تحفة المحتاج بشرح المنهاج ط العلمية

 ج / 3 ص -272-       كتاب الصداق
هو بفتح الصاد ويجوز كسرها وجمعه قلة أصدقة وكثرة صدق ويقال صدقة بفتح فتثليث وبضم أو فتح فسكون وبضمهما وجمعه صدقات ما وجب بعقد نكاح ويأتي أن الفرض في التفويض وإن كان الوجوب به مبتدأ العقد هو الأصل فيه أو وطء أو تفويت بضع قهرا كرضاع وهذا على خلاف الغالب أن المعنى الشرعي أخص من اللغوي إذ هو مشتق من الصدق لإشعاره بصدق رغبة باذله في النكاح الذي هو الأصل في إيجابه ويرادفه المهر على الأصح والأصل فيه الكتاب والسنة والإجماع.
"يسن" ولو في تزويج أمته بعبده على ما مر "تسميته في العقد" للاتباع وأن لا ينقص عن عشرة دراهم خالصة لأن أبا حنيفة رضي الله عنه لا يجوز عند التسمية أقل منها وترك المغالاة فيه وأن لا يزيد على خمسمائة درهم فضة خالصة أصدقة بناته صلى الله عليه وسلم وأزواجه ما عدا أم حبيبة فإن المصدق لها عنه صلى الله عليه وسلم هو النجاشي أصحمة رضي الله عنه إكراما له صلى الله عليه وسلم أربعمائة مثقال ذهبا وأن يكون من الفضة للاتباع وصح عن عمر رضي الله عنه في خطبته لا تغالوا بصدق النساء فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله كان أولى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم. "ويجوز إخلاؤه منه" أي من تسميته إجماعا لكنه يكره نعم إن كان محجورا ورضيت رشيدة بدون مهر مثل وجبت تسميته أو كانت محجورة أو مملوكة لمحجور أو رشيدة أو وليا فأذنا وأطلقا ورضي الزوج بأكثر من مهر المثل وجبت تسميته. "وما صح مبيعا" يعني ثمنا إذ هو المشبه به الصداق بأن وجدت فيه شروطه السابقة "صح صداقا" فتلغو تسمية غير متمول وما لا يقابل بمتمول كنواة وترك شفعة وحد قذف بل وتسمية أقل متمول في مبعضة ومشتركة إذ لا بد فيهما من تسمية ما يمكن قسمته بين المستحقين بأن يحصل لكل أقل متمول ذكره البلقيني وتبعه الزركشي وزاد أن كلام الخصال يشير إليه حيث اشترط في الصداق أن يكون له نصف صحيح أي متمول أي في هاتين الصورتين لا مطلقا وتوجيه إطلاقه بأنه يحتمل تشطيره بفراق قبل وطء فاشترط إمكان تنصيفه لذلك يرد بأن هذا أمر غير متيقن فلا تحسن مراعاته ومن ثم استبعده الزركشي وأن وجهه بما فيه خفاء وتسمية جوهرة في الذمة لما مر من امتناع السلم فيها بخلاف المعينة لصحة بيعها ودين على غيرها بناء على ما مر في المتن فعلى مقابلة الأصح يجوز بشروطه السابقة. ولو عقد بنقد ثم تغيرت المعاملة وجب هنا وفي البيع وغيره كما مر ما وقع العقد به زاد سعره أو نقص أو عز وجوده فإن فقد وله مثل وجب وإلا فقيمته ببلد العقد وقت المطالبة نعم يمتنع جعل رقبة العبد صداقا لزوجته الحرة بل يبطل النكاح لما بينهما من التضاد كما مر وأحد أبوي الصغيرة صداقا لها وجعل الأب أم ابنه صداقا لابنه ولا ترد هذه الأربعة عليه لأنه يصح

 

ج / 3 ص -273-        إصداقها في الجملة والمنع هنا العارض هو أنه يلزم من ثبوت الصداق رفعه نعم يرد على عكسه صحة إصداقها ما لزمها أو قنها من قود مع عدم صحة بيعه. "وإذا أصدق عينا فتلفت في يده ضمنها ضمان عقد" لأنها مملوكة بعقد معاوضة كالمبيع بيد بائعه فيضمنها بمهر المثل كما يأتي إذ ضمان العقد هو وجوب المقابل الذي وقع العقد عليه. "وفي قول ضمان يد" كالمستام لبقاء النكاح فيضمن المثلي بمثله والمتقوم بقيمته ومن ثم لو تعذرا كقن أو ثوب غير موصوف وجب مهر المثل قطعا "فعلى الأول ليس لها بيعه" أي المعين ولا التصرف فيه "قبل قبضه" ويجوز التقايل فيه ولها الاعتياض عما في الذمة كالثمن نعم تعليم الصنعة لا يعتاض عنه كالمسلم فيه كذا نقلاه عن المتولي وسكتا عليه واعترضا بأن الأوجه خلافه كما لو كان ثمنا "فلو تلف" على الأول كما أفاده التفريع "في يده" بآفة قدر ملكه له قبيل التلف نظير ما مر في المبيع قبل قبضه فيلزمه مؤنة نقله وتجهيزه و "وجب مهر مثل" وإن طالبته بالتسليم فامتنع لبقاء النكاح والبضع كالتالف فيرجع لبدله وهو مهر المثل كما لو رد المبيع والثمن تالف يجب بدله "وإن أتلفته" الزوجة وهي رشيدة لغير نحو صيال "فقابضة" لحقها عليهما ويبرأ الزوج منه نظير ما مر في المبيع. "وإن أتلفه أجنبي" أهل للضمان "تخيرت على المذهب" بين فسخ الصداق وإبقائه كنظيره ثم "فإن فسخت الصداق أخذت من الزوج مهر مثل" على الأول وهو يرجع على المتلف "وإلا" تفسخه "غرمت المتلف" مثله في المثلي وقيمته في المتقوم ولا مطالبة لها على الزوج "وإن أتلفه الزوج فكتلفه" بآفة بناء على الأصح أن إتلاف البائع كذلك فينفسخ الصداق وترجع هي عليه بمهر المثل "وقيل كأجنبي" فتتخير. "ولو أصدق عبدين" مثلا "فتلف أحدهما" بآفة أو إتلاف الزوج "قبل قبضه انفسخ" عقد الصداق "فيه لا في الباقي على المذهب" تفريقا للصفقة في الدوام "ولها الخيار" فيه لتلف بعض المعقود عليه "فإن فسخت فمهر مثل" على الأول "وإلا" تفسخه "ف" لها "حصة" أي قسط قيمة "التالف منه" أي مهر المثل فلو كانت قيمته ثلث قيمة مجموع قيمتهما فلها ثلث المثل وإن أتلفته فقابضة لقسطه من الصداق أو أجنبي تخيرت كما مر. "ولو تعيب قبل قبضه" بغير فعلها كعمى القن "تخيرت على المذهب فإن فسخت" عقد الصداق "فمهر مثل" يلزم الزوج لها على الأول وهو يرجع على الأجنبي المعيب بموجب جنايته "وإلا" تفسخ "فلا شيء لها" غير المعيب كمشتر رضي بالمعيب نعم إن كان المعيب أجنبيا فلها عليه الأرش والزوائد في يد الزوج أمانة فلا يضمنها إلا إن امتنع عن التسليم. "والمنافع الفائتة في يد الزوج لا يضمنها وإن طلبت التسليم فامتنع على ضمان العقد" كما لو اتفق ذلك من البائع ونازع فيه جمع كقوله "وكذا" لا يضمن المنافع "التي استوفاها بركوب ونحوه على المذهب" بناء على الأصح أن جنايته كالآفة ويجاب بأن ملكها ضعيف لتطرقه للانفساخ بالتلف فلم يقو على إيجاب شيء على من هو في قوة المالك لترقب عوده إليه قهرا عليهما. "ولها" أي المالكة لأمرها التي لم يدخل بها "حبس نفسها" للفرض والقبض إن كانت مفوضة كما سيذكره وإلا فلها الحبس "لتقبض المهر" الذي ملكته بالنكاح "المعين و" الدين "الحال" سواء أكان بعضه أم كله

 

ج / 3 ص -274-        إجماعا دفعا لضرر فوات بضعها بالتسليم وخرج بملكته بالنكاح ما لو زوج أم ولده فعتقت بموته أو أعتقها أو باعها وصححناه في بعض الصور الآتية لأنه ملك للوارث أو المعتق أو البائع لا لها وما لو زوج أمة ثم أعتقها وأوصى لها بمهرها لأنها ملكته لا عن جهة النكاح ويحبس الأمة سيدها المالك للمهر أو وليه والمحجورة وليها ما لم ير المصلحة في التسليم. ونظر فيه الزركشي بأن قياس البيع خلافه ويرد بأنه لا مصلحة تظهر ثم غالبا بخلافه هنا والأذرعي إذا خشي فوات البضع لنحو فلس ويرد بأنه لا مصلحة حينئذ تظهر نعم بحثه أن لولي السفيهة منعها من تسليم نفسها حيث لا مصلحة متجه وتردد في مكاتبة كتابة صحيحة والذي يتجه أن لسيدها منعها كسائر تبرعاتها "لا المؤجل" لرضاها بذمته "ولو حل" الأجل "قبل التسليم فلا حبس" لها "في الأصح" لوجوب التسليم عليها قبل القبض لرضاها بذمته فلا يرتفع بالحلول ونازع فيه الإسنوي بما رده الأذرعي وغيره. "ولو قال كل لا أسلم حتى تسلم ففي قول يجبر هو" لإمكان استرداد الصداق دون البضع ومن ثم لم يأت القول هنا بإجبارها وحدها لفوات البضع عليها هنا دون المبيع ثم "وفي قول لا إجبار فمن سلم أجبر صاحبه" لأن كلا وجب له حق وعليه حق فلم يجبر بإيفاء ما عليه دون ما له "والأظهر أنهما يجبران فيؤمر بوضعه عند عدل وتؤمر" هي "بالتمكين فإذا سلمت" وإن لم يطأها من غير امتناع منها "أعطاها العدل" فإن امتنعت استرد منها لأن ذلك هو العدل بينهما وليس العدل نائبها وإلا كان هو مجبر وحده ولا نائبه وإلا كانت هي المجبرة وحدها بل نائب الشرع لقطع الخصومة بينهما وقيل نائبهما لقولهم لو أخذ الحاكم الدين من الممتنع ملكه الغريم وتبرأ ذمة المأخوذ منه ويرد بأن هذه لا شاهد فيها لاستقرار الملك فيها بقبض الحاكم ولا كذلك هنا إذ لو امتنعت من التمكين بعد قبض العدل أو الحاكم استرده الزوج وقيل نائبها واختاره البلقيني كابن الرفعة لكنه ممنوع من التسليم إليها وهي ممنوعة من التصرف فيه قبل التمكين ووجهه البلقيني بتصريح أبي الطيب بأنه لو تلف في يده كان من ضمانها وفيه نظر والذي يتجه خلافه وأنه من ضمانه نظير ما مر في عدل الرهن وليس هذا كالممتنع المذكور كما هو ظاهر مما مر "ولو بادرت فمكنت طالبته" على كل قول لبذلها ما في وسعها. "فإن لم يطأ" ها "امتنعت حتى يسلمها" المهر لأن القبض هنا إنما هو بالوطء "وإن وطئ" ها مختارة "فلا" تمتنع لسقوط حقها بوطئه باختيارها ومن ثم لو أكرهها أو كانت غير مكلفة حال الوطء ثم كملت بعده ولم يكن الولي سلمها لمصلحتها كان لها الامتناع ويؤخذ منه أنها لو لم تمكنه إلا لظنها سلامة ما قبضته فخرج معيبا من غير تقصير منها في قبضه كان لها الامتناع وبحث الأذرعي أن تمكين نحو الرتقاء من الاستمتاع كتمكين السليمة من الوطء فلها الامتناع قبله لا بعده "ولو بادر فسلم فلتمكن" هـ وجوبا إذا طلب لأنه فعل ما عليه "فإن منعته". ولو "بلا عذر استرد إن قلنا إنه يجبر" والأصح لا فيكون متبرعا بالتسليم فلا يسترد قيل أهمل محل التسليم وهو منزل الزوج ويرد بأن هذا معلوم من كلامه في النفقات على أن قوله وهو إلى آخره للأغلب إذ لو رضي بمحلها أو محل نحو أبيها كان كذلك والكلام هنا فيمن عقد عليها وهي ببلد العقد

 

ج / 3 ص -275-        كالزوج فمؤنة وصولها للمنزل الذي يريده الزوج من تلك البلد عليها. "ولو استمهلت" هي أو وليها "لتنظيف ونحوه" كإزالة وسخ "أمهلت" وجوبا وإن قبضت المهر للخبر المتفق عليه "لا تطرقوا النساء ليلا حتى تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة" قال المتولي فإذا منع الزوج الغائب أن يطرقها مغافصة فهنا أولى وفيه نظر لأن الغائب يندب له ذلك من غير طلبها فلا يقاس به هذا وكان وجه الفرق بين ندب ذاك مطلقا ووجوبه هنا إذا طلبت أن النفس تنفر من مفاجأتها ما تكرهه أول الأمر ما لا تنفر منه بعد معرفته "ما" أي زمنا "يراه قاض" من نحو يوم أو يومين. "ولا يجاوز ثلاثة أيام" لأن غرض نحو التنظيف ينتهي غالبا "لا" لجهاز وسمن وكذا تزين كما هو ظاهر ولا "لينقطع حيض" ونفاس لإمكان التمتع بها في الجملة مع طول زمنهما ومن ثم لو لم يبق منه إلا دون ثلاث أمهلته على ما في التتمة ولو خشيت أنه يطؤها سلمت نفسها وعليها الامتناع فإن علمت أن امتناعها لا يفيد وقضت القرائن بالقطع بأنه يطؤها لم يبعد أن لها بل عليها الامتناع حينئذ. "ولا تسلم صغيرة" لا تحتمل الجماع ولو لثقة قال لا أقربها "ولا مريضة" وهزيلة بهزال عارض لا يطيقان الوطء أي يكره للولي والأخيرتين ذلك "حتى يزول مانع وطء" إذ المدار هنا على العرف ولم يتعارف تسليم هؤلاء مع أن فرط الشهوة قد يحمله على الوطء المضر ويحرم وطؤها ما دامت لم تحتمله ويرجع فيه لشهادة نحو أربع نسوة نعم لو طلب ثقة تسليم مريضة ففيه وجهان رجح ابن المقري الوجوب والزركشي عدمه ولو قيل إن دلت قرينة حاله على قوة شبقه لم يجب وإلا وجب لم يبعد وتسلم له نحيفة لا بمرض عارض وإن لم تحتمل الجماع إذ لا غاية تنتظر وتمكنه مما عدا وطء لا منه إن خشيت إفضاءها وله الامتناع من تسلم صغيرة لا مريضة.
"فرع" العبرة فيما إذا غابت الزوجة عن محل العقد بمحله فلو تزوج امرأة في الكوفة ببغداد لزمها المؤنة لنفسها وطريقها ونحو محرم معها من الكوفة إلى بغداد لا إلى الموصل لو خرج إليه كذا أطلقوه وإنما يتجه اعتبار محل العقد إن كان الزوج به أما لو عقد له وكيله ببلد ليس هو بها فالعبرة ببلد الزوج فيما يظهر لأنه المتسلم لا العقد لأنها لم تخاطب بالإتيان إليه أصلا وإنما خوطبت بالإتيان للزوج ابتداء فاعتبر محله حالة العقد دون محل وكيله وظاهر كلامهم أنه لا فرق في اعتبار محل العقد بين علمها ببلد الزوج وعدمه ولو فصل لأنها في حالة العلم موطنة نفسها على الذهاب إليه بخلافها مع عدمه لم يبعد وقياس ما مر أن بلد العقد لو لم يصلح للتسليم اعتبر أقرب محل صالح إليه.
"ويستقر المهر بوطء" وإنما يحصل بتغييب الحشفة أو قدرها من فاقدها وإن لم تزل البكارة كما اقتضاه إطلاقهم وفارق ما مر في التحليل من عدم الفرق بين العوراء وغيرها بأن القصد به التنفير عن إيقاع الثلاث فإذا انضم إليه هذا كان أشد في التنفير "وإن حرم كوطء" دبر أو نحو "حائض" كما دلت النصوص القرآنية لا باستمتاع وإدخال ماء وإزالة بكارة بغير ذكر والمراد باستقراره الأمن من سقوط كله أو بعضه بنحو طلاق أو فسخ "وبموت أحدهما" في نكاح صحيح لا فاسد قبل وطء لإجماع الصحابة ولبقاء آثار النكاح

 

ج / 3 ص -276-        بعده من التوارث وغيره وقد لا يستقر بالموت كما مر فيما لو قتلت أمة نفسها أو قتلها سيدها وقد يسقط بعد استقراره كما لو اشترت حرة زوجها بعد وطء وقبل قبضها للصداق لأن السيد لا يثبت له على قنه مال كذا زعمه شارح وهو وجه والأصح أنه لا يسقط فإن قبضته فازت به وإلا رجعت عليه به بعد عتقه ولا نظر لكونها ملكته لأن الممتنع ابتداء إيجاب للسيد على قنه لا دوامه لأنه أقوى وقد لا يجب بالكلية كأن أعتق مريض أمة لا يملك غيرها وتزوجها وأجاز الورثة عتقها فإنه يستقر النكاح ولا مهر للدور إذ لو وجب رق بعضها فبطل نكاحها فبطل المهر "لا بخلوة في الجديد" لمفهوم قوله تعالى {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: 237] الآية والمس الجماع وما روي أن الخلفاء الراشدين قضوا به بالخلوة منقطع ولا يستقر بها في نكاح فاسد إجماعا.

فصل في بيان أحكام المسمى الصحيح والفاسد
"نكحها" بما لا يملكه كأن نكحها "بخمر أو حر أو مغصوب" صرح بوصفه بما ذكر أو أشار إليه فقط وقد علمه أو جهله "وجب مهر مثل" لفساد التسمية وبقاء النكاح هذا في أنكحتنا أما أنكحة الكفار فقد مر حكمها "وفي قول قيمته" أي بدله بتقدير الحر قنا والمغصوب مملوكا والخمر خلا أو عصيرا أو قيمته عند من يرى لها قيمة على تناقض في ذلك مر ما فيه وذلك لأن ذكره يقتضي قصده دون قيمة البضع ويرد بأنه لا عبرة بقصد ما لا قيمة له وذلك التقدير لا ضرورة إليه مع سهولة الرجوع للبدل الشرعي للبضع وهو مهر المثل ولو سمى نحو دم فكذلك وكان الفرق بينه وبين الخلع أن العقد أقوى من الحل فقوي هنا على إيجاب مهر وأيضا التسمية هنا غير شرط لإيجاب مهر المثل للانعقاد به عند السكوت عن مهر وثم التسمية شرط لإيجاب المسمى أو مهر المثل. وغاية ذكر الدم أنه كالسكوت عنه فيهما وهو موجب هنا لإثم وزعم أن تسمية الدم يتضمن التفويض يرد بأن التفويض منها لا بد فيه من التصريح بانتفاء التسمية في العقد وليس ذكر الدم متضمنا لذلك "أو بمملوك ومغصوب بطل فيه وصح في المملوك في الأظهر" تفريقا للصفقة وبه يعلم أنه لا بد من شروطها السابقة ثم وإلا كأن قدم الباطل بطلت التسمية ووجب مهر المثل "ويتخير" إن جهلت لأن المسمى كله لم يسلم لها "فإن فسخت فمهر مثل" يجب لها "وفي قوله قيمتهما" أي بدلهما "وإن أجازت فلها مع المملوك حصة المغصوب من مهر مثل بحسب قيمتهما" عملا بالتوزيع فلو ساوى كل مائة فلها نصف مهر المثل بدلا عن المغصوب "وفي قول تقنع به" أي المملوك ولا شيء لها معه. "زوجتك بنتي وبعتك ثوبها بهذا العبد" وهو ولي مالها أيضا أو وكيل عنها فيه "صح النكاح" لأنه لا يفسد بفساد المسمى "وكذا المهر والبيع في الأظهر" كما قدمه في تفريق الصفقة وأعاده هنا على وجه أبين فلا تكرار وخرج بثوبها ثوبي فإن المهر يفسد كبيع عبدين اثنين بثمن واحد "ويوزع العبد على" قيمة "الثوب ومهر مثل" فلو ساوى كل ألفا كان نصف العبد ثمنا ونصفه صداقا فيرجع إليه بطلاق قبل وطء ربعه ويفسخ نصفه هذا إن كان ما خص مهر المثل

 

ج / 3 ص -277-        يساويه فإن نقص عنه وجب مهر المثل قطعا. "ولو نكح" بألف بعضها مؤجل لمجهول فسد ووجب مهر المثل لا ما يقابل المؤجل لتعذر التوزيع مع الجهل بالأجل أو "بألف" مثلا "على" أو بشرط "أن لأبيها" أو غيره خلافا لمن وهم فيه ألف من الصداق أو غيره "أو" على أو بشرط "أن يعطيه" أو غيره بالتحتية "ألفا" كذلك وألحقت هذه بما قبلها لأن الإعطاء يقتضي الاستحقاق والتمليك أيضا ومن ثم صح بعتك هذا على أن تعطيني عشرة وتكون هي الثمن وزعم الصحة لاحق لأن يريد أن يعطيه ألفا من الصداق لها غير صحيح لأن الكلام فيما يتبادر من شرط الإعطاء وهو ما ذكرناه فلا نظر لإرادة خلافه بل إن فرض إرادتهما له لم يصح الصداق أيضا لأنه شرط على الزوج التسليم لغير المستحق. وظاهر أنه مفسد "فالمذهب فساد الصداق ووجوب مهر المثل" فيهما لأن الألف إن لم تكن من المهر فهو شرط عقد في عقد وإلا فقد جعل بعض ما التزمه في مقابلة البضع لغير الزوجة ففسد كما في البيع ومنه يؤخذ أنه لو نكحها بألف على أن يعطيها ألفا صح بالألفين وهو محتمل أما بالفوقية فهو وعد منها لأبيها وهو لا يفسد الصداق كذا قاله غير واحد وفيه نظر بل هو في نحو أنكحتكها بشرط أن تعطيني هي كذا شرط فاسد لأنه شرط عقد في عقد أيضا وأي فرق بين إعطائها الأب ما لا يجب عليها وعدم نفقتها الواجبة لها. "ولو شرط" في صلب العقد إذ لا عبرة بما يقع قبله أو بعده ولو في مجلسه بخلاف البيع في الأخيرة لأنه لما دخله الخيار كان زمنه بمثابة صلب عقده بجامع عدم اللزوم ولا كذلك هنا "خيارا في النكاح بطل النكاح" لمنافاته لوضع النكاح من الدوام واللزوم "أو" شرط خيارا "في المهر فالأظهر صحة النكاح" لأنه لاستقلاله لا يؤثر فيه فساد غيره "لا المهر" لأن الصداق لم يتمحض للعوضية بل فيه شائبة النحلة فلم يلق به الخيار لأنه إنما يكون في المعاوضة المحضة فيجب مهر المثل. "وسائر الشروط" أي باقيها "إن وافق مقتضى النكاح" كشرط القسم والنفقة "أو لم يتعلق به غرض" كأن لا تأكل إلا كذا "لغا" الشرط أي لم يؤثر في صحة النكاح والمهر لكنه في الأول مؤكد لمقتضى العقد فليس المراد بالإلغاء فيه بطلانه بخلاف الثاني وما أوهمه كلام شارح من استوائهما في البطلان وكلام آخر من استوائهما في عدمه غير صحيح "وصح النكاح والمهر" كالبيع "وإن خالف" مقتضاه "ولم يخل بمقصوده الأصلي" وهو الاستمتاع سواء أكان لها "كشرط أن لا يتزوج عليها أو" عليها كشرط أن "لا نفقة لها صح النكاح" لأنه إذا لم يفسد بفساد العوض فلأن لا يفسد بفساد الشرط المذكور أولى.
"تنبيه" قد يستشكل كون التزوج عليها من مقتضى النكاح بأن المتبادر أنه لا يقتضي منعه ولا عدمه ويجاب بمنع ذلك وادعاء أن النكاح ما دون الرابعة مقتض لحلها بمعنى أن الشارع جعله علامة عليه. "وفسد الشرط" لأنه مخالف للشرع وصح خبر "كل شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل".
"والمهر" إذ لم يرض شارط ذلك بالمسمى إلا عند سلامة شرطه فيجب مهر المثل "وإن أخل" الشرط بمقصود النكاح الأصلي "ك" شرط ولي الزوجة على الزوج "أن لا يطأها"

 

ج / 3 ص -278-        مطلقا أو في نحو نهار وهي محتملة له أو أن لا يستمتع بها "أو" شرط الولي أو الزوج أن "يطلقها" بعد زمن معين أو لا "بطل النكاح" للإخلال المذكور ولا تكرار في الأخيرة مع ما مر في التحليل كما يعلم بتأملهما خلافا لمن زعمه أما إذا كان الشارط لعدم الوطء هو الزوج فلا بطلان كما في الروضة وغيرها لأنه حقه فله تركه ولم تنزل موافقته في الأول منزلة شرطه حتى يصح أي حتى يعارض شرطها ويمنع تأثيره فاندفع ما يقال شرطه فلا يتخيل هذا التنزيل حتى يحتاج لدفعه ولا موافقتها في الثاني منزلة شرطها حتى يبطل تغليبا لجانب المبتدئ لقوة الابتداء فأنيط الحكم به دون المساعد له على شرطه دفعا للتعارض وأما إذا لم تحتمله فشرطت عدمه مطلقا إن أيس من احتمالها له كرتقاء لا متحيرة لاحتمال الشفاء أو إلى زمن احتماله أو شفاء المتحيرة فلا يضر لأنه تصريح بمقتضى الشرع.
"تنبيه" نقل الشيخان على الحناطي أن من هذا القسم ما لو شرط أن لا ترثه أو أن يرثها أو أن ينفق عليها غيره ثم قالا وفي قول يصح ويبطل الشرط قال جمع متأخرون وهذا هو الأصح لأن الشرط المذكور لا يخل بمقصود العقد أي وهو الاستمتاع وأقول إنما سكتا عليه لأن ضعفه معلوم من قولهما كالأصحاب بالصحة في شرط أن لا نفقة لها إذ كيف يتعقل فرق بين شرط عدم النفقة من أصلها وشرط كونها على الغير وما يتعقل من فرق بين ذلك خيال لا أثر له فإن قلت أعظم غاية للنكاح الإرث فنفيه مساو لنفي نحو الوطء قلت ممنوع إذ لا يلزم من النكاح الإرث إذ قد يمنعه نحو رق أو كفر بخلاف الوطء فإنه لازم لذات النكاح وإن منع منه نحو تحير على أنه لو نظر لذلك كان نفي النفقة كذلك ويفرق بينا نحو النفقة والوطء بأن المقصود من شرع النكاح التناسل المتوقف على الوطء دون نحو النفقة فكان قصده أصليا وقصد غيره تابعا.
"ولو نكح نسوة بمهر" واحد كأن زوجه بهن جدهن أو عمهن أو معتقهن أو وكيل أوليائهن "فالأظهر فساد المهر" للجهل بما يخص كلا منهن حالا مع اختلاف المستحق ومن ثم لو زوج أمتيه بقن صح بالمسمى "ولكل مهر مثل". "ولو نكح" ولي أب أو جد "لطفل" أو مجنون أو سفيه "بفوق مهر مثل" بما لا يتغابن بمثله من مال الولي ومهر مثلها يليق به على ما مر في مبحث نكاح السفيه وغيره "أو أنكح بنتا" له بموحدة فنون ففوقية كما بخطه "لا" بمعنى غير لعدم وجود شرط العطف بها كما مر في قوله لا طهور ظهر إعرابها فيما بعدها لكونها بصورة الحرف "رشيدة" كمجنونة وبكر صغيرة أو سفيهة بدون مهر المثل "أو" أنكح بنتا له "رشيدة بكرا بلا إذن" منها له في النقص عن مهر المثل "بدونه" أي مهر المثل بما لا يتغابن به. "فسد المسمى" لانتفاء الحظ المشترط في تصرف الولي بالزيادة في الأولى والنقص فيما بعدها أما من مال الولي فيصح كما رجحه المتأخرون لأن في إفساده إضرارا بالابن بإلزامه بكمال المهر في ماله ولظهور هذه المصلحة لم ينظروا لتضمنه دخوله في ملك المولى قيل هذا التركيب غير مستقيم لأن لا إذا دخلت على مفرد صفة لسابق وجب تكرارها نحو
{لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ} [البقرة: 68] {لا

 

ج / 3 ص -279-        شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ} [النور: 35] ا هـ وأخذ ذلك من قول المغني وكذا يجب تكرير لا إذا دخلت على مفرد خبر أو صفة أو حال كزيد ولا شاعر ولا كاتب وجاء زيد لا ضاحكا ولا باكيا {لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ} [البقرة: 68] {لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ} [الواقعة:44] {لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ} [الواقعة:33] {لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ} [النور: 35] ا هـ ملخصا ويلزمه إجراء ذلك في طاهر لا طهور مع أنه وغيره أقروه وجعلوا لا فيه بمعنى غير صفة لما قبلها ظهر إعرابها فيما بعدها لكونها بصورة الحرف وقول السعد في لا هذه يحتمل أنها حرف إلى آخره لا يرد عليهم لأنه احتمال بعيد جدا وجعلهم لا في الآية الآتية بمعنى غير محمول على أنه تفسير معنى لا إعراب ولا ينافي ذلك ما ذكر عن المغني لأن محله كما هو واضح ودلت عليه مثلهم فيما إذا أريد الإخبار أو الوصف أو الحال بنفي متقابلين فيجب تكرير لا حينئذ لأن عدمه يوهم أن القصد نفي المجموع لا كل منهما على حدته كما صرح به السعد في لا ذلول أنها اسم بمعنى غير لكن لكونها بصورة الحرف ظهر إعرابها فيما بعدها ويحتمل أن تكون حرفا كما تجعل إلا بمعنى غير كما في مثل {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الانبياء: 22] مع أنه لا قائل باسميتها أي إلا ثم قال في قول الكشاف لا الثانية مزيدة لتأكيد الأولى. الثانية حرف زيدت لتأكيد النفي والتأكيد لا ينافي الزيادة على أنه يفيد التصريح بعموم النفي إذ بدونها ربما يحمل اللفظ على نفي الاجتماع ولهذا تسمى لا المذكرة للنفي ا هـ ولم ينظر السعد إلى اعتراض أبي حيان الزمخشري بقوله ما ملخصه زعمه التأكيد مع الزيادة ليس بشيء لأن لا ذلول صفة منفية بلا فيجب تكرير نافيه لما دخلت عليه وتقديره لا ذلول مثيرة ولا ساقية وهو ممتنع كجاءني رجل لا كريم ا هـ لأن الحق أن ما ألزم به الزمخشري لا يلزمه إذ الزيادة لأجل تأكيد النفي لا يتوهم ما مر لا تنافي وجوب التكرير ولا توجب أن تقدير الآية ما ذكره ولا أنه مثل جاء رجل لا كريم فتأمله ليظهر لك أيضا أن الزيادة والتأكيد هنا غيرهما في نحو {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ} ومن ثم قال ابن جني أن لا هنا مؤكدة قائمة مقام إعادة الجملة مرة أخرى وفي المغني في نحو ما جاءني زيد ولا عمرو يسمونها زائدة وليست بزائدة ألبتة إذ مع حذفها يحتمل نفي مجيء كل منهما على كل حال ونفي اجتماعهما في وقت المجيء فإذا جيء بها صار نصا في المعنى الأول بخلاف {وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلا الْأَمْوَاتُ} [فاطر: 22] أنها لمجرد التأكيد ا هـ وهو موافق لما مر عن السعد ومؤيد لما رددت به ما مر عن أبي حيان. واعلم أن لا في كل ما ذكر بمعنى غير فما وقع لبعضهم أن التي بمعنى غير قسيمة لما يجب تكريرها غير مراد وقد صرحوا بأن لا العاطفة والجوابية لم يقعا في القرآن ويجب تكرير لا أيضا إذا وليها جملة اسمية صدرها معرفة أو نكرة ولم تعمل فيها أو فعل ماض ولو تقديرا.
"والأظهر صحة النكاح بمهر المثل" لأن فساد الصداق لا يفسده كما مر وفارق عدم صحته من غير كفء بأن إيجاب مهر المثل هنا تدارك لما فات من المسمى وذاك لا يمكن تداركه.
"ولو توافقوا" أي الزوج والولي والزوجة الرشيدة فالجمع باعتبارها أو باعتبار من ينضم

 

ج / 3 ص -280-        للفريقين غالبا "على مهر سرا وأعلنوا بزيادة فالمذهب وجوب ما عقد به" أولا إن تكرر عقد قل أو كثر اتحدت شهود السر والعلن أم لا لأن المهر إنما يجب بالعقد فلم ينظر لغيره ويؤخذ من أن العقود إذا تكررت اعتبر الأول مع ما يأتي أوائل الطلاق أن قول الزوج لولي زوجته زوجني كناية بخلاف زوجها فإنه صريح أن مجرد موافقة الزوج على صورة عقد ثان مثلا لا يكون اعترافا بانقضاء العصمة الأولى بل ولا كناية فيه وهو ظاهر ولا ينافيه ما يأتي قبيل الوليمة أنه لو قال كان الثاني تجديد لفظ لا عقدا لم يقبل لأن ذاك في عقدين ليس في ثانيهما طلب تجديد وافق عليه الزوج فكان الأصل اقتضاء كل المهر وحكمنا بوقوع طلقة لاستلزام الثاني لها ظاهرا وما هنا في مجرد طلب من الزوج لتحمل أو احتياط فتأمله. "ولو قالت لوليها زوجني بألف فنقص عنه بطل النكاح" كما لو قالت له زوجني من زيد فزوج من عمرو "فلو أطلقت" له الإذن بأن لم تتعرض فيه لمهر "فنقص عن مهر مثل بطل" لأن الإذن المطلق محمول على مهر المثل فكأنها قيدت به وفي قول يصح بمهر المثل وكذا لو زوجها بلا مهر "قلت الأظهر صحة النكاح في الصورتين" صورة التقييد وصورة الإطلاق "بمهر المثل والله أعلم" كما في سائر الأسباب المفسدة للصداق ولأن البضع له مرد شرعي يرد إليه وبه فارق تزويجه من عمرو فيما ذكر وبحث الزركشي كالبلقيني أنها لو كانت سفيهة فسمى دون مأذونها لكنه زائد على مهر مثلها انعقد بالمسمى لئلا يضيع الزائد عليها وطرداه في الرشيدة وهو متجه في السفيهة لا لما نظرا إليه بل لأنه لا مدخل لإذنها في الأموال فكأنها لم تأذن في شيء فكما انعقد هنا المسمى الزائد فكذلك في مسألتنا لا في الرشيدة لأن إذنها معتبر في المال أيضا فاقتضت مخالفته ولو بما فيه مصلحة لها فساد المسمى ووجوب مهر المثل. وخرج بنقص عنه ما لو زاد عليه فينعقد بالزائد كما في نظيره من وكيل البيع المأذون له فيه بقدر فزاد عليه فالإفتاء بأنه يجب مهر المثل وبأنه يجب ما سمته ويلغو الزائد لأنها قد تقصد المحاباة كلاهما فيه نظر نعم ينبغي أن يأتي هنا ما لو قالوه في وكيل عين له قدر مع تعيين المشتري أو النهي عن الزيادة فتمتنع الزيادة عليه فيهما فكذا هنا إذا عينت الزوج والقدر أو نهت عن الزيادة تمتنع الزيادة وحينئذ فيحتمل وجوب مهر المثل لفساد بعض المسمى ويحتمل وجوب ما سمته فقط لإلغاء تسمية الزائد من أصله والأول أقرب وهذا الإلغاء هو السبب في فساد المسمى فهو كما مر فيما لو نكح لموليه بفوق مهر المثل إذ إلغاء الزائد على مهر المثل هنا كإلغاء الزائد في مسألتنا وبهذا يرد على من ما قال في الإفتاء الأول أنه ليس بشيء كالثاني ثم رأيت بعضهم بحث ما ذكرته فيما إذا عين الزوج والقدر.
"تنبيه" قد يشكل على صحيح المحرر البطلان هنا عن الإطلاق قوله أو أنكح بنتا إلى آخره فتأمله وكما أن إذنها المطلق هنا لا ينصرف إلا لمهر المثل فكذلك إذن الشارع له في إجبارها إنما هو شرط كونه بمهر المثل بل هذا أولى بالبطلان لأن مخالفة إذن الشارع أفحش ولك أن تفوق بأن ولاية المجبر أقوى من ولاية غيره فآثرت المخالفة في هذه دون تلك.

 

ج / 3 ص -281-        فصل في التفويض
وهو لغة رد الأمر للغير وشرعا إما تفويض بضع وهو إخلاء النكاح عن المهر وإما تفويض مهر كزوجني بما شئت أو شاء فلان والمراد هنا الأول وتسمى مفوضة بالكسر وهو واضح وبالفتح وهو أفصح لأن الولي فوض أمرها إلى الزوج أي جعل له دخلا في إيجابه بفرضه الآتي وكان قياسه وإلى الحاكم لكن لما كان كنائبه لم يحتج لذكره.
إذا "قالت" حرة "رشيدة" بكر أو ثيب أو سفيهة مهملة كما علم من كلامه في الحجر ولا يدخل في الرشيدة الصبية خلافا لمن زعمه وقوله في الصيام أو صبيانا رشداء مجاز عن اختبار صدقهم كما علم مما قدمته فيه لوليها "زوجني بلا مهر" أو على أن لا مهر لي "فزوج ونفى المهر أو سكت" عنه أو زوج بدون مهر المثل أو بغير نقد البلد أو بمهر مؤجل أو قال زوجتكها وعليك لها مائة ويوجه بأن ذكر المهر ليس شرطا لصحة النكاح فلم يكن في قوله وعليك إلزام بل طلب وعد منه لا يلزم وبه فارق نظيره في البيع فإن المائة تكون ثمنا لتوقف الانعقاد عليه فكان إلزاما محضا "فهو تفويض صحيح" كما علم من حده وسيأتي حكمه وخرج بقوله بلا مهر قولها زوجني فقط فليس تفويضا على المعتمد لأن إذنها محمول على مقتضى الشرع والعرف من المصلحة لاستحيائها من ذكر المهر غالبا وبه فارق ما يأتي في السيد وبنفي إلى آخره ما لو أنكحها بمهر المثل حالا من نقد البلد فإنه يصح بالمسمى ولو قالت زوجني بلا مهر حالا ولا مآلا وإن وقع وطء تفويض صحيح كما انتصر له الزركشي وفاسد على ما رجحه الأذرعي على أن شارحا نقل عنه ما يصرح بأنه رجح الأول فلعل كلامه اختلف "وكذا لو قال سيد أمة زوجتكها بلا مهر" إذ هو المستحق كالرشيدة. وكذا لو سكت على المنصوص المعتمد وظاهر أنه لو أذن لآخر في تزويج أمته وسكت عن المهر فزوجها الوكيل وسكت عنه لم يكن تفويضا لأن الوكيل يلزمه الحط لموكله فينعقد بمهر المثل نظير ما مر في ولي أذنت له وسكتت والمكاتبة كتابة صحيحة مع سيدها كحرة كما بحثه الأذرعي وفيه نظر لما يأتي أن التفويض تبرع وهي لا تستقل به إلا بإذن السيد إلا أن يجاب بأن تعاطيه لذلك متضمن للإذن لها فيه وخرج بقوله زوجتكها بلا مهر وما ألحق به زوجه بدونه أو بمؤجل أو من غير نقد البلد فينعقد به ولا تفويض "ولا يصح تفويض غير رشيدة" كغير مكلفة وسفيهة محجور عليها لأنها ليست من أهل التبرع أما إذنها في النكاح المشتمل على التفويض فصحيح. "وإذا جرى تفويض صحيح فالأظهر أنه لا يجب شيء بنفس العقد" وإلا لتشطر بطلاق قبل وطء وقد دل القرآن على أنها لا تستحق إلا المتعة نعم إن سمى مهر المثل حالا من نقد البلد انعقد به ولا يرد هذا على المتن فإنه فرض كلامه أولا فيما إذا نفى المهر أو سكت ومثله كما مر ما إذا ذكر دون مهر المثل أو غير نقد البلد أو مؤجلا واعترض قوله شيء بأنه أوجب شيئا هو أحد أمرين المهر أو ما يتراضيان به وذلك يتعين بتراضيهما أو بالوطء أو بالموت ويرد بما يأتي من إشكال الإمام وأنه لو طلق قبل فرض ووطء لم يجب شطر

 

ج / 3 ص -282-        فعلم أنه لم يجب بنفس العقد شيء من المال أصلا وأما لزوم المال بطارئ فرض أو وطء أو موت فوجوب مبتدأ وإن كان العقد هو الأصل فيه "فإن وطئ" المفوضة ولو باختيارها "فمهر مثل" لأن البضع حق لله تعالى إذ لا يباح بالإباحة ومر في نكاح المشرك أن الحربيين لا الذميين لو اعتقدوا أن لا مهر لمفوضة مطلقا عملنا به وإن أسلما قبل الوطء لسبق استحقاقه وطئا بلا مهر وكذا لو زوج أمته عبده ثم أعتقها أو أحدهما أو باعها لآخر ثم دخل بها الزوج فلا مهر لها ولا للبائع "ويعتبر" مهر المثل أي صفاتها المراعاة فيه كما يأتي "حال العقد في الأصح" الذي عليه الأكثرون لأنه السبب للوجوب كما يأتي, وقيل يجب أكثر مهر من العقد إلى الوطء وصححه في أصل الروضة لأن البضع لما دخل في ضمانه واقترن به إتلاف وجب الأقصى كالمقبوض بالبيع الفاسد وعليه فلو مات قبل الوطء اعتبر يوم العقد على الأوجه لأنه الأصل. "ولها قبل الوطء مطالبة الزوج بأن يفرض" لها "مهرا" لمثلها لتكون على بصيرة من تسليم نفسها واستشكله الإمام بأنا إن قلنا يجب مهر مثل بالعقد فما معنى المفوضة وإن قلنا ثم يجب به شيء فكيف تطلب ما لا يجب قال ومن طمع أن يلحق ما وضعه على الإشكال بما هو طلب مستحيلا ا هـ ويجاب بأن معنى المفوضة على الأول أنه يجوز للولي إخلاء العقد عن التسمية وكفى بدفع الإثم عنه فائدة ومعنى وإنما طلبت ذلك على الثاني لأنه جرى سبب وجوبه فالعقد سبب للوجوب بنحو الفرض لا أنه موجب للمهر وفرق واضح بينهما "و" لها "حبس نفسها ليفرض" لما مر "وكذا لتسليم المفروض في الأصح" كما لها ذلك في المسمى في العقد إذ ما فرض بعده بمنزلة وما سمي فيه ولو خافت الفوت بالتسليم جاز لها ذلك قطعا "ويشترط رضاها بما يفرضه الزوج" وإلا فكما لو لم يفرض لأن الحق لها نعم إن فرض لها مهر مثلها باعترافها حالا من نقد بلدها لم يشترط رضاها كما نقله ابن داود عن الأصحاب, وأطال الأذرعي في الانتصار له لأنها إذا رفعته لقاض لم يفرض غير ذلك فامتناعها عبث وتعنت "لا علمهما" أي الزوجين وفي نسخ علمها والأول منقول عن خطه "بقدر مهر مثل في الأظهر" لأن ما يتفقان عليه ليس بدلا عنه بل الواجب أحدهما, "ويجوز فرض مؤجل في الأصح" بالتراضي كما يجوز تأجيل المسمى ابتداء "و" يجوز فرض "فوق مهر المثل" ولو سن جنسه لما مر أنه غير بدل "وقيل لا إن كان من جنسه" لأنه بدل عنه فلا يزاد عليه "ولو امتنع" الزوج "من الفرض أو تنازعا فيه" أي قدر المفروض ورفع الأمر للقاضي بدعوى صحيحة "فرض القاضي" وإن لم يرضيا بفرضه لأنه حكم منه لأن منصبه فصل الخصومات "نقد البلد" أي بلد الفرض فيما يظهر وعليه فهل يعتبر يوم العقد أو الفرض كل محتمل لكن قياس ما مر من اعتبار مهر المثل هنا بيوم العقد اعتبار نقد بلد الفرض يوم العقد بل لو اعتبر محل العقد يومه لم يبعد ولا ينافي قولنا بلد الفرض من عبر ببلد المرأة لاستلزام الفرض حضورها أو حضور وكيلها فالتعبير ببلد الفرض لتدخل هذه الصورة أولى. وإذا اعتبر بلد الفرض أو بلدها فقد ذكروا في اعتبار قدره أنه لا يعتبر بلدها إلا إن كان بها نساء قراباتها أو بعضهن وإلا اعتبر بلدهن إن جمعهن بلد وإلا اعتبر أقربهن

 

ج / 3 ص -283-        لبلدها فإن تعذرت معرفتهن اعتبرت أجنبيات بلدها كما يأتي فقياسه أن ذلك يعتبر في صفته أيضا كما جزم به بعضهم بل هذا لازم لذاك وإلا لتعذرت معرفة قدره من أصله إذ لا فائدة لمعرفة عشرة مثلا من غير أن تعرف من أي نقد هي "حالا" وإن رضيت بغيرهما أو اعتيد ذلك لما مر أن في البضع حقا لله تعالى بل لو اعتاد نساؤها التأجيل لم يؤجل على المعتمد بل يفرض مهر مثلها حالا وينقص منه ما يقابل الأجل "قلت ويفرض مهر مثل" حالة العقد بلا زيادة ولا نقص لأنه قيمة البضع نعم يغتفر يسير يقع في محل الاجتهاد بأن يتغابن به نظير ما مر في الوكيل وقضية كلام الشيخين منع الزيادة وانتقص وإن رضيا وهو متجه نظير ما مر وإن اختار الأذرعي خلافه لكن قال الغزي قد يقال إذا تراضيا خرجت الحكومة عن نظر القاضي والكلام فيما إذا فصلت الحكومات بحكم بات ا هـ ويرد بأن مرادهم أن حكمه البات بمهر المثل لا يمنعه رضاهما بخلافه وبدونه أو أكثر منه لا يجوزه رضاهما به "ويشترط علمه به" أي بقدر مهر المثل "والله أعلم" حتى لا يزيد عليه ولا ينقص منه لأنه متصرف لغيره فإن قلت ينبغي أن يكون هذا شرط جواز تصرفه لا لنفوذه لو صادفه في نفس الأمر قلت لا بل الذي دل عليه كلامهم أنه شرط لهما لأن قضاء القاضي مع الجهل لا ينفذ وإن صادف الحق. "ولا يصح فرض أجنبي" ولو "من ماله" بغير إذن الزوج سواء العين والدين "في الأصح" وإنما جاز أداؤه دين غيره من غير إذنه لأنه لم يسبق ثم عقد مانع منه وهنا الفرض تغيير لما يقتضيه العقد وتصرف فيه فلم يلق بغير العاقد ومأذونه "والفرض الصحيح" منهما أو من القاضي "كمسمى فيتشطر بطلاق قبل وطء" كالمسمى في العقد أما الفاسد كخمر فلغو فلا يجب شيء حتى يتشطر وإنما اقتضى الفاسد في ابتداء العقد مهر المثل لأنه أقوى بكونه في مقابلة عوض وهنا دوام سبقه الخلو عن العوض فلم ينظر للفاسد. "ولو طلق قبل فرض ووطء فلا شطر" لمفهوم قوله تعالى {وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: 237] ولها المتعة كما يأتي "وإن مات أحدهما قبلهما" أي الفرض والوطء "لم يجب مهر مثل في الأظهر" كالفرقة بالطلاق "قلت الأظهر وجوبه والله أعلم" للخبر الصحيح خلافا لمن وهم فيه بقضائه صلى الله عليه وسلم بذلك لبروع رضي الله عنها.

فصل في بيان مهر المثل
"مهر المثل ما يرغب به" عادة "في مثلها" نسبا وصفة "وركنه الأعظم" في النسبية "نسب" ولو في العجم على الأوجه لأن التفاخر إنما يقع به غالبا فتختلف الرغبات به مطلقا "فيراعى" من أقاربها حتى تقاس هي عليها "أقرب من تنسب" من نساء العصبة "إلى من تنسب" هذه التي تطلب معرفة مهرها "إليه" كأخت وعمة لا أم وجدة وخالة لقضائه صلى الله عليه وسلم بمهر نساء بروع في الخبر السابق أما مجهولة النسب فركنه الأعظم فيها نساء الأرحام كما يعلم مما يأتي "وأقربهن أخت لأبوين" لإدلائها بجهتين "ثم" إن فقدت أو جهل مهرها أو كانت مفوضة ولم يفرض لها مهر مثل أخت "لأب ثم بنات أخ" فابنه وإن سفل "ثم عمات" لا بناتهن وإيرادهن عليه وهم "كذلك" أي لأبوين ثم لأب ثم

 

ج / 3 ص -284-        بنات عم ثم بنات ابنه وإن سفل كذلك. قيل قضية كلامه كالرافعي أن بعد بنات الأخ تنتقل للعمات حتى لو وجدت بنت بنت أخ وعمة قدمت العمة وليس كذلك بل المراد تقديم جهة الأخوة على جهة العمومة وبه صرح الماوردي ا هـ وهو عجيب وإن جرى عليه الزركشي وغيره إذ ما ذكر في بنت بنت الأخ وهم كيف وهذه خارجة عما الكلام فيه وهو نساء العصبات المصرح بهن قوله وأقربهن إلى آخره ولو أوردوا عليه أن قضيته أن بنت ابن الأخ لا تقدم على العمة وليس كذلك لكان هو الصواب وقد يجاب بأنه أراد بالأخ جهة الأخوة فيشمل كل من نسبت إلى فرع الأخ الذكر من جهة أبيها "فإن فقد نساء العصبة" بأن لم يوجدن وإلا فالميتات يعتبرن أيضا "أو لم ينكحن" استشكل مع الضبط بأنه ما يرغب به في مثلها الصريح في أن العبرة بفرض الرغبة فيها لو نكحت الآن فاستوت المنكوحة وغيرها ويرد بأن المنكوحة استقرت لها رغبة فاعتبرت مع ما فيها بما يقتضي زيادة أو نقصا وغيرها ملحظ ما به الرغبة فيها مختلف إذ ما بالقوة يقع الاختلاف فيه كثيرا فأعرضوا عن ذلك وانتقلوا لما لا اختلاف فيه من اعتبار المنكوحات من نساء الأرحام فالأجنبيات "أو جهل مهرهن فأرحام" أي قرابات للأم من جهة الأب أو الأم فهن هنا أعم من أرحام الفرائض من حيث شموله للجدات الوارثات وأخص من حيث عدم شموله لبنات العمات والأخوات ونحوهما "كجدات وخالات" لأنهن أولى بالاعتبار من الأجانب تقدم القربى فالقربى من جهات أو جهة. وقضية كلامهما عدم اعتبار الأم واعترض بأنها كيف لا تعتبر وتعتبر أمها ومن ثم قال الماوردي والروياني تقدم الأم فالأخت للأم فالجدات فإن اجتمع أم أب وأم أم فوجوه والذي يتجه استواؤهما ثم الخالة ثم بنات الأخوات أي للأم ثم بنات الأخوال ولو لم يكن في نساء عصباتها من بصفتها فهن كالعدم كما صرح به جمع واعتمده الأذرعي ولو قيل يعتبر النسب ثم ينقص أو يزاد لفقد الصفات ما يليق بها نظير ما يأتي لكان أقرب وكون ذاك فيه مشاركة في بعض الصفات بخلاف هذا لا تأثير له إذ ملحظ التفاوت موجود في الكل وتعتبر الحاضرات منهن فإن غبن كلهن اعتبرن دون أجنبيات بلدها كما جزما به وإن اعترضا فإن تعذر أرحامها فنساء بلدها ثم أقرب بلد إليها نعم يقدم منهن من ساكنها في بلدها قبل انتقالها للأخرى ويعتبر في المتفرقات أقربهن لبلدها ثم أقرب النساء بها شبها وتعتبر عربية بعربية مثلها وأمة وعتيقة بمثلها مع اعتبار شرف السيد وخسته وقروية وبلدية وبدوية بمثلها.
"تنبيه" علم من ضبط نساء العصبة ونساء الأرحام بما ذكر أن من عدا هذين من الأقارب كبنت الأخت من الأب في حكم الأجنبيات وكان وجهه أن العادة في المهر لم تعهد إلا باعتبار الأوليين دون الأخيرة.
"ويعتبر" مع ذلك "سن وعقل ويسار" وضدها "وبكارة وثيوبة و" كل "ما اختلف به غرض" كجمال وعفة وفصاحة وعلم فمن شاركتهن في شيء منها اعتبر وإنما لم يعتبر نحو المال والجمال في الكفاءة لأن مدارها على دفع العار ومدار المهر على ما تختلف به الرغبات "فإن اختصت" عنهن "بفضل" بشيء مما ذكر "أو نقص" بشيء من ضده زيد عليه

 

ج / 3 ص -285-        أو نقص عنه "لائق بالحال" بحسب ما يراه قاض باجتهاده "ولو سامحت واحدة" هي مثال للقلة والندرة لا قيد من نسائها "لم تجب موافقتها" اعتبارا بغالبهن نعم إن كانت مسامحتها لنقص دخل في النسب وفتر الرغبة فيه اعتبر. "ولو خفضن" كلهن أو غالبهن "للعشيرة" أي الأقارب "فقط اعتبر" في حقهم دون غيرهم سواء مهر الشبهة وغيرها خلافا للإمام بل ذكر الماوردي أنهن لو خفضن لدناءتهن لغير العشيرة فقط اعتبر أيضا وكذا لو خفضن لذوي صفة كشباب أو علم وعلى هذا يحمل قول جمع يعتبر المهر بحال الزوج أيضا من نحو علم فقد يخفف عنه دون غيره ومر أنهن لو اعتدن التأجيل فرض الحاكم حالا ونقص لائقا بالأجل فإذا اعتدن التأجيل في كله أو بعضه نقص للتعجيل ما يليق بالأجل ويظهر أنه إذا اعتيد التأجيل بأجل معين مطرد جاز للولي ولو حاكما العقد به وذلك النقص الذي ذكروه محله في فرض الحاكم لأنه حكم بخلاف مجرد العقد به. ثم رأيت السبكي ذكر ذلك تفقها والعمراني سبقه إليه حيث قال بخلاف المسمى ابتداء كأن زوج صغيرة وكانت عادة نسائها أن ينكحن بمؤجل وبغير نقد البلد فإنه يجوز له الجري على عادتهن. وقد يجاب بأن الاحتياط للمولية اقتضى تعين الحال لكن مع نقص ما يليق بالأجل الذي اعتدنه ويؤيده ما مر أن الولي لا يبيع به وإن اعتيد إلا لمصلحة وعلى اعتماد البحث فالذي يظهر أنه يشترط هنا ما في الولي إذا باع بمؤجل للمصلحة من يسار المشتري وعدالته وغيرهما وأنه يشترط أيضا فيمن يعتدنه أن يعتدن أجلا معينا مطردا فإن اختلفن فيه احتمل إلغاؤه واحتمل اتباع أقلهن فيه. "وفي وطء نكاح فاسد" يجب "مهر المثل" لاستيفائه منفعة البضع ويعتبر مهرها "يوم الوطء" أي وقته لأنه وقت الإتلاف لا العقد لفساده "فإن تكرر" ذلك "فمهر" واحد ولو في نحو مجنونة لاتحاد الشبهة في الكل فلا نظر لكونها سلطته أو لا خلافا لما بحثه الأذرعي ثم إن اتحدت صفاتها في كل تلك الوطآت فواضح وإلا كأن كانت في بعض الوطآت مثلا سليمة سمينة وفي بعضها بضد ذلك اعتبر مهرها "في أعلى الأحوال" إذ لو لم توجد إلا بتلك الوطأة وجب ذلك العالي فإن لم تقتض البقية زيادة لم تقتض نقصا. "قلت ولو تكرر وطء بشبهة واحدة فمهر" واحد لشمول الشبهة هنا للكل أيضا وخصه العراقيون فيما إذا لم يطأ بعد أداء المهر وإلا وجب لما بعد أدائه مهر آخر واستحسنه الأذرعي وجزم به غيره ويشهد له ما مر في الحج أن محل تداخل الكفارة ما لم يتخلل تكفير وإلا وجبت أخرى لما بعد وهكذا ولا يجب مهر لحربية أو مرتدة ماتت مرتدة أو أمة سيده التي وطئها بشبهة "فإن تعدد جنسها" كأن وطئها بنكاح فاسد ثم يظنها أمته أو اتحد وتعددت هي كأن وطئها بظنها زوجته ثم انكشف الحال ثم وطئها بذلك الظن "تعدد المهر" لأن تعددها كتعدد النكاح. "ولو كرر وطء مغصوبة" غير زانية كنائمة أو مكروهة أو مطاوعة لشبهة اختصت بها "أو مكرهة على زنا" وإن لم تكن مغصوبة إذ لا يلزم من الوطء ولو مع الإكراه الغصب فزعم شارح اختصاص الأولى بالمكرهة وأنه لا وجه لعطف هذه عليها غلط فاحش "تكرر المهر" لأن سببه الإتلاف وقد تعدد بتعدد الوطآت. "ولو تكرر وطء الأب" جارية ابنه ولم تحمل "والشريك" الأمة المشتركة "وسيد"

 

ج / 3 ص -286-        بالتنوين ويجوز تركه "مكاتبة" له أو لمكاتبه "فمهر" واحد فيهن وإن طال الزمان بين كل وطأتين كما شمله كلامهم لاتحاد الشبهة في جميعهن "وقيل مهور" لتعدد الإتلاف في ملك الغير مع العلم بالحال "وقيل إن اتحد المجلس فمهر وإلا فمهور والله أعلم" لانقطاع كل مجلس عن الآخر ومحل ما ذكر في المكاتبة إن لم تحمل فإن حملت خيرت بين بقاء الكتابة وفسخها لتصير أم ولد فإن اختارت الأول وجب مهر فإذا وطئها ثانيا خيرت كذلك فإن اختارت الأول فمهر آخر وهكذا ذكره جمع عن النص واعتمدوه ولا يخلو عن نظر ولأنها باختيارها الأول كل مرة تصير الشبهة واحدة وهي الملك فلم يظهر للتعدد وجه كما هو واضح على أن الحمل لا خصوصية له في ذلك ولو فرض اعتماده ومن ثم حذفه شارح.
"تنبيه" العبرة في الشبهة الموجبة للمهر بظنها كما مر وحينئذ فهل العبرة في التعدد بظنها أو بظنه أو يفرق بين أن تكون الشبهة منهما فيعتبر ظنه لأنه أقوى أو منها فقط فيعتبر ظنها؟ كل محتمل والأخير أوجه.

فصل في تشطير المهر وسقوطه
"الفرقة" في الحياة كما علم من كلامه السابق "قبل وطء" في قبل أو دبر ولو بعد استدخال مني كما مر "منها" كفسخها بعيبه أو بإعساره أو بعتقها وكردتها أو إسلامها تبعا كما قاله القفال وأما جزم شيخنا بأنه لا فرق تبعا لابن الحداد فهو لا يلائم ما قالوه فيما لو أرضعته أمها أو أرضعتها أمه بجامع أن إسلام الأم كإرضاعها سواء فكما لم ينظروا لإرضاعها فكذلك لا ينظروا لإسلامها ولا ما حكاه الغزالي عن الأصحاب من التشطير فيما لو طيرت الريح نقطة لبن من الحالبة إلى فيها فابتلعتها بل مسألة الرضاع الثانية أولى إذ منها فعل وهو المص والازدراد ولم ينظروا إليه والمسلمة تبعا لا فعل منها ألبتة وقد جرى الشيخ في ردتهما معا على التشطير تغليبا لسببه فقياسه هنا ذلك إذ الفرقة نشأت من إسلامها وتخلفه فليغلب سببه أيضا ويأتي في المتعة أن إسلامها تبعا كإسلامها استقلالا فلا متعة ولا يرد لأن الشطر أقوى لقولهم وجوبه آكد فلم يؤثر فيه إلا مانع قوي بخلاف المتعة أو إرضاعها له أو لزوجة أخرى له أو ملكها له أو ارتضاعها كأن دبت وارتضعت من أمه مثلا. "أو بسببها كفسخه بعيبها" ولو الحادث أو منهما كأن ارتدا معا على الأوجه من تناقض المتأخرين في فهم كلام الرافعي وفي الترجيح حتى ناقض جمع منهم نفوسهم في كتبهم وذلك لأنهم لم ينظروا لما من الزوج إلا حيث انتفى سببها كما صرح به المتن وغيره وهو هنا لم ينتف فغلب لأن المانع للوجوب مقدم على المقتضي له وتصريح الروياني بالتشطير ضعيف ويفرق بينه وبين الخلع بأنه لا سبب لها فيه وإنما غايته أن بذلها حامل عليه والفرق ظاهر بين السبب والحامل عليه عرفا أو من سيدها كأن وطئ أمته المزوجة لبعضه أو أرضعت أمتها مع زوجها "تسقط المهر" المسمى ابتداء والمفروض بعدو مهر المثل لأن فسخها إتلاف للمعوض قبل التسليم فأسقط عوضه كإتلاف البائع المبيع

 

ج / 3 ص -287-        قبل القبض وفسخه الناشئ عنها كفسخها وإنما لم يلزم أباها المسلم مهر لها مع أنه فوت بدل بضعها بناء على أن تبعيتها فيه كاستقلالها بخلاف المرضعة يلزمها المهر وإن لزمها الإرضاع لتعينها لأن لها أجرة تجبر ما تغرمه والمسلم لا شيء له فلو غرم لنفر عن الإسلام ولأجحفنا به وجعل عيبها كفسخها ولم يجعل عيبه كفراقه لأنه بذل العوض في مقابلة منافع سليمة ولم تتم بخلافها وإنما مكنت من الفسخ مع أن ما قبضته سليم لدفع ضررها فإذا اختارت دفعه فلترد بدله. "وما لا" يكون منها ولا بسببها "كطلاق" ولو خلعا أو رجعيا بأن استدخلت ماءه ويفرق بين هذا وإسقاط الخلع إثم الطلاق البدعي بأن المدار ثم على ما يحقق الرضا منها بلحوق الضرر وقد وجد ولا كذلك هنا وإن فوضه إليها فطلقت نفسها أو علقه بفعلها ففعلت "وإسلامه" ولو تبعا "وردته ولعانه وإرضاع أمه" لها وهي صغيرة "أو" إرضاع "أمها" له وهو صغير وملكه لها "يشطره" أي بنصفه للنص عليه في الطلاق بقوله تعالى {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] وقياسا عليه في الباقي ومر أنه لو زوج أمته بعبده فلا مهر فلو عتقا ثم طلق قبل وطء فلا شطر ومثله ما لو أذن لعبده في أن يتزوج أمة غيره برقبته ففعل ثم طلق قبل الوطء فيرجع الكل لمالك الأمه. أما النصف المستقر فواضح وأما النصف الراجع بالطلاق فهو إنما يرجع للزوج إن تأهل وإلا فلمن قام مقامه وهو هنا مالكه عند الطلاق لا العقد لأنه صار الآن أجنبيا عنه بكل تقدير ولو أعتقه مالكه أو باعه ثم انفسخ أو طلق قبل وطء رجع هو أو سيده على المعتق أو البائع بقيمته أو نصفها لأمه ومشتريه حينئذ المستحق عند الفراق وفي مسخ أحدهما حجرا أو حيوانا كلام مهم في شرح الإرشاد فراجعه "ثم قيل معنى التشطير أن له خيار الرجوع" في النصف إن شاء تملكه وإن شاء تركه إذ لا يملك قهرا غير الإرث "والصحيح عوده" أي النصف إليه إن كان هو المؤدي عن نفسه أو أداه عنه وليه وهو أب أو جد وإلا عاد للمؤدي كما رجحاه. وإن أطال الأذرعي في خلافه "بنفس الطلاق" يعني الفراق وإن لم يختره للآية ودعوى الحصر ممنوعة ألا ترى أن السالب يملك قهرا وكذا من أخذ صيدا ينظر إليه نعم لو سلمه العبد من كسبه أو مال تجارته ثم فسخ أو طلق قبل وطء عاد النصف أو الكل للسيد عند الفراق لا الإصداق ووقع لشارح عكس ذلك وهو سبق قلم فإن عتق ولو مع الفراق عاد له وإذا فرعنا على الصحيح أو كان الفراق منها. "فلو زاد" الصداق "بعده" أي الفراق "فله" كل الزيادة المتصلة والمنفصلة أو نصفها لحدوثها من ملكه أو من مشترك بينهما أو نقص بعد الفراق في يدها ضمنت الأرش كله أو نصفه إن تعدت بأن طالبها فامتنعت وكذا إن لم تتعد أي لأن يدها عليه يد ضمان وملكه له بنفس الفراق مستقر وبه يفرق بين هذا وما مر فيما لو تعيب الصداق بيده قبل قبضها لأن ملكها الآن لم يستقر فلم يقو على إيجاب أرش لها كما علم مما مر ثم رأيتهم عللوه بأنه مقبوض عن معاوضة كالمبيع في يد المشتري بعد الإقالة وهو صريح فيما ذكرته أو في يده فكذلك إن جنى عليه أجنبي أو هي.
"وإن طلق" مثلا "والمهر" الذي قبضته "تالف" ولو حكما "ف" له "نصف بدله من مثل"

 

ج / 3 ص -288-        في مثلي "أو قيمة" في متقوم كما لو رد المبيع فوجد ثمنه تالفا "فإن تعيب في يدها" قبل محو الطلاق "فإن قنع" الزوج "به" أي بنصفه معيبا أخذه بلا أرش "وإلا" يقنع به "فنصف قيمته سليما" في المتقوم ونصف مثله سليما في المثلي والتعبير بنصف القيمة وبقيمة النصف وهي أقل وقع في كلام الشافعي والجمهور فإما أن يكون تناقضا وهو ما فهمه كثيرون وإما أن يكون مؤداهما عندهم واحدا وعليه يحتمل تأويل الأولى لتوافق الثانية بأن المراد كل من النصفين على حدته ويحتمل عكسه بأن يراد قيمة النصف منضما للنصف الآخر والأوجه من ذلك كله ما في المتن وصوبه في الروضة أنه يرجع بنصف القيمة الذي هو أكثر من قيمة النصف رعاية له كما روعيت هي في تخبيرها الآتي مع كونه من ضمانها. "وإن تعيب قبل قبضها" له بآفة ورضيت به "فله نصفه ناقصا بلا خيار" ولا أرش لأنه حالة نقصه من ضمانه "فإن عاب بجناية وأخذت أرشها" يعني كان الجاني ممن يضمن الأرش وإن لم تأخذه بل وإن أبرأته عنه ولو ردته له سليما "فالأصح أن له نصف الأرش" مع نصف العين لأنه بدل الفائت وبه فارق الزيادة المنفصلة "ولها" إذا فارق ولو بسببها "زيادة" قبل الفراق "منفصلة" كثمرة وولد وأجرة ولو في يده فيرجع في الأصل أو نصفه أو بدله دونها لحدوثها في ملكها والفراق إنما يقطع ملكها من حين وجوده لا قبله كرجوع الواهب نعم في ولد الأمة الذي لم يميز تتعين قيمة الأم أو نصفها حذرا من التفريق المحرم وإن قال آخذ نصفها بشرط أن لا أفرق بينهما على الأوجه ولو كان الولد حملا عند الإصداق فإن رضيت رجع في نصفهما وإلا فله قيمة نصفه يوم الانفصال مع نصف قيمتها إن لم يميز ولد الأمة هذا إن لم تنقص بالولادة في يدها وإلا تخير فإن شاء أخذ نصفها ناقصا أو رجع بنصف قيمتها حينئذ فإن كان النقص في يده رجع في نصفها وإنما نظروا هنا لمن النقص بالولادة في يده لأن الولد ملكهما معا فلم ينظروا لسببه إذ لا مرجح وبه يفرق بين هذا وما لو حدث الولد بعد الإصداق في يده ثم ولدت في يدها فإن الذي اقتضاه كلام الرافعي أنه من ضمانه نظرا إلى أن السبب وجد في يده وإن كان الولد لها "و" لها فيما إذا فارقها بعد زيادة متصلة "خيار في متصلة" كسمن وحرفة وليس منها ارتفاع سوق. "فإن شحت" فيها وكان الفراق لا بسببها "ف" له ولو معسرة "نصف قيمة" للمهر بأن يقوم "بلا زيادة" ومنع المتصلة للرجوع من خصائص هذا المحل العود هنا ابتداء تملك لا فسخ ومن ثم لو أمهر العبد من كسبه أو مال تجارته ثم عتق عاد إليه كما مر آنفا ولو كان فسخا لعاد لمالكه أولا وهو السيد "وإن سمحت" بالزيادة وهي رشيدة "لزمه القبول" لأنها لكونها تابعة لا تظهر فيها المنة فليس له طلب القيمة هذا كله إن لم يعد إليه كل الصداق وإلا فإن كان بسبب مقارن للعقد كعيب أحدهما رجع إليه بزيادته المتصلة وإن لم ترض هي كفسخ البيع بالعيب وإن كان بسبب عارض كردتها تخيرت بين أن تسلمه زائدا وأن تسلم قيمته غير زائد. "وإن" فارق لا بسببها وقد "زاد" من وجه "ونقص" من وجه "ككبر عبد" كبرا يمنع دخوله على الحريم وقبوله للرياضة والتعليم ويقوى به على الأسفار والصنائع فالأول نقص والثاني زيادة فخرج مصير ابن سنة ابن نحو خمس فزيادة

 

ج / 3 ص -289-        محضة ومصير شاب شيخا فنقص محض "وطول نخلة" بحيث قل به ثمرها وكثر به حطبها "وتعلم صنعة مع" حدوث نحو "برص فإن اتفقا" على أنه يرجع "بنصف العين" فظاهر لأن الحق لا يعدوهما "وإلا فنصف قيمة للعين" مجردة عن زيادة ونقص لأنه الأعدل ولا يجبر هو على أخذ نصف العين للنقص ولا هي على إعطائه للزيادة "وزراعة الأرض نقص" محض لأنها تذهب قوتها غالبا "وحرثها زيادة" فإن اتفقا على نصفها محروثة أو مزروعة وترك الزرع للحصاد فواضح وإلا رجع بنصف قيمتها مجردة عن حرث وزرع هذا إن اتخذت للزراعة كما بأصله وكان في وقته وإلا فهو نقص محض فاستغنى عنه بقرينة السياق إذ هو في أرض للزراعة "وحمل أمة وبهيمة" وجد بعد العقد ولم ينفصل عند الفراق "زيادة" لتوقع الولد "ونقص" لأن فيه الضعف حالا وخوف الموت مآلا "وقيل البهيمة" حملها "زيادة" محضة لأنها لا تهلك به غالبا بخلاف الأمة وردوه هنا وإن وافقه كلامهما في خيار البيع أنه عيب في الأمة فقط بأنه فيها يفسد اللحم ومن ثم لم تجز التضحية بحامل كما سيأتي. وما هنا لا يقاس بالبيع كما هو ظاهر إذ المدار ثم على ما يخل بالمعاوضة وهنا على ما فيه جبر للجانبين على أن كلامهما قبل الإقالة يقتضي أنه فيهما إن حصل به نقص فعيب وإلا فلا "وأطلاع نخل" لم يؤبر عند الفراق "زيادة متصلة" فيمنع الزوج من الرجوع القهري لحدوثها بملكها ولو رضيت بأخذه له مع النخل أجبر على قبوله وظهور النور في غير النخل بدون نحو تساقطه كبدو الطلع من غير تأبير. "وإن طلق" مثلا "وعليه ثمر مؤبر" بأن تشقق طلعه أو وجد نحو تساقط نور غيره وقد حدث بعد الإصداق ولم يدخل وقت جذاذه "لم يلزمها قطفه" ليرجع هو لنصف نحو النخل لأنه حدث في ملكها بل لها إبقاؤه إلى جذاذه وإن اعتيد قطفه أخضر لكن نظر فيه الأذرعي ويرد بأن نظرهم لجانبها أكثر جبرا لما حصل لها من كسر الفراق ألغى النظر إلى هذا الاعتياد وأوجب الفرق بينها وبين ما مر في البيع "فإن قطف" أو قالت ارجع وأنا أقطفه "تعين نصف" نحو "النخل" حيث لا نقص في الشجر حدث منه ولا زمن للقطف يقابل بأجرة إذ لا ضرر عليه حينئذ بوجه "ولو رضي بنصف" نحو "النخل وتبقية الثمر إلى جذاذه" وقبض النصف شائعا بحيث برئت من ضمانه "أجبرت" على ذلك "في الأصح" إذ لا ضرر عليها فيه. "ويصير النخل في يدهما" كسائر الأموال المشتركة ومن ثم كانا في السقي كشريكين في الشجر انفرد أحدهما بالثمر أما إذا لم يقبضه كذلك قال أرضى بنصف النخل وأؤخر الرجوع إلى بعد الجذاذ أو أرجع في نصفه حالا ولا أقبضه إلا بعد الجذاذ أو وأعيرها نصفي فلا يجاب لذلك قطعا وإن قال لها أبرأتك من ضمانه لإضرارها لأنها لا تبرأ بذلك فإن قال أقبضه ثم أودعها إياه ورضيت بذلك أجبرت إذ لا ضرر عليها حينئذ وإلا فلا وعلى هذا يحمل إطلاق من أطلق أن قوله أودعها كقوله أعيرها "ولو رضيت به" أي الرجوع في نصف الشجر وترك ثمرها للجذاذ "فله الامتناع" منه "والقيمة" أي طلبها لأن حقه ناجز في العين أو القيمة فلا يؤخر إلا برضاه ولو وهبته نصف الثمر لم يجبر على القبول لزيادة المنة هنا بخلافه فيما مر في الطلع فإن قبل اشتراكا فيهما وقيل

 

ج / 3 ص -290-        يجبر وأطالوا في الانتصار له. "ومتى ثبت خيار له" لنقص "أو لها" لزيادة أو لهما لاجتماعهما "لم يملك هو" نصفه "حتى يختار ذو الاختيار" من أحدهما أو منهما وإلا لبطلت فائدة التخيير وهو على التراخي لأنه ليس خيار عيب ما لم يطلب فتكلف هي اختيار أحدهما فورا ولا يعين في طلبه عينا ولا قيمة لأن التعيين ينافي تفويض الأمر إليها بل يطالبها بحقه عندها فإن امتنعت لم تحبس بل تنزع منها وتمنع من التصرف فيها فإن أصرت على الامتناع باع القاضي منها بقدر الواجب من القيمة فإن تعذر بيعه باع الكل وأعطيت ما زاد ومع مساواة ثمن نصف العين لنصف القيمة يأخذ نصف العين إذ لا فائدة في البيع ظاهرة أي لأن الشقص لا راغب فيه غالبا قيل ظاهر كلامهما أنه لا يملكه أي في الصورة الأخيرة بالإعطاء حتى يقضي له القاضي به وفيه نظر ا هـ. ويجاب بأن رعاية جانبها لما مر ترجح ذلك وتلغي النظر لامتناعها ومن ثم جرى الحاوي وفروعه على ذلك "ومتى رجع بقيمة" للمتقوم لنحو زيادة أو نقص أو زوال ملك "اعتبر الأقل من يومي الإصداق والقبض" لأنها إن كانت يوم الإصداق أقل فما زاد حدث بملكها فلم تضمنه له أو يوم القبض أقل فما نقص قبله من ضمانه فلم تضمنه له أيضا وإطالة الإسنوي في اعتراض هذا بنصوص مصرحة باعتبار يوم القبض مردودة بأنها مفروضة في زيادة ونقص حصلا بعد القبض فيعتبر هنا يوم القبض نظير ما مر في الزكاة المعجلة والأول فيما إذا حدثا بعد العقد وقبل القبض نظير ما مر في مبيع زاد ونقص قبل القبض ومن ثم كان الراجح هنا ما مر ثم من اعتبار الأقل فيما بين اليومين أيضا ولو تلف في يدها بعد الفراق وجبت قيمة يوم التلف لتلفه على ملكه تحت يد ضامنة له. "ولو أصدقها" "تعليم" ما فيه كلفة عرفا من "قرآن" ولو دون ثلاث آيات على الأوجه أو نحو شعر فيه كلفة ومنفعة تقصد شرعا لاشتماله على علم أو مواعظ مثلا عينا أو ذمة ولو لنحو عبدها أو ولدها الذي يلزمها إنفاقه صح ولو كان تعليم القرآن لكتابية لكن إن رجي إسلامها "و" متى "طلق" مثلا "قبله" أي تعليمها هي دون نحو عبدها ولم تصر زوجة أو محرما له بحدوث رضاع أو بأن ينكح بنتها ولا كانت صغيرة لا تشتهى وكان التعليم بنفسه "فالأصح تعذر تعليمه" وإن وجب كالفاتحة قبل الدخول وبعده لأنها صارت أجنبية فلم تؤمن المفسدة لما وقع بينهما من مقرب الألفة وامتداد طمع كل إلى الآخر وبه فارق ما مر من جواز النظر للتعليم فعلم أنه لا نظر هنا لما علل به الإسنوي التعذر استحالة القيام بتعليم نصف مشاع واستحقاق نصف معين تحكم مع كثرة الاختلاف بطول الآيات وقصرها وصعوبتها وسهولتها حتى في الصورة الواحدة وذلك لما تقرر من التعذر بعد الوطء بعد استحقاقها تعليم الكل وأنه لو أمكنه أن يعلمها ما استحقته في مجلس واحد من وراء حجاب بحضرة مانع خلوة رضي بالحضور كمحرم أو زوج أو امرأة أخرى وهما ثقتان يحتشمهما فلا تعذر.
"تنبيه" إذا لم يتعذر كأن كان لنحو قنها وتشطر فما العبرة في النصف الذي يعلمه هل هو باعتبار الآيات أو الحروف وهل إذا اختلفا في تعيينه المجاب هو أو هي لم أر في ذلك شيئا ويظهر اعتبار النصف المتقارب عرفا بالآيات أو الحروف وأن الخيرة إليه لا إليها

 

ج / 3 ص -291-        كما اعتبروا نية المدين الدافع دون نية الدائن المدفوع إليه نعم الذي يتجه أنه لا يجاب لنصف ملفق من سور أو آيات لا على ترتيب المصحف لأنه لا يفهم من إطلاق النصف ثم رأيت بعضهم قال إن النصف الحقيقي يتعذر وإجابة أحدهما تحكم فيجب نصف مهر المثل ا هـ وهو مبني على ما مر من الإسنوي وقد علمت رده وإنما يلزم حيث لا مرجح وقد علمت مرجح الزوج فالوجه ما ذكرته فإن قلت قد تقرر رعاية جانبها بتخييرها في الزيادة فينبغي إجابتها هنا لذلك قلت يفرق بأن رعايتها لم وقع في أمر تابع وما هنا مقصود بل هو المقصود فكان إلحاقه بمدين يؤدي ما عليه كما قررته أولى ثم رأيت ما ذكر عن الإسنوي منقولا عن نص البويطي ومع ذلك ما ذكرته أوجه في المعنى.
"ويجب" فيما إذا تعذر تعليم ما أصدقه "مهر مثل" إن فارق "بعد وطء ونصفه" إن فارق لا بسببها "قبله" جريا على القاعدة في تلف الصداق قبل القبض ولو علمها ثم فارقها بعد وطء فلا شيء له والأرجح عليها بأجرة مثل الكل إن لم يجب شطر وإلا فبأجرة مثل نصفه أما لو أصدقها تعليما لها في ذمته فلا يتعذر بل يستأجر نحو امرأة أو محرم يعلمها ما وجب لها. "ولو طلق" مثلا قبل الدخول وبعد قبضها للصداق "وقد زال ملكها عنه" ولو بهبة مقبوضة أو تعلق به حق لازم كرهن مقبوض وإجارة وتزويج ولم يصبر لزوال ذلك الحق ولا رضي بالرجوع مع تعلقه به أو علقت عتقه أو دبرته موسرة تنزيلا لهذا منزلة اللازم لتعذر رجوعها فيه بالقول ولأنه ثبت له مع قدرتها على الوفاق حق الحرية والرجوع يفوته بالكلية وعدمه لا يفوت حق الزوج فوجب إبقاء حق الحرية لانتفاء الضرر وبهذا فارق نظائره "فنصف بدله" أي قيمة المتقوم ومثل المثلي كما لو تلف وليس له نقض تصرفها بخلاف الشفيع لوجود حقه عند تصرف المشتري وحق الزوج إنما حدث بعد ولو صبر لزواله وامتنع من تسلمه فبادرت بدفع البدل إليه لزمه القبول لدفع خطر ضمانها له "فإن كان زال وعاد" أو زال الحق اللازم ولو بعد الطلاق قبل أخذ البدل "تعلق" الزوج "بالعين في الأصح" لأنه لا بد له من بدل فعين ماله أولى وبه فارق نظائره كما مر في الفلس. "ولو وهبته" وأقبضته "له" بعد أن قبضته أو قبله وصححناه "ثم طلق" مثلا قبل وطء "فالأظهر أن له نصف بدله" من مثل أو قيمة لا بدل نصفه كما مر وذلك لعوده إليه بملك جديد فهو كما لو وهب ما اشتراه من بائعه ثم أفلس بالثمن فإن البائع يضارب به وكون الموهوب ثم غير الثمن المستحق وهنا عين المستحق لا أثر له لأن علة المقابل وهي كونها عجلت له ما يستحقه تتأتى فيما سلمه من مسألة المفلس فكانت حجة عليه "وعلى هذا" الأظهر "لو وهبته النصف" ثم أقبضته له "فله نصف الباقي" وهو الربع "وربع بدله كله" لأن الهبة وردت على مطلق النصف فتشيع فيما أخرجته وما أبقته "وفي قول النصف الباقي" لأنه استحق النصف بالطلاق وقد وجده فانحصر حقه فيه ومن ثم سمي هذا قول الحصر "وفي قول يتخير بين بدل نصف كله" أي نصف بدل كله كما بأصله وكأنه أشار لما مر أنه يمكن رد كل من العبارتين إلى الأخرى وأن المعتمد الثاني "أو" بمعنى الواو إذ هي لا يعطف بها في مدخول بين "نصف الباقي وربع بدل كله" لئلا يلحقه ضرر التشطير إذ هو عيب.

 

ج / 3 ص -292-        "تنبيه" ما صححوه هنا من الإشاعة هو من جزئيات قاعدة الحصر والإشاعة وهي قاعدة مهمة تحتاج لمزيد تأمل لدقة مداركهم التي حملتهم على ترجيح الحصر تارة والإشاعة أخرى ولم أر من وجه ذلك مع مس الحاجة إليه ويتضح بذكر مثال لكل من جزئياتها مع توجيهه بما يتضح به نظائره فأقول هي أربعة أقسام ما نزلوه على الإشاعة قطعا كأن يكون له في ذمته عشرة وزنا فيعطيها له عدا فتزيد واحدا فيشيع في الكل ويضمنه لأنه قبضه لنفسه جزم به الرافعي وأخذ منه أن من طلب اقتراض ألف وخمسمائة فوزن له ألفا وثمانمائة غلطا ثم ادعى المقترض تلف الثلثمائة بلا تقصير لكون يده يد أمانة لزمه منها مائتان وخمسون لأن جملة الزائد أشيع في الباقي فصار المضمون من كل مائة خمسة أسداسها وسدسها أمانة فالأمانة من الزائد خمسون لا غير ويوجه القطع بالإشاعة هنا بأن ليد المسئولية على الزائد المنبهم لا يمكن تخصيصها ببعضه لعدم المرجح إذ لا مقتضى للضمان أو الأمانة قبلها حتى يحال الأمر عليه أو على الأصح كما هنا ويوجه بأن التشطير وقع بعد الهبة فرفع بعضها فلزمت الإشاعة لعدم المرجح وكبيع صاع من صبرة تعلم صيعانها فينزل على الإشاعة كما مر لأن البعضية المنبثة في الصبرة التي أفادتها من ظاهرة في ذلك وقيل على الحصر حتى لو صبت عليها صبرة أخرى ثم تلف الكل إلا صاعا تعين. وكما إذا أقر بعض الورثة بدين فيشيع حتى لا يلزمه إلا قدر حصته عملا بقضية كون الإقرار إخبارا عما لزم الميت فلم يلزمه منه إلا بقدر إرثه وما نزلوه على الحصر قطعا كأعطوه عبدا من رقيقي فمات وماتوا كلهم إلا واحدا تعينت الوصية فيه أي رعاية لغرض الموصي من بقاء وصيته بحالها حيث لم يعارضها شيء كما راعوه في تعين ما عينه لقضاء دينه منه وفي صحتها إذا ترددت بين مفسد ومصحح كالطبل يحمل على المباح وعلى الأصح كما لو وكل شريكه في قن في عتق نصيبه فقال له أعتقت نصفك وأطلق فيحمل على ملكه فقط لأنه الأقوى فاحتاج لصارف ولم يوجد ومن ثم لو ملك نصف عبد وقال بعتك نصف هذا اختص بملكه وكذا لو أقر بنصف عبد مشترك ينحصر في حصته كما مر قبيل فصل النسب.
"ولو كان دينا فأبرأته" ولو بهبة منه ثم فارق قبل وطء "لم يرجع عليها" بشيء "على المذهب" لأنه لم يغرم شيئا كما لو شهدا بدين وحكم به ثم أبرأ منه المحكوم له ثم رجعا لم يغرما للمحكوم عليه شيئا. "وليس لولي عفو عن صداق على الجديد" كسائر ديونها وحقوقها والذي بيده عقدة النكاح في الآية الزوج لأنه الذي يتمكن من رفعها بالفرقة أي إلا أن تعفو هي فيسلم الكل له أو يعفو هو فيسلم الكل لها لا الولي إذ لم يبق بيده بعد العقد عقدة.

فصل في المتعة
وهي بضم الميم وكسرها لغة اسم للتمتيع كالمتاع وهو ما يتمتع به من الحوائج وأن يتزوج امرأة يتمتع بها زمنا ثم يتركها وأن يضم لحجه عمرة وشرعا مال يدفعه أي يجب

 

ج / 3 ص -293-        دفعه لمن فارقها أو سيدها بشروط كما قال يجب على مسلم وحر وضدهما "لمطلقة" ولو ذمية أو أمة "قبل وطء متعة إن لم يجب" لها "شطر مهر" بأن فوضت ولم يفرض لها شيء صحيح لقوله تعالى {وَمَتِّعُوهُنَّ} [البقرة: 236] ولا ينافيه {حَقّاً عَلَى الْمُحْسِنِينَ} لأن فاعل الواجب محسن أيضا وخرج بمطلقة المتوفى عنها زوجها لأن سبب وجوبها إيحاش الزوج لها وهو منتف هنا وكذا لو ماتت هي أو ماتا إذ لا إيحاش وبلم إلخ من وجب لها شطر بتسميته أو بفرض في التفويض لأنه يجبر الإيحاش نعم لو زوج أمته بعبده لم يجب شطر ولا متعة. "وكذا" تجب "لموطوءة" طلقت طلاقا بائنا مطلقا أو رجعيا وانقضت عدتها على الأوجه لأن الرجعية زوجة في أكثر الأحكام والمتعة للإيحاش ولا يتحقق إلا بانقضاء عدتها من غير رجعة أي وهو حي فلو مات فيها فلا لما نقل من الإجماع على منع الجمع بين المتعة والإرث وبهذا يعلم أن الأوجه أيضا أن المتعة لا تتكرر بتكرر الطلاق في العدة لأن الإيحاش لم يتكرر "في الأظهر" لعموم قوله تعالى {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 241] وخصوص {فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ} [الأحزاب: 28] وهن مدخول بهن ولا نظر للمهر لأنه في مقابلة استيفاء بضعها فلم يصلح للجبر بخلاف الشطر "وفرقة" قبل وطء أو بعده "لا بسببها كطلاق" في إيجاب المتعة سواء أكانت من الزوج كإسلامه وردته ولعانه أم من أجنبي كوطء بعضه زوجته بشبهة وإرضاع نحو أمه لها وصورة هذا مع توقف وجوب المتعة على وطء أو تفويض وكلاهما مستحيل في الطفلة أن يزوج أمته الطفلة لعبد تفويضا أو كافر بنته الصغيرة لكافر تفويضا وعندهم أن لا مهر لمفوضة ثم ترضعها نحو أمه فيترافعوا إلينا فنقضي بمتعة أو أن يتزوج طفل بكبيرة فترضعه أمها أما ما بسببها كإسلامها ولو تبعا وفسخه بعيبها وعكسه أو بسببهما كأن ارتدا معا. وكذا لو سبيا معا والزوج صغير أو مجنون فلا متعة على الأوجه كما لا شطر بالأولى إذ وجوبه آكد كما مر وأيضا فالفراق هنا بسببهما لأنهما يملكان معا بالسبي بخلاف الكبير العاقل فإنه بسببها فقط لأنها تملك بالحيازة بخلافه فينسب الفراق إليها فقط ولو ملكها فلا متعة أيضا مع أنها فرقة لا بسببها وفرق الرافعي بين المهر والمتعة بأن موجب المهر من العقد جرى بملك البائع فملكه دون الزوج المشتري والمتعة إنما تجب بالفرقة وهي حاصلة بملك الزوج فكيف تجب هي له على نفسه وكذا لو باعها من أجنبي فطلقها الزوج قبل وطء كان المهر للبائع كما مر ولو كانت مفوضة كانت المتعة للمشتري.
"ويستحب أن لا تنقص عن ثلاثين درهما" أو مساويها يعني أن تكون ثلاثين ويسن أن لا تبلغ نصف مهر المثل. كذا جمعوا بينهما وقد يتعارضان بأن يكون الثلاثون أضعاف المهر فالذي يتجه رعاية الأقل من نصف المهر والثلاثين قال جمع وهذا أدنى المستحب وأعلاه خادم وأوسطه ثوب وكأنهم أرادوا بالأول أن يساوي نحو ضعف الثلاثين وبالثاني ما بين الثلاثين ونحو ضعفها كخمسة وأربعين وقال بعضهم أعلاه خادم وأقله مقنعة وأوسطه ثلاثون وفي ذلك كله نظر بسائر اعتباراته إذ لا دليل على هذا التحديد والواجب فيها ما يتراضيان عليه وأقل مجزئ فيه متمول ثم إن تراضيا على شيء فذاك أي

 

ج / 3 ص -294-        والمستحب حينئذ ما مر في الثلاثين ونصف مهر المثل "فإن تنازعا قدرها القاضي بنظره" أي اجتهاده وإن زاد على مهر المثل على الأوجه الذي اقتضاه إطلاقهم فإن قلت مهر المثل مناطه اللائق بمثلها للوطء وهو أكثر من اللائق بها للفراق ومن ثم قال البلقيني وتبعه الزركشي إنما لم يذكروا منع زيادتها عليه لظهوره قلت ممنوع لأنه إن أراد مهر المثل حالة العقد فواضح لأن صفات الكمال فيها يوم الفراق قد تزيد عليها يوم العقد أو حالة الفراق وهو الظاهر فكذلك لأن المعتبر في مهر المثل حالها فقط وفي المتعة حالهما ولا بدع أن يزيد ما اعتبر بحالهما على ما اعتبر بحالها فالوجه ما أطلقوه وأنهم إنما سكتوا عما قيد به لعدم صحته فتأمله وبه يعلم الفرق بين جواز بلوغها قدر المهر ومنع بلوغ الحكومة دية متبوع محلها وهو أنها تابعة محضة يلزم نقصها عن متبوعها بخلاف المتعة والمهر لما تقرر أن موجبه آكد وأن كلا قد ينفرد عن الآخر ولا كذلك الحكومة فيهما "معتبرا حالهما" أي ما يليق بيساره ونحوه نسبها وصفاتها السابقة في مهر المثل وقيل لا تجوز زيادتها على شطر المهر "وقيل حاله" لظاهر {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} وكالنفقة ويرد بأن قوله تعالى بعد {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 241] فيه إشارة إلى اعتبار حالهن أيضا "وقيل حالها" لأنها كالبدل عن المهر وهو معتبر بها وحدها "وقيل" المعتبر "أقل مال" قول المحشي ويشهد له من كلام الأصحاب نظائر وقوله ثم رأيت قوله بل مقتضى النظائر إلخ ليس في نسخ الشرح التي بأيدينا ا هـ يجوز جعله صداقا ورد بأن المهر بالتراضي.

فصل في الاختلاف في المهر والتحالف فيما سمي منه
إذا "اختلفا" أي الزوجان "في قدر مهر" مسمى وكان ما يدعيه الزوج أقل "أو" في "صفته" من نحو جنس كدنانير وحلول وقدر أجل وصحة وضدها ولا بينة لأحدهما أو تعارضت بينتاهما "تحالفا" كما مر في البيع في كيفية اليمين نعم يبدأ هنا بالزوج لقوة جانبه ببقاء البضع له وخرج بمسمى ما لو وجب مهر مثل لنحو فساد تسمية ولم يعرف لها مهر مثل فاختلفا فيه فيصدق بيمينه لأنه غارم ويكون ما يدعيه أقل أما لو كان أكثر فتأخذه ما ادعته ويبقى الزائد في يده كمن أقر لشخص بشيء فكذبه "ويتحالف وارثاهما ووارث واحد" منهما "والآخر" إذا اختلفا في شيء مما ذكر لقيامه مقام مورثه لكن الوارث إنما يحلف في النفي على نفي العلم كلا أعلم أن مورثي نكح بألف إنما نكح بخمسمائة. ولا يلزم من القطع بالثاني القطع بالأول لاحتمال جريان عقدين علم أحدهما دون الآخر بخلاف المورث فإنه يحلف على البت مطلقا نعم مقتضى كلام جمع متقدمين أن نحو الصغيرة حالة العقد تحلف على نفي العلم بتزويج وليها بالقدر المدعي به الزوج واستظهر لأنها تحلف على نفي فعل غيرها وهو الولي ولم تشهد الحال ولم تستأذن وأجراه الأذرعي في مجبرة بالغة عاقلة لم تحضر وكل ذلك وجيه معنى لا نقلا "ثم" بعد التحالف "يفسخ المهر" المسمى أي يفسخه كلاهما أو أحدهما أو الحاكم وينفذ باطنا أيضا من المحق فقط لمصيره بالتحالف مجهولا ولا ينفسخ بالتحالف كالبيع "ويجب مهر مثل" وإن زاد على ما

 

ج / 3 ص -295-        ادعته لأن التحالف يوجب رد البضع وهو متعذر فوجبت قيمته. "ولو ادعت تسمية" لقدر "فأنكرها" من أصلها ولم يدع تفويضا "تحالفا في الأصح" لأن حاصله الاختلاف في قدر المهر ومحله إن كان مدعاها أكثر من مهر المثل أو من غير نقد البلد أو معينا ولو أنقص من مهر المثل لتعلق الفرض بالعين ولو ادعى تسمية وأنكرت ومدعاه دون مهر المثل أو من غير نقد البلد أو معين تحالفا في الأصح أيضا ويفرق بين جريان الخلاف هنا لا في الاختلاف في قدر المسمى بأنهما ثم لما اتفقا على أصل التسمية واختلفا في قدرها كان كل مدعيا ومدعى عليه حقيقة فجاء التحالف وهنا لما اختلفا في أصل التسمية أمكن أن يقال الأصل عدمها فقوي جانب منكرها فليصدق بيمينه ويجب مهر المثل فلا معنى للتحالف. "ولو ادعت نكاحا ومهر مثل" لعدم جريان تسمية صحيحة "فأقر بالنكاح وأنكر المهر" بأن قال نكحتها ولا مهر لها علي أي لكونه نفى في العقد "أو سكت" عنه بأن قال نكحتها ولم يزد أي ولم يدع تفويضا ولا إخلاء النكاح عن ذكر المهر "فالأصح تكليفه البيان" لمهر لأن النكاح يقتضيه "فإن ذكر قدرا وزادت" عليه "تحالفا" لأنه اختلاف في قدر المهر وقول غير واحد في قدر مهر المثل يحتاج لتأمل لأنها تدعي وجوب مهر المثل ابتداء وهو ينكر ذلك ويدعي تسمية قدر دونه فإن أريد أن هذا قد ينشأ عنه الاختلاف في قدر مهر المثل بأن يدعي أن المسمى قدر مهر مثلها فتدعي عدم التسمية وأن مهر مثلها أكثر صح ذلك على ما فيه وعلى كل فهذه غير ما مر أن القول قوله في قدر مهر المثل لأنهما ثم اتفقا على أنه الواجب وأن العقد خلا عن التسمية بخلافه هنا. "فإن أصر منكرا" للمهر أو ساكتا "حلفت" يمين الرد أنها تستحق عليه مهر مثلها "وقضي لها" به عليه ولا يقبل قولها ابتداء لأن النكاح قد يعقد بأقل متمول وفارقت ما قبلها بأنهما ثم اختلفا في القدر ابتداء لأن إنكاره التسمية ثم يقتضي لزوم مهر المثل ومدعاها أزيد وهنا أنكر المهر أصلا ولا سبيل إليه مع الاعتراف بالنكاح فكلف البيان وخرج بقوله ومهر مثل ما لو ادعت نكاحا بمسمى قدر المهر أو لا فقال لا أدري أو سكت فإنه لا يكلف بيانا على المعتمد لأن المدعى به هنا معلوم بل يحلف على نفي ما ادعته فإن نكل حلفت وقضي لها وظاهر أن الوارث في هذه المسائل كالمورث ولو ادعى أحدهما تفويضا والآخر أنه لم يذكر مهرا صدق الثاني كما بحثاه أو والآخر تسمية فالأصل عدمهما فيحلف كل على نفي مدعى الآخر كما لو اختلفا في عقدين فإذا حلفت وجب لها مهر المثل نعم دعواها التفويض قبل الوطء لا تسمع إلا بالنسبة لطلب الفرض لا غير.
"ولو اختلف في قدره" أي المسمى "زوج وولي صغيرة أو مجنونة" ومثله الوكيل وقد ادعى زيادة على مهر المثل والزوج مهر المثل أو زوجة وولي صغير أو مجنون وقد أنكرت نقص الولي عن مهر مثل أو ولياهما "تحالفا في الأصح" لأن الولي لمباشرته للعقد قائم مقام المولى كوكيل المشتري مع البائع أو عكسه فلو كمل قبل حلف قول المحشي قوله وقد ادعت إلخ ليس في نسخ الشرح التي بأيدينا وليه حلف دون الولي أما إذا اعترف الزوج بزيادة على مهر المثل فلا تحالف بل يؤخذ بقوله بلا يمين لئلا يؤدي للانفساخ

 

ج / 3 ص -296-        الموجب لمهر المثل فتضيع الزيادة عليها وكذا لو ادعى الزوج دون مهر المثل فيجب مهر المثل بلا تحالف كذا قالاه. وقال البلقيني التحقيق في الأولى حلف الزوج رجاء أن ينكل فيحلف الولي ويثبت مدعاه الأكثر من مدعى الزوج ا هـ وهو متجه المعنى ومن ثم تبعه الزركشي وغيره ويأتي ذلك في الثانية أيضا فيحلف فإن نكل حلف الولي وثبت مدعاه وخرج بالصغيرة والمجنونة البالغة العاقلة فهي التي تحلف ولا ينافي حلف الولي هنا قولهم في الدعاوى لا يحلف وإن باشر السبب لأن ذاك في حلفه على استحقاق موليه وهذا لا تجوز النيابة فيه وما هنا في حلفه على أن عقده وقع هكذا فهو حلف على فعل نفسه والمهر ثابت ضمنا قيل الوجه المفصل ثم بين أن يباشر السبب وأن لا يرد هذا الجمع ا هـ ويرد بمنعه لأنه مع مباشرته للسبب إن حلف على استحقاق المولى لم يفد وإلا أفاد.
"تنبيه" قولنا أو ولياهما هو ما صرحوا به وهو لا يتأتى إلا إذا كان الإصداق من مال ولي الزوج وهو الأب والجد لأنه حينئذ تجوز الزيادة فيه على مهر المثل إما من مال الزوج فوليه لا تجوز له الزيادة على مهر المثل ووليها لا يجوز له النقص عنه فلا يتصور اختلافهما في القدر وحينئذ فلا يتصور التحالف وإنما لم يتعرضوا لهذا مع وضوحه لعلمه من كلامهم في غير هذا المحل.
"ولو قالت نكحني يوم كذا بألف ويوم كذا بألف و" طالبته بالألفين فإن "ثبت العقدان بإقراره أو ببينة" أو بيمينها بعد نكوله "لزمه ألفان" وإن لم تتعرض لتخلل فرقة ولا لوطء لأن العقد الثاني لا يكون إلا بعد ارتفاع الأول ولأن المسمى يجب بالعقد فاستصحب بقاؤه ولم ينظر لأصل عدم الدخول عملا بقرينة سكوته عن دعواه الظاهر في وجوده وأيضا فأصل البقاء أقوى من أصل عدم الدخول لأن الأول علم وجوده ثم شك في ارتفاعه والأصل عدمه والثاني لم يعلم له مستند إلا مجرد الاحتمال فلم يعول مع ذلك عليه وبهذا يجاب عما استشكله البلقيني وأطال فيه "فإن قال لم أطأ فيهما أو في أحدهما صدق بيمينه" لأنه الأصل "وسقط الشطر" في النكاحين أو أحدهما لأنه فائدة تصديقه وحلفه "و" إنما تقبل دعواه عدمه في الثاني "إن" ادعى الفراق منه فإن "قال كان الثاني تجديد لفظ لا عقدا لم يقبل" لأنه خلاف الظاهر من صحة العقود المتشوف إليها الشارع نظير ما مر في تصديق مدعي الصحة واحتمال كون الطلاق رجعيا وأن الزوج استعمل لفظ العقد مع الولي في الرجعة نادر جدا فلم يلتفتوا إليه فاندفع ما للبلقيني هنا وله تحليفها على نفي ما ادعاه لإمكانه.
"فرع" خطب امرأة ثم أرسل أو دفع بلا لفظ إليها مالا قبل العقد أي ولم يقصد التبرع ثم وقع الإعراض منها أو منه رجع بما وصلها منه كما أفاده كلام البغوي واعتمده الأذرعي ونقله الزركشي وغيره عن الرافعي أي اقتضاء يقرب من الصريح وعبارة قواعده خطب امرأة فأجابته فحمل إليهم هدية ثم لم ينكحها رجع بما ساقه إليها لأنه ساقه بناء على

 

ج / 3 ص -297-        إنكاحه ولم يحصل ذكره الرافعي في الصداق وعجيب ممن ينقل ذلك عن فتاوى ابن رزين أي وقد بان أن لا عجب لأن ابن رزين ذكره صريحا والرافعي اقتضاء كما تقرر ثم قال ولا فرق بين كون المهدى من جنس الصداق أو من غير جنسه انتهت ملخصة ويوافقه قول الروضة لو دفع لزوجته مالا وزعم أنه صداق فقالت بل هدية فإن اختلفا في كيفية لفظه أو قصده صدق بيمينه ا هـ وذلك لأن في كل من الصورتين قرينة ظاهرة على صدقه أما الأولى فلأن قرينة سبق الخطبة تغلب على الظن أنه إنما بعث أو دفع إليها لتتم تلك الخطبة ولم تتم وبهذا يفرق بين هذه وقول الروضة أيضا لو بعث لغير دائنه شيئا وزعم أنه بعوض وقال المدفوع إليه بل صدقة صدق المدفوع إليه ا هـ أي لأنه لا قرينة هنا تصدق الدافع بل المدفوع إليه لأن الغالب في الدفع والإرسال لغير الدائن من غير ذكر عوض أنه تبرع وأما الثانية فقرينة وجود الدين مع غلبة قصد براءة الذمة تؤكد صدق الدافع ولا ينافي ذلك قول الروضة لو اختلف المضطر والمالك فقال أطمعتك بعوض فقال بل مجانا صدق المالك ا هـ وذلك حملا للناس على هذه المكرمة العظيمة ولأن الضرورات يغتفر فيها ما لا يغتفر في غيرها هذا ما يتجه في الجمع بين هذه المسائل فتأمله ولا تغتر بمن أشار للجمع بالفرق بين الدفع والإرسال لأنه لا وجه له كما هو واضح ولو دفع بخطوبته وقال جعلته من الصداق الذي سيجب بالعقد أو من الكسوة التي ستجب بالعقد والتمكن وقالت بل هدية فالذي يتجه تصديقها إذ لا قرينة هنا على صدقه في قصده ولو طلق في مسألتنا بعد العقد لم يرجع بشيء كما رجحه الأذرعي خلافا للبغوي لأنه إنما أعطى لأجل العقد وقد وجد.

فصل في وليمة العرس
من الولم وهو الاجتماع وهي أعني الوليمة اسم لكل دعوة أو طعام يتخذ لحادث سرور أو غيره.
"وليمة العرس" قيل لا حاجة إليه; لأنها حيث أطلقت واختصت به ولا تقع على غيره إلا مقيدة ا هـ ويرد بأنه غفلة عن تقييدها كذلك في الحديث الآتي على أن هذا قول لبعض أهل اللغة وقال آخرون تشمل الكل لكن الأشهر إطلاقها إذا أريد بها وليمة العرس وتقييدها إذا أريد بها غيره وعليه فلم يكتف كالحديث بإطلاقها نظرا لشمولها للكل فيحصل الإيهام وأطلقت في الحديث الآتي أيضا نظرا للأشهر المذكور فكل من الإطلاق والتقييد سائغ خلافا لمن وهم فيه فإن قلت شمولها للوضيمة الذي دل عليه ما ذكر عن آخرين ينافي قول الروضة عن الشافعي والأصحاب تقع في كل دعوة تتخذ لسرور حادث قلت لا منافاة; لأن هذا إطلاق فقهي من بعض إطلاقاتها والكلام إنما هو في الإطلاق اللغوي عند إطلاق أولئك اللغويين في شرح الروض مخالفا لشرح البهجة أن الوضيمة من الولائم وأن التعبير بالسرور للغالب وهو يشمل الكل وعبارة القاموس والوليمة طعام العرس أو كل طعام صنع لدعوة وغيرها. ثم رأيت شيخنا اعتمد "سنة" بعد عقد النكاح الصحيح للزوج

 

ج / 3 ص -298-        الرشيد ولولي غير أبيه أو جده من مال نفسه كما يأتي فلو عملها غيرهما كأبي الزوجة أو هي عنه فالذي يتجه أن الزوج إن أذن تأدت السنة عنه فتجب الإجابة إليها وإن لم يأذن فلا خلافا لمن أطلق حصولها ويظهر ندبها لسيد عبد ولو امرأة أذن له في نكاح فنكح مؤكدة أكثر من سائر الولائم العشر المشهورة لثبوتها عنه صلى الله عليه وسلم قولا وفعلا ويدخل وقتها بالعقد كما تقرر فلا تجب الإجابة لما تقدمه وإن اتصل بها خلافا لمن بحث وجوبها حينئذ زاعما أنها تسمى وليمة عرس ولم يبال بمخالفته لصريح كلام غيره والأفضل فعلها عقب الدخول للاتباع ولا تفوت بطلاق ولا موت ولا بطول الزمن فيما يظهر كالعقيقة وتجب الإجابة إليها وإن فعلت في الوقت المفضول كما هو ظاهر. "وفي قول أو وجه" وصوب جمع أنه قول وهو القياس; لأن مع مثبته زيادة علم "واجبة" عينا للخبر المتفق عليه "أولم ولو بشاة" وحملوه على الندب لخبر هل علي غيرها أي الزكاة قالا "لا إلا أن تتطوع" وخبر "ليس في المال حق سوى الزكاة" وهما صحيحان ولأنها لو وجبت لوجبت الشاة ولا قائل به وقولهما أقل الوليمة للمتمكن شاة أي للخبر مرادهما أقل الكمال فيحصل أصل السنة بأي شيء أطعمه ولو موسرا للخبر الصحيح عن أنس ما أولم رسول الله صلى الله عليه وسلم على شيء من نسائه ما أولم على زينب أولم بشاة وصرح الجرجاني بندب عدم كسر عظمها كالعقيقة وقد يوجه بنظير ما قالوه ثم من أن فيه تفاؤلا بسلامة أخلاق الزوجة وأعضائها كالولد ويؤخذ منه أنه يسن هنا في المذبوح ما يسن في العقيقة. وبحث الأذرعي أنها لو اتحدت وتعددت الزوجات وقصدها عنهن كفت وفيه نظر والذي يتجه أنها كالعقيقة فتتعدد بتعددهن مطلقا فإن قلت هل يمكن الفرق بأن العقيقة فداء عن النفس فتعددت بعددها بخلاف الوليمة قلت يمكن إن لم يكن في الوليمة نحو ذلك وهو بعيد والظاهر أن سرها رجاء صلاح الزوجة ببركتها فكانت كالفداء عنها فلتتعدد بعددها ويؤيد التسوية ما تقرر عن الجرجاني ويؤخذ من ذلك أنه يندب لها إذا لم يولم الزوج أن تولم هي رجاء صلاح الزوج لها كما يندب لمولود ترك وليه العق عنه أن يعق عن نفسه بعد بلوغه وهو محتمل إلا أن يفرق بأن الولد هو المقصود بالعقيقة فلم تفت ببلوغه بل تأكدت والزوجة ليست هي المقصودة بالوليمة وسكتوا عن ندبها للتسري وظاهر ما جاء عن الصحابة رضي الله عنهم من التردد بعد وليمة صفية في أنها زوجة أو سرية أنهم كانوا يألفونها للسرية وإلا لجزموا بأنها زوجة وعليه فلا فرق فيها بين ذات الخطر وغيرها; لأن القصد بها ما مر وهو لا يتقيد بذات الخطر. ونقل ابن الصلاح أن الأفضل فعلها ليلا; لأنها في مقابلة نعمة ليلية ولقوله تعالى {فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا} [الأحزاب: 53] وكان ذلك ليلا ا هـ وهو متجه إن ثبت أنه صلى الله عليه وسلم فعلها ليلا. "والإجابة إليها" بناء على أنها سنة "فرض عين" لخبر مسلم "شر الطعام طعام الوليمة يدعى إليها الأغنياء ويترك الفقراء" ومن لم يجب الدعوة أي بفتح الدال وقول قطرب بضمها غلطوه فيه كذا قاله جمع وينافيه قول القاموس وتضم إلا أن يجاب بأن سبب التغليظ أن قطرب يوجب الضم فقد عصى الله ورسوله والمراد وليمة العرس; لأنها المعهودة عندهم

 

ج / 3 ص -299-        وللخبر الصحيح "إذا دعي أحدكم إلى وليمة عرس فليجب" ولا تجب إجابة لغير وليمة عرس ومنه وليمة التسري كما هو ظاهر وقيل تجب واختاره السبكي لا خيار فيه "وقيل" فرض "كفاية" ويصح الرفع; لأن القصد إظهار الحلال عن السفاح وهو حاصل بحضور البعض ويرد بفرض تسليم ما علل به بأنه يؤدي إلى التواكل "وقيل سنة"; لأنه تمليك مال فلم تجب ويرد بأن الأكل سنة لا واجب أما على أنها واجبة فتجب الإجابة إليها قطعا أي بالشروط الآتية كما اقتضته عبارة الروضة. "وإنما تجب" الإجابة على الصحيح "أو تسن" على مقابله أو عند فقد بعض شروط الوجوب أو في بقية الولائم "بشرط أن" يخصه بدعوة ولو بكتابة أو رسالة مع ثقة أو مميز لم يجرب عليه الكذب جازمة لا إن فتح بابه وقال ليحضر من شاء أي إلا إن دعاه بخصوصه مع ذلك فيما يظهر لا سيما إن كان قوله ذلك لعذر كأن قصد به استيعاب نحو الفقراء ثم وأفهم قولهم وقال إن مجرد فتح الباب لا أثر له أو قال له أحضر إن شئت إلا أن تظهر القرينة على أنه إنما قاله تأدبا وتعطفا مع ظهور رغبته في حضوره كظهورها في إن شئت أن تجملني فإن فيه طلب الحضور والاحتياج إليه للتجمل به ومن ثم جزم شارح بلزوم الإجابة فيه وأما اعتراض غيره له بأنه كما لو قال له إن شئت أن تحضر فاحضر فبعيد; لأن ظاهر هذه يشعر بالاستغناء عن حضوره. ومن ثم اتجه أنه لو ظهرت قرينة التأدب فيها كانت كالأولى وقد يفهم هذا الشرط قوله الآتي وأن يدعوه كما أخذه منه غير واحد وأن يكون مسلما فلا تجب إجابة ذمي بل تسن إن رجي إسلامه أو كان نحو قريب أو جار وسيأتي في الجزية حرمة الميل إليه بالقلب ولا يلزم ذميا إجابة مسلم وأن لا يكون في مال الداعي شبهة أي قوية بأن يعلم أن في ماله حراما ولا يعلم عينه وإن لم يكن أكثر ماله حراما فيما يظهر خلافا لما يقتضيه كلام بعضهم من التقييد بذلك لكن يؤيده أنه لا تكره معاملته والأكل منه إلا حينئذ ويجاب بأنه يحتاط للوجوب ما لا يحتاط للكراهة وقيدت بقوية; لأنه لا يوجد الآن مال ينفك عن شبهة وأن لا تدعوه امرأة أجنبية إلا إن كان ثم نحو محرم له أنثى يحتشمها أو لها وأذن زوج المزوجة وسن لها الوليمة وإلا لم تجب الإجابة وإن لم تكن خلوة محرمة خشية الفتنة والريبة ومن ثم لو كان كسفيان وهي كرابعة وجبت الإجابة ويظهر أن دعوتها أكثر من رجل كذلك ما لم يحصل جمع تحيل العادة معهم أدنى فتنة أو ريبة كما يعلم مما يأتي آخر العدد ويتصور اتحاد الرجل مع اشتراط عموم الدعوة بأن لا يكون أو لا يعرف ثم غيره بل يأتي في هذا الشرط ما يعلم منه أنه قد يتحد لقلة ما عنده. ومن صور وليمة المرأة أن تولم عن الرجل بإذنه كذا قيل وفيه نظر فإن الذي يظهر حينئذ أن العبرة بدعوته لا بدعوتها; لأن الوليمة صارت له بإذنه لها المقتضي لتقدير دخول ذلك في ملكه نظير إخراج الفطرة عن الغير بإذنه وحينئذ فيتعين أن يزاد في التصوير أنه أذن لها في الدعوة أيضا وأن لا يعذر بمرخص في الجماعة مما مر كما في البيان وغيره وإن توقف الأذرعي في إطلاقه وأن لا يكون الداعي فاسقا أو شريرا طالبا للمباهاة والفخر كما في الإحياء وبه يعلم اتجاه قول الأذرعي من جاز هجره لا تجب إجابته وأن لا يدعى قبل وتجب الإجابة إذ الذي

 

ج / 3 ص -300-        يظهر أن الدعوة التي لا تجب إجابتها كالعدم بل يجيب الأسبق فإن جاءا معا أجاب الأقرب رحما فدارا فإن استويا أقرع وظاهر قولهم أجاب الأقرب وقولهم أقرع وجوب ذلك عليه وفيه ما فيه ولو قيل إنه مندوب للتعارض المسقط للوجوب لم يبعد وأن يكون الداعي مطلق التصرف فلا يجيب غيره وإن أذن له وليه لعصيانه بذلك نعم إن أذن لعبده في أن يولم كان كالحر لكن إن أذن له في الدعوة أيضا فيما يظهر نظير ما مر آنفا ولو اتخذها الولي من مال نفسه وهو أب أو جد وجب الحضور كما بحثه الأذرعي وأن يكون المدعو حرا ولو سفيها أو عبدا بإذن سيده أو مكاتبا لم يضر حضوره بكسبه أو أذن سيده أو مبعضا في نوبته وغير قاض أي في محل ولايته لكن يسن له ما لم يخص بها بعض الناس إلا من كان يخصهم قبل الولاية فلا بأس باستمراره على ذلك قال. الماوردي والروياني والأولى في زماننا أن لا يجيب أحد الخبيث النيات وألحق به الأذرعي كل ذي ولاية عامة في محل ولايته وبحث استثناء أبعاضه ونحوهم أي فيلزمه إجابتهم; لأن حكمه لا ينفذ لهم وأن لا يعتذر للداعي فيعذره أي عن طيب نفس لا عن حياء بحسب القرائن كما هو ظاهر. وأن "لا يخص الأغنياء" مثلا بالدعوة أي أن لا يظهر منه قصد التخصيص بهم عرفا فيما يظهر لأجل غناهم أو غيره لغير عذر كقلة ما عنده فإن ظهر منه ذلك كذلك لم تجب عليهم فضلا عن غيرهم أما إذا خصهم لا لغناهم مثلا بل لجوار أو اجتماع حرفة أو قلة ما عنده فيلزمهم كغيرهم الإجابة وهذا الذي ذكرته هو مراد المحرر بقوله منها أن يدعو جميع عشيرته وجيرانه أغنياءهم وفقراءهم دون أن يخص الأغنياء وإذا كان مراده ما ذكر لم يرد عليه قول الأذرعي في اشتراط التعميم مع فقره نظر قال والظاهر أن المراد بالجيران هنا أهل محلته ومسجده دون أربعين دارا من كل جانب.
"تنبيه" استشكل الزركشي هذا الشرط فقال ما حاصله أن جملة يدعى إليها في الخبر السابق حالية مقيدة لكون طعامها شر الطعام فلو دعا عاما لم يكن سياق الحديث يقتضي أنه مع ذلك التخصيص لا يسقط الطلب فما ذكره في أن لا يخص مشكل ا هـ وقد يجاب بأن جملة يدعى بيان لكون الغالب في طعام الوليمة ذلك وأما وجوب الإجابة فمعلوم من القواعد أن سببه التواصل والتحابب بين الناس وهذا إنما يحصل حيث لم يظهر منه قصد موغر للصدور ومن شأن التخصيص ذلك فأبطل سبب الوجوب الذي ذكر فالحاصل أن الكلام في مقامين بيان ما جبل عليه الناس في طعامها وهو الرياء وما جبلوا عليه في إجابتها وهو التواصل والتحابب فتأمله.
"وأن يدعوه" بخصوصه كما مر "في اليوم الأول فإن أولم ثلاثة" من الأيام "لم تجب في" اليوم "الثاني" بل تستحب وهو دون سنيتها في الأول في غير العرس وقيل تجب واعتمده الأذرعي إن لم يدع في اليوم الأول أو دعي وامتنع لعذر ودعي في الثاني. "وتكره في" اليوم "الثالث" للخبر الصحيح المتصل "الوليمة في اليوم الأول حق وفي الثاني معروف وفي الثالث رياء وسمعة" وظاهر أن تعدد الأوقات كتعدد اليوم وأنه لو كان لعذر كضيق منزل وجبت الإجابة مطلقا. "وأن لا يحضره" بضم أوله "لخوف" منه "أو طمع في

 

 

ج / 3 ص -301-        جاهه" أو ليعاونه على باطل بل للتقرب والتودد المطلوب أو لنحو علمه أو صلاحه وورعه أولا بقصد شيء كما هو ظاهر قال في الإحياء وينبغي أن يسن كما هو ظاهر أن يقصد بالإجابة الاقتداء بالسنة حتى يثاب وزيارة أخيه وإكرامه حتى يكون من المتحابين المتزاورين في الله تعالى أو صيانة نفسه عن أن يظن به كبر أو احتقار لمسلم. "وأن لا يكون ثم" أي بالمحل الذي يحضر فيه "من يتأذى" المدعو "به" لعداوة ظاهرة بينهما أو لحسد ذاك لهذا دون عكسه فيما يظهر نعم إن كان حضوره يحرك حسدا عنده لمن يراه ثم ولا يقدر على دفعه فظاهر أنه لا يلزمه الحضور نظير ما يأتي في أن لا يكون ثم منكر "أو لا يليق به مجالسته" كالأراذل وأما قول الماوردي والروياني لو كان هناك عدو له أو دعاه عدوه لم يؤثر في إسقاط الوجوب فمحمول كما قاله الأذرعي على ما إذا كان لا يتأذى به وفيه نظر مع ما مر من اشتراط ظهور العداوة فالوجه حمله على ما إذا كانت العداوة منه نظير ما ذكرته في الحسد وليس كثرة الزحمة عذرا إن وجد سعة أي لمدخله ومجلسه وأمن على نحو عرضه كما علم مما مر عن البيان وإلا عذر. "و" أن "لا" يكون بمحل حضوره "منكر" أي محرم ولو صغيرة كآنية نقد يباشر الأكل منها من غير الحيلة السابقة بخلاف مجرد حضورها بناء على ما يأتي في صورة غير ممتهنة أنه لا يحرم دخول محلها وكنظر رجل لامرأة أو عكسه وبه يعلم أن إشراف النساء على الرجال عذر وكآلة طرب محرمة كذي وتر أو شعر وكالضرب على الصيني كما يأتي وكزمر ولو بشبابة وكطبل كوبة وكداعية لبدعة وكمن يضحك لفحش أو كذب أما محرم ونحوه مما مر بغير محل حضوره كبيت آخر من الدار فلا يمنع الوجوب كما صرح به بعضهم ويوافقه قول الحاوي إذا لم تشاهد الملاهي لم يضر سماعها كالتي بجواره ونقله الأذرعي عن قضية كلام كثيرين منهم الشيخان ثم نقل عن قضية كلام آخرين أنه لا فرق بين محل الحضور وسائر بيوت الدار واعتمده فقال المختار أنه لا تجب الإجابة بل لا تجوز لما في الحضور من سوء الظن بالمدعو وبه فارق الجار وفرق السبكي أيضا بأن في مفارقة داره ضررا عليه ولا فعل منه بخلاف هذا فإنه تعمد الحضور لمحل المعصية بلا ضرورة وما قالاه هو الوجه الذي لا يسوغ غيره وبتسليم أن قضية كلام الأولين الحل يتعين حمله على ما إذا كان ثم عذر يمنع من كونه مقرا على المعصية من غير ضرورة "فإن كان" المنكر "يزول بحضوره" لنحو علم أو جاه "فليحضر" وجوبا على المنقول المعتمد ليحصل فرضي الإجابة وإزالة المنكر ووجود من يزيله غيره لا يمنع الوجوب عليه; لأنه ليس للإجابة فقط كما تقرر ولو لم يعلم به إلا بعد حضوره نهاهم فإن عجز خرج فإن عجز لنحو خوف قعد كارها ولا يجلس معهم إن أمكن ويفرق بين وجوب الإجابة وإزالة المنكر بشرطه الآتي في السير وعدم وجوب إزالة الرصدي في الحج وإن قدر عليها بأن من شأن الحجيج أن لا تجتمع كلمتهم ومانعيهم أن تشتد شوكتهم مع أن الأصل في الوجوب ثم التراخي وهنا الفور فاحتيط للوجوب هنا أكثر. "ومن المنكر فراش حرير" في دعوة اتخذت للرجال وظاهر كلامهم هنا أن العبرة في الذي ينكر باعتقاد المدعو وبه عبر جمع من الشراح وغيرهم ولا ينافيه ما

 

ج / 3 ص -302-        يأتي في السير أن العبرة في الذي ينكر باعتقاد الفاعل تحريمه; لأن ما هنا في وجوب الحضور ووجوبه مع وجود محرم في اعتقاده فيه مشقة عليه فسقط وجوب الحضور لذلك وأما الإنكار ففيه إضرار بالفاعل ولا يجوز إضراره إلا إن اعتقد تحريمه بخلاف ما إذا اعتقده المنكر فقط; لأن أحدا لا يعامل بقضية اعتقاد غيره فتأمله وإذا سقط الوجوب وأراد الحضور اعتبر حينئذ اعتقاد الفاعل فإن ارتكب أحد محرما في اعتقاده لزم هذا المتبرع بالحضور الإنكار فإن عجز لزمه الخروج إن أمكنه عملا بكلامهم في السير حينئذ ثم رأيت غير واحد قالوا المنقول أنه لا يحرم الحضور إلا إن اعتقد الفاعل التحريم وهو صريح فيما ذكرته وسواء فيما ذكرته النبيذ وغيره خلافا لمن فرق. ولا ينافيه قول الشافعي رضي الله عنه في شاربه الحنفي: أحده وأقبل شهادته; لأن المعتمد في تعليله أن الحاكم يجب عليه رعاية اعتقاده دون المرفوع إليه وكفرش الحرير ستر الجدر به بل أولى; لأن هذا يحرم حتى على النساء وفرش جلود السباع وعليها الوبر; لأنه شأن المتكبرين قيل الأولى التعبير بفرش الحرير; لأنه المحرم دون الفراش; لأنه قد يكون مطويا ا هـ وهو غير صحيح; لأن فرش الحرير لا يحرم مطلقا بل لمن علم منه أنه يجلس عليه جلوسا محرما على أن كلامه في منكر حاضر بمحل الدعوة والفرش لا يوصف بذلك فتعين التعبير بالفراش واحتمال طيه يرده قرينة السياق أنه جلس عليه "وصورة حيوان" مشتملة على ما لا يمكن بقاؤه بدونه دون غيره وإن لم يكن لها نظير كفرس بأجنحة هذا إن كانت بمحل حضوره لا نحو باب وممر كما قالاه قدر على إزالتها أم لا ولزوم الإزالة مع القدرة معلوم فلا يرد هنا ألا ترى أن من بطريقه محرم تلزمه الإجابة ثم إن قدر على إزالته لزمته وإلا فلا فكذا هنا والحاصل أن المحرم من الصور إن كان بمحل الحضور لم تجب الإجابة وحرم الحضور أو بنحو ممره وجبت إذ لا يكره الدخول إلى محل هي بممره. وكان سببه أن في تعليقها ثم نوع امتهان فلم تكن كالتي بمحل الحضور وكانت "على سقف أو جدار أو وسادة" منصوبة لما يذكره في المخدة إذ هما مترادفان "أو ستر" علق لزينة أو منفعة ويفرق بين هذا وحل التضبيب لحاجة بأن الحاجة تزيل مفسدة النقد ثم لزوال الخيلاء لا هنا; لأن تعظيم الصورة بارتفاع محلها باق مع الانتفاع به "أو ثوب ملبوس" ولو بالقوة فيدخل الموضوع بالأرض كما قاله الأذرعي وذلك لما في خبر مسلم عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم قدم من سفر وقد سترت على صفة لها سترا فيه الخيل ذوات الأجنحة فأمر بنزعها, وفي رواية قطعنا منه وسادة أو وسادتين وكان صلى الله عليه وسلم يرتفق بهما وهو صريح فيما قالوه هنا من التفصيل واحتمال كون القطع في موضع الصورة فزالت وجعلت وسادة بعيد; لأن ظاهر اللفظ أن الصور عامة لجميع الستر وهذا الخبر يبين ما في الخبر المتفق عليه أنها اشترت له صلى الله عليه وسلم ما يقعد عليه ويتوسد به وفيه صور فامتنع من الدخول عليها حتى تابت واعتذرت ثم ذكر الوعيد الشديد للمصورين وأن البيت الذي فيه صورة أي وإن لم تحرم; لأن غايتها أنها كجنب أو إناء بول ما دام فيه لا تدخله الملائكة وقضية المتن والخبر حرمة دخول محل هذه الصورة المعظمة وهو ما

 

ج / 3 ص -303-        اعتمده الأذرعي لنقل البيان له عن عامة الأصحاب والذخائر عن الأكثرين والشامل عن أصحابنا ردا بذلك قول الشرح الصغير الأكثرون على الكراهة وقول الإسنوي إنه الصواب ويلحق بها في ذلك محل كل معصية.
"فرع" لا يؤثر حمل النقد الذي عليه صورة كاملة; لأنه للحاجة ولأنها ممتهنة بالمعاملة بها ولأن السلف كانوا يتعاملون بها من غير نكير ومن لازم ذلك عادة حملهم لها وأما الدراهم الإسلامية فلم تحدث إلا في زمن عبد الملك وكان مكتوبا عليها اسم الله واسم رسوله صلى الله عليه وسلم.
"ويجوز" حضور محل فيه "ما" أي صورة "على أرض وبساط" يداس "ومخدة" ينام أو يتكأ عليها وما على طبق وخوان وقصعة وكذا إبريق على الأوجه; لأن ما يوطأ أو يطرح مهان مبتذل وقد يؤخذ منه أن ما رفع من ذلك للزينة محرم وهو محتمل إلا أن يقال إنه موضوع لما يمتهن به فلا نظر لما يعرض له ويؤيده اعتبارهم التعليق في الستر دون اللبس في الثوب نظرا لما أعد له كل منهما "ومقطوع الرأس" لزوال ما به الحياة فصار كما في قوله "وصور شجر" وكل ما لا روح له كالقمرين; لأن ابن عباس رضي الله عنهما أذن لمصور في ذلك. "ويحرم" ولو على نحو أرض وما مر من الفرق إنما هو في الاستدامة "تصوير حيوان" وإن لم يكن له نظير كما مر بل هو كبيرة لما فيه من الوعيد الشديد كاللعن وأن المصورين أشد الناس عذابا يوم القيامة نعم يجوز تصوير لعب البنات; لأن عائشة رضي الله تعالى عنها كانت تلعب بها عنده صلى الله عليه وسلم رواه مسلم وحكمته تدريبهن أمر التربية وخرج بحيوان تصوير ما لا رأس له فيحل خلافا لما شذ به المتولي وكفقد الرأس فقد ما لا حياة بدونه نعم يظهر أنه لا يضر فقد الأعضاء الباطنة كالكبد وغيره; لأن الملحظ المحاكاة وهي حاصلة بدون ذلك ولا شيء لمصور وقول الماوردي له أجرة المثل ضعيف بل شاذ كما مر ولا أرش على كاسره. "ولا تسقط إجابة بصوم" لخبر مسلم به وفيه أمر الصائم بالصلاة أي الدعاء للرواية الأخرى "فإن كان صائما دعا لهم بالبركة" أي لأهل المنزل كما هو ظاهر السياق لكن الدعاء لهم لا سيما بالمأثور سنة للمفطر أيضا فذكر الصائم هنا لعله لكونه منه آكد جبرا لهم لما فاتهم من بركة أكله ويحتمل أن المراد هنا الدعاء للآكلين جبرا لهم لما فاتهم من بركة صومه وفيه أيضا أمر المفطر بالأكل فقيل هو للوجوب في وليمة العرس وقيل سائر الولائم ويحصل بلقمة وصححه في شرح مسلم في موضع والأصح أنه مندوب ولا يكره لمن دعي وهو صائم أن يقول إني صائم أي إن أمن الرياء كما هو ظاهر. "فإن شق على الداعي صوم نفل" ولو مؤكدا "فالفطر أفضل" لإمكان تدارك الصوم لندب قضائه ولخبر فيه لكن قال البيهقي إسناده مظلم وفي الإحياء يندب أن ينوي بفطره إدخال السرور عليه أما إذا لم يشق عليه فالإمساك أفضل وأما الفرض ولو موسعا فيحرم الخروج منه مطلقا. "ويأكل الضيف" جوازا والمراد به هنا كل من حضر طعام غيره وحقيقته الغريب ومن ثم تأكدت ضيافته وإكرامه من غير تكلف خروجا من خلاف من أوجبها "مما قدم له بلا لفظ" دعاه أو لم يدعه اكتفاء بالقرينة إن انتظر غيره

 

ج / 3 ص -304-        لم يجز قبل حضوره إلا بلفظ وأفهمت من حرمة أكل جميع ما قدم له وبه صرح ابن الصباغ ونظر فيه إذا قل واقتضى العرف أكل جميعه والذي يتجه النظر في ذلك للقرينة القوية فإن دلت على أكل الجميع حل وإلا امتنع وصرح الشيخان بكراهة الأكل فوق الشبع وآخرون بحرمته ويجمع بحمل الأول على مال نفسه الذي لا يضره والثاني على خلافه ويضمنه لصاحبه ما لم يعلم رضاه به كما هو ظاهر فإطلاق جمع عدم ضمانه يتعين حمله على علم رضا المالك; لأنه حينئذ كمال نفسه ويظهر جريان هذا التفصيل في الأكل حيث قيل بحرمته قال ابن عبد السلام ولو كان يأكل قدر عشرة والمصنف جاهل به لم يجز له أن يأكل فوق ما يقتضيه العرف في مقدار الأكل لانتفاء الإذن اللفظي والعرفي فيما وراءه وكذا لا يجوز له أكل لقم كبار مسرعا في مضغها وابتلاعها إذا قل الطعام; لأنه يأكل أكثره ويحرم غيره, ولا لرذيل أكل من نفيس بين يدي كبير خص به إذ لا دلالة على الإذن له فيه بل العرف زاجر له عنه ا هـ وبه يعلم أنه يجب عليه مراعاة القرائن القوية والعرف المطرد ولو بنحو فلا تجوز الزيادة عليها والنصفة مع الرفقة فلا يأخذ إلا ما يخصه أو يرضون به لإحياء وكذا يقال في قران نحو تمرتين بل قيل أو سمسمتين. "ولا يتصرف فيه" أي ما قدم له "إلا بأكل" لنفسه; لأنه المأذون له فيه دون ما عداه كإطعام سائل أو هرة وكتصرفه فيه بنقل له إلى محله أو بنحو بيع أو هبة نعم له وإن لم يملكه خلافا للزركشي; لأن المدار هنا على القرينة لا غير تلقيم من معه ما لم يفاوت بينهم فيحرم على ذي النفيس تلقيم ذي الخسيس دون عكسه كما هو ظاهر والمفاوتة بينهم مكروهة أي إن خشي منها ضغينة كما هو واضح وأفهم المتن أنه لا يملكه وإنما هو إتلاف بإذن والمعتمد أنه يملكه بالازدراد أي يتبين به ملكه له قبيله فله الرجوع قبله وقول الشرح الصغير يملكه بالوضع بين يديه شاذ بل قيل غلط ونقل جمع أنه يملكه بوضعه في فمه رد بأنه سهو والمراد بالملك على القول به ملكه لغبنه لكن ملكا مقيد الامتناع نحو بيعه عليه وقول جمع يجوز رده ابن الصباغ بأنه لا يجيء على أصلنا نعم ضيف الذمي المشروط عليه الضيافة يملك ما قدم له اتفاقا فله الارتحال به. "وله" أي الضيف مثلا "أخذ ما" يشمل الطعام والنقد وغيرهما وتخصيصه بالطعام رده في شرح مسلم فتفطن له ولا تغتر بمن وهم فيه "يعلم" أو يظن أي بقرينة قوية بحيث لا يختلف الرضا عنها عادة كما هو ظاهر "رضاه به"; لأن المدار على طيب نفس المالك فإذا قضت القرينة القوية به حل وتختلف قرائن الرضا في ذلك باختلاف الأحوال ومقادير الأموال وإذا جوزنا له الأخذ فالذي يظهر أنه إن ظن الأخذ بالبدل كان قرضا ضمينا أو بلا بدل توقف الملك على ما ظنه لا يقال قياس ما مر في توقف الملك على الازدراد أنه هنا يتوقف على التصرف فيه فلا يملكه بمجرد قبضه له; لأنا نقول الفرق بينهما واضح; لأن قرينة التقديم للأكل ثم قصرت الملك على حقيقته ولا يتم إلا بالازدراد وهنا المدار على ظن الرضا فأنيط بحسب ذلك الظن فإن ظن رضاه بأنه يملكه بالأخذ أو بالتصرف أو بغيرهما عمل بمقتضى ذلك وعلم مما تقرر أنه يحرم التطفل وهو الدخول إلى محل الغير لتناول طعامه بغير إذنه ولا علم رضاه أو ظنه بقرينة معتبرة بل يفسق بهذا إن

 

ج / 3 ص -305-        تكرر منه للحديث المشهور أنه يدخل سارقا ويخرج مغيرا وإنما لم يفسق بأول مرة للشبهة ولأن شرط كون السرقة فسقا مساواة المسروق لربع دينار كالمغصوب على ما فيهما ومنه أن يدعي ولو صوفيا مسلكا وعالما مدرسا فيستصحب جماعته من غير إذن الداعي ولا ظن رضاه بذلك وأما إطلاق بعضهم أن دعوته تتضمن دعوة جماعته فليس في محله بل الصواب ما ذكرته فيه من التفصيل. "ويحل" لكن الأولى الترك "نثر سكر" وهو رميه مفرقا "وغيره" كلوز ودنانير ودراهم ونازع الأذرعي في حل نثرها بأن فيه إضاعة وإيذاء ربما يؤدي للقتل "في الإملاك" أي عقد النكاح وكذا سائر الولائم كالختان.
"تنبيه" قولهم الأولى الترك يحتمل أنه خاص بخصوص النثار فلا ينافي قول المتولي وجزم به غير واحد الأولى تقديم حلو لحاضري عقد النكاح ويحتمل العموم وأن ما ذكره المتولي مقالة ثم رأيت الأم والمختصر صرحا بأن الوليمة تشمل الدعوة على الأملاك وهو يقتضي ندب إحضار طعام لا خصوص الحلو وأن هذا غير وليمة العرس أي لحصوله ولو قبيل العقد وتلك لا يدخل وقتها إلا بتمام العقد كما مر.
"ولا يكره في الأصح" لخبر أنه صلى الله عليه وسلم حضر أملاكا فيه أطباق اللوز والسكر فأمسكوا فقال "ألا تنتهبون" فقالوا نهيتنا عن النهبى فقال "إنما نهيتكم عن نهبة العساكر أما العرسان فلا خذوا على اسم الله فجاذبنا وجاذبناه" قال البيهقي إسناده منقطع وابن الجوزي موضوع ولذلك انتصر جمع للكراهة وأطالوا للنهي الصحيح عن النهبى لكن بين الحافظ الهيتمي في مجمعه أن الطبراني رواه في الكبير بسند رجاله ثقات إلا اثنين فإنه لم يجد من ترجمهما وحينئذ فلا وضع فيه ولا انقطاع وفي رواية الكبير سلال الفاكهة والسكر فأنثر عليهم وأن ذلك بعد أن خطب صلى الله عليه وسلم وأنكح الأنصاري وأمر بالتدفيف على رأسه وأنه قال ولم أنهكم عن نهبة الولائم ألا فانتهبوا. "ويحل التقاطه" للعلم برضا مالكه "وتركه أولى" وقيل أخذه مكروه وأطالوا في الانتصار له; لأنه دناءة نعم إن علم أن الناثر لا يؤثر به ولم يقدح أخذه في مروءته لم يكن تركه أولى ويكره أخذه من الهواء بإزار أو غيره فإن أخذه منه أو التقطه أو بسط ثوبه لأجله فوقع فيه ملكه بالأخذ ولو صبيا وإن أخذه قن ملكه سيده فإن وقع بحجره من غير أن يبسط له فسقط منه قبل قصد أخذه بعذر أو غيره زال اختصاصه به وإلا بقي ولا يملكه; لأنه لم يوجد منه عند وقوعه بحجره قصد تملك ولا فعل لكنه أولى به فيحرم على غيره أخذه منه ولا يملكه بخلاف ما مر في التحجر له; لأن ذاك غير مملوك بخلاف هذا فإنه باق بملك الناثر ولم يأذن له في أخذه ممن هو أولى به وبهذا يتضح إلحاقهم سقي أرض أو حفر حفرة لا بقصد الاصطياد فتوحل أو وقع فيها صيد وإلجاء سمكة لبركة كبيرة وأخذ صيد من داره التي لم يغلق بابها عليه بالتحجر في أنه وإن كان أحق به لكن يملكه آخذه وإن أثم بدخوله ملكه لا بالنثار وأما ما أوهمه كلامهما هنا من الفرق بين هذه الصورة والتحجر فهو مبني على ضعيف كما أفاده كلامهما في باب الصيد.