تحفة المحتاج بشرح المنهاج ط العلمية

ج / 3 ص -441-        كتاب الكفارة
 من الكفر وهو الستر لسترها الذنب بمحوه أو تخفيف إثمه بناء على أنها زواجر كالحدود والتعازير أو جوابر للخلل ورجح ابن عبد السلام الثاني; لأنها عبادة لافتقارها للنية أي فهي كسجود السهو فإن قلت المقرر في الدفن لكفارة البصق أنه يقطع دوام الإثم وهنا الكفارة على الثاني لا تقطع دوامه وإنما تخفف بعض إثمه قلت يفرق بأن الدفن مزيل لعين ما به المعصية فلم يبق بعده شيء يدوم إثمه بخلاف الكفارة هنا فإنها ليست كذلك فتأمله وعلى الأول الممحو هو حق الله من حيث هو حقه وأما بالنظر لنحو الفاسق بموجبها فلا بد فيه من التوبة نظير نحو الحد.
"يشترط نيتها" بأن ينوي الإعتاق مثلا عنها لا الواجب عليه وإن لم يكن عليه غيره لشموله النذر نعم إن نوى أداء الواجب بالظهار مثلا كفى وذلك; لأنها للتطهير كالزكاة نعم هي في كافر كفر بالإعتاق للتمييز كما في قضاء الديون لا الصوم; لأنه لا يصح منه; لأنه عبادة بدنية ولا ينتقل عنه للإطعام لقدرته عليه بالإسلام فإن عجز أطعم ونوى للتمييز أيضا ويتصور ملكه للمسلم بنحو إرث أو إسلام قنه أو يقول لمسلم أعتق قنك عن كفارتي فيجيب. فإن لم يمكنه شيء من ذلك وهو مظاهر موسر منع من الوطء لقدرته على ملكه بأن يسلم فيشتريه وأفاد قوله نيتها أنه لا يجب التعرض للفرضية; لأنها لا تكون إلا فرضا وأنه لا تجب مقارنتها لنحو العتق وهو ما نقله في المجموع عن النص والأصحاب وصوبه ووجهه بأنه يجوز فيها النيابة فاحتيج لتقديم النية كما في الزكاة بخلاف الصلاة لكن رجح في الروضة كأصلها أنهما سواء وعلى الأول إذا قدمها يجب قرنها بنحو عزل المال كما في الزكاة ويكفي قرنها بالتعليق عليهما كما هو ظاهر ولو علم وجوب عتق عليه وشك أهو عن نذر أو كفارة ظهار أو قتل أجزأه بنية الواجب عليه للضرورة ولأنه لو قال عن كذا أو كذا أو اجتهد وعين أحدها لم يجزئ عنه وإن بان أنه الواجب كما هو ظاهر "لا تعيينها" عن ظهار مثلا; لأنها في معظم خصالها نازعة إلى الغرامات فاكتفي فيها بأصل النية فلو أعتق من عليه كفارتا قتل وظهار رقبتين بنية كفارة ولم يعين أجزأ عنهما أو رقبة كذلك أجزأ عن إحداهما مبهما وله صرفه إلى إحداهما ويتعين فلا يتمكن من صرفه إلى الأخرى كما لو أدى من عليه ديون بعضها مبهما فإن له تعيين بعضها للأداء نعم لو نوى غير ما عليه غلطا لم يجزئه وإنما صح في نظيره في الحدث; لأنه نوى رفع المانع الشامل لما عليه ولا كذلك هنا.
"وخصال كفارة الظهار" ثلاث "عتق رقبة" فصوم فإطعام كما يفيده سياقه الآتي وعلم من كلامه أن مثلها في الخصال الثلاث كفارة وقاع رمضان وفي الأولين كفارة القتل وفي الأولى كفارة مخيرة أراد العتق عنها وإنما يجزئ عنها عتق رقبة "مؤمنة" ولو تبعا لأصل أو

 

ج / 3 ص -442-        دار أو ساب حملا للمطلق في آية الظهار على المقيد في آية القتل بجامع عدم الإذن في السبب "بلا عيب يخل بالعمل والكسب" إخلالا بينا; لأن القصد تكميل حاله ليتفرغ لوظائف الأحرار وذلك متوقف على استقلاله بكفاية نفسه والكسب إما من عطف الرديف ومن ثم حذفه في الروضة أو الأعم وهو ظاهر أو المغاير بأن يراد بالمخل بالعمل ما ينقص الذات وبالمخل بالكسب ما ينقص نحو العقل. "فيجزئ صغير" ولو عقب ولادته لرجاء كبره كبرء المرض بخلاف الهرم ويسن بالغ خروجا من خلاف إيجابه وفارق الغرة بأنها عوض وحق آدمي فاحتيط لها على أنها الخيار والصغير كذلك ليس منه. "وأقرع" لا نبات برأسه لداء "وأعرج يمكنه" من غير مشقة لا تحتمل عادة كما هو ظاهر "تباع المشي" لقلة تأثيرهما في العمل بخلاف ما لا يمكنه ذلك وحكي عن خطه حذف الواو ليفيد إجزاء أحدهما بالأولى "وأعور" لذلك, نعم إن ضعف نظر سليمته وأخل بالعمل إخلالا بينا لم يجزئه "وأصم" وأخرس يفهم إشارة غيره ويفهم غيره إشارته بما يحتاج إليه ومن اقتصر على أحدهما اكتفى بتلازمهما غالبا ويشترط فيمن ولد أخرس إسلامه تبعا أو بإشارته المفهمة وإن لم يصل خلافا لمن اشترط صلاته وإلا لم يجزئ عتقه "وأخشم" أي فاقد الشم. "وفاقد أنفه وأذنيه وأصابع رجليه" جميعها وأسنانه وعنين ومجبوب ورتقاء وقرناء وأبرص ومجذوم وضعيف بطش ومن لا يحسن صنعة وفاسق وولد زنا وأحمق وهو من يضع الشيء في غير محله مع علمه بقبحه وآبق ومغصوب وغائب علمت حياتهم أو بانت وإن جهلت حالة العتق "لا زمن" وجنين وإن انفصل لدون ستة أشهر من الإعتاق; لأنه وإن أعطي حكم المعلوم لا يعطى حكم الحي لما يأتي في الغرة "ولا فاقد رجل" أو يد وأشل أحدهما لإضرار ذلك بعمله إضرارا بينا "أو" فاقد "خنصر وبنصر من يد" لذلك بخلاف فقد أحدهما أو فقدهما من يدين "أو" فاقد "أنملتين من غيرهما" وهو الإبهام أو السبابة أو الوسطى وخصهما; لأن فقدهما من خنصر أو بنصر لا يضر كما علم بالأولى مما قبله فعلم مساواة عبارته لقول أصله وفقد أنملتين من أصبع كفقدهما خلافا لمن اعترضه فإن قلت أصله يفهم ضرر فقدهما من كل من الخنصر والبنصر معا والمتن لا يفهم ذلك بل خلافه قلت ممنوع بل يفهمه; لأنه علم منه أن الأنملتين في الثلاثة كالأصبع فقياسه أنهما فيهما كالأصبع أيضا "قلت أو أنملة إبهام والله أعلم" لتعطل منفعتها حينئذ بخلاف أنملة من غيرها ولو العليا من أصابعه الأربع نعم يظهر أن غير الإبهام لو فقد أنملته العليا ضر قطع أنملة منه; لأنه حينئذ كالإبهام. "ولا هرم عاجز" عن الكسب صفة كاشفة ويحتمل أنه للاحتراز عما إذا كان يحسن مع الهرم صنعة تكفيه فيجزئ وهو قريب وقضيته أنه لو قدر الأعمى مثلا على صنعة تكفيه أجزأ وهو محتمل ولك أن تعتمد ظاهر كلامهم أن من صرحوا فيه بعدم إجزائه لا نظر فيه لقدرته على العمل كما أن من صرحوا بإجزائه لا نظر فيه لعدم قدرته على العمل حالا ويوجه ذلك بأنهم نظروا في القسمين للغالب وما ذكر نادر فلم يعولوا عليه. "و" لا "من أكثر وقته مجنون" فيه تجوز بالإخبار بمجنون عن أكثر وقته والأصل ولا من هو في أكثر وقته مجنون وذلك لما ذكر وقد يؤخذ منه أنه لو كان في زمن إفاقته الأقل

 

ج / 3 ص -443-        يعمل ما يكفيه زمن الجنون الأكثر أجزأ وهو محتمل ويحتمل خلافه بخلاف ما إذا لم يكن أكثر وقته كذلك بأن قل زمن جنونه عن زمن إفاقته أو استويا أي والإفاقة في النهار وإلا لم يجزئ كما بحثه الأذرعي; لأن غالب الكسب إنما يتيسر نهارا ويؤخذ منه أنه لو كان يتيسر له ليلا أجزأ وأن من يبصر وقتا دون وقت كالمجنون في تفصيله المذكور وهو متجه وبقاء نحو خبل بعد الإفاقة يمنع العمل في حكم الجنون وإنما لم يل النكاح من استوى زمن جنونه وإفاقته; لأنه لا يحتاج لطول نظر واختبار ليعرف الأكفاء وهو لا يحصل مع التساوي بخلاف الكفاية المقصودة هنا كذا قيل وبتأمل ما مر فيه يعلم أنه لا جامع بينه وبين ما هنا وخرج بالجنون الإغماء; لأن زواله مرجو وبه صرح الماوردي لكن توقف غيره فيما لو اطردت العادة بتكرره في أكثر الأوقات. "و" لا "مريض لا يرجى" عند العتق برء مرضه كفالج وسل ولا من قدم للقتل بخلاف من تحتم قتله في المحاربة أي قبل الرفع للإمام أما إذا رجي برؤه فيجزئ وإن اتصل به الموت لجواز أن يكون لهجوم علة بل لو تحقق موته بذلك المرض أجزأ في الأصح نظرا للغالب وهو الحياة من ذلك المرض "فإن برئ" من لا يرجى برؤه بعد إعتاقه "بان الإجزاء في الأصح" لخطأ الظن وبه يفرق بين هذا وما مر قبيل فصل تجب الزكاة على الفور وعن والد الروياني; لأنه لا ظن ثم أخلف مع أن الأصل عدم النصاب ثم والأصل أي الغالب هنا البرء بخلاف ما لو أعتق أعمى فأبصر لتحقق يأس إبصاره فكان محض نعمة جديدة ورجح جمع المقابل لعدم الجزم بالنية مع عدم رجاء البرء ويجاب بمنع تأثير ذلك في النية; لأنه جازم بالإعتاق وإنما هو متردد في أنه هل يستمر مرضه فيحتاج إلى إعتاق ثان أو لا فلا ومثل ذلك لا يؤثر في الجزم بالنية كما لا يخفى وبهذا إن تأملته يظهر لك أن ما تقرر هنا في الأعمى لا ينافي قولهم لو ذهب بصره بجناية فأخذ ديته ثم عاد استردت; لأن العمى المحقق لا يزول ووجه عدم المنافاة أن المدار هنا على ما ينافي الجزم بالنية والعمى ينافيه نظرا لحقيقته المتبادرة من حصول صورته فلم يجزئ الأعمى مطلقا وثم على ما يمكن عادة عوده ومآلا وبالزوال بان أنه غير عمى فوجب الاسترداد. "ولا يجزئ شراء" أو تملك "قريب" أصل أو فرع "بنية كفارة"; لأن عتقه مستحق بغير جهة الكفارة فهو كدفع نفقته الواجبة إليه بنية الكفارة. "ولا" عتق فهو المعطوف على شراء وحذف إقامة للمضاف إليه مقام المضاف لا هما على قريب لفساد المعنى المراد ويجوز رفعهما عطفا على شراء ولا إشكال فيه وتوقف صحة المعنى على تقدير عتق لا يمنع ذلك "أم ولد و" لا "ذي كتابة صحيحة" قبل تعجيزه ومشروط عتقه في شرائه لذلك. "ويجزئ" ذو كتابة فاسدة و "مدبر ومعلق" عتقه "بصفة" غير التدبير لصحة تصرفه فيه ومحله إن نجز عتقه عن الكفارة أو علقه بصفة تسبق الأولى بخلاف ما إذا علقه بالأولى كما قال "فإن أراد" بعد التعليق بصفة "جعل العتق المعلق كفارة" كأن قال إن دخلت هذه فأنت حر ثم قال إن دخلتها فأنت حر عن كفارتي عتق بالدخول و "لم يجزئ" عتقه عن الكفارة; لأنه استحق العتق بالتعليق الأول "وله تعليق عتق" مجزئ حال التعليق عن "الكفارة بصفة" كإن دخلت فأنت حر عن كفارتي فإذا دخل عتق عنها إذ لا مانع أما غير

 

ج / 3 ص -444-        المجزئ ككافر علق عتقه عنها بإسلامه فيعتق إذا أسلم لا عنها. "و" له "إعتاق عبديه عن كفارتيه" ككفارة قتل وكفارة ظهار وإن صرح بالتشقيص بأن قال أعتقت "عن كل" منهما "نصف ذا" العبد "ونصف ذا" العبد الآخر لتخليص رقبة كل عن الرق ويقع العتق موزعا كما ذكره فإذا ظهر أحدهما معيبا لم يجزئ واحد منهما فإن لم يذكره فلا تشقيص.
"ولو أعتق معسر نصفين" له من عبدين "عن كفارة فالأصح الإجزاء إن كان باقيهما" أو باقي أحدهما كما استظهره الزركشي وغيره إن توقف فيه الأذرعي "حرا" لحصول الاستقلال المقصود ولو في أحدهما بخلاف ما إذا كان باقيهما لغيره لعدم السراية عليه فلم يحصل مقصود العتق من التخلص من الرق وأما الموسر ولو بباقي أحدهما كما علم مما قبله فيجزئ إن نوى عتق الكل عنها; لأنه للسراية عليه كأنه باشر عتق الجميع وهل يشترط هنا علمه بأنه يسري عليه ينبني على ما لو أعتق قنا لأجنبي فبان أنه لمورثه الميت قبل إعتاقه فهل يجزئ هنا اعتبارا بما في نفس الأمر أو لا لعدم الجزم بالنية; لأنها لم تستند لشيء أصلا بخلاف عتق غائب ومريض, كل محتمل والثاني أقرب ويؤيده أن العبرة في العبادات بما في نفس الأمر وظن المكلف. "ولو أعتق" قنا عن كفارته "بعوض" على القن أو أجنبي كأعتقتك عنها بألف عليك وكأعتقه عنها بألف علي "لم يجزئ عن كفارة" لعدم تجرد العتق لها ومن ثم استحق العوض على الملتمس. ولما ذكروا حكم الإعتاق عن الكفارة بعوض استطردوا ذكر حكمه في غيرها وتبعهم كأصله فقال "والإعتاق بمال كطلاق به" فيكون معاوضة فيها شوب تعليق من المالك وشوب جعالة من الملتمس ويجب الفور في الجواب وإلا عتق على المالك مجانا "فلو قال" لغيره "أعتق أم ولدك على ألف" ولم يقل عني سواء أقال عنك أو أطلق "فأعتق" ها فورا "نفذ" عتقه "ولزمه" أي الملتمس "العوض"; لأنه اقتداء من جهته كاختلاع الأجنبي أما إذا قال عني فأعتقها عنه فتعتق ولا عوض لاستحالته بخلاف طلق زوجتك عني; لأنه لا يتخيل فيه انتقال شيء إليه "وكذا لو قال أعتق عبدك على كذا" ولم يقل عني سواء أقال عنك أم أطلق "فأعتق" فورا فينفذ العتق جزما ويستحق المالك الألف "في الأصح"; لأنه منه اقتداء كأم الولد "فإن قال أعتقه عني على كذا" أو أطعم ستين مسكينا ستين مدا عني بكذا أو اكس عشرة كذا عني بكذا كما في الكافي فيهما "ففعل" فورا "عتق عن الطالب" وأجزأه عن كفارة عليه نواها به لتضمن ما ذكر للبيع لتوقف العتق عنه على ملكه له فكأنه قال بعنيه بكذا وأعتقه عني فقال بعتك وأعتقته عنك "وعليه العوض" المسمى إن ملكه وإلا فقيمة العبد كالخلع فإن قال مجانا لم يلزمه شيء بخلاف ما إذا سكتا عن العوض فإن المعتمد أنه إن قال عن كفارتي أو عني وعليه عتق ولم يقصد المعتق العتق عنه يلزمه قيمته كما لو قال له اقض ديني وإلا فلا, نعم لو قال ذلك لمالك بعضه عتق عنه بالعوض ولا يجزئه عنها; لأنه بملكه له استحق العتق بالقرابة "والأصح أنه" أي الطالب "يملكه" أي القن المطلوب إعتاقه "عقب لفظ الإعتاق" الواقع بعد الاستدعاء; لأنه الناقل للملك "ثم" عقب ذلك "يعتق عليه" أي الطالب في زمنين لطيفين متصلين بلفظ الإعتاق لاستدعاء عتقه عنه ذلك إذ الشرط يترتب على المشروط لكن

 

ج / 3 ص -445-        صحح في الروضة في موضع أنه معه. "ومن" لزمته كفارة مرتبة وهو رشيد أو غيره على ما مر في بابه وقد "ملك عبدا" أي قنا "أو ثمنه" أي ما يساويه من نقد أو عرض "فاضلا" كل منهما "عن كفاية نفسه وعياله" الذين تلزمه مؤنتهم "نفقة وكسوة وسكنى وأثاثا" كآنية وفرش "لا بد منه" وعن دينه ولو مؤجلا "لزمه العتق" لقوله تعالى {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ} [النساء: 92] وهذا واجد ويأتي في نحو كتب الفقيه وخيل الجندي وآلة المحترف وثياب التجمل هنا ما مر في قسم الصدقات أما إذا لم يفضل القن أو ثمنه عما ذكر لاحتياجه لخدمته لمنصب يأبى خدمته بنفسه أو ضخامة كذلك بحيث يحصل له بعتقه مشقة شديدة لا تحتمل عادة ولا أثر لفوات رفاهية أو لمرض به أو بممونه فلا عتق عليه; لأنه فاقده شرعا كمن وجد ماء وهو يحتاجه لعطش ويشترط فضل ذلك عن كفاية ما ذكر العمر الغالب على المنقول المعتمد وما وقع في الروضة هنا من اعتبار سنة مبني على الضعيف السابق في قسم الصدقات فقد صرح فيها بأن من يحل له أخذ الزكاة والكفارة فقير يكفر بالصوم وبأن من له رأس مال لو بيع صار مسكينا كفر بالصوم كما قال. "ولا يجب بيع ضيعة" أي أرض "ورأس مال لا يفضل دخلهما" وهو غلة الأولى وربح الثاني ومثلهما الماشية ونحوها "عن كفايته" بحيث لو باعهما صار مسكينا; لأن المسكنة أقوى من مفارقة المألوف أما إذا فضل أو بعضه فيباع الفاضل قطعا "ولا" بيع "مسكن وعبد" أي قن "نفيسين" بأن يجد بثمن المسكن مسكنا يكفيه وقنا يعتقه وبثمن القن قنا يخدمه وقنا يعتقه "ألفهما في الأصح" بحيث يشق عليه مفارقتهما مشقة لا تحتمل عادة فيما يظهر لمشقة مفارقة المألوف نعم إن اتسع المسكن المألوف بحيث يكفيه بعضه وباقيه يحصل رقبة لزمه تحصيلهما أما لو لم يألفهما فيلزمه بيعهما وتحصيل قن يعتقه قطعا واحتياجه الأمة للوطء كهو للخدمة. "ولا" يجب "شراء" لرقبة "بغبن" أي زيادة على ثمن مثلها وإن قلت نظير ما مر في شراء الماء والفرق بينهما بتكرر ذاك ضعيف قال الأذرعي وغيره نقلا عن الماوردي واعتمدوه وعلى الأول لا يجوز العدول للصوم بل يلزمه الصبر إلى الوجود بثمن المثل وكذا لو غاب ما له فيكلف الصبر إلى وصوله أيضا ولا نظر إلى تضررهما بفوات التمتع مدة الصبر; لأنه الذي ورط نفسه فيه ا هـ. ولك أن تستشكل ذلك بما مر في نظيره من دم التمتع وما في معناه أن له العدول للصوم وإن أيسر ببلده إلا أن يفرق بأن ذاك وقع تابعا لما هو مكلف به فلم يتمحض منه توريط نفسه فيه بخلاف هذا فتغلظ فيه أكثر ثم رأيتهم فرقوا بين اعتبار موضع الذبح في نحو دم التمتع وفي الكفارة العدم مطلقا بأن في بدل الدم تأقيتا بكونه في الحج ولا تأقيت فيها وبأنه يختص ذبحه بالحرم بخلافها وهذا صريح فيما ذكرته من الفرق ولا يلزمه كما في الكافي شراء أمة بارعة الحسن تباع بالوزن لخروجها عن أبناء الزمان ا هـ وفيه نظر; لأنها حيث بيعت بثمن مثلها فاضلة عما ذكر لا عذر له في الترك وقد ذكر الأذرعي في نحو المحفة في الحج نظير ذلك ورددته عليه في الحاشية وغيرها. "وأظهر الأقوال اعتبار اليسار" الذي يلزم به الإعتاق "بوقت الأداء" للكفارة; لأنها عبادة لها بدل من غير جنسها كوضوء وتيمم وقيام صلاة وقعودها فاعتبر وقت أدائها وغلب الثاني

 

ج / 3 ص -446-        شائبة العقوبة فاعتبر وقت الوجوب كما لو زنى قن ثم عتق فإنه يحد حد القن والثالث الأغلظ من الوجوب إلى الأداء والرابع الأغلظ منهما وأعرض عما بينهما. "فإن عجز" المظاهر مثلا "عن عتق" بأن لم يجد الرقبة وقت الأداء ولا ما يصرفه فيها فاضلا عما ذكر أو وجدها لكنه قتلها مثلا أو كان عبدا إذ لا يكفر إلا بالصوم; لأنه لا يملك وليس لسيده تحليله هنا وإن أضره الصوم لتضرره بدوام تحريم الوطء بخلاف نحو كفارة القتل "صام" وله حينئذ تكلف العتق خلافا لما توهمه عبارته على ما زعمه الزركشي "شهرين متتابعين" للآية ولو بان بعد صومهما أن له مالا ورثه ولم يكن عالما به لم يعتد بصومه على الأوجه اعتبارا بما في نفس الأمر ويعتبران "بالهلال" وإن نقصا; لأنه المعتبر شرعا ويجب تبييت نية الصوم كل ليلة كما علم مما مر في الصوم وأن تكون تلك النية واقعة بعد فقد الرقبة لا قبلها وأن تكون ملتبسة "بنية كفارة" في كل ليلة كما علم مما مر وإن لم يعين جهتها فلو صام أربعة أشهر بنيتها وعليه كفارتا قتل وظهار ولم يعين أجزأته عنهما ما لم يجعل الأول عن واحدة والثاني عن أخرى وهكذا لفوات التتابع وبه فارق نظيره السابق في العيدين. "ولا يشترط نية التتابع في الأصح"; لأنه شرط وهو لا تجب نيته كالاستقبال في الصلاة واستفيد من متتابعين ما بأصله أنه لو ابتدأهما عالما طرو ما يقطعه كيوم النحر أي أو جاهلا فيما يظهر لم يعتد بما أتى به ولكن يقع له نفلا أي في صورة الجهل التي ذكرتها لا العلم الذي ذكروه; ولأن نيته لصوم الكفارة مع علمه بطرو ما يبطله تلاعب فهو كالإحرام بالظهر قبل وقتها مع العلم بذلك فإن قلت ظاهر كلامهم صحة نيته بل وجوبها في رمضان وإن علم بخبر معصوم موته أثناء يوم وهذا كانعقاد صلاة من علم انقضاء مدة الخف فيها يؤيد ما أطلقوه هنا قلت لا يؤيده; لأن الموت ليس رافعا للتكليف قبله فالنية مع العلم به جازمة كالانقضاء المذكور بخلاف تخلل يوم النحر مثلا هنا نعم إن قيل بوجوب التبييت مع علمها بخبره بطرو نحو حيض أثناء اليوم أيد ذلك بلا شك. "فإن بدأ في أثناء شهر حسب الشهر بعده بالهلال" لتمامه "وأتم الأول من الثالث ثلاثين" لتعذر اعتبار الهلال فيه بتلفقه من شهرين "ويزول التتابع بفوات يوم" من الشهرين ولو آخرهما "بلا عذر" كأن نسي النية لنسبته لنوع تقصير "وكذا" بعذر يمكن معه الصوم كسفر مبيح للفطر وخوف حامل أو مرضع و "مرض في الجديد" لإمكان الصوم مع ذلك في الجملة فهو كفطر من أجهده الصوم "لا" بفوات يوم فأكثر في كفارة القتل إذ كلامه يفيد أن غير كفارة الظهار مثلها فيما ذكر ويتصور أيضا في كفارة الظهار بأن تصوم امرأة عن مظاهر ميت قريب لها أو بإذن قريبه أو بوصيته "بحيض" ممن لم تعتد انقطاعه شهرين; لأنه لا يخلو منه شهر غالبا وتكليفها الصبر لسن اليأس خطر أما إذا اعتادت ذلك فشرعت في وقت يتخلله الحيض فإنه لا يجزئ لكن يشكل عليه إلحاقهم النفاس بالحيض إلا أن يفرق بأن العادة في مجيء الحيض أضبط منها في مجيء النفاس "وكذا جنون" فات به يوم فأكثر لا يضر في التتابع "على المذهب" إذ لا اختيار له فيه نعم إن تقطع جاء فيه تفصيل الحيض ويؤخذ من العلة أنه لو اختاره بشرب دواء يجنن ليلا انقطع وهو مقيس وهل استعجال الحيض بدواء كذلك أو يفرق كل

 

ج / 3 ص -447-        محتمل والفرق أقرب; لأن الحيض يعهد كثيرا تقدمه وتأخره عن وقته فلم تمكن نسبة مجيئه لاختيارها كما في الجنون الذي لا يترتب عرفا في مثل ذلك إلا على فعلها ومثله الإغماء المبطل للصوم وقبل كالمرض وانتصر له الأذرعي وأطال. "فإن عجز عن الصوم" أو تتابعه "بهرم أو مرض" عطف عام على خاص على ما قيل وإنما يتجه بناء على تسمية الهرم مرضا وهو ما صرح به الأطباء ومقتضى كلام الفقهاء وأهل العرف أن الهرم قد لا يسمى مرضا "قال الأكثرون ولا يرجى زواله" وقال الأقلون كالإمام ومن تبعه وصححه في الروضة يعتبر دوامه في ظنه مدة شهرين بالعادة الغالبة في مثله أو بقول الأطباء ويظهر الاكتفاء بقول عدل منهم "أو لحقه بالصوم" أو تتابعه "مشقة شديدة" أي لا تحتمل عادة وإن لم تبح التيمم فيما يظهر ويؤيده تمثيلهم لها بالشبق, نعم غلبة الجوع ليست عذرا ابتداء لفقده حينئذ فيلزمه الشروع في الصوم فإذا عجز عنه أفطر وانتقل للإطعام بخلاف الشبق لوجوده عند الشروع إذ هو شدة الغلمة وإنما لم يكن عذرا في صوم رمضان; لأنه لا بدل له "أو خاف زيادة مرض كفر" في غير القتل لما يأتي "بإطعام" أي تمليك وآثر الأول; لأنه لفظ القرآن فحسب إذ لا يجزئ حقيقة إطعامهم. وقياس الزكاة الاكتفاء بالدفع وإن لم يوجد لفظ تمليك, واقتضاء الروضة اشتراطه استبعده الأذرعي على أنها لا تقتضي ذلك; لأنها مفروضة في صورة خاصة كما يعرف بتأملها "ستين مسكينا" للآية لا أقل حتى لو دفع لواحد ستين مدا في ستين يوما لم يجز بخلاف ما لو جمع الستين ووضع الطعام بين أيديهم وقال ملكتكم هذا وإن لم يقل بالسوية فقبلوه ولهم في هذه القسمة بالتفاوت بخلاف ما لو قال خذوه ونوى الكفارة فإنه إنما يجزئه إن أخذوه بالسوية وإلا لم يجزئ إلا من أخذ مدا لا دونه ويفرق بين هذه وتلك بأن المملك ثم القبول الواقع به التساوي قبل الأخذ وهنا لا مملك إلا الأخذ فاشترط التساوي فيه "أو فقيرا"; لأنه أسوأ حالا أو البعض فقراء والبعض مساكين ولا أثر لقدرته على صوم أو عتق بعد الإطعام ولو لمد كما لو شرع في صوم يوم من الشهرين فقدر على العتق "لا كافرا" ولا من تلزمه مؤنته ولا مكفيا بنفقة غيره ولا قنا ولو للغير إلا بإذنه وهو مستحق; لأن الدفع له حقيقة "ولا هاشميا ومطلبيا" ونحوهم كالزكاة بجامع التطهير "ستين مدا" لكل واحد مد; لأنه صح في رواية وصح في أخرى ستون صاعا وهي محمولة على بيان الجواز الصادق بالندب لتعذر النسخ فتعين الجمع بما ذكر. وإنما يجزئ الإخراج هنا "مما" أي من طعام "يكون فطرة" بأن يكون من غالب قوت محل المكفر في غالب السنة كالأقط ولو للبلدي فلا يجزئ نحو دقيق مما مر ثم, نعم اللبن يجزئ ثم لا هنا على ما وقع للمصنف في تصحيح التنبيه لكن المعتمد لا فرق ويظهر أن المراد بالمكفر هنا المخاطب بالكفارة لا مأذونه أو وليه ليوافق ما مر ثم إن العبرة ببلد المؤدى عنه لا المؤدي فإن عجز عن الجميع استقرت في ذمته فإذا قدر على خصلة فعلها كما يعلم مما قدمه في الصوم ولا أثر للقدرة على بعض عتق أو صوم بخلاف بعض الطعام ولو بعض مد إذ لا بدل له فيخرجه ثم الباقي إذا أيسر.