تحفة المحتاج بشرح المنهاج ط العلمية

ج / 3 ص -317-        كتاب الخلع
بالضم من الخلع بالفتح وهو النزع; لأن كلا لباس للآخر كما في الآية وأصله قبل الإجماع قوله تعالى
{فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ} [النساء: 4] وخبر البخاري أنه صلى الله عليه وسلم  قال لثابت بن قيس وقد سألته زوجته أن يطلقها على حديقتها التي أصدقها إياها "خذ الحديقة وطلقها تطليقة" وهو أول خلع في الإسلام وأصله مكروه وقد يستحب كالطلاق ويزيد هذا بندبه لمن حلف بالثلاث على شيء لا بد له من فعله وفيه نظر لكثرة القائلين بعود الصفة فالأوجه أنه مباح لذلك لا مندوب على أن في التخلص به تفصيلا يأتي في الطلاق فتفطن له وإذا فعل الخلع في هذه الصورة فليشهد عليه فإنه إذا أعادها لا يقبل قوله فيه وإن صدقته على ما جزم به بعضهم ويؤيده ما مر أن اتفاقهما على مفسد للعقد بعد الثلاث لا يفيد لرفعه التحليل فإن قلت فلم قبلت البينة هنا كما هو مقتضى أمره بالإشهاد لا ثم قلت يمكن توجيهه بأنها هنا لا ترفع العقد الموجب للوقوع بخلافها ثم فكانت التهمة فيها أقوى ثم رأيت شيخنا أفتى بعدم قبول بينته وهو القياس ولا نظر لتفاوت التهمة. ولو منعها نحو نفقة لتختلع منه بمال ففعلت بطل الخلع ووقع رجعيا كما نقله جمع متقدمون عن الشيخ أبي حامد أولا بقصد ذلك وقع بائنا وعليه يحمل ما نقلاه عنه أنه يصح ويأثم بفعله في الحالين وإن تحقق زناها وكان الفرق أنه لما اقترن المنع بقصد الخلع وكان يعسر تخليص مثل ذلك منه بالحاكم لمشقته وتكرره نزل منزلة الإكراه بالنسبة لالتزام المال بخلاف ما إذا لم يقصد ذلك فإنه ينجع فيه القاضي وغيره غالبا فلم يلحقوه بالإكراه ذلك هذا غاية ما يوجه به ذلك وقضية قولهم إنه لا يؤثر إضمار المبطل الأخذ بإطلاق صحته ووقوعه بائنا في الحالين كما اقتضاه ما نقلاه عن الشيخ وأما زعم أنه إكراه فيهما فبعيد; لأن شرطه أن لا يمكن التخلص منه بالحاكم وهنا يمكن ذلك على ما تقرر.
"هو فرقة بعوض" مقصود كميتة وقود لها عليه راجع للزوج أو سيده ولو كان العوض تقديرا كأن خالعها على ما في كفها عالمين بأنه لا شيء فيه فإنه يجب مهر المثل وكذا على البراءة من صداقها أو بقيته ولا شيء لها عليه ويؤخذ من اكتفائهم في العوض بالتقدير صحة ما أفتى به البلقيني ومن تبعه فيمن لو قال لزوجته قبل الدخول إن أبرأتني من مهرك فأنت طالق فأبرأته فإنه يصح الإبراء ويقع الطلاق; لأنها مالكة لكل المهر حال الإبراء وإذا صح لم يرتفع. وقال آخرون لا طلاق; لأن من لازمه رجوع النصف إليه فلم يبرأ من الجميع فلم يوجد المعلق به من الإبراء من كله ولأن المعلق بصفة يقع مقارنا لها كما ذكروه في تعاليق الطلاق وأيده بعضهم بأنه يصح خلعها المنجز به لكنه يرجع عليها بنصف مهر المثل لفساد نصف عوضه برجوعه به للزوج ويجاب بمنع الملازمة لما مر أنها

 

ج / 3 ص -318-        لو أبرأته ثم طلقها لم يرجع عليها بشيء وبأن معنى قولهم في تعاليق الطلاق الشرط علة وضعية والطلاق معلولها فيتقارنان في الوجود كالعلة الحقيقية مع معلولها أنه إذا وجد الشرط قارنه المشروط فهنا إذا وجد الإبراء قارنه الطلاق بمقتضى لفظه والتشطير إنما يوجد عقب الطلاق; لأنه حكم رتبه الشارع عليه وعقبه لم يبق مهر حتى يتشطر على إن جمعا على تقدمها بالزمان على معلولها واختاره السبكي وغيره بل على الأول بينهما تقدم وتأخر من حيث الرتبة ويفرق بين ما هنا والخلع المنجز بأن البراءة وجدت في ضمنه وفي مسألتنا وجدت متقدمة على وقت التشطير فلم يرجع منه شيء له إما فرقة بلا عوض أو بعوض غير مقصود كدم أو بمقصود راجع لغير من مر كأن علق طلاقها على إبرائها زيدا عما لها عليه فإنه لا يكون خلعا بل يقع رجعيا وزعم أن وقوعه في الدم رجعيا يمنع كونه بعوض فلا يحتاج لمقصود يرد بأن العوض في هذا الباب يشمل المقصود وغيره فوجب التقييد بالمقصود وكان وقوعه رجعيا مانعا لكونه مقصودا لا لكونه عوضا. ولو خالعها على إبرائه وإبراء زيد فأبرأتهما براءة صحيحة فهل يقع بائنا نظرا لرجوع بعضه للزوج أو رجعيا نظرا لرجوع البعض الآخر للأجنبي كل محتمل والأول أقرب; لأن رجوعه لغير الزوج يحتمل أنه مانع للبينونة أو غير مقتض لها فعلى الثاني البينونة واضحة وكذا على الأول إذ كونه مانعا لها إنما يتجه إن انفرد لا إن انضم إليه مقتض لها "بلفظ طلاق" أي بلفظ محصل له صريح أو كناية ومن ذلك لفظ المفاداة الآتي ولكون لفظ الخلع الأصل في الباب عطفه على ما قبله من باب عطف الأخص على الأعم فقال "أو خلع" فالمراد بالخلع في الترجمة معناه كما أفاده حده له بما مر. وأركانه زوج وملتزم وبضع وعوض وصيغة.
"شرطه" أي الذي لا بد منه لصحته فلا ينافي كونه ركنا "زوج" أي صدوره من زوج وشرط الزوج أن يكون بحيث "يصح طلاقه"; لأنه طلاق فلا يصح ممن لا يصح طلاقه ممن يأتي في بابه. "فلو خالع عبد أو محجور عليه بسفه" زوجته معها أو مع غيرها "صح" ولو بأقل شيء وبلا إذن; لأن لكل منهما أن يطلق مجانا فبعوض أولى. "ووجب" على المختلع "دفع العوض" العين أو الدين "إلى مولاه" أي العبد; لأنه ملكه قهرا ككسبه نعم المأذون له يسلم له وكذا المكاتب لاستقلاله وكذا مبعض خالع في نوبته بناء على دخول الكسب النادر في المهايأة فإن لم تكن مهايأة فما يخص حريته "ووليه" أي السفيه كسائر أمواله فإن دفعه له فإن كان بغير إذنه ففي العين يأخذها الولي إن علم فإن قصر حتى تلفت ضمنها على أحد وجهين رجح ويوجه بأن الخلع لما وقع بها دخلت في ملك السفيه قهرا نظير ما تقرر في السيد فحينئذ تركها بيده بعد علمه تقصير أي تقصير فضمنها فإن لم يعلم بها وتلفت في يد السفيه رجع على المختلع بمهر المثل لا البدل أي; لأنه ضامنه ضمان عقد لا يد وفي الدين يرجع الولي على المختلع بالمسمى لبقائه في ذمته لعدم القبض الصحيح ويسترد المختلع من السفيه ما سلمه فإن تلف في يده لم يطالبه به ظاهرا كما مر في الحجر وكذا في العبد لكن له مطالبته إذا عتق نعم لو قيد أحدهما الطلاق بالدفع أي أو نحو إعطاء أو قبض أو إقباض كما هو ظاهر إليه جاز لها أن تدفع إليه ولا ضمان عليها; لأنها

 

ج / 3 ص -319-        مضطرة للدفع إليه ليقع الطلاق على أنه عند الدفع ليس ملكه حتى تكون مقصرة بتسليمه له وإنما هو ملكها ثم يملكه بعد. وإن كان بإذنه صح في القن في العين والدين وفي السفيه في العين وحينئذ متى لم يبادر الولي إلى أخذها منه فتلفت في يده ضمنها; لأنه المقصر بالإذن له في قبضها وأما الدين ففي الاعتداد بقبضه له وجهان عن الداركي ورجح الحناطي الاعتداد به كذا قاله الشيخان وظاهره أنهما مع الحناطي فيما رجحه من الاعتداد وهو ما اقتضاه النص بل ظاهر عبارة البحر وغيره أن الداركي رجحه أيضا حيث قال كما لو أمرها بالدفع إلى أجنبي أي رشيد وهو ظاهر المذهب وعليه فإطلاق المتن الآتي أنه لا يجوز للزوج توكيل سفيه في قبض العوض محله حيث لم يأذن له وليه في القبض وإلا جاز; لأنه إذا صح قبضه دين نفسه بالإذن فدين غيره كذلك بجامع أن ما في الذمة لا يبرأ منه إلا بقبض صحيح وقد جعلوه هنا صحيحا بإذن وليه فليصح بإذنه أيضا عن الغير ويؤيد ذلك القاعدة السابقة في الوكيل أن الأصل فيه أن ما صحت مباشرته له بنفسه صح توكله فيه عن الغير وبهذا يعلم أن تقييد جمع متأخرين منهم السبكي صحة قبضه بما إذا كان العوض معينا أو علق الطلاق بنحو دفعه إليه بعيد من كلامهم وأن هذا التقييد إنما يحتاج إليه فيما إذا لم يأذن له الولي كما تقرر أو على الوجه الثاني وهو أنه لا يعتد بقبضه ولو مع إذن الولي له فيه. وجزم به الدارمي فلا يبرأ بتسليم العوض إليه مطلقا إلا إذا بادر الولي فأخذه منه فيبرأ حينئذ على المنقول المعتمد ووجهه الأذرعي بأن المال وإن كان باقيا على ملكها لفساد القبض فهي بدفعه إليه أذنت في قبضه عما عليها فإذا قبضه الولي من السفيه له اعتد به ويظهر أن هذه المبادرة لا تلزم الولي; لأنه لا ضرر على السفيه ببقائه في يده; لأنها إن أخذته فواضح أو أخرته حتى تلف في يد السفيه أو أتلفه فهي المقصرة فيرجع وليه عليها بعوضه ووقع لشارح هنا أنه مزج المتن بما صيره صريحا في وجوب الدفع للسفيه بإذن الولي وهو بعيد حتى على الوجه الأول; لأن فيه ورطة بقائه في ذمة المختلع على الوجه الثاني فكان الوجه جواز ذلك لا وجوبه ثم رأيت شيخنا انتصر أيضا لترجيح الأول.
"وشرط قابله" أو ملتمسه من زوجة أو أجنبي ليصح خلعه من أصله التكليف والاختيار وبالمسمى وسيأتي أن الوكيل السفيه إذا أضاف المال إليها يقع بالمسمى وقد ترى على عبارته "إطلاق تصرفه في المال" بأن يكون غير محجور عليه لسفه أو رق; لأن الاختلاع التزام للمال فهو المقصود منه. "فإن اختلعت أمة" ولو مكاتبة على تناقض فيها والكلام في رشيدة وإلا فكالسفيهة الحرة فيما يأتي وقول شيخنا ولو سفيهة أخذا من قول الماوردي لم يفرقوا بين رشدها وسفهها وهو مقتضى كلام الأم يتعين حمله على السفيهة المهملة أو على صحته بالعين أو الكسب في صورتيهما الآتيتين أما بالنسبة لما يلزم ذمتها في الصور الآتية فلا بد من عدم الحجر كما هو واضح "بلا إذن سيد" لها رشيد "بدين أو عين ماله" أو مال غيره أو عين اختصاص كذلك "بانت" لوقوعه بعوض نعم إن قيد بتمليكها العين له لم تطلق. "وللزوج في ذمتها مهر مثل" يتبعها به بعد العتق واليسار "في صورة العين"; لأنه المراد

 

ج / 3 ص -320-        حينئذ ولو خالعته بمال وشرطته لوقت العتق فسد ورجع بمهر المثل بعد العتق وتعجب منه السبكي; لأنه شرط يوافق مقتضى العقد فكيف يفسده وقد يجاب بأنه ليس مقتضاه اختيارا وإنما يحمل عليه للضرورة "وفي قول قيمتها" إن تقومت وإلا فمثلها "و" له "في صورة الدين المسمى" كما يصح التزام الرقيق بطريق الضمان ويتبع به بعد العتق واليسار "وفي قول مهر مثل" ويفسد المسمى ورجحه أصله وجرى عليه كثيرون; لأنها ليست أهلا للالتزام. "وإن أذن" السيد لها في الاختلاع "وعين عينا له" من ماله "أو قدر دينا" في ذمتها كألف درهم "فامتثلت تعلق" الزوج "بالعين" في الأولى عملا بإذنه نعم إن أذن لها أن تخالع برقبتها وهي تحت حر أو مكاتب لم يصح; لأن الملك يقارن الطلاق فيمنعه ومن ثم لو علق طلاق زوجته المملوكة لمورثه بموته لم تطلق إلا إذا قال إن مت فأنت حرة "وبكسبها" الحادث بعد الخلع ومال تجارتها الذي لم يتعلق به دين "في الدين" في الثانية عملا بإذنه أيضا فإن لم تكن مكتسبة ولا مأذونة ففي ذمتها تتبع به بعد عتقها ويسارها وخرج بامتثلت ما لو زادت على المأذون فيه فإنها تتبع بالزائد في الدين وبدله في العين بعد العتق فإن قلت قياس اختلاعها بعين بلا إذن أن الواجب هنا في العين الزائدة حصتها من مهر المثل لو وزع على قيمتها وقيمة العين المأذون لها فيها قلت القياس ظاهر إلا أن يوجه إطلاقهم هنا وجوب الزائد بأنه وقع تابعا لمأذون فلم يتمحض فساده فوجب بدله. "وإن أطلق الإذن" بأن لم يذكر فيه دينا ولا عينا "اقتضى مهر مثل" أي مثلها "من كسبها" المذكور وما بيدها من مال التجارة كما لو أطلقه لعبده في النكاح فإن زادت عليه فكما مر أما مبعضة فإن اختلعت بملكها نفذ به أو بملك السيد فكما مر في الأمة أو بهما أعطي كل حكمه المذكور. "وإن خالع سفيهة" أي محجورا عليها بسفه بألف "أو قال طلقتك على ألف" أو على هذا "فقبلت" أو بألف إن شئت فشاءت فورا أو قالت له طلقني بألف فطلقها "طلقت رجعيا" ولغا ذكر المال وإن أذن لها الولي فيه لعدم أهليتها لالتزامه وليس للولي صرف مالها في هذا ونحوه وإن تعينت المصلحة فيه على ما اقتضاه إطلاقهم ويتعين حمله على ما إذا لم يخش على مالها من الزوج ولم يمكن دفعه إلا بالخلع فينبغي جوازه أعني صرف المال في الخلع أخذا من أنه يجب على الوصي دفع جائر عن مال موليه إذا لم يندفع إلا بشيء فإن قلت هو لا يؤثر بينونة; لأن الزوج لا يملكه قلت الغالب في الواقع رجعيا أنه يئول إلى البينونة فكان جواز ذلك محصلا ولو ظنا لسلامتها من أخذ مال لها أكثر من ذلك والكلام فيما بعد الدخول وإلا بانت ولا مال كما نبه عليه المصنف وهو واضح وفيما إذا لم يعلق الطلاق بنحو إبرائها من صداقها وإلا لم يقع خلافا للسبكي وإن أبرأته لا يبرأ وفيما إذا علم أنه لا يصح التزامها المال وإلا لم يقع على ما شذ به الإمام وإن تبعه جمع لكن المنقول المعتمد أنه لا فرق لتقصيره ومن ثم أفتى بعضهم بأنه لو حكم بالأول حاكم نقض حكمه أخذا من قول السبكي ليس للحاكم الحكم بالشاذ في مذهبه وإن تأهل لترجيحه وليست المراهقة كالسفيهة في ذلك على المعتمد فلا يقع عليها مطلقا; لأن السفيهة متأهلة للالتزام بالرشد حالا ولا كذلك الصبية. "فإن لم تقبل

 

ج / 3 ص -321-        لم تطلق"; لأن الصيغة تقتضي القبول نعم إن نوى بالخلع الطلاق ولم يضمر التماس قبولها وقع رجعيا كما يعلم مما يأتي ولو علق بإعطاء السفيهة فأعطته لم يقع على الأرجح عند البلقيني من احتمالين له لأنه يقتضي التمليك ولم يوجد وفرق بينه وبين ما يأتي في الأمة بأن تلك يلزمها مهر المثل فهي أهل لالتزامه بخلاف السفيهة ورجح شيخنا احتماله الثاني وهو انسلاخ الإعطاء عن معناه الذي هو التمليك إلى معنى الإقباض فتطلق رجعيا وعلله بتنزيل إعطائها منزلة قبولها ا هـ وفيه نظر وإن قال إنه مقتضى كلام الشيخين; لأن الأصل في الإعطاء أنه يقتضي الملك وإنما خرجنا عنه في الأمة لما تقرر أن لها ذمة قابلة للالتزام ببدل المعطى ولا كذلك السفيهة فأجريناها على القاعدة; لأن إعطاءها لا يقتضي ملكا ولا بدلا له ويفرق بين قبولها وإعطائها بأن اعتبار قبولها ليس لوجود تعليق محض يقتضي التمليك بل لما فيه شائبة تعليق على ما لا يقتضي الملك بخلاف إعطائها فإن التعليق به محض ومنزل على الملك ولم يوجد فاندفع تنزيله منزلته وليس من التعليق منه قولها بذلت لك أو بذلت من غير لك صداقي على طلاقي فقال أنت طالق فيقع رجعيا; لأن التعليق إنما تضمنه كلامها لا كلامه وحينئذ لا يبرأ وإن كانت رشيدة; لأن هذا البذل لغو; لأنه لا يستعمل إلا في الأعيان. وبفرض صحته في الديون هو متضمن لتعليق الإبراء وتعليقه يبطله ثم رأيت غير واحد أفتوا بما ذكرته مع تعرض بعضهم لكون ابن عجيل والحضرمي قالا بوقوعه بائنا بمهر المثل لكنه أشار إلى أن ذلك لم يثبت عنهما وبعضهم وهو الكمال الرداد شارح الإرشاد للمبالغة في رد هذه المقالة فقال في حاكم حكم بالبينونة ينقض حكمه أي; لأنه لا وجه له إذ الزوج لم يربط طلاقه بعوض ولا عبرة بكونه إنما طلق لظنه سقوط الصداق عنه بذلك لتقصيره بعدم التعليق به ومن ثم لو قال بعد البذل أنت طالق على ذلك فقبلت وقع بائنا بمهر المثل; لأنه لم يعلق بالبراءة حتى يقتضي فسادها عدم الوقوع بل البذل وهو لا يصح فوجب مهر المثل ولك أن تحمل كلام ابن عجيل والحضرمي إن صح عنهما على ما إذا نويا بذل مثل الصداق وجعلاه عوضا ففي هذه الحالة يقع بائنا بلا شك ثم إن علماه وجب وإلا فمهر المثل بخلاف ما إذا لم ينويا ذلك فإنه لا وجه للوقوع بائنا حينئذ; لأنها إن أرادت ببذلت الإبراء كما هو المتبادر منها إذ لا تستعمل عرفا إلا في ذلك. فإن قلنا إن البذل لا يصح استعماله مرادا به الإبراء لما بينهما من التنافي كما يأتي بيانه آخر الفصل الذي بعد هذا فواضح أن طلاقه لم يقع بعوض أصلا فلا وجه إلا وقوعه رجعيا وإن قلنا إنه يصح إرادة ذلك به لغلبة استعماله فيه عرفا فهو إبراء معلق وهو لا يصح; لأنه حينئذ بمنزلة أبرأتك من صداقي على طلاقي فقال أنت طالق وهذا إبراء باطل; لأنه معلق بالطلاق وإذا بطل الإبراء لم يبق عوض يقتضي البينونة وبتسليم أنه ليس تعليقا وأن على بمعنى مع نظير طلاقها بصحة براءتها فلا عوض هنا ملتزم أيضا فلا بينونة وقد تقرر أن أطمعه فيه بلا لفظ يدل عليه لا يفيده شيئا فاتضح أنه لا وجه لما قاله ذانك الإمامان إلا إن حمل على ما ذكرته ومما يعين ذلك ما يأتي عن ابن عجيل ثم أنه لو علق بالبراءة فأتت بلفظ البذل لم يقع; لأنه لا يحتمله فهذا صريح في رد ما قاله هنا من البينونة إن لم نحمله على ما ذكر وأن

 

ج / 3 ص -322-        الوجه الذي لا يجوز غيره فيما عدا هذه الصورة أنه لا يقع إلا رجعيا فتأمله. ثم رأيت صاحب العباب قال في فتاويه ما حاصله إن علم الزوج بما قالت أي بحكمه أنه لا معاوضة فيه فهو مبتدئ بطلاق فيقع رجعيا وإن ظن أنه وجد منها التماس بعوض صحيح فيظهر فيه احتمالان; أقربهما عدم الوقوع; لأن جوابه يقدر فيه إعادة ذكر ذلك العوض المذكور وهو لو قال كذلك جاهلا لم تطلق إذ لا عوض صحيح ولا فاسد بل ولا التماس طلاق فكأنه قال ابتداء طلقتك بكذا ولم تقبل ثم قال والاحتمال الثاني وقوعه بمهر المثل كقولها إن طلقتني فأنت بريء من صداقي فطلق جاهلا بفساد البراءة على ما اختاره البلقيني وغيره من الفرق بين علمه وجهله وهذا الاحتمال ضعيف; لأنه في هذه الصورة وجد منها التماس الطلاق فالفساد إنما هو في العوض فقط وفي مسألتنا لم تلتمس طلاقا أصلا ا هـ وما وجه به ما اعتمده من وقوعه رجعيا في حالة العلم موافق لما قدمته أن طلاقه لم يقع بعوض أصلا ومن عدم وقوعه في حالة الجهل لما ذكره يرده قولنا السابق أنه لم يربط طلاقه بعوض ولا عبرة بكونه إلى آخره فإن قلت ينافي إفتاءه المذكور قوله في عبابه ويظهر أن بذلت صداقي على طلاقي كأبرأتك على الطلاق قلت لا ينافيه لما يأتي فيه ثم عن الخوارزمي بما فيه مبسوطا ولو قال أنت طالق على صحة البراءة فإن أبرأت براءة صحيحة وقع وإلا فلا ويظهر أنه يقع هنا رجعيا كما هو التحقيق المعتمد في طلاقك بصحة براءتك; لأن الباء هنا كما احتملت المعية المردود به قول المحب الطبري يقع بائنا كذلك على تأتي بمعنى مع فساوت الباء في ذلك ولو قالت بذلت صداقي على طلاقي وتخلي لي بيتك فقال أنت طالق على ذلك ولا أخلي لك البيت وقع بائنا كما قاله جمع. وهو ظاهر إن قبلت وإلا فلا وجه للبينونة وعليها قال بعضهم بمهر المثل ولا يبرأ من المهر وقال بعضهم يوزع المسمى على مهر المثل وقيمة البيت أي نظير ما مر في الوصية بمنفعة مجهولة; لأنها بذلت مهرها في مقابلة الطلاق والتخلية فوقع بما يقابله منه وفي إن أبرأتني من صداقك فقالت نذرت لك به قال جمع لا يقع شيء أي والنذر صحيح واستشكل بأن هبة الدين لمن عليه إبراء ورد بفقد صيغة البراءة أي والهبة المتضمنة لها ولا نظر لتضمن النذر لها أيضا; لأنه تضمن بعيد كما هو ظاهر ومحله حيث لم ينو سقوط الدين عن ذمته وإلا بانت بذلك وبرئ.
"ويصح اختلاع المريضة مرض الموت"; لأن لها صرف مالها في شهواتها بخلاف السفيهة "ولا يحسب من الثلث إلا زائد على مهر مثل"; لأن الزائد عليه هو التبرع وليس على وارث لخروجه بالخلع عن الإرث ومن ثم لو ورث ببنوة عمومة مثلا توقف الزائد على الإجازة مطلقا أما مهر المثل فأقل من رأس المال وفارقت المكاتبة بأن تصرف المريض أقوى ولهذا لزمته نفقة الموسرين وجاز له صرف المال في شهواته بخلاف المكاتب ويصح خلع المريض الزوج بأقل شيء; لأنه يصح طلاقه مجانا فأولى بشيء ولأن البضع لا تعلق للوارث به والأجنبي من ماله ويعتبر من الثلث مطلقا; لأنه تبرع محض فإن قلت قضية العلة أن الزوج لو كان وارثه احتيج للإجازة مطلقا قلت لا; لأن التبرع ليس

 

ج / 3 ص -323-        عليه; لأن ما أخذه في مقابلة عصمته التي فكها فإن قلت فهو تبرع عليها حينئذ فلينظر لكونها وارثة للأجنبي قلت العائد إليها قد لا تكون راضية به وبفرضه فعدم إذنها لم يمحض التبرع عليها والحاصل أن ما هنا كفداء الأسير في أن التبرع ليس على الآسر بل على المأسور لكنه مع ذلك غير محض; لأن انتفاعه بالمال المبذول أمر تابع لفكه من الأسر لا مقصود فكذا هنا فتأمله ونظروا في قولهم السابق إلا زائد على مهر مثل لا هنا; لأن البضع مقوم على الزوجة فنظر لقيمته والزائد عليها لا على الأجنبي فلم ينظر لذلك. "و" يصح اختلاع "رجعية في الأظهر"; لأنها في حكم الزوجات نعم من عاشرها وانقضت عدتها لا يصح خلعه إياها كما بحثه الزركشي مع وقوع الطلاق عليها; لأن وقوعه بعد العدة تغليظ عليه فلا عصمة يملكها حتى يأخذ في مقابلتها مالا كما في قوله "بائن" بخلع أو غيره إذ لا يملك بضعها وسيعلم مما يأتي أنه بعد نحو وطء في ردة أو إسلام أحد نحو وثنيين موقوف. "ويصح عوضه قليلا وكثيرا دينا وعينا ومنفعة" كالصداق ومن ثم اشترط فيه شروط الثمن فلو خالع الأعمى على عين لم تثبت نعم الخلع على أن تعلمه بنفسها سورة من القرآن ممتنع لما مر من تعذره بالفراق وكذا على أنه بريء من سكناها لحرمة إخراجها من المسكن فلها السكنى وعليها فيهما مهر المثل وتحمل الدراهم في الخلع المنجز على نقد البلد وفي المعلق على دراهم الإسلام الخالصة فلا يقع بإعطاء مغشوش على ما صححاه ونوزعا فيه. "ولو خالع بمجهول" كثوب من غير تعيين ولا وصف أو بمعلوم ومجهول أو بما في كفها ولا شيء فيه وإن علم ذلك كما مر "أو" نحو مغصوب أو "خمر" ولو معلومة وهما مسلمان أو غير ذلك من كل فاسد يقصد والخلع معها "بانت بمهر المثل"; لأنه عقد على منفعة بضع فلم يفسد بفساد عوضه ورجع إلى مقابله كالنكاح ومن صرح بفساده مراده من حيث العوض "وفي قول ببدل الخمر" المعلومة نظير ما مر في الصداق على الضعيف أيضا هذا حيث لا تعليق أو علق بإعطاء مجهول يمكن مع الجهل بخلاف إن أبرأتني من صداقك ومتعتك مثلا أو دينك فأنت طالق فأبرأته جاهلة به أو بما ضم إليه فلا تطلق; لأنه إنما علق بإبراء صحيح ولم يوجد كما في إن برئت خلافا لمن فرق بينهما هنا أما الفرق باقتضاء الأولى مباشرتها للبراءة بلفظها أو مرادفه دون نحو النذر ولا كذلك الثانية فواضح لا نزاع فيه ومثل ذلك ما لو ضم للبراءة إسقاطها لحضانة ولدها; لأنها لا تسقط بالإسقاط وجهله كذلك وقولهم لا يشترط علم المبرأ محله فيما لا معاوضه فيه بوجه كما اعتمده جمع محققون منهم الزركشي وغلط جمعا أخذوا كلام الأصحاب على إطلاقه. فأخذ جمع بعدهم بهذا الإطلاق ليس في محله وإن انتصر له بعضهم وأطال فيه فإن علماه ولم تتعلق به زكاة وأبرأته رشيدة في مجلس التواجب وسيأتي بيانه وقع بائنا فإن تعلقت به زكاة فلا طلاق; لأن المستحقين ملكوا بعضه فلم يبرأ من كله وتنظير شارح فيه وجزم جمع بوقوعه بائنا بمهر المثل ليس في محله كما يأتي آخر الباب وظاهر أن العبرة بالجهل به حالا وإن أمكن العلم به بعد البراءة وليس كقارضتك ولك سدس ربع عشر الربح; لأنه منتظر فكفى علمه بعد والبراءة ناجزة فاشترط وجود العلم عندها فاندفع قياسها على ذلك

 

ج / 3 ص -324-        ومر في شرح قوله وفي البلد نقد غالب تعين ماله تعلق بذلك والحاصل أن ما هناك إما معين أو فيما لا معاوضة فيه وهو مسألة الكتابة ولو أبرأته ثم ادعت الجهل بقدره فإن زوجت صغيرة صدقت بيمينها أو بالغة ودل الحال على جهلها به ككونها مجبرة لم تستأذن فكذلك وإلا صدق بيمينه وإطلاق الزبيلي تصديقه في البالغة محمول على ذلك ومر في الضمان ما له تعلق بذلك وفي الأنوار لو قال إن أبرأتني من صداقك فأنت طالق وقد أقرت به لثالث فأبرأته ففي وقوع الطلاق خلاف مبني على أن التعليق بالإبراء محض تعليق فيبرأ وتطلق رجعيا أو خلع بعوض كالتعليق بالإعطاء والأصح الثاني وعلى هذا فأقيس الوجهين الوقوع كأنت طالق إن أعطيتني هذا المغصوب فأعطته ولا يبرأ الزوج وعليها له مهر المثل ا هـ. وقوله فيبرأ فيه نظر; لأن الفرض أنها أقرت به لثالث فكيف يبرأ وقد يجاب بأنه يبرأ بفرض كذبها في إقرارها ويجري ذلك فيما لو أحالت به ثم طلقها على البراءة منه فأبرأته ثم طالبه المحتال وأقام بحوالتها له قبل الإبراء بينة فيغرمه إياه ويرجع الزوج عليها بمهر المثل هذا والذي دل عليه كلامهم أن الإبراء حيث أطلق إنما ينصرف للصحيح وحينئذ فقياس ذلك أنه لا يقع طلاق في الصورتين; لأنه لم يبق حال التعليق دين حتى يبرأ منه نعم إن أراد التعليق على لفظ البراءة وقع رجعيا وفارق المغصوب بأن الإعطاء قيد به والطلاق على ما في كفها مع علمه أنه لا شيء فيه بأنه ذكر عوضا غايته أنه فاسد فرجع لبدل البضع بخلاف الإبراء المعلق لا ينصرف إلا لموجود يصح الإبراء منه ومر أنه لو علق بإبراء سفيهة فأبرأته لم يقع وإن علم سفهها فقياسه هنا عدم الوقوع وإن علم إقرارها أو حوالتها. وقد اختلف جمع متأخرون فيما لو أصدق ثمانين فقبضت منها أربعين ثم قال لها إن أبرأتني من مهرك الذي تستحقينه في ذمتي وهو ثمانون فأنت طالق فأبرأته منها فقيل يبرأ وتبين; لأن المقصود براءة ذمته منها وقيل لا براءة ولا طلاق; لأنه معلق على صفة هي البراءة من ثمانين ولم توجد والبراءة إنما وقعت منها في مقابلة الطلاق ولم يوجد وقيل لا طلاق بذلك وتصح البراءة; لأنها لم تعلقها بشرط وأفتى الشيخ إسماعيل الحضرمي بالأول وهو الأوجه إن علم الحال وإن نوزع فيه; لأن قوله الذي تستحقينه بذمتي مع علمه بأنه لم يبق في ذمته إلا أربعون يبين أن مراده بقوله وهو ثمانون باعتبار أصله لا غير ولا ينافيه خلافا لمن زعمه قولهم لو أضاف في حلفه لفظ العقد إلى نحو خمر كلا أبيعها لم يحنث ببيعها حملا للمطلق على عرف الشرع; لأن ما هنا كذلك; لأنا حملنا البراءة على عرف الشرع وهو فراغ ذمته عما لها وأولنا ما يوهم خلاف ذلك ويفرق بينه وبين إن أعطيتني ذا الثوب وهو هروي فأعطته مرويا لم يقع بأن هذا لم يقترن به ما يخرجه عن ظاهره بخلاف ذاك اقترن به ذلك وهو الذي إلى آخره كما تقرر وأفتى بعضهم في إن أبرأتني هي وأبوها فأبرآه معا أو مرتبا بعدم وقوعه ويوجه بأن التعليق بإبراء الأب كهو بإبراء السفيهة. ولو قال إن أبرأتني من مهرك فأنت طالق بعد شهر فأبرأته برئ مطلقا ثم إن عاش إلى مضي الشهر طلقت وإلا فلا كما سيعلم من مبحث التعليق بالأوقات ولو قال أنت طالق إن أبرأتني وإن لم تبرئيني فالذي يتجه وقوعه حالا وجدت

 

ج / 3 ص -325-        براءة أو لا ما لم يقصد التعليق فيرتب عليه حكمه ووقع لبعضهم خلاف ذلك وليس كما زعم وفي الأنوار في أبرأتك من مهري بشرط أن تطلقني فطلق وقع ولا يبرأ لكن الذي في الكافي وأقره البلقيني وغيره في أبرأتك من صداقي بشرط الطلاق أو وعليك الطلاق أو على أن تطلقني تبين ويبرأ بخلاف إن طلقت ضرتي فأنت بريء من صداقي فطلق الضرة وقع الطلاق ولا براءة ا هـ ففرق بين الشرط التعليقي والشرط الإلزامي والذي يتجه ما في الأنوار; لأن الشرط المذكور متضمن للتعليق أيضا فلتأت فيه الآراء المشهورة في إن طلقتني فأنت بريء من مهري فطلق يقع رجعيا قال الإسنوي وهو المشهور في المذهب يقع بائنا بمهر المثل ونقلاه عن القاضي واعتمده جمع محققون يقع بائنا بالبراءة كطلقني بالبراءة من مهري وهو ضعيف جدا والفرق بينه وبين ما نظر به واضح; لأن هذا معاوضة وذاك محض تعليق واعتماد الزركشي الأول مع علمه بفساد البراءة والثاني مع جهله جار على الضعيف فيما لو طلقها على ما في كفها ولا شيء فيه والمعتمد أنه لا فرق. والذي يتجه ترجيحه من حيث المدرك الأول مطلقا; لأن تعليق البراءة يبطلها وهو لم يعلق على شيء وإيقاعه في مقابلة ما ظنه من البراءة لا يفيده لتقصيره بعدم التعليق عليه لفظا بخلاف المطلق على ما في الكف وأفتى بعضهم في أنت طالق على صحة البراءة بأنها إذا أبرأته براءة صحيحة فورا بانت لتضمنه التعليق والمعاوضة كإن أبرأتني وقد سئل الصلاح العلائي عن أنت طالق على البراءة فأفتى بأنه بائن أي إن وجدت براءة صحيحة وقال إنه وإن لم يره مسطورا لكن القواعد تشهد له ا هـ وزيادة لفظ صحة لا تقتضي التغاير في الحكم فإن قلت التحقيق المعتمد في طلاقك بصحة براءتك أنه لا تعليق فيه فإذا صحت وقع رجعيا; لأن الباء وإن احتملت السببية أو غلبت فيها وهي متضمنة للتعليق هي مع ذلك محتملة للمعية فنظروا لهذا مع ضعفه لتأيده بأصل بقاء العصمة المنافية للبينونة وكذلك على تحتمل المعية لإتيانها بمعناها نحو على حبه {لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ} فكان ينبغي النظر فيها لذلك حتى يقع رجعيا قلت قد يفرق على بعد بأن تبادر المعية من الباء أظهر منه من على ويدل له أن بعض المحققين الملتزمين لحكاية جميع الأقوال لم يحك خلافا في كون الباء بمعنى مع بخلاف على بمعنى مع فإن حكى فيها خلافا بل أشار إلى أنه خلاف ما عليه الجمهور والحاصل أن الأوجه وقوعه رجعيا كما قدمته. أما خلع الكفار بنحو خمر فيصح نظرا لاعتقادهم فإن أسلما قبل قبض كله وجب مهر المثل أو قسطه نظير ما مر في نكاح المشرك وأما الخلع مع غيرها كأب أو أجنبي على ما ذكر أو قنها أو صداقها ولم يصرح بنيابة ولا استقلال فيقع رجعيا ومر صحته بميتة لا دم فيقع رجعيا ككل عوض لا يقصد والفرق أنها تقصد لأغراض لها وقع عرفا كإطعام الجوارح ولا كذلك هو فاندفع ما قيل إنه يقصد لمنافع كثيرة كما ذكره الأطباء; لأنها كلها تافهة عرفا فلم ينظروا لها وكذا الحشرات مع أن لها خواص كثيرة ولو خالع بمعلوم ومجهول فسد ووجب مهر المثل كما مر أو بصحيح وفاسد معلوم صح في الصحيح ووجب في الفاسد ما يقابله من مهر المثل.
"ولهما التوكيل" في الخلع كما قدمه في بابه لكنه ذكره توطئة لقوله "فلو قال لوكيله

 

ج / 3 ص -326-        خالعها بمائة" من نقد كذا "لم ينقص منها" وله الزيادة عليها ولو من غير جنسها لوقوع الشقاق هنا فلا محاباة وبه فارق بع هذا من زيد بمائة كما مر. "وإن أطلق" كخالعها بمال وكذا خالعها بناء على أن ذكر الخلع وحده يقتضي المال "لم ينقص عن مهر مثل" وله أن يزيد. "فإن نقص فيهما" أي في الأولى أي نقص كان وفارقت الثانية بأن المقدر يخرج عنه بأي نقص بخلاف المحمول عليه الإطلاق ويؤيده بل يصرح به ما مر في الوكالة أنه في بعه بمائة لا ينقص عنها ولو تافها بخلاف بعه لا ينقص عن ثمن المثل ما لا يتغابن بمثله أو خالع بمؤجل أو بغير الجنس أو الصفة وفي الثانية نقص فاحش أو خالع بمؤجل أو بغير نقد البلد "لم تطلق" للمخالفة كالبيع "وفي قول يقع بمهر المثل" كالخلع بخمر وهو المعتمد في حالة الإطلاق كما صححه في أصل الروضة وتبعوه وفارقت التقدير بأن المخالفة فيه صريحة فلم يكن المأتي به مأذونا فيه. "ولو قالت لوكيلها اختلع بألف فامتثل" أو نقص عنها "نفذ" لموافقته الإذن. "وإن زاد" أو ذكر غير الجنس أو الصفة كغير نقد البلد "فقال اختلعتها بألفين من مالها بوكالتها" أو أطلقت فزاد على مهر المثل وأضاف إليها هنا أيضا "بانت ويلزمها مهر المثل" ولا شيء عليه على المعتمد; لأنه قضية فساد العوض بزيادته فيه مع إضافته إليها ويفرق بين هذا وما مر أن نقص وكيله عن مقدره يلغيه بأن البضع مقوم عليه ولم يسمح به إلا بمقدره بخلافها فإن قصدها التخلص لا غير وهو حاصل بإلغاء مسماه ووجوب مهر المثل "وفي قول" يلزمها "الأكثر منه" أي مهر المثل "ومما سمته"; لأن الأكثر إن كان المهر فهو الواجب عند فساد المسمى أو المسمى فقد رضيت به وفي الروضة وغيرها حكاية هذا القول على غير هذا الوجه وصوبت. "وإن أضاف الوكيل الخلع إلى نفسه" بأن قال من مالي "فخلع أجنبي" وسيأتي صحته "والمال" كله "عليه" دونها; لأن إضافته لنفسه إعراض عن التوكيل واستبداد بالخلع مع الزوج. "وإن أطلق" بأن لم يضفه لنفسه ولا إليها وقد نواها فقال اختلعت فلانة بألفين "فالأظهر أن عليها ما سمته"; لأنها التزمته "وعليه الزيادة" لأنها لم ترض بها فكأنه افتداها بما سمته وزيادة من عنده وهذا باعتبار استقرار الضمان وإلا فقد علم مما قدمه في الوكالة أن للزوج مطالبة الوكيل بالكل فإذا غرمه رجع عليها بقدر ما سمته والحاصل أنه فيما إذا امتثل مقدرها أو نقص منه إن صرح بالوكالة عنها وإلا طولب أيضا نعم يرجع عليها بعد غرمه ما لم ينو التبرع فإن لم يمتثل في المال بأن زاد على مقدرها أو ذكر غير جنسه وقال من مالها بوكالتها بانت بمهر المثل ولا يطالب به إلا إن ضمن فبمسماه ولو أزيد من مهر المثل وإن ترتب ضمانه على إضافة فاسدة; لأن الخلع لما استقل به الأجنبي أثر فيه الضمان بمعنى الالتزام وإن ترتب على ذلك بخلاف ضمان نحو الثمن ولها هنا الرجوع عليه بما زاد على مسماها إن غرمته; لأن الزيادة تولدت من ضمانه أو قال من مالي ولم ينوها فخلع أجنبي فيلزمه المسمى جميعه ولا يرجع عليها بشيء وإن نواها طولب بمسماه ولو أزيد من مسماها وهي بما سمته كما لو أضاف لها مسماها وله الزائد عليه فإن غرم الكل رجع عليها بمسماها وفيما إذا أطلقت التوكيل ليس عليها إلا مهر المثل فإن سمى أزيد لزمه الزائد فإن غرم

 

ج / 3 ص -327-        الكل رجع بمهر المثل وقد يشكل على ما تقرر من التفصيل في مطالبة الوكيل هنا ما مر في الوكالة من مطالب وكيل الشراء في الذمة مطلقا إلا أن يفرق بأن أصل الشراء يمكن وقوعه له بخلافه هنا. "ويجوز" أي يحل ويصح "توكيله" أي الزوج في الخلع "ذميا" وحربيا وإن كانت الزوجة مسلمة; لأنه قد يخالع المسلمة فيما لو أسلمت أو تخلف ثم أسلم فإنه يحكم بصحة الخلع. "وعبدا ومحجورا عليه بسفه" وإن لم يأذن السيد والولي إذ لا عهدة تتعلق بوكيله بخلاف وكيلها على ما مر فيه "ولا يجوز" أي لا يصح "توكيل محجور عليه" بسفه ومثله العبد هنا أيضا "في قبض العوض" العين والدين; لأنه ليس أهلا له فإن فعل وقبض برئ المخالع بالدفع له وكان الزوج هو المضيع لماله بإذنه في الدفع إليه فإن قلت ما في الذمة لا يتعين إلا بقبض صحيح وقد علمت أن قبض السفيه باطل فكيف برئ منه المخالع قلت الكلام في مقامين صحة قبضه والصواب عدم صحته وبراءة ذمتها والقياس براءتها; لأن تلك العلة موجودة في قبضه منها بإذن وليه ومع ذلك قالوا تبرأ فكذا هنا ثم رأيت شيخنا قال الإطلاق هو ما اقتضاه كلام ابن الرفعة وغيره وهو الأقرب إلى المنقول إذا أذن الزوج للسفيه. "قول المحشي في نسخة بعده إلخ نسخ الشارح التي بأيدينا كما ترى" مثلا كإذن وليه له ووليه لو أذن له في قبض دين له فقبضه اعتد به كما نقله الأصل عن ترجيح الحناطي انتهت ويجوز أيضا توكيلها كافرا وعبدا وفيما إذا أطلق ولم يأذن السيد في الوكالة للزوج مطالبته بالمال بعد العتق ثم بعد غرمه يرجع عليها إن قصد الرجوع وكان الفرق بين هذا وما مر في توكيل الحر الصريح في عدم اشتراط قصده للرجوع وإنما الشرط عدم قصد التبرع أن المال هنا لما لم يتأهل مستحقه للمطالبة به ابتداء وإنما تطرأ مطالبته به بعد العتق المجهول وقوعه فضلا عن زمنه لو وقع كان أداؤه محتملا لكونه عما التزمه ولكونه تبرعا عليها ولا قرينة تعين أحد هذين مع كون الأصل براءة ذمتها بما دفعه فاشترط لصارف له عن التبرع وهو قصد الرجوع بخلاف الحر فإن التعليق به عقب الوكالة قرينة ظاهرة على أن أداءه إنما هو من جهتها فلم يشترط لرجوعه قصد وبهذا يندفع تنظير بعضهم في اشتراط قصد الرجوع هنا ويعلم ما في كلام شرح الروض هنا فتأمله ومع إذن السيد فيها يتعلق بكسبه ومال تجارته ويرجع السيد عليها هنا بما غرم وإن لم يقصد رجوعا لوجود القرينة الصارفة عن التبرع هنا أيضا لجواز مطالبة القن عقب الخلع لا سفيها وإن أذن الولي فلو فعل وقع رجعيا إن أطلق أو أضافه إليه فإن أضاف المال إليها بانت ولزمها المال وإنما صح هنا; لأنه لا ضرر فيه على السفيه كذا ذكروه وهو صريح في أنه لا يطالب فما قيل: "إنه يطالب ويرجع به عليها بعد غرمه" وهم. "والأصح صحة توكيله امرأة لخلع" وفي نسخ بخلع فاللام بمعنى الباء "زوجته أو طلاقها"; لأنه يجوز أن يفوض طلاق زوجته إليها وتوكيل امرأة تختلع عنها صحيح قطعا ومر أنه لو أسلم على أكثر من أربع لم يصح توكيله امرأة في طلاق بعضهن. "ولو وكلا" أي الزوجان معا "رجلا" في الخلع وقبوله "تولى طرفا" أراده منهما مع الآخر أو وكيله كسائر العقود "وقيل" يتولى "الطرفين"; لأن الخلع يكفي فيه اللفظ من جانب كما لو علق بالإعطاء فأعطته.

 

ج / 3 ص -328-        فصل في الصيغة وما يتعلق بها
"الفرقة بلفظ الخلع" إن قلنا: إنه صريح, أو كناية ونواه به "طلاق" ينقص العدد; لأن الله - سبحانه وتعالى في قوله تعالى {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229] الآية ذكر حكم الافتداء المرادف له الخلع بعد الطلقتين ثم ذكر ما يترتب على الطلقة الثالثة من غير ذكر وقوع ثالثة فدل على أن الثالثة هي الافتداء كذا قالوه, ويرده الحديث الصحيح الآتي في ثالث فصل في الطلاق أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن الثالثة فقال: "أو تسريح بإحسان" وحينئذ فيندفع جميع ما تقرر "وفي قول" نص عليه في القديم والجديد الفرقة بلفظ الخلع, أو المفاداة إذا لم يقصد به طلاقا "فسخ لا ينقص" بالتخفيف في الأفصح "عددا" فيجوز تجديد النكاح بعد تكرره من غير حصر, واختاره كثيرون من أصحابنا المتقدمين والمتأخرين بل تكرر من البلقيني الإفتاء به, واستدلوا له بالآية نفسها; إذ لو كان الافتداء طلاقا لما قال فإن طلقها, وإلا كان الطلاق أربعا أما الفرقة بلفظ الطلاق بعوض فطلاق ينقص العدد قطعا كما لو قصد بلفظ الخلع الطلاق لكن نقل الإمام عن المحققين القطع بأنه لا يصير طلاقا بالنية كما لو قصد بالظهار الطلاق.
"تنبيه" إن قلت: لم كان الفسخ لا ينقص العدد والطلاق ينقصه, وما الفرق بينهما من جهة المعنى قلت: يفرق بأن أصل مشروعية الفسخ إزالة الضرر لا غير, وهي تحصل بمجرد قطع دوام العصمة فاقتصروا به على ذلك; إذ لا دخل للعدد فيه, وأما الطلاق فالشارع وضع له عددا مخصوصا لكونه يقع بالاختيار لموجب وعدمه ففوض لإرادة الموقع من استيفاء عدده وعدمه.
"فعلى الأول" الأصح "لفظ الفسخ كناية" في الطلاق أي الفرقة بعوض المعبر عنها بلفظ الخلع فيحتاج لنية; لأنه لم يرد في القرآن "والمفاداة" أي وما اشتق منها "كخلع" على القولين السابقين, وكذا الآتيان فيه "في الأصح" لورودها في الآية السابقة "ولفظ الخلع" وما اشتق منه "صريح" في الطلاق; لأنه تكرر على لسان حملة الشرع لإرادة الفراق فكان كالمتكرر في القرآن "وفي قول كناية" يحتاج للنية; لأن صرائح الطلاق ثلاثة ألفاظ تأتي لا غير, وأطال كثيرون في الانتصار له نقلا ودليلا. "فعلى الأول" الأصح "لو جرى" وما اشتق من لفظ الخلع, أو المفاداة معها "بغير ذكر مال وجب مهر مثل في الأصح" لاطراد العرف بجريانه بمال فرجع عند الإطلاق لمهر المثل; لأنه المراد كالخلع بمجهول, وقضيته وقوع الطلاق جزما, وإنما الخلاف هل يجب عوض, أو لا؟ وانتصر له جمع محققون, وقالوا: إنه طريقة الأكثرين, والذي في الروضة أنه عند عدم ذكر المال كناية, وجمع جمع بحمل المتن أي من حيث الحكم لا الخلاف كما هو ظاهر للمتأمل على ما إذا نوى به التماس قبولها فقبلت فيكون حينئذ صريحا لما يأتي أن نية العوض مؤثرة هنا فكذا نية التماس قبول ما دل عليه, وهو لفظ الخلع ونحوه مع قبولها والروضة على ما إذا نفى العوض ونوى الطلاق فيقع رجعيا, وإن قبلت ونوى التماس قبولها, وكذا لو أطلق لفظ خالعتك بنية الطلاق

 

ج / 3 ص -329-        دون التماس قبولها, وإن قبلت فعلم أن محل صراحته بغير ذكر مال إذا قبلت ونوى التماس قبولها, وأن مجرد لفظ الخلع لا يوجب عوضا جزما, وإن نوى به طلاقا, وخرج ب معها ما لو جرى مع أجنبي فإنها تطلق مجانا كما لو جرى معه بنحو خمر. فإن قلت: ظاهر هذا أنه لا يحتاج هنا إلى نية الطلاق به, وحينئذ فيشكل بما مر أنه كناية; إذ لا فرق في ذلك بينها وبين الأجنبي قلت يمكن الفرق; لأنه معها محل الطمع في المال فعدم ذكره قرينة تقرب إلغاءه من أصله ما لم يصرفه عن ذلك بالنية, وأما معه فلا طمع فلم تقم قرينة على صرفه عن أصله من إفادته الطلاق, ويؤيد ذلك جعلهم له بنحو خمر مقتضيا لمهر المثل معها لا معه, وظاهر أن وكيلها مثلها. "ويصح" الخلع بصرائح الطلاق مطلقا كما علم مما مر, و "بكنايات الطلاق مع النية" بناء على أنه طلاق, وكذا على أنه فسخ إن نويا "وبالعجمية" قطعا لانتفاء اللفظ المتعبد به "ولو قال بعتك نفسك بكذا فقالت اشتريت", أو قبلت مثلا "فكناية خلع", وهو الفرقة بعوض بناء على الطلاق والفسخ, وليس هذا من قاعدة ما كان صريحا في بابه; لأن هذا لم يجد نفاذا في موضوعه فاستثناؤه منها غير صحيح "وإذا بدأ" الزوج "بصيغة معاوضة كطلقتك, أو خالعتك بكذا, وقلنا: الخلع طلاق" وهو الأصح "فهو معاوضة" لأخذه عوضا في مقابلة البضع المستحق له "فيها شوب تعليق" لترتب وقوع الطلاق على قبول المال كترتب الطلاق المعلق بشرط عليه أما إذا قلنا فسخ فهو معاوضة محضة كالبيع "وله", وفي نسخة فله, وكل له وجه "الرجوع قبل قبولها"; لأن هذا شأن المعاوضات "ويشترط قبولها بلفظ" كقبلت, أو اختلعت, أو ضمنت, أو بفعل كإعطائه الألف على ما قاله جمع متقدمون, أو بإشارة خرساء مفهمة, وقضية هذا أنه في إن أرضعت ولدي سنة فأنت طالق يكفي قبولها باللفظ, أو بالفعل فإن كان بالأول وقع حالا, أو بالثاني فبعد رضاع السنة. وعلى الأول يحمل ما في فتاوى القاضي من وقوعه بنفس الالتزام, وعلى الثاني يحمل ما في فتاوى بعضهم من اشتراط مضي السنة, وفصل بعضهم فقال: إن لم تلزمه أجرة رضاع ولده لفقره فهو محض تعليق بصفة فيقع بعد السنة رجعيا, وإن لزمته فهو خلع فيه شائبة تعليق فيقع بعد السنة بائنا, ويفرق بين هذا, وإن دخلت الدار فأنت طالق بألف فإنه يشترط القبول لفظا, ويقع عند الدخول بألف, وإن وجب تسليمه حالا كما يأتي بأن هذه فيها شرطان متغايران فأوجبنا مقتضى كل منهما, وهو ما ذكر بخلاف تلك فإنه ليس فيها إلا شرط واحد لكن فيه شائبة مال فغلبنا الشرط تارة والشائبة أخرى "غير منفصل" بكلام أجنبي إن طال كما يأتي آخر الفصل, وكذا السكوت كما مر في البيع, ومن ثم اشترط توافق الإيجاب والقبول هنا أيضا "فلو اختلف إيجاب وقبول كطلقتك بألف فقبلت بألفين وعكسه, أو طلقتك ثلاثا بألف فقبلت واحدة بثلث الألف فلغو" كما في البيع فلا طلاق ولا مال "ولو قال: طلقتك ثلاثا بألف فقبلت واحدة بالألف فالأصح وقوع الثلاث ووجوب الألف"; لأنهما لم يتخالفا هنا في المال المعتبر قبولها لأجله بل في الطلاق في مقابلته, والزوج مستقل به فوقع ما زاده عليها, وبه يندفع ما قيل: قد يكون لها غرض في عدم الثلاث لترجع له بلا محلل, ويفارق ما لو باع عبدين بألف فقبل أحدهما بألف; لأن البائع لا

 

ج / 3 ص -330-        يستقل بتمليك الزائد. "وإن بدأ بصيغة تعليق كمتى, أو متى ما" زائدة للتأكيد, أو أي وقت, أو زمن, أو حين "أعطيتني" كذا فأنت طالق "فتعليق" من جانبه فيه شوب معاوضة لكن لا نظر إليها هنا غالبا; لأن لفظه المذكور من صرائحه فلم ينظر لما فيه من نوع معاوضة "فلا" طلاق إلا بعد تحقق الصفة, ولا يبطل بطرو جنونه عقبه, ولا "رجوع له" عنه قبل الإعطاء كسائر التعليقات "ولا يشترط القبول لفظا"; لأن صيغته لا تقتضيه "ولا الإعطاء في المجلس" بل يكفي وإن تفرقا عنه لدلالته على استغراق كل الأزمنة منه صريحا فلم تقو قرينة المعاوضة على إيجاب الفور, وإنما وجب في قولها متى طلقتني فلك ألف وقوعه فورا; لأن الغالب على جانبها المعاوضة بخلافه وأفهم مثاله أن متى أي ونحوها إنما يكون للتراخي إثباتا أما نفيا كمتى لم تعطني ألفا فأنت طالق فالفور فتطلق بمضي زمن يمكن فيه الإعطاء فلم تعطه "وإن قال إن" بالكسر "أو إذا" ومثلهما كل ما لم يدل على الزمن الآتي "أعطيتني فكذلك" أي لا رجوع له ولا يشترط القبول لفظا; لأنهما حرفا تعليق كمتى أما المفتوحة وإذ فالطلاق مع أحدهما يقع بائنا حالا, وينبغي تقييده بالنحوي أخذا مما يأتي في الطلاق ثم رأيت شارحا ذكره. وظاهر كلامهم أنه مع بينونتها لا مال له عليها, ويوجه بأن مقتضى لفظه أنها بذلت له ألفا على الطلاق, وأنه قبضه لكن القياس أن له تحليفها أنها أعطته نظير ما مر في رسم القبالة "لكن يشترط" إن كانت حرة وألحق بها المبعضة والمكاتبة سواء الحاضرة والغائبة عقب علمها "إعطاء على الفور" والمراد به في هذا الباب مجلس التواجب السابق بأن لا يتخلل كلام, أو سكوت طويل عرفا وقيل: ما لم يتفرقا كما مر في خيار المجلس; لأن ذكر العوض قرينة تقتضي التعجيل; إذ الأعواض تتعجل في المعاوضات وتركت هذه القضية في نحو متى لصراحتها في التأخير كما مر بخلاف إن; إذ لا دلالة لها على زمن أصلا, وإذا; لأن متى مسماها زمن عام ومسمى إذا زمن مطلق; لأنها ليست من أدوات العموم اتفاقا; فلهذا الاشتراك في أصل الزمن وعدمه في إن اتضح أنه لو قيل: متى ألقاك صح أن يقال متى, أو إذا شئت دون إن شئت; لأنها لعدم دلالتها على زمن لا تصلح جوابا للاستفهام الذي في متى عن الزمان, ومحل التسوية بين إن وإذا في الإثبات أما النفي فإذا للفور بخلاف إن كما يأتي أما الأمة فمتى أعطت طلقت, وإن طال لتعذر إعطائها حالا; إذ لا ملك لها, ومن ثم لو كان التعليق بإعطاء نحو خمر اشترط الفور لقدرتها عليه حالا, وفي الأول إذا أعطته من كسبها, أو غيره بانت على تناقض فيه, ويرده للسيد, أو مالكه وله عليها مهر المثل إذا عتقت. والإبراء فيما ذكر كالإعطاء ففي إن أبرأتني لا بد من إبرائها فورا براءة صحيحة عقب علمها, وإلا لم يقع, وإفتاء بعضهم بأنه يقع في الغائبة مطلقا; لأنه لم يخاطبها بالعوض فغلبت الصفة بعيد مخالف لكلامهم, ومن ثم قال في الخادم في "فلانة طالق على ألف إن شاءت ": قياس الباب اعتبار الفورية هنا لوجود المعاوضة أي فكذا الإبراء فيه معاوضة هنا, وزعم أنه إسقاط فلا تتحقق فيه العوضية ليس بشيء كما هو واضح على أنه مر أن القول بأنه إسقاط ضعيف فعلم إن تصدقت عليك بصداقي على أن تطلقني خلع أي إن أرادت جعل البراءة التي تضمنها التصدق عوضا للطلاق لا تعليقها به كما علم

 

ج / 3 ص -331-        مما مر فيشترط طلاقه على الفور لا يقال: أراد ذلك المفتي التفريع على الضعيف أنه رجعي; لأنا نقول فحينئذ لا فور في غائبة ولا حاضرة, وفي إن أبرأت فلانا من دينك, أو أعطيته كذا يقع رجعيا كما مر فلا فورية, ويكفي التعليق الضمني ففي أنت طالق, وتمام طلاقك ببراءتك لا بد من براءتها فورا على أحد وجهين يتجه ترجيحه; لأن الكلام لا يتم إلا بآخره ثم رأيت الأصبحي بحث أنه إن لم ينو به الشرط وقع حالا, وإن نواه وصدقته تعلق به, وهو ظاهر لكن اعترضه غيره بأن قضيته وقوعه حالا عند الإطلاق والظاهر خلافه كأنت طالق ببراءتك ولأن الكلام إذا اتصل وانتظم يرتبط بعضه ببعض ا هـ وهذا موافق لما ذكرته, ولو قال: إن أبرأتني فأنت وكيل في طلاقها فأبرأته برئ ثم الوكيل مخير فإن طلق وقع رجعيا; لأن الإبراء وقع في مقابلة التوكيل وتعليقه إنما يفيد بطلان خصوصه كما مر ولو قال: أنت طالق إلا إن أبرأتني من كذا لم تطلق على الأوجه إلا باليأس من البراءة بنحو إيفاء, أو موت, وكذا إلا إن أعطيتني كذا مثلا.
"وإن بدأت بطلب طلاق" كطلقني بكذا, أو إن, أو إذا, أو متى طلقتني فلك علي كذا "فأجاب" ها الزوج "فمعاوضة" من جانبها لملكها البضع في مقابلة ما بذلته "مع شوب جعالة" لبذلها العوض له في مقابلة تحصيله لغرضها, وهو الطلاق الذي يستقل به كالعامل في الجعالة "فلها الرجوع قبل جوابه" كسائر الجعالات والمعاوضات "ويشترط فور لجوابه" في مجلس التواجب نظرا لجانب المعاوضة, وإن علقت ب متى بخلاف جانب الزوج كما مر فلو طلقها بعد زوال الفورية حمل على الابتداء فيقع رجعيا بلا عوض, وفارق الجعالة بقدرته على العمل في المجلس بخلاف عامل الجعالة غالبا وبحث أنها لو صرحت بالتراخي لم يجب الفور, ولا يشترط توافق نظرا لشائبة الجعالة فلو قالت: طلقني بألف فطلق بخمسمائة وقع بها كرد عبدي بألف فرده بأقل "ولو طلبت" واحدة بألف فطلق نصفها مثلا بانت بنصف المسمى, أو يدها مثلا بانت بمهر المثل للجهل بما يقابل اليد, أو "ثلاثا بألف", وهو يملكهن عليها "فطلق طلقة بثلثه" يعني لم يقصد بها الابتداء سواء أقال بثلثه أم سكت عنه, ولم ينو ذلك فيما يظهر من كلامهم ثم رأيت الشراح اعترضوه بأنه قيد مضر; إذ لو اقتصر على طلقة واحدة استحق الثلث فلو حذف التقييد لأفهمه بالأولى, وأيضا ففيه إيهام أنه إذا لم يعد ذكر المال وقع رجعيا والأصح أنه بائن كما تقرر "فواحدة" تقع لا غير "بثلثه", أو طلقتين فطلقتان بثلثيه تغليبا لشوب الجعالة; إذ لو قال رد عبيدي الثلاثة, ولك ألف رد واحدا استحق ثلث الألف وفارق عدم الوقوع في نظيره من جانبه; لأنه تعليق فيه معاوضة, وشرط التعليق وجود الصفة والمعاوضة التوافق, ولم يوجدا, وأما من جانبها فلا تعليق فيه بل فيه معاوضة أيضا كما مر وجعالة, وهذا لا يقتضي الموافقة فغلب بخلاف التعليق فإنه يقتضيها أيضا فاستويا, ولو أجابها ب أنت طالق, ولم يذكر عددا ولا نواه وقعت واحدة فقط على الأوجه, أو ب أنت طالق طلقة ونصفها فهل يستحق ثلثي الألف, أو نصفها وجهان أصحهما الثاني نظرا للملفوظ لا للسراية; لأنه الأقوى وباختياره ويأتي ما له بذلك تعلق "وإذا خالع, أو طلق بعوض" ولو فاسدا "فلا رجعة" له; لأنها إنما بذلت المال لتملك

 

ج / 3 ص -332-        بضعها كما أنه إذا بذل الصداق لا تملك هي رفعه. "فإن شرطها" كطلقتك, أو خالعتك بكذا على أن لي عليك الرجعة فقبلت, أو إن أبرأتني من صداقك فأنت طالق طلقة رجعية فأبرأت كما أفتى به جمع أخذا من فتاوى ابن الصلاح "فرجعي, ولا مال" له; لأن شرطي الرجعة والمال أي: أو البراءة متنافيان فيتساقطان ويبقى مجرد الطلاق, وهو يقتضي الرجعة ولأنه لما صرح برجعية علم أن مراده مجرد التعليق بصفة البراءة لا أنها عوض, وبحث بعضهم عدم الوقوع في مسألة البراءة; لأنه لا سبيل للوقوع إلا بصحة البراءة, وصحتها تستلزم البينونة, وهي تنافي قوله: رجعية, ويرد بأن هذا نظير ما ذكروه من التنافي, وقد صرحوا بأنه لا ينافي الوقوع "وفي قول: بائن بمهر المثل"; لأن الخلع لا يفسد بفساد العوض, ولو خالعها بعوض على أنه متى شاء رده, وكان له الرجعة بانت بمهر مثل; لأنه رضي هنا بسقوط الرجعة ومتى سقطت لا تعود. "ولو قالت طلقني بكذا وارتدت", أو ارتد هو, أو ارتدا "فأجاب" ها الزوج فورا بأن لم تتراخ الردة ولا الجواب كما أفادته الفاء, وحينئذ نظر "إن كان" الارتداد "قبل دخول, أو بعده وأصرت" هي, أو هو, أو هما على الردة "حتى انقضت العدة بانت بالردة ولا مال" ولا طلاق لانقطاع النكاح بالردة في الحالين أما إذا أجاب قبل الردة فإنها تبين حالا بالمال بخلاف ما لو وقعا معا فإنها تبين بالردة, ولا مال كما بحثه السبكي وغيره أي إن لم يقع إسلام, ويوجه بأن المانع أقوى من المقتضي فبحث شارح وجوبه ضعيف, وإن جزم به شيخنا في شرح منهجه "وإن أسلمت" هي, أو هو, أو هما "فيها" أي العدة "طلقت بالمال" المسمى; لأنا تبينا صحة الخلع, وتحسب العدة من حين الطلاق "ولا يضر تخلل" سكوت, أو "كلام يسير" ولو أجنبيا من المطلوب جوابه "بين إيجاب وقبول"; لأنه لا يعد إعراضا هنا نظرا لشائبة التعليق, أو الجعالة, وبه فارق البيع, وظاهر كلامهم هنا أن الكثير يضر, ولو من غير المطلوب جوابه, وبه صرحوا في البيع, ويحتمل أنه لا يضر هنا إلا من المطلوب جوابه لما تقرر من الفرق بينهما ثم رأيت شيخنا جزم به.
"فرع" نقل الأصبحي عن العمراني أن قولها خالعتك بألف لغو, وإن قبل; لأن الإيقاع إليه دونها ولا ينافيه خلافا لمن ظنه قول الخوارزمي بتقدير اعتماده لو قالت أبرأت ذمتك من صداقي على طلاقي فطلق, أو قال قبلت الإبراء بانت; لأن القبول التزام للطلاق بالإبراء; لأنه ليس هنا إيقاع منها حتى في الصورة الثالثة كما أفهمه تعليله المذكور, وإنما لم يجعل قوله: قبلت في الأولى متضمنا للالتزام المذكور; لأنها بإسنادها الخلع إلى نفسها أفسدت صيغتها فلم يبق صيغة صحيحة تلزمها بخلافها في الثالثة فإن صيغتها ملزمة فصح جعل قبوله التزاما لما تضمنته, وكان بعضهم أخذ من كلام الخوارزمي هذا قوله: لو قالت بذلت صداقي على صحة طلاقي فقال قبلت وقع بائنا بمهر المثل لكن ينبغي حمل قوله بمهر المثل على ما إذا جهل أحدهما الصداق, وإلا وقع بائنا في مقابلة البراءة منه كما اقتضاه كلام الخوارزمي هذا. والذي يتجه أن محل ما قاله الخوارزمي في الأولى ما إذا نوت جعل الإبراء عوضا للطلاق فطلق على ذلك بأن تلفظ به بخلاف ما إذا نواه أيضا; لأن هذا في معنى تعليق الإبراء, وتعليقه باطل فلا عوض حينئذ كما مر بيانه في الفصل الذي قبل هذا

 

ج / 3 ص -333-        وفي الثانية ما إذا قال قبلت بذلك ونوى به إيقاع الطلاق في مقابلة الإبراء, وإلا فالتزام الطلاق بغير لفظ صريح فيه ولا كناية مع النية لا يوقعه ويجري ما ذكرته في الأولى في صورة بذلها المذكورة إن قلنا فيما إذا كان الصداق دينا أن البذل يصح كونه كناية في الإبراء, وفيه نظر; لأنه إنما يستعمل في الأعيان لا غير; إذ حقيقة البذل الإعطاء, وحقيقة الإبراء الإسقاط, والنسبة بينهما التباين فلا يصح أن يراد بأحدهما الآخر فإن قلت الإبراء تمليك لا إسقاط فصح استعمال البذل فيه. قلت: كونه تمليكا إنما هو أمر حكمي له لا أنه مدلول لفظه على أن التحقيق أنه لا يطلق القول بأنه تمليك ولا بأنه إسقاط; لأن لهم فروعا راعوا فيها الأول وفروعا راعوا فيها الثاني لكن لما كانت أكثر أطلق كثيرون عليه التمليك فملحظ ذينك ليس النظر لمدلول اللفظ بل لمدرك ما يستعمل فيه, وأما مدلوله الأصلي فهو الإسقاط لا غير فتم ما تقرر من المنافاة بينهما, ولو علق بالبراءة, فأتت بلفظ البذل لم يكف, وإن نوته به; لأنه لا يحتمله قاله ابن عجيل وغيره ونظر فيه بأنه في معناه; ولذا قيل: إنه تمليك للدين, ويرد بمنع أنه في معناه لما تقرر أن البذل إنما يستعمل في الأعيان لا غير, ومن ثم لو قالت: بذلت صداقي على طلاقي, وهو دين فطلق, ولم ينويا جعل مثله عوضا للطلاق وقع رجعيا كما مر بما فيه في الفصل الذي قبل هذا بخلاف ما لو قال: أنت طالق على صحة البراءة فلا تطلق حتى تبرئه; لأن البذل غير البراءة, فكان كلامه تعليقا مبتدأ خلافا لمن قال: يقع بقوله: أنت طالق, وما بعده لمجرد التأكيد; لأنه صرف للفظ عن ظاهره لغير موجب, والنظائر التي استشهد بها لا تشهد له كما هو واضح للمتأمل أما إذا نويا جعل مثله عوضا فيقع بائنا إن علم, وإلا فبمهر المثل بخلاف ما لو جعلاه نفسه; لأن الدين ما دام دينا لا يقبل العوضية, ولا يصح استعمال البذل فيه كما تقرر, والنذر له بالمهر في إن أبرأتني مر حكمه والأوجه في إن نذرت لي بكذا فأنت طالق فنذرت له به أنه يقع بائنا وكون النذر قربة لا ينافي وقوع الطلاق في مقابلته; إذ الإبراء قربة أيضا

فصل في الألفاظ الملزمة للعوض, وما يتبعها
لو "قال أنت طالق وعليك" كذا "أو" أنت طالق "ولي عليك كذا", وظاهر أن مثل هذا عكسه كعليك كذا وأنت طالق وتوهم فرق بينهما بعيد "ولم يسبق طلبها بمال وقع رجعيا قبلت أم لا ولا مال"; لأنه أوقع الطلاق مجانا ثم أخبر أن له عليها كذا بذكر جملة خبرية معطوفة على جملة الطلاق غير صالحة للشرطية, أو العوضية فلم يلزمها لوقوعها ملغاة في نفسها, وفارق قولها طلقني, وعلي أو لك علي ألف فأجابها فإنه يقع بائنا بالألف بأن المتعلق بها من عقد الخلع هو الالتزام فحمل لفظها عليه, وهو ينفرد بالطلاق, فإذا خلا لفظه عن صيغة معاوضة حمل لفظه على ما ينفرد به نعم إن شاع عرفا أن ذلك للشرط كعلي صار مثله أي إن قصد به, وليس مما تعارض فيه مدلولان لغوي وعرفي حتى يقدم اللغوي; لأن ما هنا في لفظ شاع استعماله في شيء فقبلت إرادته له, وذاك في تعارض المدلولين ولا إرادة فقدم الأقوى, وهو اللغوي فإن قلت: هل يمكن توجيه إطلاق المتولي

 

ج / 3 ص -334-        أن الاشتهار هنا جعله صريحا فلا يحتاج لقصد. قلت نعم; لأن كون الاشتهار لا يلحق الكناية بالصريح إنما هو في الكنايات الموقعة أما الألفاظ الملزمة فيكفي في صراحتها الاشتهار ألا ترى أن بعتك بعشرة دنانير, وفي البلد نقد غالب يكون صريحا فيه, وليس ذلك إلا لتأثير الاشتهار فيه فاندفع بما قررته أولا استشكال هذا بقولهم إذا تعارض مدلولان لغوي وعرفي قدم اللغوي وآخرا قول ابن الرفعة: إن هذا مبني على أن الصراحة تؤخذ من الاشتهار أي وهو ضعيف ويؤخذ من ذلك أنه لو قال بعتك ولي عليك ألف واشتهر في الثمنية صح البيع به, وإن لم ينو, وأفتى أبو زرعة فيمن قال: أبرئيني وأنت طالق, وقصد تعليق الطلاق بالبراءة بأنه يتعلق بها أي لغلبة ذلك وتبادر التعليق منه ومثله أعطيني ألفا وأنت طالق فيما يظهر وإطلاق الزركشي الوقوع به بائنا كرد عبدي وأعطيك ألفا يرد بأن هذا ليس نظير الجعالة; لأنه فيها ملتزم, وفي مسألتنا ملزم وشتان ما بينهما أما إذا سبق طلبها بمال فيأتي "فإن قال أردت به ما يراد بطلقتك بكذا", وهو الإلزام "وصدقته" وقبلت "فكهو" لغة قليلة أي فكما لو قاله "في الأصح" فيقع بائنا بالمسمى; لأن المعنى حينئذ وعليك كذا عوضا أما إذا لم تصدقه وقبلت فيقع بائنا مؤاخذة له بإقراره ثم إن حلفت أنها لا تعلم أنه أراد ذلك لم يلزمها له مال, وإلا حلف ولزمها. وأما إذا لم تقبل فلا يقع شيء إن صدقته, أو كذبته وحلف يمين الرد, وإلا وقع رجعيا ولا حلف; لأنه لما لم يقبل قوله في هذه الإرادة صار كأنه قال ذلك, ولم يرده, ومر أنه رجعي واستشكل السبكي عدم قبول إرادته مع احتمال اللفظ لها إذ الواو تحتمل الحال فيتقيد الطلاق بحالة إلزامه إياها بالعوض فحيث لا إلزام لا طلاق قال: وهذا في الظاهر أما باطنا فلا وقوع ا هـ ويجاب عن إشكاله بأن العطف في مثل هذه الواو أظهر فقدموه على الحالية نعم لو كان نحويا وقصدها لم يبعد قبوله بيمينه "وإن سبق" ذلك طلبها بمال, وقصد جوابها, أو أطلق كما هو ظاهر "بانت بالمذكور" في كلامها إن عينته; لأنه لو حذف وعليك لزم فمع ذكرها, أولى فإذا أبهمته وعينه فهو كالابتداء ب طلقتك على ألف فإن قبلت بانت بالألف, وإلا فلا طلاق, وإن أبهمه أيضا, أو اقتصر على طلقتك بانت بمهر المثل أما إذا قصد الابتداء وحلف حيث لم تصدقه فيقع رجعيا, وكذا في كل سؤال وجواب, واستبعده الأذرعي بأنه خلاف الظاهر. "وإن قال: أنت طالق على أن لي عليك كذا فالمذهب أنه كطلقتك بكذا فإذا قبلت" فورا في مجلس التواجب بنحو قبلت, أو ضمنت "بانت ووجب المال"; لأن على للشرط فإذا قبلت طلقت ودعوى أن الشرط في الطلاق يلغو إذا لم يكن من قضاياه كأنت طالق على أن لا أتزوج عليك يرد بأنه لا قرينة هنا على المعاوضة بوجه "وإن قال: إن ضمنت لي ألفا فأنت طالق", أو عكس "فضمنت" بلفظ الضمان; لأنه المعلق عليه وبحث إلحاق مرادفه به, وهو التزمت "في الفور" أي مجلس التواجب "بانت ولزمها الألف" لوجود العقد المقتضي للإلزام إيجابا وقبولا وشرطا, وخرج بلفظ الضمان غيره كقبلت, أو شئت, أو رضيت فلا طلاق ولا مال, وكذا لو أعطته من غير لفظ, ولو قالت: طلقني على كذا فقال أنت طالق إن شئت كان ابتداء منه فلا يقع إلا إن شاءت ولا مال حينئذ كما هو ظاهر "وإن قال متى ضمنت" لي ألفا فأنت طالق فمتى

 

ج / 3 ص -335-        ضمنت بلفظ الضمان ومرادفه دون غيره كما تقرر ووقع لشارح هنا غير ذلك فاحذره "طلقت"; لأن متى للتراخي ولا رجوع له كما مر "وإن ضمنت دون ألف لم تطلق" لعدم وجود المعلق عليه "ولو ضمنت ألفين طلقت" بألف لوجود المعلق عليه في ضمنهما بخلاف طلقتك على ألف فقبلت بألفين; لأن تلك صيغة معاوضة تقتضي التوافق كما مر وإذا قبض الألف الزائدة فهي عنده أمانة. "ولو قال طلقي نفسك إن ضمنت لي ألفا فقالت" في مجالس التواجب كما اقتضته الفاء "طلقت وضمنت, أو عكسه" أي ضمنت وطلقت "بانت بألف"; لأن أحدهما شرط في الآخر يعتبر اتصاله به فهما قبول واحد فاستوى التقديم والتأخير, وبه فارق ما يأتي في الإيلاء "وإن اقتصرت على أحدهما" بأن ضمنت, ولم تطلق, أو عكسه "فلا" طلاق لعدم وجود المعلق عليهما, وليس المراد بالضمان هنا ما مر في بابه; لأن ذلك عقد مستقل, ولا التزام المبتدأ; لأنه لا يصح إلا بالنذر بل التزام بقبول في ضمن معاوضة فلزم; لأنه وقع تبعا لا مقصودا وألحق بذلك عكسه, وهو إن ضمنت لي ألفا فقد ملكتك أن تطلقي نفسك واستشكل بما يأتي أن تفويض الطلاق إليها تمليك لا يقبل التعليق ويجاب بما تقرر أن هذا وقع في ضمن معاوضة فقبل التعليق واغتفر لكونه وقع تبعا لا مقصودا بخلاف ما يأتي ونوزع في الإلحاق بأن معنى الأولى التنجيز أي طلقتها بألف تضمنه لي والثانية التعليق المحض, ونظيره صحة بعتك إن شئت دون إن شئت بعتك ا هـ ويرد بأن الفرق بين هاتين إنما هو لمعنى مر في البيع لا يأتي هنا كيف والتعليق ثم مفسد مطلقا إلا في الأولى; لأن قبوله متعلق بمشيئته, وإن لم يذكرها, والتعليق هنا غير مفسد مطلقا فاستوى تقدمه وتأخره.
"وإذا علق بإعطاء ماله", أو إيتائه, أو مجيئه كإن أعطيتني كذا "فوضعته", أو أكثر منه فورا في غير نحو متى بنفسها, أو بوكيلها مع حضورها مختارة قاصدة دفعه عن جهة التعليق "بين يديه" بحيث يعلم به ويتمكن من أخذه لعقله وعدم مانع له منه "طلقت" بفتح اللام أجود من ضمها, وإن لم يأخذه; لأنه إعطاء عرفا ولهذا يقال: أعطيته, أو جئته, أو أتيته به فلم يأخذه "والأصح دخوله في ملكه" قهرا بمجرد الوضع لضرورة دخول المعوض في ملكها بالإعطاء; لأن العوضين يتقارنان في الملك "وإن قال: إن أقبضتني", أو أديت, أو سلمت, أو دفعت إلي كذا فأنت طالق "فقيل كالإعطاء" فيما ذكر فيه "والأصح" أنه "كسائر التعليق فلا يملكه"; لأن الإقباض لا يقتضي التمليك فهو صفة محضة بخلاف الإعطاء يقتضيه عرفا نعم إن دلت قرينة على أن القصد بالإقباض التمليك كأن قالت له قبل ذلك التعليق طلقني, أو قال فيه: إن أقبضتني كذا لنفسي, أو لأصرفه في حوائجي كان كالإعطاء فيما يقصد به فيعطى حكمه السابق. "ولا يشترط للإقباض مجلس" تفريعا على عدم الملك; لأنه صفة محضة "قلت ويقع رجعيا" لما تقرر أن الإقباض لا يقتضي التمليك "ويشترط لتحقق الصفة" في صيغة إن قبضت منك لا إن أقبضتني على المنقول المعتمد "أخذه" مختارا كما هو ظاهر "بيده منها", أو من وكيلها بشرطيه السابقين كما هو ظاهر أيضا فلا يكفي وضعه بين يديه; لأنه لا يسمى قبضا ويسمى إقباضا "ولو مكرهة" وحينئذ يقع الطلاق رجعيا هنا أيضا "والله

 

ج / 3 ص -336-        أعلم" لوجود الصفة, وهي القبض دون الإقباض; لأن فعل المكره لغو شرعا, ومن ثم لا حنث به في نحو إن دخلت فدخلت مكرهة "ولو علق بإعطاء عبد" مثلا "ووصفه بصفة سلم", أو غيرها ككونه كاتبا "فأعطته" عبدا "لا بالصفة" المشروطة "لم تطلق" لعدم وجود المعلق عليه "أو" أعطته عبدا "بها" أي الصفة "طلقت" بالعبد الموصوف بصفة السلم وبمهر المثل في الموصوف بغيرها لفساد العوض فيها بعدم استيفاء صفة السلم "وإذا بان" الذي وصفه بصفة السلم "معيبا" لم يؤثر في وقوع الطلاق لوجود الصفة لكنه يتخير; لأن الإطلاق يقتضي السلامة "فله" إمساكه ولا أرش له. وله "رده ومهر مثل" بدله بناء على الأصح أنه مضمون عليها ضمان عقد لا يد "وفي قول قيمته سليما" بناء على مقابله, وليس له طلب عبد سليم بتلك الصفة بخلاف ما لو لم يعلق بأن خالعها على عبد موصوف, وقبلته وأحضرت له عبدا بالصفة فقبضه ثم علم عيبه فله رده وأخذ بدله سليما بتلك الصفة; لأن الطلاق وقع قبل الإعطاء بالقبول على عبد في الذمة بخلاف ذاك "ولو قال" إن أعطيتني "عبدا", ولم يصفه بصفة "طلقت بعبد" على أي صفة كان, ولو مدبرا لوجود الاسم ولا يملكه; لأن ما هنا معاوضة, وهي لا يملك بها مجهول فوجب مهر المثل كما يأتي, واستشكل بأن هذا التعليق إن كان تمليكا لم يقع; لأن الملك لم يوجد, أو إقباضا وقع رجعيا, وكان في يده أمانة, وقد يجاب بأن الصيغة اقتضت شيئين ملكه وتوقف الطلاق على إعطاء ما تملكه, والثاني ممكن من غير بدل بخلاف الأول فإنه غير ممكن لكن له بدل يقوم مقامه فعملوا في كل بما يمكن فيه حذرا من إهمال اللفظ مع ظهور إمكان إعماله "إلا" قرينة ظاهرة على أنه أراد بعبد العموم; لأن النكرة في الإثبات. وإن كانت مطلقة لا عامة يصح أن يراد بها العموم على أن النكرة في حيز الشرط للعموم وحينئذ فلا إشكال أصلا "مغصوبا", أو مكاتبا, أو مشتركا, أو جانبا تعلق برقبته مال, أو موقوفا, أو مرهونا مثلا والضابط من لا يصح بيعها له "في الأصح" فلا تطلق به; لأن الإعطاء يقتضي التمليك, وهو متعذر فيما ذكر كالمغصوب ما دام مغصوبا بخلاف المجهول نعم إن قال: مغصوبا طلقت به; لأنه تعليق بصفة حينئذ فيلزمها مهر المثل; لأنه لم يطلق مجانا, ولو أعطته عبدا لها مغصوبا طلقت به; لأنه بالدفع خرج عن كونه مغصوبا "وله مهر مثل" راجع لما قبل إلا; لأنه لم يطلق مجانا, ولو علق بإعطاء هذا العبد المغصوب, أو هذا الحر, أو نحوه فأعطته بانت بمهر المثل كما لو علق بخمر هذا كله في الحرة أما الأمة إذا لم يعين لها عبدا ففيها تناقض لهما, والأوجه منه وقوعه لمهر المثل كما لو عينه "ولو ملك طلقة", أو طلقتين "فقط فقالت: طلقني ثلاثا بألف فطلق الطلقة", أو الطلقتين "فله الألف", وإن جهلت الحال; لأنه حصل غرضها من الثلاث, وهو البينونة الكبرى "وقيل ثلثه", أو ثلثاه توزيعا للألف على الثلاث "وقيل إن علمت الحال فألف وإلا فثلثه", أو ثلثاه لو طلقها نصف الطلقة فهل له سدس الألف أخذا من قولهم: لو أجابها ببعض ما سألته وزع على المسئول, أو الكل; لأن مقصودها من البينونة الكبرى حصل هنا أيضا كل محتمل, وقولهم في التعليل في بعض المسائل نظرا لما أوقعه لا لما وقع يؤيد الأول وينبغي بناء ذلك على ما يأتي أن قوله: نصف طلقة هل هو من باب

 

ج / 3 ص -337-        التعبير بالبعض عن الكل, أو من باب السراية فعلى الأول يستحق الألف; لأنه عليه أوقع الطلقة, وعلى الثاني لا; لأنه لم يوقع إلا بعضها والباقي وقع سراية قهرا عليه فلا يستحق في مقابلته شيئا أما لو ملك الثلاث فيستحق بواحدة ثلثه وبواحدة ونصف نصفه كما مر وهذا مؤيد لما قلناه أنه يستحق السدس فإن قلت القياس على هذا أنه يستحق النصف; لأنه لو لم يملك إلا طلقة وأوقعها يستحق الكل فيستحق نصفه بنصفها. قلت: نعم القياس ذلك لولا قولهم: الضابط أنه إن ملك العدد المسئول كله فأجابها به فله المسمى, أو ببعضه فله قسطه, وإن ملك بعض المسئول وتلفظ بالمسئول, أو حصل مقصودها بما أوقع فله المسمى, وإلا فيوزع المسمى على المسئول ذكره الشيخان فقولهما: وإلا إلى آخره صريح في أنه ليس له في مسألتنا إلا السدس; لأن ما أوقعه لم يحصل مقصودها, وإنما حصل بما وقع, وقد علمت من كلامهما أنه إذا لم يحصل مقصودها يوزع على المسئول فحينئذ لم يجب له إلا السدس.
"ولو طلبت طلقة بالألف فطلق" بألف, أو لم يذكر الألف طلقت بالألف, أو "بمائة وقع بمائة" لقدرته على الطلاق مجانا فبعوض, وإن قل أولى, وبه فارق أنت طالق بألف فقبلت بمائة "وقبل بألف" حملا على ما سألته. "وقيل: لا يقع شيء" للمخالفة, وفي أصله قالت طلقني واحدة بألف فقال: أنت طالق ثلاثا, أو زاد ذكر الألف وقع الثلاث واستحق الألف أي كالجعالة وحذفها للعلم من كلامه بأن الطلاق إليه فلم تضر الزيادة فيه على ما سألته "ولو قالت طلقني غدا" مثلا "بألف" أو إن طلقتني غدا فلك ألف "فطلق غدا, أو قبله" غير قاصد الابتداء "بانت", وإن علم بفساد العوض كما لو خالع بخمر; لأنه حصل مقصودها وزاد في الثانية بالتعجيل, وإن نازع فيها البلقيني "بمهر المثل" لفساد العوض بجعله سلما منها له في الطلاق, وهو محال فيه لعدم ثبوته في الذمة, والصيغة بتصريحها بتأخير الطلاق, وهو لا يقبل التأخير من جانبها; لأن المغلب فيه المعاوضة, وبهذا فارقت هذه قولها إن جاء الغد وطلقتني فلك ألف فطلقها في الغد إجابة لها استحق المسمى; لأنه ليس فيه تصريح منها بتأخير الطلاق أما لو قصد الابتداء وحلف إن اتهم, أو طلق بعده فيقع رجعيا; لأنها لو سألته الناجز بعوض فقال قصدت الابتداء صدق بيمينه فهذا أولى ولأنه بتأخيره مبتدئ فإن ذكر مالا اشترط قبولها "في قول بالمسمى" واعترض بأن الصواب ببدله; لأن التفريع إنما هو على فساد الخلع والمسمى إنما يكون مع صحته ويرد بأن بدله مهر المثل فيتحد القولان فإن قيل بدله مثله, أو قيمته قلنا إنما يجب هذا فيما إذا وقع الطلاق بالمسمى ثم تلف وكان وجه وجوبه مع الفساد على خلاف القاعدة أن الفساد هنا ليس في ذات العوض ولا مقابله بل في الزمن التابع فلم ينظر إليه.
"وإن قال إذا", أو إن "دخلت الدار فأنت طالق بألف فقبلت" فورا كما أفادته الفاء "ودخلت" ولو على التراخي, وقضية ما مر في طلقت وضمنت أن مثل ذلك ما لو دخلت ثم قبلت فورا, وهو متجه لكن ظاهر كلام شارح أنه لا بد من الترتيب بين الدخول والقبول وكأنه ظن أن تقدم الدخول يزيل فورية القبول, وليس كذلك بل قد لا يزيلها

 

ج / 3 ص -338-        "طلقت على الصحيح" لوجود المعلق عليه مع القبول طلاقا بائنا "بالمسمى" لجواز الاعتياض عن الطلاق المعلق كالمنجز ويلزمها تسليمه له حالا كسائر الأعواض المطلقة, والمعوض تأخر بالتراضي لوقوعه في ضمن التعليق بخلاف المنجز يجب فيه تقارن العوضين في الملك, وقوله: بالمسمى لا يقتضي ترجيح الضعيف أنه لا يجب تسليمه إلا عند وجود الصفة خلافا لمن زعمه; لأنه إنما ذكره كذلك لإفادة البينونة كما قررته "وفي وجه, أو قول بمهر المثل"; لأن المعاوضة لا تقبل التعليق ويرد بأن هذه معاوضة غير محضة. "ويصح اختلاع أجنبي, وإن كرهت الزوجة"; لأن الطلاق يستقل به الزوج, والالتزام يتأتى من الأجنبي; لأن الله - تعالى - سمى الخلع فداء كفداء الأسير, وقد يحمله عليه ما يعلمه بينهما من الشر وهذا كالحكمة, وإلا فلو قصد بندتها منه أنه يتزوجها صح أيضا لكنه يأثم فيما يظهر بل لو أعلمها بذلك فسق كما دل عليه الحديث الصحيح "وهو كاختلاعها لفظا" أي في ألفاظ الالتزام السابقة "وحكما" في جميع ما مر فهو من جانب الزوج ابتداء صيغة معاوضة بشوب تعليق فله الرجوع قبل القبول نظرا لشوب المعاوضة وقول الشارح نظرا لشوب التعليق وهم, ومن جانب الأجنبي ابتداء معاوضة بشوب جعالة ففي طلقت امرأتي بألف في ذمتك فقبل وطلق امرأتك بألف في ذمتي فأجابه تبين بالمسمى ويستثنى من قوله حكما نحو طلقها على ذا المغصوب, أو الخمر, أو قن زيد هذا فيقع رجعيا وفارق ما مر فيها بأن البضع وقع لها فلزمها بدله بخلافه ويؤخذ منه أنه لو قال خالعتها على ما في كفك فقبل وهما يعلمان أنه لا شيء فيها فخالع على ذلك وقع رجعيا ولا شيء له إلا أن يفرق بأن فساد العوض جاء ثم من لفظه, وهو قوله: ذا الخمر مثلا المقتضي أنه لم يلتزم له عوضا لعدم حصول مقابل له. وهنا لا فساد في لفظه بل هو لفظ معاوضة صحيح, وإنما غاية الأمر أنه لا شيء في كفه في الخارج, وهذا يقتضي عدم البينونة ولزوم مهر المثل له عملا بظاهر الصيغة ويؤيده ما مر أنهم جعلوا هذا من العوض المقدر لا الفاسد ويأتي آخر التنبيه الآتي ما يصرح بهذا ولو خالع عن زوجتي رجل بألف صح من غير تفصيل لاتحاد الباذل بخلاف ما لو اختلعا به ويحرم اختلاعه في الحيض بخلاف اختلاعها كما سيذكره, ومن خلع الأجنبي قول أمها مثلا خالعها على مؤخر صداقها في ذمتي فيجيبها فيقع بائنا بمثل المؤخر في ذمة السائلة كما هو; لأن لفظة مثل مقدرة في نحو ذلك, وإن لم تنو نظير ما مر في البيع فلو قالت, وهو كذا لزمها ما سمته زاد, أو نقص; لأن المثلية المقدرة تكون حينئذ من حيث الجملة وبنحو ذلك أفتى أبو زرعة وأفتى أيضا في والد زوجة خالع زوجها على مؤجل صداقها, وعلى درهم في ذمته فأجابه وطلقها على ذلك بأنه يقع رجعيا كما هو المقرر في خلع الأب بصداق بنته والدرهم الذي في ذمته لم يوقع الزوج الطلاق عليه فقط بل عليه, وعلى البراءة من منجم صداقها, ولم يحصل إلا بعض العوض وليس كالخلع بمعلوم ومجهول حتى يجب ما يقابل المجهول من مهر المثل; لأنه لا يمكن إيجابه عليها لعدم سؤالها, ولا على أبيها; لأنه لم يسأل بمجهول له بل بمعلوم لهما وليس له السؤال به ا هـ ملخصا, وهو مع ما قدمه في تلك مشكل; لأنه حمل مؤخر الصداق في كلام الأم ثم

 

ج / 3 ص -339-        على تقدير مثله حتى أوقعه بائنا بمثله ولم يحمل مؤجل الصداق هنا على ذلك لكنه أشار للجواب بأن الأم لما قالت في ذمتي كان قرينة ظاهرة على المثلية, والأب لما لم يقل ذلك انصرف لعين الصداق لا لمثله, ومن ثم أفتى أيضا فيمن سأل زوج بنته قبل الوطء أن يطلقها على جميع صداقها والتزم به والدها فطلقها واحتال من نفسه على نفسه لها, وهي محجورته بأنه خلع على نظير صداقها في ذمة الأب بدليل الحوالة المذكورة نعم شرط صحة هذه الحوالة أن يحيله الزوج به لبنته; إذ لا بد فيها من إيجاب وقبول ومع ذلك لا تصح إلا في نصف ذلك لسقوط نصف صداقها عليه ببينونتها منه فيبقى للزوج على الأب نصفه; لأنه سأله بنظير الجميع في ذمته فاستحقه عليه والمستحق على الزوج النصف لا غير فطريقه أن يسأله الخلع بنظير النصف الباقي لمحجورته لبراءته حينئذ بالحوالة عن جميع دين الزوج ا هـ وسيعلم مما يأتي أن الضمان يلزمه به مهر المثل فالالتزام المذكور مثله, وإن لم توجد حوالة, وما ذكره من الاكتفاء بالقرينة مخالف لما يأتي عن شيخه البلقيني أنه لا بد معها من نية ذلك لكن الأول أوجه.
"تنبيه" أفهم قولهم لفظا من غير استثناء منه مع استثنائهم من الحكم أنه لو قال: إن أبرأني فلان من كذا له علي فأنت طالق فأبرأه وقع بائنا, وهو الوجه خلافا لمن زعم أنه رجعي; لأنه تعليق محض, أو لأن المبرئ لما لم يخاطبه لم يكن له رغبة في طلاقها, وذلك; لأن كلا من هذين التعليلين فاسد أما الأول فلأن كل ذي ذوق يفهم منه أنه معلق للطلاق على عوض من الأجنبي, وقد صرحوا بأن العوض منه كهو منها وأما الثاني فلأن قائله لم يحط بكلامهم في هذا الباب الصريح في أنه لو قال: خالعت زوجتي على ألف في ذمة زيد وكان غائبا فبلغه فقبل وقع بائنا به; لأن قبوله كسؤاله له فيه فكذا إبراؤه كسؤاله ولا بحد الخلع الصريح في ذلك أيضا, وفي الروضة في مبحث نكاح الشغار ما حاصله مع بيان الراجح منه لو طلق زوجته على أن يزوجه زيد بنته, وصداق بنته بضع المطلقة ففعل وقع الطلاق قال ابن القطان بائنا وله مهر المثل على زيد كما أن لبنته على زوجها مهر المثل, وهذا صريح في بطلان ذينك التعليلين; لأن زيدا لم يسأل ولا خاطب وإنما المطلق ربط طلاق زوجته بتزويج زيد له فبتزويجه له جعل مختارا لطلاقها ولزمه مهر المثل; لأن المطلق لم يطلق إلا في مقابل يسلم له, وهو بضع التي تزوجها ولم يسلم له لما تقرر أنه يلزمه لها مهر المثل فعلم أن قبول العوض الذي ربط الطلاق به كسؤال الزوج به وأن كل تعليق للطلاق تضمن مقابلة البضع بعوض مقصود راجع لجهة الزوج يقع الطلاق به بائنا ثم إن صح العوض فيه, وإلا فبمهر المثل على ما مر.
"ولوكيلها" في الاختلاع "أن يختلع له" أي لنفسه ولو بالقصد كما مر فيكون خلع أجنبي والمال عليه بخلاف ما إذا نواها, وهو ظاهر, وما إذا أطلق, وهو ما صرح به الغزالي واعتراض الأذرعي له بجزم إمامه بخلافه مردود بأن كلامه فيما بعد لم يخالفها فيه "ولأجنبي توكيلها" في اختلاع نفسها بماله, أو بمال عليه, وكذا أجنبي آخر فإن قال لها سلي زوجك أن يطلقك بألف, أو لأجنبي سل فلانا أن يطلق

 

ج / 3 ص -340-        زوجته بألف اشترط في لزوم الألف له أن يقول علي بخلاف سل زوجي أن يطلقني على كذا فإنه توكيل, وإن لم تقل علي ولو قال طلق زوجتك على أن أطلق زوجتي ففعلا بانتا; لأنه خلع فاسد; لأن العوض فيه مقصود خلافا لبعضهم فلكل على الآخر مهر مثل زوجته وإذا وكلها الأجنبي في الخلع "فتتخير هي" بين أن تخالع عنها, أو عنه بالصريح, أو النية فإن أطلقت قال الأذرعي وغيره فالظاهر وقوعه عنها قطعا ا هـ أي نظير ما مر في الوكيل بقيده لكن لما كانت تستقل به إجماعا بخلاف الأجنبي كان جانبها أقوى فمن ثم قطعوا بوقوعه لها هنا واختلفوا ثم كما مر وحيث صرح باسم الموكل طولب الموكل فقط ويفرق بينه وبين وكيل المشتري بأن العقد يمكن وقوعه له ثم لا هنا كما مر وإلا فالمباشر فإذا غرم رجع على موكله إن وقع الخلع عنه, وإلا فلا. "ولو اختلع رجل" بماله, أو مالها "وصرح بوكالتها كاذبا" عليها "لم تطلق"; لأنه مربوط بالتزام المال, ولم يلتزمه هو ولا هي نعم إن اعترف الزوج بالوكالة, أو ادعاها بانت بقوله: ولا شيء له "وأبوها كأجنبي فيختلع بماله" يعني بمعين, أو غيره صغيرة كانت, أو كبيرة "فإن اختلع" الأب, أو الأجنبي "بمالها وصرح بوكالة" منها كاذبا "أو ولاية" له عليها "لم تطلق"; لأنه ليس بولي في ذلك ولا وكيل فيه والطلاق مربوط بالمال, ولم يلتزمه أحد ولأنه ليس له صرف مالها في الخلع, ومن ثم لم يمتنع عليه بموقوف على من يختلع; لأنها لم تملكه قبل الخلع "أو" صرح "باستقلال" كاختلعتها لنفسي, أو عن نفسي "فخلع بمغصوب"; لأنه غاصب لمالها فيقع بائنا, وإن علم الزوج وله عليه مهر المثل ولو لم يصرح بأنه عنه ولا عنها فإن لم يذكر أنه مالها فهو بمغصوب كذلك وإلا وقع رجعيا; إذ ليس له تصرف في مالها بما ذكر كما مر فأشبه خلع السفيه كما لو قال بهذا المغصوب, أو الخمر; لأنه صرح بما مع التبرع المقصود له من الخلع, ولو اختلع بصداقها, أو على أن الزوج بريء منه, أو قال: طلقها وأنت بريء منه, أو على أنك بريء منه وقع رجعيا, ولا يبرأ من شيء منه نعم إن ضمن له الأب, أو الأجنبي الدرك, أو قال علي ضمان ذلك وقع بائنا بمهر المثل على الأب, أو الأجنبي قال البلقيني, وكذا لو أراد بالصداق مثله وثم قرينة تؤيده كحوالة الزوج على الأب وقبول الأب لها بحكم أنها تحت حجره فيقع بائنا بمثل الصداق ا هـ ومر آنفا, وفي الحوالة ما له تعلق بذلك

فصل في الاختلاف في الخلع, أو في عوضه
لو "ادعت خلعا فأنكر" أو قال طال الفصل بين لفظينا بأن سألته الطلاق بعوض طلقها بدون ذكره ثم اختلفا فقالت: طلقتني متصلا فبنت, وقال بل منفصلا فلي الرجعة, أو نحو ذلك ولا بينة "صدق بيمينه"; لأن الأصل عدمه مطلقا, أو في الوقت الذي تدعيه فيه فإن أقامت به بينة ولا تكون إلا رجلين بانت, ولم يطالبها بالمال; لأنه ينكره مما لم يعد ويعترف به على ما قاله الماوردي; لأن الطلاق لزمه, وهي معترفة به, وفيه نظر بل الذي يتجه أنه كمن أقر لشخص بشيء فأنكره ثم صدقه لا بد من اعتراف جديد من المقر. "وإن قال طلقتك بكذا فقالت" لم تطلقني, أو طلقتني "مجانا" أو طال الفصل بين لفظي ولفظك, أو نحو

 

ج / 3 ص -341-        ذلك "بانت" بإقراره "ولا عوض" عليها إذا حلفت; لأن الأصل براءة ذمتها ما لم يقم شاهدا ويحلف معه, أو تصدقه فيثبت المال وإذا حلفت ولا بينة له وجبت نفقتها وكسوتها زمن العدة ولا يرثها قال الأذرعي والزركشي بل الظاهر أنها ترثه. "وإن اختلفا" أي المتخالعان الزوج, أو وكيله, وهي, أو وكيلها, أو الأجنبي "في جنس عوض, أو قدره", أو نوعه, أو صفته, أو أجله, أو قدر أجله, أو في عدد الطلاق بأن قالت طلقتني ثلاثا بألف فقال بل واحدة بألف, أو سكت عن العوض "ولا بينة" لأحدهما, أو لكل منهما بينة وتعارضتا بأن أطلقتا, أو إحداهما "تحالفا" كالمتبايعين في كيفية الحلف ومن يبدأ به, ومن ثم اشترط أن يكون مدعاه أكثر فإن أقام أحدهما بينة قضي له "ووجب" بعد فسخهما, أو فسخ أحدهما, أو الحاكم للعوض "مهر مثل", وإن كان أكثر مما ادعاه; لأنه بدل البضع الذي تعذر رده إليه, وأما البينونة فواقعة بكل تقدير وأثر التحالف إنما هو في العوض خاصة والقول في عدد الطلاق الواقع قوله بيمينه, ومن ثم لو قالت سألتك ثلاثا فطلقت واحدة فلك ثلثه فقال بل ثلاثا فلي الألف طلقت ثلاثا عملا بإقراره وتحلف أنها لا تعلم أنه طلقها ثلاثا وحينئذ له ثلث الألف نعم إن أوقعهن وقال ما طلقتها قبل, ولم يطل فصل استحق الألف. "ولو خالع بألف ونويا نوعا", أو جنسا, أو صفة "لزم", وإن كان من غير الغالب جعلا للمنوي كالملفوظ بخلاف البيع; لأنه يحتمل هنا ما لا يحتمل ثم فإن لم ينويا شيئا وجب مهر مثل "وقيل" يلزم "مهر مثل" مطلقا للجهل بالعوض "ولو قال أردنا" بالألف التي أطلقناها "دنانير فقالت بل" أردنا "دراهم, أو فلوسا", أو قال أحدهما أطلقنا وقال الآخر عينا نوعا آخر "تحالفا على الأول" المعتمد كما لو اختلفا في الملفوظ ثم يجب مهر المثل "ووجب مهر مثل بلا تحالف في" القول "الثاني" أما لو اختلفت نيتاهما وتصادقا فلا فرقة, وأما لو قال أردت الدراهم وقالت أردت الفلوس بلا تصادق وتكاذب فتبين وله مهر المثل بلا تحالف, وأما لو صدق أحدهما الآخر على ما أراده وكذبه الآخر فيما أراده فتبين ظاهرا ولا شيء له عليها لإنكار أحدهما الفرقة نعم إن عاد المكذب وصدق استحق الزوج المسمى على ما مر وإذا أطلقت الدراهم في الخلع المنجز نزلت على غالب نقد البلد, أو المعلق نزلت على الدراهم الإسلامية كما مر.
"تنبيه" علم مما مر ضبط مسائل الباب بأن الطلاق إما أن يقع بائنا بالمسمى إن صحت الصيغة والعوض, أو بمهر المثل إن فسد العوض فقط, أو رجعيا إن فسدت الصيغة, وقد نجز الزوج الطلاق, أو لا يقع أصلا إن تعلق بما لم يوجد فعلم أن من علق طلاق زوجته بإبرائها إياه من صداقها لم يقع عليه إلا إن وجدت براءة صحيحة من جميعه فيقع بائنا بأن تكون رشيدة وكل منهما يعلم قدره, ولم يتعلق به زكاة خلافا لما أطال به الريمي أنه لا فرق بين تعلقها وعدمه, وإن نقله عن المحققين ونقله غيره عن إطباق العلماء من المتأخرين وذلك لبطلان هذين النقلين ولأن الإبراء لا يصح من قدرها, وقد علق بالإبراء من جميعه فلم توجد الصفة المعلق عليها وزعم أن الظاهر أنه إنما يقصد براءة مما تستحقه هي ليس في محله بل الظاهر أنه يقصد براءة ذمته من جميع ما فيها; إذ لو علم أن مستحقي الزكاة

 

ج / 3 ص -342-        يتعلقون به بعد الطلاق لم يوقعه وكثيرون يغفلون النظر لهذا فيقعون في مفاسد لا تحصى, وفي فتاوى أبي زرعة في إن أبرأتني من صداقك علي فأنت طالق فقالت له أبرأتك يشترط علمهما وأن تريد الإبراء من الصداق المعلق به فحينئذ يقع بائنا فإن قالت لم أرد ذلك لم يقع ا هـ. والذي يظهر أن الشرط عدم الصارف لا قصد ما ذكره; لأن الجواب منزل على السؤال كما صرحوا به ولو علق بالإبراء تناول الإبراء عن الغير وكالة كما لو حلف لا يبيع يحنث ببيعه عن غيره وكالة ولو طلب منها الإبراء فأبرأته براءة فاسدة فنجز الطلاق وزعم أنه إنما أوقعه لظنه صحة البراءة لم يقبل على ما فيه مما يأتي ولو قالت جعلت مهري على تمام طلاقي كان كناية في الإبراء كما قاله بعضهم وكأنه لم ينظر لما فيه من تعليق الإبراء المبطل له; لأن المدار في الكناية على النية والفرض أنها لم تنو التعليق نظير ما مر آنفا في بذلت صداقي على طلاقي ونظائره, ولو قال إن أبرأتني من آخر أقساط من صداقك كان لفظه محتملا فإن جعل من الثانية بيانية اشترط إبراؤه من القسط الأخير, أو تبعيضية اشترط إبراؤه من الثلاثة الأخيرة لضرورة أن أقل الجمع ثلاثة مع كون لفظ الآخر حقيقة في القسط الأخير والضرورة تتقدر بقدرها فإن أطلق فالأوجه الأول والأحوط الثاني قاله بعضهم, وفيه نظر ظاهر; إذ لا فرق بين البيان والتبعيض هنا عملا بقضية من آخر الدال على أن المطلوب الإبراء من الآخر حقيقة فليتقيد الوقوع به لا غير ولو قال أبرئيني وأعطيك كذا فأبرأته فلم يعطها فأفتى ابن عجيل وإسماعيل الحضرمي بعدم صحة البراءة. وتبعهما أبو شكيل فقال حيث حصل بينهما موطأة, أو تواعد, ولم يف بالوعد لم يصح الإبراء وغيره فقال ما قالاه هو المعتمد; لأن معنى قولها أبرأتك أي بما وعدت وأيده بعضهم أيضا بما في فتاوى الأصبحي أن من علق الطلاق بما يقتضي الفورية فأبرأته لا فورا ظانة أنها طلقت لم تصح البراءة كما أفتى به القاضي حسين, وهو كما أفتى أخذا من نظائرها في الصلح ا هـ قال بعضهم وظنها حصول الطلاق يرجح أن مرادها أبرأتك في مقابلة طلاقي فتلغو البراءة عند انتفائه وهذا كله منازع فيه بأنه لا نظر إلى المواطأة والوعد كسائر العقود وهذا هو القياس فليكن الأوجه صحة البراءة مطلقا في المسألتين; إذ لا عبرة عند الإتيان بصريحها بنية كونها في مقابلة الوعد, أو الطلاق وليس هذا بأولى من مواطأة المحلل على الطلاق ووعده به; إذ قولها أبرأتك ناوية ذلك كقول الولي زوجتك ناويا ذلك فكما لم ينظروا للنية ثم بل عملوا بالصريح المخالف لها فكذلك هنا بل أولى; لأن النكاح يحتاط له ما لا يحتاط للإبراء وبهذا يظهر أن الوجه في قوله أنت طالق بعد قولها بذلت صداقي على صحة طلاقي وقوعه رجعيا وإن ظن أن ما جرى منها التماس للطلاق بعوض صحيح لما تقرر أنه لا عبرة مع الصريح بظن يقتضي خلافه, وبه يرد على من زعم حالة ظن التماسها المذكور أنه لا يقع; لأن جوابه يقدر فيه إعادة ذكر العوض فكأنه قال أنت طالق على العوض المذكور ولو قال ذلك لم تطلق; إذ لا عوض هنا صحيح ولا فاسد ا هـ. ومر ماله تعلق بذلك فراجعه, وإنما قدر الثمن المذكور في اللفظ بعده في نحو البيع; لأن الجواب لا يستقل به قائله لتوقف الصحة على اللفظين بخلاف هنا; لأنه يستقل بالطلاق, وهي تستقل

 

ج / 3 ص -343-        بالإبراء فلم يحتج لذلك التقدير على أن ذكر الثمن ثم وقع في صيغة صحيحة ملزمة وذكر مقابل البراءة, أو الطلاق لم يقع هنا كذلك فلم ينظر إليه ولا إلى القرينة القاضية به; لأنها لا تؤثر في الفاسد حتى تقلبه صحيحا, وإنما تؤثر في صرف الصحيح عن قضيته إذا قويت بحيث صارت تلك الصيغة مع النظر لتلك القرينة يتبادر منها صرفها لها عن موضعها كما لو قال طلقت ثم قال ظننت أن ما جرى بيننا طلاق وقد أفتيت بخلافه فإنه إن وقع بينهما خصام قبل ذلك في طلقت أهو صريح أم لا كان ذلك قرينة ظاهرة على صدقه فلا يحنث, وإلا حنث ويأتي قريبا أن القرينة المخالفة لوضع اللفظ لغو فلا ينافي ما هنا; لأن ذاك في قرينة لفظية. وما هنا في قرينة حالية فاندفع ما لبعضهم هنا وليس هذا كمن أقر بطلاق, أو عتق مع قرينة; لأن الإقرار لكونه إخبارا عن حق سابق تؤثر فيه القرينة ما لا تؤثر في الإنشاء ولو قال أنت طالق إن أخرت دينك إلى آخر السنة لم تطلق الآن مضت السنة, ولم تطالبه; إذ المراد بالتأخير التزامه لا مجرد قولها أخرت خلافا لابن الصلاح فإن أراد بالتأخير صيرورته مؤجلا فأجلته بالنذر وقع وإلا فلا وزعم أنه بالنذر لا يسمى تأجيلا ممنوع ولو قال إن أبرأتني من مهرك, وهو عشرة فأبرأته منه فبان أقل مما ذكره, أو أكثر فالذي يظهر الوقوع في الأولى; لأن الشرط علمهما, وقد صرحوا بأن الإبراء من الأكثر يستلزمه من الأقل فصار لشمول كلامه له كأنه يعلمه دون الثانية; لأنه حينئذ جاهل به ومع جهله به لا وقوع; لأن الطلاق بالإبراء معاوضة, وهي لا بد فيها من علمهما بالعوض وإطلاق الوقوع هنا, أو عدمه غلط فاحذره ومسألة, وهو ثمانون السابقة غير هذه فتأمله ولو كان لها في ذمته معلوم ومجهول فقال إن أبرأتني من جميع ما في ذمتي فأنت طالق فأبرأته من المعلوم وحده, أو منهما فقياس ما مر عن القاضي حسين أنه لا يبرأ عن المعلوم; لأنها إنما أبرأت في مقابلة الطلاق, ولم يقع وقياس ما مر عن غيره البراءة ويأتي ذلك فيما لو طلقها ثلاثا علق طلاقها بالإبراء فأبرأته ظانة أنها في عصمته.