تحفة المحتاج بشرح المنهاج ط العلمية

ج / 3 ص -306-        كتاب القسم والنشوز
بفتح فسكون وأما بكسر فسكون فالنصيب وبفتحهما فاليمين "والنشوز" من نشز ارتفع فهو ارتفاع عن أداء الحق ومن لازم بيانهما بيان بقية أحكام عشرة النساء فاندفع الاعتراض عليه بأنه كان ينبغي أن يزيد في الترجمة وعشرة النساء; لأنه مقصود الباب.
"يختص القسم" أي وجوبه "بزوجات" حقيقة فلا يتجاوزهن للرجعية ولا للإماء ولو مستولدات كما أشعر به قوله تعالى
{فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] أي فإنه لا يجب فيهن العدل الذي هو فائدة القسم لكن يندب أن لا يعطلهن وأن يسوي بينهن قيل كان ينبغي وتختص الزوجات بالقسم; لأن الباء إنما تدخل على المقصور ا هـ وحصره ليس في محله وتحرير ذلك أن الأصل في لفظ الخصوص وما يشتق منه أن تدخل الباء في حيزه على المقصور عليه وهو ما له الخاصة وهو الزوجات هنا فمن ثم سلك ذلك المصنف لسلامته من التضمين والتجوز الآتيين وقد يضمن معنى التمييز أو يجعل مجازا مشهورا عنه لتدخل الباء حينئذ على المقصور الذي هو الخاصة قيل وهذا أعرب وأبين وأغلب وكأن المعترض اغتر بهذا لكنه لم يف بالتعبير عنه. "ومن" له زوجات لا يلزمه أن يبيت عندهن كما يأتي نعم إن "بات" في الحضر أي صار ليلا أو نهارا فالتعبير ببات; لأن شأن القسم الليل لا لإخراج مكثه نهارا عند إحداهن فإن الأوجه أنه يلزمه أن يمكث مثل ذلك الزمن عند الباقيات "عند بعض نسوته" بقرعة أو دونها وإن أثم فليس مقتضى عبارته جواز المبيت عند بعضهن ابتداء من غير قرعة ولا معنى بات أراد خلافا لمن وهم فيه; لأنه إنما جعل وجود المبيت بالفعل عند واحدة شرطا للزوم المبيت عند البقية وهذا لا يقتضي شيئا مما ذكر كما هو واضح وبه يتضح أيضا اندفاع ما قيل عبارته توهم أنه إنما يجب إذا بات وليس كذلك بل يجب عند إرادته ذلك "لزمه" فورا فيما يظهر هنا وفيما مر لا سيما إن كان عصى بأن لم يقرع; لأنه حق لازم وهو معرض للسقوط بالموت فلزمه الخروج منه ما أمكنه وبهذا يفرق بينه وبين الحج ودين لم يعص به أن يبيت "عند من بقي" منهم تسوية بينهن للخبر الصحيح "إذا كان عند الرجل امرأتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وشقه مائل أو ساقط" وقد كان صلى الله عليه وسلم على غاية من العدل في القسم وقول الإصطخري إنه كان تبرعا منه لعدم وجوبه عليه لقوله تعالى {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ} [الأحزاب: 51] الآية خلاف المشهور لكن اختاره السبكي وخرج بنفي الحضر ما لو سافر وحده ونكح جديدة في الطريق وبات عندها فلا يلزمه قضاء للمتخلفات والأولى أن يسوي بينهن في سائر الاستمتاعات ولا يجب لتعلقها بالميل القهري وكذا في التبرعات المالية فيما يظهر خروجا من خلاف من أوجب التسوية فيها أيضا. "ولو أعرض عنهن أو عن الواحدة" ابتداء أو عند استكمال النوبة بالنسبة لهن "لم يأثم"; لأن المبيت حقه ولأن في داعية الطبع ما يغني عن

 

ج / 3 ص -307-        إيجابه. "و" لكن "يستحب أن لا يعطلهن" أي من ذكرن الشامل للواحدة وأكثر من الجماع والمبيت تحصينا لهن لئلا يؤدي إلى فسادهن أو إضرارهن سيما إن كانت عنده سرية جميلة آثرها عليها أو عليهن ومن ثم اختار جمع قول المتولي يكره الإعراض عنهن وقوى الوجه المحرم لذلك وقد لا يجوز الإعراض لعارض كأن ظلمها ثم بان منه المظلوم لهن فيلزمه أن يقضي على ما بحثه القمولي وسبقه إليه غيره لكن المعتمد خلافه إذ لا يتصور القضاء إلا من نوب المظلوم لهن فلا قضاء إلا إن أعادهن ولا تجب الإعادة لأجل ذلك على الأوجه; لأن تحصيل سبب الوجوب لا يجب نظير ما مر في إحرام المتمتع بالحج ليصوم فيه قيل قول أصله لم يكن لهن الطلب أحسن إذ لا يلزم من نفي الإثم نفي الطلب ألا ترى أن المدين قبل الطلب لا يأثم بترك الدفع وإذا طولب أثم ا هـ ويرد بأن الحق أنهما متساويان إذ الأصل الجاري على ألسنة حملة الشرع أن ما وجب يطالب به على سبيل الإلزام به وما لا فلا فهما متلازمان إثباتا ونفيا ومسألة الدين من ذلك; لأنه واجب يطالب به غاية الأمر أنه واجب موسع قبل الطلب ومضيق بعده فإن قلت لنا واجبات لا يطالب بها إلا عند تضييق وقتها كالصلاة والحج قلت المراد أن الواجب صالح للطلب به وتوقفه على شرط في البعض لمدرك يخصه لا يؤثر في التلازم الذي ذكرته ويستحب أن لا يخلي الزوجة عن ليلة من كل أربع اعتبارا بمن له أربع زوجات قال في الجواهر وأن يناما في فراش واحد حيث لا عذر في الانفراد سيما إن حرصت على ذلك.
"وتستحق القسم مريضة" ما لم يسافر بهن وتتخلف لأجل المرض فلا قسم لها وإن استحقت النفقة نقله البلقيني عن الماوردي وأقره واعتمده غيره "ورتقاء" وقرناء ومجنونة لا يخاف منها ومراهقة "وحائض ونفساء" ومحرمة ومولى أو مظاهر منها وكل ذات عذر شرعي أو طبعي; لأن المقصود الأنس لا الوطء وكما تستحق كل منهن النفقة "لا ناشزة" أي خارجة عن طاعته بأن تخرج بغير إذنه أو تمنعه من التمتع بها أو تغلق الباب في وجهه ولو مجنونة أو تدعي الطلاق كذبا ومعتدة عن وطء شبهة وصغيرة لا تطيق الوطء ومجوسية ومغصوبة ومحبوسة وأمة لم يكمل تسليمها ومسافرة بإذنه وحدها لحاجتها كما لا نفقة لهن ولحرمة الخلوة بالمعتدة والمجوسية كذا وقع لشارح وذكر المجوسية وهم لحرمة نكاحها حتى على مثلها على ما مر قال الروياني ولو ظهر له زناها حل له منع قسمها وحقوقها لتفتدي منه نص عليه في الأم وهو أصح القولين ا هـ وهو بعيد ولعل الأصح القول الثاني ويأتي أول الخلع ما يصرح به وينبغي أن يكون محل الخلاف إذا ظهر زناها في عصمته لا قبلها والمستحق عليه القسم زوج سكران أو عاقل ولو مراهقا نعم أثم جوره على وليه إن علم به أو قصر كما هو ظاهر كذا عبر به كثير وليس بقيد بل المميز الممكن وطؤه كذلك بل بحث أن غيره لو نام عند بعضهن وطلب الباقيات بياته عندهن لزم وليه إجابتهن لذلك وسفيها وإثمه عليه; لأنه مكلف أما المجنون فإن لم يؤمن ضرره أو أذاه الوطء فلا قسم وإن أمن وعليه بقية دور وطلبته لزم الولي الطواف به عليهن كما لو نفعه الوطء أو مال إليه هذا كله إن أطبق جنونه أو لم ينضبط وقت إفاقته وإلا راعى هو

 

ج / 3 ص -308-        أوقات الإفاقة ووليه أوقات الجنون بشرطه ليكون لكل واحدة نوبة من هذه ونوبة من هذه وفيما لم ينضبط لو قسم لواحدة زمن الجنون وأفاق في نوبة أخرى قضى للأولى ما جرى في زمن الجنون لنقصه وعلى محبوس وحده وقد مكن من النساء القسم ومن امتنعت منهن سقط حقها إن صلح محله لسكنى مثلها ومنه أن لا يشارك غيره في مرفق من المرافق الآتية هذا هو الذي يتجه من خلاف في ذلك. "فإن لم ينفرد بمسكن" وأراد القسم "دار عليهن" في بيوتهن توفية لحقهن. "وإن انفرد" بمسكن "فالأفضل المضي إليهن" صونا لهن. "وله دعاؤهن" لمسكنه وعليهن الإجابة; لأن ذلك حقه فمن امتنعت أي وقد لاق مسكنه بها فيما يظهر فهي ناشزة إلا ذات خفر لم تعتد البروز فيذهب لها على ما قاله الماوردي واستحسنه الأذرعي وغيره لكن استغربه الروياني وإلا نحو معذورة بنحو مرض فيذهب أو يرسل لها مركبا إن أطاقت مع ما يقيها من نحو مطر. "والأصح تحريم ذهابه إلى بعضهن ودعاء بعض" إلى مسكنه لما فيه من الإيحاش "إلا" بالقرعة أو "لغرض" ظاهر عرفا له أو لها فيما يظهر "كقرب مسكن من مضى إليها أو خوف عليها" لنحو شباب سواء كان الخوف منه أم منها فإن اختلفا رجع لغيرهما فيما يظهر دون غيرها فلا يحرم إذ لا إيحاش حينئذ فمن امتنعت بلا عذر لكونها ذات خفر على ما مر أو مرض وشق عليها الركوب مشقة لا تحتمل عادة فيما يظهر فناشز قال الأذرعي لو كان الغرض ذهابه للبعيدة للخوف عليها ودعاء القريبة للأمن عليها اعتبر عكس ما في المتن والضابط أن لا يظهر منه ميل بالتفصيل والتخصيص ا هـ وقول المتن أو خوف عليها عطفا على قرب صريح فيما ذكره فهو ما في المتن لا عكسه.
"ويحرم أن يقيم بمسكن واحدة" سواء ملكها وملكه وغيرهما وإن لم تكن هي فيه حال دعائهن فيما يظهر "ويدعوهن" أي الباقيات "إليه" بغير رضاهن لما مر فإن أجبن فلها المنع وحينئذ يصح عودة قوله إلا برضاهما لهذه أيضا بأن يجعلن قسما وهي قسما آخر. "وأن يجمع ضرتين" أو حرة وسرية "في مسكن" متحد المرافق أو بعضها كخيمة في حضر ولو ليلة أو دونها لما بينهما من التباغض "إلا برضاهما"; لأن الحق لهما ولهما الرجوع وإلا برضا الحرة خلافا فالشارح اعتبر رضا السرية أيضا وللحرة الرجوع هنا أيضا أما خيمة السفر فله جمعهما فيها لعسر إفراد كل بخيمة مع عدم دوام الإقامة ومنه يؤخذ أنه لا يجمعهما بمحل واحد من سفينة إلا إن تعذر إفراد كل بمحل لصغرها مثلا وأما إذا تعدد المسكن وانفرد كل بجميع مرافقه نحو مطبخ وحش وسطح ودرجته وبئر ماء ولاق فلا امتناع لهما حينئذ وإن كانا من دار واحدة كعلو وسفل وإن اتحد أغلقا ودهليز فيما يظهر; لأن المراد أن لا يشتركا فيما قد يؤدي للتخاصم ونحو الدهليز الخارج عن المسكنين لا يؤدي اتحاده إليه كاتحاد الممر من أول باب إلى باب كل منهما ويظهر أن اتحاد الرحا في بلد اعتيد فيه إفراد كل مسكن برحا كاتحاد بعض المرافق; لأن الاشتراك فيها يؤدي للتخاصم كما هو ظاهر ويكره وطء واحدة مع علم الأخرى به ولا تلزمها الإجابة; لأن الحياء والمروءة يأبيان ذلك ومن ثم صوب الأذرعي التحريم. "وله أن يرتب القسم على

 

ج / 3 ص -309-        ليلة" ليلة وأولها هنا يختلف باختلاف ذوي الحرف فيعتبر في حق أهل كل حرفة عادتهم الغالبة وآخرها الفجر خلافا للماسرجسي حيث حدها بغروب الشمس وطلوعها "ويوم قبلها أو بعدها" لحصول المقصود بكل لكن الأولى تقديم الليل خروجا من خلاف من عينه; لأنه الذي عليه التواريخ الشرعية "والأصل" لمن عمله بالنهار "الليل"; لأن الله جعله سكنا "والنهار تبع" قول المحشي ومؤنة الطريق هكذا في النسخ ولتحرر لأنه وقت التردد "فإن عمل ليلا وسكن نهارا كحارس" وأتوني بفتح أوله وضم الفوقية مع تشديدها وقد تخفف وهو وقاد الحمام أو غيره نسبة للأتون وهو أخدود الخباز والجصاص ذكره في القاموس "فعكسه" بعكس ما ذكر فإن كان يعمل تارة ليلا وتارة نهارا لم يجز نهاره عن ليله ولا عكسه أي والأصل في حقه وقت السكون لتفاوت الغرض ولو كان يعمل بعض الليل وبعض النهار فالظاهر أن محل السكون هو الأصل والعمل هو التبع وأنه لا يجزئ أحدهما عن الآخر ويتردد النظر فيمن عمله في بيته كالكتابة والخياطة وظاهر تمثيلهم بالحارس والأتوني أنه لا عبرة بهذا العمل فيكون الليل في حقه هو الأصل; لأن القصد الأنس وهو حاصل هذا كله في الحاضر أما المسافر فعماده وقت نزوله ما لم تكن خلوته في سيره فهو العماد كما بحثه الأذرعي وعماده في المجنون وقت إفاقته أي وقت كان وأيام الجنون كالغيبة كذا جزم به شارح وهو إنما يتأتى على كلام البغوي الذي ضعفاه فعلى ما مر من النظر لأيام الإفاقة وحدها والجنون وحدها الأصل في حقه كغيره نعم مر في غير المنضبط أن الإفاقة لو حصلت في نوبة واحدة قضى للأخرى قدرها فعليه قد يقال إن العماد هنا وقت الإفاقة وقضية ما في الشامل عن الأصحاب أن من عماده الليل لا يجوز له الخروج فيه بغير رضاها لجماعة وجنازة وإجابة دعوة وهو ضعيف وإنما ذلك ليالي الزفاف فقط; لأنه يحرم عليه الخروج فيها لمندوب تقديما لواجب حقها كذا قالاه لكن أطال الأذرعي وغيره في رده وأن المعتمد أنه لا حرمة أي وعليه فهي عذر في ترك الجماعة كما مر وتجب التسوية بينهن في الخروج لنحو جماعة فإن خص به ليلة واحدة منهن حرم. "وليس للأول" وهو من عماده الليل ويقاس به في جميع ما يأتي ومنه أن الدخول في العماد شرطه الضرورة وفي غيره تكفي الحاجة من عماده النهار أو وقت النزول أو السكون أو الإفاقة "دخول في نوبة على أخرى ليلا" ولو لحاجة "إلا لضرورة كمرضها المخوف" ولو ظنا وإن طالت مدته وإن نظر فيه الأذرعي أواحتمالا ليعرف الحال ومما يدفع تنظيره قول التهذيب وغيره لو مرضت أو ولدت ولا متعهد لها قال الرافعي أو لها متعهد كمحرم أي متبرع إذ لا يلزمه إسكانه فله أن يديم البيتوتة عندها ويقضي وقياسه أن مسكن أحد أمن لو اختص بخوف ولم تأمن على نفسها إلا به جاز له البيتوتة عندها ما دام الخوف موجودا ويقضي نعم إن سهل نقلها لمنزل لا خوف فيه لم يبعد تعينه عليه ثم رأيت الزركشي نقل عن الشافي واستظهره أن الخوف عليها من حريق أو نهب أو نحوه أي كفاجر كالمرض "وحينئذ" أي حين إذ دخل لضرورة كما هو صريح السياق. فقول شارح يحتمل إرادة هذا وضده والأمرين بعيد بل سهو "إن طال مكثه" عرفا وتقدير القاضي لطوله بثلث الليل وغيره بساعة طويلة عرفا ضعيف لكنه يدل على تنفيس في زمن الطول ويظهر ضبط

 

ج / 3 ص -310-        العرف في ذلك بفوق ما من شأنه أن يحتاج إليه عند الدخول لتفقد الأحوال عادة فهذا القدر لا يقضيه مطلقا وما زاد عليه يقضيه مطلقا وإن فرض أن الضرورة امتدت فوق ذلك وتعليلهم بالمسامحة وعدمها ظاهر في ذلك "قضى" من نوبتها مثله; لأنه مع الطول لا يسمح به وحق الآدمي لا يسقط بالعذر "وإلا" يطل مكثه عرفا "فلا" يقضي; لأنه يتسامح به وقول الزركشي ويأثم سبق قلم إذ الفرض أنه دخل لضرورة وإنما الإثم إن تعدى بالدخول وإن قل مكثه ومع ذلك لا يقضي إلا إن طال مكثه خلافا لما يوهمه قوله وحينئذ إذ قضيته أن شرط القضاء عند الطول كون الدخول لضرورة وأنه لغيرها يقضي مطلقا لتعديه وكذا يجب القضاء عند طول زمن الخروج ليلا ولو لغير بيت الضرة وإن أكره لكنه هنا يقضيه عند فراغ النوبة لا من نوبة إحداهن وعند فراغ زمن القضاء يلزمه الخروج إن أمن لنحو مسجد وقد يجب القضاء عند القصر بأن بعد منزلها بحيث طال الزمن من الذهاب والعود فيجب القضاء من نوبتها وإن قصر المكث عندها كذا جزم به شارح وهو محتمل لكن ظاهر تخصيصهم القضاء بزمن المكث خلافه ويوجه بأن زمن العود والذهاب لا يظهر فيه قصد تخصيص مؤثر عرفا نعم قياس ما مر في صورة القضاء بعد فراغ النوب أن زمنهما لو طال قضاه بعد فراغ النوب وله قضاء الفائت في أي جزء من الليل ومثله أولى وقيل واجب.
"وله الدخول نهارا" لحاجة; لأنه يتسامح فيه ما لا يتسامح في الليل فيدخل "لوضع" أو أخذ "متاع ونحوه" كتسليم نفقة وتعرف خبر للخبر الصحيح عن عائشة كان صلى الله عليه وسلم يطوف علينا جميعا فيدنو من كل امرأة من غير مسيس حتى يبلغ إلى التي هي نوبتها فيبيت عندها. "وينبغي" أي يجب كما عليه جمهور العراقيين "أن لا يطول مكثه" على قدر الحاجة وما اقتضاه كلامهما أن ذلك أولى لا واجب بعيد; لأن الزائد على الحاجة كابتداء دخول لغيرها وهو حرام كما صرحا به إلا أن يجاب بأنه وقع هنا تابعا ويغتفر فيه ما لا يغتفر في غيره. "والصحيح أنه لا يقضي إذا دخل لحاجة" وإن طال على ما اقتضاه إطلاقهما وصرح به الماوردي لكن صرح آخرون بالقضاء عند الطول ونقله ابن الرفعة عن نص الأم وجمع بحمل الأول على ما إذا طال بقدر الحاجة والثاني على ما إذا طال فوقها. "و" الصحيح "أن له ما سوى من وطء استمتاع" للخبر إذ المسيس فيه الجماع وبحث حرمته إن أفضى إليه إفضاء قويا كما في قبلة الصائم ويفرق بأن ذات الجماع محرمة إجماعا ثم لا هنا; لأنه إذا وقع وقع جائزا وإنما الحرمة لمعنى خارج وهو حق الغير كما صرح به الإمام على أن في حله من أصله خلافا فاحتيط ثم لذلك ولكونه مفسدا للعبادة ما لم يحتط هنا "و" الصحيح "أنه يقضي" زمن إقامته إن طال "إن دخل بلا سبب" لتعديه. "ولا يجب تسوية في الإقامة" في غير الأصل كأن كان "نهارا" أي في قدرها; لأنه وقت التردد وهو يقل ويكثر وكذا في أصلها على ما اقتضاه الإطلاق لكن الذي بحثه الإمام أخذا من كلامهم امتناعه إن كان قصدا وجرى عليه الأذرعي فقال لا أشك أن تخصيص إحداهن بالإقامة عندها نهارا على الدوام والانتشار في نوبة غيرها يورث حقدا وعداوة وإظهار تخصيص وميل أما الأصل فتجب التسوية في قدر الإقامة فيه حتى لو خرج في ليلة

 

ج / 3 ص -311-        إحداهن فقط ولو للجماعة حرم كما مر. "وأقل نوب القسم ليلة" ليلة ونهار نهار في نحو الحارس كما هو ظاهر فلا يجوز تبعيضهما على الأوجه في النهار; لأنه ينغص العيش ومن ثم جاز برضاهن وعليه حملوا طوافه صلى الله عليه وسلم على نسائه في ليلة واحدة "وهو أفضل" من الزيادة عليها للاتباع ولقرب عهده بهن "وتجوز ثلاثا" ثلاثا وليلتين وإن كرهن ذلك لقربها "ولا زيادة" على الثلاث فتحرم بغير رضاهن "على المذهب" وإن تفرقن في البلاد لما فيها من الإيحاش والإضرار وقيل تكره ونص عليه في الأم وجرى عليه الدارمي والروياني وبه يقرب الوجه الشاذ القائل لا تقدير بزمن أصلا وإنما هو إلى الزوج. "والصحيح" فيما إذا لم يرضين في الابتداء بواحدة بلا قرعة "وجوب قرعة" بينهن "للابتداء" في القسم بواحدة منهن تحرزا عن الترجيح من غير مرجح فيبدأ بمن خرجت قرعتها ثم يقرع للباقيات وهكذا فإذا تمت النوبة راعى الترتيب من غير قرعة نعم لو بدأ بواحدة ظلما أقرع للباقيات; لأن الأول لغو فإذا تم العدد أقرع للابتداء كما شمله المتن لما مر أن الأول لغو "وقيل يتخير" فيبدأ بمن شاء بلا قرعة; لأنه الآن لا يلزمه قسم ولو أراد الابتداء بما ليس قسما كدون ليلة فهل تجب قرعة فيه تردد والذي يتجه وجوبها ومر أن طوافه صلى الله عليه وسلم في ليلة محمول على أنه برضاهن. "ولا يفضل في قدر نوبة" ولو مسلمة على كتابية فيحرم عليه ذلك; لأنه خلاف العدل المشروع له القسم "لكن لحرة مثلا أمة" تجب نفقتها أي من فيها رق بسائر أنواعها ولو مبعضة أي لها ليلتان وللأمة ليلة لا غير لما قدمه من امتناع الزيادة على ثلاث والنقص عن ليلة بل لو جعل للحرة ثلاثا وللأمة ليلة ونصفا لم يجز فعلم سهو من أورد عليه أن كلامه يوهم جواز ليلتين للأمة وأربع للحرة وذلك لخبر فيه مرسل اعتضد بقول علي كرم الله وجهه بل لا يعرف له مخالف وإنما سوى بينهما في حق الزفاف; لأنه لزوال الحياء وهما فيه سواء ويتصور كونها جديدة في الحر بأن تكون تحته حرة لا تصلح للاستمتاع فنكح أمة ومن عتقت قبل تمام نوبتها التحقت بالحرائر فلو لم تعلم هي بالعتق إلا بعد أدوار لم تستحق إلا من حين العلم قاله الماوردي واعترضه ابن الرفعة بأن القياس خلافه ورد بأن الأول هو القياس الأصح فيما لو رجعت الواهبة في نوبتها ولم يعلم الزوج أنه لا قضاء ويؤخذ منه أن الكلام عند جهل الزوج هنا أيضا وإلا فالوجه وجوبه لتعديه حينئذ ولو بات عند الحرة ليلتين استقر للأمة ليلة في مقابلتهما وإن سافر بها سيدها فيقضيها إياها إذا عادت كما يأتي. "وتختص بكر" وجوبا بالمعنى السابق في إذنها في النكاح "جديدة عند زفاف" وفي عصمته غيرها يريد المبيت عندها كما أفهمه قوله جديدة "بسبع" ولاء "بلا قضاء" وقوله عند ظرف لبكر وجديدة فيما يظهر فخرج بكر عند العقد ثيب عند الدخول فلها ثلاث فقط وبكر جديدة عند العقد غير جديدة عند الدخول بأن استدخلت ماء فطلقها رجعيا ثم دخل فلا حق لها فيما يظهر أخذا من إطلاقهم الآتي أنه لا حق للرجعية ثم رأيت الزركشي قال المراد بالجديدة من أنشأ عليها عقدا حتى لو وفى للجديدة ثم طلقها ثم راجعها لم يعد حق الزفاف; لأنها باقية على النكاح كذا جزما به وقال في التتمة لا خلاف فيه ا هـ وهو صريح فيما ذكرته آخرا إلا أنه

 

ج / 3 ص -312-        مبين أن المراد بلا حق لها أي يترتب على الرجعة وأنها استحقت السبع قبل طلاقها فإذا لم يوفها قضاها لها "وثيب" بذلك المعنى أيضا عند زفاف كذلك "بثلاث" ولاء بلا قضاء ولو أمة فيهما للخبر الصحيح "سبع لبكر وثلاث للثيب" وفي رواية للبخاري تقييد ذلك بما إذا كان في نكاحه غيرها وحكمة ذلك ارتفاع الحشمة بما ذكر وزيد للبكر; لأن حياءها أكثر والثلاث أقل الجمع والسبع أيام الدنيا ولو نكح جديدتين وأراد المبيت عندهما وجب لهما حق الزفاف فإن زفتا مرتبا بدأ بالأولى وإلا وهو مكروه أقرع ولا حق للرجعية كما تقرر بخلاف بائن أعادها ومستفرشة أعتقها ثم تزوجها أما لو لم يوال فلا تحسب بل يجب لها سبع أو ثلاث متوالية ثم يقضي ما للباقيات من نوبتها ما باته عندها مفرقا. "ويسن تخييرها" أي الثيب "بين ثلاث بلا قضاء" للأخريات "وسبع بقضاء" أي قضاء السبع لهن تأسيا بتخييره صلى الله عليه وسلم أم سلمة كذلك فاختارت التثليث رواه مسلم وبحث البلقيني أن محله إذا طلبت الإفاقة عندها كما طلبته أم سلمة وإلا كان الخيار له وفيه نظر نعم إن خيرها فسكتت أو فوضت الأمر إليه تخير كما هو ظاهر فإن أقام السبع بغير اختيارها أو اختارت دون السبع لم يقض إلا الزائد على الثلاث; لأنها لم تطمع في حق غيرها وهي البكر ولو زاد البكر على السبع قضى الزائد فقط مطلقا ويوجه بأنها لم تطمع بوجه جائز فكان محض تعد.
"ومن سافرت وحدها بغير إذنه" ولو لحاجته "ناشزة" فلا قسم لها نعم لو سافر بها السيد وقد بات عند الحرة ليلتين قضاها لها إذا رجعت على ما نقلاه وأقره لكن بالغ ابن الرفعة في رده وكذا لو ارتحلت لخراب البلد وارتحال أهلها واقتصرت على قدر الضرورة كما لو خرجت من البيت لإشرافه على الانهدام "وبإذنه لغرضه يقضي لها"; لأنه المانع لنفسه منها "ولغرضها" كحج وكذا لغرضهما على الأوجه تغليبا للمانع "لا" يقضي لها "في الجديد"; لأنها المفوتة لحقه وإذنه إنما يرفع الإثم فقط وخرج بوحدها ما لو سافرت معه بإذنه أو بلا إذن ولا نهي ولو لغرضها فإنها تستحقه. "ومن سافر لنقلة حرم" عليه "أن يستصحب بعضهن" فقط ولو بقرعة كما لا يجوز للمقيم أن يخصص بعضهن بقرعة فيقضي للمتخلفات ولمن أرسلهن مع وكيله نعم لا يجوز له استصحاب بعضهن وإرسال بعضهن مع وكيله إلا بقرعة ويحرم عليه أيضا ترك الكل كما في البسيط على الأصحاب لانقطاع أطماعهن من الوقاع كالإيلاء وظاهر أن محله حيث لم يرضين "وفي سائر الأسفار" لا لنقلة "الطويلة وكذا القصيرة في الأصح يستصحب" غير المغرب للزنا كما سيأتي "بعضهن" واحدة أو أكثر "بقرعة" وإن كانت غير صاحبة النوبة للاتباع متفق عليه فإن استصحب واحدة بلا قرعة أثم وقضى للباقيات من نوبتها إذا عادت وإن لم يبت عندها إلا إن رضين فلا إثم ولا قضاء ولهن الرجوع قبل سفرها وقال الماوردي بل قبل بلوغ مسافة القصر وهو بعيد جدا ثم رأيت الزركشي لما نقل عن الماوردي والروياني وغيرهما أن الرضا يكفي عن القرعة قال قال الماوردي فلو رجعن كان لهن إذا لم يشرع في الخروج فإن شرع وسار حتى جاز له القصر لم يكن لهن ذلك واستقر حكم

 

ج / 3 ص -313-        التراضي بسفرها وهو صريح في رد ما ذكر عنه أو لا وفي موافقة ما ذكرته قال البلقيني ولو خرجت القرعة لصاحبة النوبة لم تدخل نوبتها بل إذا رجع وفاها إياها ويشترط في السفر هنا كونه مرخصا لنص الشافعي أن هذا من رخصه ففي نحو سفر معصية متى سافر ببعضهن أثم مطلقا وقضى للباقيات ويلزم من عينتها القرعة له الإجابة ولو محجورة وفي بحر غلبت فيه السلامة على ما يأتي أثناء النفقات وإن كان فاسقا قليل الغيرة على ما اقتضاه إطلاقهم لكن فيه ما فيه.
"تنبيه" لا يقرع هنا إلا بين الصالحات للسفر بخلاف مستحقي القود يدخل فيها العاجز على ما يأتي; لأنه يمكنه الاستنابة.
"ولا يقضي" للمقيمات "مدة" ذهاب "سفره"; لأنه لم ينقل ولأن المسافرة قد لحقها من المشقة ما يزيد على ترفهها بصحبته "فإن وصل المقصد" بكسر الصاد أو غيره "وصار مقيما" بنية إقامة أربعة أيام صحاح "قضى مدة الإقامة" إن لم يعتزلها فيها لامتناع الترخص حينئذ فإن أقام بلا نية قضى الزائد على مدة إقامة المسافرين كما شمله المتن أيضا ففيما إذا كان يتوقع الحاجة لا يقضي إلا ما زاد على ثمانية عشر يوما والحاصل أن كل زمن حل له الترخص فيه لا يقضيه وإلا قضاه ولو كتب للباقيات يستحضرهن عند قصده الإقامة ببلد قضى من حين الكتابة "لا الرجوع في الأصح"; لأنه من بقية سفره المأذون له فيه فلا نظر لتخلل إقامة قاطعة للسفر وقضيته أنه لو أقام أثناء السفر إقامة طويلة ثم سافر للمقصد لم يقض مدة السفر بعد تلك الإقامة لعين ما ذكروه في الرجوع وهو أحد احتمالين للشيخين لم أر من رجح منهما شيئا ولو أقام بمقصده مدة ثم أنشأ سفرا منه أمامه فإن كان نوى ذلك أولا فلا قضاء وإلا فإن كان سفره بعد انقطاع ترخصه قضى وإلا فلا كما بينته في شرح الإرشاد وفيه ما يؤيد ما رجحته آنفا. "ومن وهبت حقها" من القسم لغيرها "لم يلزم الزوج الرضا"; لأن الاستمتاع حقه فيبيت عندها في ليلتها "فإن رضي" بالهبة "ووهبت لمعينة" منهن "بات عندها" وإن لم ترض هي بذلك "ليلتيهما" للاتباع لما وهبت سودة نوبتها لعائشة رضي الله عنهما رواه الشيخان ولا يواليهما إن كانتا متفرقتين لما فيه من تأخير حق من بينهما ومن ثم لو تقدمت ليلة الواهبة وأراد تأخيرها جاز له وكذا لو تأخرت فأخر نوبة الموهوب لها برضاها كما أفهمه التعليل أيضا "وقيل" في المنفصلتين "يواليهما" إن شاء, "أو" وهبت "لهن" أو أسقطت حقها "سوى" بين الباقيات وجوبا; لأنها صارت كالمعدومة. "أو" وهبت "له فله التخصيص" بواحدة منهن; لأن الحق صار له فيضعه حيث شاء مراعيا ما مر في الموالاة "وقيل يسوي" فيجعل الواهبة كالمعدومة هنا أيضا; لأن التخصيص يورث الإيحاش وعلم مما تقرر أن هذه الهبة ليست على قواعد الهبات ومن ثم لم يشترط رضا الموهوب لها وجاز للواهبة الرجوع متى شاءت فيخرج لها إذا رجعت أثناء ليلتها وإلا قضى من حين الرجوع ولو أخذت على حقها عوضا لزمها رده; لأنه ليس عينا ولا منفعة فلا يقابل بمال لكن يقضي لها; لأنها لم تسقط حقها مجانا ومر أن ما فات قبل علم الزوج برجوعها لا يقضي وواضح أنه لا تصح هبة رجعية قبل رجعتها واستنبط

 

ج / 3 ص -314-        السبكي مما هنا ومن خلع الأجنبي جواز النزول عن الوظائف بعوض ودونه والذي استقر رأيه عليه حل بذل العوض مطلقا وأخذه إن كان النازل أهلا لها وهو حينئذ لإسقاط حق النازل فهو مجرد افتداء وبه فارق منع بيع حق التجر وشبهه كما هنا لا لتعلق حق المنزول له بها أو بشرط حصولها له بل يلزم ناظر الوظيفة تولية من تقتضيه المصلحة الشرعية ولو غير المنزول له ولا رجوع على النازل حينئذ كما مر وفيما إذا نزل مجانا ولم يقصد إسقاط حقه إلا للمنزول له فقط له الرجوع قبل أن تقرر كهبة لم تقبض وحينئذ لا يجوز للناظر تقرير غير النازل حيث لا يجوز له عزله.

فصل في بعض أحكام النشوز وسوابقه ولواحقه
إذا "ظهر أمارات نشوزها" كخشونة جواب بعد لين وتعبيس بعد طلاقة وإعراض بعد إقبال "وعظها" ندبا أي حذرها عقاب الدنيا بالضرب وسقوط المؤن والقسم والآخرة بالنار قال تعالى {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ} [النساء: 34] وينبغي أن يذكر لها خبر الصحيحين "إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح" "بلا هجر" ولا ضرب لاحتمال أن لا يكون نشوزا فلعلها تعتذر أو تتوب وحسن أن يستميلها بشيء والمراد نفي هجر بفوتها حقها من نحو قسم لحرمته حينئذ بخلاف هجرها في المضجع فإنه يجوز; لأنه حقه كما مر. "فإن تحقق نشوز" كمنع تمتع وخروج لغير عذر "ولم يتكرر وعظ وهجر" ندبا "في المضجع" بفتح الجيم ويجوز كسرها أي الوطء أو الفراش لظاهر الآية لا في الكلام لحرمته لكل أحد فيما زاد على ثلاثة أيام إلا إن قصد به ردها عن المعصية وإصلاح دينها لا حظ نفسه ولا الأمرين فيما يظهر لجواز الهجر بل ندبه لعذر شرعي ككون المهجور نحو فاسق أو مبتدع وكصلاح دينه أو دين الهاجر ومن ثم هجر رسول الله صلى الله عليه وسلم الثلاثة اللذين خلفوا ونهى الصحابة عن كلامهم ويحمل على ذلك أيضا ما جاء من مهاجرة السلف. "ولا يضرب في الأظهر" لعدم تأكد الجناية بالتكرر "قلت الأظهر يضرب" إن شاء بشرط أن يعلم إفادة الضرب قيل وأن لا تظهر عداوته لها وإلا تعين رفعها للقاضي وهو متجه مدركا لا نقلا "والله أعلم" كما هو ظاهر القرآن ولم نأخذ به في المرتبة الأولى لوضوح الفرق بين الحالتين ونازع فيه جمع متأخرون واختاروا الأول. "فإن تكرر ضرب" إن علم ذلك أيضا مع الوعظ والهجر والأولى العفو ولا يجوز ضرب مدم أو مبرح وهو كما هو ظاهر ما يعظم ألمه بأن يخشى منه مبيح تيمم وإن لم تنزجر إلا به فيحرم المبرح وغيره كما يأتي ويؤيد تفسيري للمبرح بما ذكر قول الروياني عن الأصحاب يضربها بمنديل ملفوف أو بيده لا بسوط ولا بعصا ا هـ قد ينافيه ما يأتي في سوط الحدود والتعازير إلا أن يفرق بأنه لما كان الحق هنا لنفسه والأولى العفو خفف فيه ما لم يخفف في غيره ولا على وجه أو مهلك ولا لنحو نحيفة لا تطيقه وقد يستغنى عنه بالمبرح ولا أن يبلغ ضرب حرة أربعين وغيرها عشرين أما إذا علم أنه لا يفيد فيحرم; لأنه عقوبة بلا فائدة وإنما ضرب للحد والتعزير مطلقا ولو لله لعموم

 

ج / 3 ص -315-        المصلحة ثم ولم يجب الرفع هنا للحاكم; لأنه مشق ولأن القصد ردها للطاعة كما أفاده قوله تعالى {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً} [النساء: 34] ولو ادعى أن سبب الضرب النشوز وأنكرت صدق كما بحثه في المطلب; لأن الشرع جعله وليا فيه ويتجه أنه إنما يصدق بيمينه والفرق بينه وبين الولي واضح وأن محله فيمن لم تعلم جراءته واستهتاره وإلا لم يصدق.
"تنبيه" قوله فإن تكرر تصريح بمفهوم قوله أولا ولم يتكرر بعد ذكر ما فيه من الراجح ومقابله فما قيل لو قدمه على الزيادة وقيد الضرب فيها بعدم التكرر كأن أقعد ممنوع بل الأقعد ما فعله; لأن التصريح بالمفهوم إنما يكون بعد استيفاء ما في المنطوق فتأمله.
"فلو منعها حقا كقسم ونفقة ألزمه القاضي توفيته" إذا طلبته فإن لم يتأهل للحجر عليه ألزم وليه بذلك وله بالشروط السابقة في ضربها للنشوز كما هو ظاهر تأديبها لحقه كشتمه لمشقة الرفع للحاكم. "فإن أساء خلقه وأذاها" بنحو ضرب "بلا سبب نهاه" من غير تعزير والقياس جوازه إذا طلبته لكن أجاب السبكي ومن تبعه بأن إساءة الخلق بين الزوجين تغلب والتعزير عليها يورث وحشة فاقتصر على نهيه رجاء أن يلتئم الحال بينهما ويؤيده الوطء في الدبر أول مرة "فإن عاد" إليه "عزره" بطلبها بما يراه "فإن قال كل" من الزوجين "إن صاحبه متعد" عليه "تعرف" وجوبا فيما يظهر إن لم يظن فراقه لها ولم يندفع ما ظنه بينهما من الشر إلا بالتعرف "القاضي الحال" بينهما "بثقة" أي ولو عدلا رواية فيما يظهر ثم رأيت ما يأتي عن الزركشي وهو ظاهر في "يخبرهما" بفتح أوله وضم ثالثه بمجاورته لهما فإن لم يكن لهما جار ثقة أسكنهما بجنب ثقة وأمره بتعرف حالهما وإنهائها إليه لعسر إقامة البينة على ذلك وكلام المصنف كالرافعي صريح في اعتبار العدالة دون العدد وبه صرح في التهذيب وقال الزركشي الظاهر اعتبار من تسكن النفس لخبره; لأنه من باب الخبر لا الشهادة وأيده غيره بأنهم لم يشترطوا صيغة شهادة ولا نحو حضور خصم. "ومنع الظالم" من ظلمه بنهيه له أول مرة بغير تعزير وثانيا بالتعزير وبتعزيرها مطلقا وكان الفرق أن له شبهة من حيث إن الشارع جعله وليا عليها في التأديب فاحتيط له بخلافها فإن لم يمتنع حال بينهما إلى أن يرجع بل يظهر أنه لو علم من جراءته وتهوره أنه لو اختلى بها أفرط في إضرارها حال وجوبا بينه وبينها ابتداء; لأن الإسكان بجنب الثقة لا يفيد حينئذ ثم رأيت الإمام قال إن ظن تعديه لم يحل وإن تحققه أو ثبت عنده وخاف أن يضربها ضربا مبرحا حال بينهما لئلا يبلغ منها ما لا يستدرك قال غيره فمن لم يذكر الحيلولة أراد الأول ومن ذكرها كالغزالي والحاوي الصغير والمصنف في تنقيحه أراد الثاني وهو صريح فيما ذكرته وشيخنا قال والظاهر أن الحيلولة بعد التعزير والإسكان ا هـ وإنما يتجه إن لم يعلم من الإسكان تولد ما مر. "فإن اشتد الشقاق" أي الخلاف "بعث القاضي" وجوبا والمنازعة فيه مردودة بأن هذا من باب رفع الظلامات وهو من الفروض العامة والمتأكدة على القاضي "حكما" ويسن كونه "من أهله وحكما" ويسن كونه "من أهلها" للآية فلا يكفي حكم واحد بل لا بد من حكمين ينظران في أمرهما بعد اختلاء حكم كل به ومعرفة ما عنده "وهما

 

ج / 3 ص -316-        وكيلان لهما"; لأنهما رشيدان فلا يولى عليهما في حقهما إذ البضع حقه والمال حقها "وفي قول" حاكمان "موليان من الحاكم" لتسميتهما في الآية حكمين وقد يولى على الرشيد كالمفلس ويجاب بأن التولية على مال المفلس لا ذاته وما هنا ليس كذلك "فعلى الأول يشترط رضاهما" ببعثهما "فيوكل" هو "حكمه بطلاق وقبول عوض خلع وتوكل" هي "حكمها ببذل عوض وقبول طلاق به" ثم يفعلان الأصلح من صلح أو تفريق فإن اختلف رأيهما بعث القاضي اثنين ليتفقا على شيء ولتعلق وكالتهما بنظر القاضي اشترط فيهما ما في أمينه من حرية وعدالة واهتداء للمقصود ويسن ذكورتهما فإن عجزا عن توافقهما أدب القاضي الظالم واستوفى حق المظلوم ولا يجوز لوكيل في طلاق أن يخالع; لأن وكيله وإن أفاده ما لا فوت عليه الرجعة ولا لوكيل في خلع أن يطلق مجانا.