تحفة المحتاج بشرح المنهاج ط العلمية

ج / 3 ص -344-        كتاب الطلاق
هو لغة حل القيد وشرعا حل قيد النكاح باللفظ الآتي والأصل فيه الكتاب والسنة, وإجماع الأمة بل سائر الملل, وهو إما واجب كطلاق مول لم يرد الوطء وحكمين رأياه. أو مندوب كأن يعجز عن القيام بحقوقها ولو لعدم الميل إليها أو تكون غير عفيفة ما لم يخش الفجور بها ومن ثم أمر صلى الله عليه وسلم من قال له إن زوجتي لا ترد يد لامس أي لا تمنع من يريد الفجور بها على أحد أقوال في معناه بإمساكها خشية من ذلك, ويلحق بخشية الفجور بها حصول مشقة له بفراقها تؤدي إلى مبيح تيمم وكون مقامها عنده أمنع لفجورها فيما يظهر فيهما أو سيئة الخلق أي بحيث لا يصبر على عشرتها عادة فيما يظهر, وإلا فمتى توجد امرأة غير سيئة الخلق. وفي الحديث "المرأة الصالحة في النساء كالغراب الأعصم" كناية عن ندرة وجودها إذ الأعصم, وهو أبيض الجناحين وقيل الرجلين أو إحداهما كذلك أو يأمره به أحد والديه أي من غير نحو تعنت كما هو شأن الحمقى من الآباء والأمهات ومع عدم خوف فتنة أو مشقة بطلاقها فيما يظهر أو حرام كالبدعي أو مكروه بأن سلم الحال عن ذلك كله للخبر الصحيح "ليس شيء من الحلال أبغض إلى الله من الطلاق", وإثبات بغضه تعالى له المقصود منه زيادة التنفير عنه لا حقيقته لمنافاتها لحله ومن ثم قالوا ليس فيه مباح لكن صوره الإمام بما إذا لم يشتهها أي شهوة كاملة لئلا ينافي ما مر في عدم الميل إليها ولا تسمح نفسه بمؤنتها من غير تمتع بها, وأركانه زوج وصيغة وقصد على ما يأتي فيه ومحل وولاية عليه.
"يشترط لنفوذه" أي لصحة تنجيزه أو تعليقه كونه من زوج أما وكيله أو الحاكم في المولي فلا يصح منهما تعليقه, ويعلم هذا مما قدمه أول الخلع ومما سيذكره أنه لا يصح تعليقه قبل النكاح و "التكليف" فلا يصح تعليق ولا تنجيز من نحو صبي ومجنون ومغمى عليه ونائم لرفع القلم عنهم لكن لو علقه بصفة فوجدت وبه نحو جنون وقع, والاختيار فلا يقع من مكره كما سيذكره "إلا السكران", وهو من زال عقله بمسكر تعديا, وهو المراد به حيث أطلق وسيذكر أن مثله كل من زال عقله بما أثم به من نحو شراب أو دواء فإنه يقع طلاقه مع عدم تكليفه على الأصح أي مخاطبته حال السكر لعدم فهمه الذي هو شرط التكليف ونفوذ تصرفاته له وعليه الدال عليه إجماع الصحابة رضي الله عنهم على مؤاخذته بالقذف من باب خطاب الوضع, وهو ربط الأحكام بالأسباب تغليظا عليه; لتعديه, وألحق ما له بما عليه طرد اللباب وبه يندفع ما لبعضهم هنا من إيراد النائم والمجنون على أن خطاب الوضع قد لا يعمهما ككون القتل سببا للقصاص, والنهي في
{لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: 43], وأنتم سكارى  لمن في أوائل النشأة لبقاء عقله فليس من محل الخلاف بخلاف

 

ج / 3 ص -345-        من زال عقله سواء أصار زقا مطروحا أم لا, ومن أطلق عليه التكليف أراد أنه بعد صحوه مكلف بقضاء ما فاته أو أنه يجري عليه أحكام المكلفين, وإلا لزم صحة نحو صلاته وصومه, ويعلم مما مر أوائل الصلاة أنه لو اتصل جنون لم يتولد عن السكر به وقع عليه المدة التي ينتهي إليها السكر غالبا. "ويقع" الطلاق "بصريحه", وهو ما لا يحتمل ظاهره غير الطلاق ومن ثم وقع إجماعا واختلف المتأخرون في تالق بالتاء بمعنى طالق والأوجه أنه إن كان من قوم يبدلون الطاء تاء واطردت لغتهم بذلك كان على صراحته وإلا فهو كناية; لأن ذلك الإبدال له أصل في اللغة, ويؤيده إفتاء بعضهم فيمن حلف لا يأكل البيظ بالظاء المشالة بأنه يحنث بنحو بيض الدجاج إن كان من قوم ينطقون بالمشالة في هذا أو نحوه وليس من هذا قول قوم طلقة بفتح اللام لا أفعل كذا بل هو لغو كما هو ظاهر كطالق لا أفعل كذا بل أولى بخلاف علي طلقة لا أفعل كذا فإن الظاهر أنه كناية "بلا نية" لإيقاع الطلاق من العارف بمدلول لفظه فلا ينافيه ما يأتي أنه يشترط قصد لفظ الطلاق لمعناه فلا يكفي قصد حروفه فقط كأن لقنه أعجمي لا يعرف مدلوله فقصد لفظه فقط أو مع مدلوله عند أهله. وسيعلم من كلامه أن الإكراه يجعل الصريح كناية "وبكناية", وهي ما يحتمل الطلاق وغيره, وإن كان في بعضها أظهر كما قاله الرافعي "مع النية" لإيقاعه ومع قصد حروفه أيضا فإن لم ينو لم يقع إجماعا سواء الظاهرة المقترن بها قرينة كأنت بائن بينونة محرمة لا تحلين لي أبدا وغيرها كلست بزوجتي إلا إن وقع في جواب دعوى فإقرار به, وإنما أفاد ضم صدقة لاتباع لتصدقت صراحته في الوقف; لأن صرائحه لا تنحصر بخلاف الطلاق, وأيضا فبينونة إلى آخره يأتي في غير الطلاق كالفسخ بخلاف لاتباع لا يأتي في غير الوقف وقد يؤخذ من ذلك ما بحثه ابن الرفعة أن السكران لا ينفذ طلاقه بها لتوقفه على النية, وهي مستحيلة منه فمحل نفوذ تصرفه السابق إنما هو بالصرائح فقط, ولك أن تقول شرط الصريح أيضا قصد لفظه مطلقا أو لمعناه كما تقرر, والسكران يستحيل عليه قصد ذلك أيضا فكما أوقعوه به ولم ينظروا لذلك فكذا هي وكونها يشترط فيها قصدان وفيه قصد واحد لا يؤثر; لأن الملاحظ أن التغليظ عليه اقتضى الوقوع عليه بالصريح من غير قصد, وهذا بعينه موجود فيها فاتجه إطلاقهم لا ما بحثه, وإن أقروه إلا أن يجاب بأن الصريح موقع ظاهرا بمجرد لفظه من غير استفصال ولا تحقق قصد بخلاف الكناية لا بد فيها من تحقق القصد فافترقا, وشرط وقوعه بصريح أو كناية رفع صوته بحيث يسمع نفسه لو كان صحيح السمع ولا عارض ولا يقع بغير لفظ عند أكثر العلماء, ورأى مالك رضي الله عنه وقوع النفساني.
"تنبيه" أطلقوا في لست بزوجتي الذي ليست في جواب دعوى أنه كناية فشمل إن فعلت كذا فلست بزوجتي وعليه فإن نوى معنى فأنت طالق الذي هو إنشاء الطلاق عند وجود المعلق عليه وقع, وإلا فلا, ويوجه بأن نفي الزوجية في هذا التركيب قد يراد به النفي المترتب على الإنشاء الذي نواه. وقد يراد به نفي بعض آثار الزوجية كترك إنفاقها أو وطئها فاحتاج لنية الإيقاع, ومثله إن فعلت كذا ما أنت لي بزوجة أو ما تكونين لي زوجة لاحتماله لذينك, والفرق أن هذا اشتهر في إرادة الطلاق بحيث لا تفهم العامة منه إلا ذلك بخلاف

 

ج / 3 ص -346-        الأول مجرد دعوى على أن قائله غفل عما يأتي أن الاشتهار ليس له دخل إلا على الضعيف الآتي ثم رأيت البلقيني أفتى في إن شكاني أخوك لست لي بزوجة بأنه إن قصد أنها طالق عند حصول الشكوى طلقت أو أنه يطلقها فإن نوى الفورية ففاتت طلقت, وإلا لم تطلق إلا باليأس انتهى ملخصا. وهو صريح فيما ذكرته أنه كناية وبه كالذي قبله تبين وهم إفتاء بعضهم في: فما تصلحين لي زوجة بإطلاق الحنث والصواب قول شيخه الفتى إن نوى الطلاق طلقت, وإلا فلا كلست بزوجتي نعم نقل عنهما في ما عاد زوج بنتي يكون زوجا لها أنهما أطلقا الحنث كما أطلقه الثاني في ما عاد تكونين لي بزوجة والذي يتجه أنه كناية; لأن لفظ عاد وقعت زائدة ومر في هذه بدونها أنها كناية, وأما زعم أن زيادة عاد توجب الصراحة فلا يخفى بعده بل شذوذه وعجيب قول الفتى ما عاد يكون زوجا لها معناه إن بقي لها زوجا. انتهى فتأمله.
"وصريحه الطلاق" أي ما اشتق منه إجماعا "وكذا" الخلع والمفاداة وما اشتق منهما على ما مر فيهما, ولو قال خالعتك على مذهب أحمد ووجدت شروط الخلع الذي يكون فسخا بها عنده لم يكن ذلك قرينة صارفة لصراحة الخلع في الطلاق عندنا خلافا لمن وهم فيه وفارق ما يأتي في أنت طالق, وهو يحلها من وثاق بابه استعمل اللفظ حينئذ في معناه اللغوي فلم يصرفه عن مدلوله بالكلية بخلافه هنا فهو كأنت طالق طلاقا لا يقع فعلم أن القرينة المخالفة لوضع اللفظ لغو كقوله لموطوءته أنت طالق طلاقا بائنا تملكين به نفسك فإنه مع ذلك يقع رجعيا ولا نظر لقوله بائنا إلى آخره لمخالفته لموضوع الصيغة من كل وجه على أن قوله على مذهب أحمد غير قرينة إذ الفسخ والطلاق متحدان في أن كلا فيه حل قيد العصمة وترتب عدم نحو نقص العدد, وسقوط المهر قبل الوطء على الفسخ فقط لا ينافي ذلك; لأنه أمر خارج عن المدلول. وكذا "الفراق والسراح" بفتح السين أي ما اشتق منهما "على المشهور" لاشتهارهما في معنى الطلاق وورودهما في القرآن مع تكرر الفراق فيه, وإلحاق ما لم يتكرر بما تكرر وما لم يرد من المشتقات بما ورد; لأنه بمعناه قال في الاستذكار عن ابن خيران ومحل هذين فيمن عرف صراحتهما أما من لم يعرف إلا الطلاق فهو الصريح في حقه فقط قال الأذرعي, وهو ظاهر لا يتجه غيره إذا علم أن ذلك مما يخفى عليه. انتهى. وهو متجه في نحو أعجمي لا يدري مدلول ذلك ولم يخالط أهله مدة يظن بها كذبه, وإلا فجهله بالصراحة لا يؤثر فيها لما يأتي أن الجهل بالحكم لا يؤثر, وإن عذر به وذكر الماوردي أن العبرة في الكفار بالصريح والكناية عندهم لا عندنا; لأنا نعتبر اعتقادهم في عقودهم فكذا في طلاقهم ومحله إن لم يترافعوا إلينا كما مر بما فيه قبيل فصل أسلم وتحته أكثر من أربع, وللفظ الطلاق وما اشتق منه أمثلة تأتي نظائرها في البقية "كطلقتك" وطلقت منه بعد أن قيل له طلقها ومنها بعد طلقي نفسك, وكطلقت هنا الطلاق لازم لي وطالق بعد إن فعلت كذا فزوجتك طالق, ويأتي قريبا ما يعلم منه الفرق بين هذا, وأنت واحدة بخلاف طالق فقط أو طلقت فقط ابتداء فإنه لا يقع به شيء, وإن نواها كما نقلاه عن قطع القفال, وأقراه أي; لأنه لم يسبق قرينة لفظية تربط الطلاق بها "وأنت" طوالق

 

ج / 3 ص -347-        لكنه صريح في طلقة واحدة فقط كأنت كل طالق أو نصف طالق, وأنت "طالق", وإن قال ثلاثا على سائر المذاهب فيقعن وفاقا لابن الصباغ وغيره وخلافا للقاضي أبي الطيب ولا نظر لكونه لا يقع على سائر المذاهب; لأن منها من يمنع وقوع الثلاث جملة; لأن قائليه لا يريدون به إلا المبالغة في الإيقاع. ومن ثم لو قصد أحد التعليق عليها قبل منه كما يأتي "ومطلقة" بتشديد اللام ومفارقة ومسرحة "ويا طالق" لمن ليس اسمها ذلك كما سيذكره, ويا مفارقة, ويا مسرحة, وأوقعت عليك طلقة أو الطلاق وكذا وضعت عليك طلقة أو الطلاق على الأوجه وعلى الطلاق خلافا لكثيرين. وكذا قوله: الطلاق يلزمني أو طلاقك لازم لي أو واجب علي لا أفعل كذا على المنقول المعتمد كذا أطلقوه كما أطلقوا أن بالطلاق أو والطلاق لا أفعل أو ما فعلت كذا لغو وعللوه بأن الطلاق لا يحلف به لكنهم في نظير ذلك الآتي في النذر, وهو العتق يلزمني أو والعتق لا أفعل أو ما فعلت كذا ذكروا ما قد يخالف ما هنا, وعند تأمل ما يأتي ثم إن العتق لا يحلف به إلا عند التعليق أو الالتزام أو نية أحدهما يعلم أنه لا مخالفة فتأمله ولا تغتر بمن بحث جريان ما هناك هنا إذ يلزم عليه أن الطلاق يلزمني لا أفعل كذا يكون حكمه كالعتق يلزمني لا أفعل كذا وليس كذلك, ويفرق بأن العتق عهد الحلف به كما تقرر فلم يتعين, وأجزأت الكفارة عنه بخلاف الطلاق لم يعهد الحلف به, وإنما المعهود فيه إيقاعه منجزا وعند المعلق به فلم يجز عنه غيره ولو جمع بين ألفاظ الصريح الثلاثة بنية التأكيد لم يتكرر وكذا في الكناية كما رجحه الزركشي وما في الروضة عن شريح من خلافه يحمل على ما إذا نوى الاستئناف أو أطلق.
"فرع" يقع من كثير علي الطلاق من فرسي أو سيفي مثلا وحكمه كما يعلم مما يأتي في قوله من وثاق أنه ظاهرا كناية وباطنا صريح ما لم ينو من فرسي قبل فراغ لفظ اليمين فحينئذ يكون كناية تتوقف على النية سواء في ذلك العامي وغيره, وهذا أصوب من إفتاء غير واحد بإطلاق عدم الوقوع كأنت طالق من العمل, ويرد بأن هذا مقيد بما قلناه أيضا على أن الأذرعي بحث فيمن لا تعمل كبنت نبيل أنه يقع وكالتعليق بالمحال, ويرد بأن شرط التعليق ما ذكرناه من نيته قبل فراغ لفظه فهو مما قلناه, وفي الروضة عن المتولي, وأقره ما حاصله في أنت طالق من وثاق أنه إنما يخرج عن الصريح إلى الكناية في ظاهر الحكم أما فيما بينه وبين الله تعالى فلا بد أن يعزم على الإتيان بالزيادة قبل فراغ طالق فحينئذ إن نوى الإيقاع به وقع, وإلا فلا بخلاف ما إذا بدت له تلك الزيادة بعد الفراغ فإنه يقع مطلقا وكذلك نية الزيادة في التديين لا بد أن توجد قبل فراغ طالق أيضا, ويأتي في الاستثناء ما يوافق ذلك وفي الأنوار لو قال نسائي طوالق, وأراد أقاربه لم تطلق زوجاته, ويتعين حمله على الباطن. أما في الظاهر فالوجه أنه لا يقبل منه ذلك وكذا يقال في مسائل كثيرة ذكرها مع ذلك ثم رأيت بعضهم أوله بذلك.
"لا أنت طلاق و" أنت "الطلاق في الأصح" بل هما كنايتان كإن فعلت كذا ففيه طلاقك أو فهو طلاقك كما هو ظاهر; لأن المصدر لا يستعمل في العين إلا توسعا وكذا أنت طال ترخيم طالق شذوذا من وجوه واعتماد صراحته مردود بأنه يصلح ترخيما لطالب

 

ج / 3 ص -348-        وطالع ولا مخصص إلا النية, وكذا أنت طلقة أو نصف طلقة أو أنت وطلقة أو مع طلقة أو فيها ولك طلقة أو الطلاق وعليك الطلاق وعلم مما تقرر ومما مر في صيغة النكاح أن الخطأ في الصيغة إذا لم يخل بالمعنى لا يضر كهو بالإعراب ومنه ما لو خاطب زوجته بقوله أنتن أو أنتما طالق, وأن تقول له طلقني فيقول هي مطلقة فلا يقبل إرادة غيرها; لأن تقدم سؤالها يصرف اللفظ إليها, ومن ثم لو لم يتقدم لها ذكر رجع لنيته في نحو أنت طالق, وهي غائبة, وهي طالق, وهي حاضرة قال البغوي: ولو قال ما كدت أن أطلقك كان إقرارا بالطلاق وكأنه إنما لم ينظر للقول والمرجح عند كثيرين أن نفي كاد ليس إثباتا; لأنه ضعيف عنده وفاقا لكثيرين أيضا أو رعاية للعرف فإن أهله يفهمون منه الإثبات. "وترجمة الطلاق" ولو ممن أحسن العربية "بالعجمية", وهي ما عدا العربية "صريح على المذهب" لشهرة استعمالها عندهم في معناها شهرة العربية عند أهلها أما ترجمة الفراق والسراح فكذلك على ما اقتضاه ظاهر أصله واعتمده الأذرعي ونقل عن جمع الجزم به لكن الذي في أصل الروضة عن الإمام والروياني, وأقراهما أنها كناية لبعدها عن الاستعمال ولا ينافي تأثير الشهرة هنا عدمه في أنت علي حرام; لأن ما هنا موضوع للطلاق بخصوصه بخلاف ذاك, وإن اشتهر فيه ولا يقبل ظاهرا صرف هذه الصرائح عن موضوعها بنية كقوله أردت إطلاقها من وثاق أو مفارقتها للمنزل أو بالسراح التوجه إليه أو أردت غيرها فسبق لساني إليها نعم إن قال الأول, وهو يحلها من وثاق أو الثاني كالآن فارقتك وقد ودعها عند سفره أو الثالث كاسرحي عقب أمرها بالتكبير لمحل الزراعة على ما بحثه بعضهم فيهما قبل ظاهرا ولو قال طاء ألف لام قاف فهل هو من ترجمة الطلاق أو كناية أو لغو كل محتمل والأقرب الثاني, ويفرق بينه وبين الترجمة بأن مفاد كل من المترجم به وعنه واحد بخلافه هنا فإن مفاد الحروف المقطعة الحروف المنتظمة, وهي التي بها الإيقاع فاختلف المفادان فإن قلت قضية هذا ترجيح الثالث قلت لو قيل به لم يبعد لكن ذلك اللفظ الموقع مفهوم مما نطق به فصح قصد الإيقاع به. "وأطلقتك, وأنت مطلقة" بسكون الطاء "كناية" لعدم اشتهاره, وأفتى بعضهم في تكرير طالق من غير نية ولا شرط بأنه لغو فلا يقع به شيء حالا ولا مآلا وقوله: من غير نية غير صحيح; لأن لفظ طالق وحده لغو, وإن نوى أنت والإيقاع فكذا مكرره "ولو اشتهر لفظ للطلاق كالحلال" بالضم بناء على الأصح عند البصريين أن الاسم المحكي في حالة الرفع حركته حركة حكاية لا إعراب فيتقدر الإعراب فيه في الحالات الثلاث فمن قال هنا بالرفع إنما يأتي على مقابل الأصح أنها حركة إعراب أو أنه نظر إلى أن التقدير هنا كقولك الحلال إلخ فالكاف داخلة على قول محذوف كما هو شائع سائغ "أو حلال الله علي حرام" أو أنت علي حرام أو حرمتك أو علي الحرام أو الحرام يلزمني "فصريح في الأصح" لغلبة الاستعمال وحصول التفاهم "قلت الأصح أنه كناية, والله أعلم"; لأنه لم يتكرر في القرآن للطلاق ولا على لسان حملة الشريعة, وأنت حرام كناية اتفاقا كتلك عند من لم تشتهر عندهم والذي يتجه على الأول معاملة الحالف بعرف بلده ما لم يطل مقامه عند غيرهم, ويألف عادتهم. "وكنايته" أي الطلاق ألفاظ كثيرة بل لا

 

ج / 3 ص -349-        تنحصر "كأنت خلية" أي من الزوج فعيلة بمعنى فاعلة "برية" أي منه "بتة" أي مقطوعة الوصلة إذ البت القطع وتنكير هذا لغة والأشهر أنه لا يستعمل إلا معرفا بأل مع قطع الهمزة. "بتلة" أي متروكة النكاح ومنه نهى عن التبتل ومثلها مثلة من مثل به جدعه "بائن" من البين, وهو الفرقة, وإن زاد بعده بينونة لا تحلين بعدها إلي أبدا كما مر "اعتدي استبرئي رحمك" ولو لغير موطوءة طلقت نفسي "الحقي" بكسر ثم فتح, ويجوز عكسه "بأهلك" أي; لأني طلقتك "حبلك على غاربك" أي خليت سبيلك كما يخلى البعير بإلقاء زمامه في الصحراء على غاربه, وهو ما تقدم من الظهر وارتفع عن العنق "لا أنده" أي أزجر "سربك" بفتح فسكون, وهو الإبل وما يرعى من المال أي تركتك لا أهتم بشأنك أما بكسر فسكون فهو قطيع الظباء وتصح إرادته هنا أيضا "اغربي" بمهملة فمعجمة أي تباعدي عني "اعزبي" بمعجمة فراء أي صيري غريبة أجنبية مني "دعيني" أي اتركيني "ودعيني" بتشديد الدال من الوداع أي; لأني طلقتك "ونحوها" من كل ما يشعر بالفرقة إشعارا قريبا كتجردي تزودي اخرجي سافري تقنعي تستري برئت منك الزمي أهلك لا حاجة لي فيك أنت وشأنك أنت ولية نفسك وسلام عليك قول المحشي أما ظاهرا إلخ هكذا في النسخ وهي غير ظاهرة فلتحرر, وكلي واشربي خلافا لمن وهم فيهما, وأوقعت الطلاق في قميصك وبارك الله لك لا فيك وسيذكر أن أشركتك مع فلانة وقد طلقت منه أو من غيره, وأنا منك طالق أو بائن ونوى طلاقها كناية وخرج بنحوها نحو قومي أغناك الله, ويفرق بينه وبين لعل الله يسوق إليك الخير بأن هذا أقرب إلى إرادة الطلاق به; لأن ترجي سوق الخير يستعمل في ترجي حصول زوج ولا كذلك الغنى, أحسن الله جزاءك اغزلي أي بالغين المعجمة بخلاف اعزلي بالمهملة أي نفسك عني فإن الذي يظهر أنه كناية اقعدي, وفي عنوان الشرف لابن المقري أن قتل نكاحك كناية, ووافقه ابن عبد السلام الناشري وخالفه الوجيه الناشري وغيره قال أما قتل نكاحك فكناية بلا شك. انتهى. وبه يعلم أن الأوجه الأول إذ لا فرق مع نية الإيقاع بذلك بين المبني للفاعل والمفعول, ويجري ذلك في قطع نكاحك وقطعته, ولو قالت له أنا مطلقة فقال ألف مرة كان كناية في الطلاق والعدد على الأوجه فإن نوى الطلاق وحده وقع أو والعدد وقع ما نواه أخذا من قول الروضة وغيرها في أنت واحدة أو ثلاث أنه كناية, ومثله ما لو قيل له هل هي طالق فقال ثلاثا كما يأتي قبيل آخر فصل في هذا الباب, ويفرق بينه وبين قوله طالق حيث لا يقع به شيء, وإن نوى أنت بأنه لا قرينة هنا لفظية على تقديرها والطلاق لا يكفي فيه محض النية بخلاف مسألتنا فإن وقوع كلامه جوابا يؤيد صحة نيته به ما ذكر فلم تتمحض النية للإيقاع وكطالق ما لو طلقها رجعيا ثم قال جعلتها ثلاثا فلا يقع به شيء, وإن نوى على المعتمد لما قررته, وقطع البغوي بوقوع الثلاث إن نواها ينبغي حمله بفرض اعتماده على ما إذا وصلها بلفظ الطلاق إذ لو قال أنت طالق ثم قال ثلاثا وقد فصل بينهما بأكثر من سكتة التنفس والعي لغا فهذا أولى وعلى الاتصال يحمل إفتاء ابن الصلاح بأنه إن قصد بكلامه ثانيا أنه من تتمة الأول وبيان له وقعن كما لو قال أنت ثلاث ونوى الطلاق الثلاث نعم أطلق شيخنا في فتاويه الوقوع فإنه سئل عمن حلف بالطلاق أنه لا يفعل كذا ثم بعد ذلك قال ثلاثا ثم فعل المحلوف عليه فأجاب بأنه

 

ج / 3 ص -350-        إن نوى الثلاث في تعليقه أو أراد بقوله ثلاثا أنه تتمة للتعليق وتفسير له أو نوى به الطلاق الثلاث وقع الثلاث, وإلا فواحدة. انتهى. فلم يفصل بين طول الفاصل وقصره, وفيه نظر كقوله أو نوى به إلى آخره إذ كيف تؤثر النية بلفظ مبتدأ ليس بصريح ولا كناية إذا لم يقترن به ما يدل عليه والحاصل أن الذي ينبغي اعتماده أنه متى لم يفصل في ثلاثا بأكثر مما مر أثر مطلقا ومتى فصل بذلك, ولم تنقطع نسبته عنه عرفا كان كالكناية فإن نوى أنه من تتمة الأول وبيان له أثر, وإلا فلا, وإن انقطعت نسبته عنه عرفا لم يؤثر مطلقا كما لو قال لها ابتداء ثلاثا وفارق ما مر في جعلتها ثلاثا بأن هذا كلام مستأنف لا يصلح أن يكون من تتمة الأول فلم يؤثر مطلقا على ما مر قال بعضهم ولو قالت له بذلت صداقي على طلاقي فقال طالق ولم يدع إرادة غيرها طلقت كما أشار إليه الشيخان قبيل الطرف الثاني في الأفعال القائمة مقام اللفظ. انتهى. وأراد قولهما لو قيل لمن أنكر شيئا امرأتك طالق إن كنت كاذبا فقال طالق وقال ما أردت طلاق امرأتي قبل; لأنه لم يوجد منه إشارة إليها ولا تسمية, وإن لم يدع إرادة غيرها طلقت. انتهى وبتأمله يعلم تنافي مفهومي ما أردت, وإن لم يدع في حالة الإطلاق لكن وجه غيرهما ما قالاه آخرا بأن الظاهر ترتب كلامه على كلام القائل, ويؤخذ منه الطلاق عند الإطلاق, وهو متجه لما مر في شرح كطلقتك أن الظاهر المذكور يصير طالق ونحوه وحده صريحا لكن لضعفه قبل الصرف بالنية أخذا مما قالاه هنا وبه يلتئم أطراف كلامهما, ويعلم أنه لا متمسك لذلك القائل فيما قالاه; لأن فيه ما صيره صريحا بخلافه في بذلت إلى آخره فلا يقع به شيء كما أفهمه ما سبق من إلغاء طالق ما لم يسبقه ما يصح تنزيله عليه من نحو إن فعلت كذا فزوجتك طالق, وأما بذلت إلخ فلا يتضح فيه ذلك فتأمله. ولو قال متى طلقتها فطلاقي معلق على إعطائها لي كذا ثم طلقها وقع; لأنه إذا وقع لا يعلق, وإلا لزم صحة قصده أنه إذا وقع منه لفظ طلاق لا يقع مدلوله وليس كذلك نعم إن قصد في هذه الصورة ذلك التعليق عند الإيقاع قبل ظاهرا لاعتضاد ذلك القصد بالقرينة السابقة.
"والإعتاق" أي كل لفظ صريح له أو كناية "كناية طلاق وعكسه" أي كل لفظ للطلاق صريح أو كناية كناية ثم لدلالة كل منهما على إزالة ما يملكه نعم أنا منك حر أو أعتقت نفسي لعبد أو أمة أو اعتدي أو استبرئي رحمك لعبد لغو, وإن نوى العتق لعدم تصور معناها فيه بخلاف نظائرها هنا إذ على الزوج حجر من جهتها, والحاصل أن الزوجية تشملهما والرق يختص بالمملوك وبحث الحسباني في نحو تقنع وتستر لعبد أنه غير كناية لبعد مخاطبته به عادة والأذرعي في نحو أنت لله, ويا مولاي ومولاتي لا يكون كناية هنا قال فيحمل ما أطلقوه على الغالب لا أن كل كناية ثم كناية هنا أي كما علم في عكسه وقوله: بانت مني أو حرمت علي كناية في الإقرار به وقوله: لوليها زوجها إقرار بالطلاق أي وبانقضاء العدة كما هو ظاهر ومحله إن لم تكذبه, وإلا لزمتها العدة مؤاخذة لها بإقرارها ولعل سكوتهم عن ذلك لهذا, ولها تزوجي وله زوجنيها كناية فيه ومر قبيل التفويض ما له تعلق بهذا. ولو قيل له يا زيد فقال امرأة زيد طالق لم تطلق زوجته إلا إن أرادها; لأن

 

ج / 3 ص -351-        المتكلم لا يدخل في عموم كلامه كذا في الروضة وفيها في امرأة من في السكة طالق, وهو فيها أنها تطلق, وإنما يجيء على أنه يدخل في عموم كلامه والذي يتجه اعتماد ما ذكر من الحكمين دون تعليل الأولى إذ لا عموم فيها; لأن العلم لا عموم فيه بدلا ولا شمولا بخلاف من فإن فيها العموم الشمولي فشملها لفظه فلم يحتج لنيتها بخلافه في الأولى فاحتاج لنيتها على أن لك أن تمنع تخريج ما هنا على تلك القاعدة الأصولية كما لا يخفى على من تأمل فحوى كلامهم عليها وملحظ الخلاف فيها, وأفتى ابن الصلاح في إن غبت عنها سنة فما أنا لها بزوج بأنه إقرار في الظاهر بزوال الزوجية بعد غيبة السنة فلها بعدها ثم بعد انقضاء عدتها تزوج غيره وأبو زرعة في الطلاق ثلاثا من زوجتي تفعل كذا بأنه إن نوى إيقاعه بتقدير عدم الفعل وقع; لأن اللفظ يحتمله بتقدير كائن أو واقع علي وإلا فلا وبه يتأيد ما أفتيت به في الطلاق منك ما تزوجت عليك أنه كناية بتقدير الطلاق واقع علي منك إن تزوجت عليك إذ هذا يحتمله اللفظ احتمالا ظاهرا فهو نظير ما قاله أبو زرعة ولو طلبت الطلاق فقال اكتبوا لها ثلاثا فكناية, ويفرق بينه وبين ما مر في جعلتها ثلاثا بأن ذاك أراد فيه جعل الواقع واحدة ثلاثا, وهو متعذر فلم يكن كناية مع ذلك بخلاف هذا فإن سؤالها قرينة, وكذا زوجتي الحاضرة طالق, وهي غائبة. "وليس الطلاق كناية ظهار وعكسه", وإن اشتركا في إفادة التحريم لإمكان استعمال كل في موضوعه فلا يخرج عنه للقاعدة المشهورة أن ما كان صريحا في بابه ووجد نافذا في موضوعه لا يكون صريحا ولا كناية في غيره وفيها كلام مهم بينته في شرح الإرشاد الكبير في باب المساقاة وسيأتي في أنت طالق كظهر أمي أنه لو نوى بظهر أمي طلاقا آخر وقع; لأنه وقع تابعا فمحل ما هنا في لفظ ظهار وقع مستقلا "فلو قال لزوجته أنت" أو نحو يدك "علي حرام أو حرمتك" أو كالخمر أو الميتة أو الخنزير "ونوى طلاقا", وإن تعدد "أو ظهارا حصل" ما نواه لاقتضاء كل منهما التحريم فجاز أن يكني عنه بالحرام ولا ينافي هذا القاعدة المذكورة; لأن إيجابه للكفارة عند الإطلاق ليس من باب الصريح والكناية إذ هما من قبيل دلالات الألفاظ, ومدلول اللفظ تحريمها, وأما إيجاب الكفارة فحكم رتبه الشارع عليه عند قصد التحريم أو الإطلاق لدلالته على التحريم لا عند قصد طلاق أو ظهار إذ لا كفارة في لفظهما. والحاصل أن موضوع لفظ التحريم يصدق بكل من الثلاثة لكنه عند الإطلاق اشتهر استعماله في تحريم الوطء فقط فجعل صريحا فيما اشتهر فيه وكناية فيما لم يشتهر فيه, وما في القاعدة إنما هو في استعمال لفظ في غير موضوعه مع صلاحيته لموضوعه "أو نواهما" أي الطلاق والظهار معا "تخير وثبت ما اختاره" منهما لا هما لتناقضهما إذ الطلاق يرفع النكاح, والظهار يثبته "وقيل طلاق"; لأنه أقوى لإزالته الملك "وقيل ظهار"; لأن الأصل بقاء النكاح.
"تنبيه" الظاهر أنه لا يكفي الاختيار هنا بالنية بل لا بد من اللفظ أو نحو الإشارة المفهمة; لأن النية هنا إنما تؤثر عند مقارنتها للفظ محتمل, وهي هنا ليست كذلك إذ لا لفظ عندها بخلاف نيتهما فإنها قارنت أنت حرام, وإذا قلنا لا بد من اللفظ فهل فيه كناية وصريح أو لا والذي يتجه تصورهما فيه فالأول كجعلتك في العدة فهو كناية في اختيار

 

ج / 3 ص -352-        الطلاق والثاني كاخترتك للظهار أو اخترت الظهار ولو اختار شيئا لم يجز له الرجوع عنه إلى غيره كما هو ظاهر لما تقرر أنه لا بد من لفظ أو نحوه وحينئذ يقارنه وقوع معناه فلم يتصور الرجوع عنه وبه يفرق بين هذا ومن رأى ما شك فيه أهو مني أم مذي; لأن التخيير ثم بالعمل بأحكام ما اختاره, ومجرد العمل لا يقتضي المنع من غيره بعد إذا وجد رجوع عنه إليه, أما لو نواهما مترتبتين أي بناء على أن نية الكناية يكفي قرنها بجزء من لفظها فيتخير, ويثبت ما اختاره أيضا على ما رجحه ابن المقري لكن القياس ما رجحه في الأنوار من أن المنوي أولا إن كان الظهار صحا معا أو الطلاق, وهو بائن لغا الظهار أو رجعي وقف الظهار فإن راجع صار عائدا ولزمته الكفارة, وإلا فلا فإن قلت يؤيد الأول أن الطلاق لا يقع إلا بآخر اللفظ فحينئذ لا فرق بين تقدم الظهار وتأخره قلت ممنوع بل يتبين بآخره وقوع المنويين مرتبين كما أوقعهما وحينئذ فيتعين الثاني فتأمله. واعترض البلقيني الثاني بأن الظهار ليس موقوفا بل صحيح ناجز ثم بنى عليه اعتراضا على صحة الرجعة وكونها عودا وكونه لغوا وقد علمت أن ما ادعاه من تفرده فلا يعول عليه ولا على ما بناه عليه. "أو" نوى "تحريم عينها" أو نحو فرجها أو وطئها "لم تحرم" لما روى النسائي أن ابن عباس سأله من قال ذلك فقال كذبت أي ليست زوجتك عليك بحرام ثم تلا أول سورة التحريم "وعليه" في غير نحو رجعية ومعتدة ومحرمة "كفارة يمين" أي مثلها حالا, وإن لم يطأ كما لو قاله لأمته أخذا من قصة مارية رضي الله عنها النازل فيها ذلك على الأشهر عند أهل التفسير كما قاله البيهقي وروى النسائي عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له أمة يطؤها أي, وهي مارية أم ولده إبراهيم فلم تزل به عائشة وحفصة حتى حرمها على نفسه فأنزل الله {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1] الآية ومعنى {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] أي أوجب عليكم كفارة كالكفارة التي تجب في الأيمان وبحث الأذرعي حرمة هذا لما فيه من الإيذاء والكذب يرده تصريحهما أول الظهار بكراهته بل نازع ابن الرفعة فيها بما بينه الزركشي بأنه صلى الله عليه وسلم فعله, وهو لا يفعل المكروه. ويرد بأنه يفعله لبيان الجواز فلا يكون مكروها في حقه لوجوبه عليه وفارق الظهار بأن مطلق التحريم بجامع الزوجية بخلاف تعدد التحريم المشابه لتحريم الأم فكان كذبا فيه عناد للشرع فمن ثم كان كبيرة فضلا عن كونه حراما, والإيلاء بأن الإيذاء فيه أتم, ومن ثم ترتب عليه الطلاق والرفع للحاكم وغيرهما ولو قال; لأربع أنتن علي حرام بلا نية طلاق ولا ظهار فكفارة واحدة كما لو كرره في واحدة, وأطلق أو بنية التأكد, وإن تعدد المجلس كاليمين.
"وكذا" عليه كفارة "إن لم يكن له نية في الأظهر"; لأن لفظ التحريم ينصرف شرعا لإيجاب الكفارة "والثاني" هو "لغو"; لأنه كناية في ذلك وخرج بأنت علي حرام ما لو حذف علي فإنه كناية هنا فلا تجب الكفارة فيه إلا بالنية "وإن قاله; لأمته ونوى عتقا ثبت" قطعا; لأنه كناية فيه إذ لا مجال للطلاق والظهار فيها "أو" نوى "تحريم عينها أو لا نية" له "فكالزوجة" فيما مر فتلزمه الكفارة ثم لا كفارة في محرمة أبدا وكذا معتدة ومزوجة ومرتدة ومحرمة ومجوسية على الأوجه بخلاف نحو نفساء وحائض وصائمة لقرب زوال

 

ج / 3 ص -353-        مانعهن ومن ثم لو نوى بتحريمها تحريم وطئها لهذا العارض لم يلزمه شيء "ولو قال هذا الثوب أو الطعام أو العبد حرام علي" أو نحوه "فلغو" لا شيء فيه لتعذره فيه بخلاف الحليلة لإمكانه فيها بطلاق أو عتق. "وشرط" تأثير "نية الكناية اقترانها بكل اللفظ", وهو أنت بائن كما قاله الرافعي كجماعة واعترض بأن الصواب ما قاله جمع متقدمون أنه لفظ الكناية كبائن دون أنت; لأنها صريحة في الخطاب فلا تحتاج لنية, ويرد بأنها لما لم تستقل بالإفادة كانت مع أنت كاللفظ الواحد "وقيل يكفي" اقترانها "بأوله" استصحابا لحكمها في باقيه دون آخره; لأن انعطافها على ما مضى بعيد ورجحه كثيرون واعتمده الإسنوي وغيره وزعم بعضهم أن الأولى سبق قلم ورجح في أصل الروضة الاكتفاء بأوله وآخره أي بجزء منه كما هو ظاهر, ويظهر أن يأتي هذا الخلاف في الكناية التي ليست لفظا كالكتابة ولو أتى بكناية ثم بعد مضي قدر العدة أوقع ثلاثا ثم زعم أنه نوى بالكناية الطلاق لم يقبل لرفعه الثلاث الموجبة للتحليل اللازم له ولو أنكر نيتها صدق بيمينه وكذا وارثه أنه لا يعلمه نوى فإن نكل حلفت هي أو وارثها أنه نوى; لأن الاطلاع على نيته ممكن بالقرائن. "وإشارة ناطق بطلاق لغو", وإن نواه, وأفهم بها كل أحد "وقيل كناية" لحصول الإفهام بها كالكتابة, ويرد; لأن تفهيم الناطق إشارته نادر مع أنها غير موضوعة له بخلاف الكتابة فإنها حروف موضوعة للإفهام كالعبارة نعم لو قال أنت طالق, وهذه مشيرا لزوجة له أخرى طلقت; لأنه ليس فيه إشارة محضة هذا إن نواها أو أطلق على الأوجه; لأن اللفظ ظاهر في ذلك مع احتماله لغيره احتمالا قريبا أي وهذه ليست كذلك وخرج بالطلاق غيره فقد تكون إشارته كعبارته كهي بالأمان وكذا الإفتاء ونحوه فلو قيل له أيجوز كذا فأشار برأسه مثلا أي نعم جاز العمل به ونقله عنه.
"ويعتد بإشارة أخرس في العقود" كبيع, وهبة "والحلول" كطلاق وفسخ وعتق والأقارير والدعاوى وغيرها, وإن أمكنته الكتابة للضرورة نعم لا تصح بها شهادته ولا تبطل بها صلاته ولا يحنث بها من حلف لا يتكلم ثم خرس "فإن فهم طلاقه" وغيره بها "كل أحد فصريحة, وإن" لم يفهمها أحد أو "اختص بفهمه" أي الطلاق منها "فطنون" أي أهل فطنة وذكاء "فكناية", وإن انضم إليها قرائن ومر أول الضمان ما قد يخالف ذلك مع ما فيه وذلك كما في لفظ الناطق وتعرف نيته فيما إذا أتى بإشارة أو كتابة بإشارة أو كتابة أخرى وكأنهم اغتفروا تعريفه بها مع أنها كناية ولا اطلاع لنا بها على نيته ذلك للضرورة, وتعبيري بما ذكر أعم وأولى من قول المتولي, ويعتبر في الأخرس أن يكتب مع لفظ الطلاق إني قصدت الطلاق وسيأتي في اللعان أنهم ألحقوا بالأخرس من اعتقل لسانه ولم يرج برؤه وكذا من رجي بعد مضي ثلاثة أيام فهل قياسه هنا كذلك أو يفرق والذي يتجه في الأول الإلحاق بل الأخرس يشمله وفي الثاني يحتمل الإلحاق قياسا ويحتمل الفرق بأنه إنما ألحق به ثم لاحتياجه للعان أو اضطراره إليه ولا كذلك هنا. "ولو كتب ناطق" أو أخرس "طلاقا, ولم ينوه فلغو" إذ لا لفظ ولا نية "وإن نواه" ومثله كل عقد وحل وغيرهما ما عدا النكاح ولم يتلفظ بما كتبه "فالأظهر وقوعه" لإفادتها حينئذ, وإن تلفظ به ولم ينوه عند التلفظ ولا الكتابة,

 

ج / 3 ص -354-        وقال: إنما قصدت قراءة المكتوب فقط صدق بيمينه "فإن كتب إذا بلغك كتابي فأنت طالق" ونوى الطلاق "فإنما تطلق ببلوغه" إن كان فيه صيغة الطلاق كهذه الصيغة بأن أمكن قراءتها, وإن انمحت; لأنها المقصود الأصلي بخلاف ما عداها من السوابق واللواحق فإن انمحى سطر الطلاق فلا و قوع وقيل إن قال كتابي هذا أو الكتاب لم يقع أو كتابي وقع وصححه المصنف في تصحيح التنبيه ونقله الروياني عن الأصحاب وخرج بكتب ما لو أمر غيره فكتب ونوى هو فلا يقع شيء بخلاف ما لو أمره بالكتابة أو كناية أخرى وبالنية فامتثل ونوى, وبقوله فأنت طالق ما لو كتب كناية كأنت خلية فلا يقع, وإن نوى إذ لا يكون للكناية كناية كذا حكاه ابن الرفعة عن الرافعي وردوه بأن الذي فيه الجزم بالوقوع تبعا لجمع متقدمين قال الأذرعي, وهو الصحيح; لأنا إذا اعتبرنا الكتابة قدرنا أنه تلفظ بالمكتوب "وإن كتب إذا قرأت كتابي, وهي قارئة فقرأته" أي صيغة الطلاق منه نظير ما مر, وإن لم تفهمها أو طالعتها وفهمتها, وإن لم تتلفظ بشيء منها كما نقل الإمام عليه اتفاق علمائنا "طلقت" لوجود المعلق عليه, ويظهر أنه لا فرق هنا بين ظن كونها أمية وعدمه; لأن اللفظ لا ينصرف عن حقيقته إلا عند التعذر ومجرد ظنه لا يصرفه عنها. "وإن قرئ عليها فلا" طلاق "في الأصح" لعدم قراءتها مع إمكانها, وإنما انعزل القاضي في نظير ذلك; لأن العادة في الحكام أن يقرأ عليهم المكاتيب فالقصد إعلامه دون قراءته بنفسه بخلاف ما هنا, وأيضا فالعزل لا يصح تعليقه فتعين إرادة إعلامه به بخلاف الطلاق "وإن لم تكن قارئة فقرئ عليها طلقت" إن علم حالها; لأن القراءة في حق الأمي محمولة على الاطلاع ومنه يؤخذ أنها لو تعلمت وقرأته, وأن القارئ لو طالعه, وأخبرها بما فيه طلقت; لأن القصد الاطلاع وقد وجد فإن لم يعلم لم تطلق إلا إن تعلمت وقرأته.

فصل في تفويض الطلاق إليها
ومثله تفويض العتق للقن.
"له تفويض طلاقها" يعني المكلفة لا غيرها "إليها" إجماعا بنحو طلقي نفسك إن شئت, وبحث أن منه قوله لها طلقيني فقالت أنت طالق ثلاثا لكنه كناية فإن نوى التفويض إليها, وهي تطليق نفسها طلقت, وإلا فلا ثم إن نوى مع التفويض إليها عددا فسيأتي "وهو تمليك" للطلاق "في الجديد"; لأنه يتعلق بغرضها فساوى غيره من التمليكات "فيشترط لوقوعه تطليقها فورا", وإن أتى بنحو متى على المعتمد بأن لا يتخلل فاصل بين تفويضه, وإيقاعه; لأن التطليق هنا جواب التمليك فكان كقبوله وقبوله فوري, وهذا معنى قولهم; لأن تطليقها نفسها متضمن للقبول وقول الزركشي عدوله عن شرط قبولها إلى تطليقها يقتضي تعينه, وهو مخالف لكلام الشرح والروضة حيث قالا إن تطليقها يتضمن القبول, وهو يقتضي الاكتفاء بقولها قبلت إذا قصدت به التطليق, وأن حقها أن تقول حالا قبلت طلقت والظاهر اشتراط القبول على الفور ولا يشترط التطليق على الفور. انتهى. بعيد جدا بل الصواب تعينه وكلامهما لا يخالف ذلك لما قررته في معناه أن هذا التضمن

 

ج / 3 ص -355-        أوجب الفورية لا الاكتفاء بمجرد القبول; لأنه لا ينتظم مع قوله طلقي نفسك, وإن قصدت به التطليق وقوله: وأن حقها إلى آخره ينافي ما قبله لا سيما قوله: والظاهر إلى آخره; لأن الذي قاله أولا أنه لا يكفي قبلت إلا إن نوت بها التطليق فكيف يبحث هنا الجمع بينهما أو الاكتفاء بقبلت في الفورية ثم تطلق بعد فالصواب خلاف ما قاله في الكل نعم لو قال طلقي نفسك فقالت كيف يكون تطليقي لنفسي ثم قالت طلقت وقع; لأنه فصل يسير قاله القفال وظاهره أن الفصل اليسير لا يضر إذا كان غير أجنبي كما مثل به, وأن الفصل بالأجنبي يضر مطلقا كسائر العقود وجرى عليه الأذرعي وفيه نظر; لأنه ليس محض تمليك ولا على قواعده فالذي يتجه أنه لا يضر اليسير ولو أجنبيا كالخلع ثم رأيت في الكفاية ما يؤيده, وهو قوله: الطلاق يقبل التعليق فجاز أن يتسامح في تمليكه بخلاف سائر التمليكات أي ومن ثم لو قال ثلاثا فوحدت أو عكسه وقعت واحدة كما يأتي, وإن كان قياس البيع أن لا يقع شيء. "فإن قال" لمطلقة التصرف لا لغيرها نظير ما مر في الخلع "طلقي" نفسك "بألف فطلقت بانت ولزمها الألف", وإن لم تقل بألف كما اقتضاه إطلاقه, ويكون تمليكا بعوض كالبيع وما قبله كالهبة "وفي قول توكيل" كما لو فوض طلاقها لأجنبي "فلا يشترط" على هذا القول "فور" في تطليقها "في الأصح" نظير ما مر في الوكالة ولو أتى هنا بمتى جاز التأخير قطعا "وفي اشتراط قبولها" على هذا القول أيضا "خلاف الوكيل" ومر أن الأصح منه أنه لا يشترط القبول مطلقا بل عدم الرد "وعلى القولين له الرجوع" عن التفويض "قبل تطليقها"; لأن كلا من التمليك والتوكيل يجوز لموجبه الرجوع قبل قبوله, ويزيد التوكيل بجواز ذلك بعده أيضا فلو طلقت قبل علمها برجوعه لم ينفذ. "ولو قال إذا جاء رمضان فطلقي" نفسك "لغا على" قول "التمليك"; لأنه لا يصح تعليقه, ويصح على قول التوكيل لما مر فيه أن التعليق يبطل خصوصه لا عموم الإذن فإن قلت ظاهر قولهم هنا جاز ينافي قولهم في الوكالة لا يجوز قلت نعم لكن مرادهم بجاز هنا نفذ فقط فلا ينافي حرمته وبلا يجوز ثم أنه يأثم به بناء على حرمة تعاطي العقد الفاسد فلا ينافي صحته ومن عبر ثم بلا يصح مراده من حيث خصوص الإذن, وإن صح من حيث عمومه. "ولو قال أبيني نفسك فقالت أبنت ونويا" أي هو التفويض بما قاله, وهي الطلاق بما قالته "وقع"; لأن الكناية مع النية كالصريح "وإلا" ينويا معا بأن لم ينويا أو أحدهما ذلك "فلا" يقع الطلاق لوقوع كلام غير الناوي لغوا "ولو قال طلقي" نفسك "فقالت أبنت" نفسي "ونوت أو" قال "أبيني ونوى فقالت طلقت" نفسي "وقع" كما لو تبايعا بلفظ صريح من أحدهما وكناية مع النية من آخر وقول مجلي لفظ الطلاق هنا كناية لا يقع به إلا مع النية ضعيف وذكر نفسي في ذلك هو ما في أصله والروضة فإن حذفاها معا من الكناية ومثلها الصريح فوجهان والأوجه بل المذهب كما قاله الأذرعي أنه يكفي نيتها لنفسها سواء أنوى هو ذلك أم لا, وأفهم كلامه أنه لا يشترط توافق لفظيهما صريحا ولا كناية إلا إن قيد بشيء فيتبع. "ولو قال طلقي" نفسك "ونوى ثلاثا فقالت طلقت ونوتهن", وإن لم تعلم نيته كما هو ظاهر بأن وقع ذلك منها اتفاقا خلافا لتقييد شارح له بقوله عقب ونوتهن بأن علمت نيته الثلاث "فثلاث";

 

ج / 3 ص -356-        لأن اللفظ يحتمل العدد وقد نوياه "وإلا" ينويا ذلك أصلا أو نواه أحدهما "فواحدة" تقع لا أكثر "في الأصح"; لأن صريح الطلاق كناية في العدد فاحتاج لنيته منهما نعم فيما إذا لم ينو واحد منهما لا خلاف وكذا إذا نوت هي فقط ولو نوت فيما إذا نوى ثلاثا واحدة أو ثنتين وقع ما نوته اتفاقا; لأنه بعض المأذون فيه وقد لا ترد هذه الثلاثة على عبارته بأن يجعل قوله: وإلا نفيا لنية شيء من جهتها كما دل عليه السياق وضابط ذلك أنهما متى تخالفا في نية العدد وقع ما توافقا فيه فقط وخرج بقوله ونوى ثلاثا ما لو تلفظ بهن فإنها إذا قالت طلقت ولم تذكر عددا ولا نوته تقع الثلاث. "ولو قال ثلاثا فوحدت" أي قالت طلقت نفسي واحدة "أو عكسه" أي وحد فثلثت "فواحدة" تقع فيهما لدخولها في الثلاث التي فوضها في الأولى ولعدم الإذن في الزائد عليها في الثانية ومن ثم لو قال لرجل طلق زوجتي, وأطلق فطلق الوكيل ثلاثا لم يقع إلا واحدة ولها في الأولى أن تثني وتثلث فورا راجع أو لا وسيأتي في مبحث الناسي قبول قولها في الكناية لم أنو, وإن كذبها خلافا للماوردي.

فصل في بعض شروط الصيغة والمطلق
منها أنه يشترط في الصيغة عند عروض صارفها لما يأتي في النداء لا مطلقا لما يأتي في الهزل واللعب ونحوه صريحة كانت أو كناية قصد لفظها مع معناه بأن يقصد استعماله فيه وذلك مستلزم لقصدهما فحينئذ إذا "مر بلسان نائم" أو زائل عقل بسبب لم يعص به, وإلا فكالسكران فيما مر "طلاق لغا", وإن أجازه, وأمضاه بعد يقظته لرفع القلم عنه حال تلفظه به ولو ادعى أنه حال تلفظه به كان نائما أو صبيا أي, وأمكن ومثله مجنون عهد له جنون صدق بيمينه قاله الروياني ونازعه في الروضة في الأولى أي; لأنه لا أمارة على النوم, وهو متجه ولا يشكل على الأخيرين عدم قبول قوله لم أقصد الطلاق والعتق ظاهرا لتلفظه بالصريح مع تيقن تكليفه فلم يمكن رفعه, وهنا لم يتيقن تكليفه حال تلفظه فقبل دعواه الصبا أو الجنون بقيده قيل كان مستغنيا عن هذا باشتراطه التكليف أول الباب انتهى. ويجاب بأن هذا وما بعده كالشرح لذلك على أنه يستفاد منه هنا فائدة, وهي عدم تأثير قوله أجزته ونحوه; لأن اللغو لا ينقلب بالإجازة غير لغو ولا يستفاد هذا من قوله يشترط لنفوذه التكليف فتأمله. "فلو سبق لسانه بطلاق من غير قصد" تأكيد لفهمه من التعبير بالسبق "لغا" كلغو اليمين ومثله تلفظه به حاكيا وتكرير الفقيه للفظه في تصويره ودرسه "ولا يصدق ظاهرا" في دعواه سبق لسانه أو غيره مما يمنع الطلاق لتعلق حق الغير به ولأنه خلاف الظاهر الغالب من حال العاقل "إلا بقرينة" كما يأتي فيمن التف بلسانه حرف بآخر فيصدق ظاهرا في السبق لظهور صدقه حينئذ أما باطنا فيصدق مطلقا وكذا لو قال لها طلقتك ثم قال أردت أن أقول طلبتك ولها قبول قوله هنا وفي نظائره إن ظنت صدقه بأمارة ولمن ظن صدقه أيضا أن لا يشهد عليه به بخلاف ما إذا علمه وجعل البلقيني في فتاويه من القرينة ما لو قال لها أنت حرام علي وظن أنها طلقت به ثلاثا فقال لها أنت طالق ثلاثا ظانا وقوع

 

ج / 3 ص -357-        الثلاث بالعبارة الأولى فإنه سئل عن ذلك فأجاب بقوله لا يقع عليه طلاق بما أخبر به بانيا على الظن المذكور انتهى, ويأتي في الكتابة في أعتقتك أو أنت حر عقب الأداء المتبين فساده أنه لا يعتق به لقرينة أنه إنما رتبه على صحة الأداء قالوا ونظير ذلك من قيل له طلقت امرأتك فقال نعم طلقتها ثم قال ظننت أن ما جرى بيننا طلاق وقد أفتيت بخلافه فلا يقبل منه إلا بقرينة. انتهى. وفيه تأييد لما قاله البلقيني; لأنه جعل ظنه الوقوع بأنت حرام علي قرينة صارفة للإخبار ثانيا عن حقيقته كما جعلوا الأداء قرينة صارفة لأنت حر أو أعتقتك عن حقيقته, وإفتاؤه بما رتب عليه كلامه قرينة صارفة له كذلك فإن قلت ينافي ذلك قول التوسط عن ابن رزين حلف بالثلاث أنه لا يخرج إلا بها فأخبر بأن عقده باطل من أصله فخرج بدونها ثم بانت صحة عقده وقع الثلاث ولم يعذر في ذلك قلت يفرق بأن الإخبار ببطلان العقد أمر أجنبي عن المحلوف عليه فلم يصلح قرينة بخلاف ما لو أفتي في المحلوف عليه بشيء فأخبر بالثلاث على ظن صحة الإفتاء فبان عدم صحة الإفتاء فلا يقع عليه شيء للقرينة الظاهرة هنا وبتسليم أن الإخبار ببطلان العقد غير أجنبي يتعين حمل ذلك المخبر على أنه ليس ممن يعتمد عند الناس فهذا لا يكون إخباره قرينة كما يأتي في شرح قول المتن ففعل ناسيا للتعليق أو مكرها عليه مع فروع أخرى لها تعلق بما هنا فإن قلت ما ذكر من أن القرينة تفيد إنما يتأتى فيما إذا أخبر مستندا إليها أما إذا أنشأ إيقاعا ظانا أنه لا يقع فإنه يقع ولا يفيده ذلك الظن شيئا كما يعلم مما يأتي في, وهو يظنها أجنبية ومسألة البلقيني من هذا قلت ممنوع بل هي من الأول كما يصرح به قول البلقيني بما أخبر به بانيا على الظن المذكور. "ولو كان اسمها طالقا وقال" لها "يا طالق وقصد النداء" لها باسمها "لم تطلق" للقرينة الظاهرة على صدقه; لأنه صرفه بذلك عن معناه مع ظهور القرينة في صدقه "وكذا إن أطلق" بأن لم يقصد شيئا فلا تطلق "في الأصح" حملا على النداء لتبادره وغلبته ومن ثم لو غير اسمها عند النداء أي بحيث هجر الأول طلقت كما لو قصد طلاقها, وإن لم يغير قال الزركشي وضبط المصنف يا طالق بالسكون ليفيد أنه في يا طالق بالضم لا يقع أي مطلقا; لأن بناءه على الضم يرشد إلى إرادة العلمية وفي يا طالقا بالنصب يتعين صرفه إلى التطليق أي مطلقا, وينبغي في الحالين أن لا يرجع لدعوى خلاف ذلك. انتهى. ورد بأن اللحن لا يؤثر في الوقوع وعدمه كما يأتي والذي يتجه حمل كلامه على نحوي قصد هذه الدقيقة, والقن المسمى حرا فيه هذا التفصيل. "فإن كان اسمها طارقا أو طالبا" أو طالعا "فقال يا طالق وقال أردت النداء" باسمها "فالتف الحرف" بلساني "صدق" ظاهرا لظهور القرينة فإن لم يقل ذلك طلقت وقضيته أنه لو مات ولم يعلم مراده حكم عليه بالطلاق عملا بظاهر الصيغة ومنه يؤخذ أن مثله في هذا كل من تلفظ بصيغة ظاهرة في الوقوع لكنها تقبل الصرف بالقرينة, وإن وجدت القرينة, وهي مسألة حسنة. "ولو خاطبها بطلاق" معلق أو منجز كما شمله كلامهم ومثله أمره لمن يطلقها كما هو ظاهر, وإنما أثرت قرائن الهزل في الإقرار; لأن المعتبر فيه اليقين ولأنه إخبار يتأثر بها بخلاف الطلاق والأمر به فيهما "هازلا أو لاعبا" بأن قصد اللفظ دون المعنى وقع ظاهرا وباطنا إجماعا وللخبر

 

ج / 3 ص -358-        الصحيح "ثلاث جدهن جد وهزلهن جد الطلاق والنكاح والرجعة" وخصت لتأكد أمر الإبضاع, وإلا فكل التصرفات كذلك وفي رواية "والعتق" وخص لتشوف الشارع إليه ولكون اللعب أعم مطلقا من الهزل عرفا إذ الهزل يختص بالكلام عطفه عليه, وإن رادفه لغة كذا قاله شارح وجعل غيره بينهما تغايرا ففسر الهزل بأن يقصد اللفظ دون المعنى واللعب بأن لا يقصد شيئا وفيه نظر إذ قصد اللفظ لا بد منه مطلقا بالنسبة للوقوع باطنا ومن ثم قالوا لو قال لها أنت طالق وقصد لفظ الطلاق دون معناه كما في حال الهزل وقع ولم يدين في قوله ما قصدت المعنى "أو, وهو يظنها أجنبية بأن كانت في ظلمة أو نكحها له وليه أو وكيله ولم يعلم" أو ناسيا أن له زوجة كما نقلاه عن النص, وأقراه وقال الزركشي ينبغي تخريجه على حنث الناسي, وهو متجه "وقع" ظاهرا لا باطنا كما اقتضاه كلام الشيخين وجزم به بعضهم لكن نقل الأذرعي ما يقتضي خلافه واعتمده وذلك; لأنه خاطب من هي محل الطلاق, والعبرة في العقود ونحوها بما في نفس الأمر, وقضية هذا الوقوع باطنا لكن عارضه ما عهد من تأثير الجهل في إبطال الإبراء من المجهول المشابه لهذا نعم في الكافي أن من قال ولم يعلم له زوجة في البلد إن كان لي في البلد زوجة فهي طالق وكانت في البلد فعلى قولي حنث الناسي قال البلقيني, وأكثر ما يلمح في الفرق بينهما صورة التعليق. انتهى. ويرد بأنه إن نظر لأنه كالناسي فلا فرق بين التعليق وغيره فالذي يتجه أنه يأتي هنا ما يأتي في الجمع بين كلام الشيخين قبيل قوله أو بفعل غيره ممن يبالي بتعليقه, ويفرق بين ما هنا وعدم وقوعه خلافا للإمام على من طلب من الحاضرين أو الحاضرات شيئا فلم يعطوه فقال طلقتكم ثلاثا وامرأته فيهم ولا يعلمها بأنه هنا لم يقصد بالطلاق معناه الشرعي بل نحو معناه اللغوي وقامت القرينة على ذلك فمن ثم لم يوقعوا عليه شيئا. "ولو لفظ عجمي به" أي الطلاق "بالعربية" مثلا إذ الحكم يعم كل من تلفظ به بغير لغته "ولم يعرف معناه لم يقع" كمتلفظ بكلمة كفر لا يعرف معناها, ويصدق في جهله معناه للقرينة ومن ثم لو كان مخالطا; لأهل تلك اللغة بحيث تقضي العادة بعلمه به لم يصدق ظاهرا, ويقع عليه "وقيل إن نوى معناها" عند أهلها "وقع"; لأنه قصد لفظ الطلاق لمعناه وردوه بأن المجهول لا يصح قصده.
"ولا يقع طلاق مكره" بباطل ولا ينافيه ما يأتي في التعليق من أن المعلق بفعله لو فعل مكرها بباطل أو بحق لا حنث خلافا لجمع; لأن الكلام هنا فيما يحصل به الإكراه على الطلاق فاشترط تعدي المكره به ليعذر المكره وثم في أن فعل المكره هل هو مقصود بالحلف عليه أو لا كالناسي والجاهل والأصح الثاني فلا يتقيد بحق ولا باطل وبهذا يتجه ما اقتضاه كلام الرافعي من عدم الحنث في إن أخذت حقك مني فأكرهه السلطان حتى أعطى بنفسه واندفع قول الزركشي المتجه خلافه; لأنه إكراه بحق كطلاق المولي ووجه اندفاعه أن قوله مني يقتضي أن فعله مقصود بالحلف عليه كفعل الأخذ وقد تقرر أن الفعل المكره عليه غير مقصود بالحلف عليه أكره بحق أو باطل والمولي ليس مما نحن فيه; لأن الشرع أكرهه على الطلاق نفسه وما نحن فيه الإكراه على خارج عنه جعله الحالف سببا له

 

ج / 3 ص -359-        عند الاختيار لا الإكراه لما تقرر أن الفعل المطلق يحمل على ذلك وشتان ما بينهما ثم رأيت القاضي صرح بما ذكرته فقال إن المحلوف عليه هنا الأخذ باختيار المعطي والإمام أقره عليه والزركشي قال نحن لا نرى ذلك بل يكفي الأخذ منه, وإن لم يعط. انتهى. ويرد بأن فيما رآه إلغاء لقوله مني الظاهر في أنه لا بد من نوع اختيار له في الإعطاء إذ من أخذ من مكره لا يقال أخذ منه على الإطلاق وإنما يقال أكرهه حتى أعطاه, ويؤخذ مما تقرر أن من حلف لا يكلم فلانا فأجبره القاضي على كلامه لا يحنث به لكن محله فيما فعله لداعية الإكراه, وهو ما يزول به الهجر المحرم أما الزائد عليه فيحنث به; لأنه ليس مكرها عليه فإن فرض أن القاضي أجبره على كلامه, وإن زال الهجر قبله لم يحنث أيضا لما تقرر أن المكره بباطل لا يحنث فزعم بعضهم أن إجبار القاضي إنما ينصرف لما يزول به الهجر المحرم محله حيث لم ينص القاضي على خلاف ذلك, وإن تعدى به وذلك للخبر الصحيح برفع القلم عنه مع الخبر الصحيح أيضا "لا طلاق في إغلاق" وفسره كثيرون بالإكراه كأنه أغلق عليه الباب أو انغلق عليه رأيه ومنعوا تفسيره بالغضب للاتفاق على وقوع طلاق الغضبان قال البيهقي, وأفتى به جمع من الصحابة ولا مخالف لهم منهم ومنه كما هو ظاهر ما لو حلف ليطأنها قبل نومه فغلبه النوم بحيث لم يستطع رده بشرط أن لا يتمكن منه قبل غلبته له بوجه, أما الإكراه بحق كطلق زوجتك, وإلا قتلتك بقتلك أبي فيقع معه وكذا في إكراه القاضي للمولي بشرطه الآتي واستشكله الرافعي, وأجاب عنه ابن الرفعة بما بينته في شرح الإرشاد نعم لو أكرهه على طلاق زوجة نفسه وقع; لأنه أبلغ في الإذن وكذا إذا نوى المكره الإيقاع لكنه الآن غير مكره كما في قوله "فإن ظهر قرينة اختيار بأن" هي بمعنى كأن "أكره" على طلاق إحدى امرأتيه مبهما فعين أو معينا فأبهم أو "على ثلاث فوحد أو صريح أو تعليق فكنى أو نجز أو على" أن يقول "طلقت فسرح أو بالعكوس" أي على واحدة فثلث أو كناية فصرح أو تنجيز فعلق أو تسريح فطلق "وقع"; لأنه مختار لما أتى به, ويظهر أن نيته استعمال لفظ الطلاق في معناه كاف هنا, وإن لم يقصد الإيقاع; لأن الشرط أن يطلق لداعي الإكراه ومن قصد ذلك غير مطلق لداعيه بل هو مختار له فما أفهمه قولهم نوى الإيقاع أن نية غيره لا تؤثر كما في الكناية غير مراد لقولهم لا بد أن يطلق لداعي الإكراه من غير أن تظهر منه قرينة اختيار ألبتة.
"تنبيه" الإكراه الشرعي كالحسي فلو حلف ليطأن زوجته الليلة فوجدها حائضا أو لتصومن غدا فحاضت فيه أو ليبيعن أمته اليوم فوجدها حبلى منه لم يحنث وكذا لو حلف ليقضين زيدا حقه في هذا الشهر فعجز عنه كما يأتي وحكاية المزني الإجماع على الحنث هنا غير صحيحة; لأن الخلاف مشهور كما أشار إليه الرافعي أواخر الطلاق وتبعه محققو المتأخرين كالبلقيني وغيره فأفتوا بعدم الحنث وبعضهم أول كلام المزني وسيأتي أواخر الأيمان وحنث من حلف ليعصين الله وقت كذا فلم يعصه إنما هو لحلفه على المعصية قصدا ومن ثم لو حلف لا يصلي الظهر فصلاه حنث والحاصل أنه حيث خص يمينه بالمعصية أو أتى بما يعمها قاصدا دخولها أو دلت عليه قرينة كما يأتي في مسألة

 

ج / 3 ص -360-        مفارقة الغريم فإن ظاهر الخصام والمشاحة فيها أنه أراد لا يفارقه, وإن أعسر حنث بخلاف من أطلق ولا قرينة فيحمل على الجائز; لأنه الممكن شرعا, والسابق إلى الفهم ومنه أن يحلف لا يفارقه ظانا يساره فبان إعساره فلا يحنث بمفارقته ولو أراد بالوطء ما يعم الحرام حنث بتركه للحيض كما لو حلف لا يفعل عامدا, ولا ناسيا ولا جاهلا ولا مكرها فيحنث مطلقا قال بعضهم ولو حلف لا يصلي لغير قبلة فصلى أربع ركعات; لأربع جهات بالاجتهاد حنث ولا ينظر إلى أن إيجاب الشرع الصلاة عليه إلى هذه الجهات منزل منزلة الإكراه كما تقرر قال; لأن هذا إنما هو في حلف يتضمن الحث على الفعل; لأجل الحلف كالمسألة المذكورة ومسألتنا الحلف فيها يتضمن منع نفسه من الفعل; لأجل الحلف ولم يقولوا بأن إيجاب الشرع فيه منزل منزلة الإكراه بل صرحوا في لا أفارقك فأفلس ففارقه مختارا حنث, وإن كان فراقه له واجبا ولما لم يظهر للإسنوي ذلك ادعى أن كلامهما متناقض. انتهى. وفي الفرق بين الحث والمنع نظر; لأن الشارع كما منعه من الفعل الذي حث نفسه عليه في الأول كذلك ألزمه بالفعل الذي منع نفسه منه في الثاني فهو مكره فيهما وقد يفرق بأن الأول فيه إثبات, وهو لا عموم فيه فلم يتناول اليمين جميع الأحوال بالنص. والثاني فيه نفي, وهو للعموم; لأن الفعل كالنكرة إثباتا ونفيا ففيه الحلف على كل جزئية من جزئيات المفارقة بالمطابقة فصار حالفا على المعصية هنا قصدا فحنث كما مر في ليعصين الله وبحث بعضهم عدم الوقوع في مسألة القبلة; لأنه إن أراد الفرض فتعليق بمستحيل, وإلا فاجتهاده يصيره جاهلا بالمحلوف عليه وليس كما زعم في الأولى; لأن هذا ليس من التعليق بالمستحيل الشرعي في شيء كما هو واضح, وأما الثاني فمحتمل بل متجه; لأن انبهام جهة غير القبلة عليه حالة الصلاة يصيره جاهلا عند التوجه إلى كل جهة بأنها غير القبلة وعلمه بعد لا ينفي جهله حالة الفعل والعبرة بهذا دون ما بعد وما قبل فاندفع ما قيل كل أحد يعلم أن جهة القبلة واحدة لا غير ووجه اندفاعه ما قررته أن العبرة في الجهل إنما هو بجهل المحلوف عليه عند الفعل ولا شك أنه جاهل بعين المحلوف عليه عند ابتداء التوجه إلى كل جهة, وجعل الجلال البلقيني من الإكراه الشرعي إن لم أدخل الدار فأنت طالق, وهي لغيره أي الذي لا يعلم رضاه; لأنه ممنوع من دخولها شرعا, ويرده أن هذا حلف على فعل المعصية قصدا فلا إكراه فيه نظير ما مر نعم إن كان الفرض أنه ظن رضاه بدخوله ثم بان خلافه, وأنه منعه من الدخول اتجه ما قاله ومر أنه لو قال إن أخذت حقك منى فأنت طالق فأعطاه بإجبار الحاكم كان إكراها مع رد ما للزركشي فيه بما حاصله أن إجبار الحاكم على فعل المعلق عليه يمنع الوقوع أي إن لم يكن له مندوحة عنه لقولهم: لو حلف لا يحلف يمينا مغلظة وحلفها حنث لإمكان التخلص منها بأداء المدعى به عليه ومن ثم قال الزركشي هنا لا بد أن يجبر على الإعطاء بنفسه, وإلا فهو قادر على التوكيل فتركه تقصير فيحنث به قالا عن ابن الصباغ فيمن حلف بعتق عبده المقيد أن قيده عشرة أرطال وحلف أيضا أنه لا يحله هو ولا غيره فشهد عدلان أن القيد خمسة أرطال فحكم بعتقه ثم حله فوجد وزنه عشرة أرطال فلا شيء على الشاهدين; لأن العتق حصل

 

ج / 3 ص -361-        بالحل; لأنه حل مختارا لظنه عتقه بالشهادة وقد بان خطؤه مع تقصيره فلا يعذر بالجهل إذ كان من حقه أن لا يحله حتى يحله الحاكم, ويظهر صدقه. انتهى. فإن قلت ليس هنا حاكم حكم عليه بحله فليس هذا مما نحن فيه قلت ممنوع; لأن مفهومه أن الحاكم لو حله لا حنث; لأنه لا مندوحة حينئذ ومثل حله كما هو ظاهر ما لو ألزم السيد بحله ولم يجد بدا من امتثال أمره, ويؤخذ من الحكم عليه بالتقصير مع ظنه العتق بالشهادة أنه لا عبرة بجهل الحكم كما يأتي بسطه آخر الباب ولا بالجهل بالمحلوف عليه إذا نسب فيه إلى تقصير والمراد بالحلف بعتقه تعليقه عليه لما يأتي في النذر في والعتق أو العتق يلزمني لا أفعل كذا أنه لغو بشرطه, وتردد بعضهم في أنا حيث ألحقنا حكم الحاكم بالإكراه هل يشترط قدرته على المحكوم عليه فلا أثر له في ظالم لا يمتثله والذي يتجه أنه لا فرق; لأن الفرض أن المحكوم عليه فعل ذلك لداعية امتثال الشرع فلا فرق بين قدرة الحاكم على إجباره عليه حسا لو امتنع, وإن لا وبما تقرر علم صحة ما أفتى به كثيرون من المتأخرين ودل عليه كلامهما في مواضع أن من حلف لا يؤدي ما عليه فحكم عليه حاكم بأدائه لا يحنث, ويأتي في الأيمان ما له تعلق بذلك.
"وشرط" حصول "الإكراه قدرة المكره" بكسر الراء "على تحقيق ما" أي مؤذ غير مستحق "هدد" المكره "به" عاجلا سواء أكانت قدرته عليه "بولاية أو تغلب" أو فرط هجوم "وعجز المكره" بفتح الراء "عن دفعه بهرب أو غيره" كالاستغاثة "وظنه" بقرينة عادة مثلا "أنه إن امتنع حققه" أي فعل ما خوفه به إذ لا يتحقق العجز بدون اجتماع ذلك كله وخرج بغير مستحق قوله: لمن له عليه قود طلقها, وإلا اقتصصت منك كما مر وبعاجلا لأقتلنك غدا فيقع فيهما, وإن علم من عادته المطردة أنه إذا لم يمتثل أمره الآن تحقق القتل غدا كما اقتضاه إطلاقهم, ويوجه بأن بقاءه للغد غير متيقن فلم يتحقق الإلجاء قال الزركشي وشمل إطلاقه ما لو خوف آخر بما يحسبه مهلكا أي فبان خلافه وللإمام فيه احتمالان من الخلاف فيما لو صلوا لسواد ظنوه عدوا قال في البسيط لعل الأوجه عدم الوقوع; لأنه ساقط الاختيار وإن كان ذلك بظن فاسد. انتهى. فإن قلت ينافيه قولهم لا عبرة بالظن البين خطؤه قلت لا ينافيه; لأن العبرة هنا بكونه ملجأ ظاهرا, وهذا كذلك وتلك القاعدة محلها فيما يشترط له نية ونحوه دون ما نيط الأمر فيه بالظاهر كما هنا. "ويحصل" الإكراه "بتخويف بضرب شديد" كصفعة لذي مروءة في الملأ كما يصرح به قول الدارمي وغيره أن اليسير في حق ذي المروءة إكراه "أو حبس" طويل كما في الروضة وغيرها أي عرفا وبحث الأذرعي نظير ما قبله, وهو أن القليل لذي المروءة إكراه "أو إتلاف مال" وقول الروضة ليس بإكراه محمول على قليل كتخويف موسر بأخذ خمسة دراهم كما في حلية الروياني ونقله في الروضة عن الماسرجسي وقال عن الماوردي إنه الاختيار واختاره جمع متأخرون, وهذا أولى من تصويب الأذرعي وغيره ما في المتن بإطلاقه, وظاهر كلامهم هنا أنه لا عبرة بالاختصاص, وإن كثر, ويؤيده أنه لا عبرة هنا بالمال التافه مع أنه خير من الاختصاص, وإن كثر, ويظهر ضبط الموسر المذكور بمن تقضي العادة بأنه يسمح ببذل ما

 

ج / 3 ص -362-        طلب منه ولا يطلق, ويؤيده قول كثيرين: إن الإكراه بإتلاف المال يختلف باختلاف طبقات الناس, وأحوالهم "ونحوها" من كل ما يؤثر العاقل الإقدام على الطلاق دونه كالاستخفاف بواجيه بين الملأ وكالتهديد بقتل بعض معصوم, وإن علا أو سفل وكذا رحم محرم على أحد وجهين يظهر ترجيحه, ويظهر أيضا أنه يلحق بالقتل هنا نحو جرح وفجور به بل لو قال له طلق زوجتك, وإلا فجرت بها كان إكراها فيما يظهر أيضا بخلاف قول آخر - ولو نحو ولده خلافا للأذرعي ومن تبعه - له طلق, وإلا قتلت نفسي أو كفرت "وقيل يشترط قتل" لنحو نفسه; لأنه الذي ينسلب به الاختيار "وقيل قتل أو قطع أو ضرب مخوف" لإفضائها إلى القتل "ولا تشترط التورية" في الصيغة كأن ينوي بطلقت الإخبار كاذبا أو إطلاقها من نحو قيد أو يقول عقبها سرا إن شاء الله تعالى وما أوهمه كلامهما على ما زعم أن المشيئة بالقلب تنفع وجه ضعيف ولا في المرأة "بأن ينوي غيرها"; لأنه مجبر على اللفظ فهو منه كالعدم "وقيل إن تركها بلا عذر" كغباوة أو دهشة "وقع" لإشعاره بالاختيار, ومن ثم لزمت المكره على الكفر. "ومن أثم بمزيل عقله من" نحو "شراب أو دواء" أو وثبة "نفذ طلاقه وتصرفه له وعليه قولا وفعلا على المذهب" كما مر في السكران بما فيه واحتاج لهذا لما فيه من العموم ولبيان ما فيه من الخلاف بخلاف ما إذا لم يأثم كمكره على شرب خمر وجاهل بها, ويصدق بيمينه فيه لا في جهل التحريم إذا لم يعذر فيما يظهر وكمتناول دواء يزيل العقل للتداوي أي المنحصر فيه فيما يظهر فلا يقع طلاقه ولا ينفذ تصرفه ما دام غير مميز لما يصدر منه لرفع القلم عنه, ويصدق في دعوى الإكراه على ما نقله الأذرعي ثم بحث أنه يستفسر فإن ذكر إكراها معتبرا فذاك فإن أكثر الناس يظن ما ليس بإكراه إكراها والحاصل أن المعتمد في ذلك أنه لا بد قال بعضهم في غير العارف أي الموافق للقاضي وفيه نظر فإن أهل المذهب مختلفون فيما به الإكراه اختلافا كثيرا فالذي يتجه أنه لا فرق من تفصيل ما به الإكراه ثم إن قامت قرينة عليه كحبس صدق بيمينه, وإلا فلا بد من البينة المفصلة وكذا في زوال العقل يصدق لقرينة مرض واعتياد صرع, وإلا فالبينة, وله أن يحلف الزوجة أنها لا تعلم ذلك "وفي قول لا" ينفذ منه ذلك لما في خبر ماعز أبك جنون فقال لا فقال أشربت الخمر فقال لا فقام رجل فاستنكهه فلم يجد فيه ريح خمر أن الإسكار يسقط الإقرار وأجيب بأن هذا في حدود لله تعالى التي تدرأ بالشبهات وفيه نظر إذ ظاهر كلامهم نفوذ تصرفاته حتى إقراره بالزنا فالأولى أن يجاب بأنه ليس في الخبر أشربت الخمر متعديا بل يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم جوز أن ذلك لسكر به لم يتعد به فسأله عنه "وقيل" ينفذ تصرفه "فيما عليه" فقط كالطلاق دون ماله كالنكاح وفي حد السكران عبارات الأصح منها أنه يرجع فيه للعرف بأن يصير بحيث لا يميز على أنه لا يحتاج لذلك على الأول; لأنه ينفذ فيما له وعليه مطلقا, وإن صار ملقى كالزق كما مر. "ولو قال ربعك أو بعضك أو جزؤك" الشائع أو المعين قال المتولي حتى لو أشار لشعرة منها بالطلاق طلقت "أو كيدك أو شعرك" أو شعرة منك أخذا من كلام المتولي المذكور "أو ظفرك" أو سنك أو يدك ولو زائدا "طالق وقع" إجماعا في البعض وكالعتق في الباقي, وإن فرق نعم لو

 

ج / 3 ص -363-        انفصل نحو أذنها أو شعرة منها فأعادته فثبت ثم قال أذنك مثلا طالق لم يقع نظرا إلى أن الزائل العائد كالذي لم يعد ولأن نحو الأذن يجب قطعها كما يأتي في الجراح ثم الطلاق في ذلك يقع على المذكور أولا ثم يسري للباقي وقيل هو من باب التعبير بالبعض عن الكل ففي إن دخلت فيمينك طالق فقطعت ثم دخلت يقع على الثاني فقط "وكذا دمك" طالق يقع به الطلاق "على المذهب"; لأن به قوام البدن كرطوبة البدن, وهي غير العرق وكالروح والنفس بسكون الفاء بخلافه بفتحها كالظل والصحبة والصحة "لا فضلة كريق وعرق" على الأصح; لأن البدن ظرف لهما فلا يتعلق بهما حل يتصور قطعه بالطلاق قيل الدم من الفضلات فلم يوجد شرط العطف بلا. انتهى. ويرد بمنع أنه فضلة مطلقا لما مر في تعليله ولو أضافه للشحم طلقت بخلاف السمن كما في الروضة, وإن سوى كثيرون بينهما وصوبه غير واحد, ويفرق بأن الشحم جرم يتعلق به الحل وعدمه والسمن ومثله سائر المعاني كالسمع والبصر معنى لا يتعلق به ذلك, وهذا واضح لا غبار عليه وبه يعلم أن الأوجه في حياتك أنه لا يقع به شيء إلا إن قصد بها الروح بخلاف ما لو أراد المعنى القائم بالحي وكذا إن أطلق على الأوجه وبهذا يتضح ما بحثه الجلال البلقيني أن عقلك طالق لغو; لأن الأصح عند المتكلمين والفقهاء أنه عرض وليس بجوهر وقضيته أنه لا حنث في الروح على القول بأنها عرض, وهو متجه الحنث في العقل بناء على أنه جوهر وفيه نظر; لأنه لا يتعلق به حل مطلقا فهو كالسمع وما ذكر معه "وكذا مني" ومنه الجنين "ولبن في الأصح"; لأنهما مهيئان للخروج كالفضلات بخلاف الدم.
"ولو قال لمقطوعة يمين يمينك طالق لم يقع", وإن التصقت كما مر نظيره "على المذهب" كما لو قال لها ذكرك طالق والتعبير بالبعض عن الكل السابق ضعفه إنما يتأتى في بعض موجود يعبر به عن الباقي وقيده الروياني بما إذا قطعت من الكتف وقضيته أنه إذا بقي منها شيء وقع لكن العرف المطرد أنها متى قطعت من الكوع سميت مقطوعة اليمين, ويدل له "فاقطعوا أيمانهما" في قراءة شاذة ومع ذلك اكتفوا بقطع الكوع لفعله صلى الله عليه وسلم له وردوا قول الظاهرية تقطع من الكتف ووقع لبعضهم أنه أفتى في أنثييك طالق بالوقوع أخذا من قول أهل التشريح الرحم عصباني له عنق طويل في أصله أنثيان كذكر مقلوب والوجه بل الصواب عدم الوقوع أما أولا فلتصريحهم بأنه لا بد في وجود المعلق به الطلاق من تيقنه أي أو الظن القوي بحصوله كما قالوه في التعليق بليلة القدر استنادا لما فيها من الأحاديث الصحيحة وما ذكر أن لها أنثيين لم يعلم ولم يظن ظنا قويا ذلك إذ لم يرد به خبر معصوم وقول أهل التشريح لا يقبل في مثل ذلك; لأن مبناه على الحدس والتخمين, وأما ثانيا فلو سلمنا لهم ما قالوه فغايته أنهم رأوا ثم ما هو على صفة الأنثيين فسموهما بذلك والتسمية ليست لهم, وإنما هي; لأهل اللغة فإن تعذروا فأهل العرف العام لقول الشيخين إن الأصحاب إلا الإمام والغزالي يقدمون الوضع اللغوي على الوضع العرفي أي بقيده المعلوم مما سأذكره في الأيمان, وأهل اللغة لم يتعرضوا لتينك الأنثيين فدل على أنه لا وجود لهما عندهم وعلى أنهما لا يسميان بأنثيين ولا خصيتين ولا بيضتين وكذلك

 

ج / 3 ص -364-        أهل العرف لا يعرفون ذلك فضلا عن تسميته بذلك وكذلك أهل الشرع لا يعرفون ذلك, وإلا لما خصوا وجوب الدية في الأنثيين بأنثى الذكر الصريح في أن ما للأنثى من صورتهما لا يسمى باسمهما, وإلا لوجب فيهما نصف ما وجب في أنثى الذكر على القاعدة المقررة في ذلك نعم إن أراد المعلق بأنثييك اصطلاح أهل التشريح فلا شك في الوقوع ولعل هذا مراد من أطلق الوقوع, وإلا فكلامه في غاية السقوط كما علم مما تقرر ثم رأيت عن بعض المتأخرين أنه أفتى بعدم الوقوع, ويتعين حمله على ما قررته.
"ولو قال أنا منك طالق ونوى تطليقها" أي إيقاع الطلاق عليها "طلقت"; لأن عليه حجرا من جهتها إذ لا ينكح معها نحو أختها ولا أربعا سواها مع ما لها عليه من الحقوق والمؤن فصح حمل إضافة الطلاق إليه على حل السبب المقتضي لهذا الحجر مع النية وقوله: منك وقع في الروضة وغيرها قال الإسنوي, وهو غير شرط ومن ثم حذفها الدارمي ثم إن اتحدت زوجته فواضح, وإلا فمن قصدها ومر الفرق بين هذا وقوله لعبده أنا منك حر "وإن لم ينو طلاقا" أي إيقاعه "فلا" يقع عليه شيء; لأنه بإضافته لغير محله خرج عن صراحته فاشترط فيه قصد الإيقاع; لأنه صار كناية كما تقرر "وكذا إن لم ينو إضافته إليها", وإن نوى أصل الطلاق أو طلاق نفسه خلافا لجمع لا تطلق "في الأصح"; لأنها المحل دونه, واللفظ مضاف له فلا بد من نية صارفة تجعل الإضافة له إضافة لها ولو فوض إليها طلاقها فقالت له أنت طالق فقد مر في فصل التفويض. "ولو قال أنا منك" مر أنه غير شرط "بائن" أو نحوها من الكنايات "اشترط نية" أصل "الطلاق", وإيقاعه كسائر الكنايات "وفي" نية "الإضافة" إليها "الوجهان" في أنا منك طالق والأصح اشتراطها قيل لا حاجة لهذه لفهمها بالأولى مما قبلها. انتهى. ويرد بمنع ذلك بل بينهما فرق إذ المنوي هنا أصل الطلاق والإيقاع والإضافة وثم الأخيران فقط أي نية إيقاع الطلاق الملفوظ, وإضافته إليها فإن قلت صرح في أصل الروضة بأن نية الإيقاع تستلزم نية أصل الطلاق فاستويا قلت استواؤهما بهذا التقرير لا يمنع حسن التصريح, فاعلم المفيد لذلك. "ولو قال أستبرئ" أي أنا كما قاله الزركشي واستشهد له بتصوير الشرح الصغير "رحمي منك" أو أنا معتد منك "فلغو", وإن نوى به الطلاق لاستحالته في حقه وفي التتمة لو قال لآخر طلق امرأتي فقال له طلقتك, ونوى وقوعه عليها لم تطلق; لأن النكاح لا تعلق له به بخلاف المرأة مع الزوج. انتهى. وظاهر كلامه أنه لا فرق بين أن يفوض إليه تلك الصيغة مع النية, وأن لا وفيه نظر إذا فوضها إليه; لأن قطع النكاح حينئذ له به تعلق "وقيل إن نوى طلاقها وقع"; لأن المعنى أستبرئ الرحم التي كانت لي منك.

 

ج / 3 ص -365-        وللخبر الصحيح "لا طلاق إلا بعد نكاح" وحمله على المنجز يرده خبر الدارقطني يا رسول الله إن أمي عرضت علي قرابة لها فقلت هي طالق إن تزوجتها فقال صلى الله عليه وسلم "هل كان قبل ذلك ملك قلت لا قال لا بأس" وخبره أيضا سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل قال يوم أتزوج فلانة فهي طالق فقال "طلق ما لا يملك" ولو حكم بصحة تعليق ذلك قبل وقوعه حاكم يراه نقض; لأنه إفتاء لا حكم إذ شرطه إجماعا كما قاله الحنفية وغيرهم وقوع دعوى ملزمة وقبل الوقوع دعوى ملزمة وقبل الوقوع لا يتصور ذلك نعم نقل عن الحنابلة وبعض المالكية عدم اشتراط دعوى كذلك فعليه لا ينقض حكم بذلك صدر ممن يرى ذلك كما هو واضح وتعليق العتق بالملك باطل كذلك.
"والأصح صحة تعليق العبد ثالثة كقوله إن عتقت" فأنت طالق ثلاثا "أو إن دخلت فأنت طالق ثلاثا فيقعن" أي الثلاث "إذا عتق أو دخلت بعد عتقه"; لأنه ملك أصل الطلاق فاستتبع ولأن ملك النكاح مفيد لتلك الثلاث بشرط الحرية وقد وجد, وأفهم قوله: بعد عتقه أنه لو قارن الدخول لفظ العتق لم تقع الثالثة وقد يستشكل بأنهم قالوا في البيع أنه بآخر الصيغة يتبين ملكه من أولها فقياسه هنا أنه بآخر لفظ العتق يتبين وقوعه من أوله وذلك يستلزم ملكه للثلاث من أوله, وهو مقارن للدخول في صورتنا فليقع فيهما ثم رأيت شيخنا في شرح البهجة صرح بذلك فقال إن صار قبل وجود شرطه أو معه عتيقا. "ويلحق الطلاق رجعية"; لأنها في حكم الزوجات هنا وفي الإرث وصحة الظهار والإيلاء واللعان, وهذه الخمسة عناها الشافعي رضي الله عنه بقوله الرجعية زوجة في خمس آيات من كتاب الله تعالى "لا مختلعة" لانقطاع عصمتها بالكلية في تلك الخمس وغيرها وخبر "المختلعة يلحقها الطلاق ما دامت في العدة" موضوع ووقفه على أبي الدرداء ضعيف. "ولو علقه" أي الطلاق الصادق بثلاث ودونها "بدخول" مثلا "فبانت" قبل الوطء أو بعده بفسخ أو خلع "ثم نكحها ثم دخلت لم يقع إن دخلت في البينونة"; لأن اليمين تناولت دخولا واحدا وقد وجد في حالة لا يقع فيها فانحلت ومن ثم لو علق بكلما طرقها الخلاف الآتي لاقتضائها التكرار "وكذا إن لم تدخل" فيها بل بعد تجديد النكاح فلا يقع هنا أيضا "في الأظهر" لامتناع أن يريد النكاح الثاني; لأنه يكون تعليق طلاق قبل نكاح فيتعين أن يريد الأول وقد ارتفع "وفي" قول "ثالث يقع إن بانت بدون ثلاث"; لأن العائد في النكاح الثاني ما بقي من الثلاث فتعود بصفتها, وهي التعليق بالفعل المعلق عليه بخلاف ما إذا بانت بالثلاث; لأن العائد طلقات جديدة هذا إذا علق بدخول مطلق أما لو حلف بالطلاق الثلاث أنها تدخل الدار مثلا في هذا الشهر أو أنه يقضيه أو يعطيه دينه في شهر كذا ثم أبانها قبل انقضاء الشهر وبعد تمكنها من الدخول أو تمكنه مما ذكر ثم تزوجها ومضى الشهر ولم توجد الصفة فأفتى ابن الرفعة أولا بالتخلص ووافقه صاحباه النور أبو الحسن البكري والنجم القمولي. ثم رجع وبين لهما أنه خطأ, وأن الصواب أنه ينتظر فإن لم يفعل حتى مضى الشهر تبين وقوع الثلاث قبل الخلع وبطلانه ووافقه الباجي وعلله بأنها تمكنت من فعل المحلوف عليه ولم تفعل وبحث معه السبكي محتجا للتخلص, وهو لا يلوي إلا على عدمه وهم معذورون في ذلك فإن

 

ج / 3 ص -366-        كلام الأصحاب فيه ما يشهد للتخلص كإن لم تخرجي هذه الليلة من هذه الدار فإنه ينفعه الخلع فيها, وإن أعاد عقدها ليلا وكذا في مسألة التفاحتين المذكورة في كلام الشيخين ونظائرهما ولعدمه كما لو حلف لتصلين الظهر اليوم فحاضت في وقته بعد تمكنها من فعله ولم تفعله أو لتشربن ماء هذا الكوز فانصب بعد إمكان شربه أو ليأكلن ذا غدا فتلف فيه بعد تمكنه من أكله وحاصل كلام السبكي الذي تجتمع به تلك المسائل التي ظاهرها التنافي بعد بحثه مع ابن الرفعة فيما رجع إليه وصوبه ومع الباجي أن الصيغة إن كانت لا أفعل أو إن لم أفعل تخلص; لأنها تعليق بالعدم ولا يتحقق إلا بالآخر وقد صادفها بائنا وليس لليمين هنا إلا جهة حنث فقط; لأنها تعلقت بسلب كلي هو العدم في جميع الوقت وبالوجود لا نقول حصل البر بل لم يحنث لعدم شرطه. وكلام الشيخين أواخر الطلاق في إن لم تخرجي الليلة من هذه الدار, وإن لم تأكلي هذه التفاحة اليوم نفعه الخلع صريح في أنه ينفعه في صورتنا; لأنها عين صورتيهما المذكورتين, وإن كانت لأفعلن ومثلها النفي المشعر بالزمان كإذا لم أفعل كذا لم يتخلص; لأن الفعل مقصود منه, وهو إثبات جزئي ولليمين جهة بر هي فعله وجهة حنث بالسلب الكلي الذي هو نقيضه والحنث يتحقق بمناقضة اليمين وتفويت البر فإذا التزم ذلك بالطلاق وفوته بخلع من جهته حنث لتفويته البر باختياره وكلام الشيخين في لآكلن ذا الطعام غدا صريح في ذلك انتهى وزعم أن كلام صاحب البيان وغيره يخالف ذلك مردود وقد بسطت ما في ذلك في شرح الإرشاد الكبير أول الخلع بما لا مزيد على حسنه وتحريره فراجعه وصوب البلقيني وتبعه الزركشي ما رجع عنه ابن الرفعة من التخلص مطلقا وفرق بين ما هنا ولآكلن ذا الطعام غدا فتلف فيه بعد تمكنه من أكله حنث باستحالة البر في هذه, وهنا لم يستحل مع الخلع لإمكان فعله بعد الخلع ولأنه لم يفوت محل البر بل محل الطلاق فإذا مضى الزمن المجعول ظرفا ولم يفعل المحلوف عليه لم يحنث; لأنه صادف بينونتها بالخلع واستدل له بأنه لو تمكن من الفعل في حياتها ثم ماتت لا حنث بعد فراغ الشهر لعدم المحلوف عليه ولم يقل أحد بالحنث قبيل الموت انتهى, ويرد بأنه يلزم عليه تشتت النظائر بخلاف ما تقرر. وقوله: لإمكان فعله بعد الخلع في غاية البعد; لأن فعله بعد الخلع مع صحته لا يسمى برا; لأن هذه عصمة أخرى وقوله: لم يفوت محل البر بل محل الطلاق لا ينفعه; لأن تفويت محل الطلاق يستلزم تفويت محل البر بل هو عنه كما هو واضح والفرق بين ما هنا والموت ظاهر إذ مع الموت لا ينسب لتفويت ألبتة; لأن النفوس جبلت على استبعاد وقته بخلاف غيره ولو حلف بالثلاث لا يفعل كذا ثم حلف بها لا يخالع ولا يوكل فيه فخالعها فقيل يقع الثلاث وغلط بأنه إذا خالع بانت فلا يقع المعلق به وقول الجمهور إن الشرط والجزاء يتقارنان في الزمن لا يجري هنا; لأن بينهما هنا ترتبا زمنيا; لأن وقوع الثلاث يستدعي تأخر الخلع ووقوعه يستدعي رفعها ولو كان له زوجات فحلف بالثلاث ما يفعل كذا ولم ينو واحدة ثم قال ولو قبل فعل المحلوف عليه عينت فلانة لهذا الحلف تعينت ولم يصح رجوعه عنها إلى تعيينه في غيرها وليس له قبل الحنث ولا بعده توزيع العدد;

 

ج / 3 ص -367-        لأن المفهوم من حلفه إفادة البينونة الكبرى فلم يملك رفعها بذلك.
"ولو طلق" حر "دون ثلاث وراجع أو جدد ولو بعد زوج", وإصابة "عادت ببقية الثلاث" إجماعا إذا لم يكن زوج ووفاقا لقول أكابر الصحابة إذا كان ولم يعرف لهم مخالف منهم واستدل له البلقيني بقوله تعالى
{فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} [البقرة: 23]; لأنه لم يفرق بين أن تتزوج آخر, ويدخل بها قبل الثالثة, وأن لا فاقتضى ذلك أن لا فرق "وإن ثلث" الطلاق ثم جدد بعد زوج "عادت بثلاث" إجماعا وغير الحر في الثنتين كهو فيما ذكر في الثلاث. "وللعبد" أي من فيه رق, وإن قل "طلقتان فقط", وإن تزوج حرة; لأنه المالك للطلاق فنيط الحكم به ولخبر الدارقطني مرفوعا "طلاق العبد ثنتان" وقد يملك الثالثة بأن يطلق ذمي ثنتين ثم يحارب ثم يسترق فله ردها بلا محلل اعتبارا بكونه حرا حال الطلاق ولو كان طلقها واحدة فقط ثم نكحها بعد الرق عادت له بواحدة فقط; لأنه لم يستوف عدد العبيد قبل رقه "وللحر ثلاث", وإن تزوج أمة لما مر وقد صح أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن قوله تعالى {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} أين الثالثة فقال "أو تسريح بإحسان". "ويقع في مرض موته" ولو ثلاثا إجماعا إلا ما شذ به الشعبي "ويتوارثان" أي من طلق مريضا والمطلقة "في عدة" طلاق "رجعي" إجماعا "لا بائن" لانقطاع الزوجية "وفي القديم" ونص عليه في الجديد أيضا "ترثه" بشروط ليس هذا محل ذكرها وبه قال الأئمة الثلاثة; لأن ابن عوف طلق امرأته الكلبية في مرض موته فورثها عثمان رضي الله عنهما فصولحت من ربع الثمن على ثمانين ألفا قيل دنانير وقيل دراهم; لأنه قد قصد حرمانها فعومل بنقيض قصده كما لا يرث القاتل, وإذا قصد به الفرار على الجديد كره نظير ما مر في نحو بيع مال الزكاة في أثناء الحول فرارا منها والقياس التحريم لفرقهم بين تردد الشافعي هنا وجزمه ثم بنفع الحيلة بأن هذا حق آدمي معين أي أصالة فاحتيط له وبقولي أصالة اندفع إيراد ما إذا انحصر مستحقوها وبأن المريض محجور عليه فمنع من إسقاط بعض الورثة بخلاف المالك ثم.

فصل في تعدد الطلاق
بنية العدد فيه أو ذكره, وما يتعلق بذلك.
"قال طلقتك أو أنت طالق" أو نحو ذلك من سائر الصرائح "ونوى عددا" ثنتين أو ثلاثا "وقع" ما نواه ولو في غير موطوءة; لأن اللفظ لما احتمله بدليل جواز تفسيره به كان كناية فيه فوقع قطعا واستشكل بأنه لو نذر الاعتكاف ونوى أياما ففي وجوبها وجهان قال الزركشي وكأن الفرق أن الطلاق تدخله الكناية بخلاف الاعتكاف. انتهى. وليس بشاف بل ليس بصحيح كما هو ظاهر والذي يتجه في الفرق أن التعدد في الأيام خارج عن حقيقة الاعتكاف الشرعية; لأن الشارع لم يربطها بعدد معين بخلاف التعدد في الطلاق فإنه غير خارج عن حقيقته الشرعية فكان المنوي هنا داخلا في لفظه لاحتماله له شرعا بخلافه ثم فإنه خارج عن لفظه والنية وحدها لا تؤثر في النذر. "وكذا الكناية" إذا نوى بها عددا وقع للخبر الصحيح أن ركانة طلق امرأته ألبتة ثم قال ما أردت إلا واحدة فحلفه صلى الله عليه وسلم على

 

ج / 3 ص -368-        ذلك وردها إليه دل على أنه لو أراد ما زاد عليها وقع, وإلا لم يكن لاستحلافه فائدة ونية العدد كنية أصل الطلاق فيما مر من اقترانها بكل اللفظ أو بعضه.
"فرع" قال أنت طالق ثلاثا على سائر المذاهب ففيه خلاف مر والذي يتجه أنه إن نوى بذلك شدة العناية بالتنجيز وقطع العلائق وحسم تأويلات المذاهب في رد الثلاث عنها وقع الثلاث, وإن نوى التعليق بأن قصد إيقاع طلاق اتفقت المذاهب على وقوعه لم تطلق إلا إن اتفقت المذاهب المعتد بها على أنها ممن يقع عليها الثلاث حالة التلفظ بها, وإن أطلق فللنظر فيه مجال, والمتبادر الأغلب من قائلي ذلك قصد المعنى الأول فليحمل الإطلاق عليه ثم رأيت شيخنا جزم بذلك ولو قال أنتما طالقان ثلاثا, وأطلق وقع على كل طلقتان أو بنية أن كلا طالق ثلاثا أو أن كل طلقة توزع عليهما طلقت كل ثلاثا كذا قال بعضهم وخالفه غيره فقال في أنت وضرتك طالق ثلاثا ولم تعلم نيته يقع الثلاث على كل منهما; لأن المفهوم منه ما يفيد الطلاق الموجب للبينونة الكبرى. انتهى. وفي الجزم بكون هذا هو المفهوم من هذه دون الأولى نظر ظاهر بل الوجه أنه محتمل له ولمقابله بناء على أن الإجمال بعد التفصيل هل ينزل على الكل التفصيلي أو الإجمالي. والوجه هنا الثاني إلا إن قامت القرينة الظاهرة على الأول, وهنا أصل بقاء العصمة يؤيد الثاني فهو كما يأتي في أنت طالق كألف فتعين وقوع طلقتين فقط عند الإطلاق في الصورتين وسيأتي لذلك مزيد آخر الفصل وقول الشيخين عن البوشنجي في أنت طالق ثلاثا إلا نصفا, وأطلق يقع طلقتان أي إلا نصفهن يؤيد الثاني إلا أن يفرق على بعد بأن الاستثناء هنا أفهم أنه لم يرد البينونة الكبرى بخلافه في مسألتنا.
"ولو قال أنت طالق واحدة" بالنصب كما بخطه وكذا لو حذف طالق كما بحثه الزركشي وغيره وكلام الشيخين يدل عليه "ونوى عددا فواحدة" هي التي تقع دون المنوي; لأن اللفظ لا يحتمله "وقيل" يقع "المنوي" كله مع النصب فالجر والرفع والسكون أولى ومعنى واحدة متوحدة بالعدد المنوي, وهو المعتمد في أصل الروضة نعم إن أراد طلقة ملفقة من أجزاء ثلاث طلقات أو أراد بواحدة التوحد وقعن عليهما "قلت ولو قال" أنت طالق واحدة أو "أنت واحدة" بالرفع أو الجر أو السكون "ونوى" بعد نية الإيقاع في أنت واحدة لما مر أنها من الكنايات "عددا فالمنوي" يقع حملا للتوحيد على التوحد والتفرد عن الزوج بالعدد المنوي "وقيل" تقع "واحدة والله أعلم"; لأن لفظ الواحدة لا يحتمل العدد ولو قال ثنتين ونوى ثلاثا ففي التوشيح يظهر مجيء الخلاف فيه هل يقع ما نواه أو ثنتان. انتهى. وهو بعيد; لأن الواحدة قد مر إمكان تأويلها بالتوحيد, وهنا لا يظهر تأويل الثنتين بما يصدق بالثلاث ولو قال يا مائة أو أنت مائة طالق وقع الثلاث لتضمن ذلك إنصافها بإيقاع الثلاث بخلاف أنت كمائة طالق لا يقع إلا واحدة حملا للتشبيه على أصل الطلاق دون العدد; لأنه المتيقن وبخلاف أنت طالق واحدة ألف مرة; لأن ذكر الواحدة ينفي ما بعدها, وإنما لم يحمل هنا على أن المراد بها التوحد حتى لا ينافيها ما بعدها; لأن هذا خلاف المتبادر من لفظها وإنما حملناها عليه فيما مر لاقتران نية الثلاثة به المخرجة له عن

 

ج / 3 ص -369-        مدلوله فتأمله ولو قال طلقتك ثلاثين أو طلاق فلانة ثلاثين ولم ينو الثلاث وقعت واحدة على ما قاله بعضهم في الثانية وقياسها الأولى; لأنها اليقين لاحتمال ثلاثين جزءا من طلقة وفيه نظر ظاهر بل الأوجه خلافه إذ المتبادر الظاهر ثلاثين طلقة ولا يعضده قول أصل الروضة في أنت طالق كألف إن نوى عددا فثلاث, وإلا فواحدة; لأن التشبيه فيه محتمل للأمرين على السواء فليس واحد منهما متبادرا منه. ولو قال عدد ألوان الطلاق فواحدة أو صفاته فكذلك إلا إن علم أن له صفات من بدعة وسنة, ولا وتوحيد وتثليث وغيرها أو عدد التراب فواحدة عند جمع بناء على أنه اسم جنس إفرادي أو عدد الرمل فثلاث; لأنه اسم جنس جمعي قال ابن العماد وكذا التراب; لأنه سمع ترابة ولذا قال آخرون بوقوع الثلاث فيه وقد يجاب بأن هذا لم يشتهر فيه وبه يتأيد ما قاله الأولون, ويؤيده أيضا عدم الوقوع عند جمع في أنت طال بالترخيم, وإن نواه; لأنه لا يقع في غير النداء إلا ضرورة نادرة فعلمنا أن للندرة دخلا في عدم الوقوع فأولى في عدم العدد ولو قال أنت طالق على عدد ريش الجراد لم تطلق على ما زعمه بعضهم محتجا بأن التقدير طلاقا متعددا على عدد كذا وذلك لا وجود له فلا يقع وليس في محله ومما يبطله ما تقرر في أنت طالق بعدد التراب فإنه يقع, وإنما الخلاف في الواقع ولو سلم له أن التقدير ما ذكره وقع الثلاث أيضا, وغاية ما وجه به إنما ينتج أنه طلق أكثر من ثلاث فتؤخذ الثلاث, ويلغو الباقي ومن ثم خالفه غير واحد, وأطالوا في الرد عليه بغير ما ذكرته وتعليل عدم الوقوع بأنه لا يعلم هل له ريش أو لا يرده قول الروضة في أنت طالق بعدد كل شعرة على جسد إبليس القياس المختار وقوع طلقة وليس هذا تعليقا على صفة فيقال شككنا فيها بل هو تنجيز طلاق وربط للعدد بشيء شككنا فيه فنوقع أصل الطلاق ونلغي العدد فإن الواحدة ليست بعدد وصوبه الزركشي ونقله عن غير واحد. ولو قال بعدد ضراطه وقع ثلاث; لأن له ذلك بالحديث وفي الكافي لو قال بعدد سمك هذا الحوض, ولم يعلم فيه سمك وقعت واحدة كما في أنت طالق وزن درهم أي أو ألف درهم ولم ينو عددا ولو قال بعدد شعر فلان وكان مات من مدة وشك أكان له شعر في حياته أم لا وقع ثلاث على الأوجه لاستحالة خلو الإنسان عادة عن ثلاث شعرات ولو خاصمته زوجته فأخذ بيده عصا فقال هي طالق ثلاثا مريدا العصا وقعن وفي قبوله باطنا وجهان أصحهما لا ذكره القمولي وغيره ولا ينافيه ما رجحه في الروضة فيمن له امرأتان فقال مشيرا إلى إحداهما امرأتي طالق وقال أردت الأخرى من طلاق الأخرى وحدها; لأنه لم يخرج الطلاق هنا عن موضوعه بخلافه ثم. "ولو أراد أن يقول أنت طالق ثلاثا فماتت" أو ارتدت أو أسلمت قبل الوطء أو أمسك شخص فاه "قبل تمام طالق" أو معه "لم يقع" لخروجها عن محل الطلاق قبل تمامه وظاهر أن إمساكه اختيارا قبل النطق بقاف طالق كذلك "أو" مات مثلا "بعده قبل" قوله "ثلاثا" أو معه كما فهم بالأولى "فثلاث" يقعن عليه لقصده لهن حين تلفظه بأنت طالق وقصدهن حينئذ موقع لهن, وإن لم يتلفظ بهن كما مر وبه يعلم أن الصورة أنه نوى الثلاث عند تلفظه بأنت طالق, وإنما قصد تحقيق ذلك بالتلفظ بالثلاث فإن لم ينوهن عند

 

ج / 3 ص -370-        أنت طالق, وإنما قصد أنه إذا تم نواهن عند التلفظ بلفظهن وقعت واحدة فقط ولو قصدهن بمجموع أنت طالق ثلاثا قال الأذرعي كالحسباني فهذا محل الأوجه والأقوى وقوع واحدة; لأن الثلاث والحالة هذه إنما تقع بمجموع اللفظ ولم يتم "وقيل" يقع "واحدة" لوقوع ثلاثا بعد موتها "وقيل لا شيء" إذ الكلام الواحد لا يتبعض وخرج بقوله أراد إلى آخره ما لو قاله عازما على الاقتصار عليه ثم قال ثلاثا بعد موتها فواحدة.
"تنبيه" قيل ثلاثا تمييز ورده الإمام بأنه جهل بالعربية, وإنما هو صفة لمصدر محذوف أي طلاقا ثلاثا كضربت زيدا شديدا أي ضربا شديدا وفي الرد بذلك مبالغة بل هو صحيح عربية إذ فيه تفسير للإبهام في الجملة قبله ثم رأيتهم صرحوا به كما يأتي في شرح فلو قالهن لغيرها نعم الحق أن الثاني أظهر والفرق بين هذا, وأمثاله واضح مما تقرر. "وإن قال أنت طالق أنت طالق أنت طالق" أو أنت طالق طالق طالق "وتخلل فصل" بينها بسكوت بأن يكون فوق سكتة التنفس والعي أو كلام منه أو منها مثلا, وإن قل, وهل يفرق هنا بين الأجنبي وغيره كالبيع أو لا; لأن ما هنا أضيق بدليل ما تقرر في السكوت فإنه لا يعتبر ثم بما يعتبر به هنا بل بالعرف الأزيد من ذلك كل محتمل, والفرق أوجه; لأن ما هنا فيه رفع للصريح فاحتيط له أكثر ثم رأيت ما يأتي في اتصال الاستثناء وفيه التفصيل بين الأجنبي وغيره مع قولهم إن ما هنا أبلغ منه في البيع ثم قولهم أو منها مشكل فإنها قد تتكلم بكلمة زمن سكوته بقدر سكتة التنفس والعي والذي يتجه حينئذ أن هذا لا يضر, وأن المدار إنما هو على سكوته أو كلامه لا غير "فثلاث" يقعن وإن قصد التأكيد لبعده مع الفصل; ولأنه معه خلاف الظاهر ومن ثم لو قصده دين, نعم يقبل منه قصد التأكيد والإخبار في معلق بشيء واحد كرره, وإن طال الفصل بل لو أطلق هنا لا حنث أيضا بخلاف ما إذا قصد الاستئناف "وإلا" يتخلل فصل كذلك "فإن قصد تأكيدا" للأولى أي قبل فراغها أخذا مما يأتي في الاستثناء ونحوه بالأخيرتين "فواحدة"; لأن التأكيد معهود لغة وشرعا فإن قلت الجملة الثانية إن كانت خبرية لزم انتقاء التأكيد; لأن شرطه اتحاد جنسهما والخبرية ضد الإنشائية أو إنشائية وقع ثنتان قلت يختار الأول, ويمنع لزوم ما ذكر; لأن المراد باتحاد الجنس هنا اتحاده لفظا إذ الكلام في التأكيد اللفظي والجملتان هنا خبريتان لفظا فاتحد الجنس وصح قصد التأكيد, وأن يختار الثاني, ويمنع وقوع طلقتين; لأن نية التأكيد بالثانية صيرت معناها هو عين معنى الأولى فلا دلالة لها على إيجاد غير الأولى أصلا, وإلا لزم أن لا تأكيد فإن قلت يلزم من التأكيد بالمعنى المذكور تحصيل الحاصل قلت ممنوع; لأن ملحظ التأكيد اللفظي التقوية وبالضرورة أن المعنى إذ قصد ثانيا بذلك اللفظ ازداد قوة واعتناء به من اللافظ فإفادة الثانية هذا يمنع زعم أن فيه تحصيل الحاصل ثم رأيت التاج السبكي أجاب باختيار أنها إنشائية ولا يلزم ما ذكر بأنها إنشاء للتأكيد فشاركت الأولى في أصل الإنشاء, وافترقتا فيما أنشأتاه. انتهى. وما ذكرته أجود, وأوضح ومن ثم لم يتأت فيه النظر الذي قيل في كلام التاج كما يعرف بتأمل ذلك كله "أو استئنافا فثلاث" لظهور اللفظ فيه مع تأكده بالنية "وكذا إن أطلق في الأظهر" عملا بظاهر اللفظ, وعجب قول الزركشي هذا

 

ج / 3 ص -371-        مشكل بقولهم لا بد من قصد لفظ الطلاق لمعناه وبما مر في سبق اللسان, وفي يا طالق لمن اسمها طالق. انتهى. وهو غفلة عما مر أنه لا يشترط ذلك القصد إلا عند القرينة الصارفة كما في الأخيرة, وهنا لا صارف للفظ عن مدلوله فأثر, ويأتي هذا التفصيل كما أشرت إليه فيما مر في تكرير الكناية كبائن وفي اختلاف اللفظ كأنت طالق مفارقة مسرحة وكأنت طالق بائن اعتدي وفي التكرير فوق ثلاث مرات خلافا لابن عبد السلام ومن تبعه ووفاقا للإسنوي قال كما أطلقه الأصحاب وكلام ابن عبد السلام ليس صريحا في امتناعه أي; لأنه لم يصرح به إنما قال إن العرب لا تؤكد فوق ثلاث قال الإسنوي وبتسليمه فالخروج عن الممتنع النحوي لا أثر له كما أوضحوه في الإقرار وغيره وقد صرح الغزالي في فتاويه بحاصل ما ذكرته. انتهى. وللبلقيني قال ولا ينبغي أن يتخيل أن الرابعة تقع بها طلقة لفراغ العدد; لأنه إذا صح التأكيد بما يقع لولا قصد التأكيد فلأن يؤكد بما لا يقع عند عدم قصد التأكيد أولى "وإن قصد بالثانية تأكيد الأولى وبالثالثة استئنافا أو عكس" أي قصد بالثانية استئنافا وبالثالثة تأكيد الثانية "فثنتان" عملا بقصده "أو" قصد "بالثالثة تأكيد الأولى" أو بالثانية استئنافا, وأطلق الثالثة أو بالثالثة استئنافا, وأطلق الثانية "فثلاث" يقعن "في الأصح" لتخلل الفاصل بين المؤكد والمؤكد وعملا بقصده وبظاهر اللفظ.
"تنبيه" قد يشكل وقوع الثلاث في أنت طالق طالق طالق بما مر أنه لو قال طالق ونوى أنت أو أنت ونوى طالق لا يقع به شيء, والوقوع بالثانية والثالثة هنا يستلزم تقدير أنت, ويرد بمنع الاحتياج لهذا التقدير; لأن هذا من باب تعدد الخبر لشيء واحد لقرينة عدم قصد التأكيد فإن قلت قال الرضي ما تعدد لفظا لا معنى ليس من تعدد الخبر في الحقيقة نحو زيد جائع; لأنهما بمعنى واحد والثاني في الحقيقة تأكيد للأول. انتهى. وعليه فليس هنا تعدد خبر قلت ممنوع والفرق بين ما هنا وما قاله الرضي واضح; لأنه مصرح بأن المعنى لم يتعدد فيما ذكره وما هنا متعدد المعنى إذ كل من الطلقات الثلاث له معنى مغاير لما قبله شرعا; لأن الشارع حصر المزيل للعصمة فيهن فكل منهن له دخل في إزالتها فكان في الثانية من الإزالة ما ليس في الأولى وفي الثالثة ما ليس في الثانية وحينئذ فهو حيث لم ينو تأكيدا آت بأخبار ثلاثة متغايرة عن مبتدأ واحد بخلاف ما في مثال الرضي فتأمله.
"تنبيه آخر" صريح كلامهم في نحو أنت طالق طالق طالق وأطلق وقوع الثلاث, وإن فصل بأزيد من سكتة التنفس والعي وحينئذ فهل لهذا الأزيد ضابط أو لا لم أر فيه شيئا وظاهر كلامهم الثاني, وهو مشكل إذ يلزم عليه أن من قال أنت طالق ثم بعد سنة مثلا قال طالق أنه يقع بالثاني طلقة والذي يتجه ضبط ذلك الأزيد بأن يكون بحيث ينسب الثاني إلى الأول عرفا, وإلا لم يقع بالثاني شيء; لأن أنت الذي هو خبر له كما تقرر انقطعت نسبته عنه فلم يمكن حمله عليه والعجب من النحاة في تعدد الخبر لشيء واحد أنهم لم يضبطوا ذلك بزمن أيضا فلزمهم ما لزم الفقهاء مما ذكر فتأمله.
"وإن قال أنت طالق وطالق وطالق صح قصد تأكيد الثاني بالثالث" لتساويهما في

 

ج / 3 ص -372-        الصفة, وهل مثله قصد مطلق التأكيد حملا لكلامه على الصورة الصحيحة أو لا; لأنه صريح فلا يصرف بمحتمل كل محتمل "لا الأول بالثاني" ولا بالثالث فلا يصح ظاهرا لاختصاصه بواو العطف المقتضية للمغايرة, أما باطنا فيدين فإن لم يقصد شيئا فثلاث نظير ما مر وخرج بالعطف بالواو والعطف بغيرها وحده أو معها كثم والفاء فلا يفيده قصد التأكيد مطلقا ولو حلف لا يدخلها وكرره متواليا أو لا فإن قصد تأكيد الأولى أو أطلق فطلقة أو الاستئناف فثلاث كما مر وكذا في اليمين إن تعلقت بحق آدمي كالظهار واليمين الغموس لا بالله فلا تتكرر مطلقا لبناء حقه سبحانه وتعالى على المسامحة, وهذه الصور في موطوءة ومثلها هنا وفيما يأتي من في حكمها, وهي التي دخل فيها ماؤه المحترم "فلو قالهن لغيرها فطلقة بكل حال" تقع فقط لبينونتها بالأولى وفارق أنت طالق ثلاثا بأنه تفسير لما أراده بأنت طالق فليس مغايرا له بخلاف العطف والتكرار. "ولو قال لهذه" أي غير الموطوءة "إن دخلت" الدار مثلا "فأنت طالق وطالق" أو أنت طالق وطالق إن دخلت "فدخلت فثنتان" يقعان "في الأصح" لوقوعهما معا مقترنتين بالدخول ومن ثم لو عطف بثم أو الفاء أو قلنا بالضعيف أن الواو للترتيب لم يقع إلا واحدة ولو قال لها أنت طالق أحد عشر فثلاث; لأنهما مزجا وصارا ككلمة واحدة أو أحدا وعشرين فواحدة للعطف "ولو قال لموطوءة أنت طالق طلقة مع" طلقة "أو" طلقة "معها طلقة" وكمع فوق وتحت كما رجحه شراح الحاوي وغيرهم "فثنتان" يقعان معا وفارق أنت طالق مع حفصة لا تطلق حفصة لاحتمال المعية هنا لغير الطلاق احتمالا قريبا "وكذا غير موطوءة في الأصح" لما تقرر أنهما يقعان معا كأنت طالق طلقتين. "ولو قال" أنت طالق "طلقة قبل طلقة أو" طلقة "بعدها طلقة فثنتان" يقعان مرتبا "في موطوءة" المنجزة أولا ثم المضمنة, ويدين وإن قال أردت أني سأطلقها "وطلقة في غيرها" لبينونتها بالأولى "فلو قال طلقة بعد طلقة أو قبلها طلقة فكذا" يقع ثنتان في موطوءة مرتبا المضمنة أولا ثم المنجزة وقيل عكسه وبلغو قوله قبلها كأنت طالق أمس يلغو أمس, ويقع حالا وواحدة في غيرها "في الأصح" لما مر نعم يصدق بيمينه في قوله أردت قبلها طلقة مملوكة أو ثابتة أو أوقعها زوج غيري وعرف على ما يأتي في طالق أمس فلا يقع إلا واحدة في موطوءة. "ولو قال" أنت طالق "طلقة في طلقة, وأراد مع" طلقة "فطلقتان" ولو في غير موطوءة لصلاحية اللفظ له قال تعالى {ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ} [لأعراف: 38] أي معهم "أو الظرف أو الحساب أو أطلق فطلقة"; لأنه مقتضى الأولين والأقل في الثالث "ولو قال نصف طلقة في طلقة فطلقة بكل حال" من هذه الأحوال الثلاثة لوضوح أنه إذا قصد المعية يقع ثنتان وفي حاشية نسخته بغير خطه نصف طلقة في نصف طلقة توهما من كاتبيها اعتراض ما بخطه دون ما كتبه الموافق للمحرر والشرح وليس كما توهم إذ محل هذه أيضا ما لم يقصد المعية, وإلا وقع بها ثنتان كما قاله الزركشي تبعا لشيخيه الإسنوي والبلقيني; لأن التقدير نصف طلقة مع نصف طلقة فهو كنصف طلقة ونصف طلقة لكن رده شيخنا في شرح منهجه بأنا لا نسلم أنه لو قال هذا المقدر يقع ثنتان, وإنما وقع في نصف طلقة ونصف طلقة لتكرر طلقة مع العطف المقتضي للتغاير بخلاف مع

 

ج / 3 ص -373-        فإنها إنما تقتضي المصاحبة, وهي صادقة بمصاحبة نصف طلقة لنصفها. انتهى. وقد يجاب بأن هذا إنما يتجه عند الإطلاق أما عند قصد المعية التي تفيد ما لا تفيده الظرفية, وإلا لم يكن لقصدها فائدة فالظاهر المتبادر منه أن كل جزء من طلقة; لأن تكرير الطلقة المضاف إليها كل منهما ظاهر في تغايرهما وقد مر في شرح قوله في الإقرار ولو قال درهم في عشرة ما يوضح هذا, ويبين أن نية المعية تفيد ما لا يفيده لفظها كما صرحوا به ثم مع استشكاله والجواب عنه فراجعه فإنه مهم. "ولو قال" أنت طالق "طلقة في طلقتين وقصد معية فثلاث" يقعن ولو في غير الموطوءة لما مر "أو" قصد "ظرفا فواحدة"; لأنها مقتضاه "أو حسابا وعرفه فثنتان"; لأنهما موجبه عند أهله "فإن جهله وقصد معناه" عند أهله "فطلقة" لبطلان قصد المجهول "وقيل ثنتان"; لأنهما موجبه وقد قصده "وإن لم ينو شيئا فطلقة" عرفه أو جهله; لأنها اليقين "وفي قول ثنتان إن عرف حسابا"; لأنه مدلوله وفي ثالث ثلاث لتلفظه بهن ولو قال لا أكتب معك في شهادة ولم ينو أنه لا يجتمع خطاهما في ورقة بر بأن يكتب أولا ثم رفيقه; لأن الأول لا يسمى حينئذ أنه كتب مع الثاني بخلاف العكس, ويقاس بذلك نظائره نعم يظهر فيما استدامته كابتدائه نحو لا أقعد معك أنه لا فرق بين تقدم الحالف وتأخره.
"ولو قال" أنت طالق "بعض طلقة" أو نصف طلقة أو ثلثي طلقة "فطلقة إجماعا"; لأنه لا يتبعض "أو نصفي طلقة فطلقة"; لأنها مجموعهما ورجح الإمام في نحو بعض أنه من باب التعبير بالبعض عن الكل, وزيف كونه من باب السراية وقضية كلام الرافعي أن هذا نظير ما مر في يدك طالق فيكون من باب السراية, وهو الأصح وتظهر فائدة الخلاف في ثلاثا إلا نصف طلقة فعلى الثاني يقعن, وهو الأصح; لأن السراية في الإيقاع لا في الرفع تغليبا للتحريم وفي طلقني ثلاثا بألف فطلق واحدة ونصفا يقع ثنتان, ويستحق ثلثي الألف على الأول ونصفه على الثاني, وهو الأصح اعتبارا بما أوقعه لا بما سرى عليه كما مر "إلا أن يريد كل نصف من طلقة" فيقع ثنتان عملا بقصده "والأصح أن قوله" أنت طالق "نصف طلقتين" ولم يرد ذلك يقع به "طلقة"; لأنها نصفهما وحمله على نصف من كل ويكمل بعيد, ويفرق بينه وبين ما لو أقر بنصف هذين يكون مقرا بنصف كل منهما بأن الشيوع هو المتبادر من الأعيان, ويؤيده أنه لو قال على نصف درهمين لزمه درهم اتفاقا ولم يجر فيه الخلاف هنا "وثلاثة أنصاف طلقة" ولم يرد ذلك طلقتان تكميلا للنصف الزائد وحمله على كل نصف من طلقة ليقع ثلاث أو إلغاء النصف الزائد; لأن الواحد لا يشتمل على تلك الأجزاء فتقع طلقة بعيد, وإن اعتمد البلقيني الثاني "أو نصف طلقة وثلث طلقة طلقتان" لإضافته كل جزء إلى طلقة وعطفه, وكل منهما يقتضي التعاير ومن ثم لو حذف الواو وقعت طلقة فقط لضعف اقتضاء الإضافة وحدها للتغاير ولو قال خمسة أنصاف طلقة أو سبعة أثلاث طلقة فثلاث "ولو قال نصف وثلث طلقة فطلقة" لضعف اقتضاء العطف وحده للتغاير ومجموع الجزأين لا يزيد على طلقة بل عدم ذكر طلقة إثر كل جزء دليل ظاهر على أن المراد أجزاء طلقة واحدة.
"ولو قال; لأربع أوقعت عليكن أو بينكن طلقة أو طلقتين أو ثلاثا أو أربعا وقع

 

ج / 3 ص -374-        على كل طلقة"; لأن كلا يصيبهما عند التوزيع واحدة أو بعضها فتكمل "فإن قصد توزيع كل طلقة عليهن وقع في ثنتين ثنتان وفي ثلاث أو أربع ثلاث" عملا بقصده بخلاف ما إذا أطلق لبعده عن الفهم ولهذا لو قيل أقسم هذه الدراهم على هؤلاء الأربعة لا يفهم منه قسمة كل منها عليهم قال أبو زرعة وكأن بعض أهل العصر أخذ من هذا في أنتما طالقان ثلاثا, وأطلق أنه يقع على كل ثنتان توزيعا للثلاث عليهما والأقرب عندي وقوع الثلاث على كل منهما كما هو مقتضى اللفظ إذ هو من الكلي التفصيلي فيرجع ثلاث لجميعهما لا مجموعهما. انتهى. وفيه وقفة بل الأول هو الأقرب إلى اللفظ, ويعضده أصل بقاء العصمة فلم يقع إلا المحقق كما مر, ويؤيد ذلك قوله: فيمن حلف أن امرأته ليست بمصر, وهي بالقاهرة ومصر تطلق على كل البلد المعروفة وليست القاهرة منها وعلى الإقليم كله, وهي منه فإن لم يرد شيئا بني على أن حمل المشترك على معنييه احتياط كما نقله البيضاوي أو عموم كما نقله الآمدي فعلى الأول لا يقع شيء للشك بخلافه على الثاني لتناول لفظه له "فإن قال أردت بينكن بعضهن لم يقبل ظاهرا في الأصح"; لأنه خلاف ظاهر اللفظ من اقتضاء الشركة أما باطنا فيدين وعليكن كذلك لكن جزما على ما فيه ولو أوقع بينهن ثلاثا ثم قال أردت إيقاع ثنتين على هذه وقسمة الأخرى على الباقيات قبل. "ولو طلقها ثم قال لأخرى أشركتك معها أو أنت كهي" أو جعلتك شريكتها أو مثلها "فإن نوى" الطلاق بقوله ذلك "طلقت, وإلا فلا"; لأنه كناية ولو طلق هو أو غيره امرأة ثلاثا ثم قال لامرأته أشركتك معها فإن نوى أصل الطلاق فواحدة أو مع العدد فطلقتان; لأنه يخصها واحدة ونصف على المعتمد فإن زاد بعد معها في هذا الطلاق لواحدة ثم لأخرى طلقت الثانية ثنتين والثالثة واحدة نص عليه هذا في التنجيز فلو علق طلاق امرأته بدخول مثلا ثم قال ذلك لأخرى روجع فإن قصد أن الأولى لا تطلق حتى تدخل الأخرى لم يقبل; لأنه رجوع عن التعليق, وهو لا يجوز أو تعليق طلاق الثانية بدخول الأولى أو بدخولها نفسها صح إلحاقا للتعليق بالتنجيز "وكذا لو قال آخر ذلك لامرأته" فإن نوى طلقت, وإلا فلا; لأنه كناية ولو قال أنت طالق عشرا فقالت يكفيني ثلاث فقال البواقي لضرتك لم يقع على الضرة شيء; لأن الزيادة على الثلاث لغو كما قالاه هنا نعم إن نوى به طلاقها طلقت ثلاثا أخذا مما قدمناه في الكناية.
"فرع" جلس نساؤه الأربع صفا فقال الوسطى منكن طالق وقع على الثانية أو الثالثة فيعين من شاء منهما; لأن المفهوم من الوسطى الاتحاد ومن ثم نص في مكاتب عليه أربع نجوم فقال سيده ضعوا عنه أوسطها على أن الوارث يتخير بين الثاني والثالث وزعم أن الوسطى من يستوي جانباها فلا وسطى هنا ممنوع; لأن ذاك بالنظر للحقيقة وما هنا المعتبر فيه العرف قال القاضي فإن قال من كان منكن الوسطى فهي طالق وقع عليهما. انتهى. وفيه وقفة; لأن قوله من, وإن شملتهما لكن قوله فهي يقتضي التوحيد فلتكن كالأولى ولعل ما قاله مبني على الضعيف في الأولى أنه يقع عليهما أو متحلقات فللقاضي احتمالان لا يقع شيء, ويقع على واحدة, ويعينها, وهو الأوجه لما مر أن الوسطى لا تتناول إلا واحدة لكنها هنا مبهمة في الكل إذ كل منهن تسمى وسطى فليعين واحدة منهن قال فإن قال من كان

 

ج / 3 ص -375-        منكن الوسطى فهي طالق احتمل أن يقع على الكل. انتهى. وهو مبني على ما مر عنه مع التوقف فيه.

فصل في الاستثناء
"يصح الاستثناء" لوقوعه في القرآن والسنة وكلام العرب, وهو: الإخراج بنحو إلا كأستثني وأحط كما مر في الإقرار, وكذا التعليق بالمشيئة وغيرها من سائر التعليقات كما اشتهر شرعا فكل ما يأتي من الشروط ما عدا الاستغراق عام في النوعين "بشرط اتصاله" بالمستثنى منه عرفا بحيث يعد كلاما واحدا, واحتج له الأصوليون بإجماع أهل اللغة وكأنهم لم يعتدوا بخلاف ابن عباس فيه لشذوذه بفرض صحته عنه "ولا يضر" في الاتصال "سكتة تنفس وعي" ونحوهما كعروض سعال وانقطاع صوت, والسكوت للتذكر كما قالاه في الأيمان, ولا ينافيه اشتراط قصده قبل الفراغ; لأنه قد يقصده حالا ثم يتذكر العدد الذي يستثنيه وذلك; لأن ما ذكر يسير لا يعد فاصلا عرفا بخلاف الكلام الأجنبي, وإن قل لا ما له به تعلق, وقد قل أخذا من قولهم: لو قال: أنت طالق ثلاثا يا زانية إن شاء الله صح الاستثناء. فإن قلت: صرحوا بأن الاتصال هنا أبلغ منه بين إيجاب نحو البيع وقبوله, والذي تقرر يقتضي أنه مثله قلت ممنوع بل لو سكت ثم عبثا يسيرا عرفا لم يضر, وإن زاد على سكتة نحو التنفس بخلافه هنا "قلت ويشترط أن ينوي الاستثناء" وألحق به ما في معناه كأنت طالق بعد موتي, وهو معلوم من قولنا: وكذا التعليق إلى آخره "قبل فراغ اليمين في الأصح والله أعلم"; لأنه رافع لبعض ما سبق فاحتيج قصده للرفع بخلافه بعد فراغ لفظ اليمين إجماعا على ما حكاه غير واحد لكنه معترض بأن فيه وجها رجحه جمع وحكاه الروياني عن الأصحاب أما إذا اقترنت بكله فلا خلاف فيه أو بأوله فقط أو آخره فقط أو أثنائه فقط فيصح كما شمل ذلك كله المتن, ويظهر أن يأتي في الاقتران هنا بأنت من أنت طالق ثلاثا إلا واحدة أو إن دخلت ما مر في اقترانها بأنت من أنت بائن فإن قلت: لم لم يجر الخلاف المار في نية الكناية هنا؟ قلت يمكن الفرق بأن المستثنى صريح في الرفع فكفى فيه أدنى إشعار به بخلاف الكناية فإنها لضعف دلالتها على الوقوع تحتاج إلى مؤكد أقوى, وهو اقتران النية بكل اللفظ على ما مر ثم رأيت الشيخين نقلا عن المتولي وأقراه فيمن قال: أنت طالق ونوى إن دخلت أنه إن نوى ذلك أثناء الكلمة فوجهان كما في نية الكناية انتهى. وهو يقتضي أن يأتي هنا ما مر في الكناية لكنه يشكل على المتن فإنه صرح ثم باقتران نيتها بكل اللفظ, وهنا باكتفاء مقارنة النية لبعضه, ولا مخلص عن ذلك إلا بما فرقت به, وإنما ألحق ما ذكراه بالكناية; لأن الرفع فيه على القول به بمجرد النية مثلها بخلاف ما هنا فتأمله "ويشترط" أيضا أن يعرف معناه ولو بوجه وأن يتلفظ به بحيث يسمع نفسه إن اعتدل سمعه, ولا عارض, وإلا لم يقبل وأن لا يجمع مفرق, ولا يفرق مجتمع في مستثنى أو مستثنى منه أو فيهما لأجل الاستغراق أو عدمه و "عدم استغراقه" فالمستغرق كثلاثا إلا ثلاثا باطل إجماعا فيقع الثلاث "ولو قال: أنت طالق ثلاثا إلا ثنتين وواحدة

 

ج / 3 ص -376-        فواحدة" لما تقرر أنه لا يجمع مفرق لأجل الاستغراق بل يفرد كل بحكمه كما هو شأن المتعاطفات, ومن ثم طلقت غير موطوءة في طالق وطالق واحدة, وفي طلقتين ثنتين وإذا لم يجمع المفرق كان المعنى إلا ثنتين لا يقعان فتقع واحدة فيصير قوله وواحدة مستغرقا فيبطل وتقع واحدة "وقيل ثلاث" بناء على الجمع فيكون مستغرقا فيبطل من أصله "أو" أنت طالق "ثنتين وواحدة إلا واحدة فثلاث"; لأنه إذا لم يجمع لأجل عدم الاستغراق كانت الواحدة مستثناة من الواحدة, وهو مستغرق فيبطل ويقع الثلاث "وقيل ثنتان" بناء على الجمع في المستثنى منه.
"تنبيه" من المستغرق كل امرأة لي طالق غيرك, ولا امرأة له سواها صرح به السبكي وسبقه إليه القفال والقاضي في فتاويه غير المشهورة لكنه أعني القفال قيده بما إذا لم يقله على سبيل الشرط; لأنه حينئذ استثناء, وهو مع الاستغراق لا يصح فكأنه قال: أنت طالق إلا أنت, ومن ثم قال في الروضة عن القفال: لو قال كل امرأة لي طالق إلا عمرة وليس له امرأة سواها طلقت وأطلق الإسنوي عدم الوقوع, وقيده غيره بما إذا كانت قرينة, والذي يتجه ترجيحه أنه يقع ما لم يرد أن غيرك صفة أخرت من تقديم, وهو مراد القفال بإرادة الشرط أو تقم قرينة على إرادتها كأن خاطبته بتزوجت علي؟ فقال: كل إلخ ويوجه ذلك بأن ظاهر اللفظ الاستثناء فأوقعنا به قصد الاستثناء أو أطلق; لأنه حيث لا قصد للصفة, ولا قرينة لم يعارض ذلك الظاهر شيء, وقول الإسنوي: الأصل بقاء العصمة يرد بأنهم أخذوا بظاهر اللفظ في مسائل كثيرة كما هو واضح من كلامهم, ولم يلتفتوا للأصل المذكور ومما يؤيد الحمل فيما ذكر على الاستثناء لكونه المتبادر من هذا اللفظ قول الرضي حمل غير على إلا أكثر من العكس, وقول الرافعي عن الجمهور في له علي درهم غير دانق بالرفع يلزمه خمسة دوانق عند الجمهور; لأنه السابق إلى فهم أهل العرف, وإن أخطأ في الإعراب انتهى. وزعم أن في إرادة الصفة نسخ اللفظ بعد وقوعه كما في أنت طالق غير طالق يرد بأن هذا لا انتظام فيه بل يعد كلاما مفلتا عرفا بخلاف: كل امرأة لي طالق غيرك, وإذا كان منتظما عرفا فالكلام لا يتم إلا بآخره, وقول الإسنوي إن الخوارزمي صرح في صورة التأخير بعدم الوقوع سهوا فإن الذي في عبارته تقديم سواك على طالق, وهي: خطب امرأة فامتنعت; لأنه متزوج فوضع امرأته في المقابر ثم قال: كل امرأة لي سوى التي في المقابر طالق لم يقع عليه طلاق انتهى وهذه أعني: كل امرأة لي غيرك طالق لا نزاع في عدم الوقوع فيها أي إلا أن ينوي الاستثناء نصب أو لا وفارق غيرك صفة غيرك استثناء بأن الأولى تفيد السكوت عما بعدها كجاء رجل غير زيد فزيد لم يثبت له مجيء, ولا عدمه والثانية تفيد لما بعدها ضد ما قبلها, ولا فرق في الحالين أعني تقديم غير وتأخيرها بين الجر وقسيميه; لأن اللحن بفرض تأتيه هنا لا يؤثر, ولا بين النحوي وغيره, ولا بين غير وسوى, وإذا صرح الخوارزمي في سوى بما مر مع قول جمع إنها لا تكون صفة فغير المتفق على جواز كونها صفة أولى.
"وهو" أي الاستثناء بنحو إلا "من نفي إثبات وعكسه" أي من الإثبات نفي خلافا لأبي

 

ج / 3 ص -377-        حنيفة فيهما وسيأتي في الإيلاء قاعدة مهمة في نحو لا أطؤك سنة إلا مرة, ولا أشكوه إلا من حاكم الشرع, ولا أبيت إلا ليلة حاصلها عدم الوقوع فراجع ذلك فإنه دقيق مهم, ومنه إن لم يكن في الكيس إلا عشرة دراهم فأنت طالق فلم يكن فيه شيء فلا تطلق, وفي لا أفعله إلا إن جاء ولدي من سفره فمات ولده قبل مجيئه ثم فعله تردد, وسيأتي في تلك القاعدة أن الثابت بعد الاستثناء هو نقيض الملفوظ به قبله, والذي قبله هنا الامتناع مطلقا, ونقيضه التخيير بعد مجيء الولد بين الفعل وعدمه فإذا انتفى مجيئه بقي الامتناع على حاله, وقضيته حنثه بفعله بعد موته مطلقا, وأما إفتاء بعضهم في هذه بأنه إن كان أعلم ولده باليمين ومات قبل تمكنه من المجيء لم يقع, وإلا وقع فبعيد جدا بل لا وجه له كما هو ظاهر بأدنى تأمل فلو قال ثلاثا إلا ثنتين إلا طلقة فثنتان"; لأن المعنى ثلاثا يقعن إلا ثنتين لا يقعان إلا واحدة تقع "أو" أنت طالق "ثلاثا إلا ثلاثا لا ثنتين فثنتان"; لأنه لما عقب المستغرق بغيره خرج عن الاستغراق نظرا للقاعدة المذكورة أي ثلاثا تقع إلا ثلاثا لا تقع إلا ثنتين يقعان "وقيل ثلاث"; لأن المستغرق لغو فيلغو ما بعده "وقيل طلقة" إلغاء للمستغرق وحده "أو" أنت طالق "خمسا إلا ثلاثا فثنتان" اعتبارا للاستثناء من الملفوظ; لأنه لفظ فاتبع فيه موجب اللفظ "وقيل ثلاث" اعتبارا له بالمملوك فيكون مستغرقا فيبطل "أو" أنت طالق "ثلاثا إلا نصف طلقة" أو إلا أقله, ولا نية له على ما في الاستقصاء "فثلاث على الصحيح" تكميلا للنصف الباقي في المستثنى منه, ولم يعكس; لأن التكميل إنما يكون في الإيقاع تغليبا للتحريم فإن قال إلا نصفا روجع فإن أراد نصف طلقة فكذلك أو نصف الثلاث أو أطلق فثنتان كما مر أول الفصل الذي قبل هذا "ولو قال: أنت طالق إن" أو إذا أو متى مثلا "شاء الله" أو أراد أو رضي أو أحب أو اختار أو أنت طالق بمشيئته "أو" قال: أنت طالق "إن" أو إذا مثلا "لم يشأ الله وقصد التعليق" بالمشيئة قبل فراغ اليمين, ولم يفصل بينهما وأسمع نفسه كما مر "لم يقع" أما في الأول فللخبر الصحيح "من حلف ثم قال إن شاء الله فقد استثنى", وهو عام للطلاق وغيره, وفي خبر لأبي موسى الأصفهاني "من أعتق أو طلق واستثنى فله ثنياه" وعلله أصحابنا المتكلمون بأنه يقتضي مشيئة جديدة, ومشيئته - تعالى - قديمة فهو كالتعليق بمشيئة زيد, وقد كان شاء في الماضي, والفقهاء بأن مشيئته تعالى لا تعلم لنا, وبه يفرق بين صحة هذا دون المستغرق; لأن المستغرق يمنع انتظام اللفظ بخلاف هذا وأجاب الرافعي عن الأول بأنها, وإن كانت قديمة لكنها تتعلق بالحادثات, وتصير الحادث عند حدوثه مرادا, فإن شاء الله تعليق بذلك التعلق المتجدد ثم معنى إن شاء الله في أنت طالق ثلاثا إن شاء الله أي إن شاء طلاقك ثلاثا لانصراف اللفظ لجملة المذكور. وفي أنت طالق إن شاء الله أي طلاقك الذي علقته لا مطلقا فحينئذ لا يرد ما لو قال بعد أحد هذين التعليقين طلقتك نظرا إلى أن قضية ما علل به الفقهاء وقوعهما; لأنه بطلاقه لها علم مشيئته - تعالى - لطلاقها ووجه عدم إيراده أنه لم يوجد الطلاق المعلق عليه, وأما في الثاني فلاستحالة الوقوع بخلاف مشيئة الله - تعالى, وهذا يناسب الأول ولأن عدم المشيئة غير معلوم أيضا, وهذا يناسب الثاني لا يقال: يلزم من عدم الوقوع تحقق عدم المشيئة الذي هو الشرط

 

ج / 3 ص -378-        اللازم من تحققه وقوع الطلاق; لأنا نقول: لو وقع لانتفت الصفة; إذ لا يقع إلا بمشيئة الله - تعالى, وبانتفائها ينتفي المعلق بها وإيضاحه أنه لو وقع لكان بالمشيئة ولو شاء الله وقوعه لانتفى عدم مشيئته فلا يقع لانتفاء المعلق عليه فلزم من وقوعه عدم وقوعه لما بين الشرط والجزاء من التضاد وخرج بقصد التعليق ما إذا سبق لسانه أو قصد التبرك أو أن كل شيء بمشيئة الله - تعالى - أو لم يعلم هل قصد التعليق أو لا, وكذا إن أطلق خلافا للإسنوي وكون اللفظ للتعليق لا ينافي اشتراط قصده كما أن الاستثناء للإخراج واشترط فيه ذلك ولو قال: أنت طالق إن شاء الله, وإن لم يشأ أو شاء أو لم يشأ أو إن شاء أو إن لم يشأ في كلام واحد طلقت "وكذا يمنع" التعليق بالمشيئة "انعقاد تعليق" كأنت طالق إن دخلت إن شاء الله لعموم الخبر السابق وكالتخيير بل أولى "وعتق" تنجيزا وتعليقا "ويمين" كوالله لأفعلن كذا إن شاء الله "ونذر" كعلي كذا إن شاء الله "وكل تصرف" غير ما ذكر من كل عقد وحل وإقرار ونية عبادة "ولو قال يا طالق إن شاء الله وقع في الأصح"; لأن النداء يقتضي تحقق الاسم أو الصفة حال النداء, ولا يقال في الحاصل: إن شاء الله بخلاف أنت كذا فإنه قد يستعمل للقرب من الشيء كأنت واصل أو صحيح للمتوقع قرب وصوله أو شفائه, وفي يا طالق أنت طالق ثلاثا إن شاء الله وأنت طالق ثلاثا يا طالق إن شاء الله يرجع الاستثناء لغير النداء فيقع واحدة قال القاضي: ومحل ذلك كله فيمن ليس اسمها طالقا, وإلا لم يقع شيء أي ما لم يقصد الطلاق "أو" قال "أنت طالق إلا أن يشاء الله فلا" يقع شيء "في الأصح" إذ المعنى إلا أن يشاء عدم تطليقك, ولا اطلاع لنا على ذلك نظير ما مر وانتصر جمع للمقابل بأنه الذي عليه الجمهور; لأنه أوقعه وجعل الخلاص بالمشيئة, وهي غير معلومة فهو كأنت طالق إلا أن يشاء زيد فمات, ولم تعلم مشيئته قال الأذرعي ومحل الخلاف إذا أطلق فإن ذكر شيئا اعتمد قوله وأفتى ابن الصلاح فيمن قال لا أفعل كذا إلا أن يسبقني القضاء أو القدر ثم فعله وقال: قصدت إخراج ما قدر منه عن اليمين لم يحنث.

فصل
شك في أصل "الطلاق" منجز أو معلق هل وقع منه أو لا فلا يقع إجماعا "أو في عدد" بعد تحقق أصل الوقوع "فالأقل"; لأنه اليقين "ولا يخفى الورع" في الصورتين, وهو الأخذ بالأسوأ للخبر الصحيح "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" ففي الأول يراجع أو يجدد إن رغب, وإلا فلينجز طلاقها لتحل لغيره يقينا, وفي الثاني يأخذ بالأكثر فإن كان الثلاث لم ينكحها إلا بعد زوج, فإن أراد عودها له بالثلاث أوقعهن عليها, وفيما إذا شك هل طلق ثلاثا أم لم يطلق أصلا الأولى أن يطلق ثلاثا لتحل لغيره يقينا ولتعود له بعده يقينا وبالثلاث.
"تنبيه" ذكرهم ثلاثا هنا إنما هو ليحصل له مجموع الفوائد الثلاث المذكورة لا لتوقف كل منهن على الثلاث فتأمله.
"ولو قال إن كان ذا الطائر غرابا فأنت طالق وقال آخر إن لم يكنه" أي هذا الطائر غرابا "فامرأتي طالق وجهل" حاله "لم يحكم بطلاق أحد" منهما; لأن أحدهما لو انفرد بما قاله

 

ج / 3 ص -379-        لم يحكم بطلاقه لجواز أنه غير المعلق عليه فتعليق الآخر لا يغير حكمه "فإن قالهما رجل لزوجتيه طلقت إحداهما" يقينا إذ لا واسطة "ولزمه البحث" عنه إن أمكن علمه لنحو علامة يعرفها فيه "والبيان" للمطلقة منهما وعبر غير واحد بقوله: والبيان لزوجتيه أي أن يظهر لهما الحال لتعلم المطلقة من غيرها فلا تنافي بين العبارتين, ويلزمه أيضا اجتنابهما إلى بيان الحال أما إذا لم يمكنه ذلك فلا يلزمه بحث, ولا بيان كما بحثه الأذرعي وغيره, وكذا إن كان الطلاق رجعيا كما يأتي; لأن الرجعية زوجة.
"تنبيه" يؤخذ من تعبيره بالبيان هنا مع ما يأتي له أن هذا تعيين لا بيان أن محل الفرق بينهما إن جمعا, وإلا جاز استعمال كل من اللفظين في كل من المحلين.
"ولو طلق إحداهما بعينها" كأن خاطبها به أو نواها عند قوله إحداكما طالق "ثم جهلها" بنحو نسيان "وقف" وجوبا الأمر من وطء وغيره عنهما "حتى يذكر" المطلقة أي يتذكرها; لأن إحداهما حرمت عليه يقينا, ولا مجال للاجتهاد هنا "ولا يطلب ببيان" للمطلقة "إن صدقناه في الجهل" بها; لأن الحق لهما فإن كذبناه وبادرت واحدة, وقالت: أنا المطلقة طولب بيمين جازمة أنه لم يطلقها, ولم يقنع منه بنحو نسيت, وإن احتمل فإن نكل حلفت وقضي لها, فإن قالت الأخرى ذلك فكذلك. "ولو قال لها ولأجنبية" أو أمة "إحداكما طالق, وقال قصدت الأجنبية" أو الأمة "قبل" قوله "في الأصح" بيمينه لتردد اللفظ بينهما فصحت إرادتها واستشكل بما لو أوصى بطبل من طبوله فإنه ينصرف للصحيح, ويرد بأنهما على حد واحد; لأن ذاك حيث لا نية له, وهنا إذا لم تكن له نية ينصرف لزوجته أما إذا لم يقل ذلك فتطلق زوجته نعم إن كانت الأجنبية مطلقة منه أو من غيره لم ينصرف لزوجته على ما بحثه الإسنوي لصدق اللفظ عليهما صدقا واحدا مع أصل بقاء الزوجية وكما لو أعتق عبده ثم قال له ولعبد له آخر أحدكما حر لا يعتق الآخر, وأما إذا قال ذلك لزوجته ورجل أو دابة فلا يقبل قوله قصدت أحد هذين; لأنه ليس محلا للطلاق. "ولو قال" ابتداء أو بعد سؤال طلاق "زينب طالق" وهو اسم زوجته واسم أجنبية "وقال: قصدت الأجنبية فلا" يقبل "على الصحيح" ظاهرا بل يدين لاحتماله, وإن بعد إذ الاسم العلم لا اشتراك, ولا تناول فيه وضعا فالطلاق مع ذلك لا يتبادر إلا إلى الزوجة بخلاف أحد فإنه يتناولها وضعا تناولا واحدا فأثرت نية الأجنبية حينئذ, وهل يأتي بحث الإسنوي هنا فيقبل منه تعيين زينب التي عرف لها طلاق منه أو من غيره أو يفرق بأن التبادر هنا لزوجته أقوى فلا يؤثر فيه ذلك كل محتمل, وهل ينفعه تصديق الزوجة في مسألة المتن قيل نعم والأوجه لا ولو قال: زوجتي فاطمة بنت محمد طالق وزوجته زينب بنت محمد طلقت إلغاء للخطأ في الاسم لقوله زوجتي الذي هو القوي بعدم الاشتراك فيه ويؤيده ما مر من صحة زوجتك بنتي زينب, وليست له إلا بنت اسمها فاطمة; لأن البنتية لا اشتراك فيها بخلاف الاسم فإفتاء بعضهم بعدم الوقوع نظرا للخطأ في الاسم غير صحيح نعم قولهم: البنتية لا اشتراك فيها مرادهم به البنتية المضافة إليه وليس له إلا بنت واحدة فلا ينافيه ما لو قال لأم زوجته: بنتك طالق وقصد بنتها الثانية فإنه يقبل أي نظير ما تقرر في إحداكما.

 

ج / 3 ص -380-        "ولو قال لزوجتيه: إحداكما طالق وقصد معينة" منهما "طلقت"; لأن اللفظ صالح لكل منهما "وإلا" يقصد معينة بل أطلق أو قصد مبهمة أو طلاقهما معا كما يأتي وصرح به العبادي, وهو مراد الإمام بقوله: لا يطلقان "فإحداهما" يقع عليها الطلاق مع إبهامها "ويلزمه البيان في الحالة الأولى والتعيين في الثانية" لتعلم المطلقة فيترتب عليها أحكام الفراق "ويعزلان عنه إلى البيان أو التعيين" لاختلاط المحرمة بالمباحة "وعليه البدار بهما" أي بالبيان أو التعيين إن طلبتاه أو إحداهما لرفع حبسه المفارقة منهما فإن أخر بلا عذر أثم وعزر إن امتنع, وإن نازع فيه البلقيني هذا في البائن أما الرجعي فلا يجب فيه بيان, ولا تعيين ما بقيت العدة; لأن الرجعية زوجة أما إذا لم يطالباه قال ابن الرفعة فلا وجه لإيجابه; لأنه حقهما وحق الله تعالى فيه الانعزال, وقد أوجبناه, وهو متجه المدرك لكن صريح كلامهم خلافه ويوجه بأن بقاءهما عنده ربما أوقعه في محذور لتشوف نفس كل إلى الآخر نظير ما مر في الصداق في تعليم المطلقة قبل الدخول وعليه لو استمهل أمهل ثلاثة أيام على الأوجه "و" عليه "نفقتهما" وسائر مؤنهما "في الحال" فلا يؤخر إلى التعيين أو البيان لحبسهما عنده حبس الزوجات, وإن لم يقصر في تأخير ذلك, وإذا بين أو عين لم يسترد منهما شيئا وبقولي فلا إلى آخره علم الجواب عن قول شارح لم أفهم ما أراد بالحال. "ويقع الطلاق" في قوله: إحداكما طالق "باللفظ" جزما إن عين, وعلى الأصح إن لم يعين "وقيل: إن لم يعين ف" لا يقع إلا "عند التعيين" وإلا لوقع لا في محل, ويرد بمنع هذا التلازم, وإنما اللازم وقوعه في محل مبهم, وهو لا يؤثر; لأنه إبهام تعلم عاقبته بالتعيين; لأنه يتبين به أن لفظ الإيقاع يحمل عليه من حينه ألا ترى أنه لا يحتاج وقته للفظ إيقاع جديد, وتعتبر العدة من اللفظ أيضا إن قصد معينة, وإلا فمن التعيين, ولا بدع في تأخر حسبانها عن وقت الحكم بالطلاق ألا ترى أنها تجب في النكاح الفاسد بالوطء, ولا تحسب إلا من التفريق فإن قلت: ما الفرق بين الوقوع وبينها؟ قلت يفرق بأن الوقوع لا ينافي الإبهام المطلق; لأنه حكم الشرع بخلافها فإنها أمر حسي, وهو لا يمكن وقوعه مع ذلك الإبهام; لأن الطلاق قبل التعيين لم يتوجه لواحدة بخصوصها, ولا في نفس الأمر "والوطء ليس بيانا" للتي قصدها قطعا; لأن الطلاق لا يقع بالفعل فكذا بيانه فإن بين الطلاق في الموطوءة حد في البائن, ولزمه المهر لعذرها بالجهل أو في غيرها قبل فإن ادعت الموطوءة أنه أرادها حلف فإن نكل وحلفت طلقتا, وعليه المهر, ولا حد للشبهة "ولا تعيينا" للموطوءة للنكاح لما مر وكما لا تحصل الرجعة بالوطء, ويلزمه المهر للموطوءة إذا عينها للطلاق "وقيل تعيين" ونقل عن الأكثرين كوطء المبيعة زمن الخيار إجازة أو فسخ وكوطء إحدى أمتين قال لهما: إحداكما حرة وردوه بأن ملك النكاح لا يحصل بالفعل فلا يتدارك به بخلاف ملك اليمين. "ولو قال" في الطلاق المعين كما أفاده قوله فبيان "مشيرا إلى واحدة هذه المطلقة فبيان" لها أو هذه الزوجة فهو بيان لغيرها; لأنه إخبار عن إرادته السابقة "أو" قال مشيرا إليهما "أردت هذه وهذه أو هذه بل هذه" أو هذه مع هذه أو هذه وأشار لواحدة هذه وأشار للأخرى "حكم بطلاقهما" ظاهرا; لأنه أقر بطلاق الأولى ثم بطلاق الثانية فيقبل إقراره

 

ج / 3 ص -381-        لا رجوعه بذكر بل تغليظا عليه أما باطنا فالمطلقة المنوية فإن نواهما لم يطلقا بل إحداهما; لأن نيتهما بإحداكما لا يعمل بها لعدم احتمال لفظه لما نواه فبقي على إبهامه حتى يبين ويفرق بين هذا وما مر في هذه مع هذه بأن ذاك من حيث الظاهر فناسب التغليظ عليه, وهذا من حيث الباطن فعلمنا بقضية النية الموافقة للفظ دون المخالفة له, وخرج بما ذكر هذه ثم هذه أو فهذه فتطلق الأولى فقط لانفصال الثانية عنها, وهو مرجح قوي فلم ينظر معه لتضمن كلامه للاعتراف بهما أو هذه بعد هذه أو هذه قبلها هذه طلقت الثانية فقط أو قال: هذه أو هذه استمر الإبهام, وأما المبهم فالمطلقة هي الأولى مطلقا; لأنه إنشاء اختيار لا إخبار وليس له اختيار أكثر من واحدة. "ولو ماتتا أو إحداهما قبل بيان وتعيين" والطلاق بائن "بقيت مطالبته" أي المطلق بالبيان أو التعيين فهو مصدر مضاف للمفعول, ويلزمه ذلك فورا "لبيان" حكم "الإرث", وإن لم يرث إحداهما بتقدير الزوجية لكونها كتابية اتفاقا في البيان ولأنه قد ثبت في إحداهما يقينا فيوقف من مال كل أو الميتة نصيب زوج إن توارثا فإذا بين أو عين لم يرث من مطلقة بائنا بل من الأخرى نعم إن نازعه ورثتها ونكل عن اليمين حلفوا, ولم يرث. "ولو مات" الزوج قبل البيان أو التعيين سواء ماتتا قبله أم بعده أم إحداهما قبله والأخرى بعده أو لم تمت واحدة منهما أم ماتت إحداهما دون الأخرى "فالأظهر قبول بيان وارثه"; لأنه إخبار يمكن وقوف الوارث عليه بخبر أو قرينة "لا" قبول "تعيينه"; لأنه اختيار شهوة فلا دخل للوارث فيه هذا ما مشيا عليه هنا, والذي اقتضاه كلامهما في الروضة وأصلها أنه يقوم مقامه في التعيين أيضا وفصل القفال فقال إن مات قبلهما لم يعين وارثه, ولم يبين إذ لا غرض له في ذلك; لأن ميراث زوجة من ربع أو ثمن يوقف بكل حال إلى الصلح خلف زوجة أو أكثر أو بعدهما أو بينهما قبل; لأنه قد يكون له غرض في تعيين إحداهما للطلاق وفيما إذا كانت إحداهما كتابية والأخرى والزوج مسلمين وأبهمت المطلقة لا إرث. "ولو قال إن كان" ذا الطائر "غرابا فامرأتي طالق, وإلا" يكن غرابا "فعبدي حر وجهل" حال الطائر وقع إحداهما مبهما وحينئذ "منع منهما" أي من استخدامه والتصرف فيه, ومن التمتع بها "إلى البيان" للعلم بزوال ملكه عن أحدهما, وعليه نفقتهما إلى البيان, ولا يؤجره الحاكم وإذا قال حنثت في الطلاق طلقت ثم إن صدقه فذاك, ولا يمين عليه, وإن كذبه وادعى العتق حلف السيد فإن نكل حلف العبد, وحكم بعتقه أو في العتق عتق ثم إن صدقته فكما مر, وإن كذبته ونكل حلفت وحكم بطلاقها "فإن مات لم يقبل بيان الوارث على المذهب" أنها المطلقة حتى يسقط إرثها, ويرق العبد; لأنه متهم في ذلك, ومن ثم لو عكس قبل قطعا لإضراره بنفسه ونازع فيه الإسنوي وأطال نقلا بما يرده أن من حفظ ومعنى بما يرده أن إضراره لنفسه هو الغالب فلا نظر إلى تصور أنه قد لا يضره, وبحث البلقيني أخذا من العلة تقييده بما إذا لم يكن على الميت دين, وإلا أقرع نظرا لحق العبد في العتق والميت في الرق ليوفى منه دينه فإن قلت: لم نظروا هنا إلى التهمة كما ذكر, ولم ينظروا إليها في بعض ما شمله قوله فالأظهر قبول بيان وارثه؟ قلت لأنها هنا أظهر باعتبار ظهور نفعه في كل من الطرفين المتغايرين, وأيضا فهنا طريق يمكن التوصل به إلى الحق,

 

ج / 3 ص -382-        وهو القرعة فمنع غيره مع التهمة, ولا كذلك ثم "بل يقرع بين العبد والمرأة" رجاء خروج القرعة للعبد لتأثيرها في العتق, وإن لم تؤثر في الطلاق كما تقبل شهادة رجل وامرأتين في السرقة للمال دون القطع "فإن قرع" أي خرجت القرعة له "عتق" من رأس المال إن علق في الصحة, وإلا فمن الثلث إذ هو فائدة القرعة وترث هي إلا إذا صدقت على أن الحنث فيها, وهي بائن "أو قرعت لم تطلق" إذ لا مدخل للقرعة في الطلاق, وإنما دخلت في العتق للنص لكن الورع أن تترك الإرث "والأصح أنه لا يرق" بفتح فبكسر كما بخطه; لأن القرعة لم تؤثر فيما خرجت عليه ففي غيره أولى فيبقى الإبهام كما كان, ولا يتصرف الوارث فيه خلافا للعراقيين قال صاحب المعين: ومحل الخلاف في الظاهر أما في الباطن فيملك التصرف فيه قطعا, وفي غير نصيب الزوجة منه أما نصيبها فلا يملكه قطعا

فصل في بيان الطلاق السني والبدعي
"الطلاق سني", وهو الجائز "وبدعي", وهو الحرام فلا واسطة بينهما على أحد الاصطلاحين المشهور خلافه فعليه طلاق الحكمين إذا رأياه ومول, أو حاكم عليه بعد مطالبتها به لوجوبه حينئذ, ولو في الحيض لكن بحثا في المولي بأنه الملجئ لها إلى الطلب مع تمكنه من الفيئة وطلاق متحيرة إذ لم يقع في طهر محقق, ولا حيض محقق, ومختلعة في نحو حيض ومعلق طلاقها بصفة وجدت فيه كما يأتي وصغيرة وآيسة وغير موطوءة, ومن ظهر حملها منه بنكاح أو شبهة لا سنة فيه, ولا بدعة "ويحرم البدعي" لإضرارها أو إضراره أو الولد به كما يأتي "وهو ضربان" أحدهما "طلاق" منجز, وإن سبقه طلاق في طهر قبله "في حيض" أو نفاس ممسوسة أي موطوءة ولو في الدبر أو مستدخلة ماءه المحترم, وقد علم ذلك إجماعا ولخبر ابن عمر الآتي ولتضررها بطول العدة; إذ بقية دمها لا تحسب منها, ومن ثم لا يحرم في حيض حامل عدتها بالوضع وبحث الأذرعي حله في أمة قال لها سيدها إن طلقك الزوج اليوم فأنت حرة فسألت زوجها فيه لأجل العتق فطلقها; لأن دوام الرق أضر بها من تطويل العدة, وقد لا يسمح به السيد بعد أو يموت وكالمنجز معلق بما يوجد زمن البدعة قطعا أو يوجد فيه باختياره بخلاف معلق قبله أو فيه بما لا يعلم وجوده فيه فوجد فيه لا باختياره فلا إثم فيه لكن يترتب عليه حكم البدعي من ندب الرجعة وغيره "وقيل: إن سألته لم يحرم" لرضاها بالتطويل والأصح التحريم; لأنها قد تسأله كاذبة كما هو شأنهن, ومن ثم لو تحققت رغبتها فيه لم يحرم كما قال "ويجوز خلعها فيه" أي الحيض بعوض منها; لأن بذلها المال يشعر باضطرارها للفراق حالا, ومن ثم لم يلحق بخلعها خلع الأجنبي كما قال "لا" خلع "أجنبي في الأصح"; لأن خلعه لا يقتضي اضطرارها إليه. "ولو قال: أنت طالق مع" أو في أو عند مثلا "آخر حيضك" أو قارن آخر صيغة طلاقه آخره "فسني في الأصح" لاستعقابه الشروع في العدة "أو" أنت طالق "مع" ومثلها ما ذكر "آخر طهر" عينه كما دل عليه قوله "لم يطأها فيه فبدعي على المذهب"; لأنه لا يستعقب العدة.

 

ج / 3 ص -383-        "و" ثانيهما "طلاق في طهر وطئ فيه" ولو في الدبر بناء على إمكان العلوق منه وكالوطء استدخال المني المحترم إن علمه نظير ما مر "من قد تحبل" لعدم صغرها ويأسها "ولم يظهر حمل" لقوله صلى الله عليه وسلم في خبر ابن عمر الآتي قبل أن يجامع ولأنه قد يشتد ندمه إذا ظهر حمل فإن الإنسان قد يسمح بطلاق الحائل لا الحامل, وقد لا يتيسر له ردها فيتضرر هو والولد, ومن البدعي أيضا طلاق من لها عليه قسم قبل وفائها أو استرضائها وبحث ابن الرفعة أن سؤالها هنا مبيح ووافقه الأذرعي بل بحث القطع به وتبعه الزركشي لتضمنه الرضا بإسقاط حقها وليس هنا تطويل عدة, ومنه أيضا ما لو نكح حاملا من زنا ووطئها; لأنها لا تشرع في العدة إلا بعد الوضع ففيه تطويل عظيم عليها كذا قالاه هنا ومحله فيمن لم تحض حاملا كما هو الغالب أما من تحيض حاملا فتنقضي عدتها بالأقراء كما ذكراه في العدد فلا يحرم طلاقها في طهر لم يطأها فيه إذ لا تطويل حينئذ فاندفع ما أطال به في التوشيح من الاعتراض عليهما ثم فرضهم ذلك فيمن نكحها حاملا من زنا قد يؤخذ منه أنها لو زنت هي في نكاحه فحملت جاز له طلاقها, وإن طالت عدتها لعدم صبر النفس على عشرتها حينئذ, وهو محتمل بل ظاهر ولو وطئت زوجته بشبهة فحملت حرم طلاقها حاملا مطلقا لتأخر الشروع في العدة, وكذا لو لم تحمل وشرعت في عدة الشبهة ثم طلقها وقدمنا عدة الشبهة على الضعيف. "فلو وطئ حائضا وطهرت فطلقها" من غير وطئها طاهرا "فبدعي في الأصح" لاحتمال علوقها من ذلك الوطء, وبقية الحيض مما دفعته الطبيعة وبما تقرر علم أن البدعي على الاصطلاح الأول أن يطلق حاملا من زنا لا تحيض أو من شبهة أو يعلق طلاقها بمضي بعض نحو حيض أو بآخر طهر أو يطلقها مع آخره أو في نحو حيض قبل آخره أو يطلقها في طهر وطئها فيه أو يعلق طلاقها بمضي بعضه أو وطئها في حيض أو نفاس قبله أو في نحو حيض قبله ولا في نحو حيض طلق مع آخره أو علق به والسني طلاق موطوءة ونحوها تعتد بأقراء تبتدئها عقبه لحيالها أو حملها من زنا, وهي تحيض وطلقها مع آخر نحو حيض أو في طهر قبل آخره أو علق طلاقها بمضي بعضه أو بآخر نحو حيض, ولم يطأها في طهر طلقها فيه أو علق طلاقها بمضي بعضه, ولا وطئها في نحو حيض طلق مع آخره أو علق بآخره "ويحل خلعها" نظير ما مر في الحائض وقيل يحرم; لأن المنع هنا لرعاية الولد فلم يؤثر فيه الرضا بخلافه ثم ويجاب بأن الحرمة هنا ليست لرعاية الولد وحدها بل العلة مركبة من ذلك مع ندمه وبأخذه العوض تتأكد داعية الفراق, ويبعد احتمال الندم, وبه يعلم أنه لا فرق هنا بين خلع الأجنبي وغيره "و" يحل "طلاق من ظهر حملها" لزوال الندم.
"تنبيه" وقع تردد في طلاق وكيل بدعيا لم ينص له عليه والوجه وفاقا لجمع منهم البلقيني وقوعه كما يقع من موكله.
"ومن طلق بدعيا سن له" ما بقي الحيض الذي طلق فيه أو الطهر الذي طلق فيه والحيض الذي بعده لا فيما بعد ذلك لانتقالها إلى حالة يحل طلاقها فيها "الرجعة" ويكره تركها كما بحثه في الروضة ويؤيده ما مر أن الخلاف في الوجوب يقوم مقام النهي عن الترك

 

ج / 3 ص -384-        كغسل الجمعة ومر في القسم أن من طلق مظلومة فيه لا تلزمه إعادتها للقضاء لها, وقد يشملها المتن "ثم إن شاء طلق بعد طهر" لخبر الصحيحين أن ابن عمر رضي الله عنهما طلق امرأته حائضا فقال صلى الله عليه وسلم لعمر "مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر فإن شاء أمسكها, وإن شاء طلقها قبل أن يجامع فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء" وألحق به الطلاق في الطهر, ولم تجب الرجعة; لأن الأمر بالأمر بالشيء ليس أمرا بذلك الشيء وليس في فليراجعها أمر لابن عمر; لأنه تفريع على أمر عمر فالمعنى فليراجعها لأجل أمرك لكونك والده, واستفادة الندب منه حينئذ إنما هي من القرينة, وإذا راجع ارتفع الإثم المتعلق بحقها; لأن الرجعة قاطعة للضرر من أصله فكانت بمنزلة التوبة ترفع أصل المعصية, وبه فارق دفن البصاق في المسجد فإنه قاطع لدوام ضرره لا لأصله لأن تلويث المسجد به قد حصل وبهذا الذي ذكرته يندفع ما قيل رفع الرجعة للتحريم كالتوبة يدل على وجوبها إذ كون الشيء بمنزلة الواجب في خصوصية من خصوصياته لا يقتضي وجوبه, وقضية المتن حصول المقصود بطلاقها عقب الحيض الذي طلقها فيه قبل أن يطأها لارتفاع أضرار التطويل, والخبر أنه يمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ليتمكن من التمتع بها في الطهر الأول ثم يطلق في الثاني ولئلا يكون القصد من الرجعة مجرد الطلاق وكما ينهى عن نكاح قصد به ذلك فكذلك الرجعة, ولا تنافي; لأن الأول لبيان حصول أصل الاستحباب والثاني لبيان حصول كماله.
"ولو قال لحائض" ممسوسة أو نفساء "أنت طالق للبدعة" أو للحرج أو طلاق البدعة أو الحرج "وقع في الحال" لوجود الصفة "أو" أنت طالق "للسنة ف" لا يقع إلا "حين تطهر" فيقع عقب انقطاع دمها ما لم يطأ فيه فحتى تحيض ثم تطهر. "أو" قال "لمن" أي لموطوءة "في طهر لم تمس فيه" ولا في حيض قبله "أنت طالق للسنة وقع في الحال" لوجود الصفة ومس أجنبي بشبهة حملت منه كمسه لما مر أنه بدعي "وإن مست" أو استدخلت ماءه "ف" لا يقع إلا "حين تطهر بعد حيض" لشروعها حينئذ في حالة السنة "أو" قال لها: أنت طالق "للبدعة ف" يقع "في الحال إن مست" أو استدخلت ماءه "فيه" أو في حيض قبله, ولم يظهر حملها لوجود الصفة "وإلا" تمس فيه, ولا استدخلت ماءه, وهي مدخول بها "ف" لا يقع إلا "حين تحيض" أي بمجرد ظهور دمها ثم إن انقطع قبل أقله بان أن لا طلاق وذلك لدخولها في زمن البدعة نعم إن وطئها بعد التعليق في ذلك الطهر وقع بتغييب الحشفة فيلزمه النزع فورا, وإلا فلا حد, ولا مهر إن كان الطلاق بائنا; لأن استدامة الوطء ليست وطئا, وكذا لو وطئها غيره بشبهة لما مر فيها, هذا كله فيمن لها سنة وبدعة إذ اللام فيها ككل ما يتكرر, ويتعاقب وينتظر للتأقيت أما من لا سنة لها, ولا بدعة فيقع حالا; لأن اللام فيها للتعليل, وهو لا يقتضي حصول المعلل به, ومن ثم وقع حالا في أنت طالق لرضا زيد أو قدومه, وإن كره أو لم يقدم. "ولو قال" ولا نية له "أنت طالق طلقة حسنة أو أحسن الطلاق أو أجمله" أو أفضله أو أكمله أو أعدله ونحو ذلك "فك" قوله أنت طالق "للسنة" فيما مر فلا يقع في حال بدعة; لأن الأولى بالمدح ما وافق الشرع أما إذا قال: أردت

 

ج / 3 ص -385-        البدعة ونحو حسنة لنحو سوء خلقها فيقبل إن كان زمن بدعة; لأنه غلظ على نفسه لا زمن سنة بل يدين وفارق إلغاء نيته الوقوع حالا في قوله لذات بدعة طلاقا سنيا ولذات سنة طلاقا بدعيا بأن نيته هنا لا توافق لفظه, ولا بتأويل بعيد أي; لأن السني والبدعي لهما حقيقة شرعية فلم يمكن صرفهما عنها بها فلغت لضعفها بخلاف نيته فيما نحن فيه فإنها توافقه; لأن البدعي قد يكون حسنا وكاملا مثلا لوصف آخر كسوء خلقها. "أو" قال لها: ولا نية له أنت طالق "طلقة قبيحة أو أقبح الطلاق أو أفحشه" أو أسمجه; إذ السمج القبيح ونحو ذلك "فك" قوله لها: أنت طالق "للبدعة" فيما مر; لأن الأولى بالذم ما خالف الشرع أما لو قال: وهي في زمن سنة أردت قبحه لنحو حسن عشرتها فيقع حالا; لأنه غلظ على نفسه أو في زمن بدعة أردت أن طلاق مثل هذه في السنة أقبح فقصدت وقوعه حال السنة دين. "أو" قال ولا نية له لذات سنة وبدعة: أنت طالق طلقة "سنية بدعية أو حسنة قبيحة وقع في الحال" لتضاد الوصفين فألغيا, وبقي أصل الطلاق وقيل: لأن أحدهما واقع لا محالة فلو قال ذلك لمن لا سنة لها, ولا بدعة وقع على الأول حالا دون الثاني أما لو قال: أردت حسنها من حيث الوقت وقبحها من حيث العدد فإنه ثلاث أو عكسه قبل, وإن تأخر الوقوع في الأولى; لأن ضرر وقوع العدد أكثر من فائدة تأخير الوقوع, ولو قال: ولا نية له ثلاثا بعضهن للسنة وبعضهن للبدعة اقتضى التشطير فيقع ثنتان حالا, والثالثة في الحالة الأخرى فإن أراد غير ذلك عمل به ما لم يرد طلقة حالا وثنتين في المستقبل فإنه يدين. "ولا يحرم جمع الطلقات" الثلاث لأن عويمر العجلاني لما لاعن امرأته طلقها ثلاثا قبل أن يخبره صلى الله عليه وسلم بحرمتها عليه رواه الشيخان فلو حرم لنهاه عنه; لأنه أوقعه معتقدا بقاء الزوجية, ومع اعتقادها يحرم الجمع عند المخالف, ومع الحرمة يجب الإنكار على العالم, وتعليم الجاهل, ولم يوجدا فدل على أن لا حرمة, وقد فعله جمع من الصحابة وأفتى به آخرون, وقيل: يحرم ذلك أما وقوعهن معلقة كانت أو منجزة فلا خلاف فيه يعتد به, وقد شنع أئمة المذاهب على من خالف فيه, وقالوا: اختاره من المتأخرين من لا يعبأ به فأفتى به واقتدى به من أضله الله وخذله, وأما خبر مسلم عن ابن عباس كان الطلاق الثلاث على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر واحدة ثم قال قال عمر إن الناس قد استعجلوا ما كانوا فيه على أناة فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم فجوابه أنه فيمن يفرق اللفظ فكانوا أولا يصدقون في إرادة التأكيد لديانتهم فلما كثرت الأخلاط فيهم اقتضت المصلحة عدم تصديقهم وإيقاع الثلاث عليهم قال السبكي كالمصنف هذا أحسن الأجوبة انتهى, وهو عجيب. فإن صريح مذهبنا تصديق مريد التأكيد بشرطه, وإن بلغ في الفسق ما بلغ بل قال بعض المحققين: أحسنها أنهم كانوا يعتادونه طلقة ثم في زمن عمر استعجلوا وصاروا يوقعونه ثلاثا فعاملهم بقضيته, وأوقع الثلاث عليهم فهو إخبار عن اختلاف عادة الناس لا عن تغير حكم في مسألة واحدة انتهى, وأنت خبير بعدم مطابقته للظاهر المتبادر من كلام عمر لا سيما مع قول ابن عباس الثلاث إلى آخره فهو تأويل بعيد لا جواب حسن فضلا عن كونه أحسن, والأحسن عندي أن يجاب بأن عمر لما استشار الناس علم

 

ج / 3 ص -386-        فيه ناسخا لما وقع قبل فعمل بقضيته, وذلك الناسخ إما خبر بلغه أو إجماع, وهو لا يكون إلا عن نص, ومن ثم أطبق علماء الأمة عليه, وإخبار ابن عباس لبيان أن الناسخ إنما عرف بعد مضي مدة من وفاته صلى الله عليه وسلم قال السبكي وابتدع بعض أهل زمننا أي ابن تيمية, ومن ثم قال العز بن جماعة: إنه ضال مضل فقال: إن كان التعليق بالطلاق على وجه اليمين لم يجب به إلا كفارة يمين, ولم يقل بذلك أحد من الأمة, ومع عدم حرمة ذلك هو خلاف الأولى من التفريق على الأقراء أو الأشهر ليمكن تدارك ندمه إن وقع برجعة أو تجديد وخرج بقولنا: الثلاث ما لو أوقع أربعا فإنه يحرم كما هو ظاهر كلام ابن الرفعة ومما يصرح به قول الروياني إنه يعزر واعتمده الزركشي وغيره ويوجه بأنه تعاطى نحو عقد فاسد, وهو حرام كما مر ونوزع في ذلك بما فيه نظر.
"ولو قال: أنت طالق ثلاثا" واقتصر عليه "أو ثلاثا للسنة وفسر" في الصورتين "بتفريقها على أقراء لم يقبل" ظاهرا; لأنه خلاف ظاهر لفظه من وقوعهن دفعة في الأولى, وكذا في الثانية إن كانت طاهرا وإلا فحين تطهر, وعندنا لا سنة في التفريق "إلا ممن يعتقد تحريم الجمع" أي جمع الثلاث في قرء واحد كالمالكي فإذا رفع لشافعي قبله ظاهرا في كل من تينك الصورتين خلافا لمن خصه بالثانية; لأن ظاهر حاله أنه لا يفعل محرما في معتقده "الأصح أنه" أي من لا يعتقد ذلك "يدين"; لأنه لو وصل ما يدعيه باللفظ لانتظم ومعنى التديين أن يقال لها حرمت عليه ظاهرا وليس لك مطاوعته إلا إن غلب على ظنك صدقه بقرينة أي وحينئذ يلزمها تمكينه, ويحرم عليها النشوز, ويفرق بينهما القاضي من غير نظر لتصديقها كما صححه صاحب المعين وجرى عليه ابن الرفعة وغيره فإن قلت: لو أقرت لرجل بالزوجية فصدقها لم يفرق بينهما, وإن كذبها الولي والشهود فهلا كان هنا كذلك قلت يفرق بأنا ثم لم نعلم مانعا يستند إليه في التفريق, وهنا علمنا مانعا ظاهرا أرادا رفعه بتصادقهما فلم ينظر إليه, وله لا نمكنك منها, وإن حلت لك فيما بينك وبين الله تعالى إن صدقت قال الرافعي: وهذا معنى قول الشافعي رضي الله عنه له الطلب, وعليها الهرب, ولو استوى عندها صدقه وكذبه كره لها تمكينه, وإن ظنت كذبه حرم عليها تمكينه, ولا تتغير هذه الأحوال بحكم قاض بتفريق, ولا بعدمه تعويلا على الظاهر فقط لما يأتي أن محل نفوذ حكم الحاكم باطنا إذا وافق ظاهر الأمر باطنه, ولها إذا كذبته أن تنكح بعد العدة من لم يصدق الزوج لا من صدقه ولو بعد الحكم بالفرقة. "ويدين من قال: أنت طالق, وقال: أردت إن دخلت أو إن شاء زيد" لما مر, ولا يقبل منه دعوى ذلك ظاهرا إلا لتحليف خصمه أنه ما يعلم أنه قصد ذلك كذا قاله بعضهم, وظاهره أن اليمين لو ردت حلف أنه أراد ذلك, وقبل منه ظاهرا, وفيه نظر; لأن غاية الرد أنه كالإقرار, وقد تقرر أن تصديقها لا نظر إليه, وخرج به إن شاء الله فلا يدين فيه; لأنه يرفع حكم اليمين جملة فينافي لفظها مطلقا, والنية لا تؤثر حينئذ بخلاف بقية التعليقات فإنها لا ترفعه بل تخصصه بحال دون حال وألحق بالأول ما لو قال من أوقع الثلاث: كنت طلقت قبل ذلك بائنا أو رجعيا وانقضت العدة; لأنه يريد رفع الثلاث من أصلها, وما لو أوقع الاستثناء من عدد نص كأربعتكن طوالق, وأراد إلا فلانة أو أنت

 

ج / 3 ص -387-        طالق ثلاثا, وأراد إلا واحدة بخلاف نسائي وبالثاني نية من وثاق; لأنه تأويل وصرف للفظ من معنى إلى معنى فلم يكن فيه رفع لشيء بعد ثبوته والحاصل أن تفسيره بما يرفع الطلاق من أصله كأردت طلاقا لا يقع أو إن شاء الله أو إن لم يشأ أو إلا واحدة بعد ثلاثا أو إلا فلانة بعد أربعتكن لم يدين, أو ما يقيده أو يصرفه لمعنى آخر أو يخصصه كأردت إن دخلت أو من وثاق أو إلا فلانة بعد كل امرأة أو نسائي دين, وإنما ينفعه قصده ما ذكر باطنا إن كان قبل فراغ اليمين فإن حدث بعده لم يفده كما مر في الاستثناء ولو زعم أنه أتى به وأسمع نفسه, فإن صدقته فذاك, وإلا حلفت وطلقت كما لو قال عدلان حاضران: إنه لم يأت بها; لأنه نفي محصور, ولا يقبل قولها, ولا قولهما لم نسمعه أتى بها بل يقبل قوله: بيمينه; لأنه لم يكذب أي أما لو كذب صريحا فإنه يحتاج للبينة, ولو حلف مشيرا لنفيس ما قيمة هذا درهم, وقال نويت بل أكثر صدق ظاهرا كما أفتى به أبو زرعة; لأن اللفظ يحتمله, وإن قامت قرينة على أن مراده بل أقل; لأن النية أقوى من القرينة. "ولو قال: نسائي طوالق أو كل امرأة لي طالق, وقال أردت بعضهن فالصحيح أنه لا يقبل ظاهرا"; لأنه خلاف ظاهر اللفظ من العموم بل يدين لاحتماله "إلا بقرينة بأن" أي كأن "خاصمته وقالت" له "تزوجت" علي "فقال" في إنكاره المتصل بكلامها أخذا مما يأتي "كل امرأة لي طالق, وقال أردت غير المخاصمة" لظهور صدقه حينئذ, وقيل: لا يقبل مطلقا, ونقلاه عن الأكثرين ومثل ذلك ما لو أرادت الخروج لمكان معين فقال: إن خرجت الليلة فأنت طالق فخرجت لغيره, وقال لم أقصد إلا منعها من ذلك المعين فيقبل ظاهرا للقرينة وما في الروضة في الأيمان أنه لو قيل له: كلم زيدا اليوم فقال: لا كلمته ونوى اليوم قبل ظاهرا أي للقرينة أيضا وبه يفرق بينه وبين قولها لو قال لا أدخل دار زيد, وقال أردت ما يسكنه دون ما يملكه لم يقبل ظاهرا أي لعدم القرينة ومر أنه لو قال: وهو يحلها من وثاق أنت طالق وقال أردت من وثاق لم يقع عليه شيء للقرينة وقيد المتولي مسألة الروضة بما إذا وصل حلفه بكلام السائل, وإلا لم تنفعه النية أي لأنه لا قرينة حينئذ, ويظهر ضبط الطول والقصر بالعرف, وأنه هنا أوسع منه بين إيجاب البيع وقبوله ثم ما ذكر إنما هو في القرينة اللفظية كما ترى, ومنه ما لو قال لها إن رأيت من أختي شيئا, ولم تخبريني به فإنه يحمل على موجب الريبة أما القرينة الحالية كما إذا دخل على صديقه, وهو يتغدى فقال: إن لم تتغد معي فامرأتي طالق لم يقع إلا باليأس, وإن اقتضت القرينة أنه يتغدى معه الآن ذكره القاضي وخالفه البغوي فقيده بما تقتضيه العادة قيل: وهو أفقه انتهى ويأتي قبيل فصل التعليق بالحمل عن الروضة ما يؤيده, وعن الأصحاب ما يؤيد الأول وأنه مستشكل ومما يرجح الثاني النص في مسألة التغدي على أن الحلف يتقيد بالتغدي معه الآن
"فرع" أقر بطلاق أو بالثلاث ثم أنكر أو قال لم يكن إلا واحدة فإن لم يذكر عذرا لم يقبل, وإلا كظننت وكيلي طلقها فبان خلافه أو ظننت ما وقع طلاقا أو الخلع ثلاثا فأتيت بخلافه, وصدقته أو أقام به بينة قبل.

 

ج / 3 ص -388-        فصل في تعليق الطلاق بالأزمنة ونحوها
إذا "قال: أنت طالق في شهر كذا أو" في "غرته أو" في "أوله" أو في رأسه "وقع بأول جزء" ثبت في محل التعليق على ما بحثه الزركشي كونه "منه" وعليه فكان الفرق بينه وبين ما مر أول الصوم أن العبرة بالبلد المنتقل إليه لا منه أن الحكم ثم منوط بذاته دون غيرها فنيط الحكم بمحلها بخلافه هنا فإنه منوط بحل العصمة, وهو غير متقيد بمحل فروعي محل التعليق الذي هو السبب في ذلك الحل, وذلك لصدق ما علق به حينئذ حتى في الأولى; إذ المعنى فيها إذا جاء شهر كذا ومجيئه يتحقق بمجيء أول جزء منه كما لو علق بدخول دار يقع بحصوله في أولها فإن أراد ما بعد ذلك دين. "أو" قال: أنت طالق "في نهاره" أي شهر كذا "أو أول يوم منه فيقع" الطلاق "بفجر أول يوم منه" لأن الفجر لغة أول النهار, وأول اليوم وبه يعلم أنه لو قال لها: أنت طالق يوم يقدم زيد فقدم قبيل الغروب بان طلاقها من الفجر على الأصح عند الأصحاب, وقياسه أنه لو قال متى قدم فأنت طالق يوم خميس قبل يوم قدومه فقدم يوم الأربعاء بان الوقوع من فجر الخميس الذي قبله وترتيب أحكام الطلاق الرجعي أو البائن من حينئذ, ونظيره ما لو قال: أنت طالق قبل موتي بأربعة أشهر وعشرة أيام فعاش أكثر من ذلك ثم مات فيتبين وقوعه من تلك المدة, ولا عدة عليها إن كان بائنا أو لم يعاشرها, ولا إرث لها, وأصل هذا قولهم في: أنت طالق قبل قدوم زيد بشهر يشترط للوقوع قدومه بعد مضي أكثر من شهر من أثناء التعليق فحينئذ يتبين وقوعه قبل شهر من قدومه فتعتد من حينئذ; لأنه علق بزمن بينه وبين القدوم شهر فاعتبر مع الأكثرية الصادقة بآخر التعليق فأكثر ليقع فيها الطلاق, وقولهما: بعد مضي شهر من وقت التعليق مرادهما بوقت التعليق آخره فيتبين الوقوع مع الآخر لتقارن الشرط والجزاء في الوجود, ولو قال إلى شهر وقع بعد شهر مؤبدا إلا أن يريد تنجيزه وتوقيته فيقع حالا ومثله إلى آخر يوم من عمري, وبه يعلم أنه لو قال: أنت طالق آخر يوم من عمري طلقت بطلوع فجر يوم موته إن مات نهارا, وإلا فبفجر اليوم السابق على ليلة موته وتقدير ذلك في اليوم الأخير من أيام عمري إذ هو من إضافة الصفة للموصوف قال بعضهم أخذا من كلام الجلال البلقيني: ومحل هذا إن مات في غير يوم التعليق أو في ليلة غير الليلة التالية ليوم التعليق وإلا وقع حالا انتهى, ومراده أنه يتبين وقوعه من حين التلفظ, ولو قال آخر يوم لموتي أو من موتي لم يقع شيء لاستحالة الإيقاع والوقوع بعد الموت, ولو قال آخر يوم, ولم يزد, ولا نية له فالذي أفتيت به أنه لا يقع به شيء لتردده بين آخر يوم من عمري أو من موتي, وما تردد بين موقع وعدمه, ولا مرجح لأحدهما من تبادر ونحوه يتعين عدم الوقوع به; لأن العصمة ثابتة بيقين فلا ترفع بمحتمل, ولو قال: على آخر عرق يموت مني كما اعتادته طائفة فهو كقوله مع موتي فلا وقوع به كما يأتي أو آخر جزء من عمري أو من أجزاء عمري وقع قبيل موته أي آخر جزء يليه موته خلافا لمن زعم وقوعه حالا فقد صرحوا في أنت طالق آخر جزء من أجزاء حيضتك بأنه سني لاستعقابه الشروع في العدة, وأجاب الروياني عما

 

ج / 3 ص -389-        يقال: كيف يقع مع أن الوقوع عقب آخر جزء, وهو وقت الموت بأن حالة الوقوع هي الجزء الأخير لا عقبه لسبق لفظ التعليق هنا فلا ضرورة إلى التعقيب بخلافه في: أنت طالق فإنه إنما يقع عقب اللفظ لا معه لاستحالته ولو قال قبل أن أضربك أو نحوه مما لا يقطع بوجوده فضربها بان وقوعه قال جمع عقب اللفظ ورده شيخنا بأن الموافق لقولهم في أنت طالق قبل شهر بعده رمضان وقع آخر جزء من رجب وقوعه قبيل الضرب باللفظ السابق وقول الشيخين فحينئذ يقع مستندا إلى حال اللفظ أقرب إلى الأول بل ظاهر فيه لقولهما مستندا إلى حال اللفظ, ولم يقولا إلى اللفظ وعليه يفرق بين هذا وما قاس عليه بأن التعليق ثم بأزمنة متعاقبة كل منها محدود الطرفين فتقيد الوقوع بما صدقه فقط وهنا بفعل, ولا زمن له محدود يمكن التقيد به فتعين الوقوع من حين اللفظ. "أو" أنت طالق "آخره" أي شهر كذا أو انسلاخه أو نحو ذلك "ف" يقع "بآخر جزء من الشهر" لأن المفهوم منه آخره الحقيقي "وقيل" يقع "بأول النصف الآخر" منه, وهو أول جزء منه ليلة سادس عشرة; لأن منه إلى آخره يسمى آخره, ويرد بمنع ذلك. "ولو قال ليلا إذا مضى يوم" فأنت طالق "ف" تطلق "بغروب شمس غده" إذ به يتحقق مضي يوم "أو" قاله "نهارا" بغد أوله "ففي مثل وقته من غده" يقع الطلاق; لأن اليوم حقيقة في جميعه متواصلا أو متفرقا, ولا ينافيه ما مر أنه لو نذر اعتكاف يوم لم يجز له تفريق ساعاته; لأن النذر موسع يجوز إيقاعه أي وقت شاء والتعليق محمول عند الإطلاق على أول الأزمنة المتصلة به اتفاقا ولأن الممنوع منه ثم تخلل زمن لا اعتكاف فيه, ومن ثم لو دخل فيه أثناء يوم واستمر إلى نظيره من الثاني أجزأه كما لو قال أثناءه علي أن أعتكف يوما من هذا الوقت, وهذا هو نظير ما هنا بجامع أن كلا حصل الشروع فيه عقب اليمين أما لو قاله أوله بأن فرض انطباق آخر التعليق على أوله فتطلق بغروب شمسه, ولو قال: أنت طالق كل يوم طلقة طلقت في الحال طلقة, وأخرى أول الثاني وأخرى أول الثالث, ولم ينتظر فيهما مضي ما يكمل به ساعات اليوم الأول; لأنه هنا لم يعلق بمضي اليوم حتى يعتبر كماله بل باليوم الصادق بأوله ولظهور هذا تعجب من استشكال ابن الرفعة له. "أو" قال إذا مضى "اليوم" فأنت طالق "فإن قاله نهارا" أي أثناءه, وإن بقي منه لحظة "فبغروب شمسه"; لأن أل العهدية تصرفه إلى الحاضر منه "وإلا" يقله نهارا بل ليلا "لغا" فلا يقع به شيء إذ لا نهار حتى يحمل على المعهود والحمل على الجنس متعذر لاقتضائه التعليق بفراغ أيام الدنيا, فإن قلت لم لا يحمل على المجاز لتعذر الحقيقة قلت: لأن شرط الحمل على المجاز في التعاليق ونحوها قصد المتكلم له, أو قرينة خارجية تعينه, ولم يوجد واحد منهما هنا وخرج بمضي اليوم قوله أنت طالق اليوم أو الشهر أو السنة أو هذا اليوم أو الشهر أو السنة فإنها تطلق حالا ولو ليلا سواء أنصب أم لا; لأنه أوقعه وسمى الزمن بغير اسمه فلغت التسمية "وبه" أي بما ذكر "يقاس شهر وسنة" في التعريف والتنكير لكن لا يتأتى هنا إلغاء كما هو معلوم فيقع في إذا مضى الشهر أو السنة بانقضاء باقيهما, وإن قل فإن أراد الكامل دين, وفي إذا مضى شهر إن وافق قوله أي آخر قوله أخذا مما مر آنفا عن الروياني ابتداءه بمضيه, وإن نقص, وإن لم يوافقه فإن قاله ليلا

 

ج / 3 ص -390-        وقع بمضي ثلاثين يوما, ومن ليلة الحادي والثلاثين بقدر ما كان سبق من ليلة التعليق أو نهارا فكذلك لكن من اليوم الحادي والثلاثين بعد التعليق ومحله إن كان في غير اليوم الأخير, وإلا ومضى بعده شهر هلالي كفى نظير ما مر في السلم, وفي إذا مضت سنة بمضي اثني عشر شهرا هلالية فإن انكسر الشهر الأول حسب أحد عشر شهرا بالأهلة وكملت بقية الأول ثلاثين يوما من الثالث عشر, والسنة للعربية نعم يدين مريد غيرها.
"فرع" حلف لا يقيم بمحل كذا شهرا فأقامه مفرقا حنث على ما يأتي في الأيمان ولو قال: أنت طالق في أول الأشهر الحرم طلقت بأول القعدة; لأن الصحيح أنه أولها وقيل أولها ابتداء المحرم ذكره الإسنوي.
"أو" قال "أنت طالق أمس" أو الشهر الماضي أو السنة الماضية "وقصد أن يقع في الحال مستندا إليه" أي أمس أو نحوه "وقع في الحال"; لأنه أوقعه حالا, وهو ممكن وأسنده لزمن سابق, وهو غير ممكن فألغي, وكذا لو قصد أن يقع أمس أو أطلق أو تعذرت مراجعته لنحو موت أو خرس, ولا إشارة له مفهمة "وقيل: لغو" نظرا لإسناده لغير ممكن ويرد بأن الإناطة بالممكن أولى ألا ترى إلى ما مر في له علي ألف من ثمن خمر أنه يلغى قوله من ثمن خمر ويلزمه الألف "أو قصد أنه طلق أمس, وهي الآن معتدة" من طلاق رجعي أو بائن "صدق بيمينه" لقرينة الإضافة إلى أمس ثم إن صدقته فالعدة مما ذكر, وإن كذبته أو لم تصدقه, ولم تكذبه فمن حين الإقرار "أو" قال أردت أني "طلقت" ها أمس "في نكاح آخر" فبانت مني ثم جددت نكاحها أو أن زوجا آخر طلقها كذلك "فإن عرف" النكاح الآخر, والطلاق فيه ولو بإقرارها "صدق بيمينه" في إرادة ذلك للقرينة "وإلا" يعرف ذلك "فلا" يصدق, ويقع حالا لبعد دعواه هذا ما جريا عليه هنا, وهو المنقول عن الأصحاب وللإمام احتمال جرى عليه في الروضة تبعا لنسخ أصلها السقيمة أنه يصدق لاحتماله, وجزم به بعضهم ولو قال: أنت طالق قبل أن تخلقي طلقت حالا أو بين الليل والنهار فإن كان نهارا فبالغروب أو ليلا فبالفجر.
"تنبيه" ما تقرر في أنت طالق أمس من الوقوع حالا عملا بالممكن, وهو الوقوع بأنت طالق وإلغاء لما لا يمكن, وهو قوله أمس يوافقه الوقوع حالا في أنت طالق قبل أن تخلقي إلغاء لما لا يمكن, وهو قبل أن تخلقي, وفي أنت طالق لا في زمن إلغاء للمحال, وهو لا في زمن, وفي أنت طالق بين الليل والنهار على ما بحثه بعضهم مخالفا لمن سبقوه وعلله بأنه ليس لنا زمن بين الليل والنهار فهو كقوله: لا في زمن, وقد تقرر حكمه, وفي أنت طالق للبدعة, ولا بدعة لها وللشهر الماضي فيقع فيهما حالا إلغاء للمحال, وهو ما بعد لام التعليل كذا قاله غير واحد, وفيه نظر بل ملحظ الوقوع هنا حالا أن اللام فيما لا ينتظر له وقت للتعليل فهو كأنت طالق لرضا زيد فإنه يقع, وإن لم يرض, وقد يجاب بأنه لا مانع من أن يعلل بإلغاء المحال أيضا كما أشاروا إليه في للشهر الماضي, ومن ثم قاس شيخنا الوقوع حالا في أمس على الوقوع حالا في للبدعة, ولا بدعة لها, ولم يبال بما أفادته اللام

 

ج / 3 ص -391-        لما ذكرته, وفي أنت طالق الآن طلاقا أثر في الماضي فيقع حالا, ويلغو قوله أثر في الماضي; لأنه محال, وفي أنت طالق اليوم غدا إلغاء للمحال, وهو قوله غدا, وفي أنت طالق طلقة سنية بدعية, وهي في حال البدعة إلغاء للمحال, وهو اجتماعهما من جهة واحدة. وفي أنت طالق الطلقة الرابعة على أحد وجهين لم أر من رجح منهما شيئا وقياس كلام القاضي الآتي عدم الوقوع ويلحق بهذه المسائل أنت طالق أمس غدا أو غدا أمس من غير إضافة فيقع صبيحة الغد ويلغو ذكر أمس; لأنه علقه بالغد وبالأمس, ولا يمكن الوقوع فيهما, ولا الوقوع في أمس فتعين الوقوع في غد لإمكانه, وحاصل هذا إلغاء المحال والأخذ بالممكن فهو كما مر في أنت طالق أمس, ويخالف هذه الفروع كلها عدم الوقوع أصلا نظرا للمحال في أنت طالق بعد موتي أو معه, وفي أنت طالق مع انقضاء عدتك, وفي أنت طالق طلقة بائنة لمن يملك عليها الثلاث كما قاله القاضي أو رجعية لمن لا يملك عليها سوى طلقة أو لغير موطوءة كما قاله القاضي أيضا قال في التهذيب وهو المذهب, وفي أنت طالق الآن أو اليوم إذا جاء الغد أو إذا دخلت الدار فلا تطلق بمجيء الغد, ولا بدخول الدار; لأنه علقه بمجيء الغد فلا يقع قبله, وإذا جاء الغد فقد فات اليوم أو الآن أي فلم يمكن إيقاعه بوجه, وفي أنت طالق إن جمعت بين الضدين أو نسخ رمضان أو تكلمت هذه الدابة فلا يقع نظرا للمحال بأقسامه الثلاثة. والحاصل منه أن الطلاق وقع حالا في أكثر الإحدى عشرة الأولى, ولم ينظروا فيها للمحال الذي ذكره, ولم يقع في الصور الأخرى التسع نظرا للمحال فيها, وفي الفرق بين تلك وهذه بإبداء معنى أوجب إلغاء المحال في جميع تلك ومعنى آخر أوجب النظر للمحال في جميع هذه عسر أو تعذر لمن أمعن النظر في مدرك كل من تلك, وكل من هذه فإن قلت: هذا الإشكال لا يتوجه; لأن هذه الفروع المبددة بعضها مبني على أن المحال يمنع الوقوع, وبعضها على أنه لا يمنعه, والإشكال إنما جاء من ذكر المتأخرين لها كما ذكر قلت بل الإشكال متوجه وما ذكر ممنوع ألا ترى أن الشيخين قائلان بأن التعليق بالمحال يمنع الوقوع مع قولهما في أمس ونحوه بالوقوع إلغاء للمحال فإن قلت: يمكن الفرق بأن المحال إنما يمنع الوقوع إن وقع في التعليق لقولهم قد يكون القصد من التعليق به عدم الوقوع, وهو قضية فرق بعضهم بين أنت طالق اليوم إذا جاء الغد وأنت طالق أمس غدا بأن الأول فيه لفظ صريح في التعليق فمنع الوقوع بخلاف الثاني قلت لا يطرد ذلك; لأن أنت طالق أمس وقبل أن تخلقي, ولا في زمن ونحوها مثل أنت طالق مع موتي أو بعده أو مع انقضاء عدتك أو طلقة بائنة أو رجعية في صورتيهما السابقتين فهذا تنجيز في الكل ربط بمحال فألغي تارة, ولم يلغ أخرى. فإن قلت: عللوا مع موتي ومع انقضاء عدتك بقولهم لم يقع لمصادفته البينونة وبه يفرق بين نحو هذين ونحو أمس فإن وقوعه هنا لا يصادف البينونة قلت لا يطرد ذلك أيضا; لأن قياسه أن لا يقع في: قبل أن تخلقي لمصادفته عدم وجودها بالكلية, وهو أولى بالرعاية من مصادفة البينونة وأيضا فالتعليل بمصادفة البينونة إنما هو بيان لوجه المحالية, وهي لا تنحصر في ذينك فليس القصد به إلا بيان وجه الإحالة, وإلا فأكثر صور المحال الذي منع

 

ج / 3 ص -392-        الوقوع ليس فيها مصادفة بينونة فإن قلت: البحث بين الأصحاب في منع المحال بأقسامه الثلاثة للوقوع إنما هو في التعليق به كما أطبقت عليه عباراتهم, والتعليق إنما يكون بمستقبل فألحقنا به كل تنجيز فيه الربط بمستقبل كمع موتي أو بعده أو مع انقضاء عدتك بخلاف تنجيز ليس فيه ذلك الربط بأن ربط بماض أو حال أو لم يربط بماض, ولا مستقبل فإنه لا ينظر للمحال فيه كأمس وقبل أن تخلقي, ولا في زمن وللشهر الماضي وطلاقا أثر في الماضي وطلقة سنية بدعية قلت الفرق بذلك ممكن لكن يرد عليه اليوم غدا حيث ألغوا غدا مع أنه مستقبل, ويجاب بأن إلغاءه هنا لمعارضة ضده له, وهو اليوم الأقوى لكونه حاضرا فقدمنا مقتضاه ثم ما قلناه في هذه الصور الأولى الإحدى عشرة بأسرها, وهو إلغاء المحال; لأنها غير مستقبلة. وأما الصور الأخرى فالمستقبل منها صريحا بعد موتي في ومعه ومع انقضاء عدتك والآن إذا جاء الغد أو دخلت وغلب التعليق هنا على الآن; لأنه أقوى لما تقرر أن الأصل في منع المحال أن يكون معلقا, وبه فارق ما مر آنفا في اليوم غدا من إلغاء غدا دون اليوم, وإن جمعت بين الضدين, وما بعده نعم تبقى طلقة بائنة وطلقة رجعية والطلقة الرابعة فهذه ألغي المحال فيها مع أنها ليست بمستقبل, وقد يجاب بأن هذه ألحقت بالمستقبل; لأن المتبادر منها أنت طالق طلقة إن كانت رجعية, وكذا الباقي المقتضي لبطلان ما وقع به التناقض فقط, فحينئذ اتجه الفرق بين تلك المسائل الإحدى عشرة الأولى والتسع الأخيرة فتأمل ذلك كله فإنه مهم, ولم يتعرضوا في شيء منه لما يشفي, ولا نبهوا على تخالف في شيء من تلك الفروع لغيره مع ظهور المخالفة كما علمت فإن قلت: أي معنى أوجب الفرق بين المستقبل وغيره قلت العرف المفهوم من قولهم: في تعليل عدم الوقوع بالمحال لأن المعلق قد يقصد بالتعليق به منع الوقوع فعلمنا من هذا أن المستقبل يقصد به ذلك فأثر عدم الوقوع بخلاف غير المستقبل لا يقصد أهل العرف به ذلك فلم يؤثر في عدم الوقوع.
"وأدوات التعليق" كثيرة منها "من كمن دخلت" الدار من نسائي فهي طالق "وإن" كإن دخلت الدار فأنت طالق أو أنت طالق, وكذا طلقتك بتفصيله الآتي قريبا ويجري ذلك في طلقتك إن دخلت ومن زعم وقوعه هنا حالا, وفي الأولى عند الدخول مطلقا فقد أخطأ كما قاله البلقيني "وإذا" وألحق بها غير واحد إلى كإلى دخلت الدار فأنت طالق لاطرادها في عرف أهل اليمن بمعناها "ومتى ومتى ما" بزيادة ما كما مر ومهما وما وإذما وأيا ما وأين وأينما وحيث وحيثما وكيف وكيفما "وكلما وأي كأي وقت دخلت" الدار فأنت طالق "ولا يقتضين" أي هذه الأدوات "فورا" في المعلق عليه "إن علق بإثبات" أي فيه أو بمثبت كالدخول في إن دخلت "في غير خلع"; لأنها وضعت لا بقيد دلالة على فور أو تراخ, ودلالة بعضها في الخلع على الفورية كما مر في إن وإذا ليست من وضع الصيغة بل لاقتضاء المعارضة ذلك إذ القبول فيها يجب اتصاله بالإيجاب وخرج بالإثبات النفي كما يأتي وبحث في متى خرجت شكوتك تعين الفور بالشكوى عقب خروجها; لأن حلفه ينحل إلى متى خرجت, ولم أشكك فهو تعليق بإثبات ونفي ومتى لا تقتضي الفور في الإثبات

 

ج / 3 ص -393-        وتقتضيه في النفي انتهى, وفيه نظر, ولا نسلم انحلاله لذلك وضعا, ولا عرفا, وإنما التقدير المطابق متى خرجت دخل وقت الشكوى أو أوجدتها, وحينئذ فلا تعرض فيه لانتهائها وبفرض ما قاله يجري ذلك فيما عدا أن لاقتضائه الفور في النفي, وعلى ما قلناه فقد تقوم قرينة خارجية تقتضي الفور فلا يبعد العمل بها "إلا" إن قال "أنت طالق إن شئت" أو إذا شئت فإنه يعتبر الفور في المشيئة بناء على الأصح أنه تمليك بخلاف نحو متى شئت وخرج بخطابها إن شاءت وخطاب غيرها فلا فور فيه, وفي إن شئت وشاء زيد يعتبر فيها لا فيه "ولا" يقتضين "تكررا" للمعلق عليه بل إذا وجد مرة انحلت اليمين لدلالتهن على مجرد وقوع الفعل الذي في حيزهن, وإن قيد بالأبد كإن خرجت أبدا إلا بإذني فأنت طالق; لأن معناه أي وقت خرجت "إلا كلما" فإنها للتكرار وضعا واستعمالا.
"فرع" قال: أنت طالق إن لم تتزوجي فلانا طلقت حالا كما يأتي بما فيه أو إن لم تتزوجي فلانا فأنت طالق أطلق جمع الوقوع وقال آخرون فيه دور فمن ألغاه أوقعه, ومن صححه لم يوقعه, وفي تخصيص الدور بهذه نظر بل يأتي في الأولى إذ لا فرق بينهما من حيث المعنى على أن الذي يتجه أن هذا من باب التعليق بما يئول للمحال الشرعي; لأنه حث على تزوجه المحال قبل الطلاق لا من الدور فيقع حالا نظير الأولى فتأمله, ولو حلف ليرسمن عليه لم يتوقف البر على طلب الترسيم عليه من حاكم على ما أفتى به بعضهم وقال غيره بل يتوقف على ذلك; لأن حقيقة الترسيم تختص بالحاكم, وأما الترسيم من المشتكي فهو طلبه, ولا يغني مجرد الشكاية للحاكم عن ترسيمه, وهو أن يوكل به من يلازمه حتى يؤمن من هربه قبل فصل الخصومة, ولو حلف بالثلاث أن زوج بنته ما عاد يكون لها زوجا, ولم يطلق الزوج عقب حلفه وقعن خلافا لمن أطلق وقوعهن محتجا بأن معناه إن بقي لها زوجا; لأن هذا المعنى لا ينافي ما ذكرته بل يؤيده ومحل ذلك إن أراد انتفاء نكاحه بأن يطلقها, وإلا فلا أخذا من قولهم: في لست بزوجتي أنه كناية ويجري ذلك في إن فعلت كذا ما تصبحين أو تعودين لي بزوجة.
"ولو قال" لموطوءة كما علم بالأولى من كلامه الآتي في كلما خلافا لمن اعترض عليه أنت طالق كلما حللت حرمت وقعت واحدة إلا إن أراد بتكرر الحرمة تكرر الطلاق فيقع ما نواه أو "إذا طلقتك أو أوقعت طلاقك مثلا فأنت طالق ثم طلق" ها بنفسه دون وكيله من غير عوض بصريح أو كناية "أو علق" طلاقها "بصفة فوجدت فطلقتان" تقعان عليها إن ملكهما واحدة بالتطليق بالتنجيز أو التعليق بصفة وجدت وأخرى بالتعليق به; إذ التعليق مع وجود الصفة تطليق, وقد وجدا بعد التعليق الأول, ومن ثم لو علق طلاقها أولا بصفة, ثم قال: إذا طلقتك فأنت طالق فوجدت الصفة لم يقع المعلق بالتطليق كما أفهمه قوله: ثم طلق أو علق; لأنه لم يحدث بعد تعليق طلاقها شيئا, ولو قال لم أرد بذلك التعليق بل إنك تطلقين بما أوقعته دين أما غير موطوءة وموطوءة طلقت بعوض وطلاق الوكيل فلا يقع بواحد منها الطلاق المعلق لبينونتها في الأولين ولعدم وجود طلاقه في الأخيرة فلم يقع غير طلاق الوكيل وتنحل اليمين بالخلع بناء على الأصح أنه طلاق لا فسخ. "أو" قال "كلما

 

ج / 3 ص -394-        وقع طلاقي" عليك فأنت طالق "فطلق" هو أو وكيله "فثلاث في ممسوسة" ولو في الدبر ومستدخلة ماءه المحترم عند وجود الصفة, ولا نظر لحالة التعليق لاقتضاء كلما التكرار فتقع ثانية بوقوع الأولى وثالثة بوقوع الثانية فإن لم يعبر بوقع بل بأوقعت أو بطلقتك طلقت ثنتين فقط لا ثالثة; لأن الثانية وقعت لا أنه أوقعها "وفي غيرها" عندما ذكر "طلقة"; لأنها بانت بالأولى. "ولو قال وتحته" نسوة "أربع إن طلقت واحدة" من نسائي "فعبد" من عبيدي "حر, وإن" طلقت "ثنتين فعبدان" حران "وإن طلقت ثلاثا فثلاثة" أحرار "وإن" طلقت "أربعا فأربعة" أحرار "فطلق أربعا معا أو مرتبا عتق عشرة" واحد بالأولى واثنان بالثانية وثلاثة بالثالثة وأربعة بالرابعة وتعيين المعتقين إليه, وبحث ابن النقيب وجوب تمييز من يعتق بالأولى ومن بعدها إذا طلق مرتبا ليتبعهم كسبهم من حين العتق ولو أبدل الواو بالفاء أو بثم لم يعتق فيما إذا طلق معا إلا واحدة أو مرتبا إلا ثلاثة واحد بطلاق الأولى واثنان بطلاق الثالثة; لأنها ثانية الأولى, ولا يقع شيء بالثانية; لأنها لم توجد فيها بعد الأولى صفة اثنين, ولا بالرابعة; لأنه لم يوجد فيها بعد الثالثة صفة الثلاثة, ولا صفة الأربعة وسائر أدوات التعليق كإن في ذلك إلا كلما كما قال "ولو علق بكلما" في كل مرة أو في المرتين الأولتين, وتصويرهم بها في الكل إنما هو لتجري الأوجه المقابلة للصحيح أي من جملتها عتق عشرين لكن يكفي فيه وجودها في الثلاثة الأول.
"تنبيه" ما هذه تسمى مصدرية ظرفية; لأنها نابت بصلتها عن ظرف زمان كما ينوب عنه المصدر الصريح والمعنى كل وقت فكل من كلما منصوب على الظرفية لإضافتها إلى ما هو قائم مقامه ووجه إفادتها التكرار الذي عليه الفقهاء والأصوليون النظر إلى عموم ما; لأن الظرفية مراد بها العموم وكل أكدته.
"فخمسة عشر" عبدا يعتقون "على الصحيح"; لأن صفة الواحدة تكررت أربع مرات; لأن كلا من الأربع واحدة في نفسها وصفة الثنتين لم تتكرر إلا مرتين; لأن ما عد باعتبار لا يعد ثانيا بذلك الاعتبار فالثانية عدت ثانية لانضمامها للأولى فلا تعد الثالثة كذلك لانضمامها للثانية بخلاف الرابعة فإنها ثانية بالنسبة للثالثة, ولم تعد قبل ذلك كذلك وثلاثة وأربعة لم تتكرر, وبهذا اتضح أن كلما لا تحتاج إليها إلا في الأوليين; لأنهما المتكرران فقط فإن أتى بها في الأولى فقط أو مع الأخيرين فثلاثة عشر أو في الثاني وحده أو معهما فاثنا عشر, ولو قال: إن صليت ركعة فعبد حر, وهكذا إلى عشرة عتق خمسة وخمسون; لأنها مجموع الآحاد من غير تكرار فإن أتى بكلما عتق سبعة وثمانون; لأنه تكرر معه صفة الواحد تسعا وصفة الاثنين أربعا في الرابعة والسادسة والثامنة والعاشرة, ومجموعها ثمانية, وصفة الثلاثة مرتين في السادسة والتاسعة ومجموعهما ستة وصفة الأربعة مرة في الثامنة وصفة الخمسة مرة في العاشرة وما بعد الخمسة لا يمكن تكرره, ومن ثم لم يشترط كلما إلا في الخمسة الأول, وجملة هذه اثنان وثلاثون تضم لخمسة وخمسين الواقعة بلا تكرار فإن قال ذلك بكلما إلى عشرين وصلى عشرين عتق ثلاثمائة وتسعة وثلاثون, ولا يخفى توجيهه مما تقرر وحاصله أن صفة الواحدة وجدت عشرين والاثنين عشرا والثلاثة ستا والأربعة خمسا

 

ج / 3 ص -395-        والخمسة أربعا والستة ثلاثا والسبعة ثنتين, وكذا الثمانية والتسعة والعشرة وما بعدها لا تكرر فيه فيؤخذ ألفاظ أعداده ويضم مجموعها إلى ما مر. "ولو علق بنفي فعل فالمذهب أنه إن علق بإن كإن لم تدخلي" الدار فأنت طالق أو أنت طالق إن لم تدخلي "وقع عند اليأس من الدخول" كأن مات أحدهما قبل الدخول فيحكم بالوقوع قبل الموت أي إذا بقي ما لا يسع الدخول, ولا أثر هنا للجنون; لأن الدخول من المجنون كهو من العاقل ولو أبانها بعد تمكنها من الدخول واستمرت إلى الموت, ولم يتفق دخول لم يقع طلاق قبيل البينونة لانحلال الصفة بدخولها لو وجد هذا ما اقتضاه كلامهما قال الإسنوي: وهو غلط, والصواب وقوعه قبيل البينونة كما اقتضاه كلامهما عقب ذلك, وصرح به في البسيط وأيد بالحنث بتلف ما حلف أنه يأكله غدا فتلف فيه قبل أكله بعد تمكنه منه, وقد يفرق بأن العود بعد البينونة ممكن هنا فلا يفوت البر باختياره بخلافه ثم, وفي إن لم أطلقك فأنت طالق يحصل اليأس بموت أحدهما وبنحو جنونه المتصل بالموت فيقع قبيل الموت, ونحو الجنون حينئذ أي يحنث لا يبقى زمن يمكن أن يطلقها فيه بخلاف مجرد الجنون لتوقع الإفاقة والتطليق بعده وبالفسخ المتصل بالموت أيضا فيقع قبيل الفسخ; لأن الفرض أنه رجعي فلا يقع اليأس قبيله للدور بخلاف مجرد الفسخ; لأنه قد يجدد نكاحها وينشئ فيه طلاقا فتنحل اليمين; إذ لا يختص ما به البر والحنث هنا بحالة النكاح فإن لم يجدده أو جدد, ولم يطلق بان وقوعه قبيل الفسخ.
"تنبيه" ما تقرر أن من علق بنفي فعل كالدخول فوجد في حال الجنون انحلت الصفة حتى لا يقع الطلاق قبيل نحو الجنون لعدم اليأس به هو ما نقلاه هنا عن الغزالي وأقراه واعترضا بأنهما ناقضاه كالغزالي في الإيلاء نظرا إلى أن المجنون ليس له قصد صحيح ويرد بأن الوجه اختلاف الملحظين; لأن المدار هنا على ما به يتحقق اليأس ومع نحو الجنون لم يتحقق حتى يقع قبيله لإمكان فعل المعلق عليه بعده, ويؤيده ما تقرر أن الدخول لو وجد, وهي بائن انحلت اليمين فلا تطلق قبيل البينونة فكما اعتبروا الصفة هنا مع البينونة لأجل منع الوقوع قبلها فكذا يعتبر مع نحو الجنون لذلك فتأمله.
"أو" علق "بغيرها" كإذا وسائر ما مر "ف" تطلق "عند مضي زمن يمكن فيه ذلك الفعل" وفارقت إن بأنها لمجرد الشرط من غير إشعار لها بزمن بخلاف البقية كإذا فإنها ظرف زمان كمتى فتناولت الأوقات كلها فمعنى إن لم تدخلي إن فاتك الدخول, وفواته باليأس, ومعنى إذا لم تدخلي: أي وقت فاتك الدخول فوقع بمضي زمن يمكن فيه الدخول فتركته بخلاف ما إذا لم يمكنها لإكراه أو نحوه ويقبل ظاهرا قوله أردت بإذا معنى إن لا زمنا مخصوصا على ما اقتضاه كلام بعضهم وعليه فرق بأنه ثم أراد بلفظ معنى لفظ آخر بينهما اجتماع في الشرطية بخلافه هنا, وفيه ما فيه وبأن معنى إذا أو غيره كالتقييد بزمن قريب أو بعيد; لأنه غلظ على نفسه. "ولو قال: أنت طالق" إذا و "أن" دخلت أو إذا, وأن "لم تدخلي بفتح" همزة "أن وقع في الحال"; لأن أن المفتوحة ومثلها إذ للتعليل فالمعنى للدخول أو عدمه فلم يفترق الحال بين وجود الدخول وعدمه كما مر في لرضا زيد هذا في غير

 

ج / 3 ص -396-        التوقيت أما فيه فلا بد من وجود الشرط كما بحثه الزركشي, وهو ظاهر; لأن اللام التي هي بمعناها للتوقيت كأنت طالق إن جاءت السنة أو البدعة أو للسنة أو للبدعة فلا تطلق إلا عند وجود الصفة "قلت إلا في غير نحوي", وهو من لا يفرق بين إن وأن "فتعليق في الأصح" فلا تطلق إلا إن وجدت الصفة "والله أعلم"; لأن الظاهر قصده للتعليق, ولو قال النحوي: أنت طالق أن طلقتك بالفتح طلقت طلقتين واحدة بإقراره وأخرى بإيقاعه بخلاف غيره لا يقع عليه إلا واحدة على المعتمد من اضطراب في ذلك كذا قيل وليس بصحيح بل قياس ما تقرر أنه تعليق فإذا طلقها وقعت واحدة, وكذا ثانية إن كان الطلاق رجعيا ويخالف هذا التفصيل قولهما في أنت طالق أن شاء الله بالفتح أنه يقع حالا حتى من غير النحوي, وقد يفرق بأن التعليل بالمشيئة يرفع حكم اليمين بالكلية فاشترط تحققه, وعند الفتح لم يتحقق فوقع مطلقا بخلاف التعليق بغيرها فإنه لا يرفع ذلك بل يخصصه كما مر فاكتفي فيه بالقرينة وحاصله أنه احتيط لذاك لقوته ما لم يحتط لهذا لضعفه.
"فرع" لا يصح تعليق الطلاق المعلق خلافا لما وقع - للعلم - البلقيني لوضوح أن ما علقه بالشرط يتعلق به وحده فلا يقبل شركة فيه, ومن ثم قال بعض تلامذته: لو حكم به حاكم لم ينفذ ولو قال إن فعلت كذا طلقتك أو طلقتك إن فعلت كذا كان تعليقا لا وعدا فتطلق باليأس من التطليق فإن نوى أنها تطلق بنفس الفعل وقع عقبه أو أنه يطلقها عقبه وفعل وقع, وإلا فلا نعم يظهر في إن أبرأتني طلقتك ما جرى عليه غير واحد أنه وعد ويفرق بأن مقابلة الطلاق بالإبراء مألوف شائع فحمل لفظه على ما هو المتبادر منه, وهو الوعد بخلافه في غيره فإن قصد المنع أو الحث المقصود من الشرط غالبا يصرف اللفظ إليه ويمنعه من انصرافه للوعد المنافي لذلك غالبا, ولو قال: إن خرجت حصل الطلاق لم يقع به شيء على ما أفتى به بعضهم زاعما أنه غير تعليق, وفيه نظر بل الذي يتجه أن محله إن لم ينو به التعليق, وإلا وقع بالخروج بل لو قيل: إنه صريح في التعليق باعتبار معناه المتبادر منه فلا يحتاج لنية لم يبعد. ولو قال: علي الطلاق إن طلبت الطلاق طلقتك فإن قصد تعليق طلاقها بطلبها فطلبته فأبى طلقت, وإن لم يقصد ذلك بل إنه يطلقها عقب طلبها فلم يفعل فكذلك أو بعد طلبها لم تطلق إلا باليأس, ولو قال: هي طالق إن لم أو إلا أن أو بشرط أن أو على أن لا تتزوج بفلان طلقت ولغا ما شرطه ذكره ابن أبي الصيف والعامري والأزرق وغيرهم كعبد الله بن عجيل ونقله عن مشايخه وقاسه العامري على أنت طالق على أن لا تحتجبي عني وغيره على إن لم تصعدي السماء فأنت طالق بجامع استحالة البر إذ لا يمكنها التزوج به, وهي زوجة وعند استحالته يقع حالا وقيل عند اليأس وخالفهم النور الأصبحي فأفتى بأنها لا تطلق إلا بفوات الصفة بموت الزوجة أو المحلوف عليه, وعن الإمام أحمد بن موسى بن عجيل ما يوافقه فإنه أفتى في أنت طالق إن لم ترجعي لزوجك الأول بأنها لا تطلق رجعت إليه أم لا والأول أوجه زاد الأزرق وعليه متى تزوجت به لزمها للمعلق مهر المثل قياسا على ما في البحر. وأقره ابن الرفعة أنه لو أوصى بإعتاق أمته بشرط أن لا تتزوج عتقت فإن تزوجت صح, ولزمها قيمتها, ولا يقال: هذه مملوكة; لأن البضع مستحق له

 

ج / 3 ص -397-        أيضا فإذا فوتته أي بفوات شرطه لزمها عوضه, وهو مهر مثلها انتهى, وفيه نظر, والفرق واضح فإنه عهد تأثير شروط السيد فيما بعد العتق ك أن تخدم ولده أو فلانا سنة بخلاف شروط الزوج, وسره أن العتق إحسان فمكن من اشتراط ما ينفعه بعده, ولا كذلك الطلاق فتأمله, ولو قال: إن كلمت رجلا وأطلق شمل المحارم كما نقل عن الأصحاب, وقضية ما في الروضة في إن رأيت من أختي شيئا, ولم تخبريني به من أنه يحمل على موجب الريبة أن يحمل ما هنا على الأجانب, ومن ثم استشكل الأزرق الأول بأنه يعلم بالعادة أن المراد الأجنبي, ولو قال: إن لم أخرج من هذه البلدة بر بوصوله لما يجوز القصر فيه, وإن رجع حالا نعم قال القاضي في إن لم أخرج من مروروذ لا بد من خروجه من جميع القرى المضافة إليها انتهى, وكأنه; لأن مروروذ اسم للجميع, ويقع من كثيرين لا علي الطلاق ما تفعلين كذا وعرفهم أنهم يستعملونه لتأكيد النفي فلا داخلة تقديرا على فعل يفسره الفعل المذكور أي لا تفعلينه علي الطلاق ما تفعلينه فيقع بفعلها له, وإن لم يقصد ذلك التأكيد عملا بمدلول اللفظ في عرفهم.

فصل في أنواع من التعليق بالحمل والولادة والحيض وغيرها
إذا "علق" الطلاق "بحمل" كإن كنت حاملا فأنت طالق "فإن كان بها حمل ظاهر" بأن ادعته وصدقها أو شهد به رجلان بناء على أنه يعلم, وهو الأصح فلا تكفي شهادة النسوة به كما لو علق بولادتها فشهدن بها لم تطلق, وإن ثبت النسب والإرث; لأنه من ضروريات الولادة بخلاف الطلاق نعم قياس ما مر أول الصوم أنهن لو شهدن بذلك وحكم به ثم علق به وقع الطلاق ثم الأصح عندهما أنه إذا وجد ذلك "وقع" حالا لوجود الشرط واعترضا بأن الأكثرين على أنه ينتظر الوضع; لأن الحمل, وإن علم لا يتيقن ويرد بأن للظن المؤكد حكم اليقين في أكثر الأبواب, وكون العصمة ثابتة بيقين لا يؤثر في ذلك; لأنهم كثيرا ما يزيلونها بالظن الذي أقامه الشارع مقام اليقين ألا ترى أنه لو علق بالحيض وقع بمجرد رؤية الدم كما يأتي حتى لو ماتت قبل مضي يوم وليلة أجريت عليها أحكام الطلاق كما اقتضاه كلامهم, وإن احتمل كونه دم فساد "وإلا" يظهر حمل حل له الوطء; لأن الأصل عدم الحمل نعم يندب تركه حتى يستبرئها بقرء احتياطا "فإن ولدت لدون ستة أشهر" أو لستة أشهر فقط بناء على اعتبار لحظة للعلوق ولحظة للوضع فتكون الستة حينئذ ملحقة بما دونها "من التعليق" أي من آخره أخذا مما مر في أنت طالق قبل قدوم زيد بشهر "بأن وقوعه" لتحقيق وجود الحمل حين التعليق لاستحالة حدوثه لما مر أن أقله ستة أشهر ونزاع ابن الرفعة فيه بأن الستة معتبرة لحياته لا لكماله; لأن الروح تنفخ فيه بعد الأربعة كما في الخبر مردود بأن لفظ الخبر "ثم يأمر الله الملك فينفخ فيه الروح" وثم تقتضي تراخي النفخ عن الأربعة من غير تعيين مدة له فأنيط بما استنبطه الفقهاء من القرآن أن أقل مدة الحمل ستة أشهر "أو" ولدته "لأكثر من أربع سنين" من التعليق وطئت أم لا "أو بينهما" أي الستة والأربع سنين "ووطئت" بعد التعليق أو معه من زوج أو غيره "وأمكن حدوثه به"

 

ج / 3 ص -398-        أي بذلك الوطء بأن كان بينه وبين وضعه ستة أشهر "فلا" طلاق فيهما للعلم بعدمه عند التعليق في الأولى ولجواز حدوثه في الثانية من الوطء مع أصل بقاء العصمة "وإلا" توطأ بعد التعليق أو وطئت وولدت لدون ستة أشهر من الوطء "فالأصح وقوعه" لتبين الحمل ظاهرا ولهذا ثبت نسبه منه, وقول ابن الرفعة ينبغي الجزم بالوقوع باطنا إذا عرف أنه لم يطأها بعد الحلف مردود بأنه ظن أن التعليق على أن الحمل منه وليس كذلك بل على مطلقة منه أو من غيره كما يقتضيه المتن.
"تنبيه" ما ذكرته في السنة من إلحاقها بما دونها لأنه لا بد معها من زيادة لحظة هو ما انتصر له الإسنوي وغيره أخذا من قولهم: في العدد لا بد من لحظة للعلوق ولحظة للموضع وما فسرت به ضمير بينهما المقتضي لإلحاق الأربع بما فوقها هو ما اعتمده ابن الرفعة والأذرعي والزركشي وغيرهم ووجهوه بأنها إذا أتت به لأربع من الحلف تبينا أنها لم تكن عند الحلف حاملا, وإلا زادت مدة الحمل على أربع سنين, وأما ما مشى عليه شيخنا هنا في شرح منهجه من إلحاق الستة بما فوقها والأربع بما دونها فهو, وإن اقتضاه ظاهر كلام الشيخين هنا لكن بعضه مبني على ما مر له في الوصية, وقد مر رده, وأن العبرة في غير الوصية بالغالب فما صرحوا فيه باللحظة واضح, وما سكتوا عنها فيه يحمل كلامهم على أنهم أرادوها بقرينة ذكرها في نظير ما سكتوا عنها فيه, ويوجه النظر للغالب هنا بأن مدار التعاليق حيث لا لغة منضبطة على العرف, وأهله إنما يعتبرون ما يغلب وقوعه دون ما يندر فإن قلت: حكموا في توأم بينه وبين الأول ستة أشهر بأنه حمل آخر, ولم يقدروا لحظة, وهذا يؤيد ما هنا قلت لا يؤيده بل هو محمول عليه لما قررته على أن ابن الرفعة استشكله بأن كونه حملا آخر يتوقف على وطء بعد وضع الأول فإذا وضعت لستة أشهر من وضع الأول يسقط منها ما يسع الوطء فيكون الباقي دون ستة أشهر, وأجاب عنه شيخنا بأنه يمكن تصويره باستدخال المني حال وضع الأول قال: وتقييدهم بالوطء في قولهم يعتبر لحظة للوطء جرى على الغالب والمراد الوطء أو استدخال المني الذي هو أولى بالحكم هنا بل يقال يمكن الوطء حالة الوضع انتهى, وسأذكر في العدد ما يرده, والحاصل أن الذي يتجه أنه لا بد هنا من النظر للغالب بالنسبة للستة والأربع وأن من أطلق إلحاق الستة أو الأربع بالدون عدا للحظة منها أو بالفوق لم يعدها منها مع اعتبارها فلا خلاف في المعنى ويؤيد ما ذكرته من النظر للغالب أنهم لم يعتبروا هنا إمكان استدخالها المني, وإنما فصلوا بين وقوع الوطء وعدمه بالفعل فاقتضى أنه لا نظر لذلك لندرة الحمل منه جدا. "وإن قال إن كنت حاملا بذكر" أو إن كان ببطنك ذكر "ف" أنت طالق "طلقة أو" هي بمعنى الواو; لأن الفرض أنه جمع بين التعليقين كما يعلم من آخر كلامه إن كنت حاملا بحمل "أنثى" أو إن كان ببطنك أنثى "ف" أنت طالق "طلقتين فولدتهما" أي ذكرا وأنثى, وإن كان عند التعليق نطفة, ووصفها حينئذ بالذكورة أو الأنوثة صحيح; لأن التخطيط يظهر ما كان كامنا في النطفة معا أو مرتبا وبينهما دون ستة أشهر "وقع ثلاث" لتحقق الصفتين كما لو علق بكلامها لرجل وبه لأجنبي وبه لطويل فكلمت من فيه الصفات الثلاث, وكما يأتي

 

ج / 3 ص -399-        في رمانة ونصف رمانة فإن ولدت لأحدهما فما علق به أو خنثى فطلقه حالا وتوقف الثانية لاتضاحه وتنقضي العدة في الكل بالولادة; لأنها طلقت باللفظ بخلافه فيما يأتي في إن ولدت, وعن ابن القاص لو كان أحدهما خنثى أمر برجعتها واجتنابها حتى يتضح انتهى, ويظهر أن أمره باجتنابها ندب لا واجب; لأن الأصل الحل وعدم وقوع الثلاث "أو" قال "إن كان حملك" أو ما في بطنك "ذكرا فطلقة أو" بمعنى الواو نظير ما مر "أنثى فطلقتين فولدتهما لم يقع شيء"; لأن الصيغة تقتضي الحصر في أحدهما فمعهما لم يحصل الشرط ولو تعدد الذكر أو الأنثى وقع ما علق به; لأن المفهوم من ذلك الحصر في الجنس لا الوحدة, ولو ولدت خنثى وحده فكما مر أو مع ذكر وبان ذكرا فطلقة أو أنثى فلا طلاق أو مع أنثى وبان أنثى فطلقتين أو ذكرا فلا طلاق. "أو" قال "إن ولدت فأنت طالق" طلقت بولادة ما يثبت به الاستيلاد مما يأتي في بابه بشرط انفصال جميعه فلو انفصل بعضه ومات أحد الزوجين قبل انفصال كله لم يقع شيء وإذا علق بذلك "فولدت اثنين مرتبا طلقت بالأول وانقضت عدتها بالثاني" إن كان بين وضعه ووضع الأول دون ستة أشهر, وكذا إن كان من حمل آخر بأن وطئها بعد ولادة الأول, وأتت بالثاني لأربع سنين فأقل أما لو ولدتهما معا فيقع الطلاق بأحدهما, ولا تنقضي العدة بالآخر بل تشرع فيها من وضعهما. "وإن قال كلما ولدت" ولدا فأنت طالق "فولدت ثلاثة من حمل" واحد مرتبين "وقع بالأولين طلقتان" عملا بقضية كلما "وانقضت" عدتها "بالثالث" لتبين براءة الرحم "ولا يقع به ثالثة" أو ولدت اثنين مرتبا فواحدة بالأول وانقضت عدتها بالثاني, ولا يقع به ثانية "على الصحيح" لما مر أنه لا يقع به إلا عند تمام انفصاله, وهو وقت انقضاء العدة لبراءة الرحم به, ومقارنة الوقوع لانقضائها متعذر; إذ لا عصمة حينئذ ولهذا لو قال: أنت طالق مع موتي لم يقع ولو قال لغير موطوءة إذا طلقتك فأنت طالق فطلقها لم يقع المعلقة لمصادفتها البينونة ولو ولدت أربعة كذلك طلقت ثلاثا وانقضت عدتها بالرابع أما لو ولدتهم معا فيقع الثلاث "وتعتد بالأقراء" فإن لم يقل هنا ولدا ونواه فكذلك, وإلا وقعت واحدة فقط. "ولو قال لأربع" حوامل "كلما" وكذا أي على ما جرى عليه جمع لكن الأوجه اختصاص الأحكام الآتية بكلما دون غيرها ولو أي لأنها, وإن أفادت العموم لا تفيد التكرار ولذلك تتمة في شرح الإرشاد "ولدت واحدة" منكن "فصواحبها طوالق فولدن معا" أو ثلاث معا ثم الرابعة, وقد بقيت عدتهن إلى ولادتها "طلقن ثلاثا ثلاثا"; لأن لكل واحدة ثلاث صواحب فيقع بولادة كل على من عداها طلقة طلقة لا على نفسها ويعتددن جميعا بالأقراء إلا الرابعة في الصورة الثانية فبالوضع وكرر ثلاثا لئلا يتوهم أنه لمجموعهن "أو" ولدن "مرتبا طلقت الرابعة ثلاثا" بولادة كل من الثلاث طلقة وانقضت عدتها بولادتها "وكذا الأولى" تطلق ثلاثا "إن بقيت عدتها" عند ولادة الرابعة; لأنه ولد بعدها ثلاث, وهي فيها. والطلاق الرجعي لا ينفي الصحبة والزوجية إذ لو حلف بطلاق نسائه أو زوجاته أو طلقهن دخلت فيهن وتعتد بالأقراء, ولا تستأنف للطلقة الثانية والثالثة بل تبني على ما مضى من عدتها "و" طلقت "الثانية طلقة" بولادة الأولى "و" طلقت "الثالثة طلقتين" بولادة الأولى

 

ج / 3 ص -400-        والثانية "وانقضت عدتهما بولادتهما" فلا يلحقهما طلاق من بعدهما ما لم يلدا توأمين ويتأخر ثانيهما لولادة الرابعة فتطلقان ثلاثا ثلاثا وسيذكر أن شرط انقضاء العدة بالولد لحوقه بالزوج "وقيل لا تطلق الأولى وتطلق الباقيات طلقة طلقة"; لأن من علق طلاقهن بولاتها خرجن عن كونهن صواحب لها ويرد, وإن قيل عليه الأكثرون بمنع ما علل به كما مر "وإن ولدن ثنتان معا ثم ثنتان معا" وعدة الأولين باقية "طلقت الأوليان ثلاثا ثلاثا" واحد بولادة من معها وثنتان بولادة الأخيرتين أما إذا لم تبق عدة الأوليين لولادة الأخيرتين فلا يقع على من انقضت عدتها إلا طلقة "وقيل" تطلق كل منهما "طلقة" بناء على الضعيف السابق "و" طلقت "الأخريان طلقتين طلقتين" بولادة الأوليين, ولا يقع على كل منهما بولادة من معها شيء لانقضاء عدتيهما بولادتهما. وإن ولدن ثنتان مرتبا ثم ثنتان معا طلقت الأولى ثلاثا والثانية طلقة والأخريان طلقتين طلقتين أو ثنتان معا ثم ثنتان مرتبا طلقت الأوليان والرابعة ثلاثا ثلاثا والثالثة طلقتين أو واحدة ثم ثلاثا معا طلقت الأولى ثلاثا ومن بعدها طلقة طلقة أو واحدة ثم اثنتان معا ثم واحدة طلقت الأولى والرابعة ثلاثا ثلاثا والثانية والثالثة طلقة طلقة وتبين كل منهما بولادتها والتعليق بالحيض أو برؤية الدم يقع الطلاق فيه برؤية أو علم أول دم يطرأ بعد التعليق ويمكن كونه حيضا ثم إن انقطع قبل أقله بان أن لا طلاق ومر أنها لو ماتت بعد رؤيته وقبل يوم وليلة وقع عملا بالظاهر وكالحيض فيما ذكر أنه في التعليق لا بد من ابتدائه, ولا تكفي استدامته الطهر وسائر الأوصاف قال في أصل الروضة إلا أنه سيأتي في كتاب الأيمان أن استدامة الركوب واللبس لبس وركوب فليكن كذلك في الطلاق انتهى. وقضيته أنه يأتي هنا التفصيل الآتي ثم إن ما يقدر بمدة تكون استدامته كابتدائه وما لا فلا لكن قضية فرق المتولي بين الركوب والحيض بأن استدامة الركوب باختيارها بخلاف استدامة الحيض أنه لا يأتي هنا ذلك التفصيل وأنه لا تكون هنا الاستدامة كالابتداء إلا في الاختياري لا غير وكأن هذا هو مراد البلقيني بقوله الأقوى في الفرق أن نحو الحيض مجرد تعليق لا حلف فيه أي; لأنه ليس باختيارها فعملنا بقضية أداة التعليق من اقتضائها إيجاد فعل مستأنف والاستدامة ليست كذلك بخلاف نحو الركوب فإن التعليق به يسمى حلفا أي; لأنه باختيارها فأمكن فيه الحث والمنع فأتى فيه تفصيل الحلف أن استدامته كابتدائه, وله فرق آخر يوافق إطلاق الأصحاب أن الاستدامة هنا ليست كالابتداء مطلقا لكن كلام أصل الروضة المذكور يخالف هذا فمن ثم كان الأوجه فرقه الأول وألحق بذلك من حلف لا يسافر لبلد كذا فيحنث ظاهرا بمفارقته لعمران بلده قاصدا السفر إليها ثم إن لم يصل إليها بان أن لا طلاق, وقد يفرق بأن الغالب في الدم في زمن إمكانه أنه حيض, ولا كذلك السفر على أن الذي يتجه في صورته أنه لا يقع إلا عند بلوغ البلد إذ لا يسمى مسافرا إليها إلا حينئذ بخلافه في مسألتنا فإنه بمضي يوم وليلة يتبين وقوعه من أول الحيض وحينئذ فلا جامع بين المسألتين فإن علق به في أثنائه لم يقع حتى تطهر ثم يبتدئها الحيض فإن قال حيضة لم تطلق إلا بتمام حيضة آتية بعد التعليق.

 

 

ج / 3 ص -401-        "وتصدق" المرأة "بيمينها في حيضها", وإن خالفت عادتها "إذا علقها" أي طلاقها "به" أي الحيض فادعته وكذبها; لأنها مؤتمنة عليه لكن لتهمتها فيه لنحو كراهة الزوج حلفت وسيأتي ما يعلم منه أن هذا لا يخالف القاعدة المشار إليها فيما يأتي وحاصلها أنه متى علق بوجود شيء يمكن إقامة الزوجة البينة عليه فادعته وأنكر صدق بيمينه أو بنفيه فادعى وجوده وأنكرت فإن لم يتعلق بفعله وفعلها كأن لم يدخل زيد الدار صدق أيضا لأصل بقاء النكاح, وإن كان الأصل عدم الفعل كذا نقله بعضهم عن المصنف وسيأتي عنه تناقض فيه, وإن تعلق بأحدهما فإن لم يعرف إلا من جهة صاحبه غالبا كالحب والنية صدق صاحبه بيمينه أي في وجوده وعدمه كما هو ظاهر, ومنه كما في الكافي أن يعلق بضربه لها فضرب غيرها فأصابها وادعى أنه إنما قصد غيرها فيصدق بيمينه; لأنه أعلم بقصده بل لا يمكن علمه من غيره لكن نقلا عن البغوي كما يأتي في الأيمان بزيادة أنه لا يقبل كما تلزمه الدية, وإن قال ذلك. وله احتمال بالقبول, وهو أقوى مدركا, ولا حجة في لزوم الدية; لأن باب الضمان أوسع إذ لا يتوقف على قصد, ولا اختيار بخلاف ما هنا قال بعض المتأخرين ويتعين الجزم به عند القرينة بصدقه نظير ما في الروضة وغيرها أنه لو أفتى فقيه عاميا بطلاق فأقر به ثم بان خطأ الفقيه لم يؤاخذ بذلك الإقرار للقرينة فإنه إنما بناه على ظن الوقوع المعذور به, وإن عرف من خارج كإن لم أنفق عليك اليوم فسيأتي آخر هذا الفصل ومتى لزمه اليمين فنكل هو أو وارثه حلفت هي أو وارثها وطلقت, وفيما إذا علق بما لا يعلم إلا من الغير كمحبته أو عدمها فادعاه الزوج وأنكر الغير حلفت هي لا الغير قال البلقيني وأخطأ من حلفه; لأنه نظير ما ذكروه فيمن علق طلاقها بحيض غيرها أي من حيث إن الغير لا يحلف "لا في ولادتها" فلا تصدق فيها إذا علق طلاقها بها فادعتها وقال بل الولد مستعار "في الأصح" كسائر الصفات الظاهرة لسهولة إقامة البينة عليها بخلاف الحيض فإن قيامها به متعسر إذ الدم المشاهد يحتمل كونه دم استحاضة, وهو مرادهما هنا بتعذره فلا ينافي قولهما في الشهادات تقبل الشهادة به فإن قلت: الذي مر في القاعدة أن ما يمكن إقامة البينة به لا يصدق مدعيه كالزنا فأي فرق بينه وبين الحيض فإن كلا يمكن إقامة البينة به مع التعسر بل ربما يقال إنها بالزنا أعسر منها بالحيض, ومن ثم قيل لم يثبت الزنا قط ببينة قلت: يفرق بأن الحيض مع مشاهدة خروجه من الفرج يشتبه بالاستحاضة من كل وجه فلا مميز فيه إلا القرينة الخفية والزنا مع مشاهدة غيبة الحشفة في الفرج لا يشتبه بغيره فكانت الشهادة بالحيض أعسر. "ولا تصدق فيه" أي الحيض إذا كان من غيرها مطلقا أو من نفسها إذا كان "في تعليق" طلاق "غيرها" به كإن حضت فضرتك طالق فادعته وكذبها فيصدق وهو عملا بأصل تصديق المنكر لا هي إذ لا بد من اليمين, وهي من الغير ممتنعة وفارق تصديقها من غير يمينها في نحو المحبة بالنسبة لطلاق غيرها إن حلفت بإمكان إقامة البينة على الحيض في الجملة بخلاف المحبة وسيعلم مما يأتي أنه لو حلف أنها فعلت كذا فقالت لم أفعله صدق في دعواه أنها فعلته, وإن قامت البينة بخلاف; لأنه إنما حلف على ما في ظنه فزعم بعضهم تصديقها بيمينها هنا غير صحيح وزعم أنها نظيرة

 

ج / 3 ص -402-        إن لم تدخلي الدار اليوم فإنها تصدق في عدم الدخول; لأن الأصل عدمه غير صحيح أيضا لما أشرت إليه من الفرق بين التعليق المحض والتنجيز المبني على الظن على أن ما ذكره إن تصديقها في عدم الدخول سيأتي آخر الفصل ما ينافيه, وفي قواعد التاج السبكي ما حاصله لا أعرف مسطورا في إن علمت كذا فأنت طالق فقالت علمت إلا بحث أخي بهاء الدين أنها لا تطلق; لأن أحد قيدي العلم المطابقة الخارجية فلم يقبل قولها فيه لإمكان البينة عليه فلا بد أن يعلم من خارج وقوع ذلك الشيء ا هـ ويؤخذ منه أن محله في نحو إن علمت دخول زيد الدار لا في نحو إن علمت محبته; لأن هذا لا يمكن إقامة البينة عليه, ومن ثم لو قال إن أبرأتني من مهرها فأبرأته ثم ادعى جهلها به وقالت بل أعرفه صدقت بيمينها أنها تعلم قدره وصفته حال البراءة ولو طلب تجربتها بذكر قدره فلم تذكره لاحتمال طرو النسيان عليها ويفرق بين هذا وتجربة قن اختلف المعتق وشريكه في صنعة فيه حال الإعتاق وقبل مضي زمن يمكن تعلمها فيه بأن نسيان الصنعة لا يمكن في هذا الزمن القريب بخلافه في مسألتنا. "ولو قال" لزوجتيه "إن حضتما فأنتما طالقان فزعمتاه" ولو فورا بأن ادعتا طروه عقب لفظه فاندفع ما قيل مقتضاه أنهما لو قالتا فورا حضنا الآن أو قبل واستمر قبلتا وليس كذلك; لأن التعليق يقتضي حيضا مستأنفا, وهو يستدعي زمنا ا هـ ووجه اندفاعه أن هذا معلوم من وضع التعليق الصريح في ذلك وذكر الفاء إنما هو لإفهامها عدم القبول عند التراخي أولا وصدقهما طلقتا وبالتوقف على تصديقه يعلم أنه استعمل الزعم في حقيقته, وهو ما لم يقم عليه دليل, وإلا لم يحتج لتصديقه "و" إن "كذبهما صدق بيمينه, ولا يقع" طلاق واحدة منهما; لأن طلاق كل واحدة منهما معلق بشرطين ولو يثبت بقولهما والأصل عدم الحيض وبقاء النكاح نعم إن أقامت كل بينة بحيضها وقع على ما في الشامل ويتعين حمل البينة فيه على رجلين دون النسوة إذ لا يثبت بهن الطلاق كما يصرح به ما مر آنفا في الحمل والولادة, ومن ثم توقف ابن الرفعة في إطلاق الشامل ورد الأذرعي عليه بأن الثابت بشهادتهن الحيض وإذا ثبت ترتب عليه وقوع الطلاق مردود بأنه لو كان كذلك لما تأتى ما مر في الولادة والحمل نعم يمكن حمل كلام الشامل والأذرعي على ما قدمته ثم إن ثبت الحيض بشهادتهن أولا فيحكم به ثم يعلق عليه "وإن كذب واحدة طلقت فقط" إذا حلفت لثبوت الشرطين في حقها حيض ضرتها باعترافه وحيضها بحلفها, ولا تطلق المصدقة إذ لم يثبت حيض صاحبتها في حقها لتكذيبه. "ولو قال إن أو إذا أو متى طلقتك فأنت طالق قبله ثلاثا" في موطوءة أو غيرها أو واحدة أو ثنتين في غير موطوءة أو إن طلقت ثلاثا فأنت طالق قبله واحدة "فطلقها وقع المنجز فقط", وهو الثلاث في الأخيرة لا المعلق إذ لو وقع لمنع وقوع المنجز وإذا لم يقع لم يقع المعلق لبطلان شرطه, وقد يتخلف الجزاء عن الشرط بأسباب نظير ما مر في أخ أقر بابن للميت يثبت نسبه, ولا يرث ولأن الطلاق تصرف شرعي لا يمكن نبذه ونقله ابن يونس عن أكثر النقلة وأطبق عليه علماء بغداد في زمن الغزالي منهم ابن سريج كما يأتي, وقد ألفت في الانتصار له وأنه الذي عليه الأكثرون خلافا لما زعمه من يأتي كتابا حافلا سميته الأدلة المرضية على بطلان الدور في المسألة

 

ج / 3 ص -403-        السريجية "وقيل ثلاث" واختار أئمة كثيرون متقدمون المنجزة وطلقتان من الثلاث المعلقة إذ بوقوع المنجزة وجد شرط وقوع الثلاث والطلاق لا يزيد عليهن فيقع من المعلق تمامهن ويلغو قوله قبله لحصول الاستحالة به. وقد مر ما يؤيد هذا تأييدا واضحا في أنت طالق أمس مستندا إليه حيث قالوا إنه اشتمل على ممكن ومستحيل فألغينا المستحيل وأخذنا بالممكن ولقوته نقل عن الأئمة الثلاثة ورجع إليه السبكي آخر أمره بعد أن صنف تصنيفين في نصرة الدور الآتي "وقيل: لا شيء" يقع من المنجز, ولا المعلق للدور ونقله جماعة عن النص والأكثرين وعدوا منهم عشرين إماما وعبارة الأذرعي هو المنسوب للأكثرين في الطريقين وعزاه الإمام إلى المعظم والعمراني إلى الأكثرين انتهت قالوا, وهو مذهب زيد بن ثابت ورجحه الغزالي أولا ثم ثالثا كما دل عليه قوله كنت نصرت صحة الدور على ما عليه معظم الأصحاب ونص عليه الشافعي ثم قال فلاح لنا تغليب أدلة إبطاله ورأينا تصحيحه من جملة الحور بعد الكور وأقمت على ذلك مدة ثم قال حتى عاد الاجتهاد إلى الفتوى بتبينه وترجيحه وكأن قولهم: إنه استقر رأيه على الإبطال ناشئ عن عدم رؤيتهم لهذا الأخير من كلامه واشتهرت المسألة بابن سريج; لأنه الذي أظهرها لكن الظاهر أنه رجع عنها لتصريحه في كتابه الزيادات بوقوع المنجز ثم رأيت الأذرعي قال الظاهر أن جوابه اختلف ويؤيد رجوعه تخطئة الماوردي من نقل عنه عدم وقع شيء وقول القاضي وابن الصباغ أخطأ من نسب إليه تصحيح الدور أطال الإسنوي وغيره في تصحيح الدور بما رددته عليهم ثم كيف. وقد نسب القائل بالدور إلى مخالفة الإجماع وإلى أن القول به زلة عالم وزلات العلماء لا يجوز تقليدهم فيها, ومن ثم قال ابن الرفعة عن شيخة العماد أخطأ القائل به خطأ ظاهرا والبلقيني كابن عبد السلام ينقض الحكم به; لأنه مخالف للقواعد الشرعية ولو حكم به حاكم مقلد للشافعي لم يبلغ رتبة الاجتهاد فحكمه كالعدم ويؤيده قول السبكي الحكم بخلاف الصحيح في المذهب مندرج في الحكم بخلاف ما أنزل الله تعالى ويأتي في القضاء بسط ذلك قال الروياني ومع اختيارنا له لا وجه لتعليمه للعوام وقال غيره الوجه تعليمه لهم; لأن الطلاق صار في ألسنتهم كالطبع لا يمكن الانفكاك عنه فكونهم على قول عالم بل أئمة أولى من الحرام الصرف ويؤيد الأول قول ابن عبد السلام التقليد في عدم الوقوع فسوق وقال ابن الصباغ أخطأ من لم يوقع الطلاق خطأ فاحشا وابن الصلاح وددت لو محيت هذه المسألة وابن سريج بريء مما ينسب إليه فيها, وقد قال بعض المحققين المطلعين لم يوجد ممن يقتدى به القول بصحة الدور بعد الستمائة إلا السبكي ثم رجع, وإلا الإسنوي, وقوله: إنه قول الأكثر منقوض بأن الأكثرين على وقوعه, وقد قال الدارقطني خرق القائل به الإجماع والمنقول عن الشافعي في صحة الدور هو في الدور الشرعي أي كالسابق قبيل العارية. وأما الدور الجعلي فلم يعرج عليه قط انتهى ويؤيده قول جمع القائلون بالنص نسبوه إلى كتاب الإفصاح وتتبعه بعض المحققين فلم يجده فيه نعم بين الشاشي أن من نسبه إليه اعتمد على ظاهر كلام له في التعريض بالخطبة وما أحسن قول بعض المحققين هذه المسألة وقع التعارض فيها بين

 

ج / 3 ص -404-        المتقدمين وكثرت التصانيف من الجانبين واستدل كل فريق على مدعاه بأدلة متعددة ثم وقف الشيخان على كل ذلك مع تحقيقهما والاعتماد على قولهما في المذهب ومع ذلك لم يعدلا عن القول بوقوع المنجز ثم تلاهما على ذلك غالب المتأخرين قال كثيرون من معتمدي الدور وشرط صحة تقليد القائل به معرفة المقلد لمعنى الدور قال ابن المقري, ولا أرى حقا إلا قول هؤلاء فإن كثيرا من المتفقهة لا يعرفون معنى الدور, ولا ما فيه من الغور فضلا عن العوام وعلى صحة الدور فلو أقر بعد الطلاق أنه لم يصدر منه تعليقه ثم أقام بينة به لم تقبل لتكذيبه لها بإقراره الأول.
"ولو قال إن ظاهرت منك أو آليت أو لاعنت أو فسخت" النكاح "بعيبك" مثلا "فأنت طالق قبله ثلاثا ثم وجد المعلق به" من الظهار وما بعده "ففي صحته" أي المعلق به من الظهار وما بعده "الخلاف" السابق فإن ألغينا الدور صح جميع ذلك, وإلا فلا "ولو قال إن وطئتك" وطئا "مباحا فأنت طالق قبله", وإن لم يقل ثلاثا "ثم وطئ" ولو في نحو حيض; لأن المراد المباح لذاته فلا ينافيه الحرمة العارضة فخرج الوطء في الدبر فلا يقع به شيء خلافا للأذرعي; لأنه لم يوجد الوطء المباح لذاته وفارق ما يأتي بأن عدم الوقوع هنا لعدم الصفة, وفيما يأتي للدور "لم يقع قطعا" للدور إذ لو وقع لخرج الوطء عن كونه مباحا, ولم يقع, ولم يأت هنا ذلك الخلاف; لأن محله إذا انسد بتصحيح الدور باب الطلاق أو غيره من التصرفات الشرعية وذلك غير موجود هنا.
"تنبيه" ليس لقاض الحكم بصحة الدور كما علم مما مر نعم إن اعتقد صحته بتقليد قائله وصححناه لم يكن له الحكم به إلا بعد وجود ما يقتضي الوقوع, وإلا كان حكما قبل وقته ولو وجد ما يقتضي وقوع طلقة فحكم بإلغائها لم يكن حكما بإلغاء ثانية لو وقعت فإن تعرض في حكمه لذلك فهو سفه وجهل لإيراده الحكم في غير محله فعلم أنه لا يصح الحكم بصحة الدور مطلقا بحيث لو أوقع طلاق بعد لم يقع كذا قاله بعض المحققين, وإنما يصح إن حكم بالصحة لا الموجب لما يأتي في القضاء وغيره.
"ولو علقه" أي الطلاق "بمشيئتها خطابا" كأنت طالق إن أو إذا شئت أو إن شئت فأنت طالق "اشترطت" مشيئتها, وهي مكلفة أو سكرانة باللفظ منجزة لا معلقة, ولا مؤقتة أو بالإشارة من خرساء ولو بعد التعليق وظاهر كلامهم تعين لفظ شئت ويوجه بأن نحو أردت, وإن رادفه إلا أن المدار في التعاليق على اعتبار المعلق عليه دون مرادفه في الحكم, ومن ثم قال البوشنجي في إتيانها بشئت بدل أردت في جواب إن أردت لا يقع ومخالفة الأنوار له فيها نظر "على فور" بها, وهو مجلس التواجب في العقود نظير ما مر في الخلع لأنه استدعاء لجوابها المنزل منزلة القبول ولأنه في معنى تفويض الطلاق إليها, وهو تمليك كما مر نعم لو قال متى أو أي وقت مثلا شئت لم يشترط فور "أو غيبة" كزوجتي طالق إن شاءت, وإن كانت حاضرة سامعة "أو بمشيئة أجنبي" كإن شئت فزوجتي طالق "فلا" يشترط فور في الجواب "في الأصح" لبعد التمليك في الأول مع عدم الخطاب ولعدم التمليك

 

ج / 3 ص -405-        في الثاني نعم إن قال إن شاء زيد لم يشترط فور جزما ولو جمع بينها وبينه فلكل حكمه "ولو قال المعلق بمشيئته" من زوجة أو أجنبي "شئت" ولو سكرانا أو "كارها" للطلاق "بقلبه وقع" الطلاق ظاهرا وباطنا; لأن القصد اللفظ الدال لا في الباطن لخفائه "وقيل لا يقع باطنا" كما لو علقه بحيضها فأخبرته كاذبة ورد بأن التعليق هنا على اللفظ, وقد وجد, ومن ثم لو وجدت الإرادة دون اللفظ لم يقع إلا إن قال إن شئت بقلبك قال في المطلب, ولا يجيء هذا الخلاف في نحو بيع بلا رضا, ولا إكراه بل يقطع بعدم حله باطنا لقوله تعالى {عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] وحمله الأذرعي على نحو بيع لنحو حياء أو رهبة من المشتري أو رغبة في جاهه بخلاف ما إذا كره لمحبته للمبيع, وإنما باعه لضرورة نحو فقر أو دين فيحل باطنا قطعا كما لو أكره عليه بحق ولو علق بمحبتها له أو رضاها عنه فقالت ذلك كارهة بقلبها لم تطلق كما بحثه في الأنوار أي باطنا, وهذا بناء على ما هو الحق عند أهل السنة أن المشيئة والإرادة غير الرضا والمحبة. "ولا يقع" الطلاق "بمشيئة صبي و" لا "صبية"; لأن عبارتهما ملغاة في التصرفات كالمجنون "وقيل يقع ب" مشيئة "مميز"; لأن لها منه دخلا في اختياره لأبويه ويرد بوضوح الفرق إذ ما هنا تمليك أو يشبهه ومحل الخلاف إن لم يقل إن قلت: شئت وإلا وقع بمشيئته; لأنه بتعليقه بالقول صرف لفظ المشيئة عن مقتضاه من كونه تصرفا يقتضي الملك أو شبهه هذا هو الذي يتجه في تعليله, وأما تعليله بأن المعلق عليه حينئذ محض تلفظه بالمشيئة فهو إن لم يرد به ذلك مشكل; لأنه, وإن لم يقل ذلك المعلق عليه مجرد تلفظه بها لما مر أنه لا يعتبر غيره "ولا رجوع له قبل المشيئة" نظرا إلى أنه تعليق ظاهرا, وإن تضمن تمليكا كما لا يرجع في التعليق بالإعطاء, وإن تضمن معاوضة. "ولو قال: أنت طالق ثلاثا إلا أن يشاء زيد طلقة فشاء طلقة" أو أكثر "لم تطلق"; لأنه استثناء من أصل الطلاق كأنت طالق إلا أن يدخل زيد الدار فإن لم يشأ شيئا في حياته وقع الثلاث قبيل نحو موته "وقيل يقع طلقة" إذ التقدير إلا أن يشاء واحدة فتقع فالإخراج من وقوع الثلاث دون أصل الطلاق وتقبل ظاهرا إرادته هذا; لأنه غلظ على نفسه كما لو قال أردت بالاستثناء عدم وقوع طلقة إذا شاءها فتقع طلقتان ويأتي قريبا حكم ما لو مات أو شك في نحو مشيئته. "ولو علق" الزوج الطلاق "بفعله" كدخوله الدار, وقد قصد حث نفسه أو منعها بخلاف ما إذا أطلق أو قصد التعليق بمجرد صورة الفعل فإنه يقع مطلقا كما اقتضاه كلام ابن رزين "ففعله ناسيا للتعليق أو مكرها" عليه بباطل أو بحق كما قاله الشيخان وغيرهما خلافا للزركشي وغيره كما مر بما فيه أو جاهلا بأنه المعلق عليه, ومنه كما يأتي في التعليق بفعل الغير أن تخبر من حلف زوجها أنها لا تخرج إلا بإذنه بأنه أذن لها, وإن بان كذبه كما قاله البلقيني وبه ينظر في قول ولده الجلال لو حلف لا يأكل كذا فأخبر بموت زوجته فأكله فبان كذبه حنث لتقصيره, ومنه أيضا ما أفتى به بعضهم فيمن خرجت ناسية فظنت انحلال اليمين أو أنها لا تتناول إلا المرة الأولى فخرجت ثانيا وعجيب تفرقة بعضهم بين هذين الظنين نعم لا بد من قرينة على ظنها لما يأتي فالحاصل أنه متى استند ظنها إلى أمر تعذر معه لم يحنث أو إلى مجرد ظن الحكم حنث وكلامهما

 

ج / 3 ص -406-        آخر العتق فيمن حلف بعتق مقيد أن في قيده عشرة أرطال دال على هذا الأخير كما قدمته في مبحث الإكراه لا بحكمه إذ لا أثر له خلافا لجمع وهموا فيه فقد قال غير واحد نص الأئمة أنه لا أثر للجهل بالحكم. قال جمع محققون وعليه يدل كلام الشيخين في الكتابة وغيرها وبه تندفع منازعة بعضهم لهم في ذلك بكلام الأذرعي ولغيره لا يدل له إلا إن اعتمد على من قال له ليس هذا هو المحلوف عليه أو على من يظنه فقيها وعبر شيخنا بكونه يعتمد ويرجع إليه في المشكلات, وفيه نظر وذلك كأن علق بشيء فقال له أو أخبره عنه من وقع في قلبه صدقه لا يقع بفعلك له ففعله معتمدا على ذلك فلا يقع به عليه شيء; لأنه الآن صار جاهلا بأنه المعلق عليه مع عذره ظاهرا وألحق بذلك بعضهم ما لو ظن صحة عقد فحلف عليها, ولم يكن كذلك, وإن لم يفته أحد بذلك وفرق بينه وبين حنث رافضي حلف أن عليا أفضل من أبي بكر رضي الله عنهما ومعتزلي حلف أن الشر من العبد بأن هذين من العقائد المطلوب فيها القطع فلم يعذر المخطئ فيها مع إجماع من يعتد بإجماعهم على خطئه بخلاف مسألتنا, وقد يقال لا يحتاج لهذا الإلحاق; لأن هذا ليس مما نحن فيه كما يعلم مما يأتي على الأثر فيمن حلف على ما في ظنه وما قاله في الرافضي والمعتزلي ليس على إطلاق لما يأتي فيهما قريبا "لم تطلق في الأظهر" للخبر الصحيح "إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" أي لا يؤاخذهم بأحكام هذه إلا ما دل عليه الدليل كضمان قيم المتلفات وأفتى جمع من أئمتنا بالمقابل. وقال ابن المنذر إنه مشهور مذهب الشافعي وعليه أكثر العلماء, ومن ثم توقف جمع من قدماء الأصحاب عن الإفتاء في ذلك وتبعهم ابن الرفعة في آخر عمره, ولا فرق على الأول بين الحلف بالله وبالطلاق على المنقول المعتمد, ولا بين أن ينسى في المستقبل فيفعل المحلوف عليه أو ينسى فيحلف على ما لم يفعله أنه فعله أو بالعكس كأن حلف على نفي شيء وقع جاهلا به أو ناسيا له, وإن قصد أن الأمر كذلك في الواقع بحسب اعتقاده كما بسطته في الفتاوى خلافا لكثيرين, وإن ألف غير واحد فيه والحاصل أن المعتمد الذي يلتئم به أطراف كلام الشيخين الظاهر التنافي أن من حلف على أن الشيء الفلاني لم يكن أو كان أو سيكون أو إن لم أكن فعلت أو إن لم يكن فعل أو في الدار ظنا منه أنه كذلك أو اعتقادا لجهله به أو نسيانه له ثم تبين أنه على خلاف ما ظنه أو اعتقده فإن قصد بحلفه أن الأمر كذلك في ظنه أو اعتقاده أو فيما انتهى إليه علمه أي لم يعلم خلافه فلا حنث; لأنه إنما ربط حلفه بظنه أو اعتقاده, وهو صادق فيه, وإن لم يقصد شيئا فكذلك على الأصح حملا للفظ على حقيقته, وهي إدراك وقوع النسبة أو عدمه بحسب ما في ذهنه لا بحسب ما في نفس الأمر للخبر المذكور, وقد صرح الشيخان وغيرهما بعدم حنث الجاهل والناسي في مواضع منها قولهما في الأيمان إن اليمين تنعقد على الماضي كالمستقبل وإنه إن جهل ففي الحنث قولان كمن حلف لا يفعل كذا ففعله ناسيا. وهذا ظاهر في عدم الحنث خلافا لمن نازع فيه بأنه لا يلزم من إجراء الخلاف الاتحاد في الترجيح; لأنا لم ندع اللزوم والظاهر كاف في ذلك, ومنها قولهما لو حلف شافعي أن مذهبه أصح المذاهب وعكس الحنفي لم يحنث واحد منهما;

 

ج / 3 ص -407-        لأن كلا حلف على غلبة ظنه المعذور فيه أي لعدم قاطع هنا, ولا ما يقرب منه وبه يفرق بين هذا وما يأتي قريبا في مسألة الفاتحة فإن أدلة قراءتها في الصلاة لما قاربت القطع نزلت منزلة القطعي فألحقت بما قبلها, ومنها قول الروضة لو جلس مع جماعة فقام ولبس خف غيره فقالت له امرأته استبدلت بخفك فحلف بالطلاق أنه لم يفعل ذلك وكان خرج بعد الجميع, ولم يعلم أنه أخذ بدله لم يحنث وأول بعضهم هذه العبارة بما لا ينفع, وإن قصد أن الأمر كذلك في نفس الأمر بأن يقصد به ما يقصد بالتعليق عليه حنث كما يقع الطلاق المعلق بوجود صفة وقول الإسنوي وغيره بعدم الوقوع في قصده إن الأمر كذلك في نفس الأمر أخذا من كلامهما أي في بعض الصور يحمل على ما إذا قصد ذلك لا بالحيثية التي ذكرتها بأن قصد أنه في الواقع كذلك بحسب اعتقاده إذ مع تلك الحيثية لا وجه لعدم الوقوع إذا بان أن ما في نفس الأمر خلاف ما علق عليه وعلى هذه الحالة يصح حمل كلام الشيخين في مواضع كقولهما لو حلف أن هذا الذهب هو الذي أخذه من فلان فشهد عدلان أنه ليس هو حنث, وإن كانت شهادة نفي; لأنه محصور. وحمل الإسنوي له على المتعمد وتبعه غيره مراده به القاصد لما ذكر به بدليل قوله نفسه, وإنما قيدناه بذلك ليخرج الجاهل فلا يحنث; لأن من حلف على شيء يعتقده إياه, وهو غيره يكون جاهلا والجاهل لا يحنث كما ذكراه في الأيمان فتفطن له واستحضره فإنه كثير الوقوع في الفتاوى, وقد ذهلا عنه في مسائل, وإن تفطنا له في مسائل أخرى ا هـ فقوله يعتقده إياه يفهم ما قدمته أن من قصد التعليق على ما في نفس الأمر يحنث كما تقرر وكقولهما لو حلف لا يفعل كذا فشهد عدلان أي أخبراه بأنه فعله وصدقهما لزمه الأخذ بقولهما وبحمله على ذلك أيضا سقط قول الإسنوي, وإن قيل إنه الحق هذا إنما يأتي على الضعيف أنه يقع طلاق الناسي ا هـ وإذا حملناه على ما قلناه وأخبره من صدقه فقياس نظائره السابقة في نحو الشفعة ورمضان أنه يلزمه الأخذ بقوله ولو فاسقا وقياس هذين أيضا أنه لا يحتاج في إخبار العدلين إلى تصديق فليحمل وصدقهما السابق على ما إذا عارضهما قرينة قوية تكذبهما وكقولهما لو قال السني إذا لم يكن الخير والشر من الله تعالى أو إن لم يكن أبو بكر أفضل من علي رضي الله عنهما فامرأتي طالق وعكس المعتزلي أو الرافضي حنثا, وكذا لو حلف شافعي أن من لم يقرأ الفاتحة في الصلاة لم يسقط فرضه وعكسه الحنفي فيحنث. والخلاف في هذه المسائل بين المتقدمين والمتأخرين طويل والمعتمد منه ما قررته وفارق ما تقرر من عدم الوقوع من خاطب زوجته بطلاق ظانا أنها أجنبية; لأنه هنا لما ربطه بظنه كان معلقا له على ما يجهل وجوده, وقد تقرر أن من فعل المحلوف عليه جاهلا بكونه المعلق به لم يحنث; لأنه لم يوقعه في محله أصلا, وأما ثم فأوقعه في محله وقرنه بظن كونها أجنبية المخالف للواقع والغير المعارض لما نجزه وأوقعه فلم يدفعه ويؤخذ من هذا مع ما تقرر في إن لم أكن فعلت وما بعده أنه لو غيرت هيئة زوجته فقيل له هذه زوجتك فأنكر ثم قال إن كانت زوجتي فهي طالق ظانا أنها غيرها لم تطلق; لأن هذا ليس تعليقا محضا وإنما هو تحقيق خبر, وهو يناط بما في الظن كما مر ومما يصرح به قول التوسط

 

ج / 3 ص -408-        لو قال إن لم يكن فلان سرق مالي فامرأتي طالق, وهو لا يعرف أنه سرقه لم تطلق ا هـ ومراده أنه ظن ذلك ولو علق بفعله, وإن نسي أو أكره أو قال لا أفعله عامدا, ولا غير عامد حنث مطلقا اتفاقا وألحق به ما لو قال لا أفعل بطريق من الطرق أو بأنه لا ينسى فنسي لم يحنث; لأنه لم ينس بل نسي كما في الحديث.
"تنبيه مهم" محل قبول دعوى نحو النسيان ما لم يسبق منه إنكار أصل الحلف أو الفعل أما إذا أنكره فشهد الشهود عليه به ثم ادعى نسيانا أو نحوه لم يقبل كما بحثه الأذرعي وتبعوه وأفتيت به مرارا للتناقض في دعواه فألغيت وحكم لقضية ما شهدوا به, وإن ثبت الإكراه ببينة فيما يظهر; لأنه مكذب لها بما قاله أو لا بخلاف ما إذا أقر بذلك فيقبل دعواه لنحو النسيان لعدم التناقض ومر أن الإكراه لا يثبت إلا ببينة مفصلة.
"أو" علق "بفعل غيره" من زوجة أو غيرها "ممن يبالي بتعليقه" بأن تقضي العادة والمروءة بأنه لا يخالفه ويبر يمينه لنحو حياء أو صداقة أو حسن خلق قال في التوشيح فلو نزل به عظيم قرية فحلف أن لا يرحل حتى يضيفه فهو مثال لما ذكر "وعلم" ذلك الغير "به" أي بتعليقه يعني وقصد إعلامه به ويعبر عنه بقصد منعه من الفعل فمراد المتن يعلم ذلك العلم والمقصود منه, وهو الامتناع من الفعل المقصود من التعليق ويقبل قوله لم أعلم, وإن تحقق علمه لكن طال الزمن بحيث قرب نسيانه لذلك كما أفتى به بعضهم "فكذلك" لا يحنث بفعله ناسيا للتعليق أو المعلق به أو مكرها عليه. ومنه أن يعلق بانتقال زوجته من بيت أبيها فيحكم القاضي عليه أو عليها به, وإن كان هو المدعي كما اقتضاه إطلاقهم وليس من تفويت البر بالاختيار كما هو ظاهر; لأن الحكم ليس إليه ويقاس بذلك نظائره أو جاهلا بالتعليق أو المعلق به ويظهر أن معرفة كونه ممن يبالي به يتوقف على بينة, ولا يكتفى فيه بقول الزوج إلا إن كان فيه ما يضره على ما يأتي, ولا المعلق بفعله لسهولة علمه من غيره كالإكراه بخلاف دعواه النسيان أو الجهل فإنه يقبل, وإن كذبه الزوج كما لو فوض إليها الطلاق بكناية فأتت بها وقالت لم أنو وكذبها لا تطلق كما اقتضاه كلام الشيخين وتابعيهما وقال الماوردي تطلق باعترافه, وهو وجيه, وإن رد بأن شرط الإقرار أن يكون بما يمكن المقر أن يعلم به وعلمه بالنية أو بالتذكر والتعمد متعذر فلم يقتض تكذيبه وقوع الطلاق عليه وغاية ما فيه أنا شاكون في الوقوع والشك فيه لا أثر له وظاهر أن محل الخلاف في مجرد تكذيبه لها أما لو ادعت عليه بنفقتها مثلا فقال لا تلزمني; لأنك نويت فلا بد من حلفها فإن نكلت فحلف طلقت اتفاقا; لأن نكولها قرينة مسوغة لحلفه فكان كإقرارها ويجري هذا كما هو ظاهر فيما لو علق بكل ما لا يعلم إلا منها كمحبتها له وادعاها فأنكرت. ومن دعوى الجهل بالمحلوف عليه أن تريد الخروج لمحل معين فيحلف أنها لا تخرج فتخرج ثم تدعي أنه لم يحلف إلا على الخروج لذلك المحل وأنها لم تخرج إليه فلا حنث لقيام القرينة على صدقها في اعتقادها المذكور وهو مستلزم لجهلها بالمحلوف عليه وحينئذ فلا نظر هنا إلى تكذيب الزوج لها أيضا قال الجلال البلقيني ولو صدقه الزوج في دعوى النسيان وكذبته حلف الزوج لا المعلق بفعله ويؤيده قول والده,

 

ج / 3 ص -409-        وإن كان مخالفا لترجيح الشيخين في الأيمان في إن خرجت بغير إذني الآتي قبيل الفصل في إن خرجت بغير إذن أبيك فخرجت فقال الزوج بإذنه وأنكر حلف الزوج لا الأب, وإن وافقته ولو ادعى النسيان ثم العلم لم يعمل بما قاله ثانيا "وإلا" بأن لم يبال بتعليقه كسلطان أو حجيج علق بقدومه علم أو لا قصد إعلامه أو لا أو بالى به, ولم يعلم, وقد قصد إعلامه لكن هذه غير مرادة; لأن المنقول المعتمد فيها عدم الوقوع كما يأتي نعم إن أريد بعلم غايته فقط, وهو قصد الإعلام لم ترد عليه هذه على أن قرينة قوله قطعا تخرجها إذ من تأمل سياقه علم أن فيها الخلاف وأن الراجح عدم الحنث أو بالى به, ولم يقصد إعلامه لحثه أو لمنعه, وإن علم به "فيقع قطعا" ولو مع نحو النسيان أو الإكراه; لأن الحلف لم يتعلق به حينئذ غرض حث, ولا منع, وإنما هو منوط بوجود صورة الفعل. نعم لو علق بقدوم زيد, وهو عاقل فجن ثم قدم لم يقع كما في الكفاية عن الطبري وظاهره أنه لا فرق بين أن يبالي زيد به ويقصد إعلامه وأن لا, وفيه نظر لما مر في شرح قوله وقع عند اليأس من الدخول أن الدخول من المجنون كهو من العاقل ثم رأيتهم صرحوا بأنه لو علق بتكليمها زيدا فكلمته ناسية أو مكرهة أو مجنونة لم يحنث قال القاضي إلا إن علق بذلك, وهي مجنونة, وهذا صريح في أن الأصحاب قائلون بعدم الفرق وإن كلام القاضي والطبري مقالة مخالفة لكلامهم وعليها فقد يفرق بينه وبين ما قبله بأن من شأن فعل من طرأ جنونه بعد الحلف أنه لا يقصد بالحلف أصلا فلم يتناوله اليمين بخلاف فعل نحو الناسي, ولا يرد على المتن عدم الوقوع في نحو طفل أو بهيمة أو مجنون علق بفعلهم فأكرهوا عليه; لأن الشارع لما ألغى فعل هؤلاء وانضم إليه الإكراه أخرجه عن أن ينسب إليهم وبه فارق الوقوع مع الإكراه فيما ذكر آنفا وبما أولت به المتن أن المراد بالعلم هو غايته المذكورة وأن سياقه يخرج تلك الصورة اندفع استشكال جمع له بأنه يقتضي القطع بالوقوع فيها مع كونه جاهلا فكيف يقع بفعله قطعا دون الناسي أو المكره أو الجاهل بالمحلوف عليه مع أنه أولى بالعذر منه لسبق علمه على أن الإسنوي نقل عن الجمهور أن فيه القولين أظهرهما لا حنث ولقوة الإشكال حمل السبكي المتن على ما عدا هذه. واستدل بعبارة الروضة وتبعه غيره فقال ويستثنى من المنهاج ما إذا قصد إعلام المبالي, ولم يعلم فلا يحنث كما اقتضاه كلام الروضة وأصلها أي ونقله الزركشي عن الجمهور ولوضوح هذا الاستثناء من سياقه أو لتأويل عبارته أطال المحققون في رد الاعتراض عليه كالبلقيني وولده الجلال وأبي زرعة لكنه فصل فيه تفصيلا في فتاويه في بعضه نظر, وأما حمل المتن ليوافق الاعتراض على أن المراد, وإلا يحصل علم, ولا مبالاة فالقطع بالوقوع مرتب على انتفائهما معا دون أحدهما فمردود بقطعهم به فيما إذا لم يبال به وعلم ولو أطلق فلم يقصد حثا, ولا منعا, ولا تعليقا محضا بل أخرجه مخرج اليمين وقع عند ابن الصلاح وجرى عليه جمع, وإن رده تلميذه ابن رزين بأن الأصحاب أطلقوا فيها القولين ومختار كثيرين منهم الرافعي عدم الوقوع ووجهه بأن الغالب ممن يحلف على فعل مستقبل من مبال أنه يقصد حثه أو منعه فلم يقع مع نحو النسيان إلا أن يصرفه بقصد وجود صورة الفعل. وكان الفرق بين هذا وما مر عنه

 

ج / 3 ص -410-        في فعل نفسه أنه لا غالب في فعل نفسه بل التعليق فيها خارج مخرج اليمين المجردة فأثر مطلقا إلا إن تحقق قصده لحث نفسه أو منعها بخلاف فعل الغير فإن الغالب فيه ما مر فلم يؤثر التعليق إلا مع تحقق صرفه عن ذلك بأن يقصد به مجرد صورة الفعل, وفيه ما فيه وإذا لم يقع بفعل نحو الناسي لا تنحل به اليمين كما قالاه في موضعين واعتمده البلقيني وغيره, وإن اقتضى كلامهما في ثالث الانحلال واعتمده الإسنوي وعلى الأول يفرق بين هذا وانحلالها في شك معلق القضاء بالهلال فيه فأخر فبان أنه الليلة الماضية بتعذر الحنث في هذه بعد فلا فائدة لبقاء اليمين بخلافه في مسألتنا ويؤخذ من عدم انحلالها بما أكره عليه أن من حلف لا يكلم غيره فأجبره القاضي على كلامه فكلمه لم يحنث بما يزول به الهجر المحرم, وهو مرة في كل ثلاثة أيام; لأن هذه هي المكره عليها بخلاف الزائد عليها في الثلاث فإن الإكراه لا يتناوله لما تقرر أن القصد بالإكراه هنا إنما هو إزالة الهجر المحرم لا غير ومر في مبحث الإكراه ما له تعلق بهذا قال بعض شراح البخاري, وإنما يحرم هجر أكثر من الثلاث إن واجهه, ولم يكلمه حتى بالسلام أما لو لم يواجهه فلا حرمة, وإن مكث سنين, وهو ظاهر. ولا تنحل أيضا في نحو إن خرجت لابسة الحرير فخرجت لابسة غيره ثم خرجت لابسة له فيحنث; لأن الخرجة الأولى لم يتناولها اليمين أصلا إذ التعليق فيها ليس له إلا جهة حنث, وهي الخروج المقيد بلبس الحرير فمتى وجد حنث وخروجها غير لابسة لا يسمى جهة بر لما تقرر أن اليمين لم تتناوله بخلاف إن خرجت بغير إذني فخرجت بإذنه ثم بغير إذنه لا حنث; لأن لها جهة بر, وهي الأولى وجهة حنث, وهي الثانية فتناولت كلا منهما وأيضا فالأولى هي مقصود الحلف فتناولها فانحل بها, ولا كذلك في لابسة حرير فتأمله وأفتى السبكي فيمن حلف ليعطين زيدا كل يوم كذا فلم يعطه يوما بانحلالها بحنثه هذا فإذا راجعها, ولم يعطه شيئا لم تطلق وغيره بأنه لو حلف لا يسافر معه فسافر أي وحده ثم سافر معه حنث لعدم الانحلال أي كما في مسألة الحرير, وفي الروضة حلف لا يرد الناشزة أحد فأكترت ورجعت مع المكاري لم تطلق; لأنه صحبها, ولم يردها وانحلت فلو خرجت فردها الزوج أو غيره لم يحنث إذ ليس في اللفظ ما يقتضي تكرارا وتنحل أيضا في إن رأيت الهلال وصرح بالمعاينة قوله: وقوله: لحق إلخ لعل ذلك ثابت في نسخته ا هـ. أو فسر بها وقبلناه فمضى ثلاث ليال فلم يره فيها من أول شهر يستقبله, وفي إن دخلت إن كلمت فأنت طالق يشترط تقديم الأخير فإن عكست أو وجدا معا لم تطلق وانحلت اليمين فلو كلمته بعد ذلك ثم دخلت لم يحنث; لأن اليمين تنعقد على المرة الأولى هذا ما نقلاه عن المتولي وأقراه واعترضهما الإسنوي وغيره بأن المحلوف عليه إنما هو دخول سبقه كلام, ولم يوجد إلا بعضه, وهو الكلام فاليمين باقية حتى لو دخلت لم يحنث, وفي أنت طالق قبل قدوم زيد بشهر فقدم قبل أكثر من شهر من أثناء التعليق لم تطلق وانحلت حتى لو قدم زيد بعد بأن سافر ثم قدم, وقد مضى أكثر من شهر لم تطلق, وفي إن دخلت أو كلمت فأنت طالق تطلق بأحدهما, وكذا إن قدم أنت طالق على الشرط وانحلت يمينه فيهما فلا يقع بالصفة الأخرى شيء, وفي إن تركت طلاقك فأنت طالق يقع إذا لم يطلقها فورا, وكذا إن سكت عنه بخلاف إن لم أترك أو إن

 

ج / 3 ص -411-        لم أطلق فلا فور فإن طلق فورا انحلت يمين الترك فلا تقع أخرى; لأنه لم يترك طلاقها بخلاف يمين السكوت فتقع أخرى بسكوته وانحلت يمينه وفرق ابن العماد أخذا من كلام الماوردي بأنه في الأولى علق على الترك, ولم يوجد, وفي الثانية على السكوت, وقد وجد; لأنه يصدق عليه أن يقال سكت عن طلاقها, وإن لم يسكت أولا, ولا يصح أن يقال ترك طلاقها إذا لم يتركه أو لا ا هـ وفيه نظر; لأن ما علل به من الصدق أو عدمه إن أريد به الصدق لغة فظاهر أن اللغة ليست كذلك أو شرعا فكذلك أو عرفا فإن أريد عرف خاص فليبين أو عام ففيه ما فيه, وإنما أطلت في جمع هذه المسائل المتعلقة بالانحلال; لأنه مبحث مشكل; لأن كلامهم فيه غامض فاحتيج إلى جمع متفرقات كلامهم فيه.
فرع علق الطلاق بصفة ثم وجدت واستمر معاشرا لزوجته ثم مات لم ترث منه كما أفتى به بعضهم لوقوع الطلاق عليها بظاهر وجود الصفة, ولا نظر لاحتمال نحو نسيان; لأنه مانع للوقوع والأصل عدم المانع ولأنا نشك الآن في استحقاقها للإرث لأصل عدمه فلا نظر مع ذلك لأصل بقاء العصمة ويوافق ذلك إفتاء بعضهم أخذا من كلام الجلال البلقيني فيمن حلف لا يدخل زيد الدار فدخل وشك أهو مبال أو ناس وهل قصد الحالف منعه أو لا بأنه يحنث بالدخول, وإن لم يعلم حال الداخل وخالف في ذلك بعضهم فأفتى فيمن حلف ليقضين حقه يوم كذا فمضى اليوم, ولم يقضه ثم مات, ولم يدر  بأنه لا يحنث لاحتمال نسيانه أو إعساره والعصمة محققة فلا ترفع بالشك وكان أصل قوله تطلق بأحدهما في نسخة لم تطلق وكتب عليها هذا ظاهر إن قال إن دخلت وكلمت بالواو لا بأو فليحرر ا هـ من بعض الهوامش.
هذا التخالف نشأ من تناقض الشيخين في أنت طالق إلا أن يقدم زيد ثم مات زيد وشك هل قدم أو لا فجريا هنا على عدم الوقوع للشك في الصفة الموجبة للطلاق. وفي الأيمان على الوقوع, وهو الذي عليه الأكثرون وبه يعلم صحة الإفتاء الأول والثاني وأن الثالث مبني على ما عليه الأقلون, وفي الروضة في أنت طالق أمس ذكر أحوال منوطة بإرادته بعضها يقع وبعضها لا ثم قال فإن مات, ولم يفسر حنث, وفي إن لم أصطد هذا الطائر اليوم فأصطاد طائرا وشك أهو هو أو لا حنث ورجح أيضا في إن لم يدخل أو إن لم يشأ اليوم وجهل دخوله أو مشيئته أنه لا حنث ومنازعة الإسنوي وغيره فيه ردها الأذرعي بأنه الموافق للنص ولك أن تقول لا تخالف في الحقيقة; لأن المعلق عليه تارة يوجد ويشك في مقارنة مانع له لم يدل عليه اللفظ كالنسيان, وهذا لا أثر للشك فيه; لأن الأصل عدم المانع ومجرد احتمال وجوده لا أثر له إذ لا بد من تحققه, ومنه المسائل المذكورة قبل ما في الروضة وتارة يشك في وجود أصل المعلق عليه, وهذا لا وقوع فيه على المعتمد خلافا لما عليه الأكثرون إذ لا بد من تحقيقه, ومنه ما في الروضة في مسألة الطائر وما معها وعلى هذا يحمل اختلاف كلامهم ويتبين أن المعتمد الإفتاء الأول والثاني دون الثالث فتأمل ذلك فإنه مهم فإن قلت: يرد على ذلك ما تقرر في مسألة الشك في المشيئة والدخول فإنه شك في وجود المانع, وقد عملوا به على المعتمد المذكور. قلت قد

 

ج / 3 ص -412-        أشرت إلى الجواب عن هذا بقولي أو لا لم يدل عليه اللفظ وسره أنه معلق عليه حينئذ, وقد شككنا في وجود الصفة المعلق عليها كما في الروضة فأثر ذلك, وإن كان وجودها مانعا فإن قلت: وقع في كلام غير واحد التسوية في إلا أن يقدم زيد بين ما إذا شك في أصل قدومه, وهو الذي في الروضة وغيرها وما إذا علم قدومه وشك هل قدم حيا أو ميتا فلا حنث هنا أيضا, وهذا مشكل بما لو شك هل قدم ناسيا أو ذاكرا فإنه يحنث هنا كما يقتضيه الإفتاءان الأولان قلت لا إشكال بل هما هنا سواء في أنه لا حنث للشك في وجود الصفة المعلق عليها, وهي القدوم الخالي عن الموانع, وأما الإفتاءان المذكوران فإنما محلهما في مانع لم يتعرض له في اللفظ بوجه كما علم مما قدمته هذا ويشكل على المعتمد المذكور قولهما في الأيمان في والله لأدخلن إلا أن يشاء زيد وشك في مشيئته أنه يحنث واختلف المتأخرون فمنهم من عد هذا مع قولهما هنا لا حنث تناقضا وهم الأكثرون, ومنهم من فرق بين البابين كابن المقري فإنه فرق بما حاصله أن الحنث هنا يؤدي إلى رفع النكاح بالشك بخلافه ثم واعترضه غير واحد بأن الحنث ثم يؤدي أيضا إلى رفع براءة الذمة بالشك وأجاب عنه شيخنا بأن النكاح جعلي والبراءة شرعي والجعلي أقوى من الشرعي كما صرحوا به في الرهن ووجه قوته أن ما يلزم الإنسان به نفسه أقوى مما يلزمه به غيره فلكون النكاح أقوى لم يؤثر الشك فيه بخلاف البراءة, ولا ينافي الإفتاءين الأولين كما هو ظاهر قبول دعوى الزوج لو كان حيا النسيان أو نحوه. وكذا وفاء الدين لكن بالنسبة لعدم الوقوع لا لسقوط الدين عنه بذلك أخذا من إفتاء القاضي لكن خالفه ابن الصلاح بأنه لو علق بعدم الإنفاق عليها ثم ادعاه قبل لعدم وقوع الطلاق; لأن الأصل بقاء العصمة لا لإسقاط نفقتها; لأن الأصل بقاؤها واعترض ما قاله القاضي بترجيح الشيخين في الأيمان في إن خرجت بغير إذني فخرجت وادعى الإذن وأنكرته أنها تصدق ونقل البغوي عن القاضي أنه أجاب به مرة; لأن الأصل عدم الإذن قال الأذرعي هذا ما تضمنه كلام كثيرين أو الأكثرين, وقد كنت ملت إلى قول ابن كج يصدق هو ثم توقفت فيه لفساد الزمان واعتمده الزركشي أيضا ويؤيده ما مر أن كل ما يمكن إقامة البينة عليه لا يصدق مدعيه والإذن والإنفاق مما يمكن إقامة البينة عليهما, ولا يشكل عليه ما مر في مسائل الشك; لأنه لا منازع ثم وبفرضه فنزاعه مستند لمجرد حزر وتخمين من غير أن يستند لأصل, ولا ظاهر فلم يعول عليه بخلافه فيما ذكر فاندفع ما لبعضهم هنا وبذلك كله تتأيد مخالفة ابن الصلاح للقاضي وقياس ذلك أنه لو علق بلعنها لوالديه ثم ادعى أنها لعنتهما أي: ولم نقل بما مر آنفا عن الماوردي في شرح فكذلك فأنكرت صدقت لإمكان إقامة البينة على اللعن وقول بعضهم تصدق هي بالنسبة لعدم العقوبة لا للوقوع إنما يتأتى على ما مر عن القاضي. وقد علم ما فيه نعم قد يؤيده قول الشيخين عن البوشنجي وأقراه لو قال: أنت طالق للسنة ثم ادعى الوطء في هذا الطهر ليمتنع الوقوع حالا وادعت عدمه صدق, وقد يجاب بأن الوطء تتعسر إقامة البينة عليه فصدق فيه لقوة أصل بقاء العصمة هنا ثم رأيت بعض المتأخرين أجاب بذلك حيث قال ذكر الأصحاب في إن لم أطأك الليلة أن القول قوله في

 

ج / 3 ص -413-        الوطء لعسر إقامة البينة عليه قال غيره وتصديق مدعي الوطء لا يتعدى إلى غيره من الخفيات فالراجح تصديقها في غيره مما يتعلق بفعل أحدهما وبه جزم المتولي وغيره ا هـ وتفرقة بعضهم بين كون الفعل الظاهر المعلق عليه من أحد الزوجين وكونه من غيرهما ليست بصحيحة; لأن الملحظ كما تقرر إمكان البينة وعدمه, وهو لا يختلف بذلك.
 

فصل في الإشارة إلى العدد وأنواع من التعليق
"قال" لزوجته "أنت طالق وأشار بإصبعين أو ثلاث لم يقع عدد" أكثر من واحدة "إلا بنية" له عند قوله طالق, ولا تكفي الإشارة; لأن الطلاق لا يتعدد إلا بلفظ أو نية; لأنه مما لا يؤدى بغير الألفاظ, ومن ثم لو وجد لفظ أثرت الإشارة كما قال "فإن قال مع ذلك" القول المقترن بالإشارة "هكذا طلقت في إصبعين طلقتين, وفي ثلاث ثلاثا", ولا يقبل في إرادة واحدة بل يدين; لأن الإشارة بالأصابع مع قول ذلك في العدد بمنزلة النية كما في خبر الشهر هكذا إلى آخره هذا إن أشار إشارة مفهمة للثنتين أو الثلاث لاعتيادها في مطلق الكلام فاحتاجت لقرينة تخصصها بأنها للطلاق وخرج بمع ذلك أنت هكذا فلا يقع به شيء, وإن نواه إذ لا إشعار للفظ بطلاق وبه فارق أنت ثلاثا "فإن قال أردت بالإشارة" في صورة الثلاث "المقبوضتين صدق بيمينه" لاحتمال اللفظ له فيقع ثنتان فقط. "ولو قال عبد" لزوجته "إذا مات سيدي فأنت طالق طلقتين وقال سيده" له "إذا مت فأنت حر فعتق به" أي بموت سيده بأن خرج من ثلثه أو أجاز الوارث أو قال إذا جاء الغد فأنت طالق طلقتين وقال سيده إذا جاء الغد فأنت حر "فالأصح أنها لا تحرم" عليه الحرمة المحتاجة لمحلل "بل له الرجعة" في العدة "وتجديد" بعدها ولو "قبل زوج"; لأن الطلقتين والعتق وقعا معا بالموت أو بمجيء الغد فغلب حكم الحرية لتشوف الشارع لها وكما تصح الوصية لمدبره ومستولدته مع أن استحقاقهما يقارن العتق فجعل كالمتقدم عليه أما عتق بعضه فيقع معه ثنتان ويحتاج لمحل; لأن المبعض كالقن في العدد وخرج بإذا مات سيدي ما لو علقها بآخر جزء من حياة السيد فيحتاج لمحلل لوقوعهما في الرق. "ولو نادى إحدى زوجتيه فأجابته الأخرى فقال أنت طالق, وهو يظنها المناداة لم تطلق المناداة"; لأنه لم يخاطبها حقيقة "وتطلق المجيبة في الأصح"; لأنها المخاطبة به حقيقة, ولا عبرة بظن بان خطؤه وخرج بيظنها المناداة الذي هو محل الخلاف علمه أو ظنه أن المجيبة غير المناداة فإن قصدها طلقت فقط أو المناداة طلقتا فإن قال لم أقصد المجيبة دين ولو قال طلقتك أو أنت طالق وقال إنما خاطبت يدي أو شيئا فيها مثلا لم يقبل ظاهرا بل, ولا يدين كما قاله الماوردي والشاشي واعتمده القمولي وغيره كما مر وبه يرد ترجيح بعضهم أنه يدين وإفتاء كثيرين يمنية وغيرهم بأنه إذا أشار إلى أصبعه أو شيء آخر حال تلفظه بالطلاق وقال أردت ما أشرت إليه وصدقته على الإشارة أو قامت بها بينة قبل وكأنهم لم يروا تعبير الماوردي والشاشي بقولهما وأشار بإصبعه ثم قال أردت بها الإصبع دون الزوجة لم يدن في الأصح, وأما تصديق الزوجة أو قيام بينة بالإشارة فلا يفيد; لأن ملحظ التديين احتمال اللفظ للمنوي,

 

ج / 3 ص -414-        وهو هنا لا يحتمله لتصريحهم بأنه لو قال لزوجته ودابة إحداكما طالق وقع على الزوجة, ولا يقبل دعواه إرادة الدابة; لأنها لا تصلح محلا للطلاق بخلافها مع أجنبية كما مر فهذا تصريح منهم بعدم القبول هنا; لأن ما أشار إليه لا يصلح محلا للطلاق وأفتى أبو زرعة فيمن واطأ الشهود بأنه يسمي حمارته باسم امرأته وأنه إذا ذكر اسمها يريد الحمارة ففعل بأنه يقع ظاهرا لا باطنا وما ذكرته يرده كما هو ظاهر. "ولو علق بأكل رمانة وعلق بنصف" كإن أكلت رمانة فأنت طالق, وإن أكلت نصف رمانة فأنت طالق "فأكلت رمانة فطلقتان" لوجود الصفتين فإن علق بكلما فثلاث; لأنها أكلت رمانة مرة ونصفا مرتين ولو قال رمانة فأكلت نصفي رمانتين لم يقع شيء; لأنهما لا يسميان رمانة وكون النكرة إذا أعيدت غيرا ليس بمطرد كما مر في الإقرار على أن المغلب هنا العرف الأشهر من اللغة أو هذا ونصفه وربعه فأكلته وقع ثلاث أو نصفه فثنتان, وأما قول الصيمري في هذه فثلاث فبعيد جدا وأشار في البيان إلى بنائه على أن إن تقتضي التكرار أي: ولا نعلم قائلا به. "والحلف بالطلاق" وغيره إذا علق الطلاق به "ما تعلق به حث" على فعل "أو منع" منه لنفسه أو لغيره أو لهما "أو تحقيق خبر" ذكره الحالف أو غيره ليصدق فيه; لأن الحلف بالله تعالى الذي الحلف بالطلاق فرعه يشتمل على ذلك "فإذا قال إن حلفت بطلاق فأنت طالق ثم قال إن لم تخرجي" مثال للأول "أو إن خرجت" مثال للثاني "أو إن لم يكن الأمر كما قلت:" مثال للثالث "فأنت طالق وقع المعلق بالحف" في الحال; لأنه حلف "ويقع الآخران" كانت موطوءة و "وجدت صفته" وبقيت العدة كما علله بأصله وحذفه لوضوحه "ولو قال" بعد تعليقه بالحلف "إذا طلعت الشمس أو جاء الحجاج فأنت طالق", ولم يقع بينهما تنازع في ذلك "لم يقع المعلق بالحلف" لخلوه عن أقسامه الثلاثة بل هو تعليق محض بصفة فيقع بها إن وجدت, وإلا فلا. "ولو قيل له استخبارا أطلقتها" أي زوجتك "فقال نعم" أو مرادفها كجير وأجل وإي بكسر الهمزة ويظهر أن بلى هنا كذلك لما مر في الإقرار أن الفرق بينهما لغوي لا شرعي "فإقرار به"; لأنه صريح إقرار فإن كذب فهي زوجته باطنا "فإن قال أردت" طلاقا "ماضيا وراجعت فيه صدق بيمينه" لاحتمال ما يدعيه وخرج براجعت جددت وحكمه كما مر في أنت طالق أمس وفسره بذلك "فإن قيل" له "ذلك التماسا" أي طلبا منه "لإنشاء" لإيقاع طلاق, ومنه كما هو ظاهر لو قيل له, وقد تنازعا في فعله لشيء الطلاق يلزمك ما فعلت كذا "فقال نعم" أو نحوها "فصريح" في الإيقاع حالا "وقيل كناية"; لأن نعم ليست من صرائح الطلاق ويرد بأنها, وإن كانت ليست صريحة فيه لكنها حاكية لما قبلها اللازم منه إفادتها في مثل هذا المقام أن المعنى نعم طلقتها ولصراحتها في الحكاية تنزلت على قصد السائل فكانت صريحة في الإقرار تارة, وفي الإنشاء أخرى تبعا لقصده وبهذا يتضح قول القاضي وقطع به البغوي واقتضى كلام الروضة ترجيحه. ومن ثم جزم به غير واحد من مختصريها لو قيل له إن فعلت كذا فزوجتك طالق فقال نعم لم يكن شيئا وبه أفتى البلقيني وغيره; لأنه ليس هنا استخبار ولا إنشاء حتى ينزل عليه بل تعليق ونعم لا تؤدي معناه فاندفع قول البغوي مرة أخرى يجب أن يكون على الوجهين فيمن قيل له أطلقت زوجتك

 

ج / 3 ص -415-        فقال نعم وكأن ابن رزين اغتر بكلامه هذا فأفتى بالوقوع وليس كما قال, وإن سبقه إليه المتولي وتبعه فيه بعض المتأخرين وبحث الزركشي أنه لو جهل حال السؤال هنا حمل على الاستخبار وخرج بنعم ما لو أشار بنحو رأسه فإنه لا عبرة به من ناطق على الأوجه لما مر أول الفصل وما لو قال طلقت فإنه كناية على الأوجه أيضا ويفرق بينه وبين طلقت بعد نحو طلقي نفسك أو طلقها بأنه ثم امتثال لما سبقه الصريح في الإلزام فلا احتمال فيه بخلافه هنا فإنه وقع جوابا لما لا إلزام فيه فكان كناية وما لو قال كان بعض ذلك فإنه لغو أيضا لاحتمال سبق تعليق أو وعد يئول إليه أو قال أعلم أن الأمر على ما تقول فكذلك كما نقلاه وأقراه; لأنه أمره أن يعلم, ولم يحصل هذا العلم. ولو أوقع ما لا يوقع شيئا أو لا يوقع إلا واحدة كأنت علي حرام فظنه ثلاثا فأقر بها بناء على ذلك الظن قبل منه دعوى ذلك إن كان ممن يخفى عليه ويجري ذلك فيما لو علقها بفعل لا يقع به مع الجهل أو النسيان فأقر بها ظانا وقوعها, وفيما لو فعل المحلوف عليه ناسيا فظن الوقوع ففعله عامدا فلا يقع به لظنه زوال التعليق مع شهادة قرينة النسيان له بصدقه في هذا الظن فهو أولى من جاهل بالمعلق عليه مع علمه ببقاء اليمين كما مر, وإنما لم يقبل من قال: أنت بائن ثم أوقع الثلاث بعد زمن تنقضي به العدة ثم قال نويت بالكناية الطلاق فهي بائن حالة إيقاع الثلاث; لأنه هنا متهم برفعه الثلاث الموجبة للتحليل اللازم له ولو قيل له قل هي طالق فقال ثلاثا فالأوجه أنه إن نوى به الطلاق الثلاث وأنه مبني على مقدر, وهو هي طالق وقعن, وإلا لم يقع شيء ومثله ما لو قيل له سرحها فقال سبعين ولو قال لمن في عصمته طلقتك ثلاثا يوم كذا فبان أنها ذلك اليوم بائن منه وقع عليه الثلاث وحكم بغلطه في التاريخ ذكره أبو زرعة.

فصل في أنواع أخرى من التعليق
"علق" بمستحيل عقلا كإن أحييت ميتا أي أوجدت الروح فيه مع موته أو شرعا كإن نسخ صوم رمضان أو عادة كإن صعدت السماء لم يقع في الحال شيء فاليمين منعقدة فيحنث بها المعلق على الحلف ويأتي في والله لا أصعد السماء أنها لا تنعقد لكن لا لما هنا بل; لأن امتناع الحنث لا يخل بتعظيم اسم الله, ومن ثم انعقدت في لأقتلن فلانا, وهو ميت مع تعليقها بمستحيل; لأن امتناع البر يهتك حرمة الإثم فيحوج إلى التكفير أو بنحو دخوله فحمل ساكتا قادرا على الامتناع وأدخل لم يحنث, وكذا إذا علق بجماعه فعلت عليه, ولم يتحرك, ولا أثر لاستدامتهما; لأنها ليست كالابتداء كما يأتي أو بإعطاء كذا بعد شهر مثلا فإن كان بلفظ إذا اقتضى الفور عقب الشهر أو إن لم يحنث إلا باليأس وكان وجه هذا مع مخالفته لظاهر ما مر في الأدوات أن الإثبات فيه بمعنى النفي فمعنى إذا مضى الشهر أعطيتك كذا إذا لم أعطكه عند مضيه, وهذا للفور كما مر فكذا ما بمعناه, وفيه ما فيه أو لا يقيم بكذا مدة كذا لم يحنث إلا بإقامة ذلك متواليا; لأنه المتبادر عرفا. أو "بأكل رغيف أو رمانة" كإن أكلت هذا الرغيف أو هذه الرمانة أو رغيفا أو رمانة "فبقي" بعد أكلها المعلق به

 

ج / 3 ص -416-        "لبابة" لا يدق مدركها كما أشار إليه كلام أصله بأن يسمي قطعة خبز "أو حبة لم يقع"; لأنه لم يأكل الكل حقيقة أما ما دق مدركه بأن لا يكون له وقع فلا أثر له في بر, ولا حنث نظرا للعرف المطرد وأجرى تفصيل اللبابة فيما إذا بقي بعض حبة في الثانية. "ولو أكلا" أي الزوجان "تمرا وخلطا نواهما فقال" لها "إن لم تميزي نواك" من نواي "فأنت طالق فجعلت كل نواة وحدها لم يقع" لحصول التمييز بذلك لغة لا عرفا "إلا أن يقصد تعيينا" لنواه من نواها فلا يحصل بذلك فيقع كما اقتضاه المتن واعتمده شارح وقال الأذرعي وغيره يحتمل أن يكون من التعليق بالمستحيل عادة لتعذره والذي يتجه أنه إن أمكن التمييز عادة فميزت لم يقع, وإلا وقع, وإن لم يمكن عادة فهو تعليق بمستحيل. "ولو كان بفمها تمرة فعلق ببلعها ثم برميها ثم بإمساكها فبادرت مع فراغه بأكل بعض", وإن اقتصرت عليه "ورمي بعض", وإن اقتصرت عليه "لم يقع"; لأن أكل البعض أو رمي البعض مغاير لكل من الثلاثة وقضية المتن الحنث بأكل جميعها وأن الابتلاع أكل مطلقا, وهو ما اعتمده شارح لكنه معترض بأن الفرض أنه ذكر التمرة وأكلها مضغ يزيل اسمها فلم تبلع تمرة والذي يتجه في ذلك أنه حيث انتفى المضغ كان الابتلاع غير الأكل كما يأتي وحيث وجد المضغ كان عينه ما لم يزل بالمضغ اسم المحلوف عليه, وفي عكسه بأن علق بالأكل فابتلعت لا حنث كما قالاه عن المتولي هنا واعتمداه ونسب للأكثرين لكن جريا في مواضع على الحنث وخرج ببادرت ما لو أمسكتها لحظة فتطلق, ومن ثم كان الشرط تأخر يمين الإمساك فيحنث إن توسطت أو تقدمت ومع تأخرها لا فرق بين العطف بالواو وثم فذكرها تصوير. "ولو اتهمها بسرقة فقال إن لم تصدقيني فأنت طالق فقالت سرقت ما" نافية "سرقت لم تطلق" لصدقها في أحدهما يقينا فإن قال إن لم تعلميني بالصدق لم تتخلص بذلك. "ولو قال إن لم تخبريني بعدد حب هذه الرمانة قبل كسرها" فأنت طالق "فالخلاص" من الحنث يحصل بطريقة هي "أن تذكر" من الواحد إلى ما يعلم أنها لا تزيد عليه أو "عددا يعلم أنها لا تنقص عنه" عادة "ثم تزيد واحدا واحدا حتى تبلغ ما يعلم أنها لا تزيد عليه" عادة ليدخل عددها في جملة ما أخبرته بعينه, ولا ينافيه قولهم: لا يعتبر في الخبر صدق فلو قال إن أخبرتني بقدوم زيد فأخبرته به كاذبة طلقت قال البلقيني; لأن ما وقع معدودا و مفعولا كرمي حجر لا بد فيه من الإخبار بالواقع بخلاف محتمل الوقوع وعدمه كالقدوم ولأن المفهوم من الإخبار بالعدد التلفظ بذكر العدد الذي في الرمانة ولا يحصل إلا بذلك ولو قال إن لم تعد حبها تعينت الطريقة الأولى على أحد وجهين يظهر أثر ترجيحه ويفرق بأنه هنا نص على عدد كل حبة حبة على حيالها بخلافه ثم "والصورتان" في السرقة والرمانة "فيمن لم يقصد تعريفا" أي تعيينا فإن "قصده لم يتخلص بذلك; لأنه لا يحصل" به ولو وضع شيئا وسها عنه ثم قال لها, ولا علم لها به إن لم تعطنيه فأنت طالق ثلاثا ثم تذكر موضعه فرآه فيه لم تطلق بل لا تنعقد يمينه; لأنه بان أنه حلف على مستحيل هو إعطاؤها ما لم تأخذه, ولم تعلم محله فهو كلا أصعد السماء بجامع أنه في هذه منع نفسه مما لا يمكنه فعله وهنا حث على ما لا يمكن فعله. "ولو قال لثلاث" من زوجاته "من لم تحبرني بعدد ركعات فرائض اليوم والليلة" فهي

فصل في مؤن الأقارب
"يلزمه" أي: الفرع الحر, أو المبعض الذكر والأنثى "نفقة" أي: مؤنة حتى نحو دواء وأجرة طبيب "الوالد" المعصوم الحر وقنه المحتاج له وزوجته إن وجب إعفافه, أو المبعض بالنسبة لبعضه الحر لا المكاتب "وإن علا" ولو أنثى غير وارثة إجماعا ولقوله تعالى
{وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً} [لقمان: 15] لخبر الصحيح "أن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وولده من كسبه" "و" يلزم الأصل الحر, أو المبعض الذكر والأنثى مؤنة "الولد" المعصوم الحر, أو بعض, كذلك "وإن سفل" ولو أنثى كذلك لقوله تعالى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ} [البقرة: 233] الآية ومعنى وعلى الوارث مثل ذلك الذي أخذ منه أبو حنيفة رضي الله عنه وجوب نفقة المحارم أي: في عدم المضارة كما قيده ابن عباس رضي الله عنهما وهو أعلم بالقرآن من غيره, وقوله {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] فإذا لزمه أجرة الرضاع فكفايته ألزم ومن ثم أجمعوا على ذلك في طفل لا مال له وألحق به بالغ عاجز كذلك لقوله صلى الله عليه وسلم لهند "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف" "وإن اختلف دينهما" بشرط

 

ج / 3 ص -417-        طالق "فقالت واحدة سبع عشرة" أي غالبا "وأخرى خمس عشرة أي يوم الجمعة وثالثة إحدى عشرة أي لمسافر لم يقع" على واحدة منهن طلاق لصدق الكل نعم إن قصد تعيينا لم يتخلص بذلك. "ولو قال: أنت طالق إلى حين أو زمان" أو حقب بسكون القاف أو عصر "أو بعد حين" أو نحوه "طلقت بمضي لحظة"; لأن كلا من هذه يقع على الطويل والقصير وإلى بمعنى بعد وفارق قولهم: في الأيمان في لأقضين حقك إلى حين لم يحنث بلحظة فأكثر بل قبيل الموت بأن الطلاق تعليق فتعلق بأول ما يسمى حينا إذ المدار في التعاليق على وجود ما يصدق عليه لفظها ولأقضين وعد, وهو لا يختص بزمن فنظر فيه لليأس وقضيته أنه لو حلف بالطلاق ليقضينه حقه إلى حين لم تطلق إلا باليأس. "ولو علق برؤية زيد أو لمسه" ويظهر أن مثله هنا المس, وإن فارقه في نقض الوضوء لاطراد العرف هنا باتحادهما "أو قذفه تناوله حيا" مستيقظا أو نائما "وميتا" فيحنث برؤية شيء من بدنه متصل به غير نحو الشعر نظير ما يأتي لا مع إكراه عليها ولو في ماء صاف أو من وراء زجاج شفاف دون خياله في نحو مرآة وبلمس شيء من بدنه لا مع إكراه عليه من غير حائل لا نحو شعر وظفر وسن سواء الرائي والمرئي واللامس والملموس العاقل وغيره ولو لمسه المعلق عليه لم يؤثر, وإنما استويا في نقض الوضوء; لأن المدار هنا على لمس من المحلوف عليه ويشترط مع رؤية شيء من بدنه صدق رؤية كله عرفا بخلاف ما لو أخرج يده مثلا من كوة فرأتها فلا حنث ولو قال لعمياء إن رأيت فهو تعليق بمستحيل حملا لرأي على المتبادر منها "بخلاف ضربه" فإنه لا يتناول إلا الحي; لأن القصد منه الإيلام, ومن ثم صححا هنا اشتراط كونه مؤلما لكن خالفاه في الأيمان وصوبه الإسنوي إذ المدار على ما في شأنه وسيأتي ثم إن منه ما لو حذفها بشيء فأصابها ولو علق بتقبيل زوجته اختص بالحية بخلاف أمه; لأن القصد ثم الشهوة وهنا الكرامة. "ولو خاطبته بمكروه كيا سفيه أو يا خسيس" أو يا حقرة "فقال إن كنت كذا فأنت طالق إن أراد مكافأتها بإسماع ما تكره" من الطلاق لكونها أغاظته بالشتم "طلقت" حالا "وإن لم يكن سفه", ولا خسة, ولا حقرة إذ المعنى إذا كنت كذلك في زعمك فأنت طالق "أو" أراد "التعليق اعتبرت الصفة" كسائر التعليقات "وكذا إن لم يقصد" مكافأة, ولا تعليقا "في الأصح" مراعاة لقضية لفظه إذ المرعي في التعليقات الوضع اللغوي لا العرف إلا إذا قوي واطرد لما يأتي في الأيمان وكان بعضهم أخذ من هذا أن التعليق بغسل الثياب لا يحصل البر فيه إلا بغسلها بعد استحقاقها الغسل من الوسخ أي; لأنه العرف في ذلك وكالوسخ النجاسة كما هو ظاهر وتردد أبو زرعة في التعليق بأن بنته لا تجيئه فجاءت لبابه فلم تجتمع به ثم مال إلى عدم الحنث حيث لا نية; لأنها لم تجئ بالفعل إلا لبابه ومجيئها لبابه بالقصد لا يؤثر. قال والورع الحنث; لأنه قد يقال جاءه, ولم يجتمع به قال ومدلول لا يعمل عنده لغة عمله بحضوره وعرفا أن يكون أجيرا له فإن أراد أحدهما فواضح, وإلا بني على أن المغلب اللغة أو العرف عند تعارضهما والأكثرون يغلبون اللغة واشتهر تغليب العرف في الأيمان, ولا يخفى الورع انتهى ويتجه أخذا مما قررته من تغليب العرف إذا قوي واطرد تغليبه هنا

 

ج / 3 ص -418-        لاطراده قالوا والخياطة اسم لمجموع غرز الإبرة وجذبها بمحل واحد فلو جذبها ثم غرزها في محل آخر لم يكن خياطة ورجح في إن نزلت عن حضانة ولدي نزولا شرعيا أنه لا حنث مطلقا; لأنه بإعراضها وإسقاطها لحقها يستحقها شرعا لا بنزولها مع أن حقها لا يسقط بذلك إذ لها العود لأخذه قهرا عليه ولو حذف قوله نزولا شرعيا فهل هو كذلك نظرا للوضع الشرعي, وإن لم يذكره أو ينظر إلى اللغة والعرف المقتضيين لتسمية قولها نزلت به نزولا للنظر فيه مجال, وكذا حيث تنافى الوضع الشرعي وغيره وظاهر كلامهم أنه لا يحنث بفاسد نحو صلاة تقديم الشرعي مطلقا فمحل الخلاف في تقديم اللغوي أو العرفي إنما هو فيما ليس للشارع فيه عرف "والسفه مناف إطلاق التصرف", وهو ما يوجب الحجر مما مر في بابه ونازع فيه الأذرعي بأن العرف عم بأنه بذاءة اللسان ونطقه بما يستحيا منه سيما إن دلت القرينة عليه ككونه خاطبها ببذاءة فقالت له يا سفيه مشيرة لما صدر منه. "والخسيس قيل من باع دينه بدنياه" بأن تركه باشتغاله بها "ويشبه أن يقال هو من يتعاطى غير لائق به بخلا"; لأن ذلك قضية العرف لا زهدا أو تواضعا أو طرحا للتكلف وأخس الأخساء من باع دينه بدنيا غيره والحقرة عرفا ذاتا ضئيل الشكل فاحش القصر ووضعا الفقير الفاسق ذكره أبو زرعة ثم قال وبلغني أن النساء لا يردن به إلا قليل النفقة, ولا عبرة بعرفهن تقديما للعرف العام عليه, وفي أصل الروضة عن التتمة والبخيل من لا يؤدي الزكاة, ولا يقري الضيف فيما قبل انتهى وقضيته أنه لو اقتصر على أحدهما لم يكن بخيلا واعترض بأن العرف يقتضي الثاني فقط ويرد بمنع ذلك وقضية كلام الروض أن كلا منهما بخيل قال شيخنا, وهو ظاهر انتهى قيل والكلام في غير عرف الشرع أما فيه فهو من يمنع مالا لزمه بذله انتهى, وفيه نظر ظاهر بل لا يصح; لأن صريح كلامهم أن من يؤدي ذينك لو امتنع من أداء دين لزمه فورا لا يسمى بخيلا وإن ضبطه بما مر إنما هو بالنسبة للعرف العام لعدم وجود ضابط له لغة, ولا شرعا, وهو واضح.
"فروع" أكثرها لا نقل فيه بعينه, وإنما حكمه مأخوذ من كلامهم علق بغيبته مدة معينة بلا نفقة, ولا منفق احتيج في إثبات ذلك جميعه إلى بينة تشهد به حتى تركها بلا نفقة, ولا منفق; لأنه نفي يحيط به العلم كالشهادة بالإعسار وأنه لا مال له وبأنه لا وارث له ولو قال لا أكلم زيدا, ولا عمرا فكلمهما ولو متفرقين وقع عليه طلقتان كما في الأيمان لا عادة لا خلافا لما في الخادم من أنه يمين واحدة; لأنه مفرع على ضعيف كما يأتي ثم ولو قال إن فعلت كذا, وإن فعلت كذا بمحل كذا, وإن فعلت كذا فامرأتي طالق, ولا نية له ففي رجوع قيد الوسط إلى ما قبله وما بعده تردد والمرجح كما مر في الوقف رجوعه; لأن الأصل اشتراك المتعاطفات في المتعلقات ولأنها متأخرة عن الأول ومتقدمة على الثاني وهما يرجعان للكل من غير تردد, ومن ثم أفتى بعض شراح الوسيط في إن كلمت زيدا اليوم وعمرا بشمول اليوم لهما أو إن امتنعت من الحاكم لا حنث بالهرب; لأن الامتناع أن يطلب فيمتنع أو متى مضى يوم كذا مثلا, ولم أوف فلانا دينه فأعسر لم يحنث لكن بشرط الإعسار من حين التعليق إلى مضي المدة. ويؤيده قوله الكافي إن لم تصل اليوم الظهر فحاضت في وقته إن

 

ج / 3 ص -419-        كان قبل مضي ما يمكن فيه الفرض لم تطلق, وإلا طلقت وقيد ذلك شيخنا بما إذا لم يغلب على ظنه عدم يساره وقت الوفاء, وإلا حنث; لأنه تعليق بمحض الصفة ا هـ وفيه نظر; لأن الأمور المستقبلة يبعد فيها التحقق وما قرب منه غالبا فليس تعليقا بذلك, ولا يخالف ما تقرر إفتاء ابن رزين في إن لم أوفك حقك يوم كذا فأعسر بالوفاء فأحال به أنه إن قصد بالوفاء الإعطاء حنث أو البراءة من الدين على أي وجه كان فلا; لأنه وجه ضعيف, وإن نقله جمع; لأنهم صرحوا أو أشاروا لما يرده, وإنما حنث من حلف لا يفارق غريمه حتى يستوفي حقه منه بمفارقته له, وإن وجبت لما يأتي في الأيمان ويظهر أن المراد بالإعسار هنا ما مر في الفلس ويحتمل أن يكون ما هنا أضيق فلا يترك له هنا جميع ما يترك له ثم, وإنما يترك له الضروري لا الحاجي, ولا أثر لقدرته على بعض الدين إذ لا يتعلق به بر, ولا حنث ونقل المزني الإجماع على حنث العاجز مؤولا بما إذا قصد الحالف شمول اليمين لحالة العجز دون ما إذا لم يقصد ذلك لما دل عليه تفاريع الأئمة في اعتبار الإمكان في الحنث فقد قالوا لو حلف ليقضينه غدا فأبرئ أو عجز لم يحنث; لأن التمكن شرط لاستقرار الحقوق الشرعية وبحث الجلال البلقيني وسبقه إليه ابن البزري أنه لا يحنث لو سافر الغريم أي قبل تمكنه من وفائه قال غيره. وهو الظاهر لفوته بغير اختياره, وإن أمكنه بالقاضي; لأن حمله عليه مجاز والحمل على الحقيقة أولى قال بعض المتأخرين وحيث قلنا الإعسار كالإكراه فادعاه فالراجح قبوله ا هـ وفي إطلاقه نظر لما مر أنه لا يقبل دعواه الإكراه إلا بقرينة كحبس فكذا هنا ويؤيده قولهم: في التفليس لا يقبل قوله فيه إلا إذا لم يعهد له مال ولو تعارضت بينتا تعليق وتنجيز قدمت الأولى; لأن معها زيادة علم بسماع التعليق ومحله كما هو ظاهر إن لم يمكن العمل بهما ولو قال كل زوجة في عصمتي طالق دخلت الرجعية, وإن ظن أنها ليست في عصمته كما لو طلق زوجته ظانا أنها أجنبية, وإنما قبل فيما مر في كل زوجة لي طالق وقال أردت غير المخاصمة; لأنه ثم أخرجها بالنية مع وجود القرينة المصدقة ولو قال متى وقع طلاقي عليها كان معلقا بكذا فهو لغو; لأن الواقع لا يعلق أولا وصلته عشرة أشرفية, ولا نية له تعينت فلا يجزئ غير الذهب الأشرفي لما مر في الإقرار والبيع ولو علق على ضرب زوجته بغير ذنب فشتمته فضربها لم يحنث إن ثبت ذلك, وإلا صدقت على ما مر فتحلف ومر أنه لو حنث ذو زوجات لم ينو إحداهن والطلاق ثلاث عينه في واحدة, ولا يجوز له توزيعه لمنافاته لما وقع عليه من البينونة الكبرى, وله أن يعينهن في ميتة وبائنة بعد التعليق; لأن العبرة بوقته لا بوقت وجود الصفة على المعتمد. ولو حلف أنه لا يطلق غريمه فهرب وأمكنه اتباعه حنث إذ معنى لا أطلقه لا أخلي سبيله كذا قيل, وفيه وقفة بل المتبادر من أطلقه أباشر إطلاقه بأن أخرجه من الحبس أو آذن له في الخروج أو في ذهابه عني ولو قال إن خرجت مع أمي إلى الحمام فخرجت أو لا ففي فتاوى المصنف إن قصد منعها من الاجتماع معها في الحمام طلقت, وإلا فلا ويقاس به نظائره ويأتي أوائل الأيمان حكم ما لو حلف لا يأكل طعامه فأضافه.