدث تغييرا إذ لا فرق بين المثلين "وكذا بأردأ في الأصح" قياسا على تعييب الموصى به أو إتلاف بعضه, ولو تلفت إلا صاعا فهل يتعين للوصية علمت صيعانها أو لا أو يفرق كما في البيع بين المعلومة فينزل على الإشاعة والمجهولة فإذا بقي صاع منها تعين للوصية كل محتمل وعلى الأول الأقرب يفرق بأن الملك ثم قارن آخر الصيغة فنظرنا فيه بين تنزيله على المتبادر من الإشاعة أو عدمها وهنا لا ملك إلا بعد الموت والقبول ولا ندري هل تلك المعينة تبقى عنده أو لا فصححناها في صاع من الموجود منها عند الموت, ولم ننظر للمعلومة الصيعان وغيرها; لأن الوصية إحسان وبر والمقصود تصحيحها فيما ذكره الموصي ما أمكن ومر فيما لو أوصى بأحد رقيقيه فلم يبق إلا واحد ما يؤيد ما ذكرته "وطحن حنطة" معينة "وصى بها" أو ببعضها "وبذرها وعجن دقيق" وطبخ لحم وشيه وجعله وهو لا يفسد قديدا "وغزل قطن" أو جعله حشوا ما لم يتحد الموصى له بالثوب والقطن كما بحثه الأذرعي رحمه الله. ويلحق به نظائره بشرط أن لا يزول اسم أحد العينين بما فعله وجعل خشبة بابا وخبز فتيتا وعجين خبزا, والفرق بينه وبين تجفيف الرطب غير خفي إذ هو يقصد به البقاء فهو كخياطة ثوب مقطوع أوصي به وكتقديد لحم يفسد ويفرق بين هذا وخبز العجين مع أنه يفسد لو ترك بأن التهيئة للأكل في الخبز أغلب وأظهر منها في القديد "ونسج غزل وقطع ثوب قميصا" مثلا "وبناء وغراس في عرصة رجوع" إن كان بفعله أو بفعل مأذونه سواء أسماه باسمه أم قال بهذا أو بما في هذا البيت مثلا لإشعار ذلك كله بالإعراض هذا كله في المعين كما تقرر فلو أوصى بنحو ثلث ماله, ثم تصرف في جميعه ولو بما يزيل الملك لم يكن رجوعا; لأن العبرة بثلث ماله الموجود عند الموت لا الوصية ولو اختص نحو الغراس ببعض العرصة اختص الرجوع بمحله, وقد يراعى تغيير الاسم كما إذا أوصى بدار, ثم انهدمت في حياته بنفسها أو بفعل الغير فإنه رجوع في النقض دون العرصة والاسم أو بفعله فإنه رجوع في الكل لزوال الاسم عنه بالكلية

 

ج / 3 ص -105-        بخلافه فيما مر في نحو طحن الحنطة; لأنه يقال دقيق حنطة فلم يؤثر فيه إلا فعله أو فعل مأذونه, والحاصل أنه مع أحد هذين يقدم المشعر بالإعراض إشعارا قويا, وإن لم يزل الاسم ومع عدمهما لا ينظر إلا لزوال الاسم بالكلية فتأمله. وخرج بالبناء والغراس الزرع وبقطع الثوب لبسه لضعف إشعارهما بذلك ومن ثم لو دام بقاء أصوله أي بالمعنى السابق في الأصول والثمار فيما يظهر ثم رأيت في كلام الأذرعي ما يفهمه كان كالغراس ومر أنه لو أوصى بشيء لزيد ثم لعمرو شرك بينهما; لأن الجملة اثنان ونسبة كل إليها النصف فهو على طبق ما يأتي عن الشيخين خلافا لمن وهم فيه زاعما أن محل التشريك هنا هو محل الرجوع نظير ما يأتي عن الإسنوي فإن رد أحدهما أخذ الآخر الجميع بخلاف ما لو أوصى به لهما ابتداء فرد أحدهما يكون النصف للوارث دون الآخر; لأنه لم يوجد له إلا النصف نصا, ولو أوصى بها لواحد ثم بنصفها لآخر كانت أثلاثا للأول ثلثاها وللثاني ثلثها, وزعم الإسنوي أن هذا غلط, وأن الصواب أنها أرباع بناء على أن محل التشريك هو محل الرجوع هو الغلط كما قاله البلقيني; لأن المرعي عندهم في ذلك طريقة العول بأن يضاف أحد المالين للآخر, وينسب كل منهما للمجموع فيقال هنا معنا مال ونصف مال يزاد النصف على الجملة يصير معنا ثلاثة تقسم على النسبة لصاحب المال الثلثان ولصاحب النصف الثلث فإن كان الوصية للآخر بالثلث كان له الربع وفي الأول لو رد الثاني فالكل للأول أو الأول فالنصف للثاني, ووقع لشارح خلاف ذلك وهو تحريف. ولو أوصى له مرة ثم مرة تأتي هنا في التعدد والاتحاد ما مر في الإقرار كما أشار إليه بعضهم ويرد عليه ما لو أوصى بمائة ثم خمسين ليس له إلا الخمسون لتضمن الثانية الرجوع عن بعض الأولى, ذكره المصنف وأخذ منه بعضهم أنه لو أوصى بثلثه لزيد ثم بثلثه له ولعمرو تناصفاه وبطلت الأولى, ويؤخذ منه أيضا أنه لو أوصى لزيد بثلث ماله ثم أوصى ثانيا لعمرو بثلث غنمه ولزيد الأول بثلث نخله ولم يتعرض لباقي الثلث أن زيدا ليس له إلا ثلث النخل وبطلت وصيته الأولى; لأن الثانية أقل منها, والحاصل أن محل قولهم لو أوصى لزيد بشيء ثم أوصى به لعمرو تناصفاه ما لم يوص لزيد ثانيا بما هو أقل من حصته في الأولى, وإلا بطلت في الحصة ولم يكن له سوى الثانية ثم ما بطلت فيه يعود للورثة لا لعمرو كما هو واضح ولو أوصى لزيد بعين ثم لعمرو بثلث ماله كان لعمرو ربعها; لأنها من جملة ماله الموصى له بثلثه فهو كما لو أوصى لإنسان بعين ولآخر بثلثها فيكون للآخر ربعها على قياس ما مر عن الشيخين لا يقال قياس ما تقرر عن المصنف في مائة ثم خمسين من تضمن الثانية الرجوع عن بعض الأولى أن العين إن ساوت الثلث أخذ الموصى له بها نصفها والآخر ما يساوي نصف الثلث. وإن كانت أقل أو أكثر وزع الثلث على قيمتها وقدر الثلث وأعطي كل ما يخصه; لأنا نقول تضمن الرجوع إنما هو في وصيتين لواحد كما هو فرض صورة المصنف وأما في غير ذلك فلا يتضمنه, وإنما يتضمن المشاركة بين الوصيتين فعمل فيهما بما مر ويؤيد ذلك إفتاء شيخنا فيمن أوصى لإنسان بثور ولآخر بجمل ولآخر بنصف ماله ولآخر بثلث ماله بأن لذي النصف نصف جميع المال حتى في الثور والجمل ولذي الثلث ثلث

 

ج / 3 ص -106-        جميعه حتى فيهما; لأن كلا من الوصيتين مضافة إلى جميع ماله ومنه الثور والجمل وحينئذ للموصى له بالنصف من كل منهما ثلاثة أجزاء من أحد عشر وبالثلث جزءان من أحد عشر ولكل من الموصى له بالثور والجمل ستة أجزاء أي; لأنك تزيد على وصية كل ثلثها ونصفها وهما من ستة خمسة فزدهما عليها تصير الجملة أحد عشر على قياس ما مر عن الشيخين.

فصل في الإيصاء
وهو كالوصاية لغة يرجع لما مر في الوصية, وشرعا إثبات تصرف مضاف لما بعد الموت فالفرق بينهما اصطلاح فقهي.
"يسن" لكل أحد "الإيصاء" عدل إليه عن قول أصله الوصاية; لأنه أبعد عن لفظ الوصية فيتضح به عند المبتدئ الفرق أكثر "بقضاء الدين" الذي لله كالزكاة أو لآدمي ورد المظالم كالمغصوب وأداء الحقوق كالعواري والودائع إن كانت ثابتة بفرض إنكار الورثة ولم يردها حالا وإلا وجب أن يعلم بها غير وارث تثبت بقوله ولو واحدا ظاهر العدالة أو يردها حالا خوفا من خيانة الوارث, وواضح أن نحو المغصوب لقادر على رده فورا لا تخيير فيه بل يتعين الرد, ويظهر الاكتفاء بخطه بها إن كان في البلد من يثبته; لأنهم كما اكتفوا بالواحد مع أنه وإن انضم إليه يمين غير حجة عند بعض المذاهب نظرا لمن يراه حجة فكذا الخط نظرا لذلك نعم من بإقليم, يتعذر فيه من يثبت بالخط أو يقبل الشاهد واليمين ينبغي أن لا يكتفى منه بذينك "وتنفيذ الوصايا" إن أوصى بشيء. وإنما صحت في نحو رد عين وفي دفعها حالا والوصية بها لمعين وإن كان لمستحقها الاستقلال بأخذها من التركة بل لو أخذها أجنبي من التركة ودفعها إليه لم يضمنها كما صرح به الماوردي وذلك; لأن الوارث قد يخفيها أو يتلفها وليطالب الوصي الوارث بنحو ردها ليبرأ الميت ولتبقى تحت يد الموصي لا الحاكم لو غاب مستحقها وكذا لو تعذر قبول الموصى له بها على ما بحثه ابن الرفعة وقال السبكي هي قبل القبول ملك للوارث فله الامتناع من دفعها للوصي فيأخذها الحاكم إلى أن يستقر أمرها ومعنى قوله ملك للوارث أي بفرض عدم القبول فكان له دخل فيمن تبقى تحت يده والذي يتجه فيما إذا أوصى للفقراء مثلا أنه إن عين لذلك وصيا لم يكن للقاضي دخل فيه إلا من حيث المطالبة بالحساب, ومنع إعطاء من لا يستحق وإلا تولى التصرف هو أو نائبه ولو أخرج الوصي الوصية من ماله ليرجع في التركة رجع إن كان وارثا وإلا فلا أي إلا إن أذن له الحاكم أو جاء وقت الصرف الذي عينه الميت, وفقد الحاكم ولم يتيسر بيع التركة فأشهد بنية الرجوع كما هو قياس نظائره وسيأتي ما يؤيده ولو أوصى ببيع بعض التركة وإخراج كفنه من ثمنه فاقترض الوصي دراهم وصرفها فيه امتنع عليه البيع ولزمه وفاء الدين من ماله. ومحله فيما يظهر حيث لم يضطر إلى الصرف من ماله وإلا كأن لم يجد مشتريا رجع إن أذن له حاكم أو فقده وأشهد بنية الرجوع نظير ما تقرر ولو أوصى بقضاء الدين من عين بتعويضها فيه وهي تساويه أو تزيد وقبل

 

ج / 3 ص -107-        الوصية بالزائد كما هو ظاهر أو من ثمنها تعين فليس للورثة إمساكها ومنه يؤخذ أنه لا يلزم استئذانهم فيها بخلاف ما إذا لم يعين لا يتصرف حتى يستأذنهم; لأنها ملكهم فإن غابوا استأذن الحاكم, وبحث صحة: إذا مت ففرق ما لي عليك من الدين للفقراء فيكون وصيا ومر آخر الوكالة ما يصرح به, وكأن سبب اغتفار اتحاد القابض والمقبض هنا تقدير أن الفقراء وكلاؤه كما قدر أن المعمرين وكلاؤه في إذن الأجير للمستأجر في العمارة, وقد يقال لا يحتاج لهذا التقدير هنا بل سببه الخوف من استيلاء نحو قاض بالقبض منه ثم إقباضه, وإن كان هو القياس; لأن الغالب في القضاة ونحوهم الخيانة لا سيما في الصدقات, وقد قال الأذرعي عن قضاة زمنه وهم أحسن حالا ممن بعدهم إنهم كقريبي عهد بالإسلام وللمشتري من نحو وصي وقيم ووكيل وعامل قراض أن لا يسلمه الثمن حتى تثبت ولايته عند القاضي قال القاضي أبو الطيب ولو قال ضع ثلثي حيث شئت لم يجز له الأخذ لنفسه أي وإن نص له على ذلك لاتحاد القابض والمقبض. قال الدارمي رحمه الله ولا لمن تقبل شهادته له أي إلا أن ينص له عليه لمستقل إذ لا اتحاد ولا تهمة حينئذ قال ولا لمن يخاف منه أي ولم يوجد فيه شرط الإعطاء وإلا فلا وجه لمنع إعطائه ولو خوفا منه قال ولا لمن يستصلحه وكأن مراده أنه غير صالح فيعطيه ليتألفه حتى يبقى صالحا وفيه نحو ما قبله وهو أنه إن وجد فيه شرط الإعطاء جاز مطلقا أو عدمه لم يجز مطلقا "والنظر في أمر الأطفال" والمجانين والسفهاء, وكذا الحمل الموجود عند الإيصاء ولو مستقلا كما اقتضاه كلام جمع متقدمين وسكت عليه جمع متأخرون ويدخل من حدث بعد الإيصاء على أولاده تبعا على الأوجه كما في الوقف.
وبحث الأذرعي وجوبه في أمر نحو الأطفال إلى ثقة مأمون وجيه كاف إذا وجده وغلب على ظنه أن تركه يؤدي إلى استيلاء خائن من قاض أو غيره على أموالهم وفي هذا ذهاب إلى أنه يلزمه حفظ مالهم بما قدر عليه بعد موته كما في حياته. وأركانه أربعة موص ووصي وموصى فيه وصيغة.
"وشرط الوصي" تعيين و "تكليف" أي بلوغ وعقل; لأن غيره لا يلي أمر نفسه فغيره أولى وسيذكر أنه لو أوصى لفلان حتى يبلغ ولده فإذا بلغ فهو الوصي جاز ولا يرد على هذا; لأنه في الإيصاء المنجز وذاك إيصاء معلق "وحرية" كاملة ولو مآلا كمدبر ومستولدة فلا يصح لمن فيه رق للموصي أو لغيره وإن أذن سيده; لأن الوصاية تستدعي فراغا, وهو ليس من أهله وأخذ منه ابن الرفعة منع الإيصاء لمن آجر نفسه في عمل مدة لا يمكنه التصرف فيها بالوصاية ولا يرد عليه أن له حينئذ الإنابة; لأنه الآن عاجز وذلك; لأن الاستنابة تستدعي نظرا في النائب والفرض أنه مشغول "وعدالة" ولو ظاهرة فلا تصح لفاسق إجماعا; لأنه ولاية ولو وقع نزاع في عدالته اشترط ثبوت العدالة الباطنة كما هو ظاهر "وهداية إلى التصرف الموصى به" فلا يجوز لمن لا يهتدي إليه لسفه أو هرم أو تغفل إذ لا مصلحة فيه. ولو فرق فاسق مثلا ما فوض له تفرقته غرمه وله استرداد بدل ما دفعه ممن عرفه لتبين أنه لم يقع الموقع فإن بقيت عين المدفوع استرده القاضي وأسقط عنه من الغرم بقدره كما هو

 

ج / 3 ص -108-        ظاهر, ومر أن للمستحق لعين الاستقلال بأخذها وللأجنبي أخذها ودفعها إليه فما هنا في غير ذلك "وإسلام" فلا يصح من مسلم لكافر لتهمته نعم إن كان المسلم وصي ذمي فوض إليه وصاية على أولاده الذميين جاز له إيصاء ذمي عليهم على ما بحثه الإسنوي ورده ابن العماد وتبعوه بأن الوصي يلزمه النظر بالمصلحة الراجحة والتفويض لمسلم أرجح في نظر الشرع منه لذمي فالوجه تعين المسلم هنا أيضا أي إن وجد مسلم فيه الشروط يقبل وإلا جاز الذمي الذي فيه الشروط فيما يظهر وأخذ من التعليل المذكور أنه لو كان لمسلم ولد بالغ ذمي سفيه لم يجز أن يوصي به إلى الذمي وفيه نظر والفرق بين الأب والوصي ظاهر, وذكر الإسلام بعد العدالة; لأن الكافر قد يكون عدلا في دينه وبفرض علمه من العدالة يكون توطئة لقوله "لكن الأصح جواز وصية ذمي" أو نحوه ولو حربيا كما هو ظاهر "إلى" كافر معصوم "ذمي" أو معاهد أو مستأمن فيما يتعلق بأولاده الكفار بشرط كون الوصي عدلا في دينه كما يجوز أن يكون وليا لأولاده. وتعرف عدالته بتواترها من العارفين بدينه أو بإسلام عارفين وشهادتهما بها, ويشترط أيضا أن لا يكون الوصي عدوا للموصي عليه أي عداوة دنيوية فأخذ الإسنوي منه عدم صحة وصاية نصراني ليهودي وعكسه مردود نعم في تصور وقوع العداوة للطفل والمجنون من صغره بعد, وكون ولد العدو عدوا ممنوع, ويمكن تصويره بأن يكون عرف من الوصي كراهتهما لموجب أو غيره على أن اشتراط عدالته تغني عن اشتراط عدم عداوته نظير ما يأتي في ولي النكاح المجبر لكن ما أجبت به عنه ثم لا يتأتى هنا فتأمله فإنه غامض والعبرة في هذه الشروط بوقت الموت; لأنه وقت التسلط على القبول فلا يضر فقدها قبله ولو عند الوصية, وهل يحرم الإيصاء لنحو فاسق عندها; لأن الظاهر استمرار فسقه إلى الموت فيكون متعاطيا لعقد فاسد باعتبار المآل ظاهرا أو لا يحرم; لأنه لم يتحقق فساده لاحتمال عدالته عند الموت ولا إثم مع الشك كل محتمل ومما يرجح الثاني أن الموصي قد يترجى صلاحه لوثوقه به فكأنه قال جعلته وصيا إن كان عدلا عند الموت. وواضح أنه لو قال ذلك لا إثم عليه فكذا هنا; لأن هذا مراد وإن لم يذكر, ويأتي ذلك في نصب غير الجد مع وجوده بصفة الولاية لاحتمال تغيرها عند الموت فيكون كمن عينه الأب لوثوقه به "ولا يضر العمى في الأصح"; لأن الأعمى كامل, ويمكنه التوكيل فيما لا يمكنه وبحث الأذرعي امتناع الوصية للأخرس وإن كان له إشارة مفهمة, ونظر غيره فيه وتتجه الصحة فيمن له إشارة مفهمة إذا وجدت فيه بقية الشروط "ولا تشترط الذكورة" إجماعا "وأم الأطفال" المستجمعة للشروط عند الوصية وقول غير واحد عند الموت عجيب; لأن الأولوية الآتية إنما يخاطب بها الموصي, وهو لا علم له بما عند الموت فتعين أن المراد أنها إن كانت عند إرادته الوصية جامعة للشروط فالأولى أن يوصي إليها وإلا فلا فإن قلت لا فائدة لذلك; لأنها قد تصلح عند الوصية لا الموت قلت الأصل بقاء ما هي عليه فإن قلت يمكن تصحيح ما قالوه بأن يوصي إليها معلقا على استجماعها للشروط عند الموت قلت لو كان هذا هو المراد لم يحتج لقولهم المستجمعة للشروط عند الموت; لأنه وإن لم ينص على ذلك لا بد من وجوده فكان قياسه أن يقال

 

ج / 3 ص -109-        إنها أولى مطلقا, ثم إن استجمعت الشروط عند الموت بقيت على وصايتها وإلا فلا على أن ذلك لو قيل لم يحسن أيضا لعدم وجود محقق الأولوية حينئذ; لأنها إن استجمعت الشروط وجب توليتها, وإلا لم يجز وتزوجها لا يبطل وصايتها إلا إن نص عليه الموصي وإن أبطل حضانتها بشرطه "أولى" بإسناد الوصية إليها بل وبتفويض القاضي حيث لا وصية أمرهم إليها "من غيرها"; لأنها أشفق عليهم قال الأذرعي وإنما يظهر كونها أولى إن ساوت الرجل في الاسترباح ونحوه من المصالح التامة. "وينعزل الوصي" وقيم الحاكم بل والأب والجد "بالفسق" وإن لم يعزله الحاكم لزوال أهليته نعم تعود ولاية الأب والجد بعود العدالة; لأن ولايتهما شرعية بخلاف غيرهما لتوقفها على التفويض فإذا زالت احتاجت لتفويض جديد وكذا ينعزلون بالجنون والإغماء لا باختلال الكفاية بل يضم له القاضي معينا بل أفتى السبكي بحثا بأنه يجوز له ضم آخر للوصي بمجرد الريبة, ثم قال وظاهر كلام الأصحاب يقتضي المنع ا هـ والذي يظهر حمل الأول على قوة الريبة والثاني على ضعفها, ثم رأيت الأذرعي بحث ذلك وزاد أن هذا في متبرع أما من يتوقف ضمه على جعل فلا يعطاه إلا عند غلبة الظن لئلا يضيع مال اليتيم بالتوهم من غير دليل ظاهر, ويعزل القاضي قيمه بمجرد اختلال كفايته; لأنه الذي ولاه "وكذا القاضي" ينعزل بما ذكر "في الأصح" لزوال أهليته أيضا, ويتجه في فاسق ولاه ذو شوكة مع علمه بفسقه أنه لا يؤثر إلا طرو مفسق آخر أقبح; لأن موليه قد لا يرضى به "لا الإمام الأعظم" فإنه لا ينعزل بما ذكر لتعلق المصالح الكلية بولايته وخالف فيه كثيرون فنقل القاضي الإجماع فيه مراده به إجماع الأكثر.
"ويصح الإيصاء بقضاء الدين" ورد الحقوق "وتنفيذ الوصية من كل حر" سكران أو "مكلف" مختار نظير ما مر في الموصي بالمال, ومن ثم يأتي هنا نظير ما مر هناك فلو أوصى السفيه بمال وعين من ينفذه تعين على الأوجه وتنفيذ بالياء مصدرا هو ما في أكثر النسخ كأصله وغيره, وحكي عن خطه حذف الياء مضارعا قيل والأولى أولى إذ يلزم الثانية تكرار محض; لأنه قدم الوصية بقضاء الدين أول الفصل وحذف بيان ما تنفذ فيه ومخالفة أصله وفيه نظر; لأن الجار متعلق بيصح أيضا فلا تكرار وحذف ذلك يغني عنه قوله الآتي, ويشترط بيان ما يوصى فيه.
"ويشترط" في الموصي "في أمر الأطفال" والمجانين والسفهاء "مع هذا" المذكور من الحرية والتكليف وغيرهما مما أشرنا إليه "أن تكون له ولاية عليهم" مبتدأة من الشرع وهو الأب أو الجد المستجمع للشروط وإن علا دون الأم وسائر الأقارب والوصي والحاكم وقيمه ومنه أب أو جد نصبه الحاكم على مال من طرأ سفهه; لأن وليه الآن الحاكم دونهما, وبحث الأذرعي أنه لا يصح إيصاء الفاسق فيما تركه لولده من المال لسلب ولايته على ولده وهو معلوم من المتن. "وليس لوصي" توكيل إلا فيما يعجز عنه أو لا يتولاه مثله على ما مر في الوكالة ولا "إيصاء" استقلالا قطعا "فإن أذن له فيه" من الموصي وعين له شخصا أو فوضه لمشيئته بأن قال له أوص بتركتي فلانا أو من شئت فإن لم يقل بتركتي

 

ج / 3 ص -110-        لم يصح "جاز في الأظهر"; لأنه استنابه فيه كالوكيل يوكل بالإذن ثم إن قال له أوص عني أو عنك فواضح وإلا وصى عن الموصي لا عن نفسه على الأوجه "و" لكون الوصية بكل من معنييها السابقين تحتمل الجهالات والأخطار جاز فيها التوقيت والتعليل كما يأتي فعليه "لو قال أوصيت" لزيد ثم من بعده لعمرو أو "إليك إلى بلوغ ابني أو قدوم زيد فإذا بلغ أو قدم فهو الوصي جاز" بخلاف أوصيت إليك فإذا مت فقد أوصيت إلى من أوصيت إليه أو فوصيك وصيي; لأن الموصى إليه مجهول من كل وجه ولو بلغ الابن أو قدم زيد غير أهل فهل ينعزل الأول فيلي الحاكم أو يستمر; لأن المراد إذا بلغ أو قدم أهلا لذلك الذي رجحه الأذرعي في بعض كتبه الثاني وله احتمال أنه يفرق بين الجاهل بالوصاية إلى غير الأهل وبين غيره قيل كان ينبغي تأخير هذا عقب قوله الآتي, ويجوز فيه التوقيت والتعليق فإنه مثال له وقد يجاب بأنهما هنا ضمنيان فلو أخر هذا إلى هناك ربما توهم قصر ذاك عليهما ففصل بينهما ليكون هذا مفيدا للضمني وذاك مفيدا للصريح وكون هذا مغنيا عن ذاك لا يعترض به مثل المنهاج.
"ولا يجوز" للأب "نصب وصي" على الأولاد "والجد حي بصفة الولاية" عليهم حال الموت أي لا يعتد بمنصوبه إذا وجدت ولاية الجد حينئذ; لأن ولايته ثابتة بالشرع كولاية التزويج أما لو وجدت حال الإيصاء ثم زالت عند الموت فيعتد بمنصوبه كما بحثه البلقيني رحمه الله لما مر أن العبرة بالشروط عند الموت, وبحث السبكي رحمه الله جوازه عند غيبة الجد إلى حضوره للضرورة قال الزركشي رحمه الله, ويحتمل المنع فإن الغيبة لا تمنع حق الولاية أي ويمكن الحاكم أن ينوب عنه ا هـ ويتجه جوازه لو كان ثم ظالم لو استولى على المال أكله لتحقق الضرورة حينئذ وعليه يحمل كلام السبكي رحمه الله, وخرج بحال الموت حال الوصية فلا عبرة بها بل يجوز على ما مر نصب غيره, وإن كان هو بصفة الولاية حينئذ ثم ينظر عند الموت لتأهل الجد وعدمه كما علم مما مر أما على الديون والوصايا فيجوز مع وجود الجد فإن لم يوص بها فالجد أولى بأمر الأطفال ووفاء الدين ونحوه, والحاكم أولى بتنفيذ الوصايا على ما نقلاه عن البغوي رحمه الله وغيره لكن بما يشعر بالتبري منه, ومن ثم اعتمد الأذرعي رحمه الله قول القاضي إن قضاء الديون إلى الحاكم أيضا, وغلط البغوي. "و" لا يجوز "الإيصاء بتزويج طفل وبنت" ولو مع عدم ولي; لأن الوصي لا يعتني بدفع العار عن النسب وسيأتي توقف نكاح السفيه على إذن الولي ومنه الوصي "ولفظه" أي الإيصاء كما بأصله أي وصيغته "أوصيت إليك أو فوضت" إليك "ونحوهما" كأقمتك مقامي, وقياس ما مر اشتراط بعد موتي فيما عدا أوصيت, ويظهر أن وكلتك بعد موتي في أمر أطفالي كناية; لأنه لا يصلح لموضوعه فيكون كناية في غيره وقياسه إن وليتك كذلك وهو ما رجحه شيخنا لكن ظاهر كلام الأذرعي أنه صريح هنا وقد يوجه بأنه أقرب إلى مدلول فوضت إليك الصريح من وكلتك ويؤيده ما يأتي من صحة الوصية بالإمامة لواحد بعد موتي وظاهره صحتها بلفظ أوصيت وفوضت وإذا ثبت ذلك في فوضت ثبت في وليت, وليس هذا من قاعدة ما كان صريحا في بابه; لأنا إذا

 

ج / 3 ص -111-        جوزنا الوصية بالإمامة كان الباب واحدا فما كان صريحا هناك يكون صريحا هنا, وعكسه غاية الأمر أن الموصى فيه إمامة وغيرها وهذا لا يؤثر. وتكفي إشارة الأخرس المفهمة وكتابته وكذا الناطق إذا سكت وأشار برأسه أن نعم وقد قرئ عليه كتاب الوصية من غير قراءة ومر لذلك مزيد في مبحث صيغ الوصية "ويجوز فيه التوقيت" كأوصيت إليك سنة سواء أقال بعدها وصيي فلان أم لا أو إلى بلوغ ابني "والتعليق" كإذا مت أو إذا مات وصيي فقد أوصيت إليك كما مر "ويشترط بيان ما يوصى فيه" وكونه تصرفا ماليا مباحا كأوصيت إليك في قضاء ديوني أو في التصرف في أمر أطفالي أو في رد آبقي أو ودائعي أو في تنفيذ وصاياي فإن جمع الكل ثبت له أو خصصه بأحدها لم يتجاوزه, ولو أطلق كأوصيت إليك في أمري أو تركتي أو في أمر أطفالي ولم يذكر التصرف صح, ويظهر أن الأول عام ويفرق بين الأول وفساد نظيره السابق في الوكالة بأن ذاك لو صح لحق الموكل به ضرر لا يستدرك كعتق ووقف وطلاق بخلافه هنا لتقيد تصرفه بالمصلحة; لأنه على الغير الذي لم يأذن في خلافه ولو أطلق وصححناه ثم أوصى لآخر في معين فالقياس أن ذلك يصير عزلا للأول عنه فيتصرف الثاني فيما عين له, ويبقى الأول على ما عداه فإن وصى لثان فيما وصى به للأول ولم يتعرض له شاركه ووجب اجتماعهما; لأنه الأحوط والمعتمد في الثاني أنه للحفظ والتصرف في مالهم للعرف وفي الأنوار أن قول القاضي وليتك مال فلان للحفظ فقط ومر آخر الحجر بيان أن قاضي بلد المال يتصرف فيه بالحفظ ونحوه وقاضي بلد المحجور يتصرف فيه بالبيع وغيره. نعم بحث بعضهم أن نظر وصاياه لقاضي بلد ماله أخذا مما مر أول الفرائض من أن من مات بلا وارث اختص بماله أهل بلده وفيه نظر ولا شاهد له في هذا على أنه ضعيف فالذي يتجه ما اقتضاه كلامهم في الحجر أنه لبلد المالك وسيأتي جواز النقل في الوصية فليست كالزكاة حتى يعتبر فيها بلد المال "فإن اقتصر على أوصيت إليك لغا" كوكلتك ولأنه لا عرف يحمل عليه كما قالوه ونازع فيه السبكي رحمه الله بأن العرف يقتضي أنه يثبت له جميع التصرفات ا هـ وفيه نظر بل الحق ما قالوه وما قاله غير مطرد فلا يعول عليه وإن قال الزركشي يؤيده قول البيانيين: إن حذف المعمول يؤذن بالتعميم وجزم الزبيلي بصحة فلان وصيي ا هـ; لأن كلام البيانيين ليس في مثل ما نحن فيه وكلام الزبيلي إما ضعيف أو يفرق بينه وبين ما هنا بأن ما قاله محتمل للإقرار وهو يقبل المجهول فصح فيه ما يحتمله وحمل على العموم إذ لا مرجح وما هنا محض إنشاء وهو لا يقبل الجهل بوجه "و" يشترط "القبول" من الوصي; لأنها عقد تصرف كالوكالة ومن ثم اكتفي هنا بالعمل كهو ثم كما اقتضاه كلام الشيخين وجزم به القفال وهو أوجه من اعتماد السبكي رحمه الله اشتراط اللفظ "ولا يصح" القبول ولا الرد "في حياته في الأصح"; لأنه لم يدخل وقت تصرفه كالموصى له بالمال بخلافه بعد الموت ولا يشترط بعده الفور في القبول ما لم يتعين تنفيذ الوصايا أو يعرضها عليه الحاكم بعد ثبوتها عنده قال الأذرعي رحمه الله أو يكون هناك ما تجب المبادرة إليه.

 

ج / 3 ص -112-        "ولو وصى لاثنين" وشرط اجتماعهما أو أطلق بأن قال أوصيت إليكما أو إلى فلان ثم قال ولو بعد مدة أوصيت إلى فلان أو قال عن شخص هذا وصيي ثم قال عن آخر هذا وصيي وظاهر كلامهم هنا أنه لا فرق بين علمه بالأول وعدمه وعليه يفرق بين هذا ونظيره السابق قبل الفصل بأن الاجتماع هنا ممكن مقصود للموصي; لأن فيه مصلحة له وثم اجتماع الملكين على الموصى به متعذر والتشريك خلاف مؤدى اللفظ فتعين النظر للقرينة وهي وجود علمه وعدمه ولو قال أوصيت إليه فيما أوصيت فيه لزيد كان رجوعا "لم ينفرد أحدهما" فيما إذا قبل بتصرف بل لا بد من اجتماعهما عليه بأن يصدر عن رأيهما ولو بإذن أحدهما للآخر أو يأذنا لثالث فيه أو بأن يشتري أحدهما لأحد الطفلين من الآخر شيئا للطفل الآخر فيما إذا شرط عليهما الاجتماع في تصرف كل منهما عملا بالأحوط فيه وهو الاجتماع; لأن أحدهما قد يكون أعرف والآخر أوثق وإنما يجب فيما يتعلق بالطفل وماله وتفرقة وصية غير معينة وقضاء دين ليس في التركة جنسه بخلاف رد وديعة وعارية ومغصوب وقضاء دين في التركة جنسه فلكل الانفراد به; لأن لصاحبه الاستقلال بأخذه وبحث فيه الشيخان بأن معنى ذلك أن يعتد به ويقع موقعه لا أنه يجوز الإقدام عليه; لأنه بالوصية فليكن بحسبها. ويجاب عنه بأن الذي يتقيد بالوصية هو ما يختلف الغرض فيه باختلاف المتصرفين وأما ما ليس كذلك كما في تلك المثل فلا وجه للتقييد بها فيه.
أما إذا قبل أحدهما فقط أو قبلاه ثم رد أحدهما ففي الصورتين الأخيرتين للباقي التصرف ولا يعوض الحاكم بدل الراد ويوجه أخذا من كلامهم بأن التشريك فيهما ليس مأخوذا من تصريح الموصى به بل من احتمال إرادة التشريك المقوي له عدم تعرضه في الثانية لبطلان الأولى المقتضي أنه ملك كلا كله عند الموت وهو متعذر فوجب التشريك بخلاف ما لو رد أحدهما في نحو أوصيت إليكما فيعوض بدله; لأن الموصي جعل لكل النصف صريحا فلم يبطل برجوع الآخر لكنه لم يرض بنظره وحده فوجب التعويض ولو اختلفا وصيا التصرف المستقلان فيه نفذ تصرف السابق أو غير المستقلين ألزما العمل بالمصلحة التي رآها الحاكم فإن امتنعا أو أحدهما أو خرجا أو أحدهما عن أهلية التصرف أناب عنهما أو عن أحدهما أمينين أو أمينا أو في المصرف أو الحفظ والمال مما لا ينقسم استقلالا أو تولاه القاضي فإن انقسم قسمه بينهما ولكل التصرف بحسب الإذن فإن تنازعا في عين النصف المحفوظ أقرع بينهما فإن نص على اجتماعهما في الحفظ لم ينفرد أحدهما بحال "إلا إن صرح به" أي الانفراد فيجوز حينئذ كالوكالة وكذا لو قال إلى كل منكما أو كل منكما وصي في كذا أو أنتما وصياي في كذا, ويفرق بين هذا وأوصيت إليكما بأنه هنا أثبت لكل وصف الوصاية فدل على الاستقلال بخلافه ثم ولو جعل عليه أو عليهما مشرفا أو ناظرا لم يثبت له تصرف وإنما يتوقف على مراجعته قال الأذرعي إلا في نحو شراء يقل مما لا يحتاج لنظر ولو فوض لاثنين صرف ثلثه لقراءة ختمات معلومة فقسما ثلثه نصفين, واستأجر كل الآخر لقراءة النصف فهل يجوز ذلك والذي يظهر أن كلا

 

ج / 3 ص -113-        إن استقل جاز وإلا فلا أخذا من قول الأذرعي لكل من المستقلين الشراء من الآخر أي لنفسه أو طفله ا هـ واعترض بإطلاق الإصطخري امتناع شراء كل من الآخر ويرد بحمله على غير المستقلين, وكذلك إطلاق بعضهم في مسألتنا أنه يمتنع ذلك. "وللموصي والوصي العزل" أي للموصي عزل الوصي وللوصي عزل نفسه لكن يلزمه إعلام الحاكم فورا وإلا ضمن "متى شاء" لجوازها من الجانبين كالوكالة نعم إن تعين على الوصي بأن لم يوجد كاف غيره أو غلب على ظنه تلف المال باستيلاء ظالم أو قاضي سوء كما هو الغالب لم يجز له عزل نفسه ولم ينفذ لكن لا يلزمه ذلك مجانا بل بالأجرة وهل له أن يتولى أخذها إن خاف من إعلام قاض جائر لتعذر الرفع إليه والتحكيم; لأنه لا بد فيه من رضا الخصمين محل نظر ولو قيل بجوازه بشرط إخبار عدلين عارفين له بقدر أجرة مثله ولا يعتمد معرفة نفسه احتياطا لم يبعد والأوجه أنه يلزمه القبول في هذه الحالة, وأنه يمتنع عزل الموصى له حينئذ لما فيه من ضياع نحو ودائعه أو مال أولاده, ويمتنع عليه عزل نفسه أيضا إذا كانت إجارة بعوض فإن كانت بعوض من غير عقد فهي جعالة قال الماوردي واعترض بأن شرط صحة الإجارة إمكان الشروع في المستأجر له عقب العقد وهنا ليس كذلك وبأن شرطها العلم بأعمالها, وأعمال الوصاية مجهولة وأجاب السبكي عن الأول بأن صورته أن يستأجره الموصي على أعمال لنفسه في حياته ولطفله بعد موته أو يستأجره القاضي على الاستمرار على الوصية لمصلحة رآها بعد موت الموصي ويجاب عن الثاني بأن الغالب علمها وبأن مسيس الحاجة إليها اقتضى المسامحة بالجهل بها. وقول الكافي: لا يصح الاستئجار لذلك ضعيف, وإذا لزمت الوصاية بإجارة وعجز عنها استؤجر عليه من ماله من يقوم مقامه فيما عجز عنه وجاز ذلك مع أنها إجارة عين وهي لا يستوفى فيها من غير المتعين قال الأذرعي: لأن ضعفه بمنزلة عيب حادث فيعمل الحاكم ما فيه المصلحة من الاستبدال به والضم إليه.
"تنبيه" تسمية رجوع الموصي عن الإيصاء إليه عزلا مع أنه لا عبرة بالقبول في الحياة كما مر مجاز وكذا تسمية رجوع الوصي عن القبول إذ قطع السبب الذي هو الإيصاء بالرجوع عنه أو بعدم قبوله منزل منزلة قطع المسبب الذي هو التصرف لو ثبت له وبهذا الذي قررته اندفع بناء السبكي لذلك على ضعيف أن العبرة بالقبول في الحياة, وبما تقرر في مسألة الإجارة يعلم بطلان جعله لمن يتجر لطفله شيئا أجرة, وكذا تبطل الوصية له كل سنة بكذا أو ما دام وليا على ولده في غير السنة الأولى كما مر لأن الجهل بآخر مدة استحقاقه يصيرها مجهولة لا يمكن اعتبارها من الثلث كمسألة الدينار المشهورة وإفتاء بعضهم بصحتها وهم. وحكى الإمام عن والده أنه لو جعل لوصيه جعلا قدر أجرة المثل لم يجز العدول عنه لمتبرع قال الإمام ومحله إن كان الوصي كافيا والجعل يفي به الثلث فإن لم يكف أو زاد الجعل على الثلث ولم يرض بالثلث فالوجه القطع بالعدول للمتبرع.
"وإذا بلغ الطفل" أو أفاق المجنون أو رشد السفيه "ونازعه" أي بحاله الوصي "في" أصل أو قدر نحو "الإنفاق" اللائق "عليه" أو على ممونه "صدق الوصي" بيمينه, وكذا قيم

 

ج / 3 ص -114-        الحاكم لأن كلا منهما أمين ويتعذر عليه إقامة البينة عليه بخلاف البيع للمصلحة. أما غير اللائق فيصدق الولد فيه قطعا بيمينه لتعدي الوصي بفرض صدقه, ولو تنازعا في الإسراف وعين القدر نظر فيه وصدق من يقتضي الحال تصديقه, وإن لم يعين صدق الوصي وما ذكر في الحالة الأولى من احتياج الولد لليمين فيه نظر ظاهر والذي يتجه أخذا مما تقرر آخرا أنه متى علم في شيء أنه غير لائق لم يحتج ليمين الولد بل إن كان من مال الولي فلغو أو الولد ضمنه, ولو اختلفا في شيء أهو لائق أو لا؟ ولا بينة صدق الوصي بيمينه; لأن الأصل عدم خيانته أو في تاريخ موت الأب وأول ملكه للمال المنفق عليه منه صدق الولد بيمينه وكالوصي في ذلك وارثه ويؤيده قولهم لو ادعى وارث الوديع أن مورثه رد على المالك صدق الوارث بيمينه وقول البغوي: لا بد من البينة ضعيف. وللأصل الإنفاق من ماله للمصلحة ويصدق بيمينه في قصده الرجوع فيرجع بخلاف نحو الوصي لا يرجع إلا إن أذن له القاضي, وكذا إذا وفى الوصايا أو مؤن التجهيز من ماله لا يرجع إلا إن أذن له فيه أو قصد الرجوع وأشهد عليه عند فقد الحاكم كما مر وكان ذلك لمصلحة تعود على المولى ككساد ماله ورجاء ربحه بتأخير بيعه, نعم: إن دفع الوصي, ولو وارثا بإذن الورثة في الأولى وبقيتهم في الثانية رجع عليه وعليه يحمل إطلاق العبادي رجوع الوارث "أو" تنازعا "في دفع" المال "إليه بعد البلوغ" أو الإفاقة أو الرشد أو في إخراجه الزكاة من ماله كما هو ظاهر. وصرح به بعضهم "صدق الولد" بيمينه, ولو على الأب; لأنه لا تعسر إقامة البينة عليه وهذه لم تتقدم في الوكالة; لأن تلك في القيم وهذه في الوصي وليس مساويا له من كل وجه, نعم: حكايته الخلاف في القيم وجزمه في الوصي معترض بأن الخلاف فيهما ويصدق أحدهما في عدم الخيانة وتلف بنحو غصب أو سرقة كالوديع لا في نحو بيع لحاجة أو غبطة أو ترك أخذ بشفعة لمصلحة إلا ببينة بخلاف الأب والجد يصدقان بيمينهما والأوجه أن الحاكم الثقة الأمين مثلهما وإلا فكالوصي وعلى هذا التفصيل يحمل ما وقع للسبكي وغيره في ذلك من التناقض ولا يطالب أمين كوصي ومقارض وشريك ووكيل بحساب بل إن ادعى عليه خيانة حلف ذكره ابن الصلاح في الوصي والهروي في أمناء القاضي ومثلهم بقية الأمناء وأفهم كلام القاضي أن الأمر في ذلك كله راجع لرأي القاضي بحسب ما يراه من المصلحة ورجح, ولو لم يندفع نحو ظالم إلا بدفع نحو مال لزم الولي دفعه ويجتهد في قدره ويصدق فيه بيمينه, ولو بلا قرينة على الأوجه أو إلا بتعيينه جاز له بل يلزمه أيضا لكن لا يصدق فيه لسهولة إقامة البينة عليه. ولو أراد وصي شراء شيء من مال الطفل رفع للحاكم ليبيعه أو اشترى من وصي آخر مستقل كما أفتى به الأذرعي ولا يجوز له أن يبيع ممن لا يبيع له الوكيل وينعزل بما ينعزل به ولا تقبل شهادته لموليه فيما هو وصي فيه إن قبل الوصاية وإلا قبل وإن قال أوصى إلي فيه, وكذا لو عزل نفسه قبل الخوض فيه, ولو اشترى شيئا من وصي وسلمه الثمن فكمل المولى عليه وأنكر كون البائع وصيا عليه واسترد منه المبيع رجع على الوصي بما أداه إليه وإن وافقه على أنه وصي خلافا للقاضي لقولهم لو اشترى شيئا مصدقا لبائعه على ملكه له ثم أقبضه الثمن ثم

 

ج / 3 ص -115-        استحق رجع عليه بالثمن; لأنه إنما أقر له بناء على ظاهر الحال, وكذا لو اشترى شيئا من وكيل وسلمه الثمن وصدقه على الوكالة ثم أنكرها الموكل ونزع منه المبيع فيرجع على الوكيل ومن اعترف أن عنده مالا لفلان الميت وزعم أنه قال له هذا لفلان أو أنت وصيي في صرفه في كذا لم يصدق إلا ببينة كما رجحه الغزي وغيره وهو أحد وجهين في الثانية وترجيح السبكي في الأولى أنه يصرف للمقر له بعيد إلا أن يكون مراده أنه يجوز له بل يلزمه باطنا دفعه له لكن هذا لا نزاع فيه, ولو أوصى بثلث تركته لمن يصرفها في وجوه البر وهي مشتملة على أجناس مختلفة باع الوصي الثلث بنقد البلد كما أشار إليه البلقيني في فتاويه. قال غيره وهو مراد الأصحاب بلا شك وفيها فيمن أوصى بأنه نذر بشيء أنه يصرف في وجوه البر والقربات أنه يصرف في ذلك, ووجوه البر ما تضمنه قوله تعالى: {وآتى المال على حبه ذوي القربى} الآية والقربات كل نفقة في واجب أو مندوب ا هـ ملخصا وما ذكره في وجوه البر خالف فيه قول الشيخين إن أفرد البر أو الخير أو الثواب كأن قال لسبيل البر اختص بأقارب الميت أي غير الوارثين لما مر أنهم لا يعطون لكن نازعهما في ذلك جمع وأطالوا لا سيما الأذرعي في التوسط قال بعضهم وفيما إذا فوض للوصي التفرقة بحسب ما يراه يلزمه تفضيل أهل الحاجة لا سيما من أقارب الميت إذ عليه في تقدير الأنصباء رعاية مصلحة الميت بما فيه مزيد أجره وثوابه بحسب ما يراه وهو متجه المدرك وإن كان خلاف قضية إطلاقهم أن محارمه الذين لا يرثونه أولى, ولو أوصى لإنسان بجزء من ماله يصرفه فيما أوصى به ولجهات الخير فمات ولم يعلم ما أوصى به بطلت الوصية في نصف ما عينه إذا أيس من معرفة وصيته كما أفتى به غير واحد وإفتاء بعضهم بصحتها كما لو أوصى بثلثه ولم يذكر مصرفا مردود بأن غالب الوصايا للمساكين فحمل المطلق عليه وهنا لا سبيل للصرف إليهم مع احتمال أن المصرف الذي جهل غيرهم من غير قرينة تدل عليه ولك أن تقول ينبغي الصحة في الكل لا لما ذكر بل; لأن الغالب بل والمطرد في الوصية أنها لا تكون إلا في جهة خير فإذا جهل ما أوصى به حمل على أنه من جملة جهات الخير التي ذكرها بل الظاهر أنه إنما سكت عن بيان ما أوصى به لشمول قوله ولجهات الخير له والعمل بما دلت عليه القرائن جائز للوصي الرجوع إليه.