تحفة المحتاج بشرح المنهاج ط العلمية

ج / 3 ص -435-        كتاب الظهار
سمي به لتشبيه الزوجة بظهر نحو الأم وخص; لأنه محل الركوب والمرأة مركوب الزوج ومن ثم سمي المركوب ظهرا وكان طلاقا في الجاهلية قيل وأول الإسلام وقيل لم يكن طلاقا من كل وجه بل لتبقى معلقة لا ذات زوج ولا خلية تنكح غيره فنقل الشرع حكمه إلى تحريمها بعد العود ولزوم الكفارة وهو حرام بل كبيرة; لأن فيه إقداما على إحالة حكم الله وتبديله وهذا أحظر من كثير من الكبائر إذ قضيته الكفر لولا خلو الاعتقاد عن ذلك واحتمال التشبيه لذلك وغيره ومن ثم سماه تعالى منكرا من القول وزورا في الآية أول المجادلة وسببها كثرة مراجعة المظاهر منها لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما قال لها حرمت عليه وكرره وإنما كره أنت علي حرام; لأن الزوجية ومطلق الحرمة يجتمعان بخلافها مع التحريم المشابه لتحريم نحو الأم ومن ثم وجب هنا الكفارة العظمى وثم كفارة يمين وأركانه مظاهر ومظاهر منها ومشبه به وصيغة.
"يصح من كل زوج مكلف" مختار دون أجنبي وإن نكح بعد وصبي ومجنون ومكره لما مر في الطلاق نعم لو علقه بصفة فوجدت وهو مجنون مثلا حصل "ولو" هو "ذمي" وحربي لعموم الآية وكونه ليس من أهل الكفارة الذي نظر إليه الخصم ومن ثم نبه عليه ممنوع بإطلاقه إذ فيها شائبة الغرامات ويتصور عتقه بنحو إرث لمسلم "وخصي" ونحو ممسوح وإنما لم يصح إيلاؤه كمن الرتقاء; لأن الجماع مقصود ثم لا هنا, وعبد وإن لم يتصور منه العتق لإمكان تكفيره بالصوم "وظهار سكران" تعدى بسكره "كطلاقه" فيصح منه وإن صار كالزق. "وصريحه" أي الظهار "أن يقول" أو يشير الأخرس الذي يفهم إشارته كل أحد "لزوجته" ولو رجعية قنة غير مكلفة لا يمكن وطؤها "أنت علي أو مني أو" لي أو إلى أو "معي أو عندي كظهر أمي"; لأن علي, وألحق بها ما ذكر المعهود في الجاهلية "وكذا أنت كظهر أمي صريح على الصحيح" كما أن أنت طالق صريح وإن لم يقل مني لتبادره للذهن "وقوله جسمك أو بدنك أو نفسك" أو جملتك "كبدن أمي أو جسمها" أو نفسها "أو جملتها صريح" وإن لم يقل علي لاشتمال كل من ذلك على الظهر "وإن ظهر أن قوله" أنت "كيدها أو بطنها أو صدرها" ونحوها من كل عضو لا يذكر للكرامة "ظهار"; لأنه عضو يحرم التلذذ به فكان كالظهر "وكذا" العضو الذي يذكر للكرامة "كعينها" أو رأسها أو روحها ومثله أنت كأمي أو مثل أمي لكن لا مطلقا بل "إن قصد" به "ظهارا" أي معناه وهو التشبيه بتحريم نحو الأم; لأنه نوى ما يحتمله اللفظ "وإن قصد كرامة فلا" يكون ظهارا لذلك "وكذا إن أطلق في الأصح" لاحتماله الكرامة وغلب; لأن الأصل عدم الحرمة والكفارة وقوله "رأسك أو ظهرك" أو جزؤك "أو يدك" أو فرجك أو شعرك أو نحوها من الأعضاء الطاهرة بخلاف الباطنة كالكبد والقلب فلا يكون ذكرها ظهارا; لأنها لا يمكن التمتع

 

ج / 3 ص -436-        بها حتى توصف بالحرمة "علي كظهر أمي" أو يدها مثلا "ظهار في الأظهر" وإن لم يقل علي كما مر ويظهر أنه يلحق بالظهر كل عضو ظاهر لا باطن نظير ما ذكر في المشبه, فإن قلت ينافيه ما مر في الروح من التفصيل مع أنها كالعضو الباطن بناء على الأصح أنها جسم سار في البدن كسريان ماء الورد في الورد قلت لا ينافيه; لأن المدار هنا على العرف والروح تذكر فيه تارة للكرامة وتارة لغيرها فوجب التفصيل السابق فيها بخلاف سائر الأعضاء الباطنة نعم يقوى التردد في القلب والذي يتجه فيه أنه كالروح; لأنه إنما يذكر مرادا به ما يراد بها لا خصوص الجسم الصنوبري. "والتشبيه بالجدة" لأب أو أم وإن بعدت "ظهار"; لأنها تسمى أما "والمذهب طرده" أي هذا الحكم "في كل محرم" شبه به من نسب أو رضاع أو مصاهرة "لم يطرأ" على المظاهر "تحريمها" كأخته نسبا ومرضعة أمه أو أبيه وأمها وزوجة أبيه التي نكحها قبل ولادته بجامع التحريم المؤبد ابتداء. "لا مرضعة" له "وزوجة ابن" له; لأنهما لما حلتا له وفي وقت احتمل إرادته "ولو شبه" زوجته "بأجنبية" تعدية شبه بالباء مسموعة خلافا لمن أنكره "ومطلقة وأخت زوجة وبأب" مثلا "وملاعنة فلغو" أما غير الأخيرين فلما مر وأما الأب فليس محلا للاستمتاع وتأبيد حرمة الملاعنة لقطيعتها لا لوصلتها عكس المحرم ومن ثم كان مثلها مجوسية ومرتدة وكذا أمهات المؤمنين رضي الله عنهن; لأن حرمتهن لشرفه صلى الله عليه وسلم ولو قال أنت علي حرام كما حرمت أمي فالأوجه أنه كناية طلاق أو ظهار فإن نوى أنها كظهر أو نحو بطن أمه في التحريم فمظاهر وإلا فلا.
"ويصح" توقيته كأنت كظهر أمي يوما أو سنة كما يأتي و "تعليقه"; لأنه لاقتضائه التحريم كالطلاق والكفارة كاليمين وكلاهما يصح تعليقه "كقوله إن" دخلت فأنت علي كظهر أمي فدخلت ولو في حال جنونه أو نسيانه لكن لا عود حتى يمسكها عقب إفاقته أو تذكره وعلمه بوجود الصفة قدر إمكان طلاقها ولم يطلقها وكقوله إن لم أدخلها فأنت علي كظهر أمي ثم مات وفي هذه يتصور الظهار لا العود; لأنه بموته يتبين الظهار قبيله وحينئذ يستحيل العود وكقوله إن "ظاهرت من زوجتي الأخرى فأنت علي كظهر أمي فظاهر" منها "صار مظاهرا منهما" عملا بمقتضى التنجيز والتعليق وقضية كلامهم انعقاد الظهار وإن كان المعلق بفعله ناسيا أو جاهلا وهو ممن يبالي بتعليقه وبه قال المتولي وعلله بوجود الشرط انتهى وعليه فيفرق بين ما هنا ونظيره السابق في الطلاق بأنه ثم عهد بل غلب الحلف به على الحث أو المنع فحمل لفظه عليه صرفا له عن موضوعه لهذه القرينة وفصل بين أن يكون المحلوف عليه ممن يقصد حثه ومنعه وغيره وهنا لم يعهد ذلك فنزل اللفظ على موضوعه وهو وجود الجزاء بوجود الشرط مطلقا. "ولو قال إن ظاهرت من فلانة" ولم يقيد بشيء فأنت علي كظهر أمي "وفلانة" أي والحال أنها "أجنبية فخاطبها بظهار لم يصر مظاهرا من زوجته" لعدم صحته من الأجنبية "إلا أن يريد اللفظ" أي التعليق على مجرد تلفظه بذلك فيصير مظاهرا من زوجته لوجود المعلق عليه "فلو نكحها" أي الأجنبية "وظاهر منها" بعد نكاحه لها ولم يحتج لهذا; لأن ما قبله دال عليه "صار مظاهرا" من تلك لوجود الصفة حينئذ "ولو قال" إن ظاهرت "من فلانة الأجنبية فكذلك" يكون مظاهرا من تلك إن نكح

 

ج / 3 ص -437-        هذه ثم ظاهر منها ولا فلا إلا أن يريد اللفظ وذكر الأجنبية للتعريف لا للشرط إذ وصف المعرفة لا يفيد تخصيصا بل توضيحا أو نحوه "وقيل" بل ذكرها للشرط والتخصيص فحينئذ "لا يصير مظاهرا" من تلك "وإن نكحها" أي الأجنبية "وظاهر منها" لخروجها عن كونها أجنبية ويوافقه عدم الحنث في نحو لا أكلم ذا الصبي فكلمه شيخا لكن فرق الأول بأن حمله هنا على الشرط يصيره تعليقا بمحال ويبعد حمل اللفظ عليه مع احتماله لغيره بخلافه في اليمين. "ولو قال إن ظاهرت منها وهي أجنبية" فأنت علي كظهر أمي "فلغو" فلا شيء به مطلقا إلا إن أراد اللفظ وظاهر منها وهي أجنبية وذلك; لأن إتيانه بالجملة الحالية نص في الشرطية فكان تعليقا بمستحيل كإن بعت الخمر فأنت كظهر أمي ولم يقصد مجرد صورة البيع كما هو ظاهر ثم باعها. "ولو قال إن ظاهرت منها وهي أجنبية" فأنت علي كظهر أمي "فلغو" فلا شيء به مطلقا إلا إن أراد اللفظ وظاهر منها وهي أجنبية وذلك; لأن إتيانه بالجملة الحالية نص في الشرطية فكان تعليقا بمستحيل كإن بعت الخمر فأنت كظهر أمي ولم يقصد مجرد صورة البيع كما هو ظاهر ثم باعها. "ولو قال أنت طالق كظهر أمي ولم ينو به" شيئا "أو نوى" بجميعه "الطلاق أو الظهار أو هما أو" نوى "الظهار بأنت طالق و" نوى "الطلاق بكظهر أمي" أو نوى بكل منهما على حدته الطلاق أو نواهما أو غيرهما بأنت طالق ونوى بكظهر أمي طلاقا أو أطلق هذا ونوى بالأول شيئا مما ذكر أو أطلق الأول ونوى بالثاني شيئا مما ذكر غير الظهار أو نوى بهما أو بكل منهما أو بالثاني غيرهما أو كان الطلاق بائنا "طلقت" لإتيانه بصريح لفظ الطلاق وهو لا يقبل الصرف "ولا ظهار" أما عند بينونتها فواضح وأما عند عدمها فلأن لفظ الظهار لكونه لم يذكر قبله أنت وفصل بينه وبينها "بطالق" وقع تابعا غير مستقل ولم ينوه بلفظه ولفظه لا يصلح للطلاق كعكسه كما مر نعم محل عدم وقوع طلقة ثانية به إذا نوى به الطلاق وهي رجعية أما إذا نوى ذلك الطلاق الذي أوقعه أو أطلق أما إذا نوى به طلاقا آخر غير الأول فيقع على الأوجه; لأنه لما خرج عن كونه صريحا في الظهار بوقوعه تابعا صح أن يكون كناية في الطلاق "أو" نوى "الطلاق بأنت طالق" أو لم ينو به شيئا أو نوى به الظهار أو غيره "و" نوى "الظهار" وحده أو مع الطلاق "بالباقي" أو نوى بكل منهما الظهار ولو مع الطلاق "طلقت" لوجود لفظه الصريح "وحصل الظهار إن كان" الطلاق "طلاق رجعة" لصحته من الرجعية مع صلاحية كظهر أمي لأن تكون كناية فيه بتقدير "أنت" قبله لوجود قصده به وكأنه قال أنت طالق أنت كظهر أمي أما إذا كان بائنا فلا ظهار لعدم صحته من البائن.

فصل فيما يترتب على الظهار من حرمة نحو وطء ولزوم كفارة وغير ذلك
يجب "على المظاهر كفارة إذا عاد" للآية السابقة فموجبها الأمران أعني العود والظهار كما هو قياس كفارة اليمين وإن كان ظاهر المتن الوجه الثاني أن موجبها الظهار فقط والعود إنما هو شرط فيه ولا ينافي ذلك وجوبها فورا مع أن أحد سببيها وهو العود غير معصية; لأنه إذا اجتمع حلال وحرام ولم يمكن تميز أحدهما عن الآخر غلب الحرام وبه يندفع ما للسبكي هنا "وهو" أي العود في غير مؤقت وفي غير رجعية لما يأتي فيهما "أن يمسكها" على الزوجية ولو جهلا ونحوه كما هو ظاهر "بعد" فراغ "ظهاره" ولو مكررا للتأكيد وبعد علمه بوجود الصفة في المعلق وإن نسي أو جن عند وجودها كما مر وكأنهم إنما لم

 

ج / 3 ص -438-        ينظروا لإمكان الطلاق بدل التأكيد; لأنه لمصلحة تقوية الحكم فكان غير أجنبي عن الصيغة "زمن إمكان فرقة"; لأن تشبيهها بالمحرم يقتضي فراقها فبعدم فعله صار عائدا فيما قال إذ العود للقول نحو قال قولا ثم عاد فيه وعاد له مخالفته ونقضه وهو قريب من عاد فلان في هبته وقال في القديم مرة كمالك وأحمد هو العزم على الوطء; لأن ثم في الآية للتراخي ومرة كأبي حنيفة هو الوطء, لنا أن الآية لما نزلت وأمر صلى الله عليه وسلم المظاهر بالكفارة لم يسأله هل وطئ أو عزم على الوطء والأصل عدم ذلك والوقائع القولية كهذه يعممها الاحتمال وإنها ناصة على وجوب الكفارة قبل الوطء فيكون العود سابقا عليه.
"تنبيه" الظاهر أن مرادهم إمكان الفرقة شرعا فلا عود في نحو حائض إلا بالإمساك بعد انقطاع دمها ويؤيده ما مر أن الإكراه الشرعي كالحسي.
"فلو اتصل به" أي لفظ الظهار "فرقة بموت" لأحدهما "أو فسخ" منه أو منها أو انفساخ بنحو ردة قبل وطء "أو طلاق بائن أو رجعي ولم يراجع أو جن" أو أغمي عليه عقب اللفظ "فلا عود" للفرقة أو تعذرها فلا كفارة ومحله إن لم يمسكها بعد الإفاقة وصور في الوسيط الطلاق بأن يقول أنت علي كظهر أمي أنت طالق ونازع فيه ابن الرفعة بإمكان حذف أنت فليكن عائدا به; لأن زمن طالق أقل من زمن أنت طالق ويجاب بنظير ما قدمته في تعليل اغتفارهم تكرير لفظ الظهار للتأكيد بل هذا أولى بالاغتفار من ذلك; لأن أنت كظهر أمي طالق فيه قلاقة وركة بخلاف عدم التكرير ويأتي أنه لا يؤثر تطويل كلمات اللعان وقاسوه على ما لو قال عقب ظهاره أنت يا فلانة بنت فلان الفلاني وأطال في اسمها ونسبها طالق لم يكن عائدا وبه كقولهم لو قال لها عقب الظهار أنت طالق على ألف فلم تقبل فقال عقبه أنت طالق بلا عوض لم يكن عائدا وكذا يا زانية أنت طالق يتضح رد ما قاله ابن الرفعة "وكذا لو" كان قنا أو كانت قنة فعقب الظهار ملكته أو "ملكها" اختيارا بقبول نحو وصية أو شراء من غير سوم وتقدير بمن; لأنه لم يمسكها على النكاح ولا يؤثر إرثها قطعا ويؤثر قبول هبتها لتوقفها على القبض ولو تقديرا بأن كانت بيده "أو لاعنها" عقب الظهار "في الأصح" لاشتغاله بموجب الفراق وإن طالت كلمات اللعان لما مر "بشرط سبق القذف" والرفع للقاضي "ظهاره في الأصح" بخلاف ما لو ظاهر فقذف أو رفع للقاضي فلاعن فإنه عائد لسهولة الفراق بغير ذلك. "ولو راجع" من ظاهر منها رجعية أو من طلقها رجعيا عقب الظهار "أو ارتد متصلا" بالظهار وهي موطوءة "ثم أسلم فالمذهب" بعد الاتفاق على عود أحكام الظهار "أنه عائد بالرجعة" وإن طلقها عقبها "لا بإسلام بل" إنما يعود بإمساكها "بعده" زمنا يسع الفرقة والفرق أن مقصود الرجعة استباحة الوطء لا غير ومقصود الإسلام العود للدين الحق والاستباحة أمر يترتب عليه. "ولا تسقط الكفارة بعد العود بفرقة" لاستقرارها بالإمساك قبلها "ويحرم قبل التكفير" بعتق أو غيره "وطء" للنص عليه في غير الإطعام وقياسا فيه على أن الخبر الحسن وهو قوله صلى الله عليه وسلم للمظاهر "لا تقربها حتى تكفر" يشمله ولزيادة التغليظ عليه نعم الظهار المؤقت إذا انقضت مدته ولم يطأ لا يحرم الوطء لارتفاعه بانقضائها ومن ثم لو وطئ فيها لزمت الكفارة وحرم عليه الوطء

 

ج / 3 ص -439-        حتى تنقضي أو يكفر واعترض البلقيني حله بعد مضي المدة وقبل التكفير بأن الآية نزلت في ظهار مؤقت كما ذكره الآمدي وغيره ويرد بأن الذي في الأحاديث نزولها في غير المؤقت "وكذا" يحرم "لمس ونحوه" من كل مباشرة لا نظر "بشهوة في الأظهر" لإفضائه للوطء "قلت الأظهر الجواز والله أعلم"; لأن الحرمة ليست لمعنى يخل بالنكاح أشبه الحيض ومن ثم حرم فيما بين السرة والركبة ما مر في الحائض خلافا لما توهمه عبارته. "ويصح الظهار المؤقت" للخبر الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم أمر من ظاهر مؤقتا ثم وطئ في المدة بالتكفير وإذا صححناه كان "مؤقتا" كما التزمه وتغليبا لشبه اليمين "وقيل بل" يكون "مؤبدا" غليظا عليه وتغليبا لشبه الطلاق "وفي قول" هو "لغو" من أصله وإن أثم به; لأنه لما وقته كان كالتشبيه بمن لا تحرم تأبيدا ويرده الخبر المذكور إن قلت لم غلبوا هنا شائبة اليمين لا شائبة الطلاق كما تقرر وعكسوا ذلك فيما لو قال أنت علي كظهر أمي ثم قال لأخرى أشركتك معها فإنه يصح على الأصح قلت يفرق بأن صيغة الظهار أقرب إلى صيغة الطلاق من حيث إفادة التحريم فألحقت بها في قبولها للتشريك فيها وأما حكم الظهار من وجوب الكفارة فهو مشابه لليمين دون الطلاق فألحق المؤقت على القول بصحته باليمين في حكمه المرتب عليه من التأقيت كاليمين دون التأبيد كالطلاق وسيأتي في توجيه الجديد والقديم ما هو صريح فيه فتأمله. "فعلى الأول" أي صحته مؤقتا "الأصح أن عوده" أي العود فيه "لا يحصل بإمساك بل بوطء" مشتمل على تغييب الحشفة أو قدرها من مقطوعها "في المدة" للخبر المذكور ولأن الحل منتظر بعدها فالإمساك يحتمل كونه لانتظاره أو للوطء فيها فلم يتحقق الإمساك لأجل الوطء إلا بالوطء فيها فكان هو المحصل للعود وقيل يتبين به من الظهار فيحل على الأول كإن وطئتك فأنت طالق لا الثاني كإن وطئتك فأنت طالق قبله أما الوطء بعدها فلا عود به لارتفاعه بها كما مر فعلم تميزه بتوقف العود فيه على الوطء ويحله أولا وبحرمته كالمباشرة بعد إلى التكفير أو مضي المدة كما مر وفي أنت علي كظهر أمي خمسة أشهر يكون مظاهرا مؤقتا وموليا لامتناعه من وطئها فوق أربعة أشهر; لأنه متى وطئ في المدة لزمه كفارة الظهار لحصول العود ولا يلزمه كفارة يمين على الأوجه إذ لا يمين هنا وادعاء تنزيل ذلك منزلتها حتى في لزوم الكفارة بعيد وإن جزم به غير واحد. "ويجب النزع بمغيب الحشفة" أي عنده كما في إن وطئتك فأنت طالق وبحث البلقيني صحة تقييد الظهار بالمكان كالوقت فلا يعود إلا بالوطء فيه وحينئذ تحرم حتى يكفر نظير المؤقت واعترضه أبو زرعة بأنه إنما يأتي على الضعيف في أنت طالق في الدار أما على الأصح أنه يقع حالا فليكن هذا مؤبدا أيضا انتهى ويرد بأنه إنما يأتي على الضعيف أن المؤقت مؤبد كالطلاق أما على الأصح أنه مؤقت كاليمين لا الطلاق فالوجه ما بحثه البلقيني على أن الأصح في أنت طالق في الدار أنه لا يقع إلا بدخولها وكلام البلقيني واضح لا اعتراض عليه. "ولو قال لأربع أنتن علي كظهر أمي فمظاهر منهن" تغليبا لشبه الطلاق "فإن أمسكهن فأربع كفارات" لوجود الظهار والعود في حق كل منهن أو أمسك بعضهن وجبت فيه فقط "وفي القديم" عليه "كفارة" واحدة فقط

 

ج / 3 ص -440-        لاتحاد لفظه وتغليبا لشبه اليمين "ولو ظاهر منهن" ظهارا مطلقا "بأربع كلمات متوالية فعائد من الثلاث الأول" لعوده في كل بظهار ما بعدها فإن فارق الرابعة عقب ظهاره لزمه ثلاث كفارات وإلا فأربع قيل احترز بمتوالية عما إذا تفاصلت المرات وقصد بكل مرة ظهارا أو أطلق فكل مرة ظهار مستقل له كفارة انتهى وفيه نظر إذ المتوالية كذلك كما تقرر فالظاهر أن ذكر التوالي لمجرد التصوير أو ليعلم به غيره بالأولى وقوله وقصد إلى آخره يوهم صحة قصد التأكيد هنا وليس كذلك. "ولو كرر" لفظ ظهار مطلق "في امرأة متصلا" كل لفظ بما بعده "وقصد تأكيدا فظهار واحد" كالطلاق فيلزمه كفارة واحدة إن أمسكها عقب آخر مرة أما مع تفاصيلها بفوق سكتة تنفس وعي فلا يفيد قصد التأكيد ولو قصد بالبعض تأكيدا وبالبعض استئنافا أعطي كل حكمه "أو" قصد "استئنافا" ولو في إن دخلت فأنت علي كظهر أمي وكرره "فالأظهر التعدد" كالطلاق لا اليمين لما مر أن المرجح في الظهار شبه الطلاق في نحو الصيغة وإن أطلق فكالأول وفارق الطلاق بأنه محصور مملوك فالظاهر استيفاؤه بخلاف الظهار "و" الأظهر "أنه بالمرة الثانية عائد في" الظهار "الأول"; لأن اشتغاله بها إمساك أما المؤقت فلا تعدد فيه مطلقا لعدم العود فيه قبل الوطء فهو كتكرير يمين على شيء واحد.