تحفة المحتاج بشرح المنهاج ط العلمية

ج / 3 ص -167-        كتاب النكاح
قيل بلغ أسماءه بعض اللغويين ألفا وأربعين, وهو لغة الضم والوطء وشرعا عقد يتضمن إباحة وطء باللفظ الآتي, وهو حقيقة في العقد مجاز في الوطء لصحة نفيه عنه ولاستحالة أن يكون حقيقة فيه ويكنى به عن العقد لاستقباح ذكره كفعله والأقبح لا يكنى به عن غيره وإرادته في
{حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} [البقرة: 230] دل عليه خبر "حتى تذوقي عسيلته" وفي {الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً}  بناء على ما قاله ابن الرفعة أن المراد لا يطأ دل عليها السياق وقيل عكسه وقيل حقيقة فيهما فلو حلف لا ينكح حنث بالعقد ولو زنى بامرأة لم تثبت مصاهرة والأصل فيه قبل الإجماع الآيات والأخبار الكثيرة وقد جمعتها فزادت على المائة بكثير في تصنيف سميته الإفصاح عن أحاديث النكاح وشرع من عهد آدم صلى الله على نبينا وعليه وسلم واستمر حتى في الجنة ولا نظير له فيما تعبدنا به من العقود. وفائدته حفظ النسل وتفريغ ما يضر حبسه واستيفاء اللذة والتمتع وهذه هي التي في الجنة وهل هو عقد تمليك أو إباحة وجهان يظهر أثرهما فيما لو حلف لا يملك شيئا وله زوجة والأصح لا حنث حيث لا نية وعلى الأول فهو مالك لأن ينتفع لا للمنفعة فلو وطئت بشبهة فالمهر لها اتفاقا ولا يجب عليه وطؤها; لأنه حقه وقيل عليه مرة لتقضي شهوتها ويتقرر مهرها.
"هو" أي النكاح بمعنى التزوج "مستحب لمحتاج إليه" أي تائق له بتوقانه للوطء ولو خصيا "يجد أهبته" من مهر وكسوة فصل التمكين ونفقة يومه, وإن اشتغل بالعبادة للخبر المتفق عليه
"يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج" والباءة بالمد لغة الجماع والمراد هو مع المؤن لرواية "من كان منكم ذا طول فليتزوج" وعليه فالمراد بمن لم يستطع من فقد المؤن مع قدرته على الجماع إذ هذا هو الذي يحتاج للصوم وهذا أولى من قصر الباءة على المؤن لإيهامه أن من عدمها يؤمر بالصوم, وإن لم يشته الجماع وليس مرادا ولم يجب مع هذا الأمر لآية {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ} [النساء: 3] ورد بأن المراد به الحلال من النساء والأولى أن يجاب بأنه لم يأخذ بظاهره أحد فإن الذي حكوه قول إنه فرض كفاية لبقاء النسل ووجه أنه واجب على من خاف زنا قيل مطلقا; لأن الإحصان لا يوجد إلا به وقيل إن لم يرد التسري نعم حيث ندب لوجود الحاجة والأهبة وجب بالنذر على المعتمد الذي صرح به ابن الرفعة وغيره كما بينته في شرح العباب ومحل قولهم العقود لا تلتزم في الذمة إذا التزمت بغير نذر ومن ثم انعقد في علي أن أشتري عبدا وأعتقه وبه يندفع ما قيل النكاح متوقف على رضا الغير, وهو ليس إليه إذ الشراء كذلك وقد أوجبوه. وبحث بعضهم وجوبه أيضا إذا طلق مظلومة في القسم ليوفيها حقها من نوبة المظلوم لها ورد بأن هذا الطلاق بدعي وقد صرحوا في البدعي أنه لا تجب فيه الرجعة إلا أن يستثنى هذا لما فيه من استدراك ظلامة الآدمي

 

ج / 3 ص -168-        ومنع جمع التسري لعدم التخميس مردود كما يأتي بأنه إنما يتجه فيمن تحقق أن سابيها مسلم لا فيمن شك في سابيها; لأن الأصل الحل ولا فيمن تحقق أن سابيها كافر من كافر أو اشترى خمس بيت المال من ناظره لحلها يقينا ونص على أنه لا يسن لمن في دار الحرب النكاح مطلقا خوفا على ولده من التدين بدينهم والاسترقاق ويتعين حمله على من لم يغلب على ظنه الزنا لو لم يتزوج إذ المصلحة المحققة الناجزة مقدمة على المفسدة المستقبلة المتوهمة وينبغي أن يلحق التسري بالنكاح في ذلك; لأن ما علل به يأتي فيه قيل الضمائر الثلاثة في المتن إن أراد بها العقد, أو الوطء لم يصح, أو بهو وأهبته العقد وبإليه الوطء صح لكن فيه تعسف ا هـ. ويرد بأنها كلها للعقد المراد به أحد طرفيه, وهو التزوج أي قبول التزويج ولا محذور فيه وما توهمه في إليه يرده قولنا أي تائق له بتوقانه الوطء وهذا مجاز مشهور لا اعتراض عليه "فإن فقدها استحب تركه" لقوله تعالى {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً} [النور: 33] الآية وعبارة الرافعي في كتبه والروضة الأولى أن لا ينكح قيل, وهي دون الأولى في الطلب ورد بأنه لا فرق بينهما, وهو متجه إذ المتبادر منهما واحد هو الطلب الغير الجازم من غير اعتبار تأكد وعدمه ويؤيده تصريح الإمام وغيره بأن خلاف الأولى وخلاف المستحب واحد هو المنهي عنه نهيا غير مقصود لاستفادته من أن الأمر بالمستحب نهي عن ضده بخلاف المكروه فإنه لا بد فيه من التصريح بالنهي كلا تفعل على ما هو مبسوط في محله من بحر الزركشي وفي شرح مسلم يكره فعله ورد بأن مقتضى الخبر عدم طلب الفعل, وهو أعم من النهي عن الفعل بل ومن طلب الترك ومقتضى هذا رد المتن لولا الآية المذكورة إذ قوله: يستعفف يدل على أنه تائق. وقوله {حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور: 33] يدل على فقده للمؤن فاندفع قول الزركشي يمكن حملها على غير التائق وقيل يستحب فعله وعليه كثيرون لآية {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ} [النور: 32] مع الخبر الصحيح "تزوجوا النساء فإنهن يأتينكم بالمال" وصح أيضا "ثلاثة حق على الله أن يعينهم منهم الناكح يريد أن يستعفف" وفي مرسل "من ترك التزوج مخافة العيلة فليس منا" وحملوا الأمر بالاستعفاف في الآية على من لم يجد زوجة ولا دلالة لهم عند التأمل في شيء مما ذكر إذ لا يلزم من الفقر وإتيانهن بالمال والإعانة وخوف العيلة عدم وجدان الأهبة بالمعنى السابق لا سيما ودليلنا "ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء" أي قاطع أصح, وهو صريح فيما قلناه لا يقبل تأويلا. "ويكسر" إرشادا ومع ذلك يثاب; لأن الإرشاد الراجع إلى تكميل شرعي كالعفة هنا كالشرعي خلافا لمن أخذ بإطلاق أن الإرشاد نحو {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282] لا ثواب فيه "شهوته بالصوم" للحديث المذكور وكونه يثير الحرارة والشهوة إنما هو في ابتدائه فإنه لم تنكسر به تزوج ولا يكسرها بنحو كافور فيكره بل يحرم على الرجل والمرأة إن أدى إلى اليأس من النسب وقول جمع الخبر يدل على حل قطع العاجز الباء بالأدوية مردود على أن الأدوية خطيرة وقد استعمل قوم الكافور فأورثهم عللا مزمنة ثم أرادوا الاحتيال لعود الباء بالأدوية الثمينة فلم تنفعهم.

 

ج / 3 ص -169-        واختلفوا في جواز التسبب إلى إلقاء النطفة بعد استقرارها في الرحم فقال أبو إسحاق المروزي يجوز إلقاء النطفة والعلقة ونقل ذلك عن أبي حنيفة وفي الإحياء في مبحث العزل ما يدل على تحريمه, وهو الأوجه; لأنها بعد الاستقرار آيلة إلى التخلق المهيأ لنفخ الروح ولا كذلك العزل. "فإن لم يحتج" أي يتق النكاح بعدم توقانه للوطء خلقة, أو لعارض ولا علة به "كره" له "إن فقد الأهبة" لالتزامه ما لا يقدر عليه بلا حاجة وسيذكر أن شرط صحة نكاح السفيه الحاجة فلا ترد هنا "وإلا" يفقد الأهبة مع عدم حاجته له "فلا" يكره له لقدرته عليه ومقاصده لا تنحصر في الوطء بل بحث جمع ندبه لحاجة صلة وتآنس وخدمة وعليه فيفرق بينه وبين ما يأتي فيمن به علة مزمنة بأن هذا قادر على الوطء فلا يخشى فساد زوجته بخلاف ذلك "لكن العبادة" أي التخلي لها من المتعبد "أفضل" منه خلافا للحنفية اهتماما بشأنها وقدرت ما ذكر; لأنه هو محل الخلاف كما قاله السبكي وغيره; لأن ذات العبادة أفضل من ذات النكاح قطعا ويصح عدم التقدير ويكون أفضل بمعنى فاضل وما اقتضاه ذلك من أن النكاح ليس بعبادة ولو لابتغاء النسل صرح به جمع. قال بعضهم لصحته من الكافر ورد بأن صحته منه لا تنفي كونه عبادة كعمارة المساجد والعتق وبأنه صلى الله عليه وسلم أمر به والعبادة إنما تتلقى من الشارع وأفتى المصنف بأنه إن قصد به طاعة من ولد صالح, أو إعفاف فهو من عمل الآخرة ويثاب عليه وإلا فهو مباح وسبقه إليه الماوردي ولك أن تقول إن أريد بنفي العبادة عنه مطلقا أنه لا يسماها اصطلاحا فقريب أو أنه لا ثواب فيه مطلقا فبعيد مخالف للأحاديث الكثيرة الدالة على مزيد ثوابه وثواب ثمراته كحديث "أيأتي أحدنا شهوته وله فيها أجر فقال أرأيتم" إلخ وحديث "حتى ما تضع في امرأتك" ولكلامهم إذ كيف يكون سنة بشرطه كما تقرر ولا يكون فيه ثواب وبهذا ينظر أيضا في قول المصنف وإلا فهو مباح والحاصل أن الذي يتجه أنه متى سن له فعله ولم يوجد منه صارف, أو لم يسن له وقصد به طاعة كولد أثيب وإلا فلا والكلام في غير نكاحه صلى الله عليه وسلم فإنه قربة قطعا مطلقا; لأن فيه نشر الشريعة المتعلقة بمحاسنه الباطنة التي لا يطلع عليها الرجال ومن ثم وسع له في عدد الزوجات ما لم يوسع لغيره لتحفظ كل ما لم يحفظه غيرها لتعذر إحاطة العدد القليل بها لكثرتها بل خروجها عن الحصر "قلت فإن لم يتعبد فالنكاح أفضل في الأصح" من البطالة لئلا تفضي به إلى الفواحش فأفضل هنا بمعنى فاضل مطلقا وصح خبر "اتقوا الله واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت من النساء". "فإن وجد الأهبة وبه علة كهرم أو مرض دائم, أو تعنين" كذلك بخلاف من يعن وقتا دون وقت "كره" له النكاح "والله أعلم". لعدم حاجته مع عدم تحصين المرأة المؤدي غالبا إلى فسادها وبه يندفع قول الإحياء يسن لنحو الممسوح تشبها بالصالحين كما يسن إمرار الموسى على رأس الأصلع وقول الفزاري أي نهي ورد في نحو المجبوب والحاجة لا تنحصر في الجماع ولو طرأت هذه الأحوال بعد العقد فهل تلحق بالابتداء, أو لا لقوة الدوام تردد فيه الزركشي والثاني هو الوجه كما هو ظاهر.
"تنبيه" ما اقتضاه سياق المتن من أن تلك الأحكام لا تأتي في المرأة غير مراد ففي الأم

 

ج / 3 ص -170-        وغيرها ندبه للتائقة وألحق بها محتاجة للنفقة وخائفة من اقتحام فجرة وفي التنبيه من جاز لها النكاح إن احتاجته ندب لها وإلا كره ونقله الأذرعي عن الأصحاب ثم بحث وجوبه عليها إذا لم يندفع عنها الفجرة لا به ولا دخل للصوم فيها وبما ذكر علم ضعف قول الزنجاني يسن لها مطلقا إذ لا شيء عليها مع ما فيه من القيام بأمرها وسترها وقول غيره لا يسن لها مطلقا; لأن عليها حقوقا للزوج خطيرة لا يتيسر لها القيام بها ومن ثم ورد الوعيد الشديد في ذلك بل لو علمت من نفسها عدم القيام بها ولم تحتج له حرم عليها ا هـ نعم ما ذكره بعد بل متجه.
"ويستحب دينة" بحيث توجد فيها صفة العدالة لا العفة عن الزنا فقط للخبر المتفق عليه
"فاظفر بذات الدين تربت يداك" أي استغنيت إن فعلت أو افتقرت إن لم تفعل وتردد في مسلمة تاركة للصلاة وكتابية فقيل هذه أولى للإجماع على صحة نكاحها ولبطلان نكاح تلك لردتها عند قوم وقيل تلك; لأن شرط نكاح هذه مختلف فيه ورجح بعضهم الأولى, وهو واضح في الإسرائيلية; لأن الخلاف القوي إنما هو في غيرها ولو قيل الأول لقوي الإيمان والعلم هذه لا منه من فتنتها وقرب سياسته لها إلى أن تسلم ولغيره تلك لئلا تفتنه هذه لكان أوجه "بكر" للأمر به مع تعليله بأنهن أعذب أفواها أي ألين كلاما, أو هو على ظاهره من أطيبيته وحلاوته, وأنتق أرحاما أي أكثر أولادا, أو أسخن إقبالا وأرضى باليسير من العمل أي الجماع وأغر غرة بالكسر أي أبعد من معرفة الشر والتفطن له وبالضم أي غرة البياض, أو حسن الخلق وإرادتهما معا أجود نعم للثيب أولى لعاجز عن الافتضاض ولمن عنده عيال يحتاج لكاملة تقوم عليهن كما استصوبه صلى الله عليه وسلم من جابر لهذا. وفي الإحياء يسن أن لا يزوج بنته البكر إلا من بكر لم يتزوج قط; لأن النفوس جبلت على الإيناس بأول مألوف ولا ينافيه ما تقرر من ندب البكر ولو للثيب; لأن ذاك فيما يسن للزوج وهذا فيما يسن للولي "نسيبة" أي معروفة الأصل طيبته لنسبتها إلى العلماء والصلحاء وتكره بنت الزنا والفاسق وألحق بها لقيطة ومن لا يعرف أبوها لخبر "تخيروا لنطفكم ولا تضعوها في غير الأكفاء" صححه الحاكم واعترض "ليست قرابة قريبة" لخبر فيه النهي عنه وتعليله بأن الولد يجيء نحيفا لكن لا أصل له ومن ثم نازع جمع في هذا الحكم بأنه لا أصل له وبإنكاحه صلى الله عليه وسلم عليا كرم الله وجهه ويرد بأن نحافة الولد الناشئة غالبا عن الاستحياء من القرابة القريبة معنى ظاهر يصلح أصلا لذلك وعلي كرم الله وجهه قريب بعيد إذ المراد بالقريبة من هي في أول درجات الخؤولة والعمومة وفاطمة رضي الله عنها بنت ابن عم فهي بعيدة ونكاحها أولى من الأجنبية لانتفاء ذلك المعنى مع حنو الرحم وتزوجه صلى الله عليه وسلم لزينب بنت جحش مع كونها بنت عمته لمصلحة حل نكاح زوجة المتبنى وتزويجه زينب بنته لأبي العاص مع كونه ابن خالتها بتقدير وقوعه بعد النبوة واقعة حال فعلية فاحتمال كونه لمصلحة يسقطها وكل مما ذكر مستقل بالندب خلافا لما يوهمه ظاهر العبارة ويسن أيضا كونها ودودا ولودا ويعرف في البكر بأقاربها ووافرة العقل وحسنة الخلق وكذا بالغة وفاقدة ولد من غيره إلا لمصلحة وحسناء أي بحسب طبعه كما هو ظاهر; لأن القصد العفة, وهي

 

ج / 3 ص -171-        لا تحصل إلا بذلك وبهذا يرد قول بعضهم المراد بالجمال هنا الوصف القائم بالذات المستحسن عند ذوي الطباع السليمة نعم تكره ذات الجمال البارع; لأنها تزهو به وتتطلع إليها أعين الفجرة ومن ثم قال أحمد ما سلمت أي من فتنة, أو تطلع فاجر إليها, أو تقوله عليها ذات جمال أي بارع قط وخفيفة المهر, وأن لا تكون شقراء قيل الشقرة بياض ناصع يخالفه فقط في الوجه لونها غير لونه ا هـ وكأنه أخذ ذلك من العرف; لأن كلام أهل اللغة مشكل فيه إذ الذي في القاموس الأشقر من الناس من يعلو بياضه حمرة ا هـ. ويتعين تأويله بما يشير إليه قوله يعلوه بأن المراد أن الحمرة غلبت البياض وقهرته بحيث تصير كلهب النار الموقدة إذ هذا هو المذموم بخلاف مجرد تشرب البياض بالحمرة فإنه أفضل الألوان في الدنيا; لأنه لونه صلى الله عليه وسلم الأصلي كما بينته في شرح الشمائل ولا ذات مطلق لها إليه رغبة, أو عكسه ولا من في حلها له خلاف كأن زنى, أو تمتع بأمها أو بها فرعه, أو أصله أو شك بنحو رضاع وفي حديث عند الديلمي والخطابي النهي عن نكاح الشهبرة الزرقاء البذية واللهبرة الطويلة المهزولة والنهبرة القصيرة الذميمة, أو العجوز المدبرة والهندرة العجوز المدبرة أو المكثرة للهذر أي الكلام في غير محله, أو القصيرة الذميمة ولو تعارضت تلك الصفات فالذي يظهر أنه يقدم الدين مطلقا ثم العقل وحسن الخلق ثم الولادة ثم أشرفية النسب ثم البكارة ثم الجمال ثم ما المصلحة فيه أظهر بحسب اجتهاده.
"تنبيه" كما يسن له تحري هذه الصفات فيها كذلك يسن لها ولوليها تحريها فيه كما هو واضح.
"وإذا قصد نكاحها" ورجا الإجابة قال ابن عبد السلام رجاء ظاهرا وعلله غيره بأن النظر لا يجوز إلا عند غلبة الظن المجوز ويشترط أيضا كما هو ظاهر علمه بخلوها عن نكاح وعدة تحرم التعريض كالرجعية فإن لم تحرمه جاز النظر, وإن علمت به; لأن غايته أنه كالتعريض فإطلاق بعضهم حرمته في العدة إذا كان بإذنها, أو مع علمها بأنه لرغبته في نكاحها ينبغي حمله على ما ذكرته "سن نظره إليها" للأمر به في الخبر الصحيح مع تعليله بأنه أحرى أن يؤدم بينهما أي تدوم المودة والألفة وقيل من الأدم; لأنه يطيب الطعام ونظرها إليه كذلك وخرج بإليها نحو ولدها الأمرد فلا يجوز له نظره, وإن بلغه استواؤهما في الحسن خلافا لمن وهم فيه وزعم أن هذا حاجة مجوزة ممنوع إذ الاستواء في الحسن المقتضي لكون نظره يكفي عن نظرها في كل ما هو المقصود منه يكاد يكون مستحيلا أما لو انتفى شرط مما ذكر فيحرم النظر لعدم وجود مسوغه وبعد القصد الأولى كون النظر "قبل الخطبة" ومعنى خطب في رواية أراد للخبر الآخر "إذا ألقى الله في قلب امرئ خطبة امرأة فلا بأس أن ينظر إليها" وظاهر كلامهم أنه لا يندب النظر بعد الخطبة; لأنه قد يعرض فتتأذى هي, أو أهلها, وأنه مع ذلك يجوز; لأن فيه مصلحة أيضا فما قيل يحتمل حرمته; لأن إذن الشارع لم يقع إلا فيما قبل الخطبة يرد بأن الخبر مصرح بجوازه بعدها فبطل حصره وإنما أولوه بالنسبة للأولوية لا الجواز كما هو واضح إذ ما علل به النظر في الخبر موجود في كل من الحالين "وإن لم تأذن" هي ولا وليها اكتفاء بإذن الشارع

 

ج / 3 ص -172-        ففي رواية, وإن كانت لا تعلم بل قال الأذرعي الأولى عدم علمها; لأنها قد تتزين له بما يغره ولم ينظر, واشتراط مالك الإذن كأنه لمخالفته للرواية المذكورة "وله تكرير نظره" ولو أكثر من ثلاثة على الأوجه ما دام يظن أن له حاجة إلى النظر لعدم إحاطته بأوصافها ومن ثم لو اكتفى بنظرة حرم الزائد عليها; لأنه نظر أبيح لضرورة فليتقيد بها قال جمع, وإن خاف الفتنة قال ابن سراقة ولو بشهوة ونظر فيه الأذرعي. "ولا ينظر" من الحرة "غير الوجه والكفين" من رءوس الأصابع إلى الكوع ظهرا وبطنا بلا مس شيء منهما لدلالة الوجه على الجمال والكفين على خصب البدن واشتراط النص وكثيرين ستر ما عداهما حتى يحل نظرهما يحمل على أن المراد به منع نظر غيرهما, أو نظرهما إن أدى إلى نظر غيرهما ورؤيتهما ولو مع عدم علمها لا تستلزم تعمد رؤية ما عداهما فاندفع ميل الأذرعي لظاهر كلام الجمهور من الجواز مطلقا سترت أو لا وتوجيهه بأن الغالب أنها مع عدم علمها لا تستر ما عداهما وبأن اشتراط ذلك يسد باب النظر ا هـ أما من فيها رق فينظر ما عدا ما بين سرتها وركبتها كما صرح به ابن الرفعة وقال إنه مفهوم كلامهم أي لتعليلهم عدم حل ما عدا الوجه والكفين بأنه عورة وسبقه لذلك الروياني ولا يعارضه ما يأتي أنها كالحرة في نظر الأجنبي إليها; لأن النظر هنا مأمور به ولو مع خوف الفتنة فأنيط بما عدا عورة الصلاة وفيما يأتي منوط بخوف الفتنة, وهو جار فيما عدا الوجه والكفين مطلقا وإذا لم تعجبه سن له أن يسكت ولا يقول لا أريدها ولا يترتب عليه منع خطبتها; لأن السكوت إذا طال وأشعر بالإعراض جازت كما يأتي وضرر الطول دون ضرر قوله لا أريدها فاحتمل على أن الإعراض قد يحصل بغير السكون كاشتراط ما يعلم منه أنهم لا يجيبون إليه ومن لا يتيسر له النظر أو لا يريده بنفسه يسن له أن يرسل من يحل له نظرها ليتأملها ويصفها له ولو ما لا يحل له نظره فيستفيد بالبعث ما لا يستفيد بالنظر وهذا لمزيد الحاجة إليه مستثنى من حرمة وصف امرأة لرجل وقول الإمام له أمر المرسلة بنظر متجردها مراده ما عدا العورة كما هو واضح "ويحرم نظر فحل" وخصي ومجبوب وخنثى إذ هو مع النساء كرجل وعكسه فيحرم نظره لهما ونظرهما له احتياطا وإنما غسلاه بعد موته لانقطاع الشهوة بالموت فلم يبق للاحتياط حينئذ معنى ويظهر فيه مع مشكل مثله الحرمة من كل للآخر في حال الحياة بتقديره مخالفا له احتياطا إذ هو المبني عليه أمره لا ممسوح كما يأتي "بالغ" ولو شيخاهما ومخنثا, وهو المتشبه بالنساء عاقل مختار "إلى عورة حرة" خرج مثالها فلا يحرم نظره في نحو مرآة كما أفتى به غير واحد ويؤيده قولهم لو علق الطلاق برؤيتها لم يحنث برؤية خيالها في نحو مرآة; لأنه لم يرها ومحل ذلك كما هو ظاهر حيث لم يخش فتنة ولا شهوة وليس منها الصوت فلا يحرم سماعه إلا إن خشي منه فتنة وكذا إن التذ به كما بحثه الزركشي ومثلها في ذلك الأمرد "كبيرة" ولو شوهاء بأن بلغت حدا تشتهى فيه لذوي الطباع السليمة لو سلمت من مشوه بها كما يأتي "أجنبية", وهي ما عدا وجهها وكفيها بلا خلاف لقوله تعالى {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: 30]; ولأنه إذا حرم نظر المرأة إلى عورة مثلها كما في الحديث الصحيح فأولى الرجل. "وكذا وجهها" أو بعضه ولو

 

ج / 3 ص -173-        بعض عينها, أو من وراء نحو ثوب يحكى ما وراءه "وكفها", أو بعضه أيضا, وهو من رأس الأصابع إلى الكوع "عند خوف الفتنة" إجماعا من داعية نحو مس لها, أو خلوة بها وكذا عند النظر بشهوة بأن يلتذ به, وإن أمن الفتنة قطعا "وكذا عند الأمن" من الفتنة فيما يظنه من نفسه وبلا شهوة "على الصحيح" ووجهه الإمام باتفاق المسلمين على منع النساء أن يخرجن سافرات الوجوه ولو جل النظر لكن كالمرد وبأن النظر مظنة للفتنة ومحرك للشهوة فاللائق بمحاسن الشريعة سد الباب والإعراض عن تفاصيل الأحوال كالخلوة بالأجنبية وبه اندفع ما يقال هو غير عورة فكيف حرم نظره ووجه اندفاعه أنه مع كونه غير عورة نظره مظنة للفتنة, أو الشهوة ففطم الناس عنه احتياطا على أن السبكي قال الأقرب إلى صنيع الأصحاب أن وجهها وكفيها عورة في النظر ولا ينافي ما حكاه الإمام من الاتفاق نقل المصنف عن عياض الإجماع على أنه لا يلزمها في طريقها ستر وجهها وإنما هو سنة وعلى الرجال غض البصر عنهن للآية; لأنه لا يلزم من منع الإمام لهن من الكشف لكونه مكروها وللإمام المنع من المكروه لما فيه من المصلحة العامة وجوب الستر عليهن بدون منع مع كونه غير عورة ورعاية المصالح العامة مختصة بالإمام ونوابه نعم من تحققت نظر أجنبي لها يلزمها ستر وجهها عنه وإلا كانت معينة له على حرام فتأثم. ثم رأيت أبا زرعة أفتى بما يفهمه فقال في أمة جميلة تبرز مكشوفة ما عدا ما بين السرة والركبة والأجانب يرونها محل جواز بروزها الذي أطلقوه إذا لم يظهر منها تبرج بزينة ولا تعرض لريبة ولا اختلاط لمن يخشى منه عادة افتتان بمثل ذلك وإلا أثمت ومنعت وكذا الأمرد ا هـ ملخصا وكون الأكثرين على مقابل الصحيح لا يقتضي رجحانه لا سيما وقد أشار إلى فساد طريقتهم بتعبيره بالصحيح ووجهه أن الآية كما دلت على جواز كشفهن لوجوههن دلت على وجوب غض الرجال أبصارهم عنهن ويلزم من وجوب الغض حرمة النظر ولا يلزم من حل الكشف جوازه كما لا يخفى فاتضح ما أشار إليه بتعبيره بالصحيح ومن ثم قال البلقيني: الترجيح بقوة المدرك والفتوى على ما في المنهاج وسبقه لذلك السبكي وعلله بالاحتياط فقول الإسنوي الصواب الحل لذهاب الأكثرين إليه ليس في محله وأفهم تخصيص حل الكشف بالوجه حرمة كشف ما عداه من البدن حتى اليد, وهو ظاهر في غير اليد; لأنه عورة ومحتمل فيها; لأنه لا حاجة لكشفها بخلاف الوجه واختيار الأذرعي قول جمع بحل نظر وجه وكف عجوز يؤمن من نظرهما الفتنة لآية {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ} [النور: 60] ضعيف ويرده ما مر من سد الباب, وأن لكل ساقطة لاقطة ولا دلالة في الآية كما هو جلي بل فيها إشارة للحرمة بالتقييد بغير متبرجات بزينة واجتماع أبي بكر وأنس بأم أيمن وسفيان وإضرابه برابعة رضي الله عنهم لا يستلزم النظر على أن مثل هؤلاء لا يقاس بهم غيرهم ومن ثم جوزوا لمثلهم الخلوة كما يأتي قبيل الاستبراء إن شاء الله تعالى.
"ولا ينظر من محرمه" بنسب, أو رضاع, أو مصاهرة "بين" فيه تجوز أوضحه قوله: الآتي إلا ما بين "سرة وركبة"; لأنه عورة ويلحق به هنا وفيما يأتي على الأوجه نفس السرة والركبة احتياطا وبه فارق ما مر في الصلاة ألا ترى أن الوجه والكفين عورة هنا لإثم "ويحل"

 

ج / 3 ص -174-        نظر "ما سواه" حيث لا شهوة ولو كافرا لا يرى نكاح المحارم; لأن المحرمية تحرم المناكحة فكانا كرجلين, أو امرأتين "وقيل" يحل نظر "ما يبدو في المهنة" بضم الميم وكسرها أي الخدمة, وهو الرأس والعنق واليدان إلى العضدين والرجلان إلى الركبتين "فقط" إذ لا ضرورة لنظر ما عداه كالثدي ولو زمن الرضاع "والأصح حل النظر بلا شهوة" ولا خوف فتنة "إلى الأمة" خرج بها المبعضة فهي كالحرة قطعا وقيل على الأصح فإجراء شارح الخلاف بين المتن وأصله فيها أيضا سهو "إلا ما بين سرة وركبة"; لأنه عورتها في الصلاة فأشبهت الرجل وسيصحح أنها كالحرة ونفي الشهوة لا يختص بها; لأن النظر معها, أو مع خوف الفتنة حرام لكل منظور إليه وما قيل لعل النفي هنا لإفادته أنه لو خشي الفتنة ونظر بلا شهوة حل غير صحيح بل الوجه حرمته على هذه الطريقة مع الشهوة أو خوف الفتنة وقد يوجه تخصيص النفي بهذا بأن فيه نظر ما قرب من الفرج وحريمة من امرأة أجنبية مع عدم مانع للشهوة, وهو يجر غالبا إليها فنفيت بخلاف المحرم ليس مظنة لها فلا يحتاج لنفيها فيه وبخلاف ما ألحق به مما يأتي; لأن نحو السيادة ومسح الذكر والأنثيين ينفيها غالبا فلم يحتج لنفيها ثم أيضا ولا يرد النظر لنحو فصد; لأنه قيده بقوله لفصد إلى آخره, وهذا يفيد تقييد النظر بغرض نحو الفصد ويلزم منه نفي الشهوة على أن ذاك فيه تفصيل إذ مع التعيين يحل ولو مع الشهوة فإن قلت يرد ذلك كله جعله بلا شهوة قيدا في الصغيرة أيضا قلت لا يرده بل يؤيده; لأنه إنما قيد به فيها لإفادة حكم خفي جدا هو حرمة نظرها مع الشهوة مع أن الفرض أنها لا تشتهى بل يؤخذ من هذا أنه قيد جميع ما في كلامه بغير الشهوة; لأنه يعلم من هذا بالأولى وحينئذ فلا يرد عليه شيء. "و" الأصح حل النظر "إلى صغيرة" لا تشتهى كما عليه الناس في الأعصار والأمصار ومن ثم قيل حكاية الخلاف فيها أي فضلا عن الإشارة لقوته يكاد أن يكون خرقا للإجماع وجوز الماوردي النظر لمن لا تشتهى, وإن بلغت تسع سنين والوجه الضبط بما مر أن المدار على الاشتهاء وعدمه بالنسبة لذوي الطباع السليمة فإن لم تشته لهم لتشوه بها قدر فيما يظهر زوال تشوهها فإن اشتهوها حينئذ حرم نظرها وإلا فلا وفارقت العجوز بأنه سبق اشتهاؤها ولو تقديرا فاستصحب ولا كذلك الصغيرة "إلا الفرج" فيحرم اتفاقا وما في الروضة عن القاضي من حله عملا بالعرف ضعيف نعم يجوز نظره ومسه لنحو آلام زمن الرضاع والتربية للضرورة أما الصبي فيحل نظر فرجه ما لم يميز والفرق أن فرجها أفحش وقيل يحرم ويدل له خبر الحاكم أن محمد بن عياض قال رفعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في صغري وعلي خرقة وقد كشفت عورتي فقال "غطوا عورته فإن حرمة عورة الصغير كحرمة عورة الكبير ولا ينظر الله إلى كاشف عورته" وظاهر قوله رفعت وكونها واقعة قولية والاحتمال يعممها يمنع حملها على المميز.
"فائدة" روى ابن عساكر في تاريخه بسند ضعيف عن أنس قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفرج بين رجلي الحسن ويقبل ذكره وفي ذخائر العقبى للمحب الطبري عن أبي ظبيان قال والله إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليفرج بين رجليه يعني الحسين فيقبل زبيبته خرجه ابن

 

ج / 3 ص -175-        السري وخرج أبو حاتم أن أبا هريرة أمر الحسن أن يكشف له عن بطنه ليقبل ما رآه صلى الله عليه وسلم يقبله فكشف له فقبل سرته ا هـ ولا حجة في شيء من هذه الأحاديث لما ذكر نفيا ولا إثباتا خلافا لمن توهمه.
"و" الأصح "إن نظر العبد" العدل ولا تكفي العفة عن الزنا فقط غير المشترك والمبعض وغير المكاتب كما في الروضة عن القاضي وأقره, وإن أطالوا في رده "إلى سيدته" المتصفة بالعدالة أيضا "و" الأصح إن "نظر ممسوح" ذكره كله وأنثياه بشرط أن لا يبقى فيه ميل للنساء أصلا وإسلامه في المسلمة وعدالته ولو أجنبيا لأجنبية متصفة بالعدالة أيضا "كالنظر إلى محرم" فينظران منها ما عدا ما بين السرة والركبة وتنظر منهما ذلك لقوله تعالى
{أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْأِرْبَةِ} [النور: 31] ويلحقان بالمحرم أيضا في الخلوة والسفر وقول الأذرعي لا أحسب في تحريم سفر الممسوح معها خلافا ممنوع قال السبكي ولا خلاف في جواز دخوله عليهن بغير حجاب لا في نحو حل المس وعدم نقض الوضوء به وإنما حل نظره لأمته المشتركة; لأن المالكية أقوى من المملوكية فأبيح للمالك ما لا يباح للمملوك كذا قيل وقضيته حل نظرها لمكاتبها وللمشترك بينها وبين غيرها وقد صرحوا بخلافه فالذي يتجه في الفرق أن ملحظ نظر السيدة الحاجة, وهي منتفية مع الكتابة, أو الاشتراك ولا كذلك في السيد ويؤيده نقل الماوردي الاتفاق على أن العبد لا يلزمه الاستئذان إلا في الأوقات الثلاثة وعللوه بكثرة حاجته إلى الدخول والخروج والمخالطة قال بعضهم: والمحرم البالغ يستأذن مطلقا ونظر غيره فيه والنظر متجه فالأوجه أنه لا يلزمه الاستئذان إلا فيها كالمراهق الأجنبي بل أولى وأطال المصنف في مسودة شرح المهذب وكثيرون من المتقدمين والمتأخرين في الانتصار لمقابل الأصح في العبد وأجابوا عن الآية بأنها في الإماء المشتركات وعن خبر أبي داود أن فاطمة رضي الله عنها استترت من عبد وهبه صلى الله عليه وسلم لها وقد أتاها به فقال "ليس عليك بأس إنما هو أبوك وغلامك" بأنه كان صبيا إذ الغلام يختص حقيقة به وبأنها واقعة حال محتملة وفيه نظر; لأنها قولية والاحتمال يعممها وبعزة العدالة في الإحراز فكيف بالمماليك مع ما غلب بل اطرد فيهم من الفسوق والفجور لكن بتأمل ما مر من اشتراط عدالتهما يندفع كل ذلك ثم رأيت الأذرعي ذكر ذلك ولابن العماد احتمال بالجواز في مبعض بينه وبينها مهايأة في نوبتها لاحتياجها حينئذ إلى خدمته وقياسه مشترك هايأت فيه شريكها والوجه الحرمة مطلقا كما صرح به كلامهم ولا نظر للحاجة مع ما فيه من الحرية, أو ملك الغير. "و" الأصح "أن المراهق", وهو من قارب الاحتلام أي باعتبار غالب سنه, وهو قرب الخمسة عشر لا التسع ويحتمل خلافه "كالبالغ" فيلزمها الاحتجاب منه كالمجنون فإن قلت هذا يخالف ما مر أنه لا يلزمها ستر وجهها وكفيها قلت يحمل ما هنا على ستر ما عداهما, أو على ما إذا علمت منه تعمد النظر إليها; لأنه حينئذ يجر للفتنة ويلزم وليه منعه النظر كما يلزمه منعه سائر المحرمات ولو ظهر منه تشوف للنساء فكالبالغ قطعا والمراهقة كالبالغة قيل وفي المراهق المجنون نظر ا هـ وقضية تعليلهم إلحاق المراهق

 

ج / 3 ص -176-        بالبالغ بظهوره على العورات وحكايته لها أنه ليس مثله ثم رأيت الزركشي بحث ذلك أخذا من كلام الإمام وما يأتي في رميه إذا نظر من كوة وفي كونه يضمن إذا صح عليه أنه لا بد فيه هنا من كونه متيقظا وخرج بالمراهق غيره ثم إن كان بحيث يحكي ما يراه على وجهه فكالمحرم وإلا فكالعدم.
. "ويحل نظر رجل إلى رجل" مع أمن الفتنة بلا شهوة اتفاقا "إلا ما بين سرة وركبة" ونفسهما كما مر فيحرم نظره مطلقا ولو من محرم; لأنه عورة قال الأذرعي والظاهر أن المراهق كالبالغ ناظرا, أو منظورا ويجوز للرجل دلك فخذ الرجل بشرط حائل وأمن فتنة وأخذ منه حل مصافحة الأجنبية مع ذينك وأفهم تخصيصه الحل معهما بالمصافحة حرمة مس غير وجهها وكفيها من وراء حائل ولو مع أمن الفتنة وعدم الشهوة وعليه فيوجه بأنه مظنة لأحدهما كالنظر وحينئذ فيلحق بها الأمرد في ذلك ويؤيده إطلاقهم حرمة معانقته الشاملة لكونها من وراء حائل. "ويحرم" ولو على أمرد "نظر" شيء من بدن "أمرد", وهو من لم يبلغ أوان طلوع اللحية غالبا ويظهر ضبط ابتدائه بأن يكون بحيث لو كان صغيرة لاشتهيت للرجال ومن زعم أنه المحتلم مراده البالغ سن الاحتلام فلا ينافي ما ذكرته مع خوف فتنة بأن لم يندر وقوعها كما قاله ابن الصلاح, أو "بشهوة" إجماعا وكذا كل منظور إليه ففائدة ذكرها فيه تمييز طريقة الرافعي وضبط في الإحياء الشهرة بأن يتأثر بجمال صورته بحيث يدرك من نفسه فرقا بينه وبين الملتحي وقريب منه قول السبكي هي أن ينظر فيلتذ, وإن لم يشته زيادة رقاع أو مقدمة له فإن ذلك زيادة في الفسوق وكثيرون يقتصرون على مجرد النظر والمحبة ظانين سلامتهم من الإثم وليسوا بسالمين منه "قلت وكذا" يحرم نظره "بغيرها" أي الشهوة ولو مع أمن الفتنة "في الأصح المنصوص", وإن نازع فيه حكما ونقلا جمع متقدمون ومتأخرون حتى بالغ بعضهم فزعم أنه خرق للإجماع وليس في محله, وإن وافقه قول البلقيني يحل مع أمن الفتنة إجماعا وذلك; لأنه مظنة الفتنة كالمرأة بل قال في الكافي هو أعظم إثما منها; لأنه لا يحل بحال وإنما لم يؤمروا بالاحتجاب للمشقة في تركهم التعلم والأسباب واكتفاء بوجوب الغض عنهم إلا لحاجة كما يأتي. وقد بالغ السلف في التنفير منهم وسموهم الأنتان لاستقذارهم شرعا ووقع نظر بعضهم على أمرد فأعجبه فأخبر أستاذه فقال سترى غبه فنسي القرآن بعد عشرين سنة وشرط الحرمة مع أمن الفتنة وانتفاء الشهوة أن لا يكون الناظر محرما بنسب وكذا رضاع, أو مصاهرة على ما شمله إطلاقهم ولا سيدا ويظهر حل نظر مملوكه وممسوح إليه بشرطهما السابق, وأن يكون المنظور جميلا بحسب طبع الناظر; لأن الحسن يختلف باختلاف الطباع ويفرق بين هذا والرجوع فيه إذا شرط في المبيع مثلا إلى العرف بناء على الأصح أن الملاحة وصف ذاتي بأن المدار ثم على ما تزيد به المالية, وهو منوط بالعرف لا غير وهنا على ما قد يجر لفتنة, وهو منوط بميل طبعه لا غير وإنما لم يقيدوا النساء بذلك; لأن لكل ساقطة لاقطة; ولأن الميل إليهن طبيعي وخرج بالنظر المس فيحرم, وإن حل النظر كما جزم به بعضهم وإنما يتجه إن قلنا بما يأتي عن مقتضى الروضة أن المحرم المرأة يحرم مسها مطلقا. أما على

 

ج / 3 ص -177-        المعتمد الآتي من التفصيل فيتعين مجيء مثله هنا والخلوة به فتحرم لكن إن حرم النظر فيما يظهر والفرق بينها وبين المس واضح بدليل اتفاقهم في المرأة على حل خلوة المحرم بها واختلافهم في حل مسه لها, وإن كان معه أمرد آخر وأكثر كما يأتي "والأصح عند المحققين أن الأمة كالحرة والله أعلم" لاشتراكهما في الأنوثة وخوف الفتنة بل كثير من الإماء يفوق أكثر الحرائر جمالا فخوفها فيهن أعظم وضرب عمر رضي الله عنه لأمة استترت كالحرة وقال أتتشبهين بالحرائر يا لكاع لا يدل للحل لاحتمال أنه لإيذائها الحرائر بظن أنهن هي إذ الإماء كن يقصدن للزنا والحرائر كن يعرفن بالستر ونازع فيه البلقيني وأطال بما أشار الأذرعي لرده بذكر جمع محققين صرحوا بذلك وبأن الأدلة شاهدة له. "والمرأة مع المرأة كرجل ورجل" فيحل حيث لا خوف فتنة ولا شهوة لها نظر ما عدا سرتها وركبتها وما بينهما; لأنه عورة "والأصح تحريم نظر ذمية" وكل كافرة ولو حربية "إلى" ما لا يبدو في المهنة من "مسلمة" غير سيدتها ومحرمها لمفهوم قوله تعالى {أَوْ نِسَائِهِنَّ}; ولأنها قد تصفها لكافر يفتنها وصح عن عمر رضي الله عنه منعها من دخول حمام معها ودخول الذميات على أمهات المؤمنين الوارد في الأحاديث الصحيحة دليل لما صححاه من حل نظرها منها ما يبدو في المهنة واعتمد جمع ما اقتضاه المتن من أنها معها كالأجنبي وأفتى المصنف أي بناء على ما في المتن بحرمة كشف نحو وجهها للذمية; لأنها تعينها به على ما يخشى منه مفسدة, وهو وصفها لمن قد تفتتن به وعلى محرم إذ الكافر مكلف بالفروع على ما مر ولا يحرم نظر المسلمة لها خلافا لمن توقف فيه إذ لا محذور بوجه ومثلها فاسقة بسحاق, أو غيره كزنا, أو قيادة فيحرم التكشف لها. "و" الأصح "جواز نظر المرأة إلى بدن أجنبي سوى ما بين سرته وركبته" وسواهما أيضا كما مر "إن لم تخف فتنة" ولا نظرت بشهوة لنظر عائشة رضي الله عنها الحبشة يلعبون في المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم يراها وفارق نظره إليها بأن بدنها عورة ولذا وجب ستره بخلاف بدنه "قلت الأصح التحرير كهو" أي كنظره "إليها والله أعلم" للخبر الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم أمر ميمونة وأم سلمة وقد رآهما ينظران لابن أم مكتوم بالاحتجاب منه فقالت له أم سلمة أليس هو أعمى لا يبصر فقال "أفعمياوان أنتما ألستما تبصرانه" وليس في حديث عائشة أنها نظرت وجوههم وأبدانهم وإنما نظرت لعبهم وحرابهم ولا يلزم منه تعمد نظر البدن, وإن وقع بلا قصد صرفته حالا, أو أن ذلك قبل نزول آية الحجاب, أو وعائشة لم تبلغ مبلغ النساء. قال الجلال البلقيني وما اقتضاه المتن من حرمة نظرها لوجهه ويديه بلا شهوة وعند أمن الفتنة لم يقل به أحد من الأصحاب ورد بأن استدلالهم بما مر في قصة ابن أم مكتوم والجواب من حديث عائشة صريح في أنه لا فرق ويرده أيضا قول ابن عبد السلام جازما به: جزم المذهب يجب على الرجل سد طاقة تشرف المرأة منها على الرجال إن لم تنته بنهيه أي وقد علم منها تعمد النظر إليهم ومر ندب نظرها إليه للخطبة كهو إليها. "ونظرها إلى محرمها كعكسه" أي كنظره إليها فتنظر منه ما عدا ما بين السرة والركبة ومر إلحاقهما بما بينهما خلافا لما يوهمه كلام شارح. "ومتى حرم النظر حرم المس" بلا حائل

 

ج / 3 ص -178-        وكذا معه إن خاف فتنة بل, وإن أمنها على ما مر بل المس أولى بالحرمة; لأنه أبلغ في إثارة الشهوة إذ لو أنزل به أفطر, أو بالنظر فلا ويحرم مس شيء من الأمرد على ما مر ومن عورة المماثل, أو المحرم وقد يحرم النظر دون المس كأن أمكن طبيبا معرفة العلة بالمس فقط وكعضو أجنبية مبان يحرم نظره فقط ودبر الحليلة يحرم نظره أي على ضعيف والأصح حرمتهما في الأول وجوازهما في الثاني وما أفهمه المتن أنه حيث حل النظر حل المس أغلبي أيضا فلا يحل لرجل مس وجه أجنبية, وإن حل نظره لنحو خطبة أو شهادة, أو تعليم ولا لسيدة مس شيء من بدن عبدها وعكسه, وإن حل النظر وكذا الممسوح كما مر وما قيل وكذا مميز غير مراهق لا يحل مسه, وإن حل النظر مردود وما حل نظره من المحرم قد لا يحل مسه كبطنها ورجلها وتقبيلها بلا حائل لغير حاجة ولا شفقة بل وكيدها على ما اقتضته عبارة الروضة لكن قال الإسنوي أنه خلاف إجماع الأمة وسببه أن الرافعي عبر بسلب العموم المشترط فيه تقدم النفي على كل, وهو ولا مس كل ما يحل نظره من المحارم أي بل بعضه كقولك لا يحل لفلان تزوج كل امرأة فعبر المصنف بعموم السلب المشترط فيه تقدم الإثبات على كل فقال يحرم مس كل ما حل نظره من المحرم كل ما لا يحرم نظره منه حتى يطابق ما ذكره أعني الإسنوي أولا من شرط سلب العموم فقوله المشترط فيه إلى آخره يتعين تأويله بأن المراد بتقدم الإثبات على كل تأخر النفي عنها على أنه يأتي في الإيلاء لذلك تحقيق تتعين مراجعته وفي شرح مسلم يحل مس رأس المحرم وغيره مما ليس بعورة إجماعا أي حيث لا شهوة ولا خوف فتنة بوجه سواء أمس لحاجة أم شفقة وعبر أصله وغيره بحيث بدل متى واستحسنه السبكي; لأن حيث اسم مكان أو القصد أن كل مكان حرم نظره حرم مسه ومتى اسم زمان وليس مقصودا هنا ورد بمنع عدم قصده بل قد يقصد إذ الأجنبية يحرم مسها وبعد نكاحها يحل وبعد طلاقها يحرم والطفلة تحل ثم تحرم وقبل زمن نحو معاملة يحرم ومعه يحل.
"ويباحان" أي النظر والمس "لفصد وحجامة وعلاج" للحاجة لكن بحضرة مانع خلوة كمحرم, أو زوج أو امرأة ثقة لحل خلوة رجل بامرأتين ثقتين يحتشمهما وليس الأمردان كالمرأتين خلافا لمن بحثه; لأن ما عللوا به فيهما من استحياء كل بحضرة الأخرى لا يأتي في الأمردين كما صرحوا به في الرجلين وبشرط عدم امرأة تحسن ذلك كعكسه, وأن لا يكون غير أمين مع وجود أمين ولا ذميا مع وجود مسلم, أو ذمية مع وجود مسلمة وبحث البلقيني أنه يقدم في المرأة مسلمة فصبي مسلم غير مراهق فمراهق فكافر غير مراهق فمراهق فامرأة كافرة فمحرم مسلم فمحرم كافر فأجنبي مسلم فكافر ا هـ ووافقه الأذرعي على تقديم الكافرة على المسلم وفي تقديمه لها على المحرم نظر ظاهر والذي يتجه تقديم نحو محرم مطلقا على كافرة لنظره ما لا تنظر هي وممسوح على مراهق وأمهر ولو من غير الجنس والدين على غيره ووجود من لا يرضى إلا بأكثر من أجرة المثل كالعدم فيما يظهر بل لو وجد كافر يرضى بدونها ومسلم لا يرضى إلا بها احتمل أن المسلم كالعدم أيضا أخذا مما يأتي أن الأم لو طلبت أجرة المثل ووجد الأب من يرضى بدونها سقطت حضانة الأم

 

ج / 3 ص -179-        ويحتمل الفرق ويظهر في الأمرد أنه يتأتى فيه نظير ذلك الترتيب فيقدم من يحل نظره إليه فغير مراهق فمراهق فمسلم ثقة فكافر بالغ ويعتبر في الوجه والكف أدنى حاجة وفيما عداهما مبيح تيمم إلا الفرج وقريبه فيعتبر زيادة على ذلك, وهي أن تشتد الضرورة حتى لا يعد الكشف لذلك هتكا للمروءة.
"قلت ويباح النظر" للوجه فقط "لمعاملة" كبيع وشراء ليرجع بالعهدة ويطالب بالثمن مثلا "وشهادة" تحملا وأداء لها, أو عليها كنظر الفرج للشهادة بزنا, أو ولادة أو عيالة, أو التحام إفضاء والثدي للرضاع للحاجة وتعمد النظر للشهادة لا يضر, وإن تيسر وجود نساء, أو محارم يشهدون على الأوجه ويفرق بينه وبين ما مر في المعالجة بأن النساء ناقصات وقد لا يقبلن والمحارم ونحوهم قد لا يشهدون ثم رأيت بعضهم أجاب بأنهم وسعوا هنا اعتناء بالشهادة والنظر لغير ذلك مفسق على ما قاله الماوردي وقضيته أنه كبيرة لكن في عدهم للصغائر ما يخالفه وتكلف الكشف للتحمل والأداء فإن امتنعت أمرت امرأة, أو نحوها بكشفها. قال السبكي وعند نكاحها لا بد أن يعرفها الشاهدان بالنسب, أو يكشف وجهها; لأن التحمل عند النكاح منزل منزلة الأداء ا هـ وفي ذلك بسط ذكرته في الفتاوى ويأتي بعضه, ولو عرفها الشاهدان في النقاب لم يحتج للكشف فعليه يحرم الكشف حينئذ إذ لا حاجة إليه ومتى خشي فتنة, أو شهوة لم ينظر إلا إن تعين قال السبكي ومع ذلك يأثم بالشهوة, وإن أثيب على التحمل; لأنه فعل ذو وجهين وقال بعضهم: ينبغي الحل مطلقا; لأن الشهوة أمر طبيعي لا ينفك عن النظر فلا يكلف الشاهد بإزالتها ولا يؤاخذ بها كما لا يؤاخذ الزوج بميل قلبه لبعض نسوته والحاكم بميل قلبه لبعض الخصوم والذي يتجه حمل الأول على ما باختياره والثاني على خلافه كما يقتضيه ما نظر به وبحث الزركشي أن حل نظر الشاهد مفرع على المذهب أنه لا يكفي تعريف عدل أما على ما عليه العمل كما يأتي في الشهادات فلا شك في امتناعه ا هـ وفيه نظر; لأنا وإن قلنا به النظر أحوط وأولى وكفى بذلك حاجة مجوزة له "وتعليم" لأمرد وأنثى كما صرح به السياق خلافا لما يوهمه كلام شارح من اختصاصه بالأمرد. قال السبكي وغيره هذه من تفردات المنهاج أي دون الروضة وأصلها وإلا فهي في شرح مسلم والفتاوى وإنما يظهر فيما يجب تعلمه وتعليمه كالفاتحة وما يتعين فيه ذلك من الصنائع المحتاج إليها بشرط فقد جنس ومحرم صالح وتعذره من وراء حجاب ووجود مانع خلوة أخذا مما مر في العلاج لا فيما لا يحب كما يدل له قوله: الآتي في الصداق تعذر تعليمه على الأصح وعلله الرافعي بخشية الوقوع في التهمة والخلوة المحرمة ومقابله يعلمها من وراء حجاب بغير خلوة فالوجهان متفقان على تحريم النظر ا هـ وقال جمع لا يتقيد الحل بالواجب وفرقوا بين هذا وما في الصداق بأن تعليم المطلق يمتد معه الطمع لسبق مقرب إلا لغة بخلاف الأجنبي وعليه فلا بد من تلك الشروط هنا أيضا, وظاهر أنها لا تعتبر في الأمرد كما عليه الإجماع الفعلي ويتجه اشتراط العدالة فيهما كالمملوك بل أولى "ونحوها" كأمة يريد شراءها فينظر ما عدا عورتها وحاكم يحكم لها أو عليها, أو يحلفها وإنما يجوز النظر في جميع ما مر "بقدر الحاجة والله أعلم". فلا

 

ج / 3 ص -180-        يجوز أن يجاوز ما يحتاج إليه; لأن ما حل لضرورة يقدر بقدرها ومن ثم قال الماوردي لو عرفها الشاهد بنظرة لم تجز ثانية أو برؤية بعض وجهها لم يجز له رؤية كله وما في البحر عن جمهور من الفقهاء أنه يستوعبه مبني على الضعيف السابق من حل نظر وجهها حيث لا فتنة ولا شهوة وكل ما حل له نظره منها للحاجة يحل لها نظره منه للحاجة أيضا كالمعاملة وغيرها مما مر.
"فرع" وطئ حليلته متفكرا في محاسن أجنبية حتى خيل إليه أنه يطؤها فهل يحرم ذلك التفكر والتخيل اختلف في ذلك جمع متأخرون بعد أن قالوا إن المسألة ليست منقولة فقال جمع محققون كابن الفركاح وجمال الإسلام ابن البزري والكمال الرداد شارح الإرشاد والجلال السيوطي وغيرهم يحل ذلك واقتضاه كلام التقي السبكي في كلامه على قاعدة سد الذرائع واستدل الأول لذلك بحديث
"إن الله تعالى تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها" ولك رده بأن الحديث ليس في ذلك بل في خاطر تحرك في النفس هل يفعل المعصية كالزنا ومقدماته, أو لا فلا يؤاخذ به إلا إن صمم على فعله بخلاف الهاجس والواجس وحديث النفس والعزم وما نحن فيه ليس بواحد من هذه الخمسة; لأنه لم يخطر له عند ذلك التفكر والتخيل فعل زنا ولا مقدمة له فضلا عن العزم عليه وإنما الواقع منه تصور قبيح بصورة حسن فهو متناس للوصف الذاتي متذكر للوصف العارض باعتبار تخيله وذلك لا محذور فيه إذ غايته أنه تصور شيء في الذهن غير مطابق للخارج فإن قلت يلزم من تخيله وقوع وطئه في تلك الأجنبية أنه عازم على الزنا بها قلت ممنوع كما هو واضح وإنما اللازم فرض موطوءته هي تلك الحسناء وقد تقرر أنه لا محذور فيه على أنا لو فرضنا أنه يضم إليه خطور الزنا بتلك الحسناء لو ظفر بها حقيقة لم يأثم إلا إن صمم على ذلك فاتضح أن كلا من التفكر والتخيل حال غير تلك الخواطر الخمسة, وأنه لا إثم إلا إن صمم على فعل المعصية بتلك المتخيلة لو ظفر بها في الخارج. قال ابن البزري وينبغي كراهة ذلك ورد بأن الكراهة لا بد فيها من نهي خاص أي, وإن استفيد من قياس, أو قوة الخلاف في وجوب الفعل فيكره تركه كغسل الجمعة أو حرمته فيكره كلعب الشطرنج إذ لم يصح في النهي عنه حديث ونقل ابن الحاج المالكي عن بعض العلماء أنه يستحب فيؤجر عليه; لأنه يصون به دينه واستقر به بعض المتأخرين منا إذا صح قصده بأن خشي تعلقها بقلبه واستأنس له بما في الحديث الصحيح من أمر من رأى امرأة فأعجبته أنه يأتي امرأته فيواقعها ا هـ وفيه نظر; لأن إدمان ذلك التخيل يبقي له تعلقا ما بتلك الصورة فهو باعث على التعلق بها لا أنه قاطع له وإنما القاطع له تناسي أوصافها وخطورها بباله ولو بالتدريج حتى ينقطع تعلقه بها رأسا وقال ابن الحاج المالكي يحرم على من رأى امرأة أعجبته وأتى امرأته جعل تلك الصورة بين عينيه وهذا نوع من الزنا كما قال علماؤنا فيمن أخذ كوزا يشرب منه فتصور بين عينيه أنه خمر فشربه أن ذلك الماء يصير حراما عليه ا هـ ورده بعض المتأخرين بأنه في غاية البعد ولا دليل عليه وإنما بناه على قاعدة مذهبه في سد الذرائع وأصحابنا لا يقولون بها ووافقه الإمام أحمد الزاهد, وهو شافعي غفلة عن هذا البناء

 

ج / 3 ص -181-        ا هـ وقد بسطت الكلام على هذه الآراء الأربعة في الفتاوى وبينت أن قاعدة مذهبه لا تدل لما قاله في المرأة وفرقت بينها وبين صورة الماء بفرق واضح لا غبار عليه فراجع ذلك كله فإنه مهم فإن قلت يؤيد التحريم قول القاضي حسين كما يحرم النظر لما لا يحل يحرم التفكر فيما لا يحل لقوله تعالى {وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النساء: 32] فمنع من التمني لما لا يحل كما منع من النظر لما لا يحل قلت استدلال القاضي بالآية وقوله عقبها فمنع من التمني إلخ صريحان في أن كلامه ليس فيما نحن فيه من التفكر والتخيل السابقين وإنما هو في حرمة تمني حصول ما لا يحل له بأن يتمنى الزنا بفلانة, أو أن تحصل له نعمة فلان بعد سلبها عنه ومن ثم ذكر الزركشي كلامه في قاعدة حرمة تمني الرجل حال أخيه من دين, أو دنيا قال والنهي في الآية للتحريم وغلطوا من جعله للتنزيه نعم إن ضم في مسألتنا إلى التخيل والتفكر تمني وطئها زنا فلا شك في الحرمة; لأنه حينئذ مصمم على فعل الزنا راض به وكلاهما حرام ولم يتأمل كلام القاضي هذا من استدل به للحرمة ولا من أجاب عنه بأنه لا يلزم من تحريم التفكر تحريم التخيل إذ التفكر إعمال النظر في الشيء كما في القاموس ا هـ.
"وللزوج" والسيد في حال الحياة "النظر إلى كل بدنها" أي الزوجة والمملوكة التي تحل وعكسه, وإن منعها كما اقتضاه إطلاقهم, وإن بحث الزركشي منعها إذا منعها ولو الفرج لكن مع الكراهة ولو حالة الجماع, وباطنه أشد وذلك; لأنها محل استمتاعه وعكسه وللخبر الصحيح "احفظ عورتك إلا من زوجتك وأمتك" أي فهي أولى أن لا تحفظ منه; لأن الحق له لا لها ومن ثم لزمها تمكينه من التمتع, ولا عكس وقيل يحرم نظر الفرج لخبر
"إذا جامع أحدكم زوجته أو أمته فلا ينظر إلى فرجها فإن ذلك يورث العمى" أي في الناظر, أو الولد أو القلب حسنه ابن الصلاح وخطأ ابن الجوزي في ذكره له في الموضوعات ورد بأن أكثر المحدثين على ضعفه, وأنكر الفارقي جريان خلاف في حرمة نظره حالة الجماع وقول الدارمي لا يحل نظر حلقة الدبر قطعا; لأنها ليست محل استمتاعه ضعيف ففي النهاية وغيرها وجريا عليه يحل التلذذ بالدبر من غير إيلاج; لأن جملة أجزائها محل استمتاعه إلا ما حرم الله تعالى من الإيلاج وعليه ينبغي كراهة نظره خروجا من الخلاف وخرج بالنظر المس فلا خلاف في حله ولو للفرج وبحال الحياة ما بعد الموت فهو كالمحرم وبالتي تحل زوجة معتدة عن شبهة ونحو أمة مجوسية فلا يحل له إلا نظر ما عدا ما بين سرتها وركبتها.
"تنبيه" كل ما حرم نظره منه أو منها متصلا حرم نظره منفصلا كقلامة يد, أو رجل والفرق مبني على مقابل الصحيح في قوله وكذا وجهها إلخ وشعر امرأة وعانة رجل فتجب مواراتهما والمنازعة في هذين بأن الإجماع الفعلي بإلقائهما في الحمامات والنظر إليهما يرد ذلك قدمت في مبحث الانتفاع بالشارع في إحياء الموات ما يرده فراجعه. قال القاضي وكدم فصد مثلا وما قيل ما لم يتميز بشكله كشعر ينبغي حله غفلة عما في الروضة فإنه نقل ذلك احتمالا للإمام ثم ضعفه بأنه لا أثر للتميز مع العلم بأنه جزء ممن يحرم نظره

 

ج / 3 ص -182-        وتحرم مضاجعة رجلين, أو امرأتين عاريين في ثوب واحد, وإن لم يتماسا وبحث استثناء الأب أو الأم لخبر صحيح فيه بعيد جدا وبفرض دلالة الخبر لذلك يتعين تأويله بما إذا تباعدا بحيث أمن تماس وريبة قطعا وإذا بلغ الصبي أو الصبية عشر سنين وجب التفريق بينه وبين أمه وأبيه وأخته وأخيه كذا قالاه واعترضا بالنسبة للأب والأم للخبر السابق وقد يوجه ما قالاه بأن ضعف عقل الصغير مع إمكان احتلامه قد يؤدي إلى محظور ولو بالأم وقضية إطلاقهما حرمة تمكينهما من التلاصق ولو مع عدم التجرد ومن التجرد ولو مع البعد وقد جمعهما فراش واحد وليس ببعيد لما قررته, وإن قال السبكي يجوز مع تباعدهما, وإن اتحد الفراش ويكره للإنسان نظر فرج نفسه عبثا.

فصل في الخطبة بكسر الخاء, وهي التماس النكاح
"تحل خطبة خلية عن نكاح وعدة" تصريحا وتعريضا وتحرم خطبة المنكوحة كذلك إجماعا فيهما وسيعلم من كلامه أنه يشترط خلوها أيضا من بقية موانع النكاح ومن خطبة الغير قيل يرد على مفهومه المعتدة عن وطء شبهة لحل خطبتها مع عدم خلوها من العدة المانعة للنكاح; لأن ذا العدة ليس له حق في نكاحها وعلى منطوقه المطلقة ثلاثا فلا تحل لمطلقها خطبتها حتى تنكح زوجا غيره وتعتد منه ا هـ. ويرد الأول بأن الجائز إنما هو التعريض خلافا لمن زعم جواز التصريح لها, وهو مفهوم من قوله الآتي لا تصريح لمعتدة فساوت غيرها والثاني بأنه لا يتوهم الورود فيه لا بعد عدة الأول وقبل نكاحها وهذه قام بها مانع فهي كخلية محرم له فكما لا ترد هذه; لأن المراد الخلية من جميع الموانع كما تقرر وإنما خصا; لأن الكلام فيهما لا ترد تلك لذلك وبهذا يندفع أيضا قول بعضهم يرد عليه إيهامه حل خطبة الأمة المستفرشة, وإن لم يعرض السيد عنها وفيه نظر لما فيه من إيذائه إذ هي في معنى الزوجة ا هـ والذي يتجه حرمته مطلقا ما لم تقم قرينة ظاهرة على إعراض السيد عنها ومحبته لتزويجها ووجه اندفاعه أن هنا مانعا هو إفسادها عليه بل مجرد علمه بامتداد نظر غيره لها مع سؤاله له في ذلك إيذاء له أي إيذاء, وإن فرض الأمن عليها من الفساد وقد عرف أن انتفاء سائر الموانع مراد وهذا من جملتها وبهذا يتضح أيضا أنه لا يرد عليه قول الماوردي يحرم على ذي أربع الخطبة أي لقيام المانع منه وقياسه تحريم نحو أخت زوجته ا هـ. ولم ير ذلك البلقيني فبحث الحل إذا كان قصده أنها إذا أجابت أبان واحدة وكذا في نحو أخت زوجته, وهو متجه وبحث حرمة خطبة صغيرة ثيب, أو بكر لا مجبر لها ضعيف إلا إن أراد إيقاع عقد فاسد وتحل خطبة نحو مجوسية لينكحها إذا أسلمت وأفهم قوله تحل أنها لا تندب, وهو ما نقلاه عن الأصحاب وقال الغزالي تسن واحتجا له بفعله صلى الله عليه وسلم وجرى عليه الناس وبحث بعضهم أنها كالنكاح; لأن للوسائل حكم المقاصد قال لكن يلزم منه وجوبها إذا أوجبنا النكاح, وهو مستبعد ا هـ. ولا بعد فيه إذا سلم كونها وسيلة ومن ثم كان تصريحهم بكراهة خطبة المحرم مع حرمة نكاحه محله حيث لم يخطبها لينكحها مع الإحرام وإلا حرمت وكذا يقال في

 

ج / 3 ص -183-        خطبة الحلال للمحرمة وفارقت المعتدة لتوقف الانقضاء على إخبارها الذي قد تكذب فيه بخلاف الإحرام فإن التحلل منه لا يتوقف على إخبارها وقد يقال إن أريد بها مجرد الالتماس كانت حينئذ وسيلة للنكاح فليكن حكمها حكمه من ندب وغيره حتى الوجوب, أو الكيفية المخصوصة من الإتيان لأوليائها مع الخطبة فهي سنة مطلقا فادعاء أنها وسيلة للنكاح, وأن للوسائل حكم المقاصد ممنوع بإطلاقه لعدم صدق حد الوسيلة عليها إذ النكاح لا يتوقف عليها بإطلاقها إذ كثيرا ما يقع بدونها وخرج بالخلية المزوجة فتحرم خطبتها تصريحا وتعريضا كما مر والمعتدة لكن لما كان فيها تفصيل ذكره بقوله "لا تصريح" من غير ذي العدة لمستبرأة, أو "لمعتدة" عن وفاة, أو شبهة, أو فراق بطلاق بائن, أو رجعي, أو بفسخ, أو انفساخ فلا يحل إجماعا; لأنها قد ترغب فيه فتكذب على انقضاء العدة وواضح أن هذه حكمة فلا ترد العدة بالأشهر, وإن أمن كذبها إذا علم وقت فراقها أما ذو العدة فتحل له إن حل له نكاحها بخلاف ما إذا لم يحل كأن طلقها ثلاثا, وهي في عدته وكأن وطئ معتدة بشبهة فحملت فإن عدته تقدم ولا يحل له خطبتها إذ لا يحل له نكاحها "ولا تعريض لرجعية" ومعتدة عن ردة; لأنهما في معنى الزوجة لعودهما للنكاح بالرجعة والإسلام "ويحل تعريض" بغير جماع "في عدة وفاة" ولو حاملا لآيتها, وهي {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} [البقرة: 235] وخشية إلقائها الحمل لتعجيل الانقضاء نادرة فلا ينظر إليها "وكذا" يحل التعريض "لبائن" معتدة بالأقراء, أو الأشهر "في الأظهر" لعموم الآية وأورد عليه بائن بثلاث, أو رضاع أو لعان فإنه لا خلاف في حل التعريض لها وقد يجاب بأن بعضهم أجراه أيضا فلعل المصنف يرتضيه والمعتدة عن شبهة قيل مما لا خلاف فيه وقيل مما فيه الخلاف ولجواب الخطبة حكمها في التفصيل المذكور ثم التصريح ما يقطع بالرغبة في النكاح كإذا انقضت عدتك نكحتك والتعريض ما يحتمل ذلك وعدمه كأنت جميلة, من يجد مثلك, إن الله سائق إليك خيرا, لا تبق أيما, رب راغب فيك, وكذا إني راغب فيك كما نقله الإسنوي عن حاصل كلام الأم واعتمده, وهو بالجماع كعندي جماع مرض وأنا قادر على جماعك محرم بخلاف التعريض به في غير نحو هذه الصورة فإنه مكروه وعليه حملوا نقل الروضة عن الأصحاب كراهته ونحو الكتابة, وهي الدلالة على الشيء بذكر لازمه قد تفيد ما يفيده الصريح كأريد أن أنفق عليه نفقة الزوجات وأتلذذ بك فتحرم وقد لا فيكون تعريضا كذكر ذلك ما عدا وأتلذذ بك وكون الكناية أبلغ من الصريح باتفاق البلغاء وغيرهم إنما هو لملحظ يناسب تدقيقهم الذي لا يراعيه الفقيه وإنما يراعي ما دل عليه التخاطب العرفي ومن ثم افترق الصريح هنا وثم.
"ويحرم" على عالم بالخطبة وبالإجابة وبصراحتها وبحرمة الخطبة على الخطبة "خطبة على خطبة من" جازت خطبته, وإن كرهت و "قد صرح" لفظا "بإجابته" ولو كافرا محترما للنهي الصحيح عن ذلك والتقييد بالأخ فيه للغالب ولما فيه من الإيذاء والقطيعة ويحصل التصريح بالإجابة بأن يقول له المجبر ومنه السيد في أمته غير المكاتبة والسلطان في مجنونة بالغة لا أب لها ولا جد, أو هي والولي ولو مجبرة في غير الكفء, أو غير المجبرة وحدها

 

ج / 3 ص -184-        في الكفء, أو وليها وقد أذنت في إجابته, أو في تزويجها ولو من غير معين كزوجني ممن شئت هذا ما اقتضاه كلامهما, وهو متجه, وإن نازع فيه البلقيني ومن تبعه بالنص على أنه لا تكفي إجابتها وحدها ولا إجابة الولي وقد أذنت له في غير معين وكونها لا تستقل بالنكاح لا يمنع استقلالها بجواب الخطبة لما مر أنه لا تلازم بينهما ومكاتبة كتابة صحيحة مع سيدها. وكذا مبعضة لم تجبر وإلا فهو ووليها أجبتك مثلا وذلك; لأن القصد إجابة لا يتوقف العقد بعدها على أمر متقدم عليه وسكوت البكر غير المجبرة ملحق بالصريح وادعاء أنه لا بد هنا من نطقها; لأنها لا تستحيي منه غير صحيح حكما وتعليلا كما هو واضح ورجح بعضهم في رضيتك زوجا أنه تعريض فقط وفيه نظر بل الأوجه أنه صريح كأجبتك "إلا بإذنه" أي الخاطب له من غير خوف ولا حياء, أو إلا أن يترك, أو يعرض عنه المجيب, أو يعرض هو كأن يطول الزمن بعد إجابته حتى تشهد قرائن أحواله بإعراضه ومنه سفره البعيد المنقطع لاستثناء الإذن والترك في الخبر وقيس بهما ما ذكر "فإن لم يجب ولم يرد" صريحا بأن لم يذكر له واحد منهما, أو ذكر له ما أشعر بأحدهما أو بكل منهما "لم يحرم في الأظهر" المقطوع به في السكوت إذ لم يبطل بها شيء مقرر وكذا إن أجيب تعريضا مطلقا, أو تصريحا ولم يعلم الثاني بالخطبة أو علم بها ولم يعلم بالإجابة, أو علم بها ولم يعلم كونها بالصريح, أو علم كونها به ولم يعلم بالحرمة, أو علم بها لكن وقع إعراض من أحد الجانبين كما مر أو حرمت الخطبة, أو نكح من يحرم جمع المخطوبة معها, أو طال الزمن بعد الإجابة بحيث يعد معرضا كما مر أيضا, أو كان الأول حربيا أو مرتدا لأصل الإباحة مع سقوط حقه بنحو إذنه, أو إعراضه والمرتد لا ينكح فلا يخطب. وطرو ردته قبل الوطء يفسخ العقد فالخطبة أولى ومن خطب خمسا معا, أو مرتبا لم تجز خطبة إحداهن حتى يحصل نحو إعراض, أو يعقد على أربع ويسن خطبة أهل الفضل من الرجال فمن خطب وأجاب والخاطبة مكملة للعدد الشرعي, أو لم يرد إلا واحدة حرم على امرأة ثانية خطبته بالشروط السابقة فإن لم يكمل العدد ولا أراد الاقتصار على واحدة فلا حرمة مطلقا لإمكان الجمع. "ومن استشير في خاطب", أو نحو عالم لمن يريد الاجتماع به أو معاملته هل يصلح أو لا أو لم يستشر في ذلك كما يجب على من علم بالمبيع عيبا أن يخبر به من يريد شراءه مطلقا خلافا لمن وهم فيه فقال لا يجب هنا إذا لم يستشر فارقا بأن الإعراض أشد حرمة من الأموال وذلك; لأن الضرر هنا أشد; لأن فيه تكشف بضع وهتك سوأة وذو المروءة يسمح في الأموال بما لا يسمح به هنا "ذكر" وجوبا في الأذكار والرياض وشرح مسلم كفتاوى القفال وابن الصلاح وابن عبد السلام "مساوئه" الشرعية وكذا العرفية فيما يظهر أخذا من الخبر الآتي "وأما معاوية فصعلوك لا مال له" أي عيوبه سميت بذلك; لأنها تسيء صاحبها أي ما ينزجر به منها إن لم ينزجر بنحو ما يصلح لك كما قاله المصنف كالغزالي ولا ينافيه الحديث الآتي خلافا للأذرعي لاحتمال أنه صلى الله عليه وسلم علم من مستشيرته أنها, وإن اكتفت بنحو لا يصلح لك تظن وصفا أقبح مما هو فيه فبين دفعا لهذا المحذور ولا يقاس به صلى الله عليه وسلم غيره في ذلك فيلزمه الاقتصار على ذلك. وإن توهم نقص

 

ج / 3 ص -185-        أفحش; لأن لفظه لا يتقيد به فلا مبالاة بإيهامه "بصدق" ليحذر بذلا للنصيحة الواجبة وصح أنه صلى الله عليه وسلم استشير في معاوية وأبي جهم فقال أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه كناية عن كثرة الضرب قيل أو السفر "وأما معاوية فصعلوك لا مال له" نعم إن علم أن الذكر لا يفيد أمسك كالمضطر لا يباح له إلا ما اضطر إليه وقد يؤخذ منه أنه يجب ذكر الأخف فالأخف من العيوب وهذا أحد أنواع الغيبة الجائزة, وهي ذكر الغير بما فيه أو في نحو ولده أو زوجته, أو ماله مما يكره أي عرفا, أو شرعا لا بنحو صلاح, وإن كرهه فيما يظهر ولو بإشارة, أو إيماء بل وبالقلب بأن أصر فيه على استحضار ذلك ومن أنواعها الجائزة أيضا التظلم لذي قدرة على إنصافه, أو الاستعانة به على تغيير منكر أو دفع معصية والاستفتاء بأن يذكر  وحال خصمه مع تعيينه للمفتي, وإن أغنى إجماله; لأنه قد يكون في التعيين فائدة. ومجاهرته بفسق أو بدعة بأن لم يبال بما يقال فيه من جهة ذلك لخلعه جلباب الحياء فلم يبق له حرمة لكن لا يذكر بغير متجاهر به وينبغي أن تكون مجاهرته بصغيرة كذلك فيذكرها فقط وشهرته بوصف يكرهه فيذكر للتعريف, وإن أمكن تعريفه بغيره لا للتنقيص ويظهر في حالة الإطلاق أنه لا حرمة ولو استشير في نفسه وفيه مساو ففيه تردد والذي يتجه أنه يلزمه أن يقول لا أصلح لكم فإن رضوا به مع ذلك فواضح وإلا لزمه الترك أو الإخبار بما فيه من كل مذموم شرعا أو عرفا فيما يظهر نظير ما مر وبحث الأذرعي تحريم ذكر ما فيه جرح كزنا بعيد, وإن أمكن توجيهه بأن له مندوحة عنه بترك الخطبة وقول غيره لو علم رضاهم بعيبه فلا فائدة لذكره يرد بأن استشارتهم له في نفسه تدل على عدم رضاهم فتعين الإخبار, أو الترك كما تقرر والنص على أنها لو أذنت في العقد لم يجز ذكر المساوي ينبغي أن يحمل على ما إذا ظهر بقرائن الأحوال عدم رجوعها عنه, وإن ذكرت فهو موافق لما مر أن جواز ذكرها مشروط بالاحتياج إليه فتوجيهه بأنها مقصرة بالإذن قبل الاستشارة إنما يأتي على الوهم السابق أنه لا يجب ذكر المساوي إلا بعد الاستشارة فعلى الصواب أنه يجب, وإن لم يستشر لا يصح هذا التوجيه سواء أكانت غبية أم فطينة خلافا لمن أوهم كلامه فرقا بينهما ومقتضى ما تقرر أن فرضهم التردد السابق فيما لو استشير في نفسه ليس للتقييد فيلزمه ذكر ما فيه بترتيبه السابق, وإن لم يستشر, وهو قياس من علم بمبيعه عيبا يلزمه ذكره مطلقا.
"ويستحب" للخاطب, أو نائبه إن جازت الخطبة بالتصريح لا بالتعريض كما بحثه الجلال البلقيني, وهو ظاهر إذ لو سنت فيما فيه تعريض صار تصريحا "تقديم خطبة" بضم الخاء "قبل الخطبة" بكسرها لخبر "كل أمر ذي بال" السابق وفي رواية "كل كلام لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أقطع" أي عن البركة فيبدأ بالحمد والثناء على الله تعالى ثم بالصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يوصي بالتقوى ثم يقول جئتكم, وإن كان وكيلا قال جاءكم موكلي, أو جئتكم عنه خاطبا كريمتكم أو فتاتكم فيخطب الولي, أو نائبه كذلك ثم يقول لست بمرغوب عنك, أو نحوه "ويستحب" خطبة "أخرى" كما ذكر "قبل العقد" عند إرادة التلفظ به سواء الولي, أو نائبه والزوج, أو نائبه وأجنبي قال شارح, وهي آكد

 

ج / 3 ص -186-        من الأولى "ولو خطب الولي" كما ذكر ثم قال زوجتك إلى آخره "فقال الزوج الحمد لله والصلاة" والسلام "على رسول الله قبلت" إلى آخره "صح النكاح", وإن تخلل ذلك "على الصحيح"; لأنه مقدمة القبول مع قصره فليس أجنبيا عنه, وإن لم يقل بندبه "بل" على الصحة "يستحب ذلك" للخبر السابق "قلت الصحيح لا يستحب والله أعلم" بل يستحب تركه خروجا من خلاف من أبطل به وكذا في الأذكار لكن الأصح في الروضة وأصلها ندبه بزيادة الوصية بالتقوى وأطال الأذرعي وغيره في تصويبه نقلا ومعنى واستبعد الأول بأن عدم الندب مع عدم البطلان خارج عن كلامهم وذكر الماوردي أنه صلى الله عليه وسلم لما زوج فاطمة عليا رضي الله عنهما خطبا جميعا. قال ابن الرفعة وحينئذ الحجة فيه للندب ظاهرة; لأنها إنما تكون من كل في مقدمة كلامه ا هـ والوارد كما بينته في كتابي الصواعق المحرقة أنه زوجه بها في غيبته, وأنه لما جاء أخبره بأن الله تعالى أمره بذلك فقال رضيت فإن ورد ما قاله الماوردي فلعله أعاده لما حضر تطييبا لخاطره وإلا فمن خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه يزوج من شاء لمن شاء بلا إذن; لأنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم. قال في الأذكار ويسن كون التي أمام العقد أطول من خطبة الخطبة "فإن طال الذكر الفاصل" بينهما "لم يصح" النكاح جزما لإشعاره بالإعراض وكونه مقدمة للقبول لا يستدعي اغتفار طوله; لأن المقدمة التي قام الدليل عليها ما ذكر فقط فلم يغتفر طوله وضبطه القفال بأن يكون زمنه لو سكتا فيه لخرج الجواب عن كونه جوابا ويؤخذ مما مر في البيع أن الفصل بأجنبي ممن طلب جوابه يضر, وإن قصر وممن انقضى كلامه لا يضر إلا إن طال فقول بعضهم لو قال زوجتك فاستوص بها فقبل لم يصح وهم وبالسكوت يضر إن طال واشتراط وقوع الجواب ممن خوطب دون نحو وكيله, وأن يسمعه من بقربه, وأن لا يرجع المبتدئ, وأن تبقى أهليته وأهلية الآذنة المشترط إذنها إلى انقضاء العقد, وأن يقبل على وفق الإيجاب لا بالنسبة للمهر, وأن يتم المبتدئ كلامه حتى ذكر المهر وصفاته وغير ذلك مما يتأتى مجيئه هنا نعم في اشتراط فراغه من ذكر المهر وصفاته وقفة وإنما اشترط هذا ثم بالنسبة للثمن; لأن ذكره من المبتدئ شرط فهو من تمام الصيغة المشترطة فاشترط الفراغ منه ولا كذلك المهر فالقياس صحة الشق الآخر بعد تمام الصيغة المصححة, وإن كان في أثناء ذكر المهر وصفاته إلا أن يجاب بأنه مع تكلم المبتدئ لا يسمى جوابا فيقع لغوا وفيه ما فيه.
"تتمة" يندب التزوج في شوال والدخول فيه للخبر الصحيح فيهما عن عائشة رضي الله عنها مع قولها ردا على من كره ذلك تزوجني صلى الله عليه وسلم في شوال ودخل بي فيه وأي نسائه كان أحظى عنده مني وكون العقد في المسجد للأمر به في خبر الطبراني ويوم الجمعة وأول النهار لخبر
"اللهم بارك لأمتي في بكورها" حسنه الترمذي وبه يرد ما اعتيد من إيقاعه عقب صلاة الجمعة نعم إن قصد بالتأخير إليه كثرة حضور الناس لا سيما العلماء والصالحون له في هذا الوقت دون غيره كان أولى وقول الولي قبيل العقد أزوجك على ما أمر الله تعالى به من إمساك بمعروف, أو تسريح بإحسان والدعاء لكل من الزوجين عقبه ببارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير لصحة الخبر به وظاهر كلام

 

ج / 3 ص -187-        الأذكار أنه يسن أيضا كيف وجدت أهلك بارك الله لك لما صح أنه صلى الله عليه وسلم لما دخل على زينب خرج فدخل على عائشة فسلم فقالت وعليك السلام ورحمة الله كيف وجدت أهلك بارك الله لك فعل ذلك مع كل نسائه وكل قالت ما قالت عائشة وقد يقال قولهن له كيف وجدت أهلك يؤخذ منه ندبه مطلقا لما فيه من نوع استهجان مع الأجانب لا سيما العامة وقد يجاب بأن هذا الاستفهام ليس على حقيقته بدليل أنه صلى الله عليه وسلم لم يجب عنه وإنما هو للتقرير أي وجدتها على ما تحب ومع ذلك ينبغي أن لا يندب هذا إلا لعارف بالسنة لما أشرت إليه, وهو بالرفاء بالمد أي الالتئام والبنين مكروه والأخذ بناصيتها أول لقائها ويقول بارك الله لكل منا في صاحبه ثم إذا أراد الجماع تغطيا بثوب وقدما قبيله التنظف والتطيب والتقبيل ونحوه مما ينشط له للأمر به. قال ابن عباس في {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ} [البقرة: 228] إني لأحب أن أتزين لزوجتي كما أحب أن تتزين لي لهذه الآية وقال كل منهما ولو مع اليأس من الولد كما اقتضاه إطلاقهم بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا وليتحر استحضار ذلك بصدق في قلبه عند الإنزال فإن له أثرا بينا في صلاح الولد وغيره ولا يكره للقبلة ولو بصحراء ويكره تكلم أحدهما أثناءه لا شيء من كيفياته حيث اجتنب الدبر إلا ما يقضي طبيب عدل بضرره ويحرم ذكر تفاصيله بل صح ما يقتضي أنه كبيرة ومر آنفا حكم تخيل غير الموطوءة قيل يحسن تركه ليلة أول الشهر ووسطه وآخره لما قيل إن الشيطان يحضره فيهن ويرد بأن ذلك لم يثبت فيه شيء وبفرضه الذكر الوارد يمنعه ويندب إذا تقدم إنزاله أن يمهل لتنزل, وأن يتحرى به وقت السحر للاتباع وحكمته انتفاء الشبع والجوع المفرطين حينئذ إد هو مع أحدهما مضر غالبا كالإفراط فيه مع التكلف وضبط بعض الأطباء أنفعه بأن يجد داعيته من نفسه لا بواسطة كتفكر نعم في الخبر الصحيح أمر من رأى امرأة فأعجبته به وعلله بأن ما مع زوجته كما مع المرئية وفعله يوم الجمعة قبل الذهاب إليها أو ليلتها, وأن لا يتركه عند قدومه من سفر والتقوي له بأدوية مباحة مع رعاية القوانين الطبية بقصد صالح كعفة أو نسل وسيلة لمحبوب فليكن محبوبا فيما يظهر وكثيرون يخطئون ذلك فيتولد منه أمور ضارة جدا فليحذر ووطء الحامل والمرضع منهي عنه فيكره إن خشي منه ضرر الولد بل إن تحققه حرم ومن أطلق عدم كراهته مراده ما إذا لم يخش منه ضررا.

فصل في أركان النكاح وتوابعها
وهي أربعة زوجان وولي وشاهدان وصيغة وقدمها لانتشار الخلاف فيها المستدعي لطول الكلام عليها فقال:
"إنما يصح النكاح بإيجاب" ولو من هازل وكذا القبول "وهو أن يقول" العاقد "زوجتك, أو أنكحتك" موليتي فلانة مثلا وحرم بعضهم بأن أزوجك, أو أنكحك كذلك إن خلا عن نية الوعد وظاهره الصحة مع الإطلاق وفيه نظر والذي يتجه أن يأتي هنا ما مر آخر الضمان في أؤدي المال بل لو قيل إن اختصاص ما هنا بمزيد احتياط أوجب أن لا

 

ج / 3 ص -188-        يغتفر فيه موهم الوعد مطلقا لم يبعد ثم رأيت البلقيني أطلق عنهم عدم الصحة فيهما ثم بحث الصحة إذا انسلخ عن معنى الوعد بأن قال الآن, وهو صريح فيما ذكرته "وقبول" مرتبط بالإيجاب كما مر آنفا "بأن يقول الزوج" ومثله وكيله كما سنذكره "تزوجت" ها "أو نكحت" ها فلا بد من دال عليها من نحو اسم, أو ضمير, أو إشارة "أو قبلت" أو رضيت لا فعلت واتحادهما في البيع لا ينافي هذا كما يظهر بالتأمل "نكاحها" بمعنى إنكاحها ليطابق الإيجاب ولاستحالة معنى النكاح هنا إذ هو المركب من الإيجاب والقبول كما مر وروى الآجري أن الواقع من علي في نكاح فاطمة رضي الله عنها رضيت نكاحها "أو تزويجها", أو النكاح, أو التزويج ولا نظر لإيهام نكاح سابق حتى يجب هذا, أو المذكور خلافا لمن زعمه; لأن القرينة القطعية بأن المراد قبول ما أوجب له تغني عن ذلك لا قبلت ولا قبلتها مطلقا ولا قبلته إلا في مسألة المتوسط على ما في الروضة لكن ردوه ولا يشترط فيها أيضا تخاطب فلو قال للولي زوجته ابنتك فقال زوجت على ما اقتضاه كلامهما لكن جزم غير واحد بأنه لا بد من زوجته, أو زوجتها ثم قال للزوج قبلت نكاحها فقال قبلته على ما مر أو تزوجتها فقال تزوجتها صح ولا يكفي هنا نعم وأو في كلامه للتخيير مطلقا إذ لا يشترط توافق اللفظين قيل كان ينبغي تقديم قبلت; لأنه القبول الحقيقي ا هـ. ويرد بمنع ذلك بل الكل قبول حقيقي شرعا وبفرض ذلك لا يرد عليه; لأن غير الأهم قد يقدم لنكتة كالرد على من تشكك, أو خالف فيه وقد قيل في صحة تزوجت, أو نكحت نظر لتردده بين الإخبار والقبول وفي تعليق البغوي في قوله تزوجت قال أصحابنا لا يصح; لأنه إخبار لا عقد ا هـ. ويرد النظر بأنه مبني على الاكتفاء بمجرد تزوجت من غير نحو ضمير والأصح خلافه كما مر وحينئذ فما في التعليق صحيح لكن لخلوه عن ذلك الموجب لتمحضه للإخبار أو قربه منه لا للتردد الذي ذكره; لأن هذا إنشاء شرعا كبعث ولا يضر من عامي نحو فتح تاء متكلم وإبدال الزاي جيما وعكسه والكاف همزة وفي فتاوى بعض المتقدمين يصح أنكحك كما هو لغة قوم من اليمن والغزالي لا يضر زوجت لك, أو إليك; لأن الخطأ في الصيغة إذا لم يخل بالمعنى ينبغي أن يكون كالخطأ في الإعراب والتذكير والتأنيث ا هـ, وهو صريح فيما ذكر وغيره من اغتفار كل ما لا يخل بالمعنى ومن ثم قال أبو شكيل في نحو فتح تاء المتكلم هذا لحن لا يخل بالمعنى فلا يخرج به الصريح عن موضوعه وعن الشرف بن المقري أنه أفتى في فتح التاء بأن عرف البلد إذا فهم به المراد صح حتى من العارف ا هـ. وكأنه إنما قيد بعرف البلد ذلك لأجل ما بعد حتى إذ من الواضح أن العامي لا يشترط فيه ذلك فإن قلت ينافي ذلك عدهم كما مر أنعمت بضم التاء, أو كسرها مخلا للمعنى وكان هذا هو الحامل لبعضهم على قوله لا يصح العقد مع فتح التاء مطلقا ونقله غيره عن الإسنوي في بعتك بفتح التاء قلت يفرق بأن المدار في الصيغ على المتعارف في محاورات الناس ولا كذلك القرآن فتأمله والعجب ممن استدل بقول الغزالي لا يضر الخطأ في التذكير والتأنيث أي كما صرحوا به في الطلاق والقذف والعتق على أن فتح التاء يضر وغفل عن أنه إذا صح زوجتك بكسر الكاف خطابا للزوج صح بفتح التاء بلا فارق

 

ج / 3 ص -189-        وسيعلم مما يأتي صحة النكاح مع نفي الصداق فيشترط للزومه هنا ذكره في كل من شقي العقد مع توافقهما فيه كتزوجتها به وإلا وجب مهر المثل "ويصح تقديم لفظ الزوج", أو وكيله سواء قبلت وغيرها كما قالاه خلافا لمن فرق وزعم أن تقدم قبلت غير منتظم لاستدعائه مقبولا متقدما ممنوع إذ يصح أن يقال قبلت ما سيجيء منك والتعبير بالماضي عن المستقبل إشعارا بالثقة بوقوعه حتى كأنه واقع شائع لغة وعرفا "على" لفظ "الولي أو وكيله" لحصول المقصود. "ولا يصح" النكاح "إلا بلفظ التزويج أو الإنكاح" أي ما اشتق منهما فليس هذا مكررا مع ما مر لإيهامه حصر الصحة في تلك الصيغ فيصح نحو أنا مزوجك إلى آخره وقول البلقيني هنا الآن يقتضي أنه يشترط هنا نظير ما قدمه في أنكحك والذي يظهر خلافه لأن اسم الفاعل حقيقة في الحال فلا يوهم الوعد حتى يحترز عنه بخلاف المضارع فإن قلت الخلاف في كل منهما مشهور وإنما الذي تفارقا فيه الترجيح عند جمع فكان ينبغي تعين الآن فيه مثله خروجا من ذلك الخلاف الموجب لاحتماله الوعد أيضا قلت كفى باختلاف الترجيح مرجحا لا سيما والمرجحون أيضا ممن أحاطوا باللغة أكثر من غيرهم وذلك لخبر مسلم "اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله". وكلمته ما ورد في كتابه ولم يرد فيه غيرهما والقياس ممتنع; لأن في النكاح ضربا من التعبد فلم يصح بنحو لفظ إباحة وهبة وتمليك وجعله تعالى النكاح بلفظ الهبة من خصائصه صلى الله عليه وسلم لقوله {خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب: 50] صريح واضح في ذلك وخبر البخاري "ملكتكها بما معك من القرآن" أما وهم من معمر كما قاله النيسابوري; لأن رواية الجمهور زوجتكها والجماعة أولى بالحفظ من الواحد, أو رواية بالمعنى لظن الترادف, أو جمع صلى الله عليه وسلم بين اللفظين إشارة إلى قوة حق الزوج وأنا كالمالك وينعقد نكاح الأخرس بإشارته التي لا يختص بفهمها الفطن وكذا بكتابته بلا خلاف على ما في المجموع لكنه معترض بأنه يرى أنها في الطلاق كناية والعقود أغلظ من الحلول فكيف يصح النكاح بها فضلا عن كونه بلا خلاف وقد يجاب بحمل كلامه على ما إذا لم تكن له إشارة مفهمة وتعذر توكيله لاضطراره حينئذ ويلحق بكتابته في ذلك إشارته التي يختص بفهمها الفطن. "ويصح بالعجمية في الأصح", وإن أحسن العربية, وهي ما عداها اعتبارا المعنى به إذ لا يتعلق به إعجاز ويشترط أن يأتي بما يعده أهل تلك اللغة صريحا في لغتهم هذا إن فهم كل كلام نفسه والآخر ولو بأن أخبره ثقة بالإيجاب, أو القبول بعد تقدمه من عارف به ولو بإخبار الثقة له بمعناه قبل تكلمه به فقبله, أو أجاب فورا على الأوجه ويشترط فهم الشاهدين أيضا كما يأتي "لا بكناية" في الصيغة كأحللتك بنتي فلا يصح النكاح "قطعا", وإن قال نويت بها النكاح وتوفرت القرائن على ذلك; لأنه لا مطلع للشهود المشترط حضورهم لكل فرد فرد منه على النية وبه فارق البيع, وإن شرط فيه الإشهاد على ما فيه وقوله ذلك لا يؤثر; لأن الشهادة على إقراره بالعقد لا على نفس العقد وفيه وجه لكنه لشذوذه لم يعول عليه ولو استخلف قاض فقيها في تزويج امرأة صح بما يصح به تولية القضاء مما سيأتي فيه اشتراط اللفظ

 

ج / 3 ص -190-        الصريح وخرج بقولنا في الصيغة الكناية في المعقود عليه كما لو قال أبو بنات زوجتك إحداهن, أو بنتي أو فاطمة ونويا معينة ولو غير المسماة فإنه يصح ويفرق بأن الصيغة هي المحللة فاحتيط لها أكثر ولا يكفي زوجت بنتي أحدكما مطلقا.
"ولو قال" الولي "زوجتك" إلى آخره "فقال" الزوج "قبلت" مطلقا, أو قبلته ولو في مسألة المتوسط على ما مر "لم ينعقد" النكاح "على المذهب" لانتفاء لفظ النكاح, أو التزويج كما مر "ولو قال" الزوج للولي "زوجني بنتك فقال" الولي "زوجتك" بنتي "أو قال الولي" للزوج "تزوجها" أي بنتي "فقال" الزوج "تزوجت" ها "صح" النكاح فيهما بما ذكر للاستدعاء الجازم الدال على الرضا وفي الصحيحين إن خاطب الواهبة قال للنبي صلى الله عليه وسلم زوجنيها فقال "زوجتكها" ولم ينقل أنه قال بعده تزوجتها ولا غيره وخرج بزوجني تزوجني, أو زوجتني أو زوجتها مني وبتزوجها تتزوجها, أو تزوجتها فلا يصح لعدم الجزم نعم إن قبل, أو أوجب ثانيا صح ولا يصح أيضا قل تزوجتها, أو زوجتها; لأنه استدعاء للفظ دون التزويج ولا زوجت نفسي, أو ابني من بنتك; لأن الزوج غير معقود عليه. وإن أعطي حكمه في نحو أنا منك طالق مع النية ولا زوجت بنتي فلانا ثم كتب, أو أرسل إليه فقبل وإنما صح نظيره في البيع; لأنه أوسع "ولا يصح تعليقه" فيفسد به كالبيع بل أولى لمزيد الاحتياط هنا "ولو بشر بولد فقال" لمن عنده "إن كانت أنثى فقد زوجتكها" فقبل ثم بان أنثى "أو قال" شخص لآخر "إن كانت بنتي طلقت واعتدت فقد زوجتكها" فقبل ثم بان انقضاء عدتها, وأنها أذنت له أو كانت بكرا والعدة لاستدخال ماء, أو وطء في دبر, أو قال لمن تحته أربع إن كانت إحداهن ماتت زوجتك بنتي فقبل "فالمذهب بطلانه" لفساد الصيغة بالتعليق قيل وفارق بيع مال مورثه ظانا حياته فبان ميتا بجزم الصيغة ثم انتهى ويرد بصحته ثم مع التعليق كأن كان ملكي. وإن لم يظنه ملكه فالوجه الفرق بمزيد الاحتياط هنا كما مر آنفا ويؤخذ منه أن زوجتك أمة مورثي إن كان ميتا باطل, وإن بان ميتا وخرج بولد ما لو بشر بأنثى فقال بعد تيقنه أو ظنه صدق المخبر إن صدق المخبر فقد زوجتكها فإنه يصح; لأنه غير تعليق بل تحقيق إذ أن حينئذ بمعنى إذ ومثله ما لو أخبر بموت زوجته وتيقن, أو ظن صدق المخبر فقال إن صدق المخبر فقد تزوجت بنتك وبحث البلقيني أن محل امتناع التعليق إذا لم يكن مقتضى الإطلاق وإلا كأن غابت وتحدث بموتها ولم يثبت فقال زوجتك بنتي إن كانت حية صح وفيه نظر; لأن إن هنا ليست بمعنى إذ كما هو ظاهر والنظر لأصل بقاء الحياة لا يلحقه بتيقن الصدق, أو ظنه فيما مر وبحث غيره الصحة في إن كانت فلانة موليتي فقد زوجتكها وفي زوجتك إن شئت كالبيع إذ لا تعليق في الحقيقة ا هـ. ويتعين حمل الأول على ما إذا علم, أو ظن أنها موليته والثاني علم ما إذا لم يرد التعليق ولا يقاس بالبيع لما تقرر "ولا توقيته" بمدة معلومة أو مجهولة فيفسد لصحة النهي عن نكاح المتعة وجاز أولا رخصة للمضطر ثم حرم عام خيبر ثم جاز عام الفتح وقيل حجة الوداع ثم حرم أبدا بالنص الصريح الذي لو بلغ ابن عباس لم يستمر على حلها مخالفا كافة العلماء وحكاية الرجوع عنه لم تصح بل صح كما قاله بعضهم عن جمع من

 

ج / 3 ص -191-        السلف أنهم وافقوه في الحل لكن خالفوه فقالوا لا يترتب عليه أحكام النكاح وبهذا نازع الزركشي في حكاية الإجماع فقال الخلاف محقق, وإن ادعى جمع نفيه وكذا لحوم الحمر الأهلية حرمت مرتين وبحث البلقيني صحته إذا أقت بمدة عمره, أو عمرها; لأنه تصريح بمقتضى الواقع وقد ينازع فيه بأن الموت لا يرفع آثار النكاح كلها فالتعليق بالحياة المقتضي لرفعها كلها بالموت مخالف لمقتضاه حينئذ وبه يتأيد إطلاقهم ويعلم الفرق بين هذا ووهبتك أو أعمرتك مدة حياتك بأن المدار ثم على صحة الحديث به فهو إلى التعبد أقرب على أنه يكفي طلب مزيد الاحتياط هنا فارقا بينه وبين غيره قيل لا يلزم من نفي صحتهما نفي صحة العقد ويرد بلزومه على قواعدنا, وإن نقل عن زفر صحته وإلغاء التوقيت.
"و" لا يصح "نكاح الشغار" بمعجمتين أولاهما مكسورة للنهي عنه في خبر الصحيحين من شغر الكلب رجله رفعها ليبول فكأن كلا منهما يقول لا ترفع رجل بنتي حتى أرفع رجل بنتك, أو من شغر البلد إذا خلا لخلوه عن المهر أو عن بعض الشروط "وهو" شرعا كما في آخر الخبر المحتمل أن يكون من تفسيره صلى الله عليه وسلم أو من تفسير ابن عمر راويه, أو نافع راويه عنه, وهو ما صرح به البخاري وأبو داود فيرجع إليه "زوجتكها" أي بنتي "على أن تزوجني", أو تزوج ابني مثلا "بنتك وبضع كل واحدة" منهما "صداق الأخرى فيقبل" ذلك بأن يقول تزوجتها وزوجتك مثلا وعلة البطلان التشريك في البضع; لأن كلا جعل بضع موليته موردا للنكاح وصداقا للأخرى فأشبه تزويجها من رجلين واعترضه الرافعي بما فيه نظر وقيل غير ذلك وضعف الإمام المعاني كلها وعول على الخبر "فإن لم يجعل البضع صداقا" بأن قال زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك ولم يزد فقبل كما ذكر "فالأصح الصحة" للنكاحين بمهر المثل لعدم التشريك في البضع وما فيه من شرط عقد في عقد لا يفسد النكاح وقضية كلامهم أن على أن تزوجني بنتك استيجاب قائم مقام زوجني وإلا لوجب القبول بعد ولو جعل البضع صداقا لإحداهما بطل فيمن جعل بضعها صداقا فقط ففي زوجتكها على أن تزوجني بنتك وبضع بنتك صداق بنتي يصح الأول فقط وفي عكسه يبطل الأول فقط. "ولو سميا" أو أحدهما "مالا مع جعل البضع صداقا" كأن قال وبضع كل وألف صداق الأخرى "بطل في الأصح" لبقاء معنى التشريك وسيعلم من كلامه وغيره أنه لا بد في الزوج من علمه أي ظنه حل المرأة له فلو جهل حلها لم يصح نكاحها احتياطا لعقد النكاح فإن قلت يشكل على هذا ما مر من صحة نكاح زوجة مفقود بان ميتا وأمة مورثه ظانا حياته فبان ميتا قلت لا إشكال; لأن ما هنا من العلم بحلها شرط لحل مباشرة العقد ونفوذه ظاهرا أيضا وما في تينك المسألتين بالنسبة لتبين نفوذه باطنا, وإن أثم بالعقد وحكم ببطلانه ظاهرا وأما الفرق بين الصحة فيمن زوج أخته, وهو يشك أنها بالغة, أو لا فبانت بالغة, أو زوج الخنثى أخته فبان رجلا والبطلان فيمن زوج موليته قبل علمه بانقضاء عدتها بأن الشك في ذينك ونظائرهما في ولاية العاقد وفي الأخيرة في حل المنكوحة, وهو لا بد من تحققه ففيه نظر ظاهر ويبطله ما تقرر في زوجة المفقود فإن عدم

 

ج / 3 ص -192-        العلم بموت زوجها أولى من عدم العلم بانقضاء العدة ومع ذلك صرحوا بصحة نكاحها إذا بان موته فكذا يصح نكاح الأخرى إذا بان انقضاء عدتها وحينئذ فالوجه ما ذكرته فتأمله. ثم رأيت الفارق بما ذكر صرح في موضع بما ذكرته فقال قول الشيخين وغيرهما العلم بوجود شروط النكاح حال عقده شرط محمول على أنه شرط لجواز مباشرته العقد لا لصحته حتى إذا كانت الشروط محققة في نفس الأمر كان النكاح صحيحا, وإن كان المباشر مخطئا في مباشرته ويأثم إن أقدم عالما بامتناعه وفي الولي من فقد نحو رق وصبى وأنوثة, أو خنوثة وغيرها مما يأتي وفي الزوجة من الخلو عن نكاح وعدة ومن جهل مطلق على ما قاله المتولي وأقره القمولي وغيره وعبارته وطريق العلم بالزوجة إما معرفة اسمها ونسبها أو معاينتها فزوجتك هذه, وهي متنقبة أو وراء سترة والزوج لا يعرف وجهها ولا اسمها ونسبها باطل لتعذر تحمل الشهادة عليها ا هـ. قال الأذرعي وهذا منه تقييد لقول الأصحاب أي وجرى عليه الرافعي وغيره لو أشار لحاضرة وقال زوجتك هذه صح قال الرافعي وكذا التي في الدار وليس فيها غيرها والزركشي كلام الرافعي في الشهادات عن القفال يوافق ما قاله المتولي قالا أعني الأذرعي والزركشي وكلام كثيرين قال الزركشي منهم الرافعي يشعر بفرض المسألة أي في كلام الأصحاب فيما إذا كان الزوج ممن يعلم نسبها أي, أو عينها فلم يخالف كلام الأصحاب المطلقين في زوجتك هذه كلام المتولي وتردد الأذرعي في أن الشهود هل يشترط معرفتهم لها كالزوج والذي أفهمه قول المتولي لتعذر تحمل الشهادة عليها أنهم مثله لكن رجح ابن العماد أنه لا يشترط معرفتهم لها; لأن الواجب حضورهم وضبط صيغة العقد لا غير حتى لو دعوا للأداء لم يشهدوا إلا بصورة العقد التي سمعوها كما قاله القاضي في فتاويه ويفرق بينهم وبينه بأن جهله المطلق بها يصير العقد لغوا لا فائدة فيه بوجه بخلاف جهلهم لبقاء فائدته بمعرفته لها ولا نظر لتعذر التحمل هنا كما لا نظر لتعذر الأداء في نحو ابنيهما على أن لك أن تحمل كلام الأصحاب فيه على إطلاقه إذ لا خفاء كما علم مما مر آنفا أن المدار على ما في نفس الأمر أنه لو علم في مجلس العقد عينها أو اسمها ونسبها بانت صحته وكذا بعد مجلسه كأن أمسكها الزوج والشهود إلى الحاكم وبان خلوها من الموانع وحينئذ فيتعين حمل كلام المتولي ومن وافقه على أنه فيمن أيس من العلم بها أبدا وهذا أوجه بل أصوب مما مر عن الأذرعي والزركشي فالحاصل أنه متى علم أنها المشار إليها عند العقد بانت صحته وإلا فلا فتفطن لذلك وأعرض عما سواه. قال الجرجاني وفيما إذا كان الولي غير الأب والجد يشترط أي في الغائبة رفع نسبها حتى ينتفي الاشتراك ويكفي ذكر الأب وحده إذا لم يكن في البلد مشارك له وفي الثلاثة من تعيين إلا فيما مر في إحدى بناتي واختيار إلا في المجبرة وعدم إحرام.
"ولا يصح" النكاح "إلا بحضرة شاهدين" قصدا أو اتفاقا بأن يسمعا الإيجاب والقبول أي الواجب منهما المتوقف عليه صحة العقد لا نحو ذكر المهر كما هو ظاهر للخبر الصحيح "لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل وما كان من نكاح على غير ذلك فهو باطل"

 

ج / 3 ص -193-        الحديث والمعنى فيه الاحتياط للأبضاع وصيانة الأنكحة عن الجحود ويسن إحضار جمع من أهل الصلاح "شرطهما حرية" كاملة فيهما "وذكورة" محققة وكونهما إنسيين كما قاله ابن العماد فلا ينعقد بمن فيه رق ولا بجني إلا إن علمت عدالته الظاهرة كما هو ظاهر نظير ما مر من صحة نحو إمامته وحسبانه من الأربعين في الجمعة وغير ذلك فإن قلت مر في نقض الوضوء بلمسه بناؤه على صحة أنكحتهم فهل هو هنا كذلك قلت الظاهر لا ويفرق بأن المدار ثم على مظنة الشهوة, وهو لا يكون مظنة لها إلا إن حل نكاحه وهنا على حضور متأهل لفهم الصيغة, وإن لم يثبت العقد به, وهو كذلك ولا بامرأة ولا بخنثى إلا إن بان ذكرا كالولي بخلاف ما لو عقد على خنثى, أو له, وإن بان أن لا خلل والفرق أن الشهادة والولاية مقصودان لغيرهما بخلاف المعقود عليه فاحتيط له أكثر ومن ثم لو عقد على من شك في كونها محرمه فبانت غير محرمه لم يصح كما قالاه خلافا للروياني ومر آنفا ما في ذلك. "وعدالة" ومن لازمها الإسلام والتكليف المذكوران بأصله ولا ينافي هذا انعقاده بالمستورين; لأنه بمنزلة الرخصة, أو ذكر المتفق عليه ثم المختلف فيه "وسمع"; لأن المشهود عليه قول فاشترط سماعه حقيقة "وبصر" لما يأتي أن الأقوال لا تثبت إلا بالمعاينة والسماع "وفي الأعمى وجه"; لأنه أهل للشهادة في الجملة والأصح لا, وإن عرف الزوجين ومثله من بظلمة شديدة وفي الأصم أيضا وجه ونطق ورشد وعدم حرفة دنيئة تخل بمروءته وعدم اختلال ضبطه لغفلة, أو نسيان ومعرفة لسان المتعاقدين وقيل يكفي ضبط اللفظ وعلى الأول فلا بد من فهم الشاهد له حالة التكلم فلا يكفي ترجمته له بعد ولو قبل الشق الآخر ويفرق بينه وبين ما مر في ولي أوجب لزوج ما لا يعرفه فترجم له فقبله; لأن المشترط ثم قبول لما عرفه, وهو حاصل بذلك وهنا معرفة ما تحمله حالة التحمل ولم يوجد ذلك "والأصح انعقاده" ظاهرا وباطنا بمحرمين ولكن الأولى أن لا يحضراه و. "وبابني الزوجين" أي ابني كل, أو ابن أحدهما وابن الآخر "وعدويهما" كذلك والواو بمعنى أو وبجديهما وبجدها وأبيه لا أبيها; لأنه العاقد أو موكله نعم يتصور شهادته لاختلاف دين, أو رق بها وذلك لانعقاد النكاح بهما في الجملة فإن قلت هذه هي علة الضعيف في الأعمى فما الفرق قلت يفرق بأن شهادة الابن, أو العدو يتصور قبولها في هذا النكاح بعينه في صورة دعوى حسبة مثلا كما يعلم مما يأتي في الشهادات ولا كذلك في الأعمى وإمكان ضبطه لهما إلى القاضي لا يفيد لاحتمال أن المخاطب غير من أمسكه, وإن كان فم هذا في أذنه وفم الآخر في أذنه الأخرى; لأن مبنى ما هنا على الاحتياط ما أمكن فيتعذر إثبات هذا النكاح بعينه بشهادته فكانت كالعدم ولو كان لها إخوة فزوجها أحدهم والآخران شاهدان صح; لأن العاقد ليس نائبهما بخلاف ما لو وكل أب, أو أخ تعين للولاية وحضر مع آخر; لأنه العاقد حقيقة إذ الوكيل في النكاح سفير محض فكانا بمنزلة رجل واحد وفارق صحة شهادة سيد أذن لقنه وولي للسفيه في النكاح بأن كلا منهما ليس بعاقد ولا نائبه ولا العاقد نائبه; لأن إذنه في الحقيقة ليس إنابة بل رفع حجر عنه. "وينعقد" ظاهرا "بمستوري العدالة" وهما من لم يعرف لهما مفسق كما نص عليه واعتمده جمع وأطالوا فيه,

 

ج / 3 ص -194-        أو من عرف ظاهرهما بالعدالة ولم يزكيا, وهو ما اختاره المصنف وقال إنه الحق ومن ثم بطل الستر بتجريح عدل ولم يلحق الفاسق الكتاب عند العقد بالمستور وتسن استتابة المستور عند العقد "على الصحيح" لجريانه بين أوساط الناس والعوام فلو كلفوا بمعرفة العدالة الباطنة ليحضر المتصف بها لطال الأمر وشق ومن ثم صحح المصنف في نكت التنبيه كابن الصلاح أنه لو كان العاقد الحاكم اعتبرت العدالة الباطنة قطعا لسهولة معرفتها عليه بمراجعة المزكين وصحح المتولي وغيره أنه لا فرق إذ ما طريقه المعاملة يستوي فيه الحاكم وغيره ومن ثم لو رأى مالا بيد متصرف فيه بلا منازع جاز له كغيره شراؤه منه اعتمادا على ظاهر اليد, وإن سهل عليه طلب الحجة وبنى السبكي الخلاف على أن تصرف الحاكم حكم فيشترط, أو لا فلا ثم اختار أنه لا يفعل حتى يثبت عنده; لأن فعله ينبغي أن يصان عن النقص قيل فهو يوافق المصنف وابن الصلاح في الحكم ويخالفهما في القطع ا هـ والذي يتجه أخذا من قولهم لو طلب منه جماعة بأيديهم مال لا منازع لهم فيه قسمته بينهم لم يجبهم إلا إن أثبتوا عنده أنه ملكهم لئلا يحتجوا بعد بقسمته على أنه ملكهم أنه لا يتولى العقد إلا بحضرة من ثبتت عنده عدالتهما, وأن ذلك ليس شرطا للصحة بل لجواز الإقدام فلو عقد بمستورين فبانا عدلين صح أو عقد غيره بهما فبانا فاسقين لم يصح كما يأتي; لأن العبرة في العقود بما في نفس الأمر, وأن لخلاف المتولي وجها; لأن الأصح أن تصرف الحاكم ليس حكما إلا في قضية وقعت إليه ليطلب منه فصل الأمر فيها ومن ثم لو رفع إليه نكاح لم يحكم بصحته اتفاقا إلا بعد ثبوت عدالتهما عنده ولو اختصم زوجان أقرا عنده بنكاح بينهما بمستورين في نحو نفقة حكم بينهما ما لم يعلم فسق الشاهد; لأن الحكم هنا في تابع بخلافه فيما قبله.
"تنبيه" ظاهر كلام الحناطي بل صريحه أنه لا يلزم الزوج البحث عن حال الولي والشهود وأوجبه بعض المتأخرين لامتناع الإقدام على العقد مع الشك في شرطه ويرد بأن ما علل به إنما هو في الشك في الزوجين فقط لما مر أنهما المقصودان بالذات فاحتيط لهما أكثر بخلاف غيرهما فجاز الإقدام على العقد حيث لم يظن وجود مفسد له في الولي, أو الشاهد ثم إن بان مفسد بان فساد النكاح وإلا فلا.
"لا" بشاهد "مستور الإسلام والحرية" الواو بمعنى, أو بان لم يعرف  في أحدهما باطنا, وإن كان بمحل كل أهله مسلمون أو أحرار لسهولة الوقوف على الباطن فيهما, وكذا البلوغ ونحوه مما مر نعم إن بان مسلما, أو حرا, أو بالغا مثلا بان انعقاده كما لو بان الخنثى ذكرا.
"تنبيه" وقع لغير واحد تفسير مستورهما بغير ما ذكرته فأوردوا عليه ما اندفع بما ذكرته الأقرب إلى ظاهر المتن فتأمله.
"ولو بان فسق" الولي أو "الشاهدين" العدلين أو المستورين, أو غيره من موانع النكاح كصغر, أو جنون ادعاه وارثه, أو وارثهما وقد عهد, أو أثبته "عند العقد فباطل على المذهب"

 

ج / 3 ص -195-        كما لو بانا كافرين; لأن العبرة في العقود بما في نفس الأمر وخرج بعند العقد تبينه قبله نعم تبينه قبل مضي زمن الاستبراء كتبينه عنده وتبينه حالا لاحتمال حدوثه "وإنما يتبين" الفسق أو غيره بعلم القاضي فيلزمه التفريق بينهما, وإن لم يترافعا إليه ما لم يحكم حاكم يراه بصحته, أو "ببينة" حسبة أو غيرها "أو اتفاق الزوجين" على فسقهما عند العقد سواء أعلما به عنده أم بعده ما لم يقرا قبل عند حاكم أنه بعدلين ويحكم بصحته وإلا لم يلتفت لاتفاقهما أي بالنسبة لحقوق الزوجية لا لتقرير النكاح وبحث في المطلب عدم قبول إقرار السفيهة في إبطال ما ثبت لها من المال ومثلها الأمة ثم بطلانه باتفاقهما إنما هو فيما يتعلق بحقهما دون حق الله تعالى فلو طلقها ثلاثا ثم توافقا وأقاما, أو الزوج بينة بفساد النكاح بذلك, أو بغيره لم يلتفت لذلك بالنسبة لسقوط التحليل; لأنه حق الله تعالى فلا يرتفع بذلك; ولأن إقدامه على العقد يقتضي اعترافه باستجماع معتبر أنه نظير ما مر في الضمان والحوالة وقضيته سماعها ممن زوجه وليه وليس مرادا فالمعتبر هو التعليل الأول وبهما علم ضعف إطلاق قول الزبيلي تسمع بينته إن بينت السبب. ولم يسبق منه إقرار بصحته نعم إن علما المفسد جاز لهما العمل بقضيته باطنا لكن إذا علم بهما الحاكم فرق بينهما كنظيره الآتي قبيل فصل تعليق الطلاق بالأزمنة وما نقل عن الكافي أنا لا نتعرض لهما يحمل على غير الحاكم على أنه منازع في كونه فيه وإنما هو بحث للأذرعي وبحث السبكي قبول بينته إذا لم يرد نكاحا بل التخلص من المهر أي ولم يسبق منه إقرار بصحته وبينتها إذا أرادت بعد الوطء مهر المثل وكان أكثر من المسمى, وهو متجه حيث لم يسبق منها إقرار بصحته وبهذا يرد بحث الغزي إطلاق قبول بينتها وعليه لو أقيمت لذلك وحكم بفساده لم يرتفع ما وجب من التحليل لما علم من تبعيض الأحكام, وأن إقرارهما وبينتهما إنما يعتد بهما فيما يتعلق بحقهما لا غير ومنه يؤخذ أنه لو طلقها ثم أقيمت بينة بفساد النكاح ثم أعادها عادت إليه بطلقتين فقط; لأن إسقاط الطلقة حق لله فلا تفيده البينة أيضا ويحتمل خلافه وخرج بأقاما أو الزوج ما لو قامت حسبة ووجدت شروط قيامها فتسمع كما نقله صاحب الأنوار وغيره واعتمده. وقول بعضهم شرط سماعها الضرورة, وهي لا تتصور هنا ممنوع قيل خرج بفساد النكاح ادعاء طلاق بائن قبل إيقاع الثلاث فتسمع به البينة ولو من الزوج أخذا من فتاوى البغوي والبلقيني إذ حاصل ما في الأولى أنه إذا اعترف ببائن قبل أن تقع عليه الثلاث المعلقة على فعله لكذا ثم فعله لم تشهد عليه بهن; لأنه غير متهم في قوله, أو بعده احتاج لبينة ولا يكفي تصديقها وما في الثانية أنه لو طلقها ثلاثا آخذناه به ما لم يظهر بطريق شرعي إن عدتها عن طلاق رجعي انقضت قبل إيقاعهن وحلف أنه لم يراجعها وبما مر عن الأولى أنه لا يقبل تصديقها له صرح به القفال انتهى وفيه نظر أما أولا فلأن قول البغوي احتاج لبينة ليس فيه التصريح بأنه تقبل إقامتها منه مع إرادته تجديد النكاح فليحمل على أنها لو أقيمت حسبة قبلت نظير ما مر في مسألة الفسق بجامع أن في كل رفع التحليل الواجب لحق الله تعالى فلا نظر إلى أن البينة ترفع النكاح ثم لا هنا; لأن هذا لا دخل له فيما هو السبب في عدم سماع بينة أحدهما من أنه يترتب عليه إسقاط حق

 

ج / 3 ص -196-        الله تعالى وأما ثانيا فقول البلقيني ما لم يظهر بطريق شرعي يحمل على نظير ما مر أنه تقبل البينة حسبة لا إن أقامها أحدهما وقصده تجديد النكاح. "ولا أثر لقول الشاهدين كنا" عند العقد "فاسقين" مثلا; لأنهما مقران على غيرهما نعم له أثر في حقهما فلو حضرا عقد أختهما مثلا ثم ماتت وورثاها سقط المهر قبل الوطء وفسد المسمى بعده فيجب مهر المثل أي إن كان دون المسمى, أو مثله لا أكثر كما هو ظاهر لئلا يلزم أنهما أوجبا بإقرارهما حقا لهما على غيرهما "فلو اعترف به الزوج, وأنكرت فرق بينهما" مؤاخذة له بقوله, وهي فرقة فسخ لا تنقص عددا وقيل تبين بطلقة كما لو نكح أمة ثم أقر بأنه كان قادرا على حرة واستشكلهما السبكي بأن كلا من الفسخ والطلاق يقتضي صحة النكاح, وهو ينكرها ثم أول الفسخ بالحكم بالبطلان والطلاق بأنه في الظاهر فقط, وهو حسن لكن قياس الثاني يقتضي الاتفاق في مسألة الأمة على ما ذكره فيها والظاهر خلافه وكون القياس على شيء يقتضي الاتفاق عليه أغلبي كما صرح به الرافعي "وعليه" أي الزوج المقر بالفسق "نصف المهر" المسمى "إن لم يدخل بها وإلا" بأن دخل بها "فكله" عليه ولا يرثها; لأن حكم اعترافه مقصور عليه ومن ثم ورثته لكن بعد حلفها أنه عقد بعدلين وخرج باعترافه اعترافها بخلل ولي, أو شاهد فلا يفرق به بينهما; لأن العصمة بيده, وهي تريد رفعها والأصل بقاؤها ولكن لو مات لم ترثه. وإن ماتت, أو طلقها قبل وطء فلا مهر أو بعده فلها أقل الأمرين من المسمى ومهر المثل ما لم تكن محجورا عليها بسفه فلا سقوط لفساد إقرارها في المال كما مر وبحث الإسنوي أن محل سقوطه قبل الوطء ما إذا لم تقبضه وإلا لم يسترده أخذا من قول الرافعي لو قال طلقتها بعد الوطء فلي الرجعة فقالت بل قبله صدقت, وهو مقر لها بالمهر فإن كانت قبضته لم ترجع به وإلا لم تطالبه إلا بنصفه والنصف الذي تنكره هناك بمثابة الكل هنا ا هـ وفرق غيره بأنهما ثم اتفقا على وجود موجب المهر, وهو العقد وإنما اختلفا في المقرر, وهو الوطء, وهي هنا تدعي نفي الموجب فتمليكها شيئا منه تمليك بغير سبب تدعيه فالوجه أنه كمن أقر لشخص بشيء, وهو ينكره ولو قالت وقع العقد بغير ولي ولا شهود وقال بل بهما صدقت بيمينها; لأن ذلك إنكار لأصل العقد ونظيره ما مر في اختلاف المتبايعين أن شرط تصديق مدعي الصحة أن يتفقا على وقوع عقد. "ويستحب الإشهاد على رضا المرأة حيث يعتبر رضاها" بالنكاح بأن تكون غير مجبرة احتياطا ليؤمن إنكارها وبحث الأذرعي ندبه على المجبرة البالغة لئلا ترفعه لمن يرى إذنها وتجحده فيبطله "ولا يشترط" ذلك لصحة النكاح; لأن الإذن ليس ركنا للعقد بل شرط فيه فلم يجب الإشهاد عليه ورضاها الكافي في العقد يحصل بإذنها, أو ببينة, أو بإخبار وليها مع تصديق الزوج, أو عكسه نعم أفتى البلقيني كابن عبد السلام بأنه لو كان المزوج هو الحاكم لم يباشره إلا إن ثبت إذنها عنده وأفتى البغوي بأن الشرط أن يقع في قلبه صدق المخبر له بأنها أذنت وكلام القفال والقاضي يؤيده وعليه يحمل ما في البحر عن الأصحاب أنه يجوز اعتماد صبي أرسله الولي لغيره ليزوج موليته والذي يتجه أنه يأتي هنا ما مر في عقده بمستورين أن الخلاف إنما هو في جواز مباشرته لا في الصحة كما هو ظاهر لما مر أن

 

ج / 3 ص -197-        مدارها على ما في نفس الأمر وأما قول البغوي لو زوجها وليها وكانت قد أذنت ولم يبلغه الإذن لم يصح, وإن جهل اشتراط إذنها; لأنه تهور محض فهو لا يوافق قولهم العبرة في العقود حتى النكاح بما في نفس الأمر وتهوره إقدام على عقد فاسد في ظنه, وهو صغيرة لا تسلب الولاية وأما ما وقع في الجواهر أنه لا يجوز له أن يعتمد شهادة عدلين بالإذن له قبل تقدم دعوى الخاطب الإذن ومطالبته للحاكم بأن يزوجه وإقامته البينة عليه لكن العمل على خلافه فمردود بأن الدعوى على حاضر في البلد مع غيبته عن المجلس غير مسموعة وبأنه لا حق للخاطب في ذلك فكيف تسمع دعواه ا هـ والحاصل أنهم تسامحوا في سماعه الشهادة من غير دعوى لعدم تصورها مع أنها ليست لطلب حكم بل لحل المباشرة كما مر ولو أقرت بالإذن ثم ادعت أنها إنما أذنت بشرط صفة في الزوج ولم توجد ونفى الزوج ذلك صدقت بيمينها فيما يظهر للقاعدة السابقة آخر العارية أن من كان القول قوله في أصل الشيء كان القول قوله في صفته كالموكل يدعي تقييد إذنه بصفة فينكر الوكيل وبحث بعضهم تصديق الزوج; لأنه يدعي الصحة يرده تصديقهم للموكل, وإن ادعى الفساد لا يقال صدقوا مدعي صحة البيع دون فساده مع أنهما لو اختلفا في أصل البيع صدق البائع في نفي أصله; لأنا نقول ما نحن فيه أنسب بمسألة الوكيل من مسألة البيع بجامع أن كلا فيها إذن الغير فتقيد بما يقوله الآذن وأما البيع فكل من العاقدين مستقل بالعقد فرجح مدعي الصحة; لأن جانبه أقوى لما مر فيه.

فصل فيمن يعقد النكاح وما يتبعه
"لا تزوج امرأة نفسها" ولو "بإذن" من وليها "ولا غيرها" ولو "بوكالة" من الولي بخلاف إذنها لقنها أو محجورها وذلك لآية {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ} [البقرة: 232] إذ لو جاز لها تزويج نفسها لم يكن للعضل تأثير وللخبرين الصحيحين كما قاله الأئمة كأحمد وغيره "لا نكاح إلا بولي" الحديث السابق "وأيما امرأة أنكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل" وكرره ثلاث مرات وصح أيضا "لا تزوج المرأة المرأة ولا المرأة نفسها فإن الزانية التي تزوج نفسها" نعم لو لم يكن لها ولي قال بعضهم أصلا, وهو الظاهر وقال بعضهم يمكن الرجوع إليه أي يسهل عادة كما هو ظاهر جاز لها أن تفوض مع خاطبها أمرها إلى مجتهد عدل فيزوجها ولو مع وجود الحاكم المجتهد أو إلى عدل غير مجتهد ولو مع وجود مجتهد غير قاض فيزوجها لا مع وجود حاكم ولو غير أهل كما حررته في شرح الإرشاد نعم إن كان الحاكم لا يزوج إلا بدراهم لها وقع كما حدث الآن فيتجه أن لها أن تولي عدلا مع وجوده, وإن سلمنا أنه لا ينعزل بذلك بأن علم موليه ذلك منه حال التولية وهل يتقيد ذلك بكون المفوض إليه في محلها كما يتقيد القاضي بمحل ولايته, أو يفرق بأن ولاية القاضي مقيدة بمحل فلم يجاوزه بخلاف ولاية هذا فإن مناطها إذنها له بشرطه فحيث وجد زوجها, وإن بعد محلها كل محتمل والثاني أقرب وخرج بتزوج ما لو وكل امرأة في توكيل من يزوج موليته, أو وكل موليته لتوكل من يزوجها ولم يقل لها عن نفسك

 

ج / 3 ص -198-        سواء أقال عني أم أطلق فوكلت وعقد الوكيل فإنه يصح; لأنها سفيرة محضة ولو بلينا بإمامة امرأة نفذ تزويجها لغيرها وكذا لو زوجت كافرة كافرة بدار الحرب فيقر الزوجان عليه بعد إسلامهما ويجوز إذنها لوليها بلفظ الوكالة كما يأتي "ولا تقبل نكاحا لأحد" بولاية ولا وكالة; لأن محاسن الشريعة تقتضي فطمها عن ذلك بالكلية لما قصد منها من الحياء وعدم ذكره بالكلية والخنثى مثلها فيما ذكر ما لم تتضح ذكورته ولو بعد العقد كما مر. "والوطء في نكاح" ولو في الدبر "بلا ولي" بأن زوجت نفسها بحضرة شاهدين ولم يحكم حاكم ببطلانه وإلا فهو زنا فيه الحد لا المهر ولو مع الإعلان; لأن مالكا رضي الله عنه لا يقول بالاكتفاء به إلا مع الولي "يوجب" على الزوج الرشيد دون السفيه كما يأتي بتفصيله آخر الباب "مهر المثل" كما صرح به الخبر السابق لا المسمى لفساد النكاح ومن ثم لو حكم حاكم بصحته وجب ولا أرش للبكارة; لأنه مأذون له في إتلافها هنا كما في النكاح الصحيح بخلاف البيع الفاسد إذ ليس مقصوده الوطء ذكره في المجموع "لا الحد", وإن اعتقد التحريم لشبهة اختلاف العلماء لكن يعزر معتقده, وإن حكم حاكم يراه بصحته على ما قاله ابن الصلاح قال وقولهم حكم الحاكم يرفع الخلاف معناه أنه يمنع النقض بشرطه اصطلاحا لا غير وإلا فلشافعي وقف على نفسه بيع الوقف, وإن حكم به حنفي لكنه اعترض بأنه مبني على الضعيف أن حكم الحاكم إنما ينفذ ظاهرا مطلقا. أما على الأصح أنه فيما باطن الأمر فيه كظاهره ينفذ باطنا أيضا فيباح لمقلده وغيره العمل به كما يأتي مبسوطا في القضاء لا معتقد الإباحة, وإن حد بشربه النبيذ; لأن أدلته فيه واهية جدا بخلافه هنا ومن ثم لم ينقض حكم من حكم بصحته على المعتمد وكأن من قال هنا لا يجوز تقليد أبي حنيفة في هذا النكاح جرى على النقض إذ ما ينقض لا يجوز التقليد فيه وبهذا يقيد قول السبكي يجوز تقليد غير الأئمة الأربعة في العمل في حق نفسه لا في الإفتاء والحكم إجماعا كما قاله ابن الصلاح ا هـ ولو طلق أحدهما هنا ثلاثا قبل حكم حاكم بالصحة لم يقع ولم يحتج لمحلل وقول أبي إسحاق يحتاج الثاني إليه عملا باعتقاده غلطه فيه الإصطخري ويتعين حمله بعد تسليمه على ما إذا رجع عن تقليد القائل بالصحة وصححناه وإلا وقع واحتاج لمحلل ويؤيد إطلاق الإصطخري قول العمراني في تأليفه في صحة تزويج الولي الفاسق فإن تزوجها من وليها الفاسق ثم طلقها ثلاثا فالأولى أن لا يتزوجها إلا بعد محلل فافهم تعبيره بالأولى صحته بلا محلل وبنى بعضهم هذا الخلاف على أن العامي هل له مذهب معين كما هو الأصح عند القفال, أو لا مذهب له كما هو المنقول عن عامة الأصحاب ومال إليه المصنف قال فعلى الثاني مطلقا والأول إن قلد من يرى الصحة لو نكح نكاحا مختلفا فيه وطلق ثلاثا لم ينكحها بلا محلل, وإن حكم الشافعي بإبطال نكاحه مؤاخذة له بما التزمه ومعنى أنه لا مذهب له أنه لا يلزم القاضي وغيره الإنكار عليه في مختلف فيه ولكنه إن رفع إليه ولم يحكم حاكم بصحته أبطله خلافا لابن عبد السلام ا هـ ملخصا. وسيأتي أن الفاعل متى اعتقد التحريم وجب الإنكار عليه من القاضي وغيره, وإن اعتقد الحل بتقليد صحيح لم ينكر أحد عليه إلا القاضي إن رفع له والذي يتجه أن معنى

 

ج / 3 ص -199-        ذلك أن المراد بلا مذهب له أنه لا يلزمه التزام مذهب معين وبله مذهب أنه يلزمه ذلك وهذا هو الأصح وقد اتفقوا على أنه لا يجوز لعامي تعاطي فعل إلا إن قلد القائل بحله وحينئذ فمن نكح مختلفا فيه فإن قلد القائل بصحته, أو حكم بها من يراها ثم طلق ثلاثا تعين التحليل وليس له تقليد من يرى بطلانه; لأنه تلفيق للتقليد في مسألة واحدة, وهو ممتنع قطعا, وإن انتفى التقليد والحكم لم يحتج لمحلل نعم يتعين أنه لو ادعى بعد الثلاث عدم التقليد لم يقبل منه آخذا مما مر قبيل الفصل; لأنه يريد بذلك رفع التحليل الذي لزمه باعتبار ظاهر فعله. وأيضا ففعل المكلف يصان عن الإلغاء لا سيما إن وقع منه ما يصرح بالاعتداد كالتطليق ثلاثا هنا وكحكم الحنفي بالصحة مباشرته للتزويج إن كان مذهبه أن تصرف الحاكم حكم بالصحة ولشافعي حضر هذا العقد الشهادة بجريانه لا بالزوجية إلا إن قلد القائل بصحته تقليدا صحيحا وكذلك ليس له حضوره والتسبب فيه إلا بعد ذلك التقليد قال الماوردي وليس للزوجين الاستبداد بعقد مختلف فيه إلا إن كانا من أهل الاجتهاد وأداهما إلى ذلك وإلا فوجهان أحدهما نعم وثانيهما لا إلا بإفتاء مفت, أو حكم حاكم ا هـ والوجه كما علم مما قدمته أنه يكفي لحل مباشرتهما تقليد القائل بذلك تقليدا صحيحا.
"ويقبل إقرار الولي بالنكاح" على موليته "إن استقل" حالة الإقرار "بالإنشاء", وهو المجبر من أب, أو جد, أو سيد, أو قاض في مجنونة بشرطها الآتي, وإن لم تصدقه البالغة لما مر أن من ملك الإنشاء ملك الإقرار به غالبا "وإلا" يستقل به لانتفاء إجباره حالة الإقرار كأن ادعى, وهي ثيب أنه زوجها حين كانت بكرا, أو لانتفاء كفاءة الزوج "فلا" يقبل لعجزه عن الإنشاء بدون إذنها. "ويقبل إقرار" الحرة "البالغة العاقلة" ولو سفيهة فاسقة سكرانة "بالنكاح" ولو لغير كفء "على الجديد" إذا صدقها الزوج, وإن كذبها الولي وشهود عينتهم لاحتمال نسيانهم; ولأنه حقهما فلم يؤثر إنكار الغير له نعم الكفاءة فيها حق للولي فكان القياس قبول طلبه لإثبات رضاه بتركها ويجاب بأنه وقع تابعا لأصل النكاح المقبولة فيه دونه وظاهر المتن أنه لا يشترط هنا تفصيل الإقرار بذكر تزويج وليها وحضور الشاهدين العدلين ورضاها إن اشترط والمعتمد اشتراطه فيه وفي الدعوى والشهادة به وقولهما في الدعاوى لا يشترط محمول على ما إذا وقع في جواب دعوى أي; لأن تفصيلها يغني عن تفصيله ويأتي ما ذكر في إقرار الرجل المبتدأ والواقع في جواب الدعوى خلافا لمن فرق بين الرجل والمرأة وزعم أنه إذا وجد الإقرار من الزوجين يشترط فيه تفصيل مبني على الضعيف, وإن انتصر له البلقيني وغيره أنه لا يشترط التفصيل مطلقا فيه ولا في الشهادة به وفي الأنوار لا يشترط التفصيل في إقرارها الضمني كقولها طلقني وفيه هنا أيضا اعتراض على الرافعي ومتابعيه ليس في محله كما يعرف مما قررته فتأمله ولو أقر المجبر أحد, وهي لآخر قدم السابق فإن وقعا معا فلا نكاح على ما رجحه البلقيني في بعض كتبه وتبعه غيره لتعارضهما من غير مرجح. ورجح في تدريبه تقديم إقرارها لتعلق ذلك ببدنها وحقها وصوبه الزركشي وفيما إذا احتمل الحال احتمالان في المطلب ويتجه أنه كالمعية أخذا مما يأتي في نكاح اثنين أنه مثلها وكذا لو علم السبق دون عين السابق وأحد الزوجين القن لا

 

ج / 3 ص -200-        بد مع تصديقه من تصديق سيده وبحث شارح أنه لا بد مع تصديق الزوج السفيه من تصديق وليه, وهو محتمل وإذا لم يصدقها فمقتضى كلامهم على ما ذكره الزركشي ومن تبعه أن لها أن تتزوج حالا, وهو أحد وجهين حكاهما الإمام وقال القفال لا ونقله عنه الرافعي آخر الطلاق اعتبارا بقولها في حق نفسها وطريق حلها أن يطلقها ا هـ وهذا هو القياس فهو المعتمد ولا نسلم أن مقتضى كلامهم ما مر بل مقتضاه ما قلناه كما يصرح به كلامهم في اعترافها بفسق الشاهد مع تكذيبه لها ولو قال رجل هذه زوجتي فسكتت, أو امرأة هذا زوجي فسكت ومات المقر ورثه الساكت لا عكسه وفي الأولى لو أنكرت صدقت بيمينها ومع ذلك يقبل رجوعها ولو بعد موته كما يأتي آخر الرجعة; لأنها مقرة بحق عليها له وقد مات, وهو مقيم على المطالبة وفي التتمة لو أقرت بالنكاح, وأنكر سقط حكم الإقرار في حقه حتى لو رجع بعد ذلك وادعى نكاحا لم يسمع إلا أن يدعي نكاحا تجدد وكأن ابن عجيل أخذ من هذا قوله لو شهدت عليه بينة حسبة بالثلاث ثم تقار الزوجان بعد إمكان التحليل على النكاح لم يقرا حتى يدعي ابتداء نكاح جديد كمن أقر لآخر بعين1 ثم ادعاها لا تسمع حتى يذكر انتقالا إليه منه أي ولو بواسطة. وبما تقرر يعلم ما أفتى به بعضهم فيمن مات عن زوجة في منزله فأقيمت بينة بأنه كان أقر أنه طلقها ثلاثا قبل موته بسبعة أشهر فأقامت بينة بأنه أقر قبيل موته أنها في عقد نكاحه من أنه لا تسمع دعواها وبيانها إلا إن ادعت نكاحا مفصلا ومنه أن تذكر أنها تحللت تحليلا بشروطه ثم تقيم بينة بذلك بخلاف دعواها مجرد إقراره; لأن دعواه مجردة عن دعوى نفس الحق لا تسمع على الأصح وبخلاف دعواها النكاح, وأنه أقر أنها في عصمة نكاحه ولم تفصل بذكر مضي زمن يمكن فيه العدتان والتحليل وغير ذلك; لأنها لم تدع إقراره بما نسخ تحريم نكاحها عليه وإقراره بأنها في عصمة نكاحه لا يقتضي إرثها منه لاحتماله أمرين على السواء النكاح السابق ويلزم منه تكذيب البينة بإقراره بالثلاث ونكاح آخر أحدثاه بعد إمكان التحليل والإرث لا يثبت بالشك ا هـ. وفي بعضه نظر يعلم مما مر أنه حيث وقع إقرارها في جواب دعوى لا يشترط فيه تفصيل وحينئذ فالذي يتجه بأنها حيث أجابت بأنه أقر بأنها في نكاحه بعد مضي إمكان التحليل من طلاقه الأول وأقامت بينة بذلك قبلت وورثت وإلا فلا وعلى هذا يحمل قول بعضهم تسمع دعواها وبينتها وترثه ولا منافاة بين البينتين لإمكان زوال المانع الذي أثبتته الأولى بالتحليل بشروطه ا هـ ملخصا. "وللأب", وإن لم يل المال لطرو سفه بعد البلوغ على النص; لأن العار عليه خلافا لمن وهم فيه فزعم أن ولاية تزويجها حينئذ للقاضي كولاية مالها "تزويج البكر" ويرادفها العذراء لغة وعرفا وقد يفرقون بينهما فيطلقون البكر على من إذنها السكوت, وإن زالت بكارتها ويخصون العذراء بالبكر حقيقة والمعصر تطلق على مقاربة الحيض وعلى من حاضت وعلى من ولدت أو حبست في البيت ساعة طمثت, أو راهقت العشرين "صغيرة وكبيرة" غافلة ومجنونة

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كذا بالأصل.

 

 

ج / 3 ص -201-        "بغير إذنها" لخبر الدارقطني "الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر يزوجها أبوها" وأجمعوا عليه في الصغيرة ويشترط لصحة ذلك كفاءة الزوج ويساره بمهر المثل على المعتمد كما بينته في شرح الإرشاد "قول المحشي قوله والحاصل إلخ" ليس في نسخ الشارح التي بأيدينا وعدم عداوة بينها وبينه وعدم عداوة ظاهرة أي بحيث لا تخفى على أهل محلتها بينها وبين الأب وزعم أن انتفاء هذه شرط للجواز لا لصحة غير صحيح فإن قلت يلزم من اشتراط عدالته انتفاء عداوته لتنافيهما قلت ممنوع لما ستعلمه في مبحثها أنها قد لا تكون مفسقة وألحق الخفاف بالمجبر وكيله وعليه فالظاهر أنه لا يشترط فيه ظهورها لوضوح الفرق بينهما لجواز مباشرته لذلك لا لصحته كونه بمهر المثل الحال من نقد البلد وسيأتي في مهر المثل ما يعلم منه أن محل ذلك فيمن لم يعتدن التأجيل, أو غير نقد البلد وإلا جاز بالمؤجل وبغير نقد البلد على ما فيه مما سأذكره ثم فتفطن له واشتراط أن لا تتضرر به لنحو هرم, أو عمى وإلا فسخ, وأن لا يلزمها الحج وإلا اشترط إذنها لئلا يمنعها الزوج منه ضعيفان بل الثاني شاذ لوجود العلة مع إذنها "ويستحب استئذانها" أي البالغة العاقلة ولو سكرانة تطييبا لخاطرها وعليه حملوا خبر مسلم "والبكر يستأمرها أبوها" جمعا بينه وبين خبر الدارقطني السابق أي بناء على ثبوت قوله فيه يزوجها أبوها الصريح في الإجبار وقد نازع فيه الشافعي رضي الله عنه لكن المحرر في محله أن زيادة الثقة مقبولة, وإن انفرد بها فتعين للجمع الحمل المذكور أما الصغيرة فلا إذن لها وبحث ندبه في المميزة لإطلاق الخبر; ولأن بعض الأئمة أوجبه ويسن أن لا يزوجها حينئذ إلا لحاجة أو مصلحة, وأن يرسل لموليته ثقة لا تحتشمها والأم أولى ليعلم ما في نفسها. "وليس له تزويج ثيب" عاقلة "إلا بإذنها" لخبر مسلم "الثيب أحق بنفسها من وليها" وجهه أنها لما مارست الرجال زالت غباوتها وعرفت ما يضرها منهم وما ينفعها بخلاف البكر.
"فرع" حاصل كلام الشافعي رضي الله عنه في مختصر البويطي وغيره أن الزوج لو قلب اسمه فاستؤذنت المرأة فيمن اسمه كذا وليس هو اسمه صح نكاحه إن أشارت إليه الآذنة كزوجني بهذا فخاطبه الولي بالنكاح وإلا فلا وألحق بإشارتها إليه نيتها التزويج ممن خطبها إذا كان تقدم له خطبتها.
"فإن كانت" الثيب "صغيرة" عاقلة حرة "لم تزوج حتى تبلغ" لوجوب إذنها, وهو متعذر مع صغرها أما المجنونة فتزوج كما يأتي وأما القنة فيزوجها السيد مطلقا "والجد" أبو الأب, وإن علا "كالأب عند عدمه", أو عدم أهليته; لأن له ولادة وعصوبة كالأب بل أولى ومن ثم اختص بتوليه للطرفين ووكيل كل مثله "وسواء" في وجود الثيوبة المقتضية لاعتبار إذنها "زالت بكارتها بوطء حلال أو حرام", وإن عادت وكان الوطء حالة النوم, أو نحوه, أو من نحو قرد كما قاله الأذرعي; لأنها في ذلك تسمى ثيبا فيشملها الخبر وإيراد الشبهة عليه لقولهم إن وطأها لا يوصف بحل ولا حرمة غير صحيح; لأن معناه أن الواطئ معها كالغافل في عدم التكليف فلا يوصف فعله بذلك من هذه الحيثية, وإن وصف بالحل في ذاته لعدم الإثم فيه وقولهم لا يخلو فعل من الأحكام الخمسة أو الستة محله في فعل

 

ج / 3 ص -202-        المكلف "ولا أثر" لخلقها بلا بكارة و لا "لزوالها بلا وطء كسقطة" وحدة حيض وأصبع "في الأصح" خلافا لشرح مسلم ولا لوطئها في الدبر; لأنها لم تمارس الرجال بالوطء في محل البكارة, وهي على غباوتها وحيائها وقضيته أن الغوراء إذا وطئت في فرجها ثيب, وإن بقيت بكارتها بل هي أولى من نحو النائمة ويفرق بين هذا وما يأتي في التحليل بأن بكارتها إنما اشترط زوالها ثم مبالغة في التنفير عما شرع التحليل لأجله من الطلاق الثلاث ولا كذلك هنا; لأن المدار على زوال الحياء بالوطء, وهو هنا كذلك "ومن على حاشية النسب" أي طرفه وفيه استعارة بالكناية رشح لها بذكر الحاشية "كأخ وعم لا يزوج صغيرة" ولو مجنونة "بحال" أما الثيب فواضح وأما البكر فللخبر السابق وليسوا في معنى الأب لوفور شفقته. "وتزوج الثيب" العاقلة "البالغة" الخرساء بإشارتها المفهمة والناطقة "بصريح الإذن" ولو بلفظ الوكالة للأب, أو غيره أو بقولها أذنت له أن يعقد لي, وإن لم تذكر نكاحا كما بحث ويؤيده قولهم يكفي قولها رضيت بمن يرضاه أبي, أو أمي, أو بما يفعله أبي وهم في ذكر النكاح لا إن رضيت أمي, أو بما تفعله مطلقا ولا إن رضي أبي إلا أن تريد به مما يفعله فلا يكفي سكوتها لخبر مسلم السابق وصح خبر "ليس للولي مع الثيب أمر".
"تنبيه" يعلم مما يأتي أواخر الفصل الآتي أن قولها رضيت أن أزوج أو رضيت فلانا زوجا متضمن للإذن للولي فله أن يزوجها به بلا تجديد استئذان ويشترط عدم رجوعها عنه قبل كمال العقد لا يقبل قولها فيه إلا ببينة قال الإسنوي وغيره ولو أذنت له ثم عزل نفسه لم ينعزل كما اقتضاه كلامهم أي; لأن ولايته بالنص فلم يؤثر فيها عزله لنفسه وقيده بعضهم بما إذا قبل الإذن وإلا كأن رده, أو عضله إبطالا له فلا يزوجها إلا بإذن جديد قيل وفيه نظر أي لما ذكرته.
"ويكفي في البكر" البالغة العاقلة إذا استؤذنت, وإن لم تعلم الزوج سواء أعلمت أن سكوتها إذن أم لا كما في شرح مسلم عن مذهبنا ومذهب الجمهور ويفرق بين هذا واشتراط العلم بكون السكوت نكولا بأن السكوت ثم مسقط لحقه فاشترط تقصيره به, وهو يستدعي العلم بذلك وهنا مثبت لحقها فاكتفى به منها مطلقا "سكوتها" الذي لم يقترن بنحو بكاء مع صياح, أو ضرب خد للمجبر قطعا ولغيره بالنسبة للنكاح ولو لغير كفؤ لا لدون مهر المثل أو كونه من غير نقد البلد "في الأصح" لخبر مسلم السابق ولقوة حيائها وكسكوتها قولها لم لا يجوز أن آذن جوابا لقوله أن أزوجك أو تأذنين أما إذا لم تستأذن وإنما زوج بحضرتها فلا يكفي سكوتها وأفتى البغوي بأنها لو أذنت مخبرة ببلوغها فزوجت ثم قالت لم أكن بالغة حين أقررت صدقت بيمينها وفيه نظر إذ كيف يبطل النكاح بمجرد قولها السابق منها نقيضه لا سيما مع عدم إبدائها عذرا في ذلك وتردد شيخنا في خرساء لا إشارة لها مفهمة ولا كتابة ثم رجح أنها كالمجنونة. "والمعتق" وعصبتيه "والسلطان كالأخ" فيزوجون الثيب البالغة بصريح الإذن والبكر البالغة بسكوتها وكون السلطان كالأخ في هذا لا ينافي في انفراده عنه بمسائل يزوج فيها دون الأخ كالمجنونة. "وأحق الأولياء" بالتزويج "أب"; لأنه أشفقهم "ثم جد" أبو الأب "ثم أبوه", وإن علا لتميزه بالولادة "ثم أخ

 

ج / 3 ص -203-        لأبوين, أو لأب" أي ثم لأب كما سنذكره لإدلائه بالأب "ثم ابنه, وإن سفل" كذلك "ثم عم" لأبوين ثم لأب "ثم سائر العصبة كالإرث" خاص بسائر وإلا استثني منه الجد فإنه يشارك الأخ ثم ويقدم عليه هنا "ويقدم" مدل بأبوين على مدل بأب لم يتميز بما هو أقوى من ذلك في سائر المنازل فحينئذ يقدم "أخ لأبوين على أخ لأب في الأظهر" كالإرث; ولأنه أقرب وأشفق وقرابة الأم مرجحة, وإن لم يكن لها دخل هنا كما رجح بها العم الشقيق في الإرث, وإن لم يكن لها دخل فيه إذ العم للأم لا يرث وخرج بقولي لم يتميز إلى آخره ابنا عم أحدهما لأبوين والآخر لأب لكنه أخوها لأمها فهو الولي لإدلائه بالجد والأم والأول إنما يدلي بالجد والجدة بخلاف ما لو كان الذي للأب معتقا فإن الشقيق يقدم عليه على الأوجه ويوجه بأن المتعارض حينئذ الأقربية والولاء والأولى مقدمة ومن ثم لو كان أحد ابني عم مستويين معتقا فيقدم.
"ولا يزوج ابن ببنوة" خلافا للمزني كالأئمة الثلاثة إذ لا مشاركة بينهما في النسب فلا يعتني بدفع العار عنه ولهذا لا يزوج الأخ للأم وأما قول أم سلمة لابنها عمر قم فزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن أريد به ابنها عمر المعروف لم يصح; لأن سنه حينئذ كان نحو ثلاث سنين فهو طفل لا يزوج فالظاهر أن الراوي وهم وإنما المراد به عمر بن الخطاب رضي الله عنه; لأنه من عصبتها واسمه موافق لابنها فظن الراوي أنه هو ورواية قم فزوج أمك باطلة على أن نكاحه صلى الله عليه وسلم لا يفتقر لولي فهو استطابة له وبتسليم أنه ابنها, وأنه بالغ فهو ابن ابن عمها ولم يكن لها ولي أقرب منه ونحن نقول بولايته كما قال "فإن كان" ابنها "ابن ابن عم" لها, أو نحو أخ بوطء شبهة, أو نكاح مجوس "أو معتقا لها, أو عصبة لمعتقها, أو قاضيا زوج به" أي بذلك السبب لا بالبنوة فهي غير مقتضية لا مانعة "فإن لم يوجد نسب زوج المعتق" الرجل ولو إماما أعتق من بيت المال كذا أطلقه شارح ومراده إن قلنا بصحة إعتاقه; لأن الولاء حينئذ للمسلمين فيزوج نائبهم, وهو الإمام المعتق, أو غيره لا عصبته خلافا لما يوهمه كلامه أن تزويجه ليس لكون الولاء له لاستحالته لغير مالك بل لنيابته عن مستحقيه كما تقرر "ثم عصبته" ولو أنثى لخبر "الولاء لحمة كلحمة النسب" وسيأتي حكم عتيقة الخنثى "كالإرث" بالولاء في ترتيبهم فيقدم بعد عصبة المعتق معتق المعتق ثم عصبته وهكذا ويقدم أخو المعتق وابن أخيه على جده وكذا العم على أبي الجد ويقدم ابن المعتق في أمه على أبي المعتق; لأن التعصيب له ولو تزوج عتيق بحرة الأصل فاتت ببنت زوجها موالي أبيها كما قاله الأستاذ أبو طاهر وقضية كلام الكفاية أنه لا يزوجها إلا الحاكم والأول هو المنقول لتصريحهم كما يأتي بأن الولاء لموالي الأب. "ويزوج عتيقة المرأة" بعد فقد عصبة العتيقة من النسب "من يزوج المعتقة ما دامت حية" تبعا للولاية عليها كأبي المعتقة فجدها بترتيب الأولياء لا ابنها ويكفي سكوتها إن كانت بكرا كما شمله كلامهم خلافا لما وقع في ديباج الزركشي قيل يوهم كلامه أنها لو كانت مسلمة والمعتقة ووليها كافرين زوجها أو كافرة والمعتقة مسلمة ووليها كافر لا يزوجها وليس كذلك ا هـ ورد بأن هذا معلوم من كلامه

 

ج / 3 ص -204-        الآتي في اختلاف الدين "ولا يعتبر إذن المعتقة في الأصح" إذ لا ولاية لها ولا إجبار وأمة المرأة كعتيقتها لكن يشترط إذن السيدة الكاملة نطقا ولو بكرا إذ لا تستحيي فإن كانت عاقلة صغيرة ثيبا امتنع على أبيها تزويج أمتها "فإذا ماتت" المعتقة "زوج من له الولاء" من عصباتها فيقدم ابنها, وإن سفل على أبيها, وإن علا وعتيقة الخنثى المشكل يزوجها بإذنه وجوبا على الأوجه خلافا للبغوي من يزوجه بفرض أنوثته ليكون وكيلا, أو وليا والمبعضة يزوجها مالك بعضها مع قريبها وإلا فمع معتق بعضها وإلا فمع السلطان والمكاتبة يزوجها سيدها بإذنها فإن كانت بكرا مبعضة احتيج لإذنها في سيدها لا في أبيها والقياس في أمة المبعضة أنه يزوجها بإذنها قريب المبعضة من النسب ثم معتقها وما أوهمه كلام البلقيني من اعتبار إذن مالك بعضها فغير صحيح إذ لا تعلق له بوجه فيما يخص بعضها الحر. ويزوج الحاكم أمة كافر أسلمت بإذنه والموقوفة بإذن الموقوف عليهم أي إن انحصروا وإلا لم تزوج فيما يظهر; لأنه لا بد من إذن الموقوف عليه وهو متعذر ويفرق بينها وبين أمة بيت المال بأن للإمام التصرف في هذه حتى بالبيع ونحوه بخلاف تلك وجزم غير واحد بأنه لا بد من إذن الموقوفة أيضا وفيه نظر بل لا يصح; لأنها بالوقف لم تخرج عن حكم الملك إلا في منع نحو البيع فغايتها أنها كالمستولدة, وهي لا يعتبر إذنها فكذا هذه "فإن فقد المعتق وعصبته زوج السلطان", وهو هنا وفيما مر ويأتي من شملها ولايته عاما كان, أو خاصا كالقاضي والمتولي لعقود الأنكحة, أو هذا النكاح بخصوصه من هي حالة العقد بمحل ولايته ولو مجتازة به, وإن كان إذنها له, وهي خارجه كما يأتي لا خارجة عنه بل لا يجوز له أن يكتب بتزويجها ولا ينافيه خلافا لشارح أنه يجوز للحاكم أن يكتب بما حكم به في غير محل ولايته; لأن الولاية عليها لا تتعلق بالخاطب فلم يؤثر حضوره بخلافه ثم فإن الحكم يتعلق بالمدعي فيكفي حضوره. "وكذا يزوج" السلطان "إذا عضل القريب, أو المعتق", أو عصبته إجماعا لكن بعد ثبوت العضل عنده بامتناعه منه, أو سكوته بحضرته بعد أمره به والخاطب والمرأة حاضران أو وكيلهما, أو بينة عند تعززه, أو تواريه نعم إن فسق بعضله لتكرره منه مع عدم غلبة طاعاته على معاصيه, أو قلنا بما قاله جمع أنه كبيرة زوج إلا بعد وإلا فلا; لأن العضل صغيرة وإفتاء المصنف بأنه كبيرة بإجماع المسلمين مراده أنه عند عدم تلك الغلبة في حكمها لتصريحه هو وغيره بأنه صغيرة وحكايتهم لذلك وجها ضعيفا وللجواز كذلك للاغتناء عنه بالسلطان وسيعلم مما يأتي أنه يزوج أيضا عند غيبة الولي وإحرامه ونكاحه لمن هو وليها فقط وجنون بالغة فقدت المجبر وتعزز الولي, أو تواريه أو حبسه ومنع الناس من الاجتماع به وفقده حيث لا يقسم ماله قال جمع وكذا لو كان لها أقارب ولا يعلم أيهم أقرب إليها ويتعين حمله على ما إذا امتنعوا من الإذن لواحد منهم بعد إذنها لمن هو الولي منهم مجملا إذا كان الإذن يكفي مع ذلك ومن ثم لو أذنت لوليها من غير تعيين فزوجها وليها باطنا, وإن لم تعرفه ولا عرفها, أو قالت أذنت لأحد أوليائي أو مناصيب الشرع صح وزوجها في الأخيرة كل منهم وتزويجه أعني القاضي, أو نائبه بنيابة اقتضتها الولاية فلا يصح إذنها لحاكم غير محلتها نعم إن أذنت له, وهي في غير

 

ج / 3 ص -205-        محل ولايته ثم زوجها, وهي بمحل ولايته صح على الأوجه ولا نظر إلى أن إذنها لا يترتب عليه أثره حالا; لأن ذلك ليس بشرط في صحة الإذن ألا ترى إلى صحة الإذن قبل الوقت والتحلل من الإحرام في الطلب في التيمم والنكاح. وإذنه لمن يزوج قنه, أو ينكح موليته بعد سنة ولمن يشتري له الخمر بعد تخللها وإنما لم يصح سماعه لبينة بحق, أو تزكية خارج عمله; لأن السماع سبب للحكم فأعطي حكمه بخلاف الإذن هنا فإنه ليس سببا لحكم بل لصحة مباشرة التزويج فكفى وجوده مطلقا بما تقرر علم بالأولى أنها لو أذنت له ثم خرجت لغير محل ولايته ثم عادت ثم زوجها صح وتخلل الخروج منها, أو منه لا يبطل الإذن وبالثانية صرح ابن العماد قال كما لو سمع البينة ثم خرج لغير محل ولايته ثم عاد يحكم بها ومثلها الأولى على الأوجه, وإن نظر فيها الزركشي كالأذرعي وزعم أن خروجها وعودها كما لو أذنت له ثم عزل ثم ولي ليس بصحيح; لأن خروجها عن محل ولايته لا يقتضي وصفه بالعزل بل بعدم الولاية عليها وبينهما فرق ظاهر كما أن خروجه لغير محل ولايته لا يقتضي ذلك بل عدم الولاية عليها فالمسألتان على حد سواء كما هو واضح ولو زوجها هو والولي الغائب في وقت واحد بالبينة قدم الولي ولو قدم وقال كنت زوجتها قبل الحاكم لم يقبل على ما يأتي ولو ثبت رجوع الفاضل قبل تزويجه بان بطلانه "وإنما يحصل العضل إذا دعت بالغة عاقلة إلى كفؤ" ولو عنينا ومجبوبا بالباء وقد خطبها وعينته ولو بالنوع بأن خطبها أكفاء فدعت إلى أحدهم أو ظهرت حاجة مجنونة للنكاح "وامتنع" ولو لنقص المهر في الكاملة, أو قال لا أزوج إلا من هو أكفأ منه, أو هو أخوها من الرضاع, أو حلفت بالطلاق أني لا أزوجها, أو مذهبي لا يرى حلها لهذا الزوج وذلك لوجوب إجابتها حينئذ كإطعام المضطر. ولا نظر لإقراره بالرضاع ولا لحلفه ولا لمذهبه; لأنه إذا زوج لإجبار الحاكم لم يأثم ولم يحنث نعم بحث بعضهم أن امتناعه من نكاح التحليل خروجا من خلافه, أو لقوة دليل التحريم عنده لا إثم به بل يثاب على قصده قال الأذرعي وفي تزويج الحاكم حينئذ نظر لفقد العضل ا هـ وقضية كلامه تقرير ذلك البحث وأقره غيره وليس بواضح بل الأوجه ما دل عليه إطلاقهم أنه حيث وجدت الكفاءة لم يعذر. "ولو عينت" مجبرة "كفؤا وأراد الأب" أو الجد المجبر كفؤا "غيره فله ذلك", وإن كان معينها يبذل أكثر من مهر المثل "في الأصح"; لأنه أكمل نظرا منها والثاني يلزمه إجابتها إعفافا لها واختاره السبكي وغيره قال الأذرعي ويظهر الجزم به إن زاد معينها بنحو حسن أو مال أما غير المجبرة فيتعين معينها قطعا لتوقف نكاحها على إذنها.
"تنبيه" لا يأثم باطنا بعضل لمانع مخل بالكفاءة علمه منه باطنا ولم يمكنه إثباته.

فصل في موانع ولاية النكاح
"لا ولاية لرقيق" كله أو بعضه وإن قل لنقصه نعم له خلافا لفتاوى البغوي تزويج أمة ملكها ببعضه الحر بناء على الأصح أن السيد يزوج بالملك لا بالولاية وكالمكاتب بالإذن بل أولى لأنه تام الملك "وصبي ومجنون" لنقصهما أيضا وإن تقطع الجنون تغليبا لزمنه

 

ج / 3 ص -206-        المقتضي لسلب العبارة فيزوج إلا بعد زمنه فقط ولا ينتظر إفاقته نعم بحث الأذرعي أنه لو قل جدا كيوم في سنة انتظرت كالإغماء قال الإمام: ولو قصر زمن الإفاقة جدا فهو كالعدم أي من حيث عدم انتظاره لا من حيث عدم صحة نكاحه فيه لو وقع ويشترط بعد إفاقته صفاؤه من آثار خبل يحمله على حدة في الخلق كما أفهمه قوله: ومختل "النظر" وإن قل وبحث الأذرعي خلافه يتعين حمله على نوع لا يؤثر في النظر في الأكفاء والمصالح "بهرم" أو خبل أصلي أو طارئ أو بأسقام شغلته عن اختيار الأكفاء ولم ينتظر زوال مانعه لأنه لا حد له يعرفه الخبراء بخلاف الإغماء ولم يزوج القاضي كالغائب لبقاء أهليته إذ لو زوج في حال غيبته صح بخلاف هذا "وكذا محجور عليه بسفه" لبلوغه غير رشيد مطلقا أو بتبذيره بعد رشده وحجر عليه "على المذهب" لأنه لا يلي أمر نفسه فغيره أولى, ويصح توكيل هذا والقن في قبول النكاح دون إيجابه أما إذا لم يحجر عليه فيلي كما بحثه الرافعي وهو ظاهر نص الأم وإن صحح جمع خلافه وعليه فسيأتي الفرق بين صحة تصرفه وعدم ولايته وأما محجور عليه بفلس فيلي لأنه كامل وإنما الحجر عليه لحق الغير. "ومتى كان" المعتق أو "الأقرب" من عصبة النسب أو الولاء متصفا "ببعض هذه الصفات فالولاية" في الأولى لأقرب عصبات المعتق كالإرث وفي الثانية "للأبعد" نسبا فولاء فلو أعتق أمة ومات عن ابن صغير وأب أو أخ كبير زوج الأب أو الأخ لا الحاكم على المنقول المعتمد وإن نقل عن نص وجمع متقدمين أن الحاكم هو الذي يزوج وانتصر له الأذرعي واعتمده جمع متأخرون وقول البلقيني "الظاهر والاحتياط أن الحاكم يزوج" يعارضه قوله "في المسألة نصوص تدل على أن الأبعد هو الذي يزوج وهو الصواب" ا هـ وذلك لأن الأقرب حينئذ كالعدم ولإجماع أهل السير على أنه صلى الله عليه وسلم زوجه وكيله عمرو بن أمية أم حبيبة بالحبشة من ابن عم أبيها خالد بن سعيد بن العاص أو عثمان بن عفان لكفر أبيها أبي سفيان رضي الله عنهم ويقاس بالكفر سائر الموانع السابقة والآتية ولذا قيل كان ينبغي تأخير هذا عن كلها ومتى زال المانع عادت الولاية. "والإغماء" والسكر بلا تعد "إن كان لا يدوم غالبا" يعني بأن قل جدا "انتظر إفاقته" قطعا لقرب زواله كالنوم "وإن كان يدوم أياما انتظر" أيضا لكن على الأصح لأن من شأنه أنه قريب الزوال كالنوم نعم إن دعت حاجتها إلى النكاح زوجها السلطان على ما قاله المتولي وغيره لكن ظاهر كلام الشيخين خلافه. "وقيل تنتقل الولاية للأبعد" كالجنون وقضية قوله أياما أن اليوم واليومين من القسم الأول والذي في الروضة حكاية الخلاف فيهما أيضا وقضية صنيعه انتظاره وإن دام شهرا و استبعده جمع وادعوا أن المعتمد ما أفاده كلام الإمام أنه متى كان دون يومين انتظر وإلا زوج الحاكم كالغائب بل أولى لصحة عبارة الغائب "ولا يقدح" الخرس إن كان له كتابة أو إشارة مفهمة وإلا زوج الأبعد ومر صحة تزويجه وتزوجه بالكتابة مع ما فيه فراجعه ولا "العمى في الأصح" لقدرته على البحث عن الأكفاء, وتعذر شهادته إنما هو لتعذر تحمله وإلا فهي مقبولة منه في مواضع تأتي نعم لا يجوز لقاض تفويض ولاية العقود إليه لأنها نوع من ولاية القضاء ويظهر أن العقد الواحد كذلك وعلم مما مر أن عقده بمهر معين لا يثبته

 

ج / 3 ص -207-        كشرائه بمعين أو بيعه له. "ولا ولاية لفاسق" غير الإمام الأعظم "على المذهب" للحديث الصحيح "لا نكاح إلا بولي" مرشد أي عدل عاقل فيزوج الأبعد واختار أكثر متأخري الأصحاب أنه يلي والغزالي أنه لو كان بحيث لو سلبها انتقلت لحاكم فاسق لا ينعزل ولي وإلا فلا لأن الفسق عم واستحسنه في الروضة وقال ينبغي العمل به وبه أفتى ابن الصلاح وقواه السبكي وقال الأذرعي لي منذ سنين أفتي بصحة تزويج القريب الفاسق واختاره جمع آخرون إذا عم الفسق وأطالوا في الانتصار له حتى قال الغزالي من أبطله حكم على أهل العصر كلهم إلا من شذ بأنهم أولاد حرام ا هـ. وهو عجيب لأن غايته أنهم من وطء شبهة وهو لا يوصف بحرمة كحل فصواب العبارة حكم عليهم بأنهم ليسوا أولاد حل ويؤيد ما قاله أولا أنه حكي قول للشافعي أنه ينعقد بشهادة فاسقين لأن الفسق إذا عم في ناحية وامتنع النكاح انقطع النسل المقصود بقاؤه فكذا هذا وكما جاز أكل الميتة للمضطر لبقائه فكذا هذا لبقاء النسل أما الإمام الأعظم فلا ينعزل بالفسق فيزوج بناته إن لم يكن لهن ولي خاص وبنات غيره بالولاية العامة وإن فسق تفخيما لشأنه ولو تاب الفاسق توبة صحيحة زوج حالا لأن الشرط عدم الفسق لا العدالة وبينهما واسطة ولذا زوج المستور الظاهر العدالة قال جمع اتفاقا واعترض والصبي إذا بلغ والكافر إذا أسلم ولم يصدر منهما مفسق وإن لم يحصل لهما ملكة تحملهما الآن على ملازمة التقوى. "ويلي الكافر" الأصلي غير الفاسق في دينه وهذا أولى من تعبير كثيرين بعدل في دينه لما تقرر في المسلم فهو أولى "الكافرة" وإن اختلف دينهما سواء أكان الزوج مسلما أم ذميا وهي مجبرة أو غير مجبرة لقوله تعالى {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [لأنفال: 73] لا المسلمة إجماعا ولا المسلم الكافرة إلا الإمام ونائبه فإنه يزوج من لا ولي لها ومن عضلها وليها بعموم الولاية ولا يزوج حربي ذمية وعكسه كما لا يتوارثان قاله البلقيني قال: والمعاهد كالذمي ويزوج نصراني يهودية وعكسه كالإرث وصورته أن يتزوج نصراني يهودية أو عكسه فتلد له بنتا فتخير إذا بلغت بين دين أبيها وأمها فتختارها أو تختاره. "وإحرام أحد العاقدين" لنفسه أو غيره بولاية أو وكالة "أو الزوجة" أو الزوج أو الولي الغير العاقد إحراما مطلقا أو بأحد النسكين ولو فاسدا "يمنع صحة النكاح" وإذنه فيه لقنه الحلال على المنقول المعتمد أو لموليه السفيه كما بحثه جمع وعليه فيفرق بين هذا وصحة التوكيل حيث لم يقيد بالعقد في الإحرام بأن ما هنا منشؤه الولاية وليس المحرم من أهلها بخلاف مجرد الإذن إذ يحتاط للولاية ما لا يحتاط لغيرها وذلك لخبر مسلم "لا ينكح المحرم ولا ينكح" بكسر كافيهما, وخبره عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم نكح ميمونة وهو محرم معارض بالخبر الحسن عن أبي رافع أنه كان حلالا وأنه الرسول بينهما وهو مقدم لأنه المباشر للواقعة على أن من خصائصه صلى الله عليه وسلم أن له النكاح مع الإحرام ويجوز أن يزوج حلال لحلال أمة محجوره المحرم لأن العاقد ليس نائبه وأن تزف المحرمة لزوجها المحرم وأن يراجع تغليبا لكون الرجعة استدامة كما يأتي. "ولا تنتقل الولاية" إلى الأبعد "في الأصح فيزوج السلطان عند إحرام الولي" لبقاء رشد المحرم ونظره وإنما منع تعظيما لما

 

ج / 3 ص -208-        هو فيه وقوله "لا الأبعد" إيضاح لأنه عين قوله ولا تنتقل الولاية "قلت ولو أحرم الولي أو الزوج فعقد وكيله الحلال لم يصح" قبل التحللين "والله أعلم" لأن الموكل لا يملكه ففرعه أولى بل بعدهما لأنه لا ينعزل به ولو أحرم الإمام أو القاضي فلنوابه تزويج من في ولايته حال إحرامه لأن تصرفهم بالولاية لا بالوكالة ومن ثم جاز لنائب القاضي الحكم له وبه يرد بحث الزركشي الامتناع إن قال له الإمام استخلف عن نفسك أو أطلق. "ولو غاب الأقرب إلى مرحلتين" أو أكثر ولم يحكم بموته ولا وكل من يزوج موليته إن خطبت في غيبته "زوج السلطان" لا الأبعد وإن طالت غيبته وجهل محله وحياته لبقاء أهلية الغائب والأصل إبقاؤها والأولى أن يأذن للأبعد أو يستأذنه ليخرج من الخلاف ولو بان ببينة - قال البغوي: أو بحلفه وقد ينافيه ما يأتي في كنت زوجتها أنه لا يقبل قوله بلا بينة - كونه بدون مسافة القصر عند تزويج القاضي بان بطلانه أما إذا كان له وكيل فهو مقدم على السلطان على المنقول المعتمد خلافا للبلقيني قال السبكي ومحله في المجبر وغيره إن أذنت له ا هـ وقوله إن أذنت له قيد في الغير فقط لما يأتي ولو قدم فقال كنت زوجتها لم يقبل بدون بينة لأن الحاكم هنا ولي إذ الأصح أنه يزوج بنيابة اقتضتها الولاية والولي الحاضر لو زوج فقدم آخر غائب وقال كنت زوجت لم يقبل إلا ببينة بخلاف البيع لأن الحاكم وكيل عن الغائب والوكيل لو باع فقدم الموكل وقال: كنت بعت مثلا يقبل بيمينه.
"تنبيه" وقع لابن الرفعة أن للحاكم عند غيبة الأب تزويج الصغيرة بناء على الضعيف أنه يزوج بالنيابة ورد بأن الصواب ما في الأنوار وغيره أنه لا يزوجها ولا على هذا القول لأن الحاكم إنما ينوب عن غيره في حق لزمه أداؤه والأب لا يلزمه تزويج الصغيرة وإن ظهرت الغبطة فيه.
"ودونهما" إذا غاب الأقرب إليه "لا يزوج" السلطان "إلا بإذنه في الأصح" لأنه حينئذ كالمقيم بالبلد فإن تعذر إذنه لخوف أو نحوه زوج الحاكم على ما اعتمده ابن الرفعة وغيره وأشار الأذرعي إلى التوقف فيه بقوله فإن صح وجب تقييد إطلاق الرافعي وغيره به لكنه قال عقب ذلك والظاهر أنه لو كان في البلد في سجن السلطان وتعذر الوصول إليه أن القاضي يزوج ا هـ والذي يتجه أنه حيث تعذر إذنه زوج, أو تعسر فلا, وبه يجمع بين التوقف والبحث وتصدق في غيبة وليها وخلوها من الموانع ويسن طلب بينة منها بذلك وإلا فيحلفها فإن ألحت في الطلب بلا بينة ولا يمين أجيبت على الأوجه. وإن رأى القاضي التأخير لما يترتب عليه حينئذ من المفاسد التي لا تتدارك, ومحل ذلك ما لم يعرف تزوجها بمعين وإلا اشترط في صحة تزويج الحاكم لها دون الولي الخاج / 3 ص - كما أفاده كلام الأنوار - إثباتها لفراقه سواء أغاب أم حضر هذا ما دل عليه كلام الشيخين وهو المعتمد من اضطراب طويل فيه. وإن كان القياس ما قاله جمع من قبول قولها في المعين أيضا حتى عند القاضي لقول الأصحاب إن العبرة في العقود بقول أربابها ومن ثم لو قال اشتريت هذه الأمة من فلان وأراد بيعها جاز شراؤها منه وإن لم يثبت شراؤه ممن عينه لكن الجواب أن النكاح يحتاط له أكثر وممن اعتمد التفصيل بين المعين وغيره السبكي وتبعه

 

ج / 3 ص -209-        ولده التاج فقال عنه: إن عين الزوج لم يقبل إلا ببينة حضر أو غاب طلق أو مات وإن لم يعين قبلت مطلقا واعلم أن كلام الأنوار الذي أشرت إليه أخذه من قول القاضي في فتاويه غاب زوجها وانقطع خبره فقالت لوليها: زوجني فإنه مات أو طلقني وانقضت عدتي فأنكر حلف فإن نكل حلفت وزوجها فإن أبى فالحاكم ففيه وإن كان قوله حلف إلخ مردودا لأن اليمين المردودة لا يتعدى حكمها لثالث وهو الحكم بفراق الأول لها التصريح بأنه إذا صدقها زوجها مع تعيين الزوج واعتمده ابن عجيل والحضرمي فقالا: لو خطبها رجل من وليها الحاضر وأراد أن يتزوج بها منه جاز أن يتزوج بها منه ويقبل قولها في ذلك لأن اعتماد العقول على قول أربابها بخلاف أحكام القضاة فإن الاعتماد على ظهور حجة عند القاضي ووافقهما في الخادم على الفرق بين الولي والقاضي ولابن العماد هنا ما هو مردود فتنبه له.
"فرع": إذا عدم السلطان لزم أهل الشوكة الذين هم أهل الحل والعقد ثم أن ينصبوا قاضيا فتنفذ حينئذ أحكامه للضرورة الملجئة لذلك وقد صرح بنظير ذلك الإمام في الغياثي فيما إذا فقدت شوكة سلطان الإسلام أو نوابه في بلد أو قطر وأطال الكلام فيه ونقله عن الأشعري وغيره واستدل له الخطابي بقضية خالد بن الوليد وأخذه الراية من غير إمرة لما أصيب الذين أمرهم صلى الله عليه وسلم زيد فجعفر فابن رواحة رضي الله عنهم قال وإنما تصدى خالد للإمارة لأنه خاف ضياع الأمر فرضي به صلى الله عليه وسلم ووافق الحق فصار ذلك أصلا في الضرورات إذا وقعت في قيام أمر الدين.
"وللمجبر التوكيل في التزويج بغير إذنها" كما يزوجها بغير إذنها نعم يسن للوكيل استئذانها ويكفي سكوتها "ولا يشترط تعيين الزوج" للوكيل فيما ذكر ولا تعيينه من الآذنة لوليها "في الأظهر" لأن وفور شفقته تدعوه إلى أن لا يوكل إلا من يثق بنظره واختياره ولا ينافيه اشتراط تعيين الزوجة لمن وكله أن يتزوج له على المعتمد من تناقض فيه لأنه لا ضابط هنا يرجع إليه وثم يتقيد بالكفء ويكفي "تزوج لي من شئت أو إحدى هؤلاء" لأن عمومه الشامل لكل من إفراده مطابقة بنفي الغرر بخلاف امرأة. "ويحتاط الوكيل" وجوبا عند الإطلاق "فلا يزوج" بمهر مثل وثم من يبذل أكثر منه أي يحرم عليه ذلك وإن صح العقد كما هو ظاهر بخلاف البيع لأنه يتأثر بفساد المسمى ولا كذلك النكاح ولا ينافيه البطلان في زوجها بشرط أن يضمن فلان أو يرهن بالمهر شيئا فلم يشترط ذلك لأن المخالفة هنا صريحة بخلافها في الأول ومثل ذلك على الأوجه: زوجها ولا تزوجها حتى يضمن فلان, وقول القاضي بخلافه رده البغوي بأن كلامه متضمن للتعليق بالضمان فلم يصح بدونه وكذا في: لا تزوجه حتى تحلفه بالطلاق منها أنه لا يشرب الخمر ولا نظر لعدم إمكان هذا الشرط قبل التزويج لما تقرر من تضمن كلامه للتعليق به فاشترط لنفوذ تصرفه وجوده ولو فاسدا ومن ثم جزم بعضهم بأنه حيث وكله بالعقد بعوض فاسد أو بشرط فاسد فزوج كذلك صح بمهر المثل وإلا فلا وبنى القاضي على ما مر عنه الذي رده البغوي. قوله ولو قالت زوجني منه برهن أو بضمان فلان صح التوكيل والتزويج بلا ضمان ولا رهن

 

ج / 3 ص -210-        لتعذرهما قبل العقد فألغيا وفي مثله في البيع يتخير البائع ولا خيار هنا ا هـ وقد علمت رده مما تقرر وأنه لا تعذر لإمكان شرطهما في العقد قال البغوي: ولو وكل في تزويجها بنحو خمر فزوج بقدر مهر المثل صح أي ولا نظر للمخالفة هنا لأن حقيقتها لم توجد إذ تسمية الخمر موجبة لمهر فأتى بمثلها لا بما يخالفها ويقاس بذلك ما في معناه كأن يزوجها في صورة اشتراط العوض الفاسد بمهر المثل قال ولو وكل في تزويجها بشرط أن يحلف الزوج بطلاقها بعد العقد أنه لا يشرب الخمر صح التوكيل والتزويج بخلاف لا تزوجها إذا لم يحلف لا يصح التزويج أي إذا لم يحلف ا هـ ويفرق بأنه في الأول لم يشرط عليه شيئا في العقد ولا قبله بل بعده وهو غير لازم فلم يجب امتثاله بخلاف الثاني فإنه بسبيل من وجوده ولو فاسدا بأن لا يزوجه الأبعد ولا يزوج أيضا "غير كفء" بل لو خطبها أكفاء متفاوتون لم يجز تزويجها ولم يصح بغير الأكفاء لأن تصرفه بالمصلحة وهي منحصرة في ذلك وإنما لم يلزم الولي الأكفاء لأن نظره أوسع من نظر الوكيل ففوض الأمر إلى ما يراه أصلح ولو استويا كفاءة وأحدهما متوسط والآخر موسر تعين الثاني كما قاله بعضهم ومحله إن سلم ما لم يكن الأول أصلح لحمق الثاني أو شدة بخله مثلا ولو قالت لوليها: زوجني من شئت جاز له أن يزوج من غير الكفء كما لو قال لوكيله زوجها من شاءت فزوجها بغير كفء برضاها. "وغير المجبر" كالأب في الثيب "إن قالت له وكل وكل" وله التزويج بنفسه فإن قالت له وكل ولا تزوج فسد الإذن لأنه صار للأجنبي ابتداء نعم إن دلت قرينة ظاهرة على أنها إنما قصدت إجلاله صح كما بحثه الأذرعي "وإن نهته" عن التوكيل "فلا" يوكل عملا بإذنها كما يراعى إذنها في أصل التزويج "وإن قالت" له "زوجني" وأطلقت فلم تأمره بتوكيل ولا نهته عنه "فله التوكيل في الأصح" لأنه بالإذن صار وليا شرعا أي متصرفا بالولاية الشرعية فملك التوكيل عنه وبه فارق كون الوكيل لا يوكل إلا لحاجة ويلزم الوكيل الاحتياط هنا نظير ما مر ولو عينت للولي زوجا ذكره للوكيل فإن أطلق فمزوج منه لم يصح لأن التفويض المطلق مع أن المطلوب معين فاسد وفارق التقييد بالكفء في حالة الإطلاق بأنه ساعده اطراد العرف العام به وهو معمول به في العقود بخلاف التقييد بالمعين فإنه يقرب من التقييد بالعرف الخاص وهو لا يؤثر كبيع حصرم بلا شرط قطع في بلد عادتهم قطعه حصرما وبقولهم مع أن المطلوب معين مع الفرق المذكور يندفع ما قيل اعتراضا عليهم العبرة في العقود بما في نفس الأمر, وعدم تعيينه الزوج له لا يفسد إذنه إذ ليس فيه تصريح بالنكاح الممتنع بل إطلاق فكما يجوز ويتقيد بالكفء فكذلك يجوز هنا ويتقيد بالمعين وإنما بطل توكيل ولي الطفل في بيع ما له بما عز وهان لأنه إذن صريح في البيع الممتنع شرعا إذ أهل العرف إنما يستعملونه في الإذن في الغبن فليس هذا نظير ما نحن فيه وإنما نظيره أن يطلق التوكيل في بيع مال موليه والظاهر كما قاله السبكي أنه يصح ويتقيد بالمسوغ الشرعي ا هـ.
"ولو وكل" غير الحاكم "قبل استئذانها" يعني إذنها "في النكاح لم يصح" النكاح "على الصحيح" لأنه لا يملك التزويج بنفسه حينئذ فكيف يفوضه لغيره أما بعد إذنها وإن لم

 

ج / 3 ص -211-        يعلم به حال التوكيل فإنه يصح كما هو ظاهر اعتبارا بما في نفس الأمر أما الحاكم فله تقديم إنابة من يزوج موليته على إذنها له بناء على الأصح أن استنابته في شغل معين استخلاف لا توكيل ولو ذكر له دنانير انصرفت للغالب وإلا وجب التعيين إن اختلفت قيمتها كالبيع ويصح إذنها لوليها أن يزوجها إذا طلقها زوجها وانقضت عدتها لا إذن الولي لمن يزوج موليته كذلك على ما قالاه في الوكالة وقد مر بما فيه مع نظائره وعليه فالفرق بينها وبين وليها أن إذنها جعلي وإذنه شرعي أي استفاده من جهة جعل الشرع له - بعد إذنها - وليا شرعا, والجعلي أقوى من الشرعي كما مر في الرهن و بهذا جمعوا بين تناقض الروضة في ذلك. والجمع بحمل البطلان على خصوص الوكالة والصحة على التصرف لعموم الإذن: قال بعضهم خطأ صريح مخالف للمنقول ومر ما في ذلك في الوكالة. "وليقل وكيل الولي" للزوج "زوجتك بنت فلان" بن فلان ويرفع نسبه إلى أن يتميز ثم يقول: موكلي أو وكالة عنه مثلا إن جهل الزوج أو الشاهدان أو أحدهما وكالته عنه وإلا لم يحتج لذلك وكذا لا بد من تصريح الوكيل بها فيما يأتي إن جهلها الولي أو الشهود وجزم بعضهم بأنه يكفي في العلم هنا قول الوكيل وقد ينافيه ما مر أنه لا يكفي إخبار العبد بأن سيده أذن له في التجارة لأنه متهم بإثبات ولاية لنفسه وهذا بعينه جار في الوكيل ويرد بأن الوكيل لا تثبت بقوله وكالته بل إن العقد منه بطريق الوكالة الثابتة بغير قوله بخلاف العبد. "تنبيه": ظاهر كلامهم أن التصريح بالوكالة فيما ذكر شرط لصحة العقد وفيه نظر واضح لقولهم العبرة في العقود حتى النكاح بما في نفس الأمر فالذي يتجه أنه شرط لحل التصرف لا غير وليس هذا كما مر آنفا لأن الإذن للوكيل ثم فاسد من أصله بخلافه هنا "وليقل الولي لوكيل الزوج: زوجت ابنتي فلانا" ابن فلان كذلك "فيقول وكيله" قبلت نكاحها له أو تزوجتها له مثلا كما هو ظاهر وإطباقهم على الأولى لا بعينها إذ لا فرق في المعنى بينها وبين غيرها مما ذكر وإنما احتيج في البيع لخطاب الوكيل لأنه يمكن وقوعه له ولا كذلك النكاح ومن ثم لو حذف قوله هنا "له" يصح وإن نواه لأن الشهود لا مطلع لهم على النية وللوكيل أن يقبل أو لا كما ذكر مع التصريح بوكالته إن جهلت ثم يجيبه الولي ولا يرد عليه هذا لأنه معلوم مما قدمه في الصيغة ولو كانا وكيلين قال وكيل الولي زوجت بنت فلان من فلان وقال وكيل الزوج ما ذكر. "ويلزم المجبر" أي الأب والجد وإن لم يكن لهما الإجبار في بعض الصور الآتية ومثله الحاكم عند عدمه أي أصلا أو بأن لم يمكن الرجوع إليه نظير الخلاف السابق في التحكيم "تزويج مجنونة" أطبق جنونها "بالغة" ولو ثيبا محتاجة للوطء نظير ما يأتي أو للمهر والنفقة وحذفه لأن البلوغ مظنته غالبا فاكتفى عنه به "ومجنون" أطبق جنونه بالغ "ظهرت حاجته" بظهور أمارات توقانه بدورانه حول النساء أو بتوقع الشفاء بقول عدلي طب أو باحتياجه لمن يخدمه وليس له نحو محرم يخدمه ومؤن النكاح أخف من ثمن أمة ومؤنها ولا نظر إلى أن الزوجة لا يلزمها خدمته لاعتياد النساء لذلك ومسامحتهن به غالبا بل أكثرهن يعد تركه رعونة وحمقا وذلك للحاجة واكتفي بها فيها لا فيه بل اشترط ظهورها لأن تزويجها يفيدها المهر والمؤن وتزويجه

 

ج / 3 ص -212-        يغرمه إياهما كذا قيل وفيه نظر بل المناط فيهما الحاجة لا غير كما يصرح به كلام الروضة وأصلها فإنهما قيدا فيهما بالحاجة بظهور أمارات التوقان لكن يلزم من ظهوره فيه ظهورها بخلافه فيها للحياء الذي جبلن عليه فمن ثم ذكر الظهور فيه دونها أما إذا تقطع جنونهما فلا يزوجان حتى يفيقا ويأذنا وتستمر إفاقتهما إلى تمام العقد كذا أطلقوه وهو بعيد إن عهدت ندرتها وتحققت الحاجة للنكاح فلا ينبغي انتظارها حينئذ ويؤيده ما مر في أقرب ندرت إفاقته وعلم مما مر أن هذا في غير البكر بالنسبة للمجبر "لا صغيرة وصغير" فلا يلزمه تزويجهما ولو مجنونين كما يأتي وإن ظهرت الغبطة في ذلك لعدم الحاجة حالا مع ما في النكاح من الأخطار أو المؤن وبه فارق وجوب بيع ماله عند الغبطة وسيذكر تزويجها للمصلحة بسائر أقسامها وهو غير ما هنا إذ هو في الوجوب وذاك في الجواز. "ويلزم المجبر وغيره إن تعين" كأخ واحد "إجابة" بالغة "ملتمسة التزويج" دعت إلى كفء تحصينا لها, وحصول الغرض بتزويج السلطان لا ينظر إليه لأن فيه مشقة وهتكا على أن تعدد الأولياء لا يمنع التعين على من سئل منهم كما قال "فإن لم يتعين كإخوة" أشقاء أو لأب "فسألت بعضهم" أن يزوجها "لزمه الإجابة في الأصح" لئلا يؤدي إلى التواكل كشاهدين معهما غيرهما طلب منهما الأداء فإن امتنع الكل زوج السلطان بالعضل. "وإذا اجتمع أولياء" من النسب "في درجة" ورتبة واحدة كإخوة أشقاء وقد أذنت لكل أو قالت: أذنت لمن شاء منكم أو من مناصيب الشرع أو لأحدهم في تزويجي من فلان أو رضيت أن أزوج أو رضيت فلانا زوجا وتعيينها لأحدهم بعد ليس عزلا لباقيهم "استحب أن يزوجها أفقههم" بباب النكاح وأورعهم "وأسنهم برضاهم" أي باقيهم لأن الأفقه أعلم بشروط العقد والأورع أبعد عن الشبهة والأسن أخبر بالأكفاء واحتيج لرضاهم لأنه أجمع للمصلحة فإن تعارضت الصفات قدم الأفقه فالأورع فالأسن ولو زوج المفضول صح أما لو أذنت لأحدهم فلا يزوج غيره إلا وكالة عنه وأما لو قالت زوجوني فإنه يشترط اجتماعهم وخرج بأولياء النسب المعتقون فيشترط اجتماعهم أو توكيلهم نعم عصبة المعتق كأولياء النسب فيكفي أحدهم فإن تعدد المعتق اشترط واحد من عصبة كل "فإن تشاحوا" فقال كل واحد منهم: أنا الذي أزوج واتحد الخاطب "أقرع" ولو من غير الإمام ونائبه بينهم وجوبا قطعا للنزاع فمن قرع منهم زوج ولا تنتقل الولاية للحاكم, وخبر "فإن تشاجروا فالسلطان ولي من لا ولي له" محمول على العضل فإن تعدد فمن ترضاه فإن رضيت الكل أمر الحاكم بالتزويج من أصلحهم وظاهر ما تقرر أن هذا خاص بتشاح غير الحكام فلو أذنت لكل من حكام بلدها فتشاحوا فلا إقراع كما بحثه الزركشي إذ لا حظ لهم بخلاف الأولياء بل من سبق منهم بالتزويج اعتد به أي فإن أمسكوا رجع إلى موليهم فيما يظهر وله احتمال أنا إن قلنا تزويج الحاكم بالولاية أقرع أو بالنيابة فلا كالوكلاء أي عن شخص واحد ا هـ ومر أنه بنيابة اقتضتها الولاية وعليه فلا يأتي هذا الاحتمال "فلو زوج غير من خرجت قرعته وقد أذنت لكل منهم" كره إن كان القارع الإمام أو نائبه و "صح" النكاح "في الأصح" لأن القرعة قاطعة للنزاع لا سالبة للولاية ولو بادر قبل القرعة صح قطعا ولا كراهة.

 

ج / 3 ص -213-        "تنبيه": ظاهر هذا الصنيع أن الكراهة إنما هي لجريان وجه بالبطلان, وعدمها لعدم جريانه وحينئذ فلا ينافي هذا ما مر من وجوب القرعة لأن ذاك إنما هو من حيث قطع النزاع وعدمه لكن في الجمع بين وجوبها وعدم توقفها على الإمام ونائبه نظر إذ لا يصلح الإجبار عليها إلا منه ويجاب بحمل عدم توقفها عليه على ما إذا اتفقوا على فعلها وإلا فالوجه رفع الخاطب الأمر إليه ليلزمهم بها.
"ولو زوجها أحدهم" أي الأولياء وقد أذنت لكل منهم "زيدا وآخر عمرا" أو وكل الولي فزوج هو ووكيله أو وكل وكيلين فزوج كل والزوجان كفؤان أو أسقطوا الكفاءة وإلا بطلا مطلقا إلا إن كان أحدهما كفؤا أو معينا في إذنها فنكاحه الصحيح وإن تأخر "فإن" سبق أحد العقدين و "عرف السابق منهما" ببينة أو تصادق معتبر ولم ينس "فهو الصحيح" والآخر باطل وإن دخل المسبوق بها للخبر الصحيح "أيما امرأة زوجها وليان فهي للأول منهما" "وإن وقعا معا" فباطلان وهو واضح "أو جهل السبق والمعية فباطلان" لتعذر الإمضاء والأصل في الأبضاع الحرمة حتى يتحقق السبب المبيح نعم يسن للحاكم أن يقول: إن كان قد سبق أحدهما فقد حكمت ببطلانه لتحل يقينا وتثبت له هذه الولاية للحاجة. "وكذا" يبطلان "لو علم سبق أحدهما ولم يتعين" وأيس من تعينه "على المذهب" لما ذكر ومجرد العلم بالسبق لا يفيد وإنما توقف في نظيره من الجمعتين فلم يحكم ببطلانهما لأن الصلاة إذا تمت صحيحة لا يطرأ عليها مبطل لها ولا كذلك العقد لأنه يفسخ بأسباب ولأن المدار ثم على علم الله تعالى وهو يعلم السابقة بخلافه هنا, ويسن للحاكم هنا أيضا نظير ما مر فيقول فسخت السابق منهما ثم الحكم ببطلانهما إنما هو في الظاهر حتى لو تعين السابق بعد فهو الزوج ومحله إن لم يجر من الحاكم فسخ وإلا انفسخ باطنا أيضا حتى لو تعين السابق فلا زوجية أما إذا لم يقع يأس من تعين السابق فيجب التوقف إلى تعينه "ولو سبق معين ثم اشتبه" لنسيانه "وجب التوقف حتى يتبين" لتحقق صحة العقد فلا يرتفع إلا بيقين فيمتنعان عنها ولا تنكح غيرهما وإن طال عليها الأمر كزوجة المفقود حتى يطلقاها أو يموتا أو يطلق واحد ويموت الآخر نعم بحث الزركشي كالبلقيني أنها عند اليأس من التبين - أي ويظهر اعتبار العرف فيه - تطلب الفسخ من الحاكم ويجيبها إليه للضرورة وكالفسخ بالعيب وأولى, ولا يطالب واحد منهما بمهر وصحح الإمام أن النفقة حالة التوقف كذلك لتعذر الاستمتاع وقطع ابن كج والدارمي وصححه الخوارزمي واقتضى كلام الرافعي ترجيحه وهو الأوجه أنها عليهما نصفين بحسب حالهما لحبسهما لها ثم يرجع المسبوق على السابق وقيل عليها ثم هي عليه ويتجه أنه لا بد في الرجوع من إذن حاكم وجد, وإلا فالإشهاد على نية الرجوع كما في هرب الجمال ونحوه فإن قلت: يفرق بأن هنا إيجاب الشرع فليغن عن ذلك قلت وفي بعض تلك النظائر إيجابه أيضا ولم يغن عنه ويوجه بأنه إيجاب متعلق بأمر مشتبه بان خلافه فلم يكتف به وحده ولو مات أحدهما وقف إرث زوجة أو هي فإرث زوج.
"تنبيه": ظاهر عبارة المتن وكذا أصل الروضة هنا استمرار الوقف وهو مشكل لمزيد

 

ج / 3 ص -214-        تضررها به فلذا بحث ذانك ما ذكر وكأنهما لم يستحضرا قول أصل الروضة في موانع النكاح وإن طلبت الفسخ للاشتباه فسخ كما في إنكاح الوليين ا هـ فهو صريح كما ترى في أن لها طلب الفسخ هنا للضرورة أي لتضررها بسبب التوقف وفي أنه لا فرق في إجابتها لذلك بين اليأس وعدمه ولا بين أن تلزمها نفقتها مدة التوقف وأن لا والحق أن ما هنا والبحث المفرع عليه أقوى مدركا إذ إجابتها بمجرد الاشتباه مع إيجاب نفقتها بعيد جدا فتأمله.
"فإن ادعى كل زوج" عليها "علمها بسبقه" أي بسبق نكاحه على التعيين وإلا لم تسمع الدعوى "سمعت دعواهما" كدعوى أحدهما إن انفرد "بناء على الجديد" الأصح كما مر "وهو قبول إقرارها بالنكاح" لأن لها حينئذ فائدة. وتسمع أيضا على وليها إن كان مجبرا لقبول إقراره به أيضا لا دعوى أحدهما أو كل منهما على الآخر أنه السابق ولو للتحليف لأن الزوجة من حيث هي زوجة ولو أمة لا تدخل تحت اليد وتسمع دعوى النكاح في غير هذه الصورة على المجبر في الصغيرة فإن أقر فذاك وإن أنكر حلف فإن نكل حلف الزوج وأخذها, والكبيرة لكن للزوج بعد تحليفه تحليفها إن أنكرت ولا تسمع دعواه على ولي ثيب صغيرة وإن قال نكحتها بكرا لأنه الآن لا يملك إنشاءه فلا يقبل إقراره به عليه قاله البغوي ويؤخذ من تعليله صحة حمل الغزي له على ما إذا لم يكن له بينة بما ادعاه "فإن" أقرت لهما فكعدمه أو "أنكرت حلفت" هي أو أنكر وليها المجبر حلف وإن كانت رشيدة على نفي العلم بالسبق لتوجه اليمين عليهما بسبب فعل غيرهما لكل واحد منهما يمينا انفردا أو اجتمعا وإن رضيا بيمين واحدة وسكوت الشيخين هنا على ما يخالف ذلك للعلم بضعفه مما قرراه في الدعاوى وغيرها وإذا حلفت لهما بقي التداعي والتحالف بينهما والممتنع إنما هو ابتداء التداعي والتحالف بينهما من غير ربط الدعوى بها فمن حلف فالنكاح له كذا نقلاه عن الإمام والغزالي وأقراه واعترضا بأن المنصوص وعليه الأكثرون أنهما لا يتحالفان مطلقا قال جمع: فيبقى الإشكال وقال ابن الرفعة بل يبطل النكاحان بحلفها قال الأذرعي وهو المذهب. وعن النص أنه لو امتنع حلفها لنحو خرس أي مع عدم إشارة مفهمة أو عته أو صبا فسخا أيضا وهو محتمل إلا في صباها لأنه إن كان لها مجبر فقد مر وإلا فانتظار بلوغها سهل لا يسوغ بمثله الفسخ "وإن أقرت لأحدهما" على التعيين بالسبق وهي ممن يصح إقرارها "ثبت نكاحه" بإقرارها "وسماع دعوى الآخر وتحليفها" مصدر مضاف للمفعول "له" أي لأجله أنها لا تعلم سبق نكاحه "يبنى" أي السماع وأفرده لأن التحليف تابع له "على القولين" السابقين في الإقرار "فيمن قال هذا لزيد بل لعمرو هل يغرم لعمرو" بدله "إن قلنا نعم" وهو الأظهر "فنعم" تسمع الدعوى وله تحليفها رجاء أن تقر أو تنكل فيحلف ويغرمها مهر مثلها لأنها حالت بينه وبين بضعها بإقرارها الأول الدال على عدم صدقها فيه بإقرارها الثاني أو امتناعها من اليمين وما أفهمه ما تقرر أن إقرارها له لا يفيده زوجية محله ما لم يمت الأول وإلا صارت زوجة للثاني ويظهر أن طلاقه البائن كموته ويحتمل الفرق وخرج بقوله "علمها بسبقه" ما لو لم يتعرضا للسبق ولا

 

ج / 3 ص -215-        لعلمها به بأن ادعى كل زوجيتها وفصل فتحلف بتا لكل أنها ليست زوجته فإن كانت الدعوى على المجبر حلف بتا أيضا وإن حلفت فإن نكلت حلف المدعي منهما أولا وثبت نكاحه كما لو أقرت له وإن حلف الولي. "ولو تولى جد طرفي عقد في تزويج بنت ابنه" البكر أو المجنونة كذا اشترطه المصنف وبه يعلم اشتراط إجباره وبه صرح العراقيون واعتمده ابن الرفعة فيمتنع ذلك في بنت الابن الثيب البالغة العاقلة "بابن ابنه الآخر" المحجور له والأب فيهما ميت أو ساقط الولاية "صح في الأصح" لقوة ولايته وشفقته دون سائر الأولياء وكالبيع فيجب عليه الإتيان بالإيجاب والقبول كزوجتها وقبلت نكاحها له بالواو فلا يجوز حذفها كما قاله صاحب الاستقصاء وابن معن واقتضاه كلام غيرهما خلافا لمن نازع فيه إذ الجمل المتناسبة الغرض من متكلم واحد لا بد لها من عاطف جامع يدل على كمال اتصالها وإلا لكان الكلام معها مفلتا غير ملتئم ولا يتولاهما غير الجد حتى وكيله بخلاف وكيليه أو وكيله وهو وحتى الحاكم في تزويج مجنونة بمجنون وبحث البلقيني في عم يريد أن يزوج بنت أخيه بابنه الصغير أن الحاكم يزوجها منه لولده لأن إرادته القبول لولده صيرته كولي يريد أن يتزوج موليته فيزوجه الحاكم. "ولا يزوج ابن العم" مثلا إذ مثله في ذلك المعتق وعصبته "نفسه" من موليته التي لا ولي لها أقرب منه لإتهامه في أمر نفسه ولأنه ليس كالجد "بل يزوجه ابن عم في درجته" لاشتراكه معه في الولاية لا أبعد منه لحجبه به "فإن فقد" من في درجته "فقاض" لبلدها يزوجها منه بالولاية العامة كفقد وليها وفي قولها له: زوجني من نفسك يجوز للقاضي أن يزوجها له بهذا الإذن إذ معناه فوض أمري إلى من يزوجك إياي بخلاف زوجني فقط أو بمن شئت لأن المفهوم منه تزويجها بأجنبي. "فلو أراد القاضي نكاح من لا ولي لها" غيره لنفسه أو لمحجوره "زوجه من" هي في عمله سواء من "فوقه من الولاة" ومن هو مثله "أو خليفته" لأن حكمه نافذ عليه وإن أراده الإمام الأعظم زوجه خليفته "وكما لا يجوز لواحد تولي الطرفين" غير الجد كما مر "لا يجوز أن يوكل وكيلا في أحدهما" ويتولى هو الآخر "أو وكيلين فيهما" أي واحد في الإيجاب وواحد في القبول "في الأصح" لأن فعل وكيله كفعله بخلاف القاضي وخليفته فإن تصرفهما بالولاية العامة.

فصل في الكفاءة
وهي معتبرة في النكاح لا لصحته مطلقا بل حيث لا رضا من المرأة وحدها في جب ولا عنة ومع وليها الأقرب فقط فيما عداهما.
"زوجها الولي" المنفرد كأب أو أخ مسلما أو ذميا في ذمية كما يأتي في نكاح المشرك من جملة ضابط ذكرته أخذا من أطراف كلامهم فراجعه فإنه مهم "غير كفؤ برضاها أو" زوجها "بعض الأولياء" ولو "المستوين" في درجة واحدة كإخوة غير كفؤ "برضاها" ولو سفيهة وإن سكتت البكر بعد استئذانها فيه معينا أو بوصف كونه غير كفؤ "ورضا الباقين" صريحا "صح" التزويج مع الكراهة وإن نظر فيها وقال ابن عبد السلام: يكره كراهة شديدة

 

ج / 3 ص -216-        من فاسق إلا لريبة وذلك لأن الكفاءة حقها وحقهم وقد رضوا به بإسقاطها ولأنه صلى الله عليه وسلم أمر فاطمة بنت قيس وهي قرشية بنكاح أسامة حبه وهو مولى وزوج أبو حذيفة سالما مولاه بنت أخيه الوليد بن عتبة متفق عليهما والجمهور أن موالي قريش ليسوا أكفاء لهم وزوج صلى الله عليه وسلم بناته من غير أكفاء وإن جاز أن يكون لأجل ضرورة بقاء نسلهن كما زوج آدم بناته من بنيه لذلك تنزيلا لتغاير الحملين منزلة تغاير النسبين وخرج بقوله المستوين الأبعد فإنه وإن كان وليا - وتقديم غيره عليه لا يسلب كونه وليا خلافا لمن زعمه - لا حق له فيها كما قال. "ولو زوجها الأقرب" غير كفؤ "برضاها فليس للأبعد اعتراض" إذ لا حق له الآن في الولاية ولا نظر إلى تضرره بلحوق العار لنسبه لأن القرابة يكثر انتشارها فيشق اعتبار رضا الكل ولا ضابط لدونه فيتقيد الأمر بالأقرب ولا يرد عليه ما لو كان الأقرب نحو صغير أو مجنون فإن المعتبر حينئذ رضا الأبعد لأنه الولي والأقرب كالعدم "ولو زوجها أحدهم" أي المستوين "به" أي غير الكفؤ لغير جب أو عنة "برضاها دون رضاهم" أي الباقين ولم يرضوا به أول مرة "لم يصح" وإن جهل العاقد عدم كفاءته لأن الحق لجميعهم "وفي قول يصح ولهم الفسخ" لأن النقص يقتضي الخيار فقط كعيب المبيع ويجاب بوضوح الفرق أما المجبوب أو العنين فيكفي رضاها وحدها به لأن الحق فيه لها فقط وأما إذا رضوا به أولا ثم بانت ثم زوجها أحدهم به برضاها فقط فيصح على مقتضى كلام الروضة وجزم به بعض مختصريها والذي يتجه وفاقا لصاحب الكافي وجزم به صاحب الأنوار, مقابله لأن هذه عصمة جديدة ومما يصرح به ما يأتي قريبا أن السيد لا يحتاج لإذنه في الرجعة بخلاف إعادة البائن. "ويجري القولان في تزويج الأب" وإن علا "بكرا صغيرة أو" تزويج الأب أو غيره "بالغة غير كفؤ بغير رضاها" أي البالغة المجبرة بالنكاح وغيرها بعدم الكفؤ بأن أذنت لوليها في تزويجها من غير تعيين زوج "ففي الأظهر" التزويج "باطل" لأنه على خلاف الغبطة "وفي الآخر يصح وللبالغة الخيار" حالا "وللصغيرة" الخيار "إذا بلغت" لما مر أن النقص إنما يقتضي الخيار وقيل لا خيار وسيأتي في باب الخيار ما يعلم منه أنه حيث كان هناك إذن في معين منها أو من الأولياء كفى ذلك في صحة النكاح وإن كان غير كفؤ ثم قد يثبت الخيار وقد لا, والحاصل أنه متى ظنت كفاءته فلا خيار إلا إن بان معيبا أو رقيقا وهذا محمل قول البغوي لو أطلقت الإذن لوليها أي في معين فبان الزوج غير كفؤ تخيرت. ولو زوجها المجبر بغير الكفؤ ثم ادعى صغرها الممكن صدق بيمينه وبان بطلان النكاح وإنما لم يكن القول قول الزوج لأنه يدعي الصحة لأن الأصل استصحاب الصغر حتى يثبت خلافه ولأنه لا بد من تحقق انتفاء المانع ولا تؤثر مباشرة الولي للعقد الفاسد في تصديقه لأن الحق لغيره مع عدم انعزاله عن الولاية بذلك لأنها صغيرة وكذا تصدق الزوجة إذا بلغت ثم ادعت صغرها حال عقد المجبر عليها بغير الكفؤ قال القاضي: لو زوج الحاكم امرأة ظانا بلوغها ثم مات الزوج فادعى وارثه صغرها عند العقد حتى لا ترث وأنكرت صدق بيمينه كما لو ادعى البائع صغره عند العقد وأمكن "ولو طلبت من لا ولي لها" غير القاضي لعدم غيره أو لفقد شرطه "أن

 

ج / 3 ص -217-        يزوجها السلطان" الشامل حيث أطلق للقاضي ونائبه ولو في معين كما مر "بغير كفؤ ففعل لم يصح" التزويج من غير مجبوب وعنين "في الأصح" لما فيه من ترك الاحتياط ممن هو كالنائب عن الولي الخاص بل وعن المسلمين ولهم حظ في الكفاءة. وقال كثيرون أو الأكثرون يصح وأطال جمع متأخرون في ترجيحه وتزييف الأول وليس كما قالوا وخبر فاطمة بنت قيس السابق لا ينافيه إذ ليس فيه أنه صلى الله عليه وسلم زوجها أسامة بل أشار عليها أو أمرها به ولا يدرى من زوجها فيجوز أن يكون زوجها ولي خاص برضاها وخص جمع ذلك بما إذا لم يكن تزويجه لنحو غيبة الولي أو عضله أو إحرامه وإلا لم يصح قطعا لبقاء حقه وولايته وعلى الأول لو طلبت ولم يجبها القاضي فهل لها تحكيم عدل ويزوجها حينئذ منه للضرورة أو يمتنع عليه كالقاضي؟ محل نظر ولعل الأول أقرب إن لم يكن في البلد حاكم يرى ذلك لئلا يؤدي ذلك إلى فسادها و لأنه ليس كالنائب باعتباريه السابقين ثم رأيت جمعا متأخرين بحثوا أنها لو لم تجد كفؤا وخافت العنت لزم القاضي إجابتها قولا واحدا للضرورة كما أبيحت الأمة لخائف العنت ا هـ وهو متجه مدركا والذي يتجه نقلا ما ذكرته أنه إن كان في البلد حاكم يرى تزويجها من غير الكفؤ تعين فإن فقد ووجدت عدلا تحكمه ويزوجها تعين فإن فقدا تعين ما بحثه هؤلاء.
"وخصال الكفاءة" أي الصفات المعتبرة فيها ليعتبر مثلها في الزوج خمس والعبرة فيها بحالة العقد نعم ترك الحرفة الدنيئة قبله لا يؤثر إلا إن مضت سنة كذا أطلقه غير واحد وهو ظاهر إن تلبس بغيرها بحيث زال عنه اسمها ولم ينسب إليها ألبتة وإلا فلا بد من مضي زمن يقطع نسبتها عنه بحيث صار لا يعير بها وهل تعتبر السنة في الفاسق إذا تاب كالحرفة القياس نعم ويفرق بينه وبين ما مر في الولي بأن المدار ثم على عدم الفسق وهنا على التعير به وهو لا ينتفي إلا بمضي سنة نظير ما يأتي في الشهادات فإن قلت لم لم يأت فيه ثقيل الحرفة المذكور قلت لأن عرف الشرع اطرد فيه بزوال وصمته بعد السنة لا في الحرفة فعملنا فيها بالعرف العام على القاعدة فيما ليس للشرع فيه عرف ثم رأيت ابن العماد والزركشي بحثا أن الفاسق إذا تاب لا يكافئ العفيفة وينبغي حمله على ما إذا لم تمض سنة من توبته وظاهر كلام بعضهم اعتماد إطلاقهما لكن بالنسبة للزنا فإنه أيده بالقياس على عدم عود العفة والحصانة بالتوبة وعلى رد قن مبيع ثبت زناه وإن تاب منه لأن أثر الزنا لا يزول بالتوبة فقضية قياسه تخصيص ذلك بالزنا لأنه الذي لا تزول وصمة عاره مطلقا وهو محتمل ثم رأيت ابن العماد صرح في موضع آخر بأن الزاني المحصن وإن تاب وحسنت توبته لا يعود كفؤا كما لا تعود عفته وبما تقرر من أن العبرة فيها بحالة العقد يرد ما في تفقيه الريمي عن بعضهم أن طرو الحرفة الدنيئة يثبت لها الخيار قال وخالفه بعض المتأخرين ولا وجه له وليس كما زعم بل هو الوجه وذلك هو الذي لا وجه له كما هو واضح لأن الخيار في رفع النكاح بعد صحته لا يوجد إلا بالأسباب الخمسة الآتية في بابه وبنحو العتق تحت رقيق وليس طرو ذلك واحدا من هذه ولا في معناه وأما قول الإسنوي ينبغي الخيار إذا تجدد الفسق فرده الأذرعي وابن

 

ج / 3 ص -218-        العماد وغيرهما بأنه لا وجه له وهو كما قالوا خلافا للزركشي ووجه رده ما قررته من كلامهم نعم طرو الرق يبطل النكاح, وقول الإسنوي يتخير به مردود بأنه وهم.
أحدها "سلامة" للزوج وكذا لآبائه على أحد وجهين الأوجه مقابله: وزعم الأطباء الأعداء في الولد لا يعول عليه "من العيوب المثبتة للخيار" فمن به جنون أو جذام أو برص لا يكافئ ولو من بها ذلك وإن اتحد النوع وكان ما بها أقبح لأن الإنسان يعاف من غيره ما لا يعافه من نفسه أو جب أو عنة لا يكافئ ولو رتقاء أو قرناء ومر أن الولي لا حق له في هذا بخلاف الثلاثة الأول أما العيوب التي لا تثبت الخيار فلا تؤثر كعمى وقطع أطراف وتشوه صورة خلافا لجمع متقدمين بل قال القاضي: يؤثر كل ما يكسر ثورة التوقان والروياني ليس الشيخ كفؤا للشابة واختير وكل ذلك ضعيف لكن تنبغي مراعاته بخلاف زعم قوم رعاية البلد فلا يكافئ جبلي بلديا فلا يراعى لأنه ليس بشيء كما في الروضة.
"و" ثانيها "حرية فالرقيق" أي من به رق وإن قل "ليس كفؤا لحرة" ولو عتيقة ولا لمبعضة لأنها مع تعيرها به تتضرر بإنفاقه نفقة المعسرين "والعتيق ليس كفؤا لحرة أصلية" لنقصه عنها, وعروض نحو امرأة أو ملك له لا ينفي عنه وصمة الرق فاندفع ما أطال به السبكي هنا من المنازعة في ذلك وإن تبعه البلقيني وأطال أيضا وكذا لا يكافئ من عتق بنفسه من عتق أبوها ولا من مس الرق أحد آبائه أو أبا له أقرب من لم يمس أحد آبائها أو مس لها أبا أبعد ولا أثر لمسه للأم.
"و" ثالثها "نسب" والعبرة فيه بالآباء كالإسلام فلا يكافئ من أسلم بنفسه أو له أبوان في الإسلام من أسلمت بأبيها أو من لها ثلاثة آباء فيه وما لزم عليه من أن الصحابي ليس كفؤ بنت تابعي صحيح لا زلل فيه لما يأتي أن بعض الخصال لا يقابل ببعض فاندفع ما للأذرعي هنا واعتبر النسب في الآباء لأن العرب تفتخر به فيهم دون الأمهات فمن انتسبت لمن تشرف به لا يكافئها من لم يكن كذلك وحينئذ "فالعجمي" أبا وإن كانت أمة عربية "ليس كفؤ عربية" وإن كانت أمها عجمية لأن الله تعالى اصطفى العرب على غيرهم وميزهم عنهم بفضائل جمة كما صحت به الأحاديث وقد ذكرتها وغيرها في كتابي مبلغ الأرب في فضائل العرب. "ولا غير قرشي" من العرب "قرشية" أي كفؤ قرشية لأن الله تعالى اصطفى قريشا من "كنانة" المصطفين من العرب كما يأتي "ولا غير هاشمي ومطلبي" كفؤا "لهما" لخبر مسلم إن الله اصطفى من العرب كنانة واصطفى من كنانة قريشا واصطفى من قريش بني هاشم وصح خبر نحن وبنو المطلب شيء واحد فهما متكافئان نعم أولاد فاطمة منهم لا يكافئهم غيرهم من بقية بني هاشم لأن من خصائصه صلى الله عليه وسلم أن أولاد بناته ينسبون إليه في الكفاءة وغيرها كما صرحوا به وبه يرد على ما قال أنهم أكفاء لهم كما أطلقه الأصحاب ويفرق بين هذا واستواء قريش كلهم بالنسبة للإمامة العظمى بأن المدار ثم على طيب المعدن وهو عام فيهم وهنا على الشرف المقتضي للحوق عازما بنكاح الغير. ولا شك أن بني هاشم والمطلب أشرف من بقية قريش

 

ج / 3 ص -219-        بذلك الاعتبار, وغير قريش من العرب أكفاء وكأنهم إنما لم يقدموا كنانة مع ما مر فيهم لأن العرب لا يعدون لهم فخرا متميزا على غيرهم بحيث يتعيرون لو نكح غيرهم نساءهم وبهذا يفرق بين ما هنا والتقديم في الديوان كما مر في قسم الفيء لأن المدار ثم على مطلق الشرف لا بهذا القيد ومن ثم قدم الكناني في الإمامة على غيره بخلافه هنا وقد يتصور تزويج هاشمية برقيق ودنيء نسب بأن يتزوج هاشمي أمة بشرطه فتلد بنتا فهي ملك لمالك أمها فيزوجها من رقيق ودنيء نسب لأن وصمة الرق الثابت من غير شك ألغت اعتبار كل كمال معه مع كون الحق في الكفاءة في النسب لسيدها لا لها على ما جزم به شيخنا حتى لا ينافيه قولهما في تزويج أمة عربية بحر عجمي "الخلاف في مقابلة بعض الخصال ببعض" الظاهر في امتناع نكاحها وصوبه الإسنوي لأن محله فيما إذا زوجها غير سيدها كوليه أو مأذونه "والأصح اعتبار النسب في العجم كالعرب" قياسا عليهم فالفرس أفضل من النبط وبنو إسرائيل أفضل من القبط لا عبرة بالانتساب للظلمة بخلاف الرؤساء بإمرة جائزة ونحوها لأن أقل مراتبها أن تكون كالحرف, وقول التتمة وللعجم في النسب عرف فيعتبر يحمل على غير ما ذكروه مما مر كتقديم بني إسرائيل وكذا ما قيس بذلك من اعتبار عرفهم في الحرف أيضا يتعين حمله على غير ما يأتي عنهم من أنه رفيع أو دنيء وإلا لم يعتبر بعرف لهم ولا لغيرهم خالف ما ذكره الأئمة لأنهم أعلم بالعرف وهو بعد أن عرفوه وقرروه لا نسخ فيه.
"و" رابعها "عفة" عن الفسق فيه وفي آبائه "فليس فاسق" ولو ذميا فاسقا في دينه أي على ما مر فيه أو مبتدع هذه القولة ليست في نسخ الشرح التي بأيدينا ا هـ من هامش ولا ابن أحدهما وإن سفل "كفؤ عفيفة" أو سنية ولا محجور عليه كفؤ رشيدة كما جزم به بعضهم وذلك لقوله تعالى
{أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون} وغير الفاسق ولو مستورا كفؤ لها وغير مشهور بالصلاح كفؤ للمشهورة به وفاسق كفؤ لفاسقة مطلقا إلا إن زاد فسقه أو اختلف نوع فسقهما كما بحثه الإسنوي لكن نازعه الزركشي قال كما أنهم لم يفصلوا بعد الاشتراك في دناءة الحرفة أو النسب ورد بظهور الفرق ويجري ذلك في مبتدع ومبتدعة.
"و" خامسها "حرفة" فيه أو في أحد من آبائه وهي ما يتحرف به لطلب الرزق من الصنائع وغيرها وقد يؤخذ منه أن من باشر صنعة دنيئة لا على جهة الحرفة بل لنفع المسلمين من غير مقابل لا يؤثر ذلك فيه وهو محتمل ويؤيده ما يأتي أن من باشر نحو ذلك اقتداء بالسلف لا تنخرم به مروءته "فصاحب حرفة دنيئة" بالهمز والمد وهي ما دلت ملابسته على انحطاط المروءة وسقوط النفس قال المتولي وليس منها نجارة بالنون وخبازة وقال الروياني يراعى فيها عادة البلد فإن الزراعة قد تفضل التجارة في بلد وفي بلد آخر بالعكس, وظاهر كلام غيره أن الاعتبار في ذلك بالعرف العام والذي يتجه أن ما نصوا عليه لا يعتبر فيه عرف كما مر. وما لم ينصوا عليه يعتبر فيه عرف البلد وهل المراد بل العقد أو بلد الزوجة؟ كل محتمل والثاني أقرب لأن المدار على عارها وعدمه وذلك

 

ج / 3 ص -220-        إنما يعرف بالنسبة لعرف بلدها أي التي هي بها حالة العقد وذكر في الأنوار تفاضلا بين كثير من الحرف ولعله باعتبار عرف بلده "ليس" هو أو ابنه وإن سفل "كفؤ أرفع منه" لقوله تعالى {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ} [النحل: 71] أي سببه فبعضهم يصله بعز و سهولة وبعضهم بضدهما "فكناس وحجام وحارس" وبيطار ودباغ "وراع" لا ينافي عده هنا ما ورد ما من نبي إلا رعى الغنم لأن ما هنا باعتبار ما يعرفه الناس وغلب على الرعاء بعد تلك الأزمنة من التساهل في الدين وقلة المروءة وقضيته أنه لا فرق بين من يرعى مال نفسه ومن يرعى مال غيره بأجرة أو تبرعا ولو قيل في الأول والمتبرع إن فعل ذلك لينعزل به عن الناس ويتأسى بالسلف لم يؤثر كما تقتضيه الأخبار الدالة على شرف من هو كذلك لم يبعد "وقيم حمام" هو أو أبوه "ليس كفؤ بنت خياط". ويظهر أن كل ذي حرفة فيها مباشرة نجاسة كالجزارة على الأصح ليس كفؤ الذي حرفته لا مباشرة فيها لها وأن بقية الحرف التي لم يذكروا فيها تفاضلا متساوية إلا إن اطرد في العرف التفاوت كما مر ثم رأيت ما يؤيد ما ذكرته أولا وهو أن القصاب ليس كفؤا لبنت السماك خلافا للقمولي "ولا خياط" كفؤ "بنت تاجر" وهو من يجلب البضائع من غير تقيد بجنس منها للبيع ويظهر أن تعبيرهم بالجلب للغالب كما يدل عليه تعريفهم للتجارة بأنها تقليب المال لغرض الربح وأن من له حرفتان دنيئة ورفيعة اعتبر ما اشتهر به وإلا غلبت الدنيئة بل لو قيل بتغليبها مطلقا - لأنه لا يخلو عن تعيره بها لم يبعد "أو بزاز" وهو بائع البز "ولا هما" أي كل منهما كفؤ "بنت عالم أو قاض" لاقتضاء العرف ذلك وظاهر كلامهم أن المراد ببنت العالم والقاضي من في آبائها المنسوبة إليهم أحدهما وإن علا لأنها مع ذلك تفتخر به, وكلامه استواء التاجر والبزاز والعالم والقاضي وهو محتمل وفي الروضة أن الجاهل يكافئ العالمة وهو مشكل فإنه يرى اعتبار العلم في آبائها فكيف لا يعتبره فيها إلا أن يجاب بأن العرف يعير بنت العالم بالجاهل ولا يعير العالمة بالجاهل وبحث الأذرعي أن العلم مع الفسق لا أثر له إذ لا فخر به حينئذ في العرف فضلا عن الشرع ومثله في ذلك القضاء بل أولى ثم رأيته صرح بذلك فقال إن كان القاضي أهلا فعالم وزيادة أو غير أهل كما هو الغالب في قضاة زماننا تجد الواحد منهم كقريب العهد بالإسلام ففي النظر إليه نظر ويجيء فيه ما سبق في الظلمة المستولين على الرقاب بل هو أولى منهم بعدم الاعتبار لأن النسبة إليه عار بخلاف الملوك ونحوهم ا هـ وبحث أيضا ونقله غيره عن فتاوى البغوي أن فسق أمه وحرفتها الدنيئة تؤثر أيضا لأن المدار هنا على العرف وهو قاض بذلك وله اتجاه لكن كلامهم صريح في رده.
"تنبيه": الذي يظهر أن مرادهم بالعالم هنا من يسمى عالما في العرف وهو الفقيه والمحدث والمفسر لا غير أخذا مما مر في الوصية وحينئذ فقضيته أن طالب العلم وإن برع فيه قبل أن يسمى عالما يكافئ بنته الجاهل وفيه وقفة ظاهرة كمكافأته لبنت عالم بالأصلين والعلوم العربية ولا يبعد أن من نسب أبوها لعلم يفتخر به عرفا لا يكافئها من ليس كذلك ويفرق بين ما هنا والوصية بأن المدار ثم على التسمية دون ما به افتخار وهنا

 

ج / 3 ص -221-        بالعكس فالعرف هنا غيره ثم فتأمله, وإذا بحث بعض المتأخرين في حافظ للقرآن عن ظهر قلب مع عدم معرفة معناه أن من لا يحفظه كذلك لا يكافئ بنته فأولى في مسألتنا لكن خالفه كثيرون من معاصريه فقالوا إنه كفؤ لها أي لأنا لا نعتبر جميع الفضائل التي نصوا عليها وإنما نعتبر ما يطرد به الافتخار عرفا بحيث يعد ضده عارا بالنسبة إليه وليس مجرد حفظ القرآن كذلك إلا في بعض النواحي.
"والأصح أن اليسار" عرفا "لا يعتبر" في بدو ولا حضر ولا عرب ولا عجم لأن المال ظل زائل وحال حائل وطود مائل ولا يفتخر به أهل المروءات والبصائر ويجاب عن الخبر الصحيح "الحسب المال, وأما معاوية فصعلوك" بأن الأول على طبق الخبر الآخر "تنكح المرأة لحسبها ومالها" الحديث أي إن الغالب في الأغراض ذلك ووكل صلى الله عليه وسلم بيان ذم المال إلى ما عرف من الكتاب والسنة في ذمه لا سيما قوله تعالى
{وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ} [الزخرف: 33] إلى قوله {وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الزخرف: 35], وقوله صلى الله عليه وسلم "إن الله يحمي عبده المؤمن من الدنيا كما يحمي أحدكم مريضه من الطعام والشراب لو سويت الدنيا عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء" ومن ثم قال الأئمة: لا يكفي في الخطبة الاقتصار على ذم الدنيا لأنه مما تواصى عليه منكرو المعاد أيضا فإن قلت: التحقيق أن المال من حيث هو لا يذم ولا يمدح وإنما ذمه ومدحه من حيث كونه وسيلة للخير ووسيلة للشر ومن ثم كثرت أحاديث بذمه وأحاديث بمدحه ومحملها ما تقرر وهذا ينافي ما ذكرت, قلت: لا ينافيه لأن القصد أنه لا يمدح من حيث ذاته فلا افتخار به شرعا وهو مقدم على الافتخار به عرفا والثاني نصح بما يعد عرفا منفرا وإن لم يكن منفرا شرعا كما مر أول الباب في مبحث الخطبة فاندفع بهذا ما للأذرعي وغيره هنا "و" الأصح "أن بعض الخصال لا يقابل ببعض" فلا يكافئ معيب نسيب سليمة دنيئة ولا عجمي عفيف عربية فاسقة ولا فاسق حر عفيفة عتيقة ولا قن عفيف عالم حرة فاسقة دنيئة بل يكفي صفة النقص في المنع من الكفاءة إذ الفضيلة لا تجبرها ولا تمنع التعير بها. "وليس له تزويج ابنه الصغير أمة" لأنه مأمون العنت قال الزركشي: قد يمنع هذا في المراهق لأن شهوته إذ ذاك أعظم فإن قيل فعله ليس زنا قيل وفعل المجنون كذلك مع أنهم جوزوا له نكاح الأمة عند خوف العنت فهلا كان المراهق كذلك ا هـ ولك رده بأن وطء المجنون يشبه وطء العاقل إنزالا ونسبا وغيرهما بخلاف وطء المراهق فلا جامع بينهما, وادعاء أن شهوته إذ ذاك أعظم ممنوع لأنها شهوة كاذبة إذ لم تنشأ عن داع قوي وهو انعقاد المني "وكذا معيبة" بعيب يثبت الخيار فلا يصح النكاح "على المذهب" لأنه على خلاف الغبطة وكذا عمياء وعجوز ومقطوعة طرف كما في الأم واعتمده البلقيني والأذرعي ونقله عن خلائق من الأئمة وإنما صح تزويج المجبرة من نحو أعمى كما مر لأنه كفؤ وليس المدار في نكاحها إلا عليه إذ الملحظ ثم العار وهنا المصلحة ولأن تزويجها يفيدها وتزويجه يغرمه فاحتيط له أكثر "ويجوز" تزويجه "من لا تكافئه ببعض

 

ج / 3 ص -222-        الخصال في الأصح" لأن الرجل لا يتغير باستفراش من لا تكافئه على أنه إذا بلغ يثبت له الخيار كما صرحا به.

فصل في تزويج المحجور عليه
"لا يزوج مجنون صغير" أي لا يجوز ولا يصح تزويجه إذ لا حاجة به إليه حالا وبعد البلوغ لا يدرى حاله بخلاف صغير عاقل فإن الظاهر حاجته إليه بعده ونقل ابن الرفعة عن ابن داود وأقره جواز تزويجه للخدمة وإنما يتجه في مراهق لأنه في النظر كبالغ كما مر ثم رأيت الزركشي ذكر أعم منه فقال قضية قولهم "لا مجال لحاجة تعهده وخدمته فإن للأجنبيات أن يقمن بها" أن هذا في صغير لم يطلع على عورات النساء أما غيره فيلحق بالبالغ في جواز تزويجه لحاجة الخدمة ا هـ "وكذا" لا يزوج مجنون "كبير" أي بالغ لأنه يغرم المهر والنفقة "إلا لحاجة" لشيء مما مر في مبحث وجوب تزويجه فيزوجه إن أطبق جنونه كما مر ثم مع ما خرج به الإمام فالجد فالسلطان وكولاية ماله إذا علم أن تزويجه للحاجة "فواحدة" يجب الاقتصار عليها لاندفاع الحاجة بها وفرض احتياج أكثر منها نادر فلم ينظروا إليه لكن يأتي في المخبل أنهم نظروا لحاجته مع ندرتها وبه يتأيد بحث أن الواحدة لو لم تعفه أو تكفه للخدمة زيد عليها بقدر حاجته وكالمجنون مخبل وهو من بعقله خلل وبأعضائه استرخاء ولا يحتاج للنكاح غالبا ومغلوب على عقله بنحو مرض لم يتوقع إفاقته منه. "وله" أي الأب فالجد "تزويج صغير عاقل" غير ممسوح "أكثر من واحدة" ولو أربعا إن رآه مصلحة لأن له من سعة النظر والشفقة ما يحمله على أن لا يفعل ذلك إلا لغرض صحيح ويؤخذ من نظرهم للشفقة أن من بينه وبين ابنه عداوة ظاهرة لا يفعل ذلك وهو نظير ما مر في المجبرة إلا أن يفرق بأن ولاية الإجبار أقوى لثبوتها مع الرشد مع إيقاعه لها بسببها فيما لا يمكنها الخلاص منه في الأثناء لأن العصمة ليست بيدها فاحتيط لذلك باشتراط عدم ظهور عداوة بينهما وإن كان اشتراط الكفاءة قد يغني عنه بخلافه هنا وفي ولاية المال. "ويزوج" جوازا "المجنونة" إن أطبق جنونها نظير ما مر "أب أو جد" إن فقد الأب أو انتفت ولايته "إن ظهرت مصلحة" كزيادة مهر وقضية تقييده كغيره بالظهور أنه لا يكفي أصل المصلحة والظاهر خلافه أخذا مما مر في التصرف في مال اليتيم إلا أن يفرق بنحو ما تقرر "ولا يشترط الحاجة" إلا في الوجوب كما مر بخلاف المجنون لأن تزويجه يغرمه "وسواء" في جواز تزويج الأب فالجد المجنونة للمصلحة "صغيرة وكبيرة ثيب وبكر" بلغت مجنونة أو عاقلة ثم جنت لأنه لا يرجى لها حالة تستأذن فيها والأب والجد لهما ولاية الإجبار في الجملة "فإن لم يكن" للصغيرة المجنونة "أب وجد لم تزوج في صغرها" ولو لغبطة إذ لا إجبار لغيرهما ولا حاجة في الحال "فإن بلغت زوجها" ولو ثيبا "السلطان" الشامل لمن مر "في الأصح" كما يلي مالها ويسن له مراجعة أقاربها - ولو نحو خال - وأقارب المجنون فيما مر تطييبا لقلوبهم "للحاجة" المار تفصيلها "لا لمصلحة" كنفقة ويؤخذ من جعل هذا مثالا للمصلحة أن الفرض فيمن لها منفق أو مال يغنيها عن الزوج

 

ج / 3 ص -223-        وإلا كان الإنفاق حاجة أي حاجة "في الأصح" وسيأتي أن الزوج ولو معسرا يلزمه إخدام نحو المريضة مطلقا وغيرها إن خدمت في بيت أبيها ويتردد النظر في المجنونة هل هي كالمريضة أو لا وحينئذ لو احتيج لإخدام المجنونة ولم تندفع حاجتها إلا بالزوج اتجه أن للسلطان تزويجها لحاجة الخدمة إن جعلناها كالمريضة أو إن كانت تخدم لوجوب خدمتها على الزوج كما يزوج المجنون لحاجة الخدمة فيما مر بل هذا أولى لوجوب الخدمة هنا لإثم وإذا زوجت ثم أفاقت لم تتخير وقضية كلامه أن الوصي لا يزوج وهو المعتمد لقصور ولايته وبه فارق السلطان. "ومن حجر عليه بسفه" لبلوغه سفيها والحجر في هذا بمعنى دوامه وإن اختلف جنسه فإنه لا يحتاج لإنشائه أو طرو تبذير عليه بعد رشده ولا بد في هذا من إنشاء حجر والأصح تصرفه ومنه نكاحه وإن قلنا بأنه لا يزوج موليته لأن ولاية الغير يحتاط لها ما لا يحتاط لتصرف النفس "لا يستقل بنكاح" كي لا يفني ماله في مؤنه ولا يصح إقرار وليه عليه به ولا إقراره هو حيث لم يأذن له فيه وليه وإنما صح إقرار المرأة به لأنه يفيدها, ونكاحه يغرمه "بل ينكح بإذن وليه أو يقبل له الولي" النكاح بإذنه لصحة عبارته فيه بعد إذن الولي له ووليه في الأول الأب فالجد فوصي أذن له في التزويج على ما في العزيز لكنه ضعيف وإن أطال السبكي وغيره في اعتماده وفي الثاني القاضي أو نائبه ويشترط حاجته للنكاح بنحو ما مر في المجنون ولا يكتفى فيها بقوله بل لا بد من ثبوتها في الخدمة وظهور قرائن عليها في الشهوة ولا يزوج إلا واحدة فإن كان مطلاقا بأن طلق بعد الحجر أو قبله كما هو ظاهر ثلاث زوجات أو ثنتين وكذا ثلاث مرات ولو في زوجة واحدة على الأوجه سري أمة فإن تضجر منها أبدلت ولا يزاد له على حليلة وإن اتسع ماله نص عليه نعم يأتي هنا ما مر في المجنون والذي يتجه أنه يتعين الأصلح من التسري أو التزويج ما لم يرد التزويج بخصوصه لأن التحصين به أقوى منه بالتسري.
"تنبيه": ظاهر كلامهم هنا أن المطلاق يسرى وإن تكرر طلاقه لعذر لكنهم ذكروا في الإعفاف أن الأب إذا طلق لعذر أبدل زوجة أخرى وظاهره أنه لا فرق بين تكرر ذلك وعدمه فيمكن أن يقال بنظيره هنا ويمكن الفرق بأن الأب قوي العقل فيدرك العذر على حقيقته غالبا وهذا ضعيفه فلا يبعد أن يتخيل ما ليس بعذر عذرا نعم إن فرض ظهور العذر بقرائن قطعية عليه اتجه تساوي البابين وظاهر كلامهم ثم إنه إذا طلق لغير عذر ولو مرة لا يبدل بل يسرى فيحتمل مجيئه هنا ويحتمل الفرق بأن المؤن ثم على الغير فضيق على الأب أكثر منه على السفيه لأن المؤن من ماله.
"فإن أذن له" الولي "وعين امرأة" تليق به دون مهر "لم ينكح غيرها" فإن فعل لم يصح ولو بدون مهر المعينة بخلاف ما لو عين مهرا فنكح بأزيد منه أو أنقص لأنه تابع "وينكحها" أي المعينة "بمهر المثل" لأنه المرد الشرعي "أو أقل منه" لأن فيه رفقا به "فإن زاد عليه فالمشهور صحة النكاح بمهر المثل" أي بقدره "من المسمى" الذي نكح بعينه المأذون له في النكاح منه ويلغو ما زاد لأنه تبرع من سفيه وقال ابن الصباغ القياس بطلان المسمى جميعه لأنها لم ترض إلا بجميعه وترجع بمهر المثل أي من نقد البلد في

 

ج / 3 ص -224-        ذمته واعتمده البلقيني وأراد بالمقيس عليه نكاح الولي له بالأزيد الآتي قريبا وفرق الغزي بما حاصله أن تصرف الولي وقع للغير مع كونه مخالفا للشرع والمصلحة فبطل المسمى من أصله, والسفيه هنا تصرف لنفسه وهو يملك أن يعقد بمهر المثل فإذا زاد بطل في الزائد كشريك باع مشتركا بغير إذن شريكه ويأتي في الصداق أنه لو نكح لطفله بفوق مهر المثل أو أنكح موليته القاصرة أو التي لم تأذن بدونه فسد المسمى وصح النكاح بمهر المثل أي في الذمة من نقد البلد فيوافق ما هنا في ولي السفيه ووقع هنا في شرح الروض صحته بقدره من المسمى في هذه الثلاثة وفيه نظر واضح لما تقرر في ولي السفيه الآتي في ولي الصغير مع أن ذلك لا يأتي في الأخيرتين لأن الفرض فيهما أنه بدون مهر المثل إلا إن أريد من جنس المسمى. "ولو قال: له انكح بألف ولم يعين امرأة نكح بالأقل من ألف ومهر مثلها" لامتناع الزيادة على إذن الولي وعلى مهر المنكوحة فإذا نكح امرأة بألف وهو مساو لمهر مثلها أو ناقص عنه صح به أو أزيد منه صح بمهر المثل منه خلافا لابن الصباغ ولغا الزائد وإن كانت الزوجة سفيهة كما يصرح به كلامهم وإن خالفه الأذرعي وغيره ويوجه بأنه ممنوع من الزائد فرجع للمرد الشرعي وإن لم ترض به المرأة لا من أصل التسمية فوجب قدر مهر المثل من المسمى فهما حيثيتان مختلفتان أعطوا كلا منهما حكمها أو نكحها بأكثر من الألف بطل النكاح إن نقص الألف عن مهر مثلها لتعذر صحته بالمسمى وبمهر المثل لأن كلا منهما أزيد من المأذون فيه والأصح بمهر المثل لأنه أقل من المأذون فيه أو مساو له أو بأقل من ألف والألف مهر مثلها, أو أقل صح بالمسمى - لأنه أقل من مهر المثل أو أكثر صح بمهر المثل إن نكح بأكثر منه وإلا فبالمسمى أما إذا عين له قدرا وامرأة ك انكح فلانة بألف فإن كان الألف مهر مثلها أو أقل فنكحها به أو بأقل منه صح بالمسمى لأنه لم يخالف الإذن بما يضره أو بأكثر منه لغا الزائد في الأولى لزيادته على مهر المثل وانعقد به لموافقته للمأذون فيه وبطل النكاح في الثانية لتعذره بالمسمى وبمهر المثل لأن كلا منهما أزيد من المأذون فيه نظير ما مر أو أكثر منه فالإذن باطل من أصله, وقول الزركشي كالأذرعي "القياس صحته بمهر المثل كما لو قبل له الولي بزيادة عليه" يرد بأن قبول الولي وقع مشتملا على أمرين مختلفي الحكم لا ارتباط لأحدهما بالآخر فأعطينا كلا حكمه وهو صحة النكاح إذ لا مانع له وبطلان المسمى لوجود مانعه وهو الزيادة على مهر المثل وأما قبول السفيه فقارنه مانع من صحته وهو انتفاء الإذن لمجوز له من أصله ولا يقال بصحته في قدر مهر المثل لما مر آنفا في رد كلام ابن الصباغ ولما يأتي في بما شئت. "ولو أطلق الإذن" بأن قال: انكح ولم يعين امرأة ولا قدرا "فالأصح صحته" لأن له مردا كما قال "وينكح بمهر المثل" لأنه المأذون فيه شرعا أو بأقل منه فإن زاد لغا الزائد "من تليق به" من حيث المصرف المالي فلو نكح من يستغرق مهر مثلها ماله لم يصح النكاح كما اختاره الإمام وقطع به الغزالي لانتفاء المصلحة فيه خلافا للإسنوي ويظهر أنه لو لم يستغرقه وكان الفاضل تافها بالنسبة إليه عرفا كان كالمستغرق ولو زوج الولي المجنون بهذه لم يصح على الأوجه لاعتبار الحاجة فيه كالسفيه وهي تندفع بدون

 

ج / 3 ص -225-        هذه بخلاف تزويجه للصغير العاقل فإنه منوط بالمصلحة في ظن الولي وقد تظهر له في نكاحها ومن ثم جاز له أن يزوجه بأربع كما مر.
"تنبيه": قوله: لانتفاء المصلحة فيه تبعت فيه شرح المنهج ولا ينافيه قوله في شرح الروض تبعا للروضة عن الإمام والغزالي لم يصح بل يتقيد بالمصلحة قال الزركشي ولا شك أن الاستغراق لا ينافي المصلحة فإنه قد يكون كسوبا أو المهر مؤجلا ا هـ وذلك لأن انتفاء المصلحة في هذه الصورة هو الغالب فلا نظر لهذا الأمر النادر على أن النظر للكسب في المستقبل بعد خروج ما في يده بعيد وكذا للتأجيل لأنه بصدد الحلول والاحتياج فساغ نفي المصلحة من أصلها لكن الذي يتجه النظر لقرائن حاله الغالبة فإن شهدت باضطراره لنكاحها بخصوصها مع عدم تأثره بفقد ما بيده صح النكاح وإلا فلا ولو قال له: انكح من شئت بما شئت لم يصح لأنه رفع للحجر بالكلية فبطل الإذن من أصله ومن ثم لم يتأت فيه تفريق الصفقة وليس لسفيه أذن له في نكاح توكيل فيه لأن حجره لم يرفع إلا عن مباشرته.
"فإن قبل له وليه اشترط إذنه في الأصح" لما مر من صحة عبارته هنا "ويقبل" له "بمهر المثل فأقل" كالشراء له "فإن زاد صح النكاح بمهر المثل" ولغت الزيادة لأنه ليس أهلا للتبرع وبطل المسمى من أصله كما مر آنفا بما فيه "وفي قول يبطل" النكاح كما لو اشترى له بأكثر من ثمن المثل ويجاب بأنه يلزم من بطلان الثمن بطلان البيع إذ لا مرد له بخلاف النكاح. "ولو نكح السفيه" السابق وهو المحجور عليه "بلا إذن" من وليه الشامل للحاكم عند فقد الأصل أو امتناعه وإن تعذرت مراجعة السلطان "فباطل" نكاحه لإلغاء عبارته فيفرق بينهما قال ابن الرفعة هذا إذا لم ينته إلى خوف العنت وإلا فالأصح صحة نكاحه كامرأة لا ولي لها بل أولى "فإن وطئ" منكوحته الرشيدة المختارة "لم يلزمه شيء" أي حد قطعا للشبهة ومن ثم لحقه الولد ولا مهر ظاهرا ولو بعد فك الحجر وإن لم تعلم سفهه لأنها مقصرة بترك البحث مع كونها سلطته على بضعها بخلافه باطنا بعد فك الحجر عنه كما نص عليه في الأم واعتمدوه بخلاف صغيرة ومجنونة ومكرهة ومزوجة بالإجبار ونائمة فيجب مهر المثل إذ لا يصح تسليطهن ومن ثم لو كملت بعد العقد وعلمت سفهه ومكنته مطاوعة لم يجب لها شيء كما هو ظاهر وكذا سفيهة حالة الوطء فيجب لها مهر المثل أيضا كما أفتى به المصنف وإن علمت الفساد وطاوعته واعترض بالاعتداد بإذن السفيه في الإتلاف البدني ولهذا لو قال سفيه لآخر اقطع يدي فقطعه هدر ويرد بأن البضع مقوم بالمال شرعا ابتداء فلم يكن لإذنها مع سفهها دخل فيه بخلاف نحو اليد "وقيل" يلزمه "مهر المثل" لئلا يخلو الوطء عن مقابل "وقيل" يلزمه "أقل متمول" حذرا من الخلو المذكور. "ومن حجر عليه بفلس صح نكاحه" كما قدمه في الفلس وأعاده هنا توطئة لما بعده وذلك لصحة عبارته وله ذمة "ومؤن النكاح في كسبه لا فيما معه" لتعلق حق الغرماء به مع اختياره لإحداثها بخلاف الولد المتجدد فإن لم يكن له كسب ففي ذمته ولها الفسخ بإعساره بشرطه وبحث تخيرها إن جهلت فلسه ضعيف. "ونكاح عبد" ولو

 

ج / 3 ص -226-        مدبرا ومبعضا ومكاتبا ومعلقا عتقه بصفة "بلا إذن سيده" ولو أنثى "باطل" للحجر عليه وللخبر الصحيح "أيما مملوك تزوج بغير إذن سيده فهو عاهر" وقول الأذرعي يستثنى من ذلك ما لو منعه سيده فرفعه لحاكم يرى إجباره فأمره فامتنع فأذن له الحاكم أو زوجه فإنه يصح جزما كما لو عضل الولي فيه نظر لأنه إن أراد صحته على مذهب ذلك الحاكم لم يصح الاستثناء أو على مذهبنا فلا وجه له وأفهم ما تقرر أن الموقوف كله أو بعضه على جهة يتعذر تزويجه وإذا بطل لعدم الإذن تعلق مهر المثل بذمته فقط ويتجه أن محله في غير نحو الصغيرة وإلا تعلق برقبته نظير ما مر في السفيه ثم رأيت الأذرعي بحثه وجزم الأنوار كالإمام في وطئه أمة غير مأذونه أيضا بتعلقه برقبته وقال الزركشي وغيره بل بذمته "و" نكاحه "إذنه". أي السيد الرشيد غير المحرم نطقا ولو أنثى بكرا "صحيح" لمفهوم الخبر "وله إطلاق الإذن" فينكح حرة أو أمة ببلده وغيرها نعم للسيد منعه من الخروج إليها خلافا لمن وهم فيه "وله تقييده بامرأة" معينة "أو قبيلة أو بلد ولا يعدل عما أذن فيه" وإلا بطل وإن كان مهر المعدول إليها أقل من مهر المعينة نعم لو قدر له مهرا فزاد أو زاد على مهر المثل عند الإطلاق صحت الزيادة ولزمت ذمته فيتبع بها إذا عتق لأن له ذمة صحيحة بخلاف ما مر في السفيه ويؤخذ منه أن الكلام في العبد الرشيد ومحل ما ذكر في صورة التقدير إن لم ينهه عن الزيادة وإلا بطل النكاح لأنه غير مأذون فيه حينئذ ولا يحتاج إلى إذن في الرجعة بخلاف إعادة البائن ولو نكح فاسدا نكح صحيحا بلا إنشاء إذن لأن الفاسد لم يتناوله الإذن الأول, و رجوعه عن الإذن كرجوع الموكل وكذا ولي السفيه كما هو ظاهر. "والأظهر أنه ليس للسيد إجبار عبده على النكاح" صغيرا كان أو كبيرا بسائر أقسامه السابقة لأنه يلزم ذمته مالا كالكتابة واقتضى كلامهما في مواضع ترجيح مقابله في الصغير وأطال الإسنوي فيه وإنما أجبر الأب الابن الصغير لأنه قد يرى تعين المصلحة له حينئذ الواجب عليه رعايتها "ولا عكسه" أي لا يجبر السيد على نكاح قنه بأقسامه السابقة أيضا إذا طلبه منه في الأظهر لأنه يشوش عليه مقاصد الملك وفوائده كتزويج الأمة "وله إجبار أمته" التي يملك جميعها ولم يتعلق بها حق لازم على النكاح لكن ممن يكافئها في جميع ما مر وإلا لم يصح بغير رضاها نعم له إجبارها على رقيق ودنيء النسب إذ لا نسب لها وإنما صح بيعها لغير الكفؤ ولو معيبا ولزمها تمكينه على الأصح عند المتولي لأن الغرض الأصلي من الشراء المال ومن النكاح التمتع "بأي صفة كانت" لأن النكاح يرد على منافع البضع وهي ملكه ولانتفاعه بمهرها ونفقتها بخلاف العبد أما المبعضة والمكاتبة فلا يجبرهما كما لا يجبرانه ومر أنه ليس للراهن تزويج مرهونة لزم رهنها إلا من مرتهن ومثلها جانية تعلق برقبتها مال وهو معسر وإلا صح وكان اختيارا للفداء وإنما لم يصح البيع حينئذ لأنه مفوت للرقبة وصح العتق لتشوف الشارع إليه وكذا لا يجوز لمفلس تزويج أمة بغير إذن الغرماء ولا لسيد تزويج أمة تجارة عامل قراضه بغير إذنه لأنه ينقص قيمتها فيتضرر به العامل وإن لم يظهر به ربح أو تجارة قنه المأذون له المدين بغير إذنه وإذن الغرماء "فإن طلبت" منه أن يزوجها "لم يلزمه تزويجها" مطلقا لنقص قيمتها ولفوات

 

ج / 3 ص -227-        استمتاعه بمن تحل له "وقيل: إن حرمت عليه" مؤبدا وألحق به ما إذا كان امرأة "لزمه" إجابتها تحصينا لها. "وإذا زوجها" أي الأمة سيدها "فالأصح أنه بالملك لا بالولاية" لأن التصرف فيما يملك استيفاؤه ونقله إلى الغير إنما يكون بحكم الملك كاستيفاء المنافع ونقلها بالإجارة "فيزوج" على الأول مبعض أمته خلافا للبغوي كما مر و "مسلم أمته الكافرة" التي تحل من قن وحر كتابي بخلاف المرتدة - إذ لا تحل بحال - ونحو المجوسية والوثنية على أحد وجهين رجحه بعضهم لأنه لا يملك الاستمتاع بهما والأوجه ما رجحه الجلال البلقيني وشراح الحاوي بل نص عليه الشافعي رضي الله عنه أنه يزوجهما بكافر قن أو حر بناء على حلهما له الآتي عن السبكي ترجيح خلافه كما يزوج محرمه بنحو رضاع وإن لم يكن له عليها ولاية من جهة أخرى خلافا لما وهم فيه شارح أما الكافر فلا يزوج أمته المسلمة على ما مر لأنه ممنوع من كل تصرف فيها إلا إزالة ملكه عنها "وفاسق" أمته كما يؤجرها "ومكاتب" كتابة صحيحة أمته لكن بإذن سيده وليس للسيد الاستقلال بتزويجها كعبده. "ولا يزوج ولي عبد" موليه من "صبي" ومجنون وسفيه ذكرا وأنثى لعدم المصلحة فيه بانقطاع كسبه عنه ولم ينظروا إلى أنها ربما تظهر مع تزويجه لندرته "ويزوج" ولي النكاح والمال وهو الأب فالجد فالسلطان "أمته" إجبارا التي يزوجها المولي بتقدير كماله "في الأصح" إذا ظهرت الغبطة فيه اكتسابا للمهر والنفقة نعم لا بد من إذن السفيه في نكاح أمته وخرج بوليهما أمة صغيرة عاقلة ثيب فلا تزوج وأمة صغير وصغيرة مجنونة فلا يزوجها السلطان ولا يجبر الولي على نكاح أمة المولى.

باب ما يحرم من النكاح
بيان لما أي النكاح المحرم لذاته لا لعارض كالإحرام وحينئذ ساوت هذه الترجمة ترجمة الروضة وأصلها بباب موانع النكاح ومنها اختلاف الجنس فلا يصح لإنسي نكاح جنية وعكسه كما عليه أكثر المتأخرين خلافا للقمولي وآخرين لأن الله تعالى امتن علينا بجعل الأزواج من أنفسنا ليتم السكون إليها والتأنس بها وذلك يستلزم ما ذكر وإلا لفات ذلك الامتنان وفي حديث فيه ابن لهيعة وحديثه حسن نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نكاح الجن وعلى الثاني يثبت سائر أحكام النكاح لكن بالنسبة للإنسي فقط فيما يظهر لأنهم وإن كلفوا بفروع شريعتنا إجماعا معلوما من الدين بالضرورة لكنا لا ندري تفاصيل تكاليفهم نعم ظاهر كلام أئمتنا أن العبرة في الإنسيين إذا اختلف مقلدهما وتعارض غرضاهما ولم يترافعا لحاكم باعتقاد الزوج لا الزوجة فيمكن أن يجري ذلك هنا إن أمكن فإن قلت: ما ذكر فيما إذا اختلف اعتقادهما فرأى حل الوطء وهي حرمته أنها تمكنه ينافيه ما يأتي في مسائل الثديين أن له الطلب وعليها الهرب قلت: لا ينافيه لأن ذاك كما دل عليه كلامهم ثم في ظاهر يحرمها عليه في اعتقادهما وباطن لا يحرمها عليه في اعتقادهما ويؤيده قولهم لو صدقته جاز لها تمكينه ثم رأيت ما يؤيد ذلك أو يصرح به وهو ما في قواعد الزركشي من أن للزوج غير الحنفي منع زوجته الحنفية من تناول نبيذ

 

ج / 3 ص -228-        تعتقد إباحته رعاية لحقه ا هـ فإن قلت لا تأييد فيه لأن منعها من ذلك لا يلزم عليه ارتكابها محرما في اعتقادها بخلاف نحو وطء حنفي شافعية بعد انقطاع الحيض وقبل الغسل, قلت: تمكينها له - حيث اعتبر اعتقاده - قهري عليها فلا حرمة فيه حتى في اعتقادها والكلام في نحو التمتع وما يحصل به نحو النشوز والتقذر المنافي لكمال التمتع لا فيما عدا ذلك مما يترتب عليه ضررها الذي لا يحتمل ككونه مالكيا يمس الكلب رطبا ثم يريد مسها وهي شافعية فيمنع من ذلك لأنه لا حاجة به إليه مع سهولة إزالته.
"فائدة". الجن أجسام هوائية أو نارية أي يغلب عليهم ذلك فهم مركبون من العناصر الأربعة كالملائكة على قول وقيل: أرواح مجردة وقيل نفوس بشرية مفارقة عن أبدانها وعلى كل فلهم عقول وفهم ويقدرون على التشكل بأشكال مختلفة وعلى الأعمال الشاقة في أسرع زمن وصح خبر أنهم ثلاثة أصناف ذوو أجنحة يطيرون بها وحيات وآخرون يحلون ويظعنون ونوزع في قدرتهم على التشكل باستلزامه رفع الثقة بشيء فإن من رأى ولو ولده يحتمل أنه جني تشكل به ويرد بأن الله تعالى تكفل لهذه الأمة بعصمتها عن أن يقع فيها ما يؤدي لمثل ذلك المترتب عليه الريبة في الدين ورفع الثقة بعالم وغيره فاستحال شرعا الاستلزام المذكور قال الشافعي رضي الله عنه ومن زعم أنه رآهم ردت شهادته وعزر لمخالفته القرآن وكان المصنف أخذ منه قوله من منع التفضيل بين الأنبياء عزر لمخالفته القرآن وحمل بعضهم كلام الشافعي على زاعم رؤية صورهم التي خلقوا عليها ولما عرف البيضاوي الجن في تفسير
{قُلْ أُوحِيَ} بنحو ما مر قال وفيه دليل على أنه صلى الله عليه وسلم ما رآهم ولم يقرأ عليهم وإنما اتفق حضورهم في بعض أوقات قراءته فسمعوها فأخبره الله تعالى بذلك ا هـ وكأنه لم يطلع على الأحاديث الصحيحة الكثيرة المصرحة برؤيته صلى الله عليه وسلم لهم وقراءته عليهم وسؤالهم منه الزاد لهم ولدوابهم على كيفيات مختلفة ولا يسقط عنا ما كلفنا به من نحو إقامة الجمعة أو فروض الكفايات بفعلهم لما مر أنهم وإن أرسل إليهم صلى الله عليه وسلم وكلفوا بشرعه إجماعا ضروريا فيكفر منكره لهم تكاليف اختصوا بها لا تعلم تفاصيلها ولا ينافي هذا إجراء غير واحد عليهم بعض الأحكام كانعقاد الجمعة بهم معنا وصحة إمامتهم لنا والجمهور على أن مؤمنيهم يثابون ويدخلون الجنة وقول أبي حنيفة والليث لا يدخلونها وثوابهم النجاة من النار بالغوا في رده على أنه نقل عن أبي حنيفة أنه أخذ دخولهم من قوله تعالى {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ} [الرحمن: 56] ومنها غير ذلك. وهو إما مؤبد وإما غيره وأسباب المؤبد قرابة ورضاع ومصاهرة لآية النساء {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] مع آية الأحزاب {وَبَنَاتِ عَمِّكَ} [الأحزاب: 50] إلى آخرهما وأخصر ضابط للقرابة أنه يحرم جميع من شملته ما عدا ولد العمومة وولد الخؤولة فحينئذ "تحرم الأمهات" أي نكاحهن وكذا جميع ما يأتي إذ الأعيان لا توصف بحل ولا حرمة على الأصح وقيل التقدير وطؤهن فيحد بوطء مملوكته المحرم على هذا إذ لا شبهة بعد النص على تحريم الوطء دون الأول والخلاف في غير الأم فهي يحد بوطئها اتفاقا إذ لا يتصور وطؤها وهي مملوكة

 

ج / 3 ص -229-        هذا حاصل ما ذكره الزركشي وفيه نظر ظاهر لأن الإجماع على تحريم الوطء مطلقا المعلوم ضرورة بمنزلة النص عليه بل أقوى وقد صرحوا بنفي الحد مع ذلك فاقتضى ضعف ذلك التفريع كما أطلقه في الأم إذ يتصور ملك ولدها لها كالمكاتب "وكل من ولدتك أو ولدت من ولدك" وهي الجدة من الجهتين وإن علت "فهي أمك" حقيقة عند عدم الواسطة ومجازا عند وجودها على الأصح وحرمة أزواجه صلى الله عليه وسلم لكونهن أمهات المؤمنين في الاحترام فهي أمومة غير ما نحن فيه. "والبنات" ولو احتمالا كالمنفية باللعان ومن ثم لو أكذب نفسه لحقته ومع النفي لا يثبت لها من أحكام النسب سوى تحريم نكاحها على الأوجه سواء في تحريمه أعلم دخوله بأمها أم لا ومن عبر بقوله وإن لم يدخل بأمها أراد ذلك إذ لو علم عدم دخوله بها لم تلحقه فلا يحتاج لنفي "وكل من ولدتها أو ولدت من ولدها" وإن سفل "فهي بنتك" حقيقة ومجازا نظير ما مر "قلت والمخلوقة من" ماء "زناه تحل له" لأنها أجنبية عنه إذ لا يثبت لها توارث ولا غيره من أحكام النسب وقيل: تحرم إن أخبره نبي كعيسى وقت نزوله بأنها من مائه ويرد بأن الشارع قطع نسبتها عنه كما تقرر فلا نظر لكونها من ماء سفاحه نعم يكره له نكاحها للخلاف فيها "ويحرم على المرأة" وعلى سائر محارمها "ولدها من زنا والله أعلم" إجماعا لأنه بعضها وانفصل منها إنسانا ولا كذلك المني ومن ثم أجمعوا هنا على إرثه وبه اتضح فرق البلقيني بأنه علم تصرف الشارع في نسبة الولد للواطئ فلم يثبتها إلا بنكاح أو شبهة لا للموطوءة بل ألحقه بها في الكل. "والأخوات" من جهة أبويك أو أحدهما نعم لو زوجه الحاكم مجهولة ثم استلحقها أبوه بشرطه ولم يصدقه هو ثبتت أخوتها له وبقي نكاحه نص عليه وبه تندفع مخالفة جمع فيه وممن جرى على الأول العبادي وكذا القاضي مرة قالوا وليس لنا من ينكح أخته في الإسلام غير هذا ولو أبانها لم تحل له وكذا لو استلحق زوج بنته المجهول المجنون أو الصغير ولم يصدقه هو بعد كماله على ما فيه مما بينته في شرح الإرشاد فراجعه "وبنات الإخوة والأخوات وإن سفلن, والعمات والخالات وكل من هي أخت ذكر ولدك" وإن علا من جهة الأب أو الأم سواء أخته لأبويه أو أحدهما "فعمتك أو أخت أنثى ولدتك" وإن علت من جهة الأب أو الأم سواء أختها لأبويها أو أحدهما "فخالتك" وعلم مما مر أن الأخصر من هذا كله أن يقال: يحرم كل قريب إلا ما دخل في ولد العمومة أو الخؤولة. "ويحرم هؤلاء السبع بالرضاع أيضا" أي كما حرمن بالنسب للنص على الأمهات والأخوات في الآية وللخبر المتفق عليه "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب" وفي رواية "ما يحرم من الولادة" "وكل من أرضعتك أو أرضعت من أرضعتك أو" أرضعت "من ولدك" ولو بواسطة "أو ولدت مرضعتك أو" ولدت أو أرضعت "ذا" أي صاحب "لبنها" شرعا كحليل المرضعة الذي اللبن له وإن ولدته بواسطة "فأم رضاع وقس" بذلك "الباقي" من السبع المحرمة بالرضاع فالمرتضعة بلبنك أو بلبن فرعك ولو رضاعا وبنتها كذلك وإن سفلت بنت رضاع, والمرتضعة بلبن أبيك أو أمك ولو رضاعا ومولودة أحدهما رضاعا أخت رضاع, وبنت ولد المرضعة أو الفحل نسبا أو رضاعا وإن سفلت

 

ج / 3 ص -230-        ومرتضعة بلبن أخيك أو أختك وبنتها نسبا أو رضاعا وإن سفلت وبنت ولد أرضعته أمك أو ارتضع بلبن أبيك نسبا أو رضاعا وإن سفلت بنت أخ أو أخت رضاع, وأخت فحل أو مرضعة وأخت أصلهما نسبا أو رضاعا ومرتضعة بلبن أصل نسبا أو رضاعا عمة رضاع أو خالته. "ولا تحرم عليك من أرضعت أخاك" أو أختك وإنما حرمت أم أخيك نسبا لأنها أمك أو موطوءة أبيك "و" لا من أرضعت "نافلتك" أي ولد ولدك لأنها كالتي قبلها أجنبية عنك وحرمت أمه نسبا لأنها بنت أو موطوءة ابن "ولا أم مرضعة ولدك" لذلك وهي نسبا أم موطوءتك "وبنتها" أي المرضعة لذلك وهي نسبا بنت أو ربيبة فعلم أن هذه الأربعة لا تستثنى من قاعدة يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب لما علمت أن سبب انتفاء التحريم عنهن رضاعا انتفاء جهة المحرمية نسبا فلذا لم يستثنها كالمحققين فاستثناؤها في كلام غيرهم صوري وزيد عليها أم العم وأم العمة وأم الخال وأم الخالة وأخ الابن فهؤلاء أيضا يحرمن نسبا لا رضاعا لما تقرر وصورة الأخيرة امرأة لها ابن ارتضع من أجنبية ذات ابن فلها نكاح أخي ابنها رضاعا وإن حرم نسبا لكونه ابنها أو ابن زوجها وهي من هذه الحيثية غير أم الأخ المذكورة في المتن. و "لا" يحرم عليك أيضا "أخت أخيك" الذي من النسب أو الرضاع "بنسب ولا رضاع" متعلق بأخت بدليل قوله "وهي" نسبا "أخت أخيك لأبيك لأمه" بأن كان لأم أخيك لأبيك بنت من غير أبيك "وعكسه" أي أخت أخيك لأمك لأبيه بأن كان لأبي أخيك لأمك بنت من غير أمك ورضاعا أخت أخيك لأب أو أم رضاعا بأن أرضعتهما أجنبية عنك.
"فرع" ادعت أمة أنها أخته رضاعا فإن كان قبل أن يملكها حرمت عليه وكذا بعده وقبل التمكين بل وبعد تمكين مع نحو صغر كما هو ظاهر بخلافه بعد تمكين معتبر إلا إن ادعت غلطا أو نسيانا أخذا مما في الروضة قبيل الصداق أن الزوجة لو ادعت ذلك قبل قولها بالنسبة لتحليفه على نفيه أي فإن نكل حلفت وانفسخ النكاح وبخلاف ما لو ادعت أنها أخته نسبا وفرق بأن النسب لا يثبت بقول النساء بخلاف الرضاع فكذا التحريم به ويؤيده إطلاق الروضة وغيرها أن أمته لو منعته وقالت وطئني نحو أبيك قبل قوله بيمينه لأن الأصل عدم وطئه ا هـ فهذا مثل النسب بجامع أن كلا لا يثبت بقول النساء فلا يثبت بقولها بخلاف الرضاع وبهذا المذكور عن الروضة وغيرها الشامل لما إذا مكنته أو لا يندفع إلحاق بعضهم دعوى وطء نحو الأب بالرضاع في تفصيله المذكور. "ويحرم" عليك بالمصاهرة "زوجة من ولدت" وإن سفل من نسب أو رضاع "أو ولدك" وإن علا "من نسب أو رضاع" لقوله تعالى
{وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء: 23] ومنطوق خبر يحرم من الرضاع السابق يعين حمل "من أصلابكم" على أنه لإخراج زوجة المتبنى دون ابن الرضاع ولقوله تعالى {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22]. "و" يحرم عليك "أمهات زوجتك منهما" أي النسب أو الرضاع ولو لطفلة طلقتها وإن علون وإن لم تدخل بها لإطلاق قوله تعالى {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] وحكمته ابتلاء الزوج بمكالمتها والخلوة بها لترتيب أمر الزوجة فحرمت كسابقتيها بنفس العقد ليتمكن من ذلك

 

ج / 3 ص -231-        ولا كذلك البنت نعم يشترط حيث لا وطء صحة العقد لأن الفاسد لا حرمة له ما لم ينشأ عنه وطء أو استدخال لأنه حينئذ وطء شبهة واستدخال وهو محرم كما يأتي "وكذا بناتها" أي زوجتك ولو بواسطة سواء بنات ابنها وبنات بنتها وإن سفلن "إن دخلت بها" بأن وطئتها في حياتها ولو في الدبر وإن كان العقد فاسدا وكذا إن استدخلت ماءك المحترم في حال نزوله وإدخاله إذ هو كالوطء في أكثر أحكامه في هذا الباب وغيره لقوله تعالى {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] الآية ولم يعد "دخلتم" لأمهات نسائكم أيضا وإن اقتضته قاعدة الشافعي من رجوع الوصف ونحوه لسائر ما تقدمه لأن محله إن اتحد العامل وهو هنا مختلف إذ عامل نسائكم الأولى الإضافة والثانية حرف الجر ولا نظر مع ذلك لاتحاد عملهما خلافا للزركشي لأن اختلاف العامل يدل على استقلال كل بحكم ومجرد الاتفاق في العمل لا يدل على ذلك كما هو واضح, وذكر الحجور للغالب فلا مفهوم له.
"تنبيه" لم ينزلوا الموت هنا منزلة الوطء بخلافه في الإرث وتقرير المهر ويوجه بأن التنزيل هنا يلزم عليه أن العقد محرم وهو خلاف النص ولا كذلك ثم للنص فيه على أن الموت موجب للإرث والتقرير, وسره من جهة المعنى أن المطلوب من البنت لو حلت الوطء وتوابعه فلم يحرمه إلا ما هو من جنسه في الأم لإمكانه وعدلوا عن ذلك في الأمهات لما مر, والمقصود فيهما المال ولا جنس له فأدير الأمر فيه على مقرر لموجبه الذي هو العقد وهو الموت أو الوطء المؤكد لذلك الموجب.
"من وطئ امرأة" حية وهو واضح "بملك" ولو في الدبر وإن كانت محرمة عليه أبدا كما يأتي عن أصل الروضة "حرم عليه أمهاتها وبناتها وحرمت على آبائه وأبنائه" إجماعا وتثبت هنا المحرمية أيضا "وكذا" الحية "الموطوءة" ولو في الدبر "بشبهة" إجماعا أيضا لكن لا يثبت بها محرمية لعدم الاحتياج إليها ثم المعتبر هنا أي في تحريم المصاهرة وفي لحوق النسب ووجوب العدة أن تكون شبهة "في حقه" كأن وطئها بفاسد نكاح وكظنها حليلته وكونها مشتركة أو أمة فرعه وكوطئها بجهة قال بها عالم يعتد بخلافه وإن علمت "قيل أو" توجد شبهة في "حقها" كأن ظنته حليلها أو كان بها نحو نوم وإن علم فعلى هذا بأيهما قامت الشبهة أثرت نعم المعتبر في المهر شبهتها فقط ومنها أن توطأ في نكاح بلا ولي وإن اعتقدت التحريم فليست مستثناة خلافا للبلقيني لما مر أن معتقد تحريمه لا يحد للشبهة ولا أثر لوطء خنثى لاحتمال زيادة ما أولج به أو فيه.
"تنبيه" مر أن الاستدخال كالوطء بشرط احترامه حالة الإنزال ثم حالة الاستدخال بأن يكون لها شبهة فيه وحينئذ فيشكل بتأثير وطء شبهته وحده إلا أن يجاب بقوة الوطء أو بأنه في حالة الوطء تعارض شبهته وتعمدها فغلبت شبهته لأنها أقوى لكونها أخرجت ماءه عن السفاح حال وصوله للرحم وثم لا تعارض حال الإدخال فأثر علمها بحرمته ويؤيد ذلك قولهم لا يثبت بالاستدخال بشرطه إلا النسب والمصاهرة والعدة وكذا الرجعة على

 

ج / 3 ص -232-        المعتمد بخلاف نحو الإحصان والتحليل, وغير المحترم كماء زنا الزوج لا يثبت به شيء وقال البغوي يثبت قياسا على من وطئ زوجته يظن أنه يزني بها وردوه بأن هذا الوطء ليس بزنا في نفس الأمر بخلافه في مسألتنا ولقوة ذلك الإشكال اعتمد بعضهم ما ليس بمعتمد وهو أنه لا يشترط الاحترام إلا في حالة الإنزال واستدل بقول غيره لو أنزل في زوجته فساحقت بنته فحبلت منه لحقه الولد وكذا لو مسح ذكره بحجر بعد إنزاله فيها فاستنجت به أجنبية فحبلت منه ا هـ.
"تنبيه آخر": أطلق جمع متقدمون حرمة وطء الشبهة وغيرهم حله وكلاهما عجيب لأنه إن أريد شبهة المحل كالمشتركة فهو حرام إجماعا أو شبهة الطريق كأن قال بحله مجتهد يقلد فإن قلده وصف بالحل وإلا فبالحرمة اتفاقا فيهما بل إجماعا أيضا أو شبهة الفاعل كأن ظنها حليلته فهذا غافل وهو غير مكلف اتفاقا ومن ثم حكي الإجماع على عدم إثمه وإذا انتفى تكليفه انتفى وصف فعله بالحل والحرمة وهذا محمل قولهم وطء الشبهة لا يوصف بحل ولا حرمة.
"لا المزني بها" فلا يثبت لها ولا لأحد من أصولها وفروعها حرمة مصاهرة بالزنا الحقيقي بخلافه من نحو مجنون أو مكره عليه لأن الله تعالى امتن على عباده بالنسب والصهر ولأنه لا حرمة له "وليست مباشرة" بسبب مباح كمفاخذة "بشهوة كوطء في الأظهر" لأنها لا توجب عدة فكذا لا توجب حرمة قال الزركشي ويرد عليه لمس الأب أمة ابنه فإنها تحرم لما له من الشبهة في ملكه بخلاف لمس الزوجة ذكره الإمام ا هـ وفيه نظر بل الذي دل عليه كلامهم أنه لا يحرم إلا وطؤه. "ولو اختلطت محرم" بنسب أو رضاع أو مصاهرة أو محرمة بسبب آخر كلعان أو توثن, ومنهم من تكلف وضبط المتن بالضم وتشديد الراء ليشمل ذلك "بنسوة قرية كبيرة" بأن كن غير محصورات "نكح" إن شاء "منهن" وإن قدر بسهولة على متيقنة الحل مطلقا خلافا للسبكي رخصة له من الله تعالى. وحكمة ذلك أنه لو لم يبح له ذلك ربما انسد عليه باب النكاح فإنه وإن سافر لبلد لا يأمن مسافرتها إليها وينكح إلى أن يبقى محصور على ما رجحه الروياني وعليه فلا يخالفه ترجيحهم في الأواني أنه يأخذ إلى بقاء واحدة لأن النكاح يحتاط له أكثر من غيره وأما الفرق بأن ذاك يكفي فيه الظن فيباح المظنون مع القدرة على المتيقن بخلافه هنا فغير صحيح لما تقرر من حل المشكوك فيها مع وجود اللواتي تحل يقينا ويأتي حل مخيرته بالتحليل وانقضاء عدتها وإن ظن كذبها ومر في مبحث الصيغة ما له تعلق بذلك على أن زوال يقين اختلاط المحرم بالنكاح منهن يضعف التقييد بالمحصورات ويقوي القياس على الأواني وعدم النظر للاحتياط المذكور نعم إن أريد بالظن المثبت ثم والمنفي هنا الناشئ عن الاجتهاد قربت صحة ذلك الفرق "لا بمحصورات" فلا ينكح منهن فإن فعل بطل احتياطا للأبضاع مع عدم المشقة في اجتنابهن بخلاف الأول ولا مدخل للاجتهاد هنا نعم لو تيقن صفة بمحرمه كسواد نكح غير ذات السواد مطلقا كما هو واضح واجتنبها إن انحصرن ثم ما عسر عده بمجرد النظر - كالألف - غير محصور وما سهل - كالعشرين بل المائة

 

ج / 3 ص -233-        كما صرحوا به في باب الأمان وذكره في الأنوار هنا - محصور وبينهما أوساط تلحق بأحدهما بالظن وما يشك فيه يستفتي فيه القلب قاله الغزالي والذي رجحه الأذرعي التحريم عند الشك لأن من الشروط العلم بحلها واعترض بقولهم لو زوج أمة مورثه ظانا حياته فبان ميتا أو تزوجت زوجة المفقود فبان ميتا صح ومر ما فيه في فصل الصيغة وبحث الأذرعي كالسبكي في عشرين مثلا من محارمه اختلطن بغير محصور لكنه لو قسم عليهن صار ما يخص كلا منهن محصورا حرمة النكاح منهن نظرا لهذا التوزيع وخالفهما ابن العماد نظرا للجملة وقال: إن الحل ظاهر كلام الأصحاب وهو كما قال خلافا لمن زعم أن كلامه لا وجه له ولو اختلطت زوجته بأجنبيات لم يجز وطء واحدة منهن مطلقا لأن الوطء إنما يباح بالعقد دون الاجتهاد. "ولو طرأ مؤبد تحريم" بفتح الباء فهو من إضافة الصفة للموصوف وبكسرها "على نكاح قطعه كوطء زوجة أبيه" بالباء أو النون كما ضبطهما بخطه "بشبهة" وكوطء الزوج أم أو بنت زوجته بشبهة فينفسخ النكاح إلحاقا للدوام بالابتداء لأنه معنى يوجب تحريما مؤبدا فإذا طرأ قطع كالرضاع وبهذا يتضح أنه لا فرق بين كون الموطوءة محرما للواطئ وغيرها فلو وطئ بنت أخيه أو خالته التي تحت ولده بشبهة حرمت على ولده أبدا كما يصرح به قول أصل الروضة لو وطئ أمته المحرمة عليه بنسب أو رضاع فإن قلنا لا يجب الحد أي وهو الأصح ثبتت المصاهرة فقول غير واحد لا تحرم كما قاله ابن الحداد ومن تبعه ضعيف وزعم أن المتن يفيده ليس في محله بل يصدق بالمحرم وغيره لأن المصاهرة التي أثبتها الشيخان مؤبد تحريم طرأ بوطء الأب لمحرمه على نكاحها فقطعه وحرمها أبدا على ابنه لأنها موطوءة أبيه ولقد بالغ بعضهم في رد كلام ابن الحداد فقال هو خيال باطل ومن تبعه غفل عما تقرر عن الشيخين وخرج بنكاح طروه على ملك يمين كوطء أب جارية ابنه فإنها وإن حرمت به على الابن أبدا لا ينقطع به ملكه حيث لا إحبال ولا شيء عليه بمجرد تحريمها لبقاء المالية ومجرد الحل هنا غير متقوم. "ويحرم جمع المرأة وأختها أو عمتها أو خالتها من رضاع أو نسب" ولو بواسطة لأبوين أو أب أو أم ابتداء ودواما للآية في الأختين وللخبر الصحيح في الباقي وحكمة ذلك كما فيه أنه يؤدي إلى قطيعة الرحم وإن رضيت بذلك فإن الطبع يتغير وضبطوا من يحرم جمعهما بكل امرأتين بينهما قرابة أو رضاع يحرم تناكحهما لو قدرت إحداهما ذكرا فخرج بالقرابة والرضاع المصاهرة - فيحل الجمع بين امرأة وأم أو بنت زوجها أو زوجة ولدها إذ لا رحم هنا يخشى قطعه - والملك فيحل الجمع بين امرأة وأمتها بأن يتزوجها بشرطها الآتي ثم يتزوج سيدتها أو يكون قنا وإن حرمت كل بتقدير ذكورة الأخرى إذ العبد لا ينكح سيدته والسيد لا ينكح أمته ويحل الجمع أيضا بين بنت الرجل وربيبته وبين المرأة وربيبة زوجها من امرأة أخرى وبين أخت الرجل من أمه وأخته من أبيه إذ لا تحرم المناكحة بينهما بتقدير ذكورة إحداهما. "فإن جمع" بين نحو أختين "بعقد" واحد "بطل" النكاحان إذ لا مرجح "أو" بعقدين يأتي هنا ما مر في نكاح اثنين فإن وقعا معا أو عرف سبق ولم تتعين سابقة ولم يرج معرفتها أو جهل السبق والمعية

 

ج / 3 ص -234-        بطلا أو وقعا "مرتبا" وعرفت السابقة ولم تنس "فالثاني" هو الباطل إن صح الأول لأن الجمع حصل به فإن نسيت ورجيت معرفتها وجب التوقف حتى يتبين والأوجه أنه لا يحتاج لفسخ الحاكم وأنه لو أراد العقد على إحداهما امتنع حتى يطلق الأخرى بائنا لاحتمال أنها الزوجة فتحل الأخرى يقينا من غير مشقة عليه في ذلك بوجه أما إذا فسد الأول فالثاني هو الصحيح سواء أعلم بذلك أم لا خلافا للماوردي ومن ثم تعقبه الروياني بقوله وعندي ينعقد نكاح الثانية بكل حال غايته أنه هزل بهذا العقد وهزل النكاح جد للحديث.
"تنبيه" يأتي ما ذكر في جمع أكثر من أربع وفيما إذا نكح عشرة في أربعة عقود أربعا وثلاثا وثنتين وواحدة وجهل السابق فوطئ بعضهن ومات من التركة مسمى أربع لأن في نكاحه أربعا بيقين يجب مهرهن وإن لم يدخل بهن ومهر مثل من دخل بهن لاحتمال أنهن من الزائدات على تلك الأربع وما أخذ للمدخول بهن يدفع لهن وللأربع يوقف بينهن وبين الورثة إلى البيان أو الصلح ولذلك تفريع طويل في الروضة وغيرها فراجعه.
"ومن حرم جمعهما بنكاح" كأختين "حرم" جمعهما "في الوطء بملك" لأنه إذا حرم العقد فالوطء أولى لأنه أقوى و لأن التقاطع فيه أكثر "لا ملكهما" إجماعا لأن الملك قد يقصد به غير الوطء ولهذا جاز له ملك نحو أخته "فإن وطئ" في فرج واضح أو دبر ولو مكرها أو جاهلا "واحدة" غير محرمة عليه بنحو رضاع وإن ظنها تحل له, وظاهر كلامه أن الاستدخال هنا ليس كالوطء وهو متجه "حرمت الأخرى حتى يحرم الأولى" لئلا يحصل الجمع المنهي عنه ولا يؤثر وطؤها وإن حبلت على الأوجه تحريم الأولى إذ الحرام لا يحرم الحلال ثم التحريم يحصل بمزيل الملك "كبيع" وفي نسخ ببيع وهي أوضح ولو لبعضها إن لزم أو شرط الخيار فيه للمشتري, وهبة ولو لبعضها مع قبضها بإذنه "أو" بمزيل الحل نحو "نكاح أو كتابة" صحيحة لارتفاع الحل فإن عاد حل الأولى بنحو فسخ أو طلاق قبل وطء الثانية تخير في وطء أيتهما شاء بعد استبراء للعائدة إن أرادها أو بعد وطئها لم يطأ العائدة حتى يحرم الأخرى وعلم مما مر أنه لو ملك أما وبنتها حرمت إحداهما مؤبدا بوطء الأخرى "لا حيض وإحرام" ونحو ردة وعدة لأنها أسباب عارضة قريبة الزوال "وكذا رهن" مقبوض "في الأصح" لبقاء الحل لو أذن له المرتهن. "ولو ملكها" أي امرأة وطئها أم لا "ثم نكح أختها" أو عمتها أو خالتها الحرة أو الأمة بشرطه "أو عكس" أي نكح امرأة ثم ملك نحو أختها أو تقارن الملك والنكاح "حلت المنكوحة دونها" لأن فراش النكاح أقوى للحوق الولد فيه بالإمكان ولا يجامعه الحل للغير بخلاف فراش الملك فيهما. "وللعبد" ولو مبعضا "امرأتان" لإجماع الصحابة عليه و لأنه على النصف من الحر "وللحر أربع فقط" للخبر الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال لمن أسلم على أكثر من أربع:
"أمسك أربعا وفارق سائرهن" وكأن حكمة هذا العدد موافقته لأخلاط البدن الأربعة المتولدة عنها أنواع الشهوة المستوفاة غالبا بهن قال ابن عبد السلام

 

ج / 3 ص -235-        كانت شريعة موسى تحلل النساء من غير حصر لمصلحة الرجال وشريعة عيسى صلى الله عليه وسلم تمنع غير الواحدة لمصلحة النساء فراعت شريعة نبينا صلى الله عليه وسلم مصلحة النوعين وقد تتعين الواحدة كما مر في نكاح السفيه والمجنون. "فإن نكح" الحر "خمسا" أو أكثر "معا بطلن" أي نكاحهن إذ لا مرجح ومن ثم لو كان فيهن من يحرم جمعه بطل فيه فقط وصح في الباقيات إن كن أربعا فأقل أو نحو مجوسية أو ملاعنة أو أمة بطل فيها فقط لذلك "أو مرتبا فالخامسة" هي التي يبطل فيها ويأتي هنا ما مر في جمع نحو الأختين من بقية الأقسام وكلام الماوردي ومقابله ويأتي نظير ذلك في جمع العبد ثلاثا فأكثر. "وتحل الأخت" ونحوها "والخامسة" للحر والثالثة لغيره "في عدة بائن" لأنها أجنبية منه "لا رجعية" ومتخلفة عن الإسلام ومرتدة بعد وطء وقبل انقضاء العدة لأنها في حكم الزوجات. "وإذا طلق" قبل الوطء أو بعده "الحر ثلاثا والعبد" ولو مبعضا "طلقتين" وكان قنا عند الثانية وإلا كأن علقت بعتقه ثبتت له الثالثة "لم تحل له" تلك المطلقة "حتى تنكح" زوجا غيره ولو كان صبيا حرا عاقلا أو عبدا بالغا عاقلا كان أو مجنونا بالنون أو خصيا أو ذميا في ذمية لكن إن وطئ في نكاح لو ترافعوا إلينا أقررناهم عليه وكالذمي نحو المجوسي كما في الروضة لكن نوزع فيه بأن الكتابي لا يحل له نحو مجوسية وقضيته أن نحو المجوسي لا تحل له كتابية وقد يجاب بأن كلام الروضة صريح في حل ذلك فمقابله مقالة لا ترد عليه "وتغيب" قيل: ينبغي فتح أوله ليشمل ما لو نزلت عليه أي أو انتفى قصدهما واحترز بذلك عما لو ضم وبني للفاعل فإنه إن كان فوقية أوهم اشتراط فعلها أو تحتية أوهم اشتراط فعله "بقبلها حشفته". ولو مع نوم ولو منهما مع زوال بكارتها ولو غوراء على المعتمد وإن لف على الحشفة خرقة كثيفة ولم ينزل أو قارنها نحو حيض أو صوم أو عدة شبهة عرضت بعد نكاحه نعم يأتي في مبحث العنة أن بكارة غير الغوراء لو لم تزل لرقة الذكر كان وطئا كاملا وأن هذا صريح في إجزائه في التحليل. وما نقل عن ابن المسيب من الاكتفاء بالعقد بتقدير صحته عنه مخالف للإجماع فلا يجوز تقليده ولا الحكم به وينقض قضاء القاضي به وما أحسن قول جمع من أكابر الحنفية إن هذا قول رأس المعتزلة بشر المريسي وأنه مخالف للإجماع وأن من أفتى به فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ولبعض الحنفية ما يخالف بعض ذلك وهو زلة منه كنسبته للشافعي ذلك فلا يغتر به "أو قدرها" من فاقدها الذي يراد تغييبه فالعبرة بقدر حشفته التي كانت دون حشفة غيره كما مر أول الغسل المعلوم منه أن ما أوجب دخوله الغسل أجزأ هنا وما لا فلا ويطلقها وتنقضي عدتها لقوله تعالى {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} [البقرة: من الآية230] أي ويطأها للخبر المتفق عليه "حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك" وهي عند الشافعي وجمهور الفقهاء الجماع لخبر أحمد والنسائي أنه صلى الله عليه وسلم فسرها به سمي بذلك تشبيها بالعسل بجماع اللذة أي باعتبار المظنة واكتفي بالحشفة لإناطة الأحكام بها نصا في الغسل وقياسا في غيره لأنها الآلة الحساسة وليس الالتذاذ إلا بها. وقيس بالحر غيره وشرع تنفيرا عن الثلاث وخرج ب تنكح وطء السيد بالملك بل لو اشتراها المطلق لم

 

ج / 3 ص -236-        تحل له وبقبلها وطء الدبر وبقدرها أقل منه كبعض حشفة السليم وكإدخال المني "بشرط الانتشار" بالفعل وإن قل أو أعين بنحو أصبع وقول السبكي لم يشترطه بالفعل أحد بل الشرط سلامته من نحو عنة وشلل ردوه بأنه الصحيح مذهبا ودليلا وليس لنا وطء يتوقف تأثيره على الانتشار سوى هذا "وصحة النكاح" فلا يؤثر فاسد وإن وقع وطء فيه لأن النكاح في الآية لا يتناوله ومن ثم لو حلف لا ينكح لم يحنث به وإنما لحق بالوطء فيه النسب ووجبت العدة لأن المدار فيهما على مجرد الشبهة وإن لم يوجد نكاح أصلا وعدم اختلاله فلا يكفي وطء مع ردة أحدهما أو في عدة طلاق رجعي بأن استدخلت ماء وإن راجع أو أسلم المرتد "وكونه ممن يمكن جماعه" أي يتشوف إليه منه عادة لما يأتي في غير المراهق "لا طفلا" وإن انتشر ذكره كما يصرح به المتن وغيره لأنه لا أهلية فيه لذوق عسيلة. ومثله البندنيجي بابن سبع سنين وقد يؤخذ منه ما ذكرته في شرح الإرشاد أن من اشتهي طبعا حلل كما ينتقض الوضوء بلمسه ومن لا فلا وأما ما اقتضاه كلام غير البندنيجي من أن المراد به غير المراهق وهو من لم يقارب البلوغ فبعيد من عبارة المتن وغيره فإن قلت لم لم يضبط بالتمييز فقط قلت لأن التمييز غير منظور إليه هنا لأن المجنون يحلل مع عدم تمييزه فأنيط بمن من شأنه أن يتأهل للوطء وهو من مر وإنما تحللت طفلة لا يمكن جماعها بجماع من يمكن جماعه لأن التنفير المشروع لأجله التحليل يحصل به دون عكسه كما هو واضح فاندفع قياسه عليه "على المذهب فيهن" أي الانتشار وما بعده. "ولو نكح" مريد التحليل "بشرط" وليها وموافقته هو أو عكسه في صلب العقد "أنه إذا وطئ طلق أو" أنه إذا وطئ "بانت" منه "أو" أنه إذا وطئ "فلا نكاح" بينهما أو نحو ذلك "بطل" النكاح لمنافاة الشرط فيهن لمقتضى العقد وعلى ذلك حمل الحديث الصحيح "لعن الله المحلل والمحلل له" وعليه يحمل أيضا ما وقع في الأنوار أنه يحرم على المحلل استدعاء التحليل "وفي التطليق قول" أنه لا يضر شرطه كما لو نكحها بشرط أن لا يتزوج عليها ويجاب بأن هذا شرط شيء خارج عن النكاح لا ينافي ذاته الموضوع هو لها ففسد دون العقد بخلاف شرط الطلاق وخرج بشرط ذلك إضماره فلا يؤثر وإن تواطآ عليه قبل العقد لكنه مكروه لأن كل ما لو صرح به أبطل يكره إضماره كما نص عليه ويكره تزوج من ادعت التحليل لزمن إمكان ولم يقع في قلبه صدقها وإن كذبها زوج عينته في النكاح أو الوطء وإن صدقناه في نفيه حتى لا يلزمه مهر أو نصفه ما لم ينضم لتكذيبه في أصل النكاح تكذيب الولي والشهود كما في الروضة خلافا للزركشي والبلقيني وإن نقله عن الزاز وغيره نعم في التهذيب لو كذبها الزوج والشهود حلت ولا يرد ذلك على الروضة لأنه إنما منع عند تكذيب الثلاثة دون اثنين منهم ومر أنه يقبل إقرارها بالنكاح لمن صدقها وإن كذبها الولي والشهود ولو أنكر الطلاق صدق ما لم يعلم الأول كذبه وإنما قبل قولها في التحليل مع ظن الزوج كذبها لما مر أن العبرة في العقود بقول أربابها وأنه لا عبرة بالظن إذا لم يكن له مستند شرعي وقد غلط المصنف كالإمام المخالف في هذا ولكن انتصر له الأذرعي وأطال ولو كذبها ثم رجع قبل كما أفتى به القفال ومر أنها متى

 

ج / 3 ص -237-        أقرت للحاكم بزوج معين لم يقبلها في فراقه إلا ببينة وفي الجواهر لو أخبرته بالتحليل ثم رجعت فإن كان قبل الدخول يعني قبل العقد لم تحل أو بعده لم يرتفع ولو اعترف الثاني بالإصابة وأنكرتها لم تحل أيضا وفي الحاوي لو غاب بزوجته ثم رجع وزعم موتها حل لأختها نكاحه بخلاف ما لو غابت زوجته وأختها فرجعت وزعمت موتها لم تحل له ا هـ وكان الفرق أنه عاقد فصدق بخلاف الأخت.
"تنبيه": ظاهر ما تقرر أن لمطلقها قبول قولها بلا يمين وهو ظاهر وقول شيخنا بيمينها يحمل على ما لو تزوجته فرفعا لقاض فادعت التحليل الممكن فتحلف هي حينئذ ويمكنه منها وكذا انقضاء العدة ومر أول فصل "لا تزوج امرأة نفسها" ما له تعلق بما هنا.

فصل في نكاح من فيها رق وتوابعه
"لا ينكح من يملكها" ولو مستولدة ومكاتبة "أو" يملك "بعضها" لتناقض أحكام الملك والنكاح إذ الملك لا يقتضي نحو قسم وطلاق وملك زوجة لنفقتها لكنه أقوى لأنه يملك به الرقبة والمنفعة فثبت وسقط النكاح الأضعف إذ لا يقتضي ملك أحدهما بل أن ينتفع بشيء خاص نعم فراش النكاح أقوى كما مر على أن الترجيح هناك بين عينين وهنا بين وصفي عين فاتضح الفرق ومملوكة مكاتبه كمملوكته لأنه عبد ما بقي عليه درهم وكذا مملوكة فرعه الموسر لأنه يلزمه إعفافه بخلاف المعسر ويجوز للمرأة تزوج عبد فرعها لأنه لا يلزمه إعفافها كما يأتي "ولو ملك" هو أو مكاتبه لا فرعه لأن تعلق السيد بمال مكاتبه أقوى منه بمال فرعه "زوجته أو بعضها" ملكا تاما "بطل نكاحه" لما تقرر أنه أضعف وإنما لم تنفسخ إجارة عين بشرائها لأنه لا مناقضة بين ملك العين والمنفعة أما لو لم يتم كأن اشتراها بشرط الخيار له ثم فسخ فإنه يستمر نكاحه كما نقله الماوردي عن ظاهر النص والروياني عن ظاهر المذهب وأقره في المجموع واعتمدوه وإن قال الإمام والغزالي: المشهور خلافه لكن ما زعماه المشهور هو الوجه من حيث المعنى إذ لا نسلم ضعف الملك كيف وهو يأخذ فوائد المبيع ويباح له وطؤه من حيث الملك كما مر فأي ضعف فيه حتى يمنع الانفساخ وقد يجاب بأن الملك هنا طارئ على ثابت محقق فلا بد من تمام سببه حتى يقوى على رفع ذلك الثابت وبالانفساخ في زمن الخيار زال السبب فضعف المسبب عن إزالة ذلك وبهذا فارق حل الوطء وملك الفوائد اكتفاء بوجود السبب والمسبب عند وجودهما لا غير وكذا في عكسه الذي تضمنه. قوله: "ولا تنكح" المرأة "من تملكه أو بعضه" ملكا تاما لتضاد أحكامهما هنا أيضا لأنها تطالبه بالسفر للشرق لأنه عبدها وهو يطالبها به للغرب لأنها زوجته وعند تعذر الجمع يسقط الأضعف كما مر وخرج بمن تملكه عبد أبيها أو ابنها فيحل لها نكاحه على المعتمد خلافا لأبي زرعة وليس كتزوج الأب أمة ابنه لشبهة الإعفاف هنا لا ثم, ومجرد استحقاق النفقة في مال الأب أو الابن لا نظر إليه ومن ثم نكح الولد أمة أبيه "ولا الحر" كله "أمة غيره" ويلحق بها فيما يظهر حرة ولدها رقيق بأن أوصى لرجل بحمل أمته دائما فأعتقها الوارث كما مر آخر الوصية

 

ج / 3 ص -238-        بالمنافع بما فيه "إلا بشروط" أربعة بل أكثر. أحدها: "أن لا تكون تحته حرة" أو أمة "تصلح للاستمتاع" ولو كتابية للنهي عن نكاح الأمة على الحرة وهو مرسل لكنه اعتضد ولا منه العنت المشترط بنص الآية ومن ثم قيل لا حاجة لهذا الشرط مع قوله وأن يخاف زنا, ويرد بأنا نجد كثيرا من تحته صالحة لذلك وهو يخاف الزنا فاحتيج للتصريح بهما ولم يغن أحدهما عن الآخر فالأحسن التعليل بأن وجودها أبلغ من استطاعة طولها المانع بنص الآية والتقييد فيها بالمحصنات أي الحرائر المؤمنات للغالب أن المسلم إنما يرغب في حرة مسلمة وخرج بالحر كله العبد والمبعض فله نكاح الأمة لأن إرقاق ولده غير عيب "قيل: ولا غير صالحة" للاستمتاع لنحو عيب خيار أو هرم لعموم النهي السابق ولأنه يمكنه الاستغناء بوطء ما دون الفرج وتضعيفه هذا كالجمهور من زيادته عند جمع وقال آخرون: إن أصله يشير لذلك وآخرون: إن الذي فيه خلافه والحق أن عبارته محتملة. "و" ثانيها "أن يعجز" بكسر الجيم على الأفصح "عن حرة" ولو كتابية بأن لم يفضل عما معه أو مع فرعه الذي يلزمه إعفافه مما لا يباع في الفطرة فيما يظهر ما يفي بمهر مثلها وقد طلبته أو لم ترض إلا بزيادة عليه وإن قلت: وقدر عليها نعم لو وجد حرة وأمة لم يرض سيدها إلا بأكثر من مهر مثل تلك الحرة ولم ترض هذه الحرة إلا بما طلبه السيد لم تحل له الأمة أخذا من النص لقدرته على أن ينكح بصداقها حرة وإن كان أكثر من مهر الحرة كذا قاله شارح وفيه نظر ظاهر فإنه مع منافاته لكلامهم يعد مغبونا بالزيادة على مهر مثل الحرة ولا يعد مغبونا في الأمة إذ المعتبر في مهر مثلها خسة السيد وشرفه وقد يقتضي شرف السيد أن يكون مهر أمته بقدر مهر حرائر أخر فالوجه أنه لا اعتبار بذلك "تصلح" للاستمتاع وهل المراد بصلاحيتها هنا وفيما مر باعتبار طبعه أو باعتبار العرف كل محتمل وللنظر فيه مجال وتمثيلهم للصالحة بمن تحتمل وطء ولا بها عيب خيار ولا هرمة ولا زانية ولا غائبة ولا معتدة يرجح الثاني وبه إن أريد باحتمال الوطء ولو توقعا يعلم أن المتحيرة صالحة تمنع الأمة لتوقع شفائها ثم رأيت بعضهم بحثه وبحث منع نكاح أمة متحيرة قال لمنع وطئها شرعا فلا تندفع بها حاجته وفي التئام هذين البحثين نظر ظاهر فالأوجه النظر فيها للحالة الراهنة فلا تمنع الأمة ولا يحل نكاحها لما تقرر ولأنه الاحتياط فيهما وبه يفرق بين هذا وعدم نظرهم لها في خيار النكاح وأيضا فالفسخ يحتاط له ومن ثم لم يلحقوا بأسبابه الخمسة الآتية غيرها مع وجود المعنى فيه وزيادة "قيل أو لا تصلح" نظير ما مر ولعدم حصول الصالحة هنا لا ثم جرى في الروضة في هذه على ما هنا وأطلق الخلاف ثم ولم يرجح منه شيئا.
"تنبيه": ما تقرر من إطلاق المعتدة هو ما وقع في كلام شارح لكن في مفهومه تفصيل هو أن الرجعية والمتخلفة عن الإسلام والمرتدة بعد الوطء كالزوجة كما مر آنفا فلا تحل له الأمة قبل انقضاء العدة وإن وجدت فيه شروطها, والبائن تحل له في عدتها الأمة كأختها وأربع سواها ومثلها الموطوءة بشبهة ومن ثم قال شيخنا هنا: ولا معتدة عن غيره أي بخلاف المعتدة منه فإن فيها التفصيل السابق.

 

ج / 3 ص -239-        "فلو قدر على" حرة "غائبة حلت له أمة إن لحقه مشقة ظاهرة" وهي ما ينسب متحملها في طلب زوجة إلى مجاوزة الحد "في قصدها أو خاف زنا" بالاعتبار الآتي "مدته" أي مدة قصدها وإلا لم تحل له ولزمه السفر لها إن أمكن انتقالها معه لبلده وإلا فكالعدم كما بحثه الزركشي لأن في تكليفه التغريب أعظم مشقة ولا يلزم قبول هبة مهر وأمة للمنة.
"تنبيه": أطلقوا أن غيبة الزوجة أو المال يبيح نكاح الأمة والأول مشكل بما تقرر فيمن قدر على من يتزوجها بالسفر إليها فينبغي أن يتأتى فيها تفصيلها والثاني مشكل بذلك التفصيل أيضا بما مر في قسم الصدقات من الفرق بين المرحلتين ودونهما وقد يفرق بأن الطمع في حصول حرة لم يألفها يخفف العنت وبأن ما هنا يحتاط له أكثر خشية من الزنا.
"فرع": في الوسيط للمفلس نكاح الأمة وحمله ابن الرفعة على غير المحجور عليه قال لأن المحجور عليه متهم في دعواه خوف الزنا لأجل الغرماء ا هـ ويؤخذ منه أن هذا بالنسبة للظاهر وأنها تحل له باطنا لعجزه وهو ظاهر.
"ولو وجد حرة" ترضى "بمؤجل" ولم يجد المهر وهو يتوقع القدرة عليه عند المحل ولو من جهة ظاهرة كما اقتضاه إطلاقهم "أو بدون مهر مثل" وهو يجده "فالأصح حل أمة في الأولى" لأنه قد لا يجد وفاء فتصير ذمته مشغولة وإنما وجب شراء ماء بنظير ذلك كما مر في التيمم لأن الغالب في الماء أنه تافه يقدر على ثمنه من غير كبير مشقة بخلاف المهر وأيضا فهو هنا يحتاج مع ذلك كلفا أخر كنفقة وكسوة والغرض أنه معسر فلم يجمع عليه بين ذلك كله ولا يكلف بيع ما يبقى في الفطرة كما علم مما قدمته آنفا ومنه ما صرحوا به هنا من مسكنه وخادمه الذي يحتاج إليه ولو أمة لا تحل أو لا تصلح وما اقتضته عبارة الروضة فيها محمول على من لا يحتاجها لخدمة نعم يتجه في نحو خادم أو مسكن نفيس قدر على بيعه وتحصيل خادم ومسكن لائق ومهر حرة أنه يلزمه أخذا مما مر ثم "دون الثانية" لاعتياد المسامحة في المهور فلا منة بخلاف المسامحة به كله لأنه لم يعتد مع لزومه له بالوطء, ولا نظر - كما اقتضاه كلامهم - إلى أنها قد تنذر له بإسقاطه إن وطئ للمنة التي لا تحتمل حينئذ. "و" ثالثها "أن يخاف" ولو خصيا "زنا" بأن يتوقعه لا على الندور بأن تغلب شهوته تقواه بخلاف من غلبت تقواه أو مروءته المانعة منه أو اعتدلا وذلك لقوله تعالى
{ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} [النساء: 25] أي الزنا وأصله المشقة الشديدة سمي به الزنا لأنه سببها بالحد أو العذاب والمرعي عندنا كما في البحر عمومه فلو خافه من أمة بعينها لقوة ميله إليها لم تحل له إذا وجد الطول قال شارح بل وإن فقده وهو ظاهر ومن ثم قال شيخنا والوجه ترك التقييد بوجود الطول لأنه يقتضي جواز نكاحها عند فقد الطول فيفوت اعتبار عموم العنت مع أن وجود الطول كاف في المنع من نكاحها ولا اعتبار بعشقه لأنه داء تهيجه البطالة وإطالة الفكر وكم من ابتلي به وزال عنه ولاستحالة زنا المجبوب دون مقدماته منه قال جمع متقدمون

 

ج / 3 ص -240-        لا تحل له الأمة نظرا للأول ورجحه بعض المتقدمين وآخرون تحل له نظرا للثاني ويجزئ ذلك في العنين نظرا إلى بعد وقوع الزنا منه لعدم غلبة شهوته فإطلاق القاضي أنها لا تحل له مبني على الأول وبحث ابن عبد السلام حلها للممسوح لتعذر لحوق الولد به وكأنه ينظر إلى أن خوف الزنا أو المقدمات إنما ينظر إليه عند إمكان لحوق الولد به وفيه ما فيه, وما المانع أن ينظر إلى أن نكاحها نقص مطلقا فيشترط الاضطرار إليه بخوف الزنا أو مقدماته وإن لم يلحقه الولد؟ وأطلق القاضي أن المجنون - بالنون - لا يزوج أمة واعترضه شارح بأن الأوجه أنه إذا أعسر وخيف عليه العنت زوجها وليس لمن توفرت فيه شروط نكاح الأمة نكاح أمة صغيرة لا توطأ ورتقاء وقرناء لأنه لا يأمن به العنت ويؤخذ منه أن غير هؤلاء ممن لا يصلحن كذلك "فلو" كان معه مال لا يقدر به على حرة و "أمكنه تسر" بشراء صالحة للاستمتاع به بأن قدر عليها بثمن مثلها فاضلا عما مر "فلا خوف" من الزنا حينئذ فلا تحل له الأمة "في الأصح" لأمنه العنت به فلا حاجة لإرقاق ولده فإن كانت بملكه فكذلك قطعا. "و" رابعها "إسلامها" - ويجوز جره - فلا يحل لمسلم نكاح أمة كتابية لقوله تعالى {مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ}[النساء: 25] ولاجتماع نقصي الكفر والرق بل أمة مسلمة وإن كانت لكافر "وتحل لحر وعبد كتابيين أمة كتابية على الصحيح" لتكافئهما في الدين وكذا المجوسي مجوسية ووثني وثنية كذا قيل وإنما يتمشى على خلاف ما يأتي عن السبكي أول الفصل الآتي, ويشترط عند ترافعهم إلينا لا مطلقا لصحة أنكحتهم خوف العنت وفقد طول الحرة لأنهم جعلوه كالمسلم إلا في نكاح أمة كافرة قاله السبكي وغيره وخالفهم البلقيني فقال إنما تعتبر الشروط في مؤمن حر كما دل عليه القرآن وسيأتي قبيل فصل "أسلم وتحته أكثر من أربع" ضابط يعلم منه الراجح منهما فراجعه "لا لعبد مسلم في المشهور" لأن مدرك المنع فيها كفرها فاستوى فيها المسلم الحر والقن كالمرتدة ويحل لمسلم وطء كتابية بالملك لا نحو مجوسية كما يأتي. وخامسها: أن لا تكون موقوفة عليه ولا موصى له بخدمتها ولا مملوكة لمكاتبه أو ولده على ما مر كذا قيل وما ذكر في الثانية يتعين حمله على ما لو أوصى له بخدمتها أو منفعتها على التأبيد لأن هذه هي التي يتجه عدم صحة تزوجه بها لجريان قول بأنه يملكها بخلاف غيرها فإن غايتها أنها كمستأجرة له فالوجه حل تزوجه بها إذا رضي الوارث لأنه ملكه ولا شبهة للموصى له في ملك رقبتها "ومن بعضها رقيق كرقيقة" فلا ينكحها الحر إلا بالشروط السابقة لأن إرقاق بعض الولد محذور أيضا ومن ثم لو قدر على مبعضة وأمة لم تحل له الأمة كما رجحه الزركشي وغيره وكان شارحا أخذ منه بحثه أنه لو قدر على أمة لأصله وأمة لغيره تعينت الأولى لانعقاد أولادها أحرارا. وفيه نظر واضح لأن بقاء ملك أصله إلى علوقها غير متيقن ودلالة الاستصحاب هنا ضعيفة. "ولو نكح حر أمة بشرطه ثم أيسر أو نكح حرة لم تنفسخ الأمة" أي نكاحها لأنه يغتفر في الدوام لقوته بوقوع العقد صحيحا ما لا يغتفر في الابتداء ومن ثم لم يتأثر أيضا بطرو إحرام وعدة وردة نعم طرو رق على كتابية زوجة حر مسلم يقطع نكاحها لأن الرق أقوى تأثيرا من غيره. "ولو جمع من" أي حر "لا تحل له أمة" أمتين بطلتا قطعا أو "حرة وأمة بعقد" وقدم الحرة كزوجتك بنتي وأمتي بكذا

 

ج / 3 ص -241-        أو يكون وكيلا فيهما أو وليا في واحد ووكيلا في الآخر فقبلهما "بطلت الأمة" قطعا لأن شرط نكاحها فقد القدرة على الحرة "لا الحرة في الأظهر" تفريقا للصفقة وفارق نكاح الأختين بعدم المرجح فيه وهنا الحرة أقوى, أو جمعهما من تحل له كأن وجد حرة بمؤجل أو بلا مهر بطلت الأمة قطعا أيضا وفي الحرة طريقان والراجح عدم بطلانها فالتقييد بمن لا تحل له لأن الأظهر إنما يأتي فيه أما من فيه رق فيصح جمعهما إلا أن تكون الأمة كتابية وهو مسلم وأما بعقدين كزوجتك بنتي بألف وأمتي بمائة فقبل البنت ثم الأمة فإنه يصح في الحرة قطعا وفي هذه لو قدم الأمة إيجابا وقبولا وهي تحل له صح نكاحهما لأنه لم يقبل الحرة إلا بعد صحة نكاح الأمة ولو فصل في الإيجاب فجمع في القبول أو عكس فكذلك. "فرع": نكاح الأمة الفاسد كالصحيح في أن الولد رقيق ما لم يشرط في أحدهما عتقه بصيغة تعليق لا مطلقا كما بينته في شرح الإرشاد الكبير ومع هذا الشرط بصيغة التعليق لا تحل الأمة لأن بقاءها بملك الشارط المقتضي لحرية الولد غير متيقن فما أوهمه كلام بعضهم أن ذلك الشرط يفيد حل الأمة لانتفاء المحذور وهو رق الولد غلط صريح فتنبه له. فإن قلت: يمكن امتناع خروجها عن ملكه بأن يديرها ويحكم به حنفي فلا محذور حينئذ قلت: ممنوع بل يمكن مع ذلك البيع تبين فساد التدبير أو الحكم به فالخشية موجودة مطلقا.

فصل في حل نكاح الكافرة وتوابعه
"يحرم" على مسلم وكذا كتابي على الأوجه من وجهين في الكفاية ويؤيده بالأولى بحث السبكي أن مثله وثني ومجوسي ونحوهما بناء على أنهم مخاطبون بفروع الشريعة "نكاح من لا كتاب لها كوثنية" أي عابدة وثن أي صنم وقيل: الوثن غير المصور, والصنم المصور "ومجوسية" وعابدة نحو شمس وقمر وصورة, ووطؤها بملك اليمين لقوله تعالى {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221] خرجت الكتابية لما يأتي فيبقى من عداها على عمومه, وما اقتضاه ظاهر المتن من عطف مجوسية على وثنية لا على "من" من أن المجوسية لا كتاب لها محله بالنظر إلى الآن, وإلا فقد كان لهم كتاب منسوب إلى زرادشت فلما بدلوه رفع على الأصح وحرمت مع ذلك احتياطا ولعدم تيقن أصله. "وتحل كتابية" لمسلم وكتابي وكذا غيرهما على ما مر عن الروضة بما فيه في مبحث التحليل وذلك لقوله تعالى {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5] أي حل لكم نعم الأصح حرمتها عليه صلى الله عليه وسلم نكاحا لا تسريا وتمسكوا بأنه صلى الله عليه وسلم كان يطأ صفية وريحانة قبل إسلامهما قال الزركشي: وكلام أهل السير يخالف ذلك "لكن يكره" للمسلم حيث لم يخش العنت فيما يظهر كتابية "حربية" ولو تسريا لئلا يرق ولدها إذا سبيت حاملا فإنها لا تصدق أن حملها من مسلم ولأن في الإقامة بدار الحرب تكثير سوادهم ومن ثم كرهت مسلمة مقيمة ثم "وكذا ذمية على الصحيح" لئلا تفتنه - بفرط ميله إليها - أو ولده وإن كان الغالب ميل النساء إلى دين أزواجهن وإيثارهم على الآباء والأمهات نعم الكراهة فيها أخف منها في الحربية وبحث الزركشي ندب نكاحها إذا

 

ج / 3 ص -242-        رجي به إسلامها أي ولم يخش فتنة بها بوجه كما هو واضح. كما وقع لعثمان أنه نكح نصرانية كلبية فأسلمت وحسن إسلامها وهو وغيره أن محل الكراهة إن وجد مسلمة أي تصلي وإلا فهي أولى من مسلمة لا تصلي على ما مر أو النكاح "والكتابية يهودية أو نصرانية" لقوله تعالى {أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا} [الأنعام: 156] "لا متمسكة بالزبور وغيره" كصحف شيث وإدريس وإبراهيم صلى الله وسلم على نبينا وعليهم فلا تحل وإن أقروا بالجزية سواء أثبت تمسكها بذلك بقوله أم بالتواتر أم بشهادة عدلين أسلما على المعتمد لأنه أوحي إليهم معانيها لا ألفاظها أو لكونها حكما ومواعظ لا أحكاما وشرائع وفرق القفال بين الكتابية وغيرها بأن فيها نقص الكفر في الحال, وغيرها فيه مع ذلك نقص فساد الدين في الأصل "فإن لم تكن الكتابية" أي لم يتحقق كونها "إسرائيلية" أي من نسل إسرائيل وهو يعقوب صلى الله على نبينا وعليه وسلم, ومعنى "إسرا" عبد و "إيل" الله بأن عرف أنها غير إسرائيلية أو شك أهي إسرائيلية أو غيرها؟ "فالأظهر حلها" للمسلم والكتابي. "وإن علم" بالتواتر أو بشهادة عدلين أسلما لا بقول المتعاقدين على المعتمد وإنما قبل ذلك بالنسبة للجزية تغليبا لحقن الدماء وبما تقرر في العدلين يعلم أن المراد العلم أو الظن القوي إذ إخبارهما إنما يفيده لكنه ظن إقامة الشارع مقام اليقين ولم يكف واحد احتياطا للنكاح نعم قياس قولهم لو أخبر زوجة المفقود عدل بموته حل لها التزوج أي باطنا الحل باطنا هنا بإخبار العدل فهما شرطان بالنسبة للظاهر فقط وحينئذ لا بد من شهادتهما عند القاضي كما هو ظاهر وكأن من عبر مرة بشهادتهما ومرة بإخبارهما لحظ ذلك فالأول بالنسبة للظاهر والثاني بالنسبة للباطن "دخول قومها" أي أول آبائها "في ذلك الدين" أي دين موسى أو عيسى صلى الله على نبينا وعليهما وسلم "قبل نسخه وتحريفه" أو قبل نسخه أو بعد تحريفه واجتنبوا المحرف يقينا لتمسكهم به حين كان حقا فالحل لفضيلة الدين وحدها ومن ثم سمى صلى الله عليه وسلم هرقل وأصحابه أهل الكتاب في كتابه إليهم مع أنهم ليسوا إسرائيليين "وقيل يكفي" دخولهم بعد تحريفه وإن لم يجتنبوا المحرف إذا كان ذلك "قبل نسخه" لأن الصحابة رضي الله عنهم تزوجوا منهم ولم يبحثوا. والأصح المنع لبطلان فضيلة الدين بتحريفه وخرج بعلم ما لو شك هل دخلوا قبل التحريف أو بعده أو قبل النسخ أو بعده فلا تحل مناكحتهم ولا ذبائحهم أخذا بالأحوط وبقبل ذلك الذي ذكره وذكرناه ما لو دخلوا بعد التحريف ولم يجتنبوا ولو احتمالا أو بعد النسخ كمن تهود أو تنصر بعد بعثة نبينا صلى الله عليه وسلم أو تهود بعد بعثة عيسى بناء على الأصح أنها ناسخة لشريعة موسى صلى الله عليهما وسلم وقيل: إنها مخصصة لقوله تعالى {وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ} [آل عمران: 50] ولا دلالة فيه وإن انتصر له السبكي لاحتماله النسخ أيضا إذ لا يشترط في نسخ الشريعة لما قبلها رفعها لجميع أحكامها. وقول السبكي ينبغي الحل فيمن علم دخول أول أصولهم وشك هل هو قبل نسخ أو تحريف أو بعدهما قال وإلا فما من كتابي اليوم لا يعلم أنه إسرائيلي إلا ويحتمل فيه ذلك فيؤدي إلى أن لا تحل ذبائح أحد

 

ج / 3 ص -243-        منهم اليوم ولا مناكحتهم بل ولا في زمن الصحابة كبني قريظة والنضير وقينقاع وطلب مني بالشام منعهم من الذبائح فأبيت لأن يدهم على ذبيحتهم دليل شرعي, ومنعهم قبلي محتسب بفتوى بعضهم ولا بأس بالمنع وأما الفتوى به فجهل واشتباه على من أفتى به ا هـ ملخصا ضعيف على أن فيه مناقشات ليس هذا محل بسطها أما الإسرائيلية يقينا بالتواتر أو بقول عدلين لا المتعاقدين كما مر بما فيه فتحل مطلقا لشرف نسبها ما لم يتيقن دخول أول آبائها في ذلك الدين بعد بعثة تنسخه لسقوط فضيلته بنسخه وهي بعثة عيسى أو نبينا صلى الله عليهما وسلم لا بعثة من بين موسى وعيسى لأنهم كلهم أرسلوا بالتوراة, وزبور داود قد مر أنه حكم ومواعظ ولا يؤثر هنا تمسكهم بالمحرف قبل النسخ لما ذكر واقتضاء كلام الشيخين أن الإسرائيلية ولو يهودية لا تحرم إلا إن كان تهود أول أصولها بعد بعثة نبينا صلى الله عليه وسلم مبني على ما مر أن بعثة عيسى غير ناسخة وقد يجاب بمنع البناء ويوجه بأن شرفهم اقتضى أن لا يحرموا إلا بعد بعثة ناسخة قطعا لقوتها فلا شبهة بخلاف المحتملة وإن كان الأصح أنها ناسخة.
"تنبيه": يعلم مما يأتي من حرمة المتولدة بين من تحل ومن لا تحل أن المراد بقولهم هنا في الإسرائيلية وغيرها "أول آبائها" أول المنتقلين منهم وأنه يكفي في تحريمها دخول واحد من آبائها بعد النسخ أو التحريف على ما مر وإن لم ينتقل أحد منهم غيره لأنها حينئذ صارت متولدة بين من يحل ومن تحرم وظاهر أنه يكفي هنا بعض آبائها من جهة الأم نظير ما يأتي ثم.
"والكتابية المنكوحة" الإسرائيلية وغيرها "كمسلمة" منكوحة "في نفقة" وكسوة ومسكن "وقسم وطلاق" وغيرها ما عدا نحو التوارث والحد بقذفها لاشتراكهما في الزوجية المقتضية لذلك "وتجبر" كحليلة مسلمة أي له إجبارها "على غسل حيض ونفاس" عقب الانقطاع لتوقف حل الوطء عليه, وقضيته أن الحنفي لا يجبرها لكن الأوجه أن له ذلك لأن ذلك عنده احتياط فغايته أنه كالجنابة فإن أبت غسلها وتشترط نيتها - إذا اغتسلت اختيارا كمغسل المجنونة على المعتمد والممتنعة - استباحة التمتع وخالف في المجموع في موضع فجزم بعدم اشتراط نية الأولى للضرورة ولا اشتراط في مكرهة على غسلها للضرورة مع عدم مباشرته للفعل "وكذا جنابة" أي غسلها ولو فورا وإن كانت غير مكلفة "وترك أكل خنزير" وشرب ما يسكر - وإن اعتقدت حله -, ونحو بصل نيء, وإزالة وسخ وشعر ولو بنحو إبط وظفر ككل منفر عن كمال التمتع "في الأظهر" لما في مخالفة كل مما ذكر من الاستقذار وبحث استثناء ممسوح ورتقاء ومتحيرة ومن بعدة شبهة أو إحرام - فلا يجبرها على نحو الغسل إذ لا تمتع - فيه نظر, والوجه ما أطلقوه لأن دوام نحو الجنابة يورث قذرا في البدن فيشوش عليه التمتع ولو بالنظر "وتجبر هي ومسلمة على غسل ما تنجس من أعضائها" وشيء من بدنها ولو بمعفو عنه فيما يظهر لتوقف كمال التمتع على ذلك وغسل نجاسة ملبوس ظهر ريحها أو لونها وعلى عدم لبس نجس أو ذي ريح كريه وخروج ولو لمسجد أو كنيسة واستعمال دواء يمنع الحمل وإلقاء أو إفساد نطفة استقرت في الرحم

 

ج / 3 ص -244-        لحرمته ولو قبل تخلقها على الأوجه كما مر وعلى فعل ما اعتاده منها حال التمتع مما يدعو إليه ويرغب فيه أخذا من جعلهم إعراضها وعبوسها بعد لطفها وطلاقة وجهها أمارة نشوز وبه يعلم أن إطلاق بعضهم وجوب ذلك من غير نظر لاعتياد وعدمه غير صحيح, وظاهر أن الكلام في غير مكروه ككلام حال جماع فقد سئل الشافعي رضي الله عنه عن ذلك فقال لا خير فيه حينئذ ويؤيد ما ذكرته أولا نقل بعضهم عن الجمهور أن عليها رفع فخذيها والتحريك له واختار بعضهم وجوب رفع توقف عليه الوطء دون التحرك, وبعضهم وجوبه أيضا لكن إن طلبه, وبعضهم وجوبه لمريض وهرم فقط وهو أوجه ولو توقف على استعلائها عليه لنحو مرض اضطره للاستلقاء لم يبعد وجوبه أيضا. "وتحرم متولدة من وثني" أو مجوسي وإن علا "وكتابية" جزما لأن الانتساب إلى الأب وهو لا تحل مناكحته "وكذا عكسه" فتحرم متولدة من كتابي ونحو وثنية "في الأظهر" تغليبا للتحريم إلا إن بلغت واختارت دين الكتابي منهما كما حكياه عن النص وإقراره لاستقلالها حينئذ وهو المعتمد وإن جزم الرافعي في موضع آخر بتحريمها واعتمده الإسنوي ووجه تخصيص الخلاف بالثانية أن تبعية الأب أقوى فحرمت الأولى قطعا دون الثانية على قول ومر أول النجاسة ما يعلم منه حكم المتولدة بين آدمي وغيره. "وإن خالفت السامرة اليهود" وهم طائفة منهم, أصلهم السامري عابد العجل "والصابئون" من صبأ إذا رجع "النصارى" وهم طائفة منهم "في أصل دينهم" ولو احتمالا كأن نفوا الصانع أو عبدوا كوكبا قال الرافعي في الصابئة: أو عبدوا الكواكب السبعة وعليه فهو لا ينافي ما يأتي في الصابئة الأقدمين لاحتمال موافقة هؤلاء لأولئك "حرمن" كالمرتدين لخروجهم عن ملتهم إلى نحو رأي القدماء الآتي "وإلا" يخالفوهم في ذلك بأن وافقوهم فيه يقينا وإنما خالفوهم في الفروع "فلا" يحرمن إن وجدت فيهم الشروط السابقة ما لم تكفرهم اليهود والنصارى كمبتدعة ملتنا وقد تطلق الصابئة أيضا على قوم أقدم من النصارى كانوا في زمن إبراهيم صلى الله على نبينا وعليه وسلم منسوبين لصابئ عم نوح صلى الله عليه وسلم يعبدون الكواكب السبعة ويضيفون الآثار إليها ويزعمون أنه لفلك حي ناطق وليسوا مما نحن إذ لا تحل مناكحتهم ولا ذبائحهم مطلقا ولا يقرون بجزية ومن ثم أفتى الإصطخري والمحاملي القاهر بقتلهم لما استفتى الفقهاء فيهم فبذلوا له مالا كثيرا فتركهم. "ولو تهود نصراني أو عكسه" أي تنصر يهودي في دار الحرب أو دارنا كما يصرح به كلامهم ومصلحة قبول الجزية بعد الانتقال بدار الحرب الذي زعمه الزركشي لا نظر إليها وإلا لأقر إذا طلبها ولمن انتقل بدارنا "لم يقر في الأظهر" لأنه أقر ببطلان ما انتقل عنه وكان مقرا ببطلان ما انتقل إليه فلم يقر كمسلم ارتد وقضيته أن من انتقل عقب بلوغه إلى ما يقر عليه يقر وليس مرادا كما هو ظاهر لأنا لا نعتبر اعتقاده بل الواقع وهو الانتقال إلى الباطن والتعليل المذكور إنما هو للغالب فلا مفهوم له "فإن كانت" المنتقلة "امرأة لم تحل لمسلم" لأنها لا تقر كالمرتدة "وإن كانت" المنتقلة "منكوحته" أي المسلم ومثله كافر لا يرى حل المنتقلة "فكردة مسلمة" فتتنجز الفرقة قبل الوطء وكذا بعده إن لم تسلم قبل انقضاء العدة "ولا يقبل منه إلا الإسلام" إن

 

ج / 3 ص -245-        لم يكن له أمان; فنقتله إن ظفرنا به وإلا بلغ مأمنه وفاء بأمانه "وفي قول" لا يقبل منه إلا الإسلام "أو دينه الأول" لأنه كان مقرا عليه وليس المراد أنه يطلب منه أحدهما; إذ طلب الكفر كفر بل إنه يطالب بالإسلام عينا فإن أبى ورجع لدينه الأول لم نتعرض له وقيل المراد ذلك ولا طلب فيه للكفر لأنه إخبار عن الحكم الشرعي كما يطالب بالإسلام أو الجزية "ولو توثن" كتابي "لم يقر" لما مر "وفيما يقبل" منه "القولان" المذكوران أظهرهما تعين الإسلام فإن أبى فكما مر "ولو تهود وثني أو تنصر لم يقر" لذلك "ويتعين الإسلام كمسلم ارتد" ولم يجر هنا القولان لأن المنتقل عنه أدون فإن أبى فكما مر أيضا على الأوجه وإن اقتضى كلامهم قتله مطلقا تغليبا لحقن الدم ووفاء بالأمان إن كان له والفرق بينه وبين مسلم ارتد ظاهر, وزعم الزركشي كالأذرعي أنه يبقى على حكمه, وإن وقع منه ذلك بعيد من كلامهم والمعنى كما هو ظاهر. "ولا تحل مرتدة لأحد" مسلم لإهدارها وكافر لعلقة الإسلام ومرتد لإهداره أيضا. "ولو ارتد زوجان" معا "أو أحدهما قبل دخول" أي وطء أو وصول مني محترم لفرجها "تنجزت الفرقة" لأن النكاح لم يتأكد لفقد غايته "أو" ارتدا أو أحدهما "بعده وقعت" الفرقة كطلاق وظهار وإيلاء "فإن جمعهما الإسلام في العدة دام النكاح" بينهما لتأكده ونفذ ما ذكر "وإلا فالفرقة" بينهما حاصلة "من" حين "الردة" منهما أو من أحدهما ولا ينفذ ما ذكر "ويحرم الوطء في" مدة "التوقف" لتزلزل ملك النكاح بإشرافه على الزوال "ولا حد" فيه لشبهة بقاء النكاح ومن ثم وجبت له عدة نعم يعزر فليس له في زمن التوقف نكاح نحو أختها.
"تتمة" من قال لزوجته: يا كافرة مريدا حقيقة الكفر جرى فيها ما تقرر في الردة, أو الشتم فلا وكذا إن لم يرد شيئا لأصل بقاء العصمة وجريان ذلك للشتم كثيرا مرادا به كفر نعمة الزوج.
"باب نكاح المشرك"
هو هنا الكافر على أي ملة كان وقد يطلق على مقابل الكتابي كما في أول سورة
{لَمْ يَكُنِ} وقد يستعمل معه كالفقير مع المسكين.
لو "أسلم كتابي أو غيره" كمجوسي أو وثني "وتحته كتابية" حرة يحل له نكاحها ابتداء أو أمة وعتقت في العدة أو أسلمت فيها وهو ممن يحل له نكاح الأمة كما يعلم مما يأتي "دام نكاحه" إجماعا "أو" أسلم وتحته كتابية لا تحل أو "وثنية أو مجوسية" مثلا "فتخلفت" عنه بأن لم تسلم معه "قبل دخول" أو استدخال ماء محترم "تنجزت الفرقة" بينهما لما مر في الردة "أو" تخلفت "بعده" أي الدخول أو نحوه "وأسلمت في العدة دام نكاحه" إجماعا إلا ما شذ به النخعي "وإلا" تسلم فيها بل أصرت لانقضائها وإن قارنه إسلامها كما اقتضاه كلامهم تغليبا للمانع "فالفرقة" بينهما حاصلة "من" حين "إسلامه" إجماعا. ولو أسلمت "زوجة كافر وأصر" زوجها على كفره كتابيا كان أو غيره "فكعكسه" المذكور فإن كان قبل نحو وطء تنجزت الفرقة أو بعده وأسلم في العدة دام نكاحه وإلا فالفرقة من حين إسلامها فإن قلت:

 

ج / 3 ص -246-        علم مما تقرر أن هذا نظير لما قبله لا عكس له قلت ممنوع بإطلاقه بل هو عكس في التصوير لأن ذاك أسلم وتخلفت وهذه أسلمت وتخلف وفي الحكم من حيث إن الفرقة ثم نشأت عن تخلفها وهنا نشأت عن تخلفه وهي فيهما فرقة فسخ لا طلاق لأنها بغير اختيارهما. "ولو أسلما معا" قبل وطء أو بعده "دام النكاح" بينهما إجماعا على أي كفر كانا ولتساويهما في الإسلام. المناسب للتقرير: فارق هذا ما لو ارتدا معا "والمعية" في الإسلام إنما تعتبر "بآخر اللفظ" المحصل له لأن المدار في حصوله عليه دون أوله ووسطه, وظاهر أن هذا يجري في غير هذا المحل فلو شرع في كلمة الشهادة فمات مورثه بعد أولها وقبل آخرها لم يرثه وكان قياس ما مر في الصلاة من أنه يتبين بالراء دخوله فيها من حين النطق بالهمزة أن يقال بالتبين هنا إلا أن يفرق بأن التكبير ثم ركن وهو من الأجزاء فكان ذلك التبين ضروريا ثم وأما هنا فكلمة الشهادة خارجة عن ماهية الإسلام فلا حاجة للتبين فيها بل لا يصح لأن المحصل هو تمامها لا ما قبله من أجزائها والإسلام بالتبعية كهو استقلالا فيما ذكر نعم لو أسلمت بالغة عاقلة مع أبي الطفل أو المجنون قبل نحو الوطء دام النكاح كما اقتضاه كلامهما بناء على ما صححوه أن العلة الشرعية تقارن معلولها فترتب إسلامه على إسلام أبيه لا يقتضي تقدما وتأخرا بالزمان وقال جمع منهم البغوي: تتنجز الفرقة بناء على تقدمها واختاره السبكي ووجهه البلقيني ومن تبعه بعدم مقارنة إسلامه لإسلامها لأن إسلامه إنما يقع عقب إسلام أبيه فهو عقب إسلامها لأن الحكم للتابع متأخر عن الحكم للمتبوع فلا يحكم للولد بإسلام حتى يصير الأب مسلما, ولك رده بأنه إن كان بنى كلامه على ما بناه عليه البغوي وغيره من تقدم العلة بالزمان لم يحتج لهذا التوجيه وإن بناه على الأصح أن العلة تقارن معلولها لم يصح هذا التوجيه لأن الشارع نزل نطق المتبوع بالإسلام منزلة نطق التابع به فكأن نطقهما وقع في زمن واحد وحينئذ اندفع زعمه أن إسلامه لم يقارن إسلامها, وقوله لأن الحكم للتابع إلى آخره لا يفيد هنا لأن المدار فيه على التقدم والتأخر بالزمان لكونه محسوسا لا بالرتبة لأنه أمر عقلي لا يناسب هنا فتأمله قال البغوي ويبطل أيضا إن أسلمت عقب إسلام الأب لأن إسلامها قولي وإسلامه حكمي وهو أسرع فيكون إسلامه متقدما على إسلامها ويأتي ذلك في إسلام أبيها معه. "فائدة": ورد أنه صلى الله عليه وسلم زوج بنته زينب رضي الله عنها لأبي العاص بن الربيع رضي الله عنه قبل البعثة ولا إشكال فيه لأنه حينئذ لا يحكم عليه بإسلام ولا كفر, والعقد لا يوصف بحل ولا حرمة ثم بعد البعثة كان كافرا و لم تبن منه بانقضاء عدتها لأن تحريم نكاح الكافر للمسلمة إنما نزل بعد الهجرة بل استمرت معزولة عنه إلى الهجرة فهاجرت معه صلى الله عليه وسلم واستمرت كذلك حتى نزلت آية تحريم المسلمات على المشركين بعد صلح الحديبية سنة ست فحينئذ توقف انفساخ نكاحها على انقضاء عدتها فلم يلبث حتى جاء وأظهر إسلامه فردها صلى الله عليه وسلم له بنكاحها الأول لأنه ليس بين إسلامه وتوقف نكاحها على انقضاء العدة إلا اليسير وبما تقرر في هذه القضية يعلم أن جميع ما فيها موافق لمذهبنا لا يرد عليه منها شيء خلافا لمن زعم فيها أشياء لم تثبت ثم أوردها علينا.

 

ج / 3 ص -247-        "وحيث أدمنا النكاح لا تضر مقارنة العقد" أي عقد النكاح الواقع في الكفر "لمفسد" من مفسدات النكاح "هو زائل عند الإسلام" لأن الشروط لما ألغي اعتبارها حال نكاح الكافر رخصة لكون جمع من الصحابة أسلموا وأقرهم النبي صلى الله عليه وسلم بل وأمر من أسلم على أختين أن يختار إحداهما وعلى عشر أن يختار أربعا وجب اعتبارها حال التزام أحكامنا بالإسلام لئلا يخلو العقد عن شرطه في الحالين معا نعم إن اعتقدوا إفساد المفسد الزائل فلا تقرير ويظهر فيما لو اختلف دين قوم الزوج والزوجة اعتبار الأول أخذا مما مر أول باب موانع النكاح "وكانت بحيث تحل له الآن" أي يحل له ابتداء نكاحها وقت الإسلام قيل لا حاجة لهذا لأنه احترز عن مسألة الحرة والأمة الآتية وهي معلومة مما قبله لأن المفسد فيها وهو عدم الحاجة لنكاح الأمة لم يزل عند الإسلام وأجيب بأنه ذكر تأكيدا وإيضاحا "وإن بقي المفسد" المقارن لعقد الكفر إلى وقت إسلام أحدهما بحيث كانت محرمة عليه وقته كنكاح محرم وملاعنة ومطلقة ثلاثا قبل تحليل. "فلا نكاح" بينهما لامتناع ابتدائه حينئذ إذا تقرر ذلك "فيقر على نكاح بلا ولي ولا شهود" أو مع إكراه أو نحوه لحل نكاحها الآن فالضابط أن تكون الآن بحيث يحل ابتداء نكاحها مع تقدم ما تسمى به زوجة عندهم "و" يقر على نكاح وقع "في عدة" للغير سواء عدة الشبهة وغيرها "هي منقضية عند الإسلام" بخلافها إذا بقيت لما تقرر "و" يقر على غصب حربي أو ذمي لحربية إن اعتقدوه نكاحا وعلى نكاح "مؤقت إن اعتقدوه مؤبدا" إلغاء لذكر الوقت بخلاف ما إذا اعتقدوه مؤقتا فإنهم لا يقرون عليه وإن أسلما قبل تمام المدة لأن بعدها لا نكاح في اعتقادهم وقبلها يعتقدونه مؤقتا ومثله لا يحل ابتداؤه وبهذا يفرق بين هذا والتفصيل في شرط الخيار وفي النكاح في العدة بين بقاء المدة والعدة فلا يقرون وانقضائهما فيقرون وحاصله أن بعدها هنا لا نكاح في اعتقادهم بخلافه في ذينك وقبلها الحكم واحد في الكل. "وكذا" يقر "ولو قارن الإسلام" من أحدهما أو منهما "عدة شبهة" كأن أسلم فوطئت بشبهة ثم أسلمت أو عكسه أو وطئت بشبهة ثم أسلما في عدتها "على المذهب" وإن امتنع ابتداء نكاح المعتدة لأن طرو عدة الشبهة لا يقطع نكاح المسلم فهذا أولى فمن ثم غلب عليه حكم الاستدامة هنا دون نظائره نعم إن حرمها وطء ذي الشبهة عليه لكونه أباه أو ابنه فلا تقرير كما مال إليه الأذرعي وله احتمال أنه يناط بمعتقدهم فإن لم يعتقدوا فيه شيئا فلا تقرير ويرده ما يأتي أن نكاح المحرم لا ينظر لاعتقادهم فيه وحيث لم يقترن بمفسد لا يؤثر اعتقادهم لفساده لأنه لا رخصة في رعاية اعتقادهم حينئذ "لا نكاح محرم" كبنته وزوجة أبيه فإنه لا يقر عليه إجماعا نعم لا نتعرض لهم فيه إلا بقيده الآتي ولا نكاح زوجة لآخر كذا أطلقوه ويظهر أن محله حيث لم يقصد الاستيلاء عليها وهي حربية وإلا ملكها وانفسخ نكاح الأول كما يعلم مما يأتي ولا نكاح بشرط الخيار ولو لأحدهما قبل انقضاء المدة إلا إن اعتقدوا إلغاء الشرط وأنه لا أثر له فيما يظهر أخذا مما مر في المؤقت فإن قلت: ما الفرق بين مؤقت اعتقدوا صحته مع التأقيت ونحو نكاح بلا ولي وشهود اعتقدوا صحته؟ قلت: لأن أثر التأقيت من زوال العصمة عند انتهاء الوقت باق فلم ينظر لاعتقادهم.

 

ج / 3 ص -248-        "ولو أسلم ثم أحرم" بنسك "ثم أسلمت" في العدة "وهو محرم" أو أسلمت ثم أحرمت ثم أسلم في العدة وهي محرمة "أقر" النكاح بينهما "على المذهب" لأن طرو الإحرام لا يؤثر في نكاح المسلم فهذا أولى نظير ما مر أما لو أسلما معا ثم أحرم أحدهما فيقر جزما. "ولو نكح حرة" صالحة للتمتع "وأمة" معا أو مرتبا "وأسلموا" أي الثلاثة معا ولو قبل وطء أو أسلمت الحرة قبله أو بعده في العدة كما يأتي في ضمن تقسيم منع وقوعه في التكرار "تعينت الحرة واندفعت الأمة على المذهب" لامتناع نكاحها مع وجود حرة صالحة تحته وإنما لم يفرقوا بين تقدم نكاحها وتأخره لما مر آنفا في الأختين وكذا تندفع الأمة بيسار أو إعفاف طارئ قارن إسلامهما معا وإن فقد ابتداء وإلا فلا وإن وجد ابتداء لأن وقت اجتماعهما فيه هو وقت جواز نكاح الأمة إذ لو سبق إسلامه حرمت عليه الأمة لكفرها أو إسلامها حرمت عليه لإسلامها وإنما غلبوا هنا شائبة الابتداء لأن المفسد خوف إرقاق الولد وهو دائم فأشبه المحرمية بخلاف العدة والإحرام لزوالهما عن قرب. "ونكاح الكفار" الأصليين الذي لم يستوف شروطنا لكن إن كان مما يقرون عليه لو أسلموا بناء على ما نقلاه عن الإمام من القطع بأن من نكح محرمه لا يترتب عليه ما يترتب على نكاح غيرها من نحو المسمى تارة ومهر المثل أخرى لأن النكاح لم ينعقد ورجحه الأذرعي وأيده بالنص وغيره ونقله عن جماعة لكنهما نقلا عن القفال أنها كغيرها وكلامهما يميل إليه فيحكم بصحة نكاحها واستثناؤها إنما هو مما يقرون عليه لا من الحكم بصحة أنكحتهم "صحيح" أي محكوم بصحته إذ الصحة تستدعي تحقق الشروط بخلاف الحكم بها رخصة وتخفيفا "على الصحيح" لما مر من التخيير بين إحدى الأختين والأمر بإمساك أربع من عشرة مع عدم البحث عن وجود شرائطه أو لا أما ما استوفى شروطنا فهو صحيح جزما "وقيل: فاسد" لعدم مراعاتهم للشروط وإقرارهم عليه رخصة للترغيب في الإسلام "وقيل" لا يحكم بصحته ولا بفساده بل يتوقف إلى الإسلام ثم "إن أسلم وقرر" عليه "تبينا صحته وإلا فلا" إذ لا يمكن إطلاق صحته مع اختلال شروطه, ولا فساده مع أنه يقر عليه "فعلى الصحيح" وهو الحكم بصحة أنكحتهم. "لو طلق" كتابية "ثلاثا" في الكفر ثم أسلم هو أو غيرها "ثم أسلما" ولم تتحلل في الكفر وما ذكرته في الصورة الأولى ظاهر وإن أوهم إطباقهم على التعبير هنا بثم أسلما خلافه لكن قولهم السابق وتحته كتابية حرة يحل له نكاحها ابتداء يفهم هذا "لم تحل" له "إلا بمحلل" بشروطه السابقة وإن لم يعتقدوا وقوع الطلاق إذ لا أثر لاعتقادهم مع الحكم بالصحة وعلى الأخيرين لا يقع على كلام في ثانيهما لابن الرفعة وفيهما للأذرعي فإنه قال الظاهر أنه يقع في كل عقد يقر عليه في الإسلام وذلك موجود في كلام الأصحاب ولو نكحها في الشرك من غير محلل ثم أسلما لم يقر. ولو طلق أختين أو حرة وأمة ثلاثا ثلاثا قبل إسلام الكل لم ينكح واحدة إلا بمحلل أو بعد إسلام لم ينكح مختارة الأختين أو الحرة إلا بمحلل "و" اعلم أنه كما ثبتت الصحة للنكاح ثبت المسمى على غير قول الفساد فحينئذ "من قررت فلها المسمى الصحيح" أما على قول الفساد فالأوجه أن لها مهر المثل "وأما" المسمى "الفاسد كخمر" معينة أو في

 

ج / 3 ص -249-        الذمة "فإن قبضته" أي الرشيدة أو قبضه ولي غيرها وإلا رجع لاعتقادهم على الأوجه "قبل الإسلام فلا شيء لها" لانفصال الأمر بينهما قبل أن يجري عليهم حكمنا نعم إن أصدقها حرا مسلما استرقوه فلها مهر المثل وإن قبضته قبل الإسلام لأنا لا نقرهم في كفرهم عليه بخلاف نحو الخمر ولأن الفساد في الخمر لحق الله تعالى وهنا لحق المسلم فلا يجوز العفو عنه وكالمسلم سائر ما يختص به كأم ولده نص عليه ويظهر أن الحر الذمي الذي بدارنا وما يختص به كذلك لأنه يلزمنا الدفع عنهم ثم رأيت بعضهم بحثه أيضا لكنه لم يقيده بما قيدت به ولا بد منه كما يعلم مما يأتي. "وإلا" تقبضه قبل الإسلام "فلها مهر مثل" لأنها لم ترض إلا بمهر ويتعذر الآن مطالبتها بالخمر فيتعين البدل الشرعي وهو مهر المثل "وإن قبضت بعضه" في الكفر "فلها قسط ما بقي من مهر مثل" لتعذر قبض البعض الآخر بالإسلام نعم لو كانت حربية ومنعها من ذلك أو المسمى الصحيح قاصدا تملكه سقط كما لو نكحوا تفويضا واعتقادهم أن لا مهر للمفوضة بحال ثم أسلموا بعد وطء أو قبله فلا مهر لأنه استحق وطئا بلا مهر كما قاله هنا وذكرا في الصداق خلافه لكنه في الذميين لالتزامهم أحكامنا فتعين أن ما هنا في حربيين والاعتبار في تقسيط ذلك في صورة مثلي كخمر تعددت ظروفها واختلف قدرها أم لا بالكيل وفي صورة متقوم كخمرين زادت إحداهما بوصف يقتضي زيادة قيمتها وكخنزيرين واجتماعهما كخمر وكلبين وثلاثة خنازير وقبضت أحد الأجناس أو بعضه بالقيمة عند من يراها.
"ومن اندفعت بإسلام" منها أو منه "بعد دخول" أو استدخال مني محترم بأن أسلم أحدهما ولم يسلم الآخر في العدة "فلها المسمى الصحيح إن صحح نكاحهم" لاستقراره بالدخول وأورد عليه أنه لو نكح أما وبنتها ودخل بالأم ثم أسلم وجب لها مهر المثل مع أنها إنما اندفعت بإسلام بعد دخول ويرد بمنع هذا الحصر وإنما الذي دفعها في الحقيقة صيرورتها محرما له بالعقد على بنتها على أنه يأتي قريبا أن محل وجوب مهر المثل إن فسد المسمى "وإلا" أو كان قد سمي فاسدا ولم تقبضه في الكفر "فمهر مثل" لها في مقابلة الوطء فإن قبضت بعضه في الكفر فكما مر آنفا "أو" اندفعت بإسلام "قبله" أي الدخول "وصح" النكاح لاستيفائه شرائطه أو على الأصح أنه محكوم بصحته "فإن كان الاندفاع بإسلامها فلا شيء لها" لأن الفرقة من جهتها وإذا لم يجب لها شيء مع صحته فأولى مع فساده إذ الفرض أن لا وطء فقوله "وصحح" غير قيد هنا بل فيما بعده كما يعلم مما يأتي وبهذا يندفع الاعتراض عليه "أو بإسلامه" وصحح النكاح "فنصف مسمى إن كان" المسمى "صحيحا وإلا" يصح كخمر "فنصف مهر مثل" ككل تسمية فاسدة فإن لم يسم شيء فمتعة أما إذا لم يصحح النكاح فلا شيء لها لأن الموجب في النكاح الفاسد إنما
هو الوطء أو نحوه ولم يوجد. "ولو ترافع إلينا" في نكاح أو غيره "ذمي" أو معاهد "ومسلم وجب" علينا "الحكم" بينهما جزما "أو ذميان" كيهوديين أو نصرانيين أو ذمي ومعاهد "وجب" الحكم بينهما "في الأظهر" قال تعالى
{وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49] وهي ناسخة كما صح عن ابن عباس رضي الله عنهما لقوله {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا

 

ج / 3 ص -250-        تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ}  [المائدة:49] أما بين يهودي ونصراني حمل التخيير فلا نسخ وهو أولى وحيث وجب الحكم بينهما لم يشترط رضا الخصمين بل فيجب جزما وقيل على الخلاف لا معاهدان لأنا لم نلتزم دفع بعضهم عن بعض وعليهما رضا أحدهما وحينئذ يجب الإعداء والحضور وطلبه رضا "ونقرهم" أي الكفار فيما ترافعوا فيه إلينا "على ما نقرهم" عليه "لو أسلموا ونبطل ما لا نقر" هم عليه لو أسلموا ختم بهذا مع تقدم كثير من صوره لأنه ضابط صحيح يجمعها وغيرها فنقرهم على نحو نكاح خلا عن ولي وشهود لا على نحو نكاح محرم بخلاف ما لو علمناه فيهم ولم يترافعوا إلينا فيه فلا نتعرض لهم. ولو جاءنا من تحته أختان لطلب فرض النفقة مثلا أعرضنا عنه إلا إن رضي بحكمنا فنأمره اختيار إحداهما ويجيبهم حاكمنا في تزويج كتابية لا ولي لها بشهود منا ومن ثبت عليه منهم زنا أو سرقة يحد - وإن لم يرض -, أو شرب خمر لم يحد وإن رضي لاعتقادهم حلها فإن قلت يشكل عليه حد الحنفي بشرب ما لا يسكر قلت: يفرق بأن من عقيدة الحنفي أن العبرة بمذهب الحاكم المترافع إليه مع التزامه لقواعد الأدلة الشاهدة بضعف رأيه فيه ولا كذلك هم فإن قلت لم فارقت الخمر نحو الزنا قلت لأنها أسهل لأنها أحلت وإن أسكرت في ابتداء ملتنا وتلك لم تحل في ملة قط فمن ثم استثنيت - أعني الخمر - من قولهم يلزمه الحكم بينهم بأحكام الإسلام لقوله تعالى {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49] وإحضار التوراة لرجم الزانيين إنما هو لتكذيب ابن صوريا اللعين في قوله: ليس فيها رجم لا لرعاية اعتقادهم ولو تحاكموا إلينا بعد القبض في بيع فاسد أو قبله وقد حكم حاكمهم بإمضائه لم نتعرض له وإلا نقضناه كذا أطلقوه وهو مشكل بما مر في نحو النكاح المؤقت أو بشرط نحو خيار من النظر لاعتقادهم وإن لم يحكم به حاكمهم فالوجه أن المراد بحكم حاكمهم هنا اعتقادهم أي فإن اعتقدوه صحيحا لم نتعرض له وإلا نقضناه وحينئذ فالحاصل كما يعلم من هذا مع ما مر في قولي فإن قلت ما الفرق إلى آخره أنهم متى نكحوا نكاحا أو عقدوا عقدا مختلا عندنا لم نتعرض لهم فيه ثم إن ترافعوا إلينا فيه أو في شيء من آثاره وعلمنا اشتماله على المفسد وليس لنا البحث عنه فيما يظهر لأن الأصل في أنكحتهم الصحة كأنكحتنا نظرنا فإن كان سبب الفساد منقضيا أثره عند الترافع كالخلو عن الولي والشهود وكمقارنته لعدة انقضت وغير ذلك من كل مفسد انقضى وكانت بحيث تحل له الآن أقررناهم وإن كانت بحيث لا تحل له عندنا فإن قوي المانع كنكاح أمة بلا شروطها ومطلقة ثلاثا قبل التحليل لم ننظر لاعتقادهم وفرقنا بينهم احتياطا لرق الولد وللبضع ومنه فيما يظهر عدم الكفاءة دفعا للعار وإن ضعف كمؤقت اعتقدوه مؤبدا ومشروط فيه نحو خيار ونكاح مغصوبة نظرنا لاعتقادهم فيه فإن قلت: هم مكلفون بالفروع فلم لم نؤاخذهم بها مطلقا قلت ذاك إنما هو بالنظر لعقابهم عليها في الآخرة وما نحن فيه إنما هو بالنسبة لأحكام الدنيا على أن التحقيق عندي أنهم ليسوا مكلفين إلا بالفروع المجمع عليها دون المختلف فيها إذ لا عقاب فيه إلا على معتقد

 

ج / 3 ص -251-        التحريم أو المقلد له ولا ينافي ما قررته حملي في شرح الإرشاد قول الماوردي العبرة في صيغ طلاقهم بما عندهم على أن محله ما إذا لم يترافعوا إلينا وإلا حكمنا باعتقادنا; لأن ذاك في آثار عقد لم نعلم اشتماله على مفسد وما هنا في آثار عقد علم اشتماله عليه وكان الفرق أنا قد نقرهم على عقود مختلة ترغيبا في الإسلام وما هنا محض أثر لا ترغيب فيه فحكمنا فيه باعتقادنا.

فصل في أحكام زوجات الكافر إذا أسلم وهن زائدات على العدد الشرعي
إذا "أسلم" كافر حر "وتحته أكثر من أربع" من الزوجات الحرائر "وأسلمن معه" ولو قبل وطء "أو" أسلمن قبله ثم أسلم هو أو عكسه بعد نحو وطء وهن "في العدة أو كن كتابيات" يحل للمسلم نكاحهن وإن لم يسلمن "لزمه" لزوما حتما خلافا لمن زعم أن معنى لزمه أن له ذلك إن تأهل للاختيار لكونه مكلفا أو سكرانا مختارا غير مرتد ولو مع إحرام وعدة شبهة "اختيار أربع" - ولو ضمنا بأن يختار الفسخ فيما زاد عليهن كما يأتي لحرمة الزائد عليهن - لا إمساكهن فله بعد اختيارهن فراقهن "منهن" ولو ميتات فيرثهن تقدمن أو تأخرن استوفى نكاحهن الشروط أم لم يستوفها كأن عقد عليهن معا للخبر الصحيح السابق أنه صلى الله عليه وسلم أمر من أسلم وتحته عشر نسوة أن يختار أربعا ولم يفصل له فدل على العموم كما هو شأن الوقائع القولية. وحمله على الأوائل ترده رواية الشافعي والبيهقي فيمن تحته خمس اختار أولاهن للفراق وعلى تجديد العقد مخالف للظاهر من غير دليل, وإسلام من فيه رق على أكثر من ثنتين كإسلام الحر على أكثر من أربع هنا وفي جميع ما يأتي وقد يتصور اختياره لأربع بأن يعتق قبل إسلامه سواء قبل إسلامهن أو بعده أو معه أو بعد إسلامه وقبل إسلامهن لأن العبرة بوقت الاختيار وهو عنده حر ومن ثم امتنع عليه إمساك الأمة ولو أسلم معه أو في العدة ثنتان ثم عتق ثم أسلمت الباقيات فيها لم يختر الاثنتين ولو من المتأخرات لاستيفائه عدد العبيد قبل عتقه أما من لم يتأهل كغير مكلف أسلم تبعا فيوقف اختياره لكماله, ونفقتهن في ماله وإن كن ألفا لأنهن محبوسات لحقه "ويندفع" باختياره الأربع نكاح "من زاد" منهن على الأربع المختارة لكن من حين الإسلام إن أسلموا معا وإلا فمن إسلام السابق من الزوج والمندفعة فتحسب العدة من حينئذ لأنه السبب في الفرقة لا من حين الاختيار وفرقتهن فرقة فسخ لا فرقة طلاق ولو أسلمت على أكثر من زوج لم يكن لها اختيار على الأصح أسلموا معا أو مرتبا ثم إن ترتب النكاحان فهي للأول وكذا لو أسلما دونها أو الأول وحده وهي كتابية فإن مات ثم أسلمت مع الثاني أقرت معه إن اعتقدوا صحته وإن وقعا معا لم تقر مع واحد منهما مطلقا. "وإن أسلم" منهن "معه قبل دخول أو" أسلم منهن بعده أو قبله بعد الدخول "في العدة أربع فقط" بأن اجتمع إسلامه وإسلامهن قبل انقضائها وليس تحته كتابية "تعين" واندفع نكاح من بقي لتعذر إمساكهن بتخلفهن عنه في الأولى وعن العدة في الثانية وأفهم ما تقرر فيها أنه لو كان تحته ثمان مثلا فأسلم أربع لم يخترهن وأسلم الزائدات أو بعضهن في العدة أو كانت الزائدات كتابيات

 

ج / 3 ص -252-        لم يتعين الأولى وأنه لو أسلم أربع ثم انقضت عدتهن أو متن ثم أسلم ثم الباقيات في عدتهن تعينت الأخيرات لاجتماع إسلامهن قول المحشي: قوله: أو قبله إلخ الذي في الشرح قبل إسلامهن أو بعده أو معه ا هـ من هامش مع إسلامه قبل انقضاء عدتهن ولو أسلم أربع ثم هو قبل انقضاء عدتهن وتخلفت الباقيات حتى انقضت عدتهن من حين إسلامه أو متن مشركات تعينت الأوليات لما ذكر فإن لم يتخلفن بل أسلمن قبل انقضاء عدتهن من حين إسلامه اختار أربعا كيف شاء لاجتماع إسلامه وإسلام الكل قبل انقضاء عدتهن. "ولو أسلم وتحته أم وبنتها كتابيتان أو" غير كتابيتين ولكن "أسلمتا فإن دخل بهما" أو شك في عين المدخول بها "حرمتا أبدا" وإن قلنا بفساد أنكحتهم لأن وطء كل بشبهة يحرم الأخرى ولكل المسمى إن صح وإلا فمهر مثل "أو لا" دخل "بواحدة" منهما أو شك هل دخل بواحدة منهما أو لا "تعينت البنت" واندفعت الأم لحرمتها أبدا بالعقد على البنت بناء على صحة أنكحتهم "وفي قول يتخير" بناء على فسادها "أو" دخل "بالبنت" فقط "تعينت" البنت أيضا لحرمة الأم أبدا بالعقد على البنت أو بوطئها "أو" دخل "بالأم حرمتا أبدا" الأم بالعقد على البنت بناء على صحة أنكحتهم وهي بوطء الأم ولها مهر المثل بالوطء كذا قالاه واعترض بأن قياس صحة أنكحتهم وجوب المسمى وأجيب بحمله على ما إذا فسد المسمى "وفي قول: تبقى الأم" بناء على فساد أنكحتهم ومن اندفعت منهما بلا وطء لا مهر لها عند ابن الحداد ولها نصفه عند القفال إن صححنا أنكحتهم. "أو" أسلم حر "وتحته أمة" فقط "وأسلمت معه" قبل دخول أو بعده "أو" أسلمت بعده أو قبله "في العدة أقر" النكاح "إن حلت له الأمة" عند اجتماع إسلامه وإسلامها لإعساره مع خوفه العنت حينئذ لأنه يقر على ابتداء نكاحها حينئذ بخلاف ما إذا لم تحل له الآن ولو طلقها في الحالة الأولى ثم أيسر حلت له رجعتها لأن الرجعية زوجة "وإن تخلفت" عن إسلامه أو عكسه "قبل دخول تنجزت الفرقة" لما مر أول والكتابية هنا كغيرها لما مر من حرمة الأمة الكافرة على المسلم مطلقا. "أو" أسلم وتحته "إماء وأسلمن معه" ولو قبل وطء "أو" أسلمن قبله أو بعده "في العدة اختار أمة" واحدة منهن "إن حلت له" لوجود شروط نكاحها فيه "عند" اجتماع "إسلامه وإسلامهن" قيد في اختيار أمة من الكل فلا ينافي قول غيره عند اجتماع إسلامه وإسلامها لأنه في أمة معينة منهن كما يأتي وذلك لحل ابتداء نكاحها حينئذ وينفسخ نكاح البواقي هذا إن كان حرا كله وإلا اختار ثنتين "وإلا" بأن لم تحل له الأمة عند اجتماع إسلامه وإسلامهن "اندفعن" كلهن من حين الإسلام لحرمة ابتداء نكاح واحدة منهن حينئذ ولو اختص الحل بوجوده في بعضهن تعين فلو أسلم ذو ثلاث إماء فأسلمت واحدة وهي تحل له ثم الأخريان وهما لا يحلان تعينت الأولى أو الأولى والثالثة وهما يحلان دون الثانية اختار واحدة منهما ولو أسلم على أربع إماء فأسلم معه ثنتان وتخلف ثنتان فعتقت واحدة من المتقدمتين ثم أسلمت المتخلفتان على الرق اندفع نكاحهما لأن تحت زوجهما حرة عند إسلامه وإسلامهما لا نكاح القنة المتقدمة لأن عتق صاحبتها كان بعد اجتماع إسلامها وإسلام الزوج فلم يؤثر في حقها واختار واحدة منهما هذا ما ذكراه واعترض بأن الأصح ما ذكره آخرون حتى المصنف في تنقيحه أنه يتخير بين الجميع لأن

 

ج / 3 ص -253-        العتيقة في حالة الاجتماع في الإسلام كانت أمة لكن أطال السبكي في رده والانتصار للأول وفيه بسط مهم في شرح الإرشاد الكبير فراجعه. "أو" أسلم حر وتحته "حرة" تصلح للتمتع "وإماء وأسلمن" أي الحرة والإماء "معه" ولو قبل وطء "أو" أسلمن قبله أو بعده "في العدة تعينت" الحرة وإن ماتت أو ارتدت سواء أسلم الإماء قبلها أم بعدها أم بين إسلام الزوج وإسلامها "واندفعن" أي الإماء لأنها تمنعهن ابتداء فكذا دواما ومن ثم لو لم تصلح اختار واحدة منهن كما بحثه الأذرعي وهو ظاهر "وإن أصرت" الحرة على الكفر وهي غير كتابية "فانقضت عدتها" وهي مصرة "اختار أمة" إن حلت له حينئذ لتبين اندفاع الحرة من حين إسلامه فهو كما لو تمحضت الإماء أما لو اختار أمة قبل انقضاء عدة الحرة فهو باطل وإن بان اندفاع الحرة لوقوعه في غير وقته فيجدده بعد انقضاء عدتها "ولو أسلمت" الحرة "وعتقن" أي الإماء "ثم أسلمن في العدة فكحرائر" أصليات لكمالهن قبل انقضاء عدتهن "فيختار" الحر منهن "أربعا" وكذا لو أسلمن ثم عتقن ثم أسلم أو عتقن ثم أسلمن ثم أسلم وضابطه أن يعتقن قبل اجتماع إسلامه وإسلامهن فإن تأخر عتقهن عن الإسلامين تعينت الحرة إن كانت وصلحت وإلا اختار أمة تحل وألحق مقارنة العتق لإسلامهن بتقدمه عليه. "والاختيار" أي ألفاظه الدالة عليه "اخترتك" أو اخترت نكاحك أو تقريره أو حبسك أو عقدك أو قررتك "أو قررت نكاحك أو أمسكتك" أو أمسكت نكاحك "أو ثبتك" أو ثبت نكاحك أو حبستك على النكاح وكلها صرائح إلا ما حذف منه لفظ النكاح ومثله مرادفه كالزواج فكناية بناء على جواز الاختيار بها نظرا إلى أنه إدامة ومجرد اختيار الفسخ للزائدات على الأربع يعين الأربع للنكاح كما لو قال لهن: أريدكن وإن لم يقل للزائدات لا أريدكن لكن يظهر أخذا مما تقرر أن أريدكن للنكاح صريح ومع حذفه كناية ونحو فسخت أو أزلت أو رفعت أو صرفت نكاحك صريح فسخ ونحو فسختك أو صرفتك كناية "والطلاق" بصريح أو كناية ولو معلقا كأن نوى بالفسخ طلاقا "اختيار" للمطلقة إذ لا يخاطب به إلا الزوجة فإن طلق أربعا تعين للنكاح واندفع الباقي شرعا ولا ينافي ما تقرر في الفسخ قاعدة أن ما كان صريحا في بابه لأنها أغلبية وسر استثناء هذا منها التوسعة على من رغب في الإسلام ويوجه بأن قضية القاعدة أن نية الطلاق بالفسخ كهو فلا يجوز تعليقه مع أنه قد يكون له فيه رغبة دون التخيير فاقتضت مسامحته بأمور أخرى مسامحته بالاعتداد بنيته حتى يجوز له التعليق فلا نظر إلى كون الطلاق أضر من الفسخ لنقصه العدد دونه فلا مسامحة لأن المسامحة من جهة لا تقتضيها من كل جهة. قيل: إن أراد لفظ الطلاق اقتضى أن لا يصح بمعناه وليس كذلك إذ "فسخت نكاحك" بنية الطلاق اختيار للنكاح وإن أراد الأعم ورد عليه أن الفراق من صرائح الطلاق وهو هنا فسخ ا هـ ويجاب باختيار الثاني ولا يرد الفراق لأنه لفظ مشترك وهو هنا بالفسخ أولى منه بالطلاق لأنه المتبادر منه فمن ثم قالوا: إنه صريح فيه كناية في الطلاق "لا الظهار والإيلاء" فليس أحدهما اختيارا "في الأصح" لأن كلا من الظهار لتحريمه والإيلاء لتحريمه أيضا لكونه حلفا على الامتناع من الوطء بالأجنبية أليق منه بالمنكوحة فإن اختار المولى أو المظاهر منها

 

ج / 3 ص -254-        العتيقة في حالة الاجتماع في الإسلام كانت أمة لكن أطال السبكي في رده والانتصار للأول وفيه بسط مهم في شرح الإرشاد الكبير فراجعه. "أو" أسلم حر وتحته "حرة" تصلح للتمتع "وإماء وأسلمن" أي الحرة والإماء "معه" ولو قبل وطء "أو" أسلمن قبله أو بعده "في العدة تعينت" الحرة وإن ماتت أو ارتدت سواء أسلم الإماء قبلها أم بعدها أم بين إسلام الزوج وإسلامها "واندفعن" أي الإماء لأنها تمنعهن ابتداء فكذا دواما ومن ثم لو لم تصلح اختار واحدة منهن كما بحثه الأذرعي وهو ظاهر "وإن أصرت" الحرة على الكفر وهي غير كتابية "فانقضت عدتها" وهي مصرة "اختار أمة" إن حلت له حينئذ لتبين اندفاع الحرة من حين إسلامه فهو كما لو تمحضت الإماء أما لو اختار أمة قبل انقضاء عدة الحرة فهو باطل وإن بان اندفاع الحرة لوقوعه في غير وقته فيجدده بعد انقضاء عدتها "ولو أسلمت" الحرة "وعتقن" أي الإماء "ثم أسلمن في العدة فكحرائر" أصليات لكمالهن قبل انقضاء عدتهن "فيختار" الحر منهن "أربعا" وكذا لو أسلمن ثم عتقن ثم أسلم أو عتقن ثم أسلمن ثم أسلم وضابطه أن يعتقن قبل اجتماع إسلامه وإسلامهن فإن تأخر عتقهن عن الإسلامين تعينت الحرة إن كانت وصلحت وإلا اختار أمة تحل وألحق مقارنة العتق لإسلامهن بتقدمه عليه. "والاختيار" أي ألفاظه الدالة عليه "اخترتك" أو اخترت نكاحك أو تقريره أو حبسك أو عقدك أو قررتك "أو قررت نكاحك أو أمسكتك" أو أمسكت نكاحك "أو ثبتك" أو ثبت نكاحك أو حبستك على النكاح وكلها صرائح إلا ما حذف منه لفظ النكاح ومثله مرادفه كالزواج فكناية بناء على جواز الاختيار بها نظرا إلى أنه إدامة ومجرد اختيار الفسخ للزائدات على الأربع يعين الأربع للنكاح كما لو قال لهن: أريدكن وإن لم يقل للزائدات لا أريدكن لكن يظهر أخذا مما تقرر أن أريدكن للنكاح صريح ومع حذفه كناية ونحو فسخت أو أزلت أو رفعت أو صرفت نكاحك صريح فسخ ونحو فسختك أو صرفتك كناية "والطلاق" بصريح أو كناية ولو معلقا كأن نوى بالفسخ طلاقا "اختيار" للمطلقة إذ لا يخاطب به إلا الزوجة فإن طلق أربعا تعين للنكاح واندفع الباقي شرعا ولا ينافي ما تقرر في الفسخ قاعدة أن ما كان صريحا في بابه لأنها أغلبية وسر استثناء هذا منها التوسعة على من رغب في الإسلام ويوجه بأن قضية القاعدة أن نية الطلاق بالفسخ كهو فلا يجوز تعليقه مع أنه قد يكون له فيه رغبة دون التخيير فاقتضت مسامحته بأمور أخرى مسامحته بالاعتداد بنيته حتى يجوز له التعليق فلا نظر إلى كون الطلاق أضر من الفسخ لنقصه العدد دونه فلا مسامحة لأن المسامحة من جهة لا تقتضيها من كل جهة. قيل: إن أراد لفظ الطلاق اقتضى أن لا يصح بمعناه وليس كذلك إذ "فسخت نكاحك" بنية الطلاق اختيار للنكاح وإن أراد الأعم ورد عليه أن الفراق من صرائح الطلاق وهو هنا فسخ ا هـ ويجاب باختيار الثاني ولا يرد الفراق لأنه لفظ مشترك وهو هنا بالفسخ أولى منه بالطلاق لأنه المتبادر منه فمن ثم قالوا: إنه صريح فيه كناية في الطلاق "لا الظهار والإيلاء" فليس أحدهما اختيارا "في الأصح" لأن كلا من الظهار لتحريمه والإيلاء لتحريمه أيضا لكونه حلفا على الامتناع من الوطء بالأجنبية أليق منه بالمنكوحة فإن اختار المولى أو المظاهر منها

 

ج / 3 ص -255-        ثمن بعول أو دونه للعلم بأن فيهن أربع زوجات لكن جهلنا أعيانهن "حتى" تقر كل منهن لصاحبتها أنها هي الزوجة ثم تسألها ترك شيء من حقها فتسمح و "يصطلحن" على ذلك بتساو أو تفاضل لا من غير التركة نعم إن كان فيهن محجور عليها لم يجز لوليها أن يصالح على أقل من حصتها من عددهن كالثمن إذا كن ثمانية لأنا وإن لم نتيقن أنه حقها لكنها صاحبة يد على ثمن الموقوف ولو طلب بعضهن شيئا قبل الصلح أعطي اليقين وإن لم يبرأ من الباقي فلو كن ثمانيا فطلب أربع لم يعطين شيئا, أو خمس أعطين ربع الموقوف لتيقن أن فيهن زوجة, أو ست فالنصف وهكذا ولهن قسمة ما أخذنه والتصرف فيه ولا ينقطع به تمام حقهن أما إذا أسلم بعض والباقيات يصلحن للنكاح كثمان كتابيات أسلم منهن أربع, أو أربع كتابيات وأربع وثنيات وأسلم الوثنيات فلا شيء للمسلمات لاحتمال أن الكتابيات هن الزوجات.
"تنبيه" ظاهر كلام الصيمري توقف صحة هذا الصلح على الإقرار فإنه لو قال وطريق الصلح ليقع على الإقرار أن تقول كل منهن لصاحبتها إنها هي الزوجة ثم تسألها ترك شيء من حقها ومقتضى كلام شيخنا وغيره هنا اعتماده وليس كذلك أما أولا فهو مشكل لأن فيه إلحاق ضرر عظيم بالمقرة لأنها قد تتورط بصدور الإقرار ثم تأبى المقرة لها أن تترك لها شيئا فيلزم ضياعها, وأما ثانيا فقد ذكروا هنا صحة صلح الولي أنه يتعذر إقراره على موليه هذا صريح في أن هذا الصلح لا يتوقف على الإقرار فالوجه أن كلام الصيمري مقالة ضعيفة على أنه يمكن تأويله بأن مراده بقوله وطريق الصلح إلى آخره تصوير وقوع الصلح هنا على الإقرار لا أن الإقرار شرط لصحة هذا الصلح. وأما ثالثا فالأمر هنا منبهم انبهاما لا يرجى انكشافه بوجه فكيف نحمل كلا منهن على الإقرار بما يعلم كل أحد بطلانه فاتضح أن الوجه أنه لا يشترط هنا إقرار وأنه يصح الصلح بدونه لتعذره كما علمت. ثم رأيت الشيخين صرحا بما ذكرته في نظير مسألتنا وهو ما لو طلق إحدى امرأتيه ومات قبل البيان ووقف لهما نصيب زوجة فاصطلحتا وكذا لو ادعيا وديعة في يد رجل فقال: لا أعلم لأيكما هي ثم اصطلحا فيها على شيء وكذا لو تداعيا دارا في يدهما وأقام كل بينة ثم اصطلحا ا هـ ولم يصرحا باستثناء هذه الثلاث من اشتراط الإقرار لكن كلامهما كالصريح في الاستثناء وبه صرح غيرهما, ونقل الرافعي في الأولى عن الأصحاب أن ما فيها ليس صلحا على إنكار اعترضه الزركشي بتصريح القفال فيها بجواز الصلح وبكونه على إنكار لأن كل واحدة تقول: الموقوف لي وحدي قال وكذا في المسألتين الأخيرتين وفي مسألة ما لو أسلم على ثمان ا هـ ولك أن تقول: الإنكار هنا ضمني لكن عارضه ما هو أقوى منه وهو كون الموقوف تحت يد كلهن بالسوية من غير مرجح لإحداهن فساغ لهن الصلح وإن لم يوجد صريح الإقرار لتعذره كما مر ثم رأيتهم وجهوا الصلح في هذه المسائل بما يقرب مما وجهته به وهو أن من قبض شيئا يقول هو: ملكي ومقبضه يقول: هو هبة مني إليك وهذا في الحقيقة اختلاف في سبب الملك لا في أصله وهو لا يؤثر كما في لي عليك ألف ثمنا فقال بل قرضا ورأيت القاضي وجهه بعين ما ذكرته حيث قال: قال

 

ج / 3 ص -256-        الخصوم: صاحبكم - أي الشافعي رضي الله عنه - جوز الصلح على الإنكار في مسائل وعددوا ما سبق قلنا ليس ما في هذه المسائل صلحا على إنكار لأن كل واحد يدعي جميع الحق لنفسه وينكر صاحبه واليد لهما ثابتة فإذا صالح ففي زعم كل واحد أنه ترك بعض الحق لصاحبه وتبرع به عليه.

فصل في مؤنة المسلمة أو المرتدة
لو "أسلما معا" قبل دخول أو بعده "استمرت النفقة" لبقاء النكاح "ولو أسلم وأصرت حتى انقضت العدة" وليست كتابية كما في أصله وحذفه للعلم به من كلامه قبل "فلا" نفقة لها لإساءتها بتخلفها عن الإسلام الواجب فورا من غير رخصة فلم يكن من جهته منع بوجه "وإن أسلمت فيها لم تستحق" نفقة "لمدة التخلف في الجديد" لإساءتها بالتخلف أيضا وإن بان بإسلامها أنها زوجة وبحث الزركشي وغيره أن تخلفها لو كان لصغر أو جنون أو إغماء ثم أسلمت عقب زوال المانع استحقت كما أرشد إليه تعليلهم, وفيه نظر لأن التخلف منزل منزلة النشوز كما صرحوا به والنشوز مسقط للنفقة ولو من نحو صغيرة ولو اختلفا فيمن سبق إسلامه منهما صدقت لأنه يدعي مسقطا للنفقة التي كانت واجبة والأصل عدمه. "ولو أسلمت أولا فأسلم في العدة أو أصر" إلى انقضائها "فلها نفقة العدة على الصحيح" لإحسانها وإساءته بالتخلف وفارق حجها بأن الإسلام واجب فوري أصالة فهو كصوم رمضان وإنما سقط المهر إذا سبق إسلامها قبل الوطء لأنه عوض البضع فسقط بتفويت معوضه ولو بعذر كأكل البائع المبيع مضطرا قبل القبض والنفقة للتمكين وهو المفوت له, وبحث الزركشي أنه لو تخلف لنحو جنون يأتي فيه نظير ما مر وفيه نظر أيضا لأن عذر الزوج لا يسقط النفقة كما يعلم مما يأتي في بابها. – "وإن ارتدت" أو ارتدا معا "فلا نفقة" لها في مدة الردة "وإن أسلمت في العدة" كالناشز بل أولى ومن إسلامها ولو في غيبته تستحق النفقة بخلاف ما لو رجعت عن النشوز في غيبته لزوال موجب السقوط بالإسلام هنا وثم لا يزول النشوز إلا بالتمكين ولا يحصل إلا بما يأتي في النفقات "ولو ارتد فلها نفقة العدة" لأن المانع من جهته.

باب الخيار في النكاح والإعفاف ونكاح العبد وغير ذلك مما ذكر تبعا
إذا "وجد أحد الزوجين بالآخر جنونا" ولو متقطعا وإن قل على الأوجه وإن لم يستحكم لأنه يفضي للجناية وهو مرض يزيل الشعور من القلب مع بقاء قوة الأعضاء وحركتها ومثله الخبل بالتحريك كذا قيل والذي في القاموس أنه الجنون ولعل الأول لمح أن الجنون فيه كمال الاستغراق بخلاف الخبل قال المتولي: والإغماء المأيوس من زواله "أو جذاما أو برصا" وإن قل إن استحكم بقول خبيرين, وعلامة الأول اسوداد العضو والثاني عدم احمراره وإن بولغ في قبضه "أو وجدها رتقاء" أي منسدا محل جماعها

 

ج / 3 ص -257-        بلحم ومثله ضيق المنفذ بحيث يفضيها كل واطئ كذا أطلقوه ولعل المراد بحيث يتعذر دخول ذكر من بدنه كبدنها نحافة وضدها فرجها سواء أدى لإفضائها أم لا ثم رأيت البلقيني أشار لذلك بقوله في تدريبه: وضيق المنفذ لنحافتها بحيث لا يسع آلة نحيف مثلها ويفضيها أي شخص فرض ا هـ فقوله بحيث صريح فيما ذكرته. وما ذكره بعده الواقع في كلامهم مجرد تصوير قال الإسنوي وكما يخير بذلك فكذلك تتخير هي بكبر آلته بحيث يفضي كل موطوءة "أو قرناء" أي منسدا ذلك منها بعظم "أو وجدته" وهو بالغ عاقل "عنينا" أي به داء يمنع انتشار ذكره عن قبلها وإن قدر على غيرها أو علمته قبل النكاح من عن أعرض أو شبه بعنان الدابة للينه "أو مجبوبا" أي مقطوعا ذكره أو إلا دون قدر الحشفة أي حشفة ذكره أخذا مما مر في التحليل وغيره فإن بقي قدرها وعجز عن الوطء به ضربت له المدة الآتية كالعنين "ثبت" للكاره منهما الجاهل بالعيب أو العالم به إذا انتقل لأفحش منه منظرا كأن كان باليد فانتقل للوجه لا لليد الأخرى وإنما نزع الرهن بزيادة فسق الموضوع تحت يده وإن كانت من جنس الأول كأن كان يزني في الشهر مرة فصار يزني فيه مرتين كما اقتضاه إطلاقهم خلافا لمن زعم أنه لا بد أن يزيد من جنس آخر وذلك لأن الزيادة. ثم قد تؤدي إلى ذهاب عين الرهن بالكلية فاحتيط له بنزعه منه عندها ولا كذلك هنا وقضية قولهم للكاره لولا وصفه بما يعين أن المراد به السليم: أن ذا العيب لو أراد أن يتخير في الفسخ كراهة لإساءته الآخر بتحمله ضرر معاشرته وإن رضي أجيب وهو بعيد والذي دل عليه كلامهم أنه لا يتخير إلا السليم ووجهه ظاهر ولا نظر بعد رضا السليم بالمعيب إلى ما ذكر "الخيار في فسخ النكاح" إن بقي العيب إلى الفسخ ولم يمت الآخر كما ذهب إليه أكثر العلماء وصح عن عمر رضي الله عنه في الثلاثة الأول المشتركة بينهما والقرن ومثله لا يفعل إلا عن توقيف ولإجماع الصحابة رضي الله عنهم عليه في الخاصين به وقياسا أولويا في الكل على ثبوت خيار البيع بدون هذه إذ الفائت ثم مالية يسيرة وهنا المقصود الأعظم وهو الجماع أو التمتع لا سيما والجذام والبرص يعديان المعاشر والولد أو نسله كثيرا كما جزم به في الأم في موضع وحكاه عن الأطباء والمجربين في موضع آخر قال البيهقي وغيره ولا ينافيه خبر "لا عدوى" لأنه نفي لاعتقاد الجاهلية نسبة الفعل لغير الله تعالى فوقوعه بفعله تعالى. ومن ثم صح خبر "فر من المجذوم فرارك من الأسد" وأكل صلى الله عليه وسلم معه تارة وتارة لم يصافحه بيانا لسعة الأمر على الأمة من الفرار والتوكل وخرج بهذه الخمسة غيرها كالعذيوط بكسر أوله المهمل وسكون ثانيه المعجم وفتح التحتية وضمها ويقال عذوط كعتور, وهو فيهما من يحدث عند الجماع وفيه من ينزل قبل الإيلاج فلا خيار به مطلقا على المعتمد وسكوتهما في موضع على أن المرض المأيوس من زواله ولا يمكن معه الجماع في معنى العنة وإنما هو لكون ذلك من طرق العنة فليس قسما خارجا عنها ونقلهما عن الماوردي أن المستأجرة العين كذلك ضعيف لكن لا نفقة لها سيأتي الفسخ بالرق والإعسار ولا يشكل ثبوت الخيار بما ذكر مع ما مر أنه شرط للكفاءة وأن شرط الفسخ الجهل به لأن الفرض أنها أذنت في النكاح من معين أو

 

ج / 3 ص -258-        من غير كفؤ فزوجها الولي منه بناء على أنه سليم فإذا هو معيب فيصح النكاح وتتخير هي وكذا هو كما يأتي "وقيل إن وجد" أحدهما "به" أي الآخر "مثل عيبه" قدرا ومحلا وفحشا "فلا" خيار لتساويهما حينئذ والأصح أنه يتخير وإن كان ما به أفحش لأن الإنسان يعاف من غيره ما لا يعاف من نفسه والكلام في غير المجنونين المطبق جنونهما لتعذر الفسخ حينئذ ولو كان مجبوبا بالباء وهي رتقاء فطريقان لم يرجحا منهما شيئا والذي اعتمده الأذرعي والزركشي أنه لا خيار وهو أوجه من اعتماد غيرهما ثبوته. "ولو وجده" أي أحد الزوجين الآخر "خنثى واضحا" بعلامة ظنية كالميل أو قطعية كالولادة "فلا خيار" له "في الأظهر" لأنه لا يفوت مقصود النكاح أما المشكل فلا يصح نكاحه كما مر. "ولو حدث" بعد العقد "به" أي الزوج "عيب" مما مر قبل الدخول أو بعده ولو بفعلها كأن جبت ذكره "تخيرت" بين فسخ النكاح وإدامته لتضررها به كالمقارن وإنما لم يتخير المشتري بتعييبه المبيع لأنه به يصير قابضا لحقه ولا كذلك هي كمستأجر هدم الدار المؤجرة "إلا عنة" حدثت به "بعد دخول" أي وطء بالمعنى السابق في التحليل فإنها لا تتخير لأنها عرفت قدرته على الوطء ووصلت لحقها منه كتقرير المهر ووجود الإحصان مع رجاء زوالها وبه فارقت الجب لا يقال الوطء لا يجب على الزوج فكيف فسخت بتعذره لأنا نقول إنما لم يجب اكتفاء بداعية الطبع الملجئ إليه فتترجاه حينئذ ولا يعظم ضررها وهذا منتف عند تعذره بجب أو عنة ولما كان اليأس فيهما دائما دفع الشارع ذلك عنها بتمكينها من الفسخ بخلاف الإيلاء فإنه ليس فيه إلا إياس مدة لا تصبر عنها غالبا فأثر ذلك الحرمة فقط ثم التطليق عليه بشرطه ومن ثم حرم عليه سفر النقلة وترك زوجته في عصمته لأن فيه إياسا لها منه "أو" حدث "بها" عيب مما مر قبل دخول أو بعده "تخير في الجديد" كما لو حدث فيه ولا نظر إلى أنه يمكنه الطلاق لأن الفسخ يدفع عنه التشطير قبل الوطء ونقص العدد مطلقا. "ولا خيار لولي بحادث" بالزوج بعد عقد النكاح لأن حقه في الكفاءة في الابتداء دون الدوام لانتفاء العار فيه ولهذا لو عتقت تحت قن ورضيت به لم يتخير "وكذا" لا خيار له "بمقارن جب وعنة" للنكاح إذ لا عار والضرر عليها فقط فيلزمه إجابتها إلى ذيهما وإلا كان عاضلا وتتصور معرفة العنة المقارنة مع كونها لا تثبت إلا بعد العقد بأن يخبر بها معصوم مطلقا أو عن هذه بخصوصها وأما تصويره بما إذا تزوجها ثم عرف الولي عنته ثم طلقها وأراد تجديد نكاحها فمعترض بقولهم يجوز أن يعن في نكاح دون آخر وإن اتحدت المرأة "ويتخير" الولي لا السيد كما في البسيط لكن نازع فيه الزركشي "بمقارن جنون" وإن رضيت لأنه يعير به "وكذا جذام وبرص" فيتخير بأحدهما إذا قارن "في الأصح" لذلك وإن كانت مثل الزوج في العيب أو أزيد كما علم مما مر "والخيار" المقتضي للفسخ بعيب مما مر بعد تحققه وهو في العنة بمضي السنة الآتية وفي غيرها بثبوته عند الحاكم "على الفور" كما في البيع بجامع أنه خيار عيب فيبادر بالرفع للحاكم على الوجه السابق ثم وفي الشفعة ثم بالفسخ بعد ثبوت سببه عنده وإلا سقط خياره وتقبل دعواه الجهل بأصل ثبوت الخيار أو بفوريته إن أمكن بأن لا يكون مخالطا للعلماء

 

ج / 3 ص -259-        أي مخالطة تستدعي عرفا معرفة ذلك فيما يظهر ويظهر أيضا أن المراد بالعلماء عارف بهذه المسألة وكذا يقال في نظائر ذلك. "والفسخ" بعيبه أو عيبها المقارن أو الحادث "قبل دخول يسقط المهر" والمتعة لأنها إن كانت هي الفاسخة فواضح وإلا فهو بسببها فكأنها الفاسخة ولأنه بدل العوض السليم في مقابلة منافعها وقد تعذرت بالعيب وبه فارق عدم جعل العيب فيه بمنزلة فسخه بغير عيبها ولأن قضية الفسخ تراد العوضين فكما رد بضعها كاملا ترد مهره كذلك. "و" الفسخ "بعده" أي الدخول أو معه "الأصح أنه يجب" به "مهر مثل إن فسخ" بالبناء للمفعول لا الفاعل لإيهامه "ب" عيب به أو بها "مقارن" للعقد لأنه إنما بذل المسمى ليستمتع بسليمة ولم توجد فكأن لا تسمية وقيل إن فسخت بعيبه وجب المسمى قيل وهو الذي لا يتجه غيره لأنه بذل المسمى في التمتع بسليمة وقد استوفاه فلم يعدل عنه لمهر المثل ا هـ وقد يجاب بأن العقد كما اقتضى تمتعه بسليمة اقتضى العكس أيضا فإذا أوجد عيبه كان على خلاف قضية العقد فوجب مهر المثل ثم رأيت ما يوافق ويرد غيره وهو وأيضا فقضية الفسخ إلى آخره الآتي "أو" إن فسخ معه أو بعده "بحادث بين العقد والوطء" أو فسخ معه أو بعده بحادث معه "جهله الواطئ" لما ذكر أما إذا علمه ثم وطئ فلا خيار لرضاه به وهذا أولى من التعليل بزوال لاقتضائه أنه لو عذر بالتأخير لا يبطل خياره بوطئه والظاهر خلافه ثم رأيت ما قدمته في مشتر علم العيب وجهل أن له الرد فاستعمله هل يسقط رده لأن استعماله رضا منه به أو لا لأنه إنما استعمله لظنه يأسه من الرد فيأتي نظير ذلك هنا. "و" الأصح أنه يجب "المسمى إن" فسخ بعد وطء وقد "حدث" العيب "بعد وطء" لأنه لما استمتع بسليمة استقر ولم يعير وإنما ضمن الوطء هنا بالمسمى أو مهر المثل بخلافه في أمة اشتراها ثم وطئها ثم علم عيبها لأنه هنا مقابل بالمهر وثم غير مقابل بالثمن لأنه في مقابل الرقبة لا غير واستشكل هذا التفصيل بأن الفسخ إن رفع العقد من أصله فليجب مهر المثل مطلقا أو من حينه فالمسمى مطلقا وأجاب عنه السبكي بأنه هنا وفي الإجارة إنما يرفعه من حين وجود سبب الفسخ لا من أصل العقد ولا من حين الفسخ لأن المعقود عليه فيهما المنافع وهي لا تقبض إلا بالاستيفاء وحينئذ تعين ذلك التفصيل بخلافه في الفسخ بنحو ردة أو رضاع أو إعسار فإنه من حين الفسخ قطعا ا هـ وهو مشكل في الإعسار فإنه ليس فاسخا بذاته بخلاف اللذين قبله فكان القياس إلحاقه بالعيب لا بهما وقال غيره: لا يتأتى هذا التردد هنا لأن سبب وجوب مهر المثل أنه لما تمتع بمعيبة على خلاف ما ظنه من السلامة صار العقد كأنه جرى بلا تسمية وأيضا فقضية الفسخ رجوع كل إلى عين حقه إن وجد وإلا فبدله فتعين رجوعه لعين حقه وهو المسمى ورجوعها لبدل حقها وهو مهر المثل لفوات حقها بالدخول. "ولو انفسخ" النكاح "بردة بعد وطء" بأن لم يجمعهما الإسلام في العدة "فالمسمى" لأن الوطء قبلها قرره وهي لا تستند لسبب سابق أو قبله فإن كانت منها فلا شيء لها أو منه تشطر المسمى فإن وطئها جاهلة في ردتها أو ردته فلها مهر المثل مع شطر المسمى في الثانية.
"تنبيه": مر ما يعلم منه أن استدخال الماء المحترم ليس كالوطء هنا.

 

ج / 3 ص -260-        "ولا يرجع" الزوج بعد الفسخ "بالمهر" الذي غرمه سواء المسمى ومهر المثل "على من غره" من الولي أو الزوجة قال المتولي بأن سكت عن عيبها لإظهارها معرفة الخاطب به وقال الزاز: تعقد بنفسها ويحكم به حاكم يراه "في الجديد" لاستيفائه منفعة البضع وبه فارق الرجوع بقيمة الولد الآتي.
"ويشترط في" الفسخ لأجل "العنة رفع إلى الحاكم" جزما لتوقف ثبوتها على مزيد نظر واجتهاد ويغني عنه المحكم بشرطه ولو مع وجود القاضي كما شمله كلامهم "وكذا سائر العيوب" أي باقيها يشترط في الفسخ بكل منها ذلك "في الأصح" لأنه مجتهد فيه كالفسخ بالإعسار فلو تراضيا بالفسخ بواحد منها من غير حاكم لم ينفذ كما بأصله نعم يأتي في الفسخ بالإعسار أنها لو لم تجد حاكما ولا محكما نفذ فسخها للضرورة فقياسه هنا كذلك "وتثبت العنة" إن سمعت دعواها بها بأن يكون مكلفا وهي غير رتقاء ولا قرناء كما علم مما مر وغير أمة وإلا لزم بطلان نكاحها إن ادعت عنة مقارنة للعقد لأن شرطه خوف العنت وهو لا يتصور من عنين هذا ما أطلقه شارح وإنما يأتي على رأي مر في مبحث نكاحها "بإقراره" بها بين يدي الحاكم كسائر الحقوق "أو ببينة على إقراره" لا عليها لتعذر اطلاع الشهود عليها. ومن ثم لم تسمع دعوى امرأة غير مكلف عليه بها لعدم صحة إقراره بها "وكذا" تثبت "بيمينها بعد نكوله" عن اليمين المسبوق بإنكاره "في الأصح" لأنها تعرفها منه بقرائن حاله فلا نظر لاحتمال أنه يبغضها أو يستحيي منها قيل التعبير بالتعنين أولى لأن العنة لغة حظيرة معدة للماشية ا هـ ويرد بأنهما مترادفان اصطلاحا فلا أولوية على أن ابن مالك جعلها لغة مرادفة للتعنين فتكون مشتركة "وإذا ثبتت" العنة بوجه مما مر "ضرب القاضي له" ولو قنا كافرا إذ ما يتعلق بالطبع لا يفترق فيه القن وغيره "سنة" لقضاء عمر رضي الله عنه بها وحكي فيه الإجماع وحكمته مضي الفصول الأربعة فإن تعذر الجماع إن كان لعارض حرارة زال شتاء أو برودة زال صيفا أو يبوسة زال ربيعا أو رطوبة زال خريفا فإذا مضت السنة علم أن عجزه خلقي وإنما تضرب السنة "بطلبها" لأن الحق لها ويكفي قولها: أنا طالبة حقي بموجب الشرع وإن جهلت تفصيله لا بسكوتها فإن ظنه لنحو دهش أو جهل نبهها إن شاء "فإذا تمت السنة" ولم يطأها "رفعته إليه" لامتناع استقلالها بالفسخ ولا يلزمها هنا فور في الرفع على ما قاله الماوردي والروياني والظاهر أنه ضعيف وإن أقره غير واحد لما يأتي أنها إذا أجلته بعدها يسقط حقها لانتفاء الفورية ولما مر من وجوب الفورية في العنة بعد تحققها "فإن قال وطئت" فيها أو بعدها وهي ثيب أو بكر غوراء ولم تصدقه "حلف" إن طلبت يمينه أنه وطئها كما ادعى لتعذر إثبات الوطء مع أن الأصل السلامة أما بكر غير غوراء شهد أربع نسوة ببقاء بكارتها فتصدق هي لأن الظاهر معها وهل يجب تحليفها الأرجح في الشرح الصغير نعم وعليه الأوجه توقفه على طلبه وكيفية حلفها أنه لم يصبها وأن بكارتها أصلية ولو لم تزل البكارة في غير الغوراء لرقة الذكر فهو وطء كامل وهو صريح في إجزائه في التحليل ولو امتهل أمهل يوما فأقل.
"تنبيه": تصديقه في الوطء مستثنى من قاعدة أن القول قول نافي الوطء واستثني منها

 

ج / 3 ص -261-        أيضا تصديقه فيه في الإيلاء وفيما لو أعسر بالمهر حتى يمتنع فسخها به وتصديقها فيه فيما لو اختلفا أن الطلاق قبله أو بعده وأتت بولد يلحقه ولو قال لطاهر: أنت طالق للسنة فقال وطئت في هذا الطهر فلا طلاق حالا وقالت لم تطأ فوقع حالا صدق لأصل بقاء العصمة ولو شرطت بكارتها فوجدت ثيبا فقالت افتضني وأنكر صدقت لدفع الفسخ وهو لدفع كمال المهر, ونظيره إفتاء القاضي في إذا لم أنفق عليك اليوم فأنت طالق وادعى الإنفاق فيصدق لدفع الطلاق وهي لبقاء النفقة عليه عملا بأصل بقاء العصمة وبقاء النفقة وسيأتي أواخر الطلاق بما فيه ولو اختلفت هي والمحلل في الوطء صدقت حتى تحل للأول لعسر إقامة البينة عليه وهو حتى يتشطر المهر.
"فإن نكل" عن اليمين "حلفت" هي أنه لم يطأها إذ النكول كالإقرار "فإن حلفت" أنه لم يطأها "أو أقر" هو بذلك "استقلت" هي "بالفسخ". لكن بعد قول القاضي: ثبتت العنة أو حق الفسخ فاختاري, والظاهر كما قاله غير واحد أنه لا يشترط قوله فاختاري ومن ثم حذفه من الشرح الصغير, وبحث السبكي أنه لا بد من حكمت لأن الثبوت غير حكم مردود لأن المدار على تحقق السبب وقد وجد "وقيل يحتاج إلى إذن القاضي" لها في الفسخ "أو فسخه" بنفسه لأنه محل نظر واجتهاد ويرد بأن النظر والاجتهاد قد وقع بما سبق وإنما كان هذا هو الأصح في الفسخ بالإعسار لأن العنة هنا خصلة واحدة فإذا تحققت بضرب المدة وعدم الوطء لم يبق احتياج للاجتهاد بخلاف الإعسار فإنه بصدد الزوال كل وقت فيحتاج للنظر والاجتهاد فلم تمكن من الفسخ به وهذا أولى مما فرق به شارح فتأمله "ولو اعتزلته أو مرضت أو حبست في المدة" جميعها "لم تحسب" المدة إذ لا أثر لها حينئذ فتستأنف سنة أخرى بخلاف ما لو وقع ذلك له فإنها تحسب عليه واعتمد الأذرعي في مرضه وحبسه وسفره كرها عدم حسبانها لعدم تقصيره وخرج بجميعها بعضها كفصل منها فلا يجب الاستئناف بل ينتظر ذلك الفصل الذي وقع لها ذلك فيه فتكون معه فيه ولا يضر انعزالها عنه فيما عداه على الأوجه ولو كان الانعزال عنه يوما مثلا معينا من فصل فهل تقضي الفصل جميعه أو نظير ذلك اليوم أو يوما منه أي يوم؟ القياس الثاني "ولو رضيت بعدها" أي السنة "به بطل حقها" من الفسخ لرضاها بالعيب مع كونه خصلة واحدة والضرر لا يتجدد وبه فارق الإيلاء والإعسار وانهدام الدار في الإجارة وخرج ببعدها رضاها قبل مضيها لأنه إسقاط للحق قبل ثبوته "وكذا لو أجلته" زمنا آخر بعد المدة "على الصحيح" لأنه على الفور والتأجيل مفوت له وبه فارق إمهال الدائن بعد الحلول لأن حق طلب الدين على التراخي. "ولو نكح وشرط" في العقد "فيها إسلام" أو فيه إذا أراد تزوج كتابية "أو في أحدهما نسب أو حرية أو غيرهما" من الصفات الكاملة أو الناقصة أو التي لا ولا كبكارة أو ثيوبة أو كونه قنا أو كونها قنة أو كون أحدهما أبيض مثلا "فأخلف" المشروط وقد أذن السيد فيما إذا بان قنا والزوج ممن تحل له الأمة إذا بانت قنة والكافرة كتابية يحل نكاحها "فالأظهر صحة النكاح" لأن خلف الشرط إذا لم يفسد البيع المتأثر بالشروط الفاسدة فالنكاح أولى أما خلف العين كزوجني من زيد فزوجها من عمرو فيبطل جزما "ثم" إذا صح "إن

 

ج / 3 ص -262-        بان" الموصوف في غير العيب لما مر فيه مثل ما شرط أو "خيرا مما شرط" كإسلام وبكارة وحرية بدل أضدادها صح النكاح وحينئذ "فلا خيار" لأنه مساو أو أكمل وفارق مبيعة شرط كفرها فبانت مسلمة بأن الملحظ ثم القيمة وقد تزيد في الكافرة "وإن بان دونه" أي المشروط "فلها الخيار" للخلف نعم الأظهر في الروضة أن نسبه إذا بان مثل نسبها أو أفضل لم تتخير وإن كان دون المشروط خلافا لمن اعتمد مقتضى إطلاق المتن إذ لا عار وكذا لو شرطت حريته فبان قنا وهي أمة على الأوجه وعلى مقابله الذي جزم به بعضهم يتخير سيدها لا هي بخلاف سائر العيوب لأن له إجبارها على نكاح عبد لا معيب وأخذ مما تقرر أنه متى بان مثل الشارط أو فوقه فلا خيار وإن كان دون المشروط "وكذا له" الخيار إن بانت دون ما شرط سواء هنا أيضا صفة الكمال وغيرها "في الأصح" للغرر نعم حكم النسب هنا وكونها أمة وهو عبد كهو ثم والخيار فيهما فوري لا يحتاج لحاكم ونازع فيه الشيخان بأنه مجتهد فيه فليكن كما مر.
"تنبيه": وجه جريان الخلاف في هذه دون ما قبلها واختلاف المرجحين فيما لو بان قنا وهي أمة دون ما إذا بانت أمة وهو عبد أن الزوج يمكنه التخلص بالطلاق وتزيد الثانية بتضررها بنفقة المعسرين بخلافه.
"ولو ظنها مسلمة أو حرة" مثلا ولم يشرط ذلك "فبانت كتابية أو أمة وهي تحل له فلا خيار" له "في الأظهر" لتقصيره بترك البحث أو الشرط وكما لو ظن المبيع كاتبا مثلا فلم يكن. "ولو أذنت في تزويجها بمن ظنته كفؤا فبان فسقه أو دناءة نسبه أو حرفته فلا خيار لها" لتقصيرها كوليها بترك ما ذكر "قلت لو بان معيبا أو عبدا" وهي حرة "فلها الخيار والله أعلم" أما الأول وهو معلوم مما مر أول الباب كما علم منه أن مثله ما لو ظنها سليمة فبانت معيبة فلموافقة ما ظنته من السلامة للغالب في الناس وأما الثاني فلأن نقص الرق يؤدي إلى تضررها بإشغال سيده له عنها بخدمته وبأنه لا ينفقها إلا نفقة المعسرين ويتعير ولدها برق أبيه واعتمد جمع متأخرون نص الأم والبويطي أنه لا خيار كما لو ظنها حرة فبانت أمة تحل له ورد بأنه يمكنه التخلص بالطلاق وكالفسق ويرد بوضوح الفرق إذ الرق مع كونه أفحش عارا يدوم عاره ولو بعد العتق بخلاف الفسق لا سيما بعد التوبة. "ومتى فسخ" العقد "بخلف" لشرط أو ظن "فحكم المهر والرجوع به على الغار ما سبق" في الفسخ بالعيب فيسقط المهر قبل الوطء لا معه ولا بعده ولا يرجع به لو غرمه على الغار وحكم مؤن الزوجة في مدة العدة أنها لا تجب هنا وثم ككل مفسوخ نكاحها ولو حاملا على تناقض لهما في سكناها كما يأتي "والمؤثر" للفسخ بخلف الشرط "تغرير قارن العقد" بأن وقع شرطا في صلبه كزوجتك هذه الحرة أو على أنها حرة أو بشرط كونها حرة وهو وكيل عن سيدها لأن الشروط إنما تؤثر في العقود إذا كانت كذلك أما المؤثر للرجوع بقيمة الولد الآتية فلا تشترط مقارنته لصلب العقد ويفرق بأن الفسخ رفع للعقد بالكلية فاشترط اشتماله على موجب الفسخ ليقوى على رفعه بعد انعقاده ولا كذلك قيمة الولد فسومح فيها واكتفي فيها بتقديم التغرير على العقد مطلقا كما يقتضيه كلام الغزالي أو بشرط الاتصال به أي

 

ج / 3 ص -263-        عرفا مع قصد الترغيب في النكاح على ما يقتضيه كلام الإمام ووقع للشارح خلاف ما تقرر في تغرير الفسخ وهو غير صحيح كما بينه شيخنا. "ولو غر بحرية أمة" في نكاحه إياها كأن شرطت فيه "وصححناه" أي النكاح بأن قلنا: إن خلف الشرط لا يبطله مع وجود شروط نكاح الأمة فيه أو لم نصححه بأن قلنا: إن الخلف يبطله أو لفقد بعضها "فالولد" الحاصل "قبل العلم" بأنها أمة "حر" وإن كان الزوج عبدا عملا بظنه فإن الولد يتبعه ومن ثم لو وطئ عبد أمة يظن أنها زوجته الحرة كان الولد حرا ولو وطئ زوجته الحرة يظن أنها زوجته الأمة فالولد حر ولا أثر لظنه خلافا لمن توهمه ويفرق بأن الحرية التابعة لحرية الأم أقوى إذ لا يؤثر فيها شيء فلم يؤثر فيها الظن بخلاف الرق برقها فإنه يقبل الرفع بالتعليق والشرط فأثر فيه الظن أما ما علقت به بعد علمه كأن ولدته بعد أن وطئ بعده بأكثر من ستة أشهر منه فهو قن ويصدق في ظنه بيمينه وكذا وارثه فيحلف أنه لا يعلم أن مورثه علم رقها. "وعلى المغرور" في ذمته ولو قنا "قيمته" يوم ولادته لأنه أول أوقات إمكان تقويمه "لسيدها" وإن كان السيد جد الولد لأبيه أو أمه لتفويته رقه من أصله التابع لرقها بظنه حريتها ما لم يكن الزوج قنا لسيدها إذ السيد لا يثبت له على قنه مال أو تكن هي الغارة وهي مكاتبة وقلنا قيمة الولد لها إذ لو غرم لها رجع عليها وخرج بقولي من أصله ما لو وطئ أمة أبيه يظن أنها زوجته القنة فلا قيمة لأنه هنا لم يفوت الرق لانعقاده قنا, وعتقه عليه عقب ذلك قهري لا دخل للولد فيه "ويرجع بها" الزوج إذا غرمها لا قبله كالضامن "على الغار" غير السيد لأنه الموقع له في غرامتها مع كونه لم يدخل في العقد على أن يضمن الولد بخلاف المهر "والتغرير بالحرية لا يتصور من سيدها" غالبا لعتقها بقوله: زوجتك هذه الحرة أو على أنها حرة مؤاخذة له بإقراره ومن ثم لم تعتق باطنا إذا لم يقصد إنشاء العتق ولا سبق منه. "بل" يتصور "من وكيله" أو وليه في نكاحها وحينئذ يكون خلف ظن أو شرط "أو منها" وحينئذ يكون خلف ظن فقط ولا عبرة بقول من ليس بعاقد ولا معقود عليه أما غير غالب فيتصور كأن تكون مرهونة أو جانية, وهو معسر وقد أذن له المستحق في تزويجها أو اسمها حرة أو سيدها مفلسا أو سفيها أو مكاتبا ويزوجها بإذن الغرماء أو الولي أو السيد أو مريضا وعليه دين مستغرق أو يريد بالحرية العفة عن الزنا لظهور القرينة فيه أو يتلفظ بالمشيئة بحيث يسمع نفسه فقط وما أوهمه كلام بعضهم أن المشيئة ينفع إضمارها في الباطن غير مراد لما يأتي في الطلاق أن إضمارها لا يفيد شيئا لأنها رافعة لأصل اليمين بخلاف غيرها "فإن كان" التغرير "منها تعلق الغرم بذمتها" فتطالب به غير المكاتبة بعد عتقها لا بكسبها ولا برقبتها وإن كان من وكيل السيد تعلق بذمته فيطالب به حالا كالمكاتبة بناء على الأصح أن قيمة الولد لسيدها أو منهما فعلى كل نصفها ولو استند تغرير الوكيل قولها رجع عليها بما غرمه نعم لو ذكرت حريتها للزوج أيضا رجع الزوج عليها ابتداء دونه لأنها لما شافهته خرج الوكيل عن البين وصورة الرجوع عليهما أن يذكرا حريتها للزوج معا بأن لا يستند تغريره لتغريرها ولو استند تغريرها لتغرير الوكيل كأن أخبرها أن سيدها أعتقها فقياس ما تقرر أنه يرجع عليها ثم ترجع عليه ما لم يشافه الزوج أيضا فيرجع عليه

 

ج / 3 ص -264-        وحده, "ولو انفصل الولد ميتا بلا جناية" أو بجناية غير مضمونة "فلا شيء فيه" لأن حياته غير متيقنة أما إذا انفصل ميتا بجناية مضمونة ففيه لانعقاده حرا غرة لوارثه فإن كان الجاني حرا أجنبيا لزم عاقلته غرة للمغرور الحر لأنه أبوه ولا يتصور أن يرث معه إلا أم الأم الحرة وعلى المغرور عشر قيمة الأم للسيد وإن زادت على قيمة الغرة لأن الجنين القن إنما يضمن بهذا أو قنا أجنبيا تعلقت الغرة برقبته ويضمنه المغرور لسيدها بعشر قيمتها لما ذكر, أو المغرور فالغرة على عاقلته لوارث الجنين وللسيد عليه العشر, أو قنه فالعشر على المغرور ولا يجب هنا شيء من الغرة إلا إن وجدت جدة الجنين فسدسها في رقبة القن أو السيد فالغرة على عاقلته والعشر على المغرور أو قنه فالغرة برقبته والعشر على المغرور. "ومن عتقت" قبل وطء أو بعده "تحت رقيق أو من فيه رق تخيرت" هي دون سيدها "في فسخ النكاح" أو تحت حر فلا إجماعا في الأول وخلافا لأبي حنيفة في الثاني لأن بريرة عتقت تحت مغيث وكان قنا كما في البخاري وهو لأصحيته وزيادة علم راويه مقدم على رواية أنه حر فخيرها صلى الله عليه وسلم بين المقام والفراق فاختارت نفسها متفق عليه ولتضررها به عارا ونفقة وغيرهما نظير ما مر بخلاف الحر. ولو عتق قبل فسخها سقط خيارها أو معه لم ينفذ لزوال الضرر نعم لو لزم من تخييرها دور كأن أعتقها مريض قبل وطء وهي ثلث ماله بالصداق لم تتخير لسقوط المهر بفسخها فينقص الثلث فلا تعتق كلها فلا تتخير ولا يحتاج هنا إلى رفع لحاكم لما تقرر من النص والإجماع "والأظهر أنه" أي هذا الخيار "على الفور" كخيار العيب فيعتبر هنا بما مر في الشفعة كما سبق آنفا نعم غير المكلفة تؤخر لكمالها لتعذره من الولي, والعتيقة في عدة طلاق رجعي لها انتظار بينونتها لتستريح من تعب الفسخ "فإن قالت" بعد أن أخرت الفسخ وقد أرادته "جهلت العتق صدقت بيمينها إن أمكن" جهلها به عادة بأن لم يكذبها ظاهر الحال "بأن كان العتق غائبا" عن محلها وقت العتق لعذرها بخلاف ما إذا كذبها ظاهر الحال كأن كانت معه في بيته ولا قرينة على خوفه ضررا من إظهار عتقها كما هو ظاهر فإنها لا تصدق بل الزوج بيمينه ويبطل خيارها "وكذا إن قالت: جهلت الخيار به" فتصدق بيمينها "في الأظهر" لأنه مما يخفى على غالب الناس ولا يعرفه إلا الخواص وبه فارق عدم قبول دعوى الجهل بالرد بالعيب ولو علم صدقها كعجمية صدقت جزما أو كذبها كفقيهة لم تصدق جزما وتصدق أيضا في دعوى الجهل بالفورية إن أمكن جهلها بها كما في الرد بالعيب "فإن فسخت قبل وطء فلا مهر" ولا متعة وإن كان الحق للسيد لأن الفسخ من جهتها "و" إن فسخت "بعده" أي الوطء "بعتق بعده وجب المسمى" لاستقراره به "أو" فسخت بعد الوطء بعتق "قبله" أو معه والفرض أنها إنما مكنته لجهلها به "فمهر مثل" لاستناد الفسخ للعتق السابق للوطء أو المقارن له فصار كوطء في نكاح فاسد "وقبل المسمى" لاستقراره بالوطء وما وجب منهما للسيد ويجاب عما اعترضه به ابن الرفعة بأن استناد الفسخ لوقت العتق وإن أوجب وقوع الوطء وهي حرة لا ينافي ذلك لأن العقد هو الموجب الأصلي وقد وقع في ملكه. "ولو عتق بعضها أو كوتبت أو عتق عبد تحته أمة فلا خيار" لبقاء أحكام الرق في

 

ج / 3 ص -265-        الأولين ولأنه لا يعير بها في الثالث مع أنه يمكنه الخلاص بالطلاق بخلافها.

فصل في الإعفاف
"يلزم الولد" الحر الموسر - بما يأتي في النفقات كما هو ظاهر - الأقرب ثم الوارث وإن سفل ولو أنثى وغير مكلف وكافرا اتحد أو تعدد فإن استوى اثنان فأكثر قربا وإرثا وزع عليهم بحسب الإرث على ما رجحه في الأنوار أو بالسوية على الأوجه "إعفاف الأب" الحر المعصوم ولو كافرا "والأجداد" ولو من جهة الأم "على المشهور" لئلا يقع في الزنا المنافي للمصاحبة بالمعروف ولأنه من وجوه حاجاته المهمة كالنفقة وبه فارق الأم لأن الحق لها لا عليها, وإلزامه بالإنفاق على زوجها معها عسر جدا على النفوس فلم يكلف به ولو قدر على إعفاف أحد أصوله قدم عصبته وإن بعد كأبي أبي أبيه على أبي أمه فإن استويا عصوبة أو عدمها قدم الأقرب كأب على جد وأبي أم على أبيه فإن استويا قربا فقط بأن كانا في جهة الأم كأبي أبي أم وأبي أم أم أقرع بينهما لتعذر التوزيع وإعفافه. يحصل في الرشيد "بأن يعطيه" بعد النكاح ولا يلزمه قبله "مهر" مثل "حرة" تليق به ولو كتابية ولو كان بعد أن نكحها موسرا ثم أعسر قبل وطئها وامتنعت من التسليم حتى يسلمه بل لو نكحها معسرا ولم يطالب ولده بالإعفاف ثم طالبه لزمه لا سيما إن جهلت الإعسار وأرادت الفسخ ذكره البلقيني وهو متجه فيما إذا أرادت الفسخ وظاهر قولنا مهر مثل حرة أنه يلزمه ذلك وإن أمكنه إذا فسخت أن يحصل له زوجة مثلها بدون ذلك وهو أحد وجهين في الحاوي ثانيهما أنه إنما يلزمه مهر أقل حرة تكافئه حكى ذلك في هذه الصورة الزركشي في شرحه ويوجه الأول بأن نفسه تعلقت بها أخذا مما يأتي في مسألة التعليم إذا فارق قبل الوطء فلم يكلف ما يقتضي فسخها إذا لم يزد على مهر مثلها لمشقته عليه مشقة لا تحتمل غالبا فقول بعضهم ينبغي تقييده بما إذا لم يثقل مهرها بحيث يمكن الابن تحصيل أخرى أو أمة بأقل منه إنما يأتي على الوجه الثاني وقد علم أن الأول هو الأوجه. ثم رأيت شيخنا صرح بذلك فقال وظاهر أنه إنما يلزمه جميع ذلك إذا كان قدر مهر مثل من تليق به "أو يقول" له "انكح وأعطيك المهر" أي مهر مثل المنكوحة اللائقة به فلو زاد ففي ذمة الأب "أو ينكح له بإذنه ويمهر أو يملكه أمة" تحل له "أو ثمنها" بعد الشراء لحصول الغرض بواحد من ذلك ولا يكفي صغيرة ومن بها مثبت خيار وشوهاء ولو شابة كعمياء وجذماء وتزوجه أو ملكه لواحدة من هؤلاء لا يمنع وجوب إعفافه وخرج بيملكه إنكاحه أمة له أو لغيره فلا يجوز لأنه غني بمال فرعه ومن ثم لو لم يقدر إلا على مهر أمة لزمه على الأوجه بذله ويتزوجها الأب للضرورة أما غير الرشيد فعلى وليه أقل هذه الخمسة إلا أن يرفع لحاكم يرى غيره والحيرة في ذلك للفرع ما لم يتفقا على مهر كما يأتي "ثم" إذا زوجه أو ملكه "عليه مؤنتهما" أي الأب وحليلته لأنها من تتمة الإعفاف وحله بالزوجة والأمة بعيد لأن العطف فيهما بأو على أنه يوهم وجوب اتفاقهما لو اجتمعا وفي نسخ مؤنتها كما في أصله واستحسن لأن مؤنة الأصل معلومة من بابها ولأنه لا يلزم من إعفافه مؤنته إذ قد يقدر

 

ج / 3 ص -266-        عليها فقط وقد يجاب بأنه ربما يتوهم أنه إذا أعفه لا يلزمه مؤنته وأن ما يأتي في النفقات إذا لم يعفه وبأن الغالب أن من احتاج للإعفاف يحتاج للإنفاق ولا يلزم الفرع أدم لزوجة أصله ولا نفقة خادمها لأنها لا تخير بالعجز عنهما ولو كان بعصمته أخرى كشوهاء أنفق على التي تعفه فقط على الأوجه "وليس للأب تعيين النكاح دون التسري" ولا عكسه "ولا" تعيين "رفيعة" لمهر ومؤنة أو لثمن بجمال أو شرف أو يسار لنكاح أو شراء لما فيه من الإجحاف بالفرع "ولو اتفقا على مهر" أو ثمن "فتعيينها للأب" إذ لا ضرر فيه على الفرع وهو أعلم بغرضه. "ويجب التجديد إذا ماتت" الزوجة أو الأمة بغير فعله كما هو واضح "أو انفسخ" نكاحه "بردة" منها لا منه على الأوجه كالطلاق بلا عذر أو بنحو رضاع "أو فسخه بعيب" بها أو عكسه لبقاء الحاجة للإعفاف مع عدم التقصير "وكذا إن طلق" ولو بلا مال أو أعتق الأمة ولو غير مستولدة على ما فيه لإمكان بيعها "بعذر" كنشوز أو ريبة "في الأصح" بخلافه لغير عذر لأنه المفوت على نفسه وظاهره أنه لا يقبل منه العزم على عدم عوده لما صدر منه وإن ظن صدقه ولو قيل فيما إذا غلب على الظن صدقه وحقت ضرورته بحيث خشى عليه نحو زنا أو مرض مهلك أنه يجدد له أخرى لم يبعد ولا يجب التجديد في عدة الرجعية ويسري الطلاق ومر ضابطه في مبحث نكاح السفيه ويسأل القاضي الحجر عليه حتى لا ينفذ منه إعتاقها والأوجه أنه ينفك عنه بمجرد قدرته على إعفاف نفسه من غير قاض. "وإنما يجب إعفاف فاقد مهر" وثمن أمة لا واجد أحدهما ولو بقدرته على كسب يحصله لكن في زمن قصير عرفا بحيث لا يحصل له من التعزب فيه مشقة لا تحتمل غالبا فيما يظهر ويفرق بين هذا ووجوب إنفاقه وإن قدر على كسب بأن المشقة ثم أكثر لدوامها ولأنها آكد إذ لا خلاف فيها بخلافه "محتاج إلى نكاح" أي وطء لشدة توقانه بحيث يشق الصبر عليه وإن لم يخف عنتا أو إلى عقده لخدمة لنحو مرض إن تعين طريقا لذلك لكنه لا يسمى إعفافا "ويصدق إذا ظهرت الحاجة" أي أظهرها ولو بمجرد قوله وإن لم تحفها قرائن إذ لا تعلم إلا من جهته "بلا يمين" إذ لا يليق بحرمته تحليفه على ذلك ويأثم بطلبه مع عدمها ولو كذبه ظاهر حاله كذي فالج فللأذرعي فيه تردد والأوجه تصديقه بيمينه إن احتمل صدقه ولو على ندور. "ويحرم عليه وطء أمة ولده" الذكر والأنثى وإن سفل إجماعا "والمذهب" فيما إذا وطئها عالما بتحريمها "وجوب" تعزير عليه لحق الله تعالى إن رآه الإمام, وأرش بكارة و "مهر" للولد في ذمة الحر ورقبة غيره نعم المكاتب كالحر لأنه يملك وإن طاوعته للشبهة الآتية ومحله إن لم يحبلها أو أحبلها لكن تأخر إنزاله عن تغييب حشفته كما هو الغالب فإن أحبلها وتقدم إنزاله على تغييب الحشفة أو قارنه فلا مهر ولا أرش لأن وطأه وقع بعد أو مع انتقالها إليه لما يأتي أنه يملكها قبيل الإحبال ويظهر أن القول في التقدم وعدمه قول الأب بيمينه إذ لا يعلم إلا منه فإن شك فهو محل نظر لأن الأصل العام براءة الذمة والخاص إلزامها إذ إتلاف مال الغير الأصل فيه إيجابه للضمان ويقع لهم أنهم يرجحون هذا لخصوصه فهو أقوى ومع ذلك الأقرب الأول لأن الأب امتاز عن غيره بما يوجب خروجه عن هذا الخاص "لأحد" لأن له بمال ولده

 

ج / 3 ص -267-        شبهة الإعفاف المجانس لما فعله ومن ثم لم يفترق الحال بين القن وغيره ولا بين مستولدة الابن وغيرها على ما اقتضاه كلام الشرح الصغير واعتمده جمع, لكن الذي في الروضة وأصلها عن الروياني عن الأصحاب وجوبه في المستولدة قطعا إذ لا شبهة له فيها بوجه لعدم تصور ملكه لها بحال نعم لو وطئ الأمة في دبرها حد كما يأتي في الزنا ويؤخذ من قولهم لعدم إلخ أن محرم الأب المملوكة للولد ليست كالمستولدة. "فإن أحبل" ها الأب "فالولد حر نسيب"للشبهة وإن كان قنا كما نقلاه عن القفال وأقراه كولد المغرور فيطالب بقيمة الولد بعد عتقه نعم المكاتب يطالب بها حالا لأنه يملك والمبعض بقدر الحرية حالا وبقدر الرق بعد عتقه وخالفه القاضي ورجحه البلقيني. "فإن كانت مستولدة للابن لم تصر مستولدة للأب" لأنها لا تقبل النقل "وإلا" تكن مستولدة له "فالأظهر أنها تصير" مستولدة للأب الحر ولو معسرا لقوة الشبهة هنا وبه فارق أمة أجنبي وطئت بشبهة ولو ملك الولد بعضها, والباقي حر نفذ استيلاد الأب في نصيب ولده, أو قن نفذ فيه مطلقا. وكذا في نصيب الشريك إن أيسر وولده حر كله فعليه قيمته لهما أما القن كله أو بعضه فلا تصير مستولدة له لتعذر ملك غير المكاتب والمبعض ولأنهما لا يثبت إيلادهما لأمتهما فأمة فرعهما أولى واستثنى من ذلك شارح ما لو استعار أمة ابنه للرهن فرهنها ثم استولدها قال فلا تصير كما أفتى ابنه به القفال لأدائه إلى بطلان عقد عقده بخلاف ما لو رهن أمة فاستولدها أبوه فإنها تصير لأنه لا يؤدي لذلك ا هـ ويرده ما مر أن الراهن لو أحبل أمته المرهونة وهو موسر صارت أم ولد له وبطل الرهن مع أدائه إلى بطلان عقد عقده بنفسه ثم رأيت أن القفال قائل بأن إيلاد الراهن لا ينفذ مطلقا لأدائه لما ذكر بخلاف أبيه في المسألة الثانية وهو صريح فيما ذكرته أن ما صححوه في الراهن يرد تفرقة القفال وتوجيهه المذكورين فالوجه عدم النفوذ فيهما لا لما ذكره القفال بل لأنه يلزم عليه تقدير انتقال الملك في المرهون لغير المرتهن بنحو بيع أو هبة ولو ضمنيا فإنه ممنوع كما ذكروه في الرهن فإن قلت التقدير في الأولى ليس لأجنبي لأنه للراهن قلت بل هو أجنبي بالنظر إلى عدم ملكه للرهن فلم يكن كالمالك المستولد لأنه لا تقدير فيه ثم رأيت القاضي وافق القفال في الأولى على الجزم بأنها لا تصير والبلقيني وجهه بما يئول لما مر عن القفال مع رده "وأن عليه قيمتها" يوم الإحبال ما لم يستول عليها قبل الوطء وإلا فأقصى القيم من الاستيلاء إلى الإحبال "مع مهر" بشرطه السابق كما يلزم أحد شريكين استولد المشتركة نصف كل منهما ووجبا لاختلاف سببيهما فالمهر للإيلاج والقيمة للاستيلاد وقد يلزمه مهر إن كان زوج أمته لأخيه فوطئها الأب فعليه مهر للزوج لأنه حرمها عليه أبدا بوطئه ومهر للمالك لاستيفائه منفعة بضعه المملوك له فالجهة مختلفة "لا قيمة ولد" فلا يلزمه وإن انفصل حيا أو ميتا بجناية مضمونة "في الأصح" لانتقال ملكه لها قبيل العلوق حتى يسقط ماؤه في ملكه صيانة لحرمته ومن ثم لو استولد مستولدة ابنه لزمه قيمة الولد لأنه لا يتصور ملكه لأمه ولا قيمة عليه لها حتى تندرج قيمته فيها. "و" يحرم "عليه" أي الأصل من النسب الحر "نكاحها" أي أمة ولده وإن لم يجب إعفافه على

 

ج / 3 ص -268-        ما اقتضاه إطلاقهم لكن مر في مبحث نكاح الأمة أن محله في الموسر كما أفهمته علتهم وجرى عليه الزركشي وغيره لأن قوة شبهته في ماله استحقاقه الإعفاف عليه صيرته كالشريك ومن ثم لم تحرم على أصل قن كأمة أصل على فرعه وأمة فرع رضاع على أصله قطعا. "فلو ملك زوجة والده الذي لا تحل له الأمة" حال ملك الولد وكان نكحها قبل ذلك بشرطه "لم ينفسخ النكاح في الأصح" لأنه يغتفر دواما لقوته ما لا يغتفر ابتداء ومن ثم لم يرتفع نكاح الأمة بطرو يسار وتزوج حرة أما إذا حلت له حينئذ لكونه قنا أو الولد معسرا لا يلزمه إعفافه أو مكاتبا وأذن له سيده في تزويجها من أبيه فلا ينفسخ بطرو ملك الولد قطعا فقول الإسنوي ومن تبعه "هذا التقييد لا فائدة له" مردود بذلك. "وليس له نكاح أمة مكاتبه" لأن شبهته في ماله أقوى من شبهة الولد ومن ثم قال "فإن ملك مكاتب زوجة سيده انفسخ النكاح في الأصح" وفارق الابن بأن تعلق السيد بمال المكاتب أشد من تعلق الأصل بمال الفرع ومن ثم جرى لنا قول إنه ملك للسيد وإنما لم يعتق بعض سيد ملكه مكاتبه لأنه قد يجتمع ملك البعض وعدم العتق إذ المكاتب نفسه لو ملك أباه لم يعتق عليه والملك والنكاح لا يجتمعان أبدا.

فصل
"السيد بإذنه في نكاح عبده لا يضمن" بذلك الإذن كما دل عليه السياق الذي هو نفي كون الإذن سببا للضمان, واحتمال أنه لإفادة كون الإذن سببا لنفي الضمان بعيد من السياق والمعنى; لأن نفي الضمان هو الأصل فلا يحتاج لبيان سبب له حر فلا اعتراض على المتن نعم الأحسن لا يضمن بإذنه في نكاح عبده ليكون نصا في الأول فإن قلت بإذنه قيد لمقابل الجديد فلا فرق بين تقدمه وتأخره قلت ممنوع بل على الجديد لا فرق بين الإذن وعدمه وعلى القديم لا بد منه فحق العبارة لولا ما قررته السيد لا يضمن ذلك على الجديد وفي القديم يضمنه إن أذن "مهرا ونفقة" أي مؤنة بل غالب الفقهاء يطلقونها عليها "في الجديد" لأنه لم يلتزمهما تصريحا ولا تعويضا بل لو ضمن ذلك عند إذنه لم يضمنه لتقدم ضمانه على وجوبه بخلافه بعد العقد فإنه يصح في المهر إن علمه لا النفقة إلا فيما وجب منها قبل الضمان وعلمه. "وهما في كسبه" كذمته لأنه بالإذن رضي بصرف كسبه فيهما ولا يعتبر كسبه الحادث بعد الإذن في النكاح بل الحادث "بعد النكاح" ووجوب الدفع وهو في مهر مفوضة بفرض صحيح أو وطء ومهر غيرها الحال بالعقد والمؤجل بالحلول وفي النفقة بالتمكين وإنما اعتبر في إذنه له في الضمان كسبه بعد الإذن وإن تأخر الضمان عنه لثبوت المضمون حالة الإذن ثم لا هنا كما مر "المعتاد" كالحرفة "والنادر" كلقطة ووصية, وكيفية تعلقهما بالكسب أنه ينظر في كسبه كل يوم فيؤدي منه النفقة لأن الحاجة إليها ناجزة ثم إن فضل شيء صرف للمهر الحال حتى يفرغ ثم يصرف للسيد ولا يدخر منه شيء للنفقة أو الحلول في المستقبل لعدم وجوبهما وقول الغزالي يصرف للمهر أولا ثم للنفقة حمله ابن الرفعة على ما إذا امتنعت من تسليم نفسها حتى تقبض المهر

 

ج / 3 ص -269-        كله. ونازع الأذرعي في المقالتين ثم بحث أنه لا يتعين كل من هذين لأنهما دين في كسبه فيصرفه عما شاء من المهر أو النفقة وهو القياس "فإن كان مأذونا له في التجارة ف" يجبان "فيما بيده من ربح" ولو قبل الإذن في النكاح "وكذا رأس مال في الأصح" لأنه لزمه بعقد مأذون فيه فكان كدين التجارة وبه فارق ما مر في الكسب أنه لا يتعلق به إلا بعد الوجوب ويفرق أيضا بأن القن لا تعلق له ولا شبهة فيما حصل بكسبه وإن وفره السيد تحت يده بخلاف مال التجارة لأنه مفوض لرأيه فله فيه نوع استقلال ويجبان في كسبه هنا أيضا فإذا لم يف أحدهما به كمل من الآخر "وإن لم يكن مكتسبا ولا مأذونا له" أو زاد على ما قدر له "ففي ذمته" يطالب به إذا عتق لوجوبه برضا مستحقه "وفي قول على السيد" لأن الإذن لمن هذا حاله التزام للمؤن. "وله المسافرة به" إن تكفل المهر والنفقة ويمكن رجوع إن تكفل الآتي ومفهومه لهذه أيضا ولم يتعلق به حق للغير كرهن وإلا اشترط رضاه "ويفوت الاستمتاع" عليه لملكه الرقبة فقدم حقه نعم للعبد استصحاب زوجته معه والكراء من كسبه فإن لم يطلبها للسفر معه فنفقتها باقية بحالها "وإذا لم يسافر" به أو سافر به معها "لزمه تخليته ليلا" أي بعضه الآتي في الأمة ووقت فراغ شغله بعد النزول في السفر فيما يظهر خلافا لما يوهمه كلام الماوردي ثم رأيت الزركشي صرح بنحو ذلك "للاستمتاع" لأنه وقت ومن ثم لو كان عمله ليلا انعكس الحكم وقيد جمع ذلك بما إذا لم تكن بمنزل سيده لتمكنه منها كل وقت قال الأذرعي ومحله إن كان يدخل عليها كل وقت وإلا كان يتخدمه جميع النهار في نحو زرعه فلا فرق. "ويستخدمه نهارا إن تكفل المهر والنفقة" أي تحملهما وهو موسر أو أداهما ولو معسرا "وإلا فيخليه لكسبهما" لإحالته حقوق النكاح على كسبه "وإن استخدمه" نهارا "بلا تكفل" أو حبسه بلا استخدام "لزمه الأقل من أجرة مثل" له مدة الاستخدام أو الحبس أي من ابتدائه إلى وقت المطالبة "وكل المهر" ولو مؤجلا كذا قيل ويرده ما مر أن الكسب لا يصرف إلا للحال ولا يدخر منه شيء لحلول المؤجل "والنفقة" أي المؤنة مدة أحد ذينك أيضا فإن لم يكن مهر أو كان وهو مؤجل فيما يظهر لما قررته فالأقل من الأجرة والنفقة كما هو ظاهر وذلك لأن أجرته إن زادت فالزيادة للسيد وإن نقصت لم يلزمه الإتمام وبه فارق ما لو استخدمه أجنبي فإنه يلزمه أجرة المثل مطلقا ويؤخذ من ذلك أن استخدامه بلا تكفل وحبسه بلا استخدام ولا تكفل لا إثم عليه فيه لأنه لا ضرر على الزوجة منه بوجه خلافا لما قد يتوهم من قوله إن تكفل إلخ والحاصل كما علم مما قررت به المتن أنه في صورتي السفر والاستخدام إن تكفل بالمهر والنفقة لزماه وإن لم يتكفل أو تكفل بالأقل السابق لم يلزمه إلا الأقل وأن الخيرة في ذلك إليه خرج بنهارا ما لو استخدمه ليلا أو نهارا فلا يلزمه في مقابلة الليل شيء ويتعين فرضه فيمن عمله نهارا و إلا كالأتوني فالليل في حقه كالنهار كما مر وفي استخدام ليل لا يعطل عليه شغله نهارا و إلا فيلزمه هنا الأقل أيضا فيما يظهر "وقيل يلزمه المهر والنفقة" مطلقا لأنه ربما كسب في ذلك اليوم ما يفي بالجميع ويرد بأن الأصل خلاف ذلك وعلى الوجهين المراد نفقة مدة نحو الاستخدام كما مر وقيل مدة النكاح. "ولو

 

ج / 3 ص -270-        نكح فاسدا" لعدم الإذن أو لفقد شرط كمخالفة لمأذون "ووطئ فمهر مثل" يجب "في ذمته" لحصوله برضا مستحقه نعم لو أذن له السيد في الفاسد بخصوصه تعلق بكسبه ومال تجارته بخلاف ما لو أطلق لانصرافه للصحيح فقط "وفي قول في رقبته" لأنه إتلاف ومحل الخلاف في حرة بالغة عاقلة رشيدة مستيقظة سلمت نفسها باختيارها أو أمة سلمها سيدها فإن فقد شرط من ذلك تعلق برقبته لأنه جناية محضة. "وإذا زوج" السيد "أمته" غير المكاتبة كتابة صحيحة سواء محرمه وغيرها "استخدمها" بنفسه أو نائبه أما هو فلأنه يحل له نظر ما عدا ما بين السرة والركبة وأما نائبه لأجنبي فلأنه لا يلزم من الاستخدام نظر ولا خلوة "نهارا" أو آجرها إن شاء لبقاء ملكه وهو لم ينقل للزوج إلا منفعة الاستمتاع فقط "وسلمها للزوج ليلا" أي وقت فراغ الخدمة في عادة أهل ذلك المحل فالنص على الثلث تقريب باعتبار عادة بعض البلاد ويعتبر في قيامه من آخر الليل العادة أيضا كما هو ظاهر فإن كانت حرفته ليلا لم يلزم السيد تسليمها له نهارا إلا إن كانت حرفة السيد التي يريدها منها ليلا أيضا كما بحثه الأذرعي وبحث أيضا أنه لو سلمها له نهارا فامتنع أجبر إن كانت حرفته ليلا ولو كانت حرفتها ليلا والسيد لا يستخدمها إلا فيه وحرفة الزوج نهارا فهل يجبر السيد على تسليمها له ليلا وإن ضاع حقه أو لا وإن ضاع حق الزوج كل محتمل, وظاهر كلامهم الأول وأنه لو لم يمكن استخدامها في شيء وطلب الزوج تسلمها ليلا ونهارا أجبر السيد على ذلك وله وجه أما المكاتبة كتابة صحيحة فتسلم ليلا ونهارا على ما قاله الماوردي وإنما يتجه إن لم يفوت ذلك عليها تحصيل النجوم وإلا فللسيد منعها من النهار, والمبعضة في نوبتها كحرة وفي نوبة السيد كقنة فإن لم تكن مهايأة فكقنة على الأوجه "ولا نفقة على الزوج حينئذ" أي حين إذ سلمت له تسليما ناقصا كالليل فقط "في الأصح" لعدم التمكين التام كما لو سلمت الحرة نفسها ليلا واشتغلت عن الزوج نهارا أما المهر فيلزمه تسليمه بذلك لأن سببه الوطء وقد وجدوا ما لو سلمت له ليلا ونهارا فتلزمه النفقة لتمام التمكين حينئذ. "ولو أخلى" السيد "في داره" أو جواره على الأوجه "بيتا وقال للزوج تخلو بها فيه لم يلزمه" ذلك "في الأصح" لأن الحياء والمروءة يمنعانه ومع ذلك لا نفقة عليه وكان تخصيص ذلك لأجل الخلاف وإلا فظاهر كلامهم أنه لو عين له بيتا له ولو بعيدا عنه لا تلزمه إجابته لما فيه من المنة. "وللسيد السفر بها" إن لم يخل بها ولم يتعلق بها نحو رهن أو إجارة تقديما لحقه الأقوى على حق الزوج ومن ثم امتنع عليه السفر بها إلا بإذن السيد فإن تعلق بها ذلك اشترط إذن من له الحق "وللزوج" تركها و "صحبتها" ليستمتع بها وقت فراغها ولا نفقة عليه لعدم التمكين التام وإيهام كلام شارح وجوبها يحمل على ما إذا سلمت له تسليما تاما واختار السفر مع سيدها وله استرداد مهر سلمه قبل وطء لا تبرعا على الأوجه. "والمذهب أن السيد لو قتلها أو قتلت نفسها قبل دخول سقط مهرها" الواجب له لتفويته محله قبل تسليمه وألحق به تفويتها له وتفويته بغير قتلها كذلك كإرضاع السيدة لأمتها المزوجة بولدها أي القن إذ الحر لا يتزوج القنة الطفلة مطلقا وكقتل سيد زوج أمته أي أو قتل الأمة لزوجها كما هو ظاهر. "وأن الحرة لو قتلت نفسها أو قتل الأمة أجنبي"

 

ج / 3 ص -271-        كالزوج "أو ماتت فلا" يسقط المهر قبل الدخول لأن الحرة كالمسلمة للزوج بنفس العقد ومن ثم جاز له السفر بها ومنعها منه ولأن الفرقة في الأخيرتين لم تحصل من جهة الزوجة ولا من مستحق المهر وخرج بقتل الحرة نفسها قتل الزوج أو غيره لها ولم يكن مالكا للمهر فلا يسقط قطعا "كما لو هلكتا بعد دخول" فإنه لا يسقط قطعا لاستقراره بالدخول. "ولو باع مزوجة" تزوجا صحيحا وهي غير مفوضة أو أعتقها قبل دخول أو بعده "فالمهر" أي المسمى إن صح وإلا فمهر المثل "للبائع" أو المعتق لوجوبه بالعقد الواقع في ملكه نعم لا يحبسها لخروجها عن ملكه ولا المشتري ولا تحبس العتيقة نفسها لأن كلا منهما غير مستحق للمهر أما المزوجة تزويجا فاسدا أو المفوضة فليس الاعتبار فيهما بالعقد لأنه غير موجب لشيء بل بالوطء فيهما والفرض أو الموت في المفوضة فمن وقع أحدهما في ملكه فهو المستحق للمهر "فإن طلقت" بعد البيع أو العتق و "قبل دخول فنصفه له" لما مر. "ولو زوج أمته بعبده" لغة صحيحة لتميم خلافا لمن وهم فيه وإلا فصح "عبده" ومحله في غير مكاتبه "لم يجب مهر" لأن السيد لا يثبت له على عبده دين بإتلاف ولا غيره فلا يطالبه به بعد عتقه وقيل وجب ثم سقط نعم تسن تسميته على ما في الروضة واعترض بأن الأكثرين على عدم ندبها فلو زوجه بها تفويضا ثم وطئها بعد العتق لم يجب له عليه شيء على الأول أما مكاتبه كتابة صحيحة فيجب له عليه لأنه معه كأجنبي وأما المبعض فيلزمه بقدر حريته كما بحثه الأذرعي