تحفة المحتاج بشرح المنهاج ط العلمية

ج / 3 ص -116-        كتاب الوديعة
هي لغة ما وضع عند غير مالكه لحفظه من ودع يدع إذا سكن; لأنها ساكنة عند الوديع وقيل من الدعة أي الراحة; لأنها تحت راحته ومراعاته وشرعا العقد المقتضي للاستحفاظ أو العين المستحفظة فهي حقيقة فيهما وتصح إرادتهما وإرادة كل منهما في الترجمة ثم عقدها في الحقيقة توكيل من جهة المودع وتوكل من جهة الوديع في حفظ مال أو اختصاص كنجس منتفع به فخرجت اللقطة والأمانة الشرعية كأن طير نحو ريح شيئا إليه أو إلى محله وعلم به والحاجة بل الضرورة داعية إليها وأركانها بمعنى الإيداع أربعة وديعة ومودع ووديع وصيغة وشرط الوديعة - كما علم مما -: تقرر كونها محترمة كنجس يقتنى وحبة بر بخلاف نحو كلب لا ينفع وآله اللهو.
"من عجز عن حفظها حرم عليه قبولها" أي أخذها; لأنه يعرضها للتلف وإن وثق بأمانة نفسه "ومن قدر" على حفظها "و" هو أمين ولكنه "لم يثق بأمانته" فيها حالا أو مستقبلا بأن جوز وقوع الخيانة منه فيها مرجوحا أو على السواء. ويؤخذ منه الكراهة بالأولى إذا شك في قدرته وإن وثق بأمانة نفسه "كره له" أخذها من مالكها الرشيد الجاهل بحاله حيث لم يتعين عليه قبولها وقيل يحرم وعليه كثيرون ويرد بأنه لا يلزم من مجرد الخشية الوقوع ولا ظنه ومن ثم لو غلب على ظنه وقوع الخيانة منه فيها حرم عليه قبولها قطعا كما هو ظاهر أما غير مالكها كوليه فيحرم عليه إيداع من لم يثق بأمانته وإن ظن عدم الخيانة ويحرم عليه قبولها منه وأما إذا علم المالك الرشيد بحال الأول أو الثاني فلا حرمة ولا كراهة في قبولها على ما بحثه ابن الرفعة وفيه نظر وإن أقره السبكي وغيره وسبقه إليه ابن يونس والذي يتجه في الأول الحرمة عليهما إن كان في ذلك إضاعة مال محرمة لما يأتي وبقاء كراهة القبول في غير ظن الخيانة وحرمته فيها أما على المالك فلأنه حامل له بالإعطاء على الخيانة المحرمة وأما على القابل فلتسببه إلى وقوع الخيانة الغالبة منه ثم رأيت الزركشي نظر فيه أيضا عند العجز ثم قال الوجه تحريمه عليهما لإضاعة المالك ماله أي إن غلب ظن حصولها حينئذ ولإعانة الوديع عليه وعلم المالك بعجزه لا يبيح له القبول ا هـ. وأما إذا تعين عليه قبولها فلا كراهة ولا حرمة على ما بحثه ابن الرفعة أيضا وفي عمومه نظر والذي يتجه أن ذلك إنما يرفع كراهة القبول في غير الأولى دون الحرمة فيها; لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح وحيث قبل مع الحرمة أثم ولم يضمن على ما بحثه السبكي ومن تبعه وفيه نظر وعليه قال الأذرعي الوجه تخصيصه بالمالك الجائز التصرف ففي نحو وديع له الإيداع وولي يضمن بمجرد القبض "فإن وثق" بأمانة نفسه وقدر على حفظها "استحب" له قبولها; لأنه من التعاون المأمور به ومحله إن لم يخف المالك من ضياعها لو تركها عنده أي غلب على ظنه ذلك كما هو ظاهر وإلا لزمه قبولها

 

ج / 3 ص -117-        حيث لم يخش منه ضررا يلحقه أخذا مما ذكروه في الأمر بالمعروف وإن تعين لكن لا مجانا بل بأجرة لعمله وحرزه; لأن الأصح جواز أخذ الأجرة على الواجب العيني كإنقاذ غريق وتعليم نحو الفاتحة, ولو تعدد الأمناء القادرون فالأوجه تعينها على كل من سأله منهم لئلا يؤدي التواكل إلى تلفها ويظهر فيما لو علموا حاجته إلى الإيداع لكنه لم يسأل أحدا منهم أنه لا وجوب هنا; لأنه لا تواكل حينئذ وأنه يستحب لكل منهم أن يعرض له بقبوله الإيداع إن أراده وقد يشمل المتن هذه الصورة.
"وشرطهما" أي المودع والوديع الدال عليهما ما قبلهما "شرط موكل ووكيل" لما مر أنها توكيل في الحفظ فلا يجوز إيداع محرم صيدا ولا كافر نحو مصحف ومرت شروطهما في الوكالة مع ما يستثنى منها لمعنى لا يأتي هنا فلا يرد عليه ويجوز إيداع مكاتب لكن بأجرة لامتناع تبرعه بمنافعه من غير إذن السيد "ويشترط" المراد بالشرط هنا ما لا بد منه "صيغة المودع" بلفظ أو إشارة أخرس مفهمة صريحة كانت "كاستودعتك هذا أو استحفظتك" هـ "أو أنبتك في حفظه" أو أودعتكه أو أستودعه أو أستحفظه أو كناية كخذه وككناية مع النية فلا يجب على حمامي حفظ ثياب من لم يستحفظه خلافا لقول القاضي يجب للعادة فعلى الأول لا يضمنها لو ضاعت وإن فرط في حفظها بخلاف ما إذا استحفظه وقبل منه أو أعطاه أجرة لحفظها فيضمنها إن فرط كأن نام أو نعس أو غاب ولم يستحفظ غيره أي وهو مثله كما هو ظاهر وإن فسدت الإجارة ومثل ذلك الدواب في الخان فلا يضمنها الخاني إلا إن قبل الاستحفاظ أو الأجرة. وليس من التفريط فيهما ما لو كان يلاحظه كالعادة فتغفله سارق أو خرجت الدابة في بعض غفلاته; لأنه لم يقصر في الحفظ المعتاد وظاهر أنه يقبل قوله فيه بيمينه; لأن الأصل عدم التقصير "والأصح أنه لا يشترط القبول" من الوديع لصيغة العقد أو الأمر "لفظا و" يحتمل أنها استئنافية وأنها عاطفة على لا يشترط "يكفي" مع عدم اللفظ والرد منه "القبض", ولو على التراخي كما في الوكالة والمراد بالقبض هنا حقيقته السابقة في البيع لقولهم لا يكفي الوضع هنا بين يديه مطلقا أي حيث لم يقل مثلا ضعه لما يأتي فيه وفارق ذاك بأن التسليم ثم واجب لا هنا وقضية كلامه أنه مع القبول لا يشترط قبض فلو قال هذا وديعتي عندك كذا عبر به في الروضة عن البغوي والظاهر أنه مثال وأنه يكفي هذا وديعة إذا قامت قرينة على المراد ثم رأيت شارحا نقل هذه عن التهذيب وينبغي حمله على ما ذكرته أو احفظه فقال قبلت أو ضعه فوضعه في موضع كان إيداعا وهو ما قاله البغوي وقال المتولي لا بد من قبضه وفي فتاوى الغزالي لو قال ضعه فوضعه في موضع بيده كان إيداعا وإلا كانظر إلى متاعي في دكاني فقال, نعم: لم يكن إيداعا وكلام البغوي أوجه سواء المسجد وغيره; لأن اللفظ أقوى من مجرد الفعل. ثم رأيت الرافعي في الصغير والأذرعي رجحاه أيضا ومن ثم جزم به في الأنوار ومن تبعه فقالوا في صبي جاء بحمار لراع أي والحمار لغيره الآذن له في ذلك ولا نظر لفساد العقد هنا كما هو ظاهر إذ الصبي لا يصح توكله عن غيره في غير نحو إيصال الهدية; لأن للفاسد حكم الصحيح ضمانا وعدمه فإطلاق ذاكري هذه المسألة يحمل على

 

ج / 3 ص -118-        ذلك لما يأتي في إيداع الصبي ماله فقال له دعه يرتع مع الدواب ثم ساقها كان مستودعا له وواضح أن سوقها ليس بشرط, نعم: يتجه ما قاله الغزالي آخرا; لأن مأخذ الفساد فيه إما كون أن أمره بالنظر لا يستلزم إيداعا وإن أجاب بنعم أو قبلت, أو أن كونه بيد المالك يمنع من استيلائه عليه. ومن ثم صور كلام البغوي بما إذا كان الوضع بين يديه بحيث يعد مستوليا عليه ثم رأيت غير واحد اعتمدوا ما اعتمدته من كلام البغوي وآخر كلام الغزالي فجزموا بأن من قال لآخر عن متاعه بمسجد, أو دار بابه مفتوح احفظه فقال: نعم, ثم خرج المالك, ثم الآخر وترك الباب مفتوحا ضمنه أي إن عد مستوليا عليه بخلاف ما لو أغلق المالك الباب. ثم قال لآخر: احفظه وانظر إليه فأهمله فسرق فلا يضمنه, ومتى رد ثم ضيع كأن ذهب وتركها ولم يكن قبضها, أو قبضها حسبة بأن صانها عن ضياع عرضت له, ولو من مالكها الرشيد فيما يظهر ويحتمل خلافه ولم يضمنها وذهابه بدونها والمالك حاضر رد ولا إثم عليه هنا مطلقا فيما يظهر خلافا لما يوهمه بعض العبارات; لأنه بعد الرد الذي علم به المالك لا ينسب إليه تقصير بوجه بخلافه فيما إذا لم يقبل ولم يقبض فإنه يأثم إن ذهب وتركها بعد غيبة المالك; لأنه غره, ولو وجد لفظ من الوديع وأعطاه من المودع كان إيداعا أيضا على الأوجه وفاقا للأذرعي والزركشي وخلافا لما يوهمه المتن وغيره فالشرط لفظ أحدهما وفعل الآخر لحصول المقصود به ويدخل ولد الوديعة تبعا لها; لأن الأصح أن الإيداع عقد لا مجرد إذن في الحفظ فلا يجب رده إلا بالطلب وقيل أمانة شرعية فيجب رده عقب علمه به فورا ويفرق بينه وبين ولد المرهونة والمؤجرة بأن تعلق الرهن, أو الإجارة به فيه إلحاق ضرر بالمالك لم يرض به بخلاف ما هنا; لأن حفظه منفعة له فهو راض به قطعا. ويأتي في التعليق هنا ما مر في الوكالة. "ولو أودعه صبي", ولو مراهقا كامل العقل "أو مجنون مالا لم يقبله" أي لم يجز له قبوله; لأن فعله كالعدم "فإن قبله ضمن" هـ بأقصى القيم كما هو ظاهر إذا قبضه ولم يبرأ إلا برده لمالك أمره; لأنه كالغاصب لوضعه يده عليه بغير إذن معتبر فاندفع ما يقال فاسد الوديعة كصحيحها وما يقال أخذا من هذا يفرق بين باطل الوديعة وفاسدها, ووجه اندفاع هذا أنها حيث قبضت بإذن معتبر ففاسدها كصحيحها وحيث لا فلا فالفرق بين الباطل والفاسد هنا لا يصح بإطلاقه والكلام حيث لم يخف ضياعها فإن خافه وأخذها حسبة لم يضمن كما مر, وكذا لو أتلف نحو صبي مودع وديعته; لأن فعله لا يمكن إحباطه, وتضمينه ما لنفسه محال فتعينت براءة الوديع. "ولو أودع" مالك كامل "صبيا", أو مجنونا "مالا فتلف عنده", ولو بتفريطه "لم يضمن" هـ إذ لا يصح التزامه للحفظ "وإن أتلفه" وهو متمول إذ غيره لا يضمن "ضمن" هـ "في الأصح". وإن قلنا إنه عقد; لأنه من أهل الضمان ولم يسلطه على إتلافه وبه فارق ما لو باعه شيئا وسلمه له فأتلفه لا يضمنه; لأنه سلطه عليه أما لو أودعه غير مالك, أو ناقص, فإنه يضمن بمجرد الاستيلاء التام "والمحجور عليه لسفه كالصبي" مودعا ووديعا فيما ذكر فيهما بجامع عدم الاعتداد بفعل كل, وقوله: أما السفيه المهمل فالإيداع منه وإليه كسائر تصرفاته فيصح والقن بغير إذن مالكه كالصبي فلا يضمن بالتلف وإن فرط بخلاف ما إذا أتلف فيتعلق برقبته.

 

ج / 3 ص -119-        ذلك لما يأتي في إيداع الصبي ماله فقال له دعه يرتع مع الدواب ثم ساقها كان مستودعا له وواضح أن سوقها ليس بشرط, نعم: يتجه ما قاله الغزالي آخرا; لأن مأخذ الفساد فيه إما كون أن أمره بالنظر لا يستلزم إيداعا وإن أجاب بنعم أو قبلت, أو أن كونه بيد المالك يمنع من استيلائه عليه. ومن ثم صور كلام البغوي بما إذا كان الوضع بين يديه بحيث يعد مستوليا عليه ثم رأيت غير واحد اعتمدوا ما اعتمدته من كلام البغوي وآخر كلام الغزالي فجزموا بأن من قال لآخر عن متاعه بمسجد, أو دار بابه مفتوح احفظه فقال: نعم, ثم خرج المالك, ثم الآخر وترك الباب مفتوحا ضمنه أي إن عد مستوليا عليه بخلاف ما لو أغلق المالك الباب. ثم قال لآخر: احفظه وانظر إليه فأهمله فسرق فلا يضمنه, ومتى رد ثم ضيع كأن ذهب وتركها ولم يكن قبضها, أو قبضها حسبة بأن صانها عن ضياع عرضت له, ولو من مالكها الرشيد فيما يظهر ويحتمل خلافه ولم يضمنها وذهابه بدونها والمالك حاضر رد ولا إثم عليه هنا مطلقا فيما يظهر خلافا لما يوهمه بعض العبارات; لأنه بعد الرد الذي علم به المالك لا ينسب إليه تقصير بوجه بخلافه فيما إذا لم يقبل ولم يقبض فإنه يأثم إن ذهب وتركها بعد غيبة المالك; لأنه غره, ولو وجد لفظ من الوديع وأعطاه من المودع كان إيداعا أيضا على الأوجه وفاقا للأذرعي والزركشي وخلافا لما يوهمه المتن وغيره فالشرط لفظ أحدهما وفعل الآخر لحصول المقصود به ويدخل ولد الوديعة تبعا لها; لأن الأصح أن الإيداع عقد لا مجرد إذن في الحفظ فلا يجب رده إلا بالطلب وقيل أمانة شرعية فيجب رده عقب علمه به فورا ويفرق بينه وبين ولد المرهونة والمؤجرة بأن تعلق الرهن, أو الإجارة به فيه إلحاق ضرر بالمالك لم يرض به بخلاف ما هنا; لأن حفظه منفعة له فهو راض به قطعا. ويأتي في التعليق هنا ما مر في الوكالة. "ولو أودعه صبي", ولو مراهقا كامل العقل "أو مجنون مالا لم يقبله" أي لم يجز له قبوله; لأن فعله كالعدم "فإن قبله ضمن" هـ بأقصى القيم كما هو ظاهر إذا قبضه ولم يبرأ إلا برده لمالك أمره; لأنه كالغاصب لوضعه يده عليه بغير إذن معتبر فاندفع ما يقال فاسد الوديعة كصحيحها وما يقال أخذا من هذا يفرق بين باطل الوديعة وفاسدها, ووجه اندفاع هذا أنها حيث قبضت بإذن معتبر ففاسدها كصحيحها وحيث لا فلا فالفرق بين الباطل والفاسد هنا لا يصح بإطلاقه والكلام حيث لم يخف ضياعها فإن خافه وأخذها حسبة لم يضمن كما مر, وكذا لو أتلف نحو صبي مودع وديعته; لأن فعله لا يمكن إحباطه, وتضمينه ما لنفسه محال فتعينت براءة الوديع. "ولو أودع" مالك كامل "صبيا", أو مجنونا "مالا فتلف عنده", ولو بتفريطه "لم يضمن" هـ إذ لا يصح التزامه للحفظ "وإن أتلفه" وهو متمول إذ غيره لا يضمن "ضمن" هـ "في الأصح". وإن قلنا إنه عقد; لأنه من أهل الضمان ولم يسلطه على إتلافه وبه فارق ما لو باعه شيئا وسلمه له فأتلفه لا يضمنه; لأنه سلطه عليه أما لو أودعه غير مالك, أو ناقص, فإنه يضمن بمجرد الاستيلاء التام "والمحجور عليه لسفه كالصبي" مودعا ووديعا فيما ذكر فيهما بجامع عدم الاعتداد بفعل كل, وقوله: أما السفيه المهمل فالإيداع منه وإليه كسائر تصرفاته فيصح والقن بغير إذن مالكه كالصبي فلا يضمن بالتلف وإن فرط بخلاف ما إذا أتلف فيتعلق برقبته.

 

ج / 3 ص -120-        إن كانت أمانة بخلاف الدين والمضمونة كما يأتي بما فيه قبيل القسمة; لأن بقاءهما في ذمة المدين ويد الضامن أحفظ أما مع العذر كسفر أي مباح كما بحثه الأذرعي ومرض وخوف فلا يضمن بإيداعها عند تعذر المالك ووكيله لقاض أي أمين ثم لعدل كما يعلم مما يأتي ونوزع في التقييد بالمباح ويرد بأن إيداعها لغيره رخصة فلا يبيحها سفر المعصية "وإذا لم يزل" بضم التحتية فكسر ويصح بضم الفوقية ففتح وعكسه "يده عنها جازت" له "الاستعانة بمن يحملها", ولو خفيفة أمكنه حملها من غير مشقة على الأوجه "إلى الحرز" أو يحفظها, ولو أجنبيا إن بقي نظره عليها كالعادة وهل يشترط كونه ثقة الذي يظهر نعم: إن غاب عنه لا إن لازمه كالعادة ويؤيده ما يأتي أنه لو أرسلها مع من يسقيها وهو غير ثقة ضمنها, وقولهم متى كانت بمخزنه فخرج واستحفظ عليها ثقة يختص به أي بأن يقضي العرف بغلبة استخدامه له فيما يظهر ويحتمل ضبطه بمن لا يستحيي من استخدامه لم يضمن وإن لم يلاحظه بخلاف ما إذا استحفظه غير ثقة, أو من لا يختص به, أو وضعها بغير مسكنه ولم يلاحظها "أو يضعها في خزانة" بكسر الخاء من خشب, أو بناء مثلا كما شمله كلامهم "مشتركة" بينه وبين الغير. ويظهر أنه يشترط ملاحظته لها وعدم تمكين الغير منها إلا إن كان ثقة "وإذا أراد سفرا" مباحا كما مر وإن قصر وظاهر مما قدمته أن التقييد بالمباح هنا ليس بالنسبة للرد للمالك أو وكيله بل لمن بعدهما "فليرد إلى المالك", أو وليه "أو وكيله" العام أو الخاص بها حيث لم يعلم رضاه ببقائها عنده فيما يظهر لا سيما أن قصر السفر كالخروج لنحو ميل مع سرعة العود ومتى ردها مع وجود أحدهما لقاض أو عدل ضمن وفي جواز الرد للوكيل إذا علم فسقه وجهله الموكل وعلم من حاله أنه لو علم فسقه لم يوكله نظر ظاهر "فإن فقدهما" لغيبة, أو حبس مع عدم تمكن الوصول لهما "فالقاضي" يردها إليه إن كان ثقة مأمونا; لأنه نائب الغائب ويلزمه القبول كما مر والإشهاد على نفسه بقبضها, ولو أمره القاضي بدفعها لأمين كفى إذ لا يلزمه تسلمها بنفسه "فإن فقده فأمين" بالبلد يدفعها إليه لئلا يتضرر بتأخير السفر ويلزمه الإشهاد على الأمين بقبضها على الأوجه وكان الفرق أن أبهة القاضي تأبى الإشهاد عليه فيلزمه أن يشهد على نفسه بخلاف الأمين. وتكفي فيه العدالة الظاهرة ما لم يتيسر عدل باطنا فيما يظهر ومتى ترك هذا الترتيب مع قدرته عليه ضمن وبه يعلم أنه لا عبرة بوجود القاضي الجائز ومن ثم حمل الفارقي إطلاقهم له على زمنهم قال أما في زماننا فلا يضمن بالإيداع لثقة مع وجود القاضي قطعا لما ظهر من فساد الحكام وذكر أن شيخه الشيخ أبا إسحاق أمره في نحو ذلك بالدفع للحاكم فتوقف فقال له يا بني التحقيق اليوم تخريق, أو تمزيق ويؤخذ منه أن محل العدول بها عن الحاكم الجائر ما لم يخش منه على نحو نفسه, أو ماله وحينئذ يظهر أن سفره بها مع الأمن خير من دفعها للجائر, ولو عاد الوديع من السفر جاز له استردادها وإن نازع فيه الإمام, ولو أذن له المالك في السفر بها إلى بلد كذا في طريق كذا فسافر في غير تلك الطريق أي مع إمكان السفر فيما نص له عليه فيما يظهر ووصل لتلك البلد فنهبت منها ضمنها لدخولها في ضمانه بمجرد عدوله عن الطريق المأذون فيها ويظهر أنه لو كان للبلد

 

ج / 3 ص -121-        طريقان تعين سلوك آمنهما فإن استويا ولا غرض له في الأطول فأقصرهما "فإن دفنها", ولو في حرز "وسافر ضمن"; لأنه عرضها للضياع "فإن أعلم بها أمينا" وإن لم يره إياها "يسكن الموضع". وهو حرز مثلها أو يراقبه من سائر الجوانب, أو من فوق مراقبة الحارس واكتفى جمع بكونه في يده "لم يضمن في الأصح"; لأن ما في الموضع في يد ساكنه فكأنه أودعه إياه ومنه يؤخذ أن محل ذلك عند تعذر القاضي الأمين وإلا ضمن ثم رأيتهم صرحوا به ثم قيل هذا الإعلام إشهاد فيجب رجلان, أو رجل وامرأتان على الدفن والأصح أنه ائتمان كما تقرر فيكفي إعلام امرأة وإن لم تحضره وعليه فظاهر كلامهم أنه لا يجب إشهاد هنا وكان الفرق أنها هنا ليست في يد الأمين حقيقة بخلافه ثم وهو متجه إن كان بحيث لا يتمكن من أخذها وإلا فالذي يتجه وجوب الإشهاد; لأنها حينئذ كالتي بيده "ولو سافر" من أودعها في الحضر ولم يعلم أن من عادته السفر, أو الانتجاع "بها" وقدر على دفعها لمن مر بترتيبه "ضمن" وإن كان في بر آمن; لأن حرز السفر دون حرز الحضر ومن ثم جاء عن بعض السلف المسافر وماله على قلت أي بفتح القاف واللام هلاك إلا ما وقى الله ووهم من رواه حديثا كذا نقل عن المصنف وممن رواه حديثا الديلمي وابن الأثير وسندهما ضعيف لا موضوع. أما إذا أودعهما في السفر فاستمر مسافرا, أو أودع بدويا, ولو في الحضر, أو منتجعا فانتجع بها فلا ضمان لرضا المالك بذلك حين أودعه عالما بحاله ومن ثم لو دلت قرينة حاله على أنه إنما أودعه فيه لقربه من بلده امتنع إنشاؤه لسفر ثان "إلا إذا وقع حريق, أو غارة وعجز عمن يدفعها إليه" من المالك, أو وكيله ثم الحاكم ثم أمين "كما سبق" قريبا فلا يضمن للعذر بل إذا علم أنه لا ينجيها من الهلاك إلا السفر لزمه بها وإن كان مخوفا فإن لم يعلم ذلك فإن كان احتمال الخوف في الحضر أقرب جاز, ولو قيل يجب لم يبعد ويتجه وجوب مؤنة نحو حملها هنا على المالك; لأن المصلحة له لا غير ويأتي في الرجوع بها ما يأتي قريبا في النفقة وما اقتضاه سياقه أنه لا بد في نفي الضمان من العذر والعجز المذكورين غير مراد بل العجز كاف كما علم من كلامه قبل "والحريق والغارة" الأفصح الإغارة ومع ذلك الغارة هنا أولى; لأنها الأثر وهو العذر في الحقيقة "في البقعة وإشراف الحرز على الخراب" ولم يجد في الكل ثم حرزا ينقلها إليه "أعذار كالسفر" في جواز إيداع من مر بترتيبه. "وإذا مرض" مرضا "مخوفا فليردها إلى المالك", أو وليه "أو وكيله" العام, أو الخاص بها "وإلا" يمكنه ردها لأحدهما "فالحاكم" الثقة المأمون يردها إليه "أو أمين" يردها إليه إن فقد القاضي وسواء فيه هنا وفي الوصية الوارث وغيره ولو ظنه أمينا فكان غير أمين ضمن; لأن الجهل لا يؤثر في الضمان أي مع تقصيره في البحث عنه فلا ينافي ما يأتي أنه قد يؤثر فيه كما لو ظن الولي مالكا, أو نقل بظن أنها ملكه ومحله إن وضع المظنون أمانته يده عليها وإلا لم يضمن الوديع على الأوجه من وجهين; لأنه لم يحدث فيها فعلا "أو" عطف على ما بعد إلا ليفيد ضعف قول التهذيب يكفيه الوصية وإن أمكنه الرد للمالك "يوصي بها" إلى الحاكم فإن فقد فإلى أمين كما أومأ إليه كلامه السابق من أن الحاكم مقدم على الأمين في الدفع فكذا الإيصاء فالتخيير

 

ج / 3 ص -122-        المذكور محمول على ذلك كما تقرر والمراد بالوصية الأمر بردها بعد موته من غير أن يسلمها للوصي وإلا كان إيداعا فيضمن به إن كان الوصي غير أمين أو أمكن الرد إلى قاض أمين. ويشترط الإشهاد على ما فعله من ذلك صونا لها عن الإنكار وأن يشير لعينها, أو يصفها بمميزها وحينئذ فإن لم يوجد في تركته ما أشار إليه, أو وصفه فلا ضمان كما رجحه جمع متقدمون وهو متجه وإن أطال البلقيني في الانتصار لخلافه قال ولا ضمان فيما إذا علم تلفها بعد الوصية بلا تفريط في حياته, أو بعد موته وقبل تمكن الوارث من الرد ورجح المتولي وغيره ضمان وارث قصر بعدم إعلام مالك جهل الإيصاء, أو بعدم الرد بعد طلبه وتمكنه منه وإن وجد ما هو بتلك الصفة من غير تعدد لم يقبل الوارث أنها غير الوديعة لمخالفته لما أقر به مورثه أن ما بهذه الصفة ليس له فعلم أن قوله عندي وديعة لفلان, أو ثوب له لا يدفع الضمان عنه وجد في الثانية في تركته ثوب واحد, أو أثواب أو لم يوجد, وكذا لو وصفه ووجد عنده أثواب بتلك الصفة لتقصيره في البيان وفارق وجود عين واحدة هنا من الجنس وجود واحدة بالوصف; لأنه لا تقصير ثم بخلافه هنا ولا يعطى شيئا مما وجد في هذه الصور خلافا للسبكي ومن تبعه وكالمرض المخوف ما ألحق به مما مر., نعم: الحبس للقتل في حكم المرض هنا لا ثم كما مر; لأن هذا حق آدمي ناجز فاحتيط له أكثر بجعل مقدمة ما يظن منه الموت بمنزلة المرض "فإن لم يفعل" كما ذكر "ضمن" لتقصيره بتعريضها للفوات; لأن الوارث يعتمد ظاهر اليد ويدعيها له وإن وجد خط مورثه; لأنه كناية وقيده ابن الرفعة بما إذا لم يكن بها بينة باقية وهو ظاهر معلوم مما مر في الوصية وتردد الرافعي في أن هذا الضمان يتبين بالموت وجوده من أول المرض حتى لو تلفت فيه ضمنها, أو لا يدخل وقته إلا بالموت والذي رجحه الأذرعي كالسبكي وسبقهما إليه الإمام الثاني ووجهه أن الموت كالسفر فلا يتحقق الضمان إلا به ورجح الإسنوي أنه بمجرد المرض يصير ضامنا إذا لم يوص وإن شفي ولا يشهد له ما لو لم يطعمها حتى مضت مدة يموت مثلها فيها غالبا فإنها تصير مضمونة وإن لم تمت; لأن في هذا فعلا مفضيا للتلف ظنا وليس مجرد ترك الإيصاء كذلك "إلا" منقطع; لأن المقسم مرض مخوفا "إذا لم يتمكن بأن مات فجأة" أو قتل غيلة لانتفاء التقصير. ولو أوصى بها على الوجه المعتبر فلم توجد بتركته لم يضمنها كما مر, وكذا لو لم يوص فادعى المودع أنه قصر وقال الوارث لعلها تلفت قبل أن ينسب لتقصير فيصدق كما نقلاه عن الإمام وأقراه واعترضه الإسنوي بأن الإمام إنما قاله عند جزم الوارث بالتلف لا عند تردده فيه فإنه صحح حينئذ الضمان ولك رده بأن الوارث لم يتردد في التلف بل في أنه وقع قبل نسبته لتقصير, أو بعده وحينئذ فلا ينافي ما نقله عن الإمام ودعواه تلفها عند مورثه بلا تعذر, أو رد مورثه لها مقبولة كما قاله ابن أبي الدم في وارث الوكيل ورجحاه في الثاني وإن خالف في ذلك السبكي وغيره, ولو جهل حالها ولم يقل الوارث شيئا بل قال لا أعلم  وأجوز أنها تلفت على حكم الأمانة فلم يوص بها لذلك ضمنها كما اقتضاه كلام الرافعي وغيره; لأنه لم يدع مسقطا هذا كله إن لم يثبت تعديه فيها قال السبكي كغيره, أو يوجد في تركته ما هو من

 

ج / 3 ص -123-        جنسها, أو ما يمكن أن يكون اشتراه بمال القراض في صورته ولم يكن قاضيا, أو نائبه; لأنه أمين الشرع فلا يضمن إلا إن تحققت خيانته أو تفريطه مات عن مرض, أو لا ومحله في الأمين نظير ما مر. ولا يقبل قول وارث الأمين أنه رد بنفسه, أو تلفت عنده إلا ببينة وسائر الأمناء كالوديع فيما ذكر "ومنها" ما تضمنه قوله "إذا نقلها" لغير ضرورة "من محلة" إلى محلة أخرى "أو دار إلى" دار "أخرى دونها في الحرز" وإن كانت حرز مثلها على المعتمد "ضمن"; لأنه عرضها للتلف سواء أتلفت بسبب النقل أم لا, نعم: إن نقلها بظن الملك لم يضمن بخلاف ما لو انتفع بها بظنه; لأن التعدي هنا أعظم "وإلا" يكن دونه بأن تساويا فيه, أو كان المنقول إليه أحرز "فلا" يضمن وإن كان النقل لقرية أخرى لا سفر بينهما ولا خوف, ولو حصل الهلاك بسبب النقل لعدم التفريط من غير مخالفة وخرج بإلى أخرى نقلها بلا نية تعد من بيت لبيت في دار وخان واحد فلا ضمان به حيث كان الثاني حرز مثلها هذا كله حيث لم يعين المالك حرزا ولا نهى عن النقل ولا كان الحرز مستحقا له أما إذا عينه فلا أثر لنقلها لمثله, أو أعلى منه إحرازا, ولو في قرية أخرى بقيده السابق حملا لتعينه على اعتبار الحرزية دون التخصيص إذ لا غرض فيه بخلافه من غير ضرورة لدونه. وإن كان حرز مثلها فإنه يضمن, وكذا بأحد الأولين إن هلكت بسبب النقل كأن انهدم عليها المنقول إليه, وكذا إن سرقت أو غصبت منه على الأوجه الذي اقتضاه كلام الشيخين وجزم به غيرهما خلافا لمن اعتمد أنهما كالموت أخذا من كلام الغزالي وذلك; لأن التلف حصل هنا بسبب المخالفة من غير عذر وأما مع النهي, أو كون الحرز مستحقا للمالك فيضمن بالنقل لغير ضرورة حتى للأحرز لتعديه بخلافه لضرورة نحو غرق أو أخذ لص فإنه يجب ويضمن بتركه ويتعين مثل الحرز الأول إن وجد, نعم: إن نهاه عنه, ولو مع الخوف فلا وجوب ولا ضمان بتركه ولا بفعله ولا أثر لنهي نحو ولي ويطالب الوديع بإثبات الضرورة الحاملة له على النقل "ومنها أن لا يدفع متلفاتها" التي يتمكن من دفعها على العادة; لأنه من أصول حفظها فعلم أنه لو وقع بخزانته حريق فبادر لنقل أمتعته فاحترقت الوديعة لم يضمنها مطلقا ووجهه ابن الرفعة بأنه مأمور بالابتداء بنفسه ونظر الأذرعي فيما لو أمكنه إخراج الكل دفعة أي من غير مشقة لا تحتمل لمثله عادة كما هو ظاهر, أو كانت فوق فنحاها وأخرج ماله الذي تحتها والضمان في الأولى متجه وفي الثانية محتمل إن تلفت بسبب التنحية ثم رأيت الأذرعي في موضع آخر رجح ما رجحته فيهما, ولو تعددت الودائع لم يضمن ما أخره منهما ما لم يكن الذي أخره يمكن أي يسهل عادة الابتداء به, أو جمعه مع ما أخذه منها. "فلو أودعه دابة فترك علفها" بإسكان اللام, أو سقيها مدة يموت مثلها فيها جوعا, أو عطشا ولم ينهه "ضمنها" أي صارت مضمونة عليه وإن لم تمت لتسببه إلى تلفها حتى لو تلفت بسبب آخر غرم قيمتها وموتها قبل تلك المدة لا شيء فيه ما لم يكن بها جوع, أو عطش سابق ويعلمه وحينئذ يضمن الكل على المعتمد وإنما لم يأت هنا نظير التفصيل الآتي في التجويع أول الجراح; لأنه ثم متعد من أول الأمر بالحبس والمنع بخلافه هنا.

 

ج / 3 ص -124-        "فرع" قال الأذرعي عن بعض الأصحاب لو رأى أمين كوديع وراع مأكولا تحت يده وقع في مهلكة فذبحه جاز وإن تركه حتى مات لم يضمنه ثم قال وفي عدم الضمان إذا أمكنه ذلك بلا كلفة نظر واستشهد غيره للضمان بقول الأنوار وتبعه الغزي لو أودعه برا أي مثلا فوقع فيه السوس لزمه الدفع عنه فإن تعذر باعه بإذن الحاكم فإن لم يجده تولى بيعه وأشهد والذي يتجه أنه إن كان ثم من يشهده على سبب الذبح فتركه ضمن وإلا فلا لعذره; لأن الظاهر أن قوله ذبحتها لذلك لا يقبل ثم رأيته مصرحا به فيما يأتي ويفرق بينه وبين قبول قوله في نحو لبسها لدفع نحو الدود فإن الظاهر قبوله ثم رأيت ما يأتي في مسألة الخاتم. وهو صريح فيه بأن ما هنا فيه إذهاب لعينها المقصودة بالكلية فاحتيط له أكثر ويؤيد ذلك ما مر في تعييب الوصي للمال خشية ظالم ويظهر أيضا أنه لا يقبل قوله بعد ذبحها لم أجد شهودا على سببه, وكذا بعد البيع لنحو السوس احتياطا لإتلاف مال الغير, نعم: إن قامت قرينة ظاهرة على ما قاله احتمل تصديقه.
"فإن نهاه" المالك "عنه" أي علفها "فلا" ضمان عليه "في الأصح" وإنما أثم كما لو أذن له في الإتلاف ولا أثر لنهي نحو ولي قال الأذرعي إن علم الوديع الحال ويجب عليه أن يأتي الحاكم ليجبر مالكها إن حضر, أو ليأذن له في الإنفاق ليرجع عليه إن غاب, ولو نهاه لنحو تخمة امتثل وجوبا فإن علفها مع بقاء العلة ضمن أي إن علم بها كما بحث ومر الفرق بين ما هنا وظن كونه أمينا "فإن أعطاه المالك علفا" بفتح اللام "علفها منه وإلا" بأن لم يعطه شيئا "فيراجعه, أو وكيله" ليردها, أو ينفقها وإذا أعطاه علفا لم يحتج لتقديره بل له العمل فيه بالعادة "فإن فقدا فالحاكم" يراجعه ليؤجرها وينفقها من أجرتها فإن عجز اقترض على المالك حيث لا مال له حاضر, أو باع بعضها أو كلها بالمصلحة والذي ينفقه على المالك هو الذي يحفظها من التعيب لا الذي يسمنها, ولو كانت سمينة عند الإيداع فالذي يتجه من وجهين فيه أنه يجب علفها بما يحفظ نقصها عن عيب ينقص قيمتها, ولو فقد الحاكم أنفق بنفسه ثم إن أراد الرجوع أشهد على ذلك إن أمكن وإلا نوى الرجوع. وحينئذ يرجع على ما جزم به شارح وينافيه ما في المساقاة أنه عند عدم الشهود لا يرجع مطلقا; لأن فقدهم نادر وعلى الأول يمكن الفرق بأن الوديع محسن فناسب التوسيع عليه برجوعه بمجرد قصد الرجوع عند تعذرهم ثم رأيت الأذرعي بحث في اتفاق الأم عند فقد القاضي ما يوافق الأول والزركشي وغيره ما يوافق الثاني وعن أبي إسحاق أنه يجوز له نحو البيع, أو الإيجار, أو الاقتراض كالحاكم وينبغي ترجيحه عند تعذر الإنفاق عليها مطلقا إلا بذلك ويؤيده ما تقرر عن الأنوار هذا كله في معلوفة أما الراعية فبحث الزركشي وجوب تسريحها مع ثقة فإن ترك ذلك وأنفق عليها لم يرجع ا هـ وإنما يتجه إن كان الزمن أمنا ووجد ثقة متبرعا, أو بأجرة مثله ولم تزد على قيمة العلف وحينئذ يأتي فيها ما تقرر في العلف فإن فقده وتعذرت مراجعة المالك ساوت المعلوفة فيما مر فيها كما هو ظاهر, ولو اعتيد رعيها بلا راع مع غلبة سلامتها فهل له ذلك; لأن اللازم له مراعاة العادة كما يعلم مما مر ويأتي, أو لا بد من الأمين مطلقا احتياطا لحق الغير كل محتمل وخرج بالدابة نحو

 

ج / 3 ص -125-        النخل إذا لم يأمره بسقيه فتركه ومات فإنه لا يضمنه بخلافها لحرمة الروح. وقضية قولهم لم يأمره بسقيه أنه لو أمره به فتركه ضمن ويوجه بأنه التزم الحفظ بقيد السقي فلزمه فعله لكن لا مجانا فيقبل فيه ما مر في الإنفاق فإن قلت ظاهر كلامهم أن السقي من غير أمر لا يلزم الوديع فينافي ما يأتي في نحو اللبس من لزومه والضمان بتركه فما الفرق قلت يفرق باعتياد الوديع فعله لسهولته وعدم اختلاف الغرض به غالبا بخلاف السقي لعسره واخ تلاف الغرض به "ولو بعثها" في زمن الأمن "مع من يسقيها" وهو ثقة, أو غيره ولاحظه كما علم مما مر "لم يضمنها في الأصح" وإن لاق به مباشرته بنفسه; لأنه العادة وهو استنابة لا إيداع أما في زمن الخوف, أو مع غير ثقة ولم يلاحظه فيضمن قطعا. "وعلى المودع" بفتح الدال "تعريض ثياب الصوف" ونحوها من شعر ووبر وغيرهما "للريح" وإن لم يأمره المالك به فيخرجها حتى من صندوق مقفل علم بها فيه يفتحه لنشرها ويظهر أنه إن أعطاه مفتاحه لزمه الفتح وإلا جاز له ثم رأيت ما يأتي وهو صريح فيه "كي لا يفسدها الدود, وكذا لبسها عند حاجتها" إليه, ولو في نحو نوم توقف الدفع عليه بأن تعين طريقا لدفع الدود بسبب ريح الآدمي بها, نعم: إن لم يلق به لبسها ألبسها من يليق به بهذا القصد قدر الحاجة مع ملاحظته كذا أطلقه الأذرعي بحثا فيحتمل تقييد وجوب الملاحظة بغير الثقة نظير ما مر أنه نهاه ويحتمل الفرق بأن ما هنا استعمال فاحتيط له وهو الأقرب فإن ترك ذلك ضمن ما لم ينهه وظاهر كلامهم أنه لا بد من نية نحو اللبس لأجل ذلك وإلا ضمن به ويوجه في حال الإطلاق بأن الأصل الضمان حتى يوجد صارف له ويؤيده قول الأذرعي السابق بهذا القصد. ولو لم يندفع نحو الدود إلا بلبس تنقص به قيمتها نقصانا فاحشا فهل يفعله مع ذلك كما هو مقتضى إطلاقهم, أو يتعين بيعها أخذا مما مر عن الأنوار كل محتمل, ولو قيل يتعين الأصلح لم يبعد, ولو خاف من نحو النشر, أو اللبس ظالما عليها ولم يتيسر دفعها لنحو مالكها تعين البيع فيما يظهر وأفهم قوله كي لا إلى آخره وجوب ركوب دابة أو تسييرها خوفا عليها من الزمانة, ولو تركها لكونها بنحو صندوق ولم يعلم بها, أو لم يعطه مفتاحه لم يضمنها, ولو ترك الوديع شيئا مما لزمه لجهله بوجوبه عليه وعذر لنحو بعده عن العلماء ففي تضمينه وقفة لكنه مقتضى إطلاقهم, ولو قيل إن علم المالك  ولم ينبهه فهو المقصر وإلا فالمقصر الوديع لم يبعد. "ومنها أن يعدل عن الحفظ المأمور" به من المودع "وتلفت بسبب العدول" المقصر هو به "فيضمن" لحصول التلف من جهة مخالفته وتقصيره "فلو قال لا ترقد على الصندوق" بضم أوله وقد يفتح "فرقد وانكسر بثقله وتلف ما فيه ضمن" لذلك "وإن تلف بغيره" أي العدول, أو الثقل كأن سرق وهو في بيت محرز من أي جانب كان أو صحراء من رأس الصندوق "فلا" يضمن "على الصحيح"; لأنه زاد خيرا ولم يأت التلف مما عدل إليه ونحو الرقود وقفل القفلين زيادة في الحفظ فلا نظر لتوهم كونه إغراء للسارق عليها. أما إذا سرق من جانب صندوق من نحو صحراء فيضمن لكن إن سرق من جانب كان يرقد فيه عادة لو لم يرقد فوقه; لأنه بالرقاد فوقه أخلى جانبه فنسب التلف لفعله بخلاف ما لو سرق من غير مرقده أو في بيت,

 

ج / 3 ص -126-        محرز أو لا مع نهي وإن سرق من محل مرقده; لأنه زاد احتياطا ولم يحصل التلف بفعله ويضمن أيضا لو أمره بالرقاد أمامه فرقد فوقه فسرق من أمامه. "وكذا لو قال لا تقفل عليه" فأقفل, أو "قفلين" بضم القاف "فأقفلهما" فلا ضمان لما مر "ولو قال اربط" بكسر الباء أشهر من ضمها "الدراهم في كمك فأمسكها في يده فتلفت فالمذهب أنه" أي الشأن "إن ضاعت بنوم ونسيان" الواو فيه بمعنى, أو "ضمن" لحصول التلف من جهة المخالفة إذ لو ربطت لم تضع بأحد ذينك "أو" تلفت "بأخذ غاصب فلا" ضمان; لأن اليد أمنع له من الربط, نعم: إن نهاه عن أخذها بيده ضمن مطلقا وقضية المتن أنه إذا امتثل الربط لا يضمن مطلقا وفيه تفصيل هو أنه إن جعل الخيط من خارج الكم ضمن إن أخذها الطرار; لأنه أغراه عليها بإظهارها له وإن استرسلت فلا إن أحكم الربط وإن جعله داخله انعكس الحكم ولا يشكل بأن المأمور به مطلق الربط. فإذا أتى به لم ينظر لجهات التلف كما لو قال احفظه في البيت فوضعه بزاوية فانهدمت, ولو كان بغيرها لسلم; لأن الربط من فعله وهو حرز من وجه دون وجه, وقوله: "اربط" مطلق لا شمول فيه فإذا جاء التلف مما آثره ضمن ولا كذلك زوايا البيت ولأن الربط للعرف دخل في تخصيصه بالمحكم وإن شمل لفظه غيره ولا كذلك البيت إذ لا دخل للعرف في تخصيص بعض زواياه وإن فرض اختلافها بناء وقربا من الشارع على ما اقتضاه إطلاقهم "ولو جعلها" وقد قال له اربطها في كمك "في جيبه" وهو المعروف, أو الذي بإزاء الحلق "بدلا عن الربط في الكم" فضاعت من غير ثقب فيه لما يأتي "لم يضمن"; لأنه أحرز ما لم يكن واسعا غير مزرور.
"تنبيه" صريح كلامهم أن الواسع غير المزرور لا يكتفى به وإن ستر بثوب فوقه وأن الضيق أو المزرور يكفي وإن لم يستر وللنظر فيهما مجال; لأن ستر الأول يمنع الأخذ منه غالبا لكنه لا يمنع السقوط منه بنوم, أو نحوه وظهور الثاني مغر للطرار عليه وإن منع سقوطه, ولو قيل في الأول يضمن إن سقط لا إن أخذه طرار وفي الثاني بالعكس لم يبعد.
"وبالعكس" بأن أمره بوضعها في الجيب فربطها في الكم "يضمن" قطعا لما تقرر أن الجيب بشرطه أحرز منه ونازع البلقيني فيما ذكر بأن الجيب وإن ضاق ليس أحرز من الربط في الكم; لأن الجيب قد تتسرب الفضة منه بتقلب من نوم ونحوه وقد تؤخذ ويرد بمنع ما ذكره أن الفرض أن ضيقه يمنع سقوط ما فيه وإلا كان واسعا بالنسبة له وأيضا فالجيب أقرب إلى البدن الموجب لإحساس ذهاب ما فيه من الكم فاتجه إطلاقهم أن الجيب أحرز من الكم. "ولو أعطاه دراهم بالسوق" مثلا "ولم يبين كيفية الحفظ" فإن عاد بها إلى بيته لزمه إحرازها فيه وإلا ضمن مطلقا على ما أفهمه كلام الماوردي لكن قضية كلام الشيخين أنه يرجع في ذلك للعادة وإن لم يعد بها إليه "فربطها في كمه وأمسكها" مثلا "بيده, أو جعلها في جيبه" المذكور بشرطه "لم يضمن"; لأنه احتاط في الحفظ بخلاف ما إذا كان الجيب واسعا غير مزرور, أو مثقوبا وإن جهله كما أطلقه الماوردي وقال صاحب الكافي لا يضمن إن حدث الثقب بعد الوضع وهو متجه إن كان حدوثه لا بسبب الوضع

 

ج / 3 ص -127-        ولا بسبب آخر يظن حصوله عادة وبخلاف ما إذا ربطها فيه ولم يمسكها بيده فيضمن على ما أفهمه المتن لكن الذي في الروضة كأصلها وغيرهما أنه يتأتى فيه ما مر فيما لو أمره بربطها في كمه وبخلاف ما لو وضعها في كمه بلا ربط فسقطت فإنه يضمن الخفيفة; لأنه لا يشعر بها إذا سقطت بخلاف الثقيلة أي مما يعتاد وضع مثله في الكم. قال الرافعي وقياس هذا طرده في سائر صور الاسترسال, ولو ربطها في التكة, أو وضعها في كور عمامته وشدها لم يضمن ويظهر أن محله إن أخذت من غير طرو إلا وقد ظهر جرمها فينبغي أن يضمن; لأنه أغراه عليها حينئذ "وإن قال" له وقد أعطاها له في السوق مثلا "احفظها في البيت" فقبل "فليمض إليه" حالا "ويحرزها" عقب وصوله "فإن أخر" شيئا من ذلك "بلا عذر" صار ضامنا لها فإذا تلفت, ولو في البيت "ضمن" لتفريطه وإن كانت خسيسة, أو كان في سوقه وحانوته وهو حرز مثلها, ولو لم تجر عادته بالقيام منه إلا عشاء على المنقول كما بينه الأذرعي رادا به على من قيد بشيء من ذلك ويؤخذ منه أن العذر هنا ليس هو الآتي في التأخير بعد الطلب; لأن هذا أضيق فليكن المراد بالعذر فيه الضروري, أو القريب منه, ولو قال له وقد أعطاها له في البيت احفظها في البيت فخرج بها, أو لم يخرج وربطها في نحو كمه مع إمكان حفظها في نحو صندوق ضمن بخلاف ما إذا لم يجد مفتاحه مثلا لا إن شاهدها مما يلي أضلاعه أي ولم يكن التلف في زمن الخروج بسبب المخالفة كما بحثه الأذرعي; لأن هذا أحرز من البيت فإن لم يقل شيئا جاز له أن يخرج بها مربوطة كما أشعر به كلامهم قاله الرافعي. ثم بحث فيه بأنه ينبغي أن يرجح فيه للعادة وهو متجه وإن نازعه الأذرعي بأن قضية كلام الماوردي المؤيد بنص الأم أن المحل متى كان حرزا لها فخرج بها منه ضمنها, ولو نام ومعه الوديعة فضاعت فإن كان بحضرة من يحفظها, أو في محل حرز لها لم يضمن وإلا ضمن كما دل عليه كلامهم ثم رأيت التصريح به الآتي "ومنها أن يضيعها", ولو لنحو نسيان "بأن" تقع في كلامه كغيره بمعنى كان كثيرا كما في هذا الباب إذ أنواع الضياع كثيرة منها أن تقع دابة في مهلكة وهي مع راع, أو وديع فيترك تخليصها الذي ليس عليه فيه كبير كلفة, أو ذبحها بعد تعذر تخليصها فتموت فيضمنها على ما مر ولا يصدق في ذبحها لذلك إلا ببينة كما في دعواه خوفا ألجأه إلى إيداع غيره ومنها أن ينام عنها إلا إن كانت برحله ورفقته حوله أي مستيقظين كما هو ظاهر إذ لا تقصير بالنوم حينئذ وأن "يضعها في غير حرز مثلها" بغير إذن مالكها وإن قصد إخفاءها كما لو هجم عليه قطاع فألقاها بمضيعة, أو غيرها إخفاء لها فضاعت والتنظير فيه غير صحيح وبحث أنه لو جاءه من يخاف منه على نفسه, أو ماله فهرب وتركها أي ولم يمكنه أخذها وهي في حرز مثلها لم يضمنها إذ لا تقصير منه.
"تنبيه" ضابط الحرز هنا كما فصلوه في السرقة بالنسبة لأنواع المال والمحال ذكره في الأنوار قال غيره وهو مقتضى كلامهم وفرع بعضهم عليه أن الدار المغلقة ليلا ولا نائم فيها غير حرز هنا أيضا وإن كانت ببلد آمن وأنه لو قال أي لمن معه في الدار كما علم مما مر أول الباب احفظ داري فأجاب فذهب المالك وبابها مفتوح ثم الآخر ضمن, بخلاف

 

ج / 3 ص -128-        المغلقة على التفصيل الآتي ثم, وقد يرد على ذلك جزم بعضهم بأنه لو سرق الوديعة من الحرز من يساكنه فيه فإن اتهمه قبل ذلك ضمن وإلا فلا ا هـ وقضية قولهم ثم ليس محرزا بالنسبة للضيف والساكن أنه يضمن هنا مطلقا وهو الأوجه, ولو ذهب بها فأر من حرزها في جدار لم يجز لمالكها حفره مجانا; لأن مالكه لم يتعد بخلاف ما إذا تعدى نظير ما قالوه في دينار وقع بمحبرة, أو فصيل ببيت ولم يمكن إخراجه إلا بكسرها أو هدمه يكسر ويهدم بالأرش إن لم يتعد مالك الظرف وإلا فلا أرش.
"أو يدل عليها" مع تعيين محلها "سارقا" أو نحوه "أو من يصادر المالك"; لأنه أتى بنقيض ما التزمه من الحفظ. ومن ثم كان طريقا في الضمان وإن أكره على الدلالة وعليه يحمل ما اقتضاه كلامهما من ضمانه وعلى عدم القرار عليه حمل الزركشي قول الماوردي لا يضمن وفارق محرما دل على صيد بأنه لم يلتزم الحفظ ولم يستول عليه بخلاف الوديع فيهما ونظر شارح في حمل الزركشي المذكور بأنه يلزم منه أن قرار الضمان على الدال على وجه أي حكاه الماوردي مقابلا لقوله لا يضمن ولا قائل به ا هـ ويرد بمنع لزوم ذلك نظرا لعذره مع عدم مباشرته للتسليم, أو بالتزامه نظرا لالتزامه الحفظ, وقوله: لا قائل به شهادة نفي وقضية المتن ضمانه بمجرد الدلالة وإن تلفت بغيرها وبه صرح جمع لكن المعتمد عند الشيخين وغيرهما أنه لا يضمن ويفرق بينه وبين ما مر في ترك العلف وتأخير الذهاب للبيت عدوانا بأن كلا من ذينك فيه تسبب لإذهاب عينها بالكلية بخلاف الدلالة هنا فلم يدخل بها في ضمانه, ولو قال لا تخبر بها فخالف فإن أخذها مخبره, أو مخبر مخبره ضمن وإن لم يعين موضعها وإلا فلا خلافا لما يوهمه كلام العبادي.
"فرع" أعطاه مفتاح حانوته, أو بيته فدفعه لأجنبي, أو ساكن معه ففتح وأخذ المتاع لم يضمنه; لأنه إنما التزم حفظ المفتاح لا المتاع ومن ثم لو التزمه ضمنه أيضا.
"فلو أكرهه ظالم" وإن كانت ولايته عامة كما يصرح به كلامهم وإن قال الزركشي لا يخلو عن احتمال "حتى سلمها إليه", أو لغيره "فللمالك تضمينه" أي الوديع "في الأصح" لمباشرته للتسليم, ولو مضطرا إذ لا يؤثر ذلك في ضمان المباشرة ويفرق بين هذا وعدم فطر المكره كما مر بأن ذاك حق الله تعالى ومن باب خطاب التكليف فأثر فيه الإكراه وهذا حق الآدمي ومن باب خطاب الوضع فلم يؤثر فيه شيء "ثم يرجع" الوديع "على الظالم" وإن علم أنه لا يتسلمها لو لم يسلمها إليه على الأوجه; لأنه استولى عليها حقيقة أما لو أخذها الظالم قهرا من غير فعل من الوديع فلا ضمان عليه قطعا ويلزم الوديع دفع الظالم بما أمكنه أي, ولو بتعيينه لها فيما يظهر نظير ما مر في الوصي فإن لم يندفع إلا بالحلف جاز وكفر وقال الغزالي يجب أي بالله دون الطلاق كما هو ظاهر واعتمده الأذرعي إن كانت حيوانا يريد قتله أو قنا يريد الفجور به ومتى حلف بالطلاق حنث; لأنه لم يكرهه عليه بل خيره بينه وبين التسليم بخلاف ما لو أخذ قطاع مال رجل ولم يتركوه حتى يحلف به أنه لا يخبر بهم فأخبر بهم; لأنهم أكرهوه على الحلف عينا "ومنها أن ينتفع بها" بعد

 

ج / 3 ص -129-        أخذها لا بنية ذلك "بأن يلبس" نحو الثوب أو يجلس عليه مثلا "أو يركب" الدابة, أو يطالع في الكتاب "خيانة" بالخاء أي لغير ما أذن له فيه فيضمن لتعديه بخلافه لنحو دفع الدود مما مر وبخلاف الخاتم إذا لبسه الرجل في غير الخنصر فإنه لا يعد استعمالا له. وكثير يعتادون لبس شيء في إبهامهم فقط وقضية ما تقرر أنه لا يضمن إلا بلبسه في الإبهام من غير نية الحفظ, وكذا في الخنصر بقصد الحفظ إذ لا يعلم إلا منه ويأتي ذلك في لبس الثوب كما مر وإنما صدق المالك فيما لو اختلفا في وقوع الخوف لسهولة البينة به ولا يرد عليه ما لو استعملها ظانا أنها ملكه فإن ضمانها مع عدم الخيانة معلوم من كلامه في الغصب فإن لم يستعملها لم يضمنها وقول الإسنوي ظن الملك عذر إنما هو بالنظر لعدم الإثم لا للضمان; لأنه يجب حتى مع الجهل والنسيان "أو" بأن "يأخذ الثوب" مثلا "ليلبسه, أو الدراهم لينفقها فيضمن" قيمة المتقوم بأقصى القيم ومثل المثلي إن تلف وأجرة المثل إن مضت مدة عنده لمثلها أجرة وإن لم يلبس وينفق; لأن العقد, أو القبض لما اقترن بنية التعدي صار كقبض الغاصب وخرج بقوله الدراهم أخذ بعضها كدرهم فيضمنه فقط ما لم يفض ختما أو يكسر قفلا فإن رده لم يزل ضمانه حتى لو تلف الكل ضمن درهما, أو النصف ضمن نصف درهم ولا يضمن الباقي بخلطه به وإن لم يتميز بخلاف رد بدله إذا لم يتميز. أو نقصت به; لأنه ملكه فجرى فيه ما لو خلطها بماله قيل مثل بمثالين; لأن الأول لنية الاستعمال والثاني لنية الأخذ والإمساك ا هـ وليس بصحيح بل الأول لنية الإمساك أيضا والثاني لنية الإخراج "ولو نوى" بعد القبض "الأخذ" أي قصده قصدا مصمما "ولم يأخذ لم يضمن على الصحيح"; لأنه لم يحدث فعلا ولا وضع يد تعديا لكنه يأثم, وأجرى الرافعي الخلاف فيما إذا نوى عدم الرد وإن طلب المالك لكن ذكر غيره أنه يضمن هنا قطعا; لأنه ممسك لنفسه وفيه نظر أما إذا أخذ فيضمن بالأخذ لا بالنية السابقة عليه كما هو ظاهر; لأن مجرد النية لا يضمن ووجود المنوي بعدها لا يوجب تأثيرها وقول الزركشي إن المتن يفهم ضمانه من حينها وفيه نظر يرد بمنع إفهامه ذلك. "ولو خلطها" عمدا لا سهوا على ما بحثه الأذرعي وفيه نظر بل لا يصح مع إطلاقهم هنا وفي الغصب أن الخلط منه يملكه "بماله", أو مال غيره, ولو أجود "ولم يتميز" بأن عسر تمييزها كبر بشعير "ضمن" ضمان الغصب بأقصى قيم المتقوم ومثل المثلي; لأن المالك لم يرض بذلك ولدخولها في ملكه بمجرد الخلط الذي لا يمكن فيه التمييز أما لو تميزت بنحو سكة فلا يضمنها إلا إن نقصت بالخلط. "ولو خلط دراهم كيسين للمودع" ولم تتميز وقد أودعهما غير مختومين "ضمن" تلك الدراهم بما مر "في الأصح" لتعديه أما لو كانا مختومين فيضمن ما في كل بفض الخاتم فقط كفتح الصندوق المقفل بخلاف حل خيط يشد به رأس الكيس, أو رزمة القماش; لأن القصد هنا منع الانتشار لا كتمه عنه "ومتى صارت مضمونة بانتفاع وغيره ثم ترك الخيانة لم يبرأ" كما لو جحدها ثم أقر بها ويلزمه ردها فورا. بخلاف مرتهن, أو وكيل تعدى وكأن الفرق ما مر من ارتفاع أصل الوديعة بالخيانة بخلاف غيرها "فإن أحدث له المالك" الرشيد قبل أن يردها له "استئمانا", أو إذنا في حفظها, أو إبراء, أو إيداعا "برئ"

 

ج / 3 ص -130-        الوديع من ضمانها "في الأصح"; لأنه أسقط حقه, ولو أتلفها فأحدث له استئمانا, أو نحوه في البدل لم يبرأ وخرج بأحدث قوله له قبل الخيانة إن خنت ثم تركت عدت أمينا فلا يبرأ به قطعا; لأنه إبراء عما لم يجب, وكذا لو أبرأه نحو وكيل وولي "ومتى طلبها المالك" لكلها المطلق التصرف, ولو سكران على الأوجه لا على وجه يلوح بجحدها كأن طالبه بحضرة ظالم متشوف إليها "لزمه الرد" على الفور ولا يجوز له التأخير للإشهاد وإن سلمها له بإشهاد لقبول قوله في الرد وليس المراد به حقيقته بل التمكين من الأخذ "بأن يخلي بينه وبينها" ومؤنة الرد على المالك أما مالك حجر عليه لنحو سفه, أو فلس فلا يرد إلا لوليه ولا ضمن كالرد لأحد شريكين, أو دعاه فإن أبى إلا أخذ حصته رفعه لقاض, أو محكم يقسمها له وعلم من ذلك أن من أعطى غيره خاتمه مثلا أمارة لقضاء حاجة وأمره برده إذا قضيت فتركه بعد قضائها في حرزه فضاع لم يضمنه لما تقرر أنه إنما يلزمه التخلية لا غير. وهي لا تكون إلا بعد الطلب "فإن أخر" التخلية بعد الطلب, أو إعلام المالك بحصول ماله بيده بنحو هبوب ريح إن لم يعلمه, أو بحصوله في حرز كذا إن علمه لا بقيد كونه في ذلك الحرز "بلا عذر ضمن" لتعديه بخلافه لنحو صلاة وطهر وأكل دخل وقتها وهي بغير مجلسه وملازمة غريم, وكذا الإشهاد على وكيل, أو ولي أو حاكم طلبها ممن أودعه إياها لاحتمال عزله فلا يقبل قول الوديع في الدفع إليه حينئذ فكان تأخيره الدفع إليه حتى يشهد على نفسه بالأخذ منه عذرا, ولو طال زمن العذر كنذر اعتكاف شهر متتابع فالأوجه أنه يلزمه توكيل أمين يردها إن وجده متبرعا وإلا يوكل رفع المودع الأمر للحاكم ليلزمه ببعث من يسلمها له فإن أبى أرسل الحاكم أمينه ليسلمها له كما لو غاب الوديع ذكره الأذرعي وإنما يتجه ما ذكره آخرا إن كان خروجه لذلك يقطع تتابع اعتكافه والقياس أنه إذا عجز عن التوكيل لزمه الخروج ولا ينقطع به تتابعه فحينئذ يلزمه الحاكم بالخروج بنفسه قال ومتى ترك ما لزمه هنا مع القدرة عليه ضمن ويؤخذ من كلام بعضهم ترجيح أن اشتراط الفورية فيما ذكر إنما هو لدفع الضمان لا غير فلا يأثم بالتأخير وإن ضمن به.; لأن الأمر المطلق لا يقتضي الفور وهو محتمل لكن الأوجه ما دل عليه كلامهم من الإثم أيضا; لأن محل ما ذكر ما لم تدل القرينة على الفور وهي هنا دالة عليه إذ طلب المالك أو وكيله, وقوله: أعطها لأحد أين, أو من قدرت عليه من وكلائي فقدر على أحدهما, أو أحدهم ظاهر في احتياجه لها, أو في نزعها منه ومن ثم ضمن بالتأخير بخلاف ما لو قال ادفعها لمن شئت من ذين, أو من وكلائي فأبى فإنه لا يعصي كما في أصل الروضة بل ولا يضمن كما رجحه الأذرعي من وجهين أطلقاهما به ويعلم الفرق بين هذه وما قبلها بأن تلك فيها الضمان ومن لازمه الإثم غالبا وهذه لا إثم فيها ولا ضمان فاتجه ما ذكرته من الإثم واندفع الأخذ من الأخيرة عدم الإثم فيما قبلها فتأمله. "وإن ادعى" الوديع "تلفها ولم يذكر سببا" له, أو ذكر سببا "خفيا كسرقة" وغصب وبحث حمله على ما إذا ادعى وقوعه بخلوة "صدق بيمينه" إجماعا ولا يلزمه بيان السبب, نعم: يلزمه الحلف له أنها تلفت بغير تفريط منه, ولو نكل عن اليمين على السبب الخفي حلف المالك أنه لا يعلمه وغرمه البدل "وإن ذكر ظاهرا كحريق" وموت

 

ج / 3 ص -131-        وبحث حمله على ما إذا ادعى وقوعه بحضرة جمع "فإن عرف" بالبينة, أو الاستفاضة "الحريق وعمومه صدق بلا يمين" لإغناء ظاهر الحال عنها, نعم: إن اتهم بأن احتمل سلامتها حلف وجوبا "وإن عرف دون عمومه" واحتمل سلامتها "صدق بيمينه" لاحتمال ما ادعاه "وإن جهل طولب ببينة" على وقوعه "ثم بحلف على التلف به" لاحتمال سلامتها وإنما لم يكلف ببينة على التلف به; لأنه مما يخفى فإن نكل حلف مالكها على نفي العلم بالتلف ورجع عليه. "وإن ادعى" وديع لم يضمن الوديعة بتفريط, أو تعد "ردها على من ائتمنه" وهو أهل للقبض حال الرد مالكا كان, أو وليه, أو وكيله, أو قيما, أو حاكما "صدق بيمينه"; لأنه رضي بأمانته فلم يحتج لإشهاد عليه به وأفتى ابن الصلاح بتصديق جاب ادعى تسليم ما جباه استأجره على الجباية كوكيل بجعل ادعى تسليم الثمن لموكله "أو" ادعى الوديع الرد "على غيره" أي غير من ائتمنه "كوارثه, أو ادعى وارث المودع" بفتح الدال "الرد" منه "على المالك" للوديعة "أو أودع" الوديع "عند سفره أمينا" لم يعينه المالك "فادعى الأمين الرد على المالك طولب" كل ممن ذكر "ببينة" كما لو ادعى من طيرت الريح ثوبا لنحو داره وملتقط الرد على المالك; لأن الأصل عدم الرد ولم يأتمنه أما لو ادعى وارث الوديع أن مورثه ردها على المودع, أو أنها تلفت في يد مورثه, أو يده قبل التمكن من الرد من غير تفريط فيصدق بيمينه كما مر; لأن الأصل عدم حصولها في يد الوارث وعدم تعديهما وأفهم المتن تصديق الأمين في الأخيرة في ردها على الوديع وهو كذلك; لأنه ائتمنه بناء على أن للوديع أخذها منه بعد عوده من السفر كما مر "وجحودها بعد طلب المالك" لها بأن قال لم تودعني يمنع قبول دعواه الرد, أو التلف المسقط للضمان قبل ذلك للتناقض لا طلبه تحليف المالك ولا البينة بأحدهما لاحتمال نسيانه. وقضيته أنه لا تقبل دعواه النسيان حيث لا بينة وقد يوجه بأن التناقض من متكلم واحد أقبح فغلظ فيه أكثر وفارق ما هنا ما مر في المرابحة بأن التناقض ثم صريح لا يقبل تأويلا بخلافه هنا لاحتمال أن يريد بلم تودعني لم يقع منك إيداع لي بعد التلف, أو الرد بخلاف نحو قوله لا وديعة لك عندي يقبل منه الكل إذ لا تناقض هذا كله حيث تلفت وإلا فهو بقسميه "مضمن" وإذا ادعى غلطا, أو نسيانا لم يصدقه فيه المالك; لأنه خيانة, نعم: إن طلبها منه بحضرة ظالم خشي عليها منه فجحدها دفعا للظالم لم يضمن; لأنه محسن بالجحد حينئذ وخرج بطلب المالك قوله ابتداء أو جوابا لسؤال غير المالك, ولو بحضرته, أو لقول المالك لي عندك وديعة لا وديعة لأحد عندي; لأن إخفاءها أبلغ في حفظها, ولو أنكر أصل الإيداع الثابت بنحو بينة حبس وهل يكفي جوابه بلا تستحق علي شيئا لتضمنه دعوى تلفها, أو ردها, أو لا فيه تردد والظاهر منه على ما قاله الزركشي الأول.
"تنبيه" ما ذكر من التفصيل في التلف والرد يجري في كل أمين إلا المرتهن والمستأجر فإنهما لا يصدقان في الرد وسيعلم مما يأتي في الدعاوى أن نحو الغاصب يصدق في دعوى التلف أيضا لئلا يخلد حبسه ثم يغرم البدل.
وأفتى ابن عبد السلام فيمن عنده وديعة أيس من مالكها بعد البحث التام ويظهر أن

 

ج / 3 ص -132-        يلحق بها فيما يأتي لقطة الحرم بأنه يصرفها في أهم المصالح إن عرف وإلا سأل عارفا ويقدم الأحوج ولا يبني بها مسجدا. قال الأذرعي وكلام غيره يقتضي أنه يدفعها لقاض أمين ولعله إنما قال ذلك لفساد الزمان قال كالجواهر وينبغي أن يعرفها كاللقطة فلعل صاحبها نسيها فإن لم يظهر صرفها فيما ذكر ا هـ والحاصل أن هذا مال ضائع فمتى لم ييأس من مالكه أمسكه له أبدا مع التعريف ندبا, أو أعطاه للقاضي الأمين فيحفظه له كذلك ومتى أيس منه أي بأن يبعد في العادة وجوده فيما يظهر صار من جملة أموال بيت المال كما مر في باب إحياء الموات فيصرفه في مصارفها من هو تحت يده, ولو لبناء نحو مسجد, وقوله: ولا يبني بها مسجدا لعله باعتبار الأفضل وأن غيره أهم منه وإلا فقد صرحوا في مال من لا وارث له بأن له بناءه, أو يدفعه للأم ما لم يكن جائزا فيما يظهر.