تحفة المحتاج بشرح المنهاج ط العلمية

ج / 3 ص -427-        كتاب الإيلاء
مصدر آلى أي حلف "هو" لغة الحلف وكان طلاقا في الجاهلية فغير الشرع حكمه وخصه بأنه "حلف زوج يصح طلاقه" بالله أو صفة له كما يأتي في الأيمان أو بما ألحق بذلك مما يأتي "ليمتنعن من وطئها" أي الزوجة ولو رجعية ومتحيرة لاحتمال الشفاء ومحرمة لاحتمال التحلل لنحو حصر وصغيرة بشرطها الآتي سواء أقال في الفرج أم أطلق وسواء أقيد بالوطء الحلال أم سكت عن ذلك "مطلقا" بأن لم يقيد بمدة وكذا إن قال أبدا أو حتى أموت أنا أو زيد أو تموتي ولا يرد عليه; لأنه لاستبعاده كالزائد على الأربعة ولو قال لا أطأ ثم قال أردت شهرا مثلا دين "أو فوق أربعة أشهر" ولو بلحظة لقوله تعالى
{لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [البقرة: 226] الآية وفائدة كونه موليا في زيادة اللحظة مع تعذر الطلب فيها لانحلال الإيلاء بمضيها إثمه إثم المولي بإيذائها وإياسها من الوطء المدة المذكورة فخرج بالزوج حلف سيد أو أجنبي فهو محض يمين كما يأتي وبيصبح طلاقه الشامل للسكران والعبد والكافر والمريض بشرطه الآتي وللمعلق في السريجية بناء على صحة الدور فيها لصحة طلاقه في الجملة الصبي والمجنون والمكره وبليمتنعن الذي لا يقال عادة إلا فيما يقدر عليه العاجز عن الوطء بنحو جب أو شلل أو رتق أو صغر فيها بقيده الآتي فلا إيلاء إذ لا إيذاء. وبهذا الذي قررته اندفع إيراد هذا على المتن بأنه غير مانع لدخول هذا فيه على أنه سيصرح بذلك وبوطئها حلفه على ترك التمتع بغيره وبقي الفرج إلى آخره حلفه على الامتناع من وطئها في الدبر أو الحيض أو الإحرام فهو محض يمين والأرجح في لا أجامعك إلا في نحو الحيض أو حيض أو نهار رمضان أو المسجد أنه إيلاء وبمطلقا وما بعده الأربعة فأقل; لأن المرأة تصبر على الزوج أربعة أشهر ثم يفي صبرها أو يقل وعلم من كلامه أن أركانه ستة: محلوف به وعليه ومدة وصيغة وزوجان وأن كلا له شروط لا بد منها "والجديد أنه" أي الإيلاء "لا يختص بالحلف بالله تعالى وصفاته بل لو علق به" أي الوطء "طلاقا أو عتقا أو قال إن وطئتك فلله علي صلاة أو صوم أو حج أو عتق" مما لا ينحل إلا بعد أربعة أشهر "كان موليا" لأن ذلك كله يسمى يمينا لتناولها لغة الحلف بالله تعالى وبغيره فشملته الآية والغفران فيها لما اشتمل عليه الإيلاء من الإثم كما مر لا للحنث; لأنه واجب وإن كان الحلف بالله ولأنه يمتنع من الوطء خشية أن يلزمه ما التزمه كالممتنع منه في الحلف بالله تعالى خشية الكفارة وكالحلف الظهار كأنت علي كظهر أمي سنة فإنه إيلاء كما يأتي أما إذا انحل قبلها كأن وطئتك فعلي صوم هذا الشهر أو شهر كذا وهو ينقضي قبل أربعة أشهر من اليمين فلا إيلاء.. "ولو حلف أجنبي" لأجنبية أو سيد لأمته "عليه" أي الوطء كوالله لا أطؤك "فيمين محضة" أي لا إيلاء فيها فيلزمه قبل النكاح أو بعده كفارة بوطئها "فإن نكحها فلا إيلاء" يحكم به عليه فلا تضرب المدة وإن

 

ج / 3 ص -428-        بقي من مدة عينها فوق أربعة أشهر وتأذت لانتفاء الإضرار حين الحلف لاختصاصه بالزوج بنص من نسائهم "ولو آلى من رتقاء أو قرناء أو آلى مجبوب" لم يبق له قدر الحشفة ومثله أشل كما مر "لم يصح" هذا الإيلاء "على المذهب" إذ لا إيذاء منه حينئذ بخلاف الخصي والعاجز لمرض أو عنة والعاجزة لنحو مرض أو صغر يمكن معه وطؤها في مدة قدرها وقد بقي منها أكثر من أربعة أشهر; لأن الوطء مرجو ومن طرأ نحو جبه بعد الإيلاء فإنه لا يبطل ومر صحة الإيلاء من الرجعية, وإن حرم وطؤها لإمكانه برجعتها. "ولو قال والله لا وطئتك أربعة أشهر فإذا مضت فوالله لا وطئتك أربعة أشهر وهكذا" مرتين أو "مرارا" متصلة "فليس بمول في الأصح" لانحلال كل بمضي الأربعة فتتعذر المطالبة نعم يأثم إثم مطلق الإيذاء دون خصوص إثم الإيلاء بل بحث أنه فوقه; لأن هذا لا يرتفع بالوطء وفيه نظر للخلاف في أصل تأثيمه وخرج بقوله فوالله ما لو حذفه بأن قال فلا وطئتك فهو إيلاء قطعا; لأنها يمين واحدة اشتملت على أكثر من أربعة أشهر وبمتصلة ما لو فصل كلا عن الأخرى أي بأن تكلم بأجنبي وإن قل أو سكت بأكثر من سكتة تنفس وعي فيما يظهر فليس إيلاء قطعا "ولو قال والله لا وطئتك خمسة أشهر فإذا مضت فوالله لا وطئتك سنة" بالنون كما في الروضة وأصلها وبالفوقية أي ستة أشهر كما في أصله قيل وهو الأولى انتهى. وفيه نظر بل الأولى الأول لما في الثاني من الإيهام الذي خلا عنه أصله بذكره المضاف إليه "فإيلاءان لكل" منهما "حكمه" فتطالبه بموجب الأول في الخامس لا فيما بعده لانحلالها بمضيه وانعقاد مدة الثانية فيطالب بذلك بعد مضي أربعة أشهر وخرج بقوله فإذا مضت ما لو أسقطه كأن قال والله لا أجامعك خمسة أشهر ثم قال والله لا أجامعك سنة فإنهما يتداخلان لتداخل مدتيهما وانحلتا بوطء واحد وبقوله فوالله ما لو حذفه فيكون إيلاء واحدا. "ولو قيد" يمينه على الامتناع من الوطء "بمستبعد الحصول في" الأشهر "الأربعة" عادة "كنزول عيسى صلى الله عليه وسلم" قبل خروج الدجال وكخروج الدجال أو يأجوج ومأجوج "فمول"; لأن الظاهر تأخره عن الأربعة فتتضرر هي بقطع الرجاء وعلم به أن محقق الامتناع كطلوع السماء كذلك بالأولى. أما لو قيدها بعد خروج الدجال بنزوله فلا يكون إيلاء ومحله كما بحثه أبو زرعة إن كان ثاني أيامه أو أولها ولم يبق منه مع باقي أيامه الأربعين ما يكمل أربعة أشهر باعتبار الأيام المعهودة إذ يومه الأول كسنة حقيقة والثاني كشهر والثالث كجمعة كذلك وبقيتها كأيامنا كما صح عنه صلى الله عليه وسلم مع أمره بأن الأول لا يكفي فيه صلاة يوم وبأنهم يقدرون له وقيس به الثاني والثالث وبالصلاة غيرها فيقدر فيها أقدار العبادات والآجال وغيرهما كما مر أوائل الصلاة. "وإن ظن حصوله" أي المقيد به "قبلها" أي الأربعة كمجيء المطر في الشتاء "فلا" يكون إيلاء بل محض يمين ومحققه كجفاف الثوب أولى فلذا حذفه وإن كان في أصله "وكذا لو شك" في حصول المقيد به قبل الأربعة أو بعدها كمرضه أو مرض زيد أو قدومه من محتمل الوصول منه قبل الأربعة فلا يكون إيلاء "في الأصح" حالا ولا بعد مضي الأربعة قبل وجود المعلق به; لأنه لم يتحقق منه قصد الإيذاء أو لا أما لو لم يحتمل وصوله منه لبعد مسافته بحيث لا تقطع في أربعة

 

ج / 3 ص -429-        أشهر فهو مول نعم إن ادعى ظن قربها حلف ولم يكن موليا بل حالفا. "ولفظه" المفيد له وإشارة الأخرس به "صريح وكناية" ومنها الكتابة كغيره "فمن صريحه تغييب" حشفة أو "ذكر" أي حشفته إذ هي المرادة منه بخلاف ما لو أراد كله لحصول مقصودها بتغييب الحشفة مع عدم الحنث "بفرج ووطء وجماع" ونيك أي مادة "ن ي ك" وكذا البقية "وافتضاض بكر" غير غوراء لشيوعها نعم يدين إن أراد بالجماع الاجتماع وبالوطء الدوس بالقدم وبالافتضاض غير الوطء, ومحله إن لم يقل بذكري وإلا لم يدين في واحد منها كالنيك مطلقا أما الغوراء إذا علم حالها قبل الحلف فالحلف على عدم افتضاضها غير إيلاء على ما قاله ابن الرفعة لحصول مقصودها بالوطء مع بقاء البكارة, قال إلا أن يقال الفيئة في حق البكر تخالفها في حق الثيب كما يفهمه إيراد القاضي والنص انتهى, وهذا هو المعتمد لما يأتي أنه لا بد في الفيئة في البكر من زوال بكارتها ولو غوراء نظير ما مر في التحليل وإن أمكن الفرق "والجديد أن ملامسة ومباضعة ومباشرة وإتيانا وغشيانا وقربانا" بكسر أوله ويجوز ضمه "ونحوها" كإفضاء ومس "كنايات" لاستعمالها في غير الوطء أيضا مع عدم اشتهارها فيه حتى المس وإن تكرر في القرآن بمعنى الوطء. "ولو قال إن وطئتك فعبدي حر فزال ملكه" ببيع لازم من جهته أو بغيره "عنه زال الإيلاء" وإن عاد لملكه لعدم ترتب شيء على وطئه. "ولو قال إن وطئتك فعبدي حر عن ظهاري وكان" قد "ظاهر" وعاد "فمول"; لأنه وإن لزمه العتق عنه فتعجيله وربطه بمعين زيادة التزمها بالوطء على موجب الظهار وإن وقع عنه لو وطئ في المدة أو بعدها فكان كالتزام أصل العتق "وإلا" يكن قد ظاهر "فلا ظهار ولا إيلاء باطنا" لكذبه "ويحكم بهما ظاهرا" لإقراره بالظهار فيحكم بإيلائه وبوقوع العتق عن الظهار. "ولو قال" إن وطئتك فعبدي حر "عن ظهاري إن ظاهرت فليس بمول حتى يظاهر"; لأنه لا يلزمه شيء بالوطء قبل الظهار لتعلق العتق به مع الوطء فإذا ظاهر صار موليا وحينئذ يعتق بالوطء في مدة الإيلاء وبعدها لوجود المعلق به لكن لا عن الظهار اتفاقا لسبق لفظ التعليق له والعتق إنما يقع عنه بلفظ يوجد بعده وبحث فيه الرافعي بأنه ينبغي مراجعته ويعمل بمقتضى إرادته أخذا من قولهم في الطلاق لو علقه بشرطين بلا عطف فإن قدم الجزاء عليهما أو أخره عنهما اعتبر في حصول المعلق به وجود الشرط الثاني قبل الأول وإن توسط بينهما كما هنا روجع فإن أراد أنه إذا حصل الثاني تعلق بالأول لم يعتق العبد إن تقدم الوطء أو أنه إذا حصل الأول تعلق بالثاني عتق انتهى وألحق السبكي بتقديم الثاني على الأول فيما قاله الرافعي مقارنته له وسكت الرافعي عما لو تعذرت مراجعته أو قال ما أردت شيئا, ورجح غيره أنه لا إيلاء مطلقا ونوزع فيه بأن قياس ما فسر به قوله تعالى {قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ} [الجمعة: 6] الآية من أن الشرط الأول شرط لجملة الثاني وجزائه أن يكون موليا إن وطئ ثم ظاهر. ويؤيد ذلك أن هذا هو الذي صرحوا به في الطلاق فإن قلت هل يمكن توجيه ما جرى عليه الأصحاب هنا ولم يجعلوه من تلك القاعدة التي قرروها في الطلاق كما يصرح به كلامهم قلت نعم يمكن إذ نظير ما هنا ثم إن دخلت الدار فأنت طالق إن كلمت زيدا, والفرق بينه وبين ما هنا غير

 

ج / 3 ص -430-        خفي إذ كل من الدخول والكلام مثلا وقع شرطا للطلاق محتملا للتقدم والتأخر وليس بين الشرطين ربط ولا مناسبة شرعيان يقضى بهما على ما أفهمه اللفظ فرجع لإرادته وقيل عند عدمها أو تعذر معرفتها لا طلاق إلا إن تقدم الأول; لأن الأصل بقاء العصمة وأما هنا فبين الشرطين الوطء والظهار ذلك فقضي بهما على اللفظ وبيانه أن الوطء هنا لما تعلق به العتق صار كالظهار في تعلق العتق به أيضا فكان بينهما ارتباط ومناسبة شرعيان فصار بمنزلة شرط واحد ولم يعول على إرادته ولا عدمها اكتفاء بالقرينة الشرعية المقتضية لذلك, وأيضا فقوله إن ظاهرت, ليس شرطا لمطلق وقوع العتق بل لكونه عنه ظاهرا فحسب والإيلاء ليس مشروطا بوقوع العتق عن الظهار لتعذره بل بمطلق وقوعه فلم يتحد الجزاء ويتعدد الشرط حتى يكون من القاعدة وأيضا فالإيلاء ليس جزاء مذكورا في اللفظ وإنما هو حكم شرعي مرتب على وقوع مثل هذه الصيغة. وفرق بين الجزاء اللفظي والجزاء الحكمي إذ الأول يتعلق بكل من الشرطين على حدته فنظرنا لما بينهما وحكمنا بما تقتضيه اللغة أو العرف بخلاف الثاني إذ الإيلاء يتعلق بكل من أجزاء جملة الشرطين وجزائهما فلم ينظر لما بين أجزائها بتقدم ولا تأخر فاتضح ما ذكر وهو أنه لا تتأتى فيه تلك القاعدة أصلا فتأمله. "أو" قال "إن وطئتك فضرتك طالق فمول" من المخاطبة; لأن طلاق الضرة الواقع بوطء المخاطبة يضره قال الزركشي ومثله إن وطئتك فعلي طلاق ضرتك أو طلاقك بناء على ما جريا عليه في المدة أن فيه كفارة يمين لكنهما جريا هنا على أنه لا يجب به شيء فحينئذ لا إيلاء انتهى "فإن وطئ" في المدة أو بعدها "طلقت الضرة" لوجود الصفة "وزال الإيلاء" إذ لا شيء عليه بوطئها بعد. "والأظهر أنه لو قال لأربع والله لا أجامعكن فليس بمول في الحال"; لأنه لا يحنث إلا بوطء الكل إذ المعنى لا أطأ جميعكن كما لو حلف لا يكلم هؤلاء, وفارقت ما بعدها بأن هذه من باب سلب العموم وتلك من باب عموم السلب كما يأتي "فإن جامع ثلاثا" منهن ولو بعد البينونة أو في الدبر; لأن اليمين يشمل الحلال والحرام "فمول من الرابعة" لحنثه حينئذ بوطئها "فلو مات بعضهن قبل وطء زال الإيلاء" لتحقق امتناع الحنث إذ الوطء إنما يقع على ما في الحياة أما بعد وطئها وقبل وطء الأخريات فلا يزول "ولو قال" لهن والله "لا أجامع" واحدة منكن ولم يرد واحدة معينة أو مبهمة بأن أراد الكل أو أطلق كان موليا من كل منهن حملا له على عموم السلب فإن النكرة في سياق النفي للعموم فيحنث بوطء واحدة ويرتفع الإيلاء عن الباقيات. أما إذا أراد واحدة فيختص بها ويعينها أو يبينها أو لا أجامع "كل واحدة منكن فمول من كل واحدة" منهن على حدتها لعموم السلب لوطئهن بخلاف لا أطؤكن فإنه لسلب العموم أي لا يعم وطئي لكن فإذا وطئ واحدة حنث وزال الإيلاء في حق الباقيات كما نقلاه عن تصحيح الأكثرين وقال الإمام لا يزول كما هو قضية الحكم بتخصيص كل بالإيلاء وهو ظاهر المعنى ولذا بحث الرافعي أنه إن أراد تخصيص كل بالإيلاء لم ينحل وإلا كان كلا أجامعكن فلا يحنث إلا بوطء جميعهن وأجاب عنه البلقيني بما لا يدفعه, ومن ثم أيده غيره بقول المحققين تأخر المسور بكل عن النفي يفيد سلب العموم لا عموم السلب ومن ثم كانت تسوية الأصحاب

 

ج / 3 ص -431-        بين صورة المتن ولا أطأ واحدة مشكلة وأجيب بأن ما قاله المحققون أكثري لا كلي بدليل قوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [لقمان: 18] وفيه نظر; لأن هذا إنما حمل على النادر بشهادة المعنى ولا كذلك هنا فحمله عليه بعيد جدا وقد يوجه تصحيح الأكثرين بأنهم إنما حكموا بإيلائه من كلهن ابتداء فقط; لأن اللفظ ظاهر فيه سواء أقلنا أن عمومه بدلي أم شمولي. وأما إذا وطئ إحداهن فلا يحكم بالعموم الشمولي حينئذ حتى تتعدد الكفارة; لأنه يعارضه أصل براءة الذمة منها بوطء من بعد الأولى وساعد هذا الأصل تردد اللفظ بين العموم البدلي والشمولي وإن كان ظاهرا في الشمولي فلم تجب كفارة أخرى بالشك ويلزم من عدم وجوبها ارتفاع الإيلاء ولا نظر لنية الكل في الأولى ولا للفظ كل في الثانية; لأن الكفارة حكم رتبه الشارع فلم يتعدد لا بما يقتضي تعدد الحنث نصا ولم يوجد ذلك هنا.. "ولو قال" والله "لا أجامعك" سنة أو "إلى سنة". وأراد سنة كاملة أو أطلق أخذا مما مر في الطلاق "إلا مرة" وأطلق "فليس بمول في الحال في الأظهر"; لأنه لا حنث بوطئه مرة لاستثنائها أو السنة فإن بقي منها عند الحلف مدة الإيلاء فإيلاء وإلا فلا "فإن وطئ وبقي منها" أي السنة "أكثر من أربعة أشهر فمول" من يومئذ لحنثه به حينئذ فيمتنع منه أو أربعة فأقل فحالف فقط, وإن لم يطأ حتى مضت السنة انحل الإيلاء ولا كفارة عليه ولا نظر لاقتضاء اللفظ وطأه مرة; لأن القصد منع الزيادة عليها لا إيجادها قيل هذا مخالف لما مر أن الاستثناء من النفي إثبات ورد بأنه لا يخالفه; لأنه ليس المراد بكونه إثباتا أنه إثبات لنقيض الملفوظ بل المراد أنه إثبات لنقيض ما دل عليه الملفوظ به وحينئذ فهو موافق للقاعدة المذكورة; لأنه في هذا المثال وهو المستقبل منع نفسه من الوطء وأخرج المرة فعلى الضعيف أن الثابت بعد الاستثناء نقيض الملفوظ به قبله وهو الوطء إذا لم يطأ المرة يحنث. وعلى الأصح أن الثابت نقيض ما دل عليه لفظه وهو الامتناع ينتفي الامتناع في المرة ويثبت التخيير فيها ويجري ذلك في كل حلف على مستقبل بخلافه على ماض أو حاضر ففي لا وطئت إلا مرة يحنث إذا لم يكن قد وطئها جزما لانتفاء توجبه التخيير لعدم إمكانه فلما لم يحتمل الاستثناء إلا وقوعه خارجا حنث إذا لم يكن كذلك ولهذا جزموا في ليس له علي إلا مائة بلزومها ولم يخرجوه على هذا الخلاف قال البلقيني وقياس ما ذكر أن من حلف لا يشكو غريمه إلا من حاكم الشرع لم يحنث بترك شكواه مطلقا; لأن قصده نفي الشكوى من غير حاكم الشرع لا إيجادها عنده وتبعه أبو زرعة فقال فيمن قيل له بت عندي فقال لا أبيت عندك إلا هذه الليلة, ميلي إلى عدم الوقوع بترك المبيت عنده; لأن معناه عرفا ليس إثبات المبيت بل إن وجد يكون ليلة فقط ثم استدل بإفتاء شيخه والقاعدة المذكورين وبين التاج السبكي تلك القاعدة بأن لا آكل إلا هذا يتضمن قضيتين الامتناع من أكل غيره ومقابله وهو عدم الامتناع منه فمعنى الأول أمنع نفسي غيره وأخرج هذا من المنع فيصدق بالإقدام عليه وتركه ومعنى الثاني أمنعها غيره وأحملها عليه. والأصح الأول وإنما لم يأت هذا في ليس له إلا مائة; لأنه لا مقابل لنفيها إلا ثبوتها إذ لا واسطة بينهما ثم نازع فيما مر من جريان ذلك في كل مستقبل بأنه قد لا يتأتى في بعض المستقبلات نحو لا يقوم غدا إلا زيد إذ

 

ج / 3 ص -432-        لا بد من قيامه غدا لكن إن كانت الجملة خبرية وإلا لم يتعين قيامه بل يبقى التخيير كما مر فإذن ما ذكر ليس من عموم المستقبلات بل من خصوص الحث أو المنع انتهى.

فصل في أحكام الإيلاء من ضرب مدة وما يتفرع عليها
"يمهل" وجوبا المولي بلا مطالبة "أربعة أشهر" رفقا به وللآية ولو قنا أو قنة; لأن المدة شرعت لأمر جبلي هو قلة صبرها فلم تختلف بحرية ورق كمدة حيض وعنة وتحسب المدة "من" حين "الإيلاء"; لأنه مول من وقتئذ ولو "بلا قاض" لثبوتها بالنص والإجماع وبه فارقت نحو مدة العنة نعم في إن جامعتك فعبدي حر قبل جماعي بشهر لا تحسب المدة من الإيلاء بل بعد مضي الشهر; لأنه لو وطئ قبله لم يعتق "و" تحسب "في رجعية" ومرتدة حال الإيلاء "من الرجعة" أو زوال الردة كزوال الصغر أو المرض كما يأتي لا من اليمين; لأن بذلك يحل الوطء في الأولين ويمكن في الأخير أما لو آلى ثم طلق رجعيا أو وطئت بشبهة فتنقطع المدة أو تبطل لحرمة وطئها وتستأنف من الرجعة أو انقضاء العدة إن بقي من مدة اليمين فوق أربعة أشهر; لأن الإضرار إنما يحصل بالامتناع المتوالي أربعة أشهر في نكاح سليم. "ولو ارتد أحدهما" قبل دخول انفسخ النكاح كما مر أو "بعد دخول في المدة" أو بعدها "انقطعت" لحرمة وطئها حينئذ "فإذا أسلم" المرتد منهما في العدة "استؤنفت" المدة لما ذكر المعلوم منه أن محله إذا كانت اليمين على الامتناع من الوطء مطلقا أو بقي من مدة اليمين ما يزيد على أربعة أشهر وإلا فلا معنى للاستئناف. "وما منع الوطء ولم يخل بنكاح إن وجد فيه" أي الزوج "لم يمنع" المدة سواء المانع الشرعي "كصوم وإحرام و" الحسي كحبس و "مرض وجنون"; لأنها ممكنة والمانع منه مع أنه المقصر بالإيلاء. "أو" وجد "فيها" أي الزوجة "وهو حسي كصغر ومرض" يمنع من إيلاج الحشفة في صورة صحة الإيلاء معهما السابقة ونشوز "منع" المدة فلا يبتدئ بها حتى تزول "وإن حدث" نحو مرضها المانع من ذلك أو نشوزها وكذا مانعها الشرعي غير نحو الحيض كتلبسها بفرض كصوم "في" أثناء "المدة قطعها"; لأنه لم يمتنع من الوطء لأجل اليمين بل لتعذره "فإذا زال" وقد بقي فوق أربعة أشهر من اليمين "استؤنفت" المدة لما مر "وقيل تبنى" لبقاء النكاح هنا وخرج بفي المدة طرو ذلك بعدها فلا يمنعها بل يطالب بالفيئة بعد زوالها لوجود المضارة في المدة على التوالي مع بقاء النكاح على سلامته وبهذا يفرق بين ما هنا وما مر في الردة أو الرجعة "أو" وجد فيها هو "شرعي كحيض" أو نفاس كما قالاه, وإن أطال جمع في رده "وصوم ونفل" أو اعتكافه "فلا" يمنع المدة ولا يقطعها لو حدث فيها; لأن الحيض لا يخلو عنه شهر غالبا فلو منع لامتنع ضرب المدة غالبا وألحق به النفاس طردا للباب; لأنه من جنسه ومشارك له في أكثر أحكامه ولأنه متمكن من وطئها مع نحو صوم النفل فإن قلت لم لم ينظروا هنا إلى كونه يهاب الوطء معه ومن ثم حرم عليها وهو حاضر بلا إذنه كما مر قلت; لأن المدار هنا على التمكن وعدمه فلم ينظر لكونه يهاب الإقدام بخلافه ثم. "ويمنع" المدة ويقطعها صوم أو اعتكاف "فرض" وإحرام لا

 

ج / 3 ص -433-        يجوز له تحليلها منه "في الأصح" لعدم تمكنه معه من الوطء وقضيته أن الصوم الموسع زمنه من نحو قضاء أو نذر أو كفارة لا يمنع; لأنه كالنفل في تمكنه معه من الوطء وهو ظاهر ثم رأيت الزركشي بحثه "فإن وطئ في المدة انحلت" اليمين وفات الإيلاء كما هو ظاهر "وإلا" يطأ فيها وقد انقضت ولا مانع بها "فلها" دون وليها وسيدها بل توقف حتى تكمل ببلوغ أو عقل "مطالبته", وإن كان حلفه بالطلاق "بأن يفيء" أي يرجع إلى الوطء الذي امتنع منه بالإيلاء من فاء إذا رجع "أو يطلق" إن لم يفئ لظاهر الآية وليس لها تعيين أحدهما كما في الروضة وصوبه الإسنوي في تصحيحه وإن ضعفه في مهماته وتبعه الزركشي وغيره فصوبوا ما قاله الرافعي أنها تطالبه بالفيئة أولا ثم بالطلاق; لأن نفسه قد لا تطاوعه على الوطء ولأنه لا يجبر على الطلاق إلا بعد الامتناع من الوطء واليمين بالطلاق لا تمنع حل الإيلاج لكن يجب النزع فورا "ولو تركت حقها فلها المطالبة بعده" أي الترك إن بقيت المدة; لأن الضرر هنا يتجدد كالإعسار بالنفقة بخلافه في العنة والعيب والإعسار بالمهر; لأنه خصلة واحدة. "وتحصل الفيئة" بفتح الفاء وكسرها "بتغييب حشفة" أو قدرها من مقطوعها "بقبل" مع زوال بكارة بكر ولو غوراء وإن حرم الوطء أو كان بفعلها فقط وإن لم تنحل به اليمين; لأنه لم يطأ وذلك; لأن مقصود الوطء إنما يحصل بذلك بخلافه في دبر فلا تحصل به فيئة لكن تنحل اليمين وتسقط المطالبة لحنثه به فإن أريد عدم حصول الفيئة به مع بقاء الإيلاء تعين تصويره بما إذا حلف لا يطؤها في قبلها وبما إذا حلف ولم يقيد لكنه فعل مكرها أو ناسيا لليمين فإنها لا تنحل به. "ولا مطالبة" بفيئة ولا طلاق "إن كان بها مانع وطء كحيض" ونفاس وإحرام وصوم فرض بقيده السابق أو اعتكافه "ومرض" لا يمكن معه الوطء; لأن المطالبة إنما تكون بمستحق وهي لا تستحق الوطء لتعذره من جهتها وتعجب في الوسيط من منع الحيض للطلب مع عدم قطعه المدة ويجاب بأن منعه لحرمة الوطء معه وهو ظاهر وعدم قطعه للمصلحة وإلا لم تحسب مدة غالبا كما مر قيل قولهم طلاق المولي في الحيض غير بدعي يشكل بعدم مطالبته به ورد بفرضه فيما إذا طولب زمن الطهر بالفيئة فترك مع تمكنه ثم حاضت فيطالب بالطلاق حينئذ "وإن كان فيه مانع طبيعي كمرض" يضر معه الوطء ولو بنحو بطء برء "طولب" بالفيئة بلسانه "بأن يقول إذا" أو إن أو لو فيما يظهر خلافا لما يقتضيه كلام ابن الرفعة واختلاق معناها وضعا لا يؤثر فيما نحن فيه كما هو واضح "قدرت فئت"; لأن به يندفع إيذاؤه لها بالحلف بلسانه ويزيد ندبا وندمت على ما فعلت ثم إذا لم يفئ طالبته بالطلاق ويتردد النظر فيما إذا طرأ الجب بعد الإيلاء وسقط خيارها والذي يتجه أنه يطالب بالطلاق وحده إذ لا فائدة تترقب هنا قطعا ثم رأيت ابن الرفعة ذكر ما يقتضي أنه يقنع منه بقوله لو قدرت فثبت وفيه نظر ظاهر; لأن ذلك لا آخر له "أو شرعي كإحرام" لم يقرب تحلله منه وصوم فرض مضيق أو موسع ولم يستمهل إلى الليل وظهار ولم يستمهل إلى الكفارة بغير الصوم "فالمذهب أنه يطالب بطلاق" عينا; لأن المانع منه لا بفيئة معه ولا وحدها لحرمتها عليه وإنما طولب من غصب دجاجة ولؤلؤة فابتلعتها بالترديد بأن يقال له إن ذبحتها غرمتها وإلا غرمت اللؤلؤة;

 

ج / 3 ص -434-        لأن الابتلاع المانع ليس منه وهنا المانع من الزوج أما إذا قرب التحلل ويظهر ضبطه بما يأتي عن غير البغوي أو استمهل في الصوم إلى الليل أو في الكفارة إلى العتق أو الإطعام فإنه يمهل وقدر البغوي الأخير بيوم ونصف وقدره غيره بثلاثة وهو الأوجه "فإن عصى بوطء" في القبل أو في الدبر وقد أطلق الامتناع من الوطء "سقطت المطالبة" وانحلت اليمين وتأثم بتمكينه قطعا إن عمهما المانع كطلاق رجعي أو خصها كحيض وكذا إن خصه على الأصح; لأنه إعانة على معصية. "وإن أبى" بعد ترافعهما إلى القاضي فلا يكفي ثبوت إبائه مع غيبته عن مجلسه إلا إذا تعذر إحضاره لتواريه أو تعززه "الفيئة والطلاق فالأظهر أن القاضي يطلق عليه" بسؤالها "طلقة" وإن بانت بها لعدم دخول أو استيفاء ثلاث بأن يقول أوقعت عليها طلقة عنه أو طلقتها عنه أو أنت طالق عنه فإن حذف عنه لم يقع شيء وذلك; لأنه لا سبيل لدوام إضرارها ولا لإجباره على الفيئة مع قبول الطلاق للنيابة فناب الحاكم عنه كما يزوج عن العاضل وخرج بطلقة ما زاد عليها فلا يقع كما لو بان أنه طلق أو فاء فإن بانا معا وقعا لإمكانهما بخلاف بيع غائب بانت مقارنته لبيع الحاكم عنه لتعذر تصحيحهما فقدم الأقوى "و" الأظهر "أنه لا يمهل" للفيئة بالفعل فيما إذا استمهل لها "ثلاثة" من الأيام لزيادة إضرارها أما للفيئة باللسان فلا يمهل قطعا كالزيادة على الثلاث وأما ما دونها فيمهل له لكن بقدر ما ينتهي فيه مانعه كوقت الفطر للصائم والشبع للجائع والخفة للممتلئ وقدر بيوم فأقل "و" الأظهر "أنه إذا وطئ بعد مطالبة" أو قبلها بالأولى "لزمه كفارة يمين" إن كان حلفه بالله تعالى لحنثه والمغفرة والرحمة في الآية لما عصى به من الإيلاء فلا ينفيان الكفارة المستقر وجوبها في كل حنث أما إذا حلف بالتزام ما يلزم فإن كان بقربة تخيير بين ما التزمه وكفارة يمين أو بتعليق نحو طلاق وقع بوجود الصفة.