تحفة المحتاج بشرح المنهاج ط العلمية

ج / 3 ص -448-        كتاب اللعان
هو لغة مصدر أو جمع لعن الإبعاد وشرعا كلمات تأتي جعلت حجة لمن اضطر لقذف من لطخ فراشه وألحق العار به أو لنفي ولد عنه سميت بذلك لاشتمالها على إبعاد الكاذب منهما عن الرحمة وإبعاد كل عن الآخر وجعلت في جانب المدعي مع إنها أيمان على الأصح رخصة لعسر البينة بزناها وصيانة للأنساب عن الاختلاط ولم يختر لفظ الغضب المذكور معه في الآية; لأنه المقدم فيها كالواقع ولأنه قد ينفرد لعانه عن لعانها ولا عكس وأصله قبل الإجماع أوائل سورة النور مع الأحاديث الصحيحة فيه ولكونه حجة ضرورية لدفع الحد أو لنفي الولد كما علم مما مر توقف على أنه "يسبقه قذف" بمعجمة أو نفي ولد; لأنه تعالى ذكره بعد القذف وهذا أعني القذف من حيث هو لغة الرمي وشرعا الرمي بالزنا تعييرا ولم يذكره في الترجمة; لأنه وسيلة لا مقصود كما تقرر ثم رأيت الزركشي أجاب بنحو ذلك "وصريحه الزنا كقوله" في معرض التعيير "لرجل أو امرأة" أو خنثى "زنيت" بفتح التاء في الكل "أو زنيت" بكسرها في الكل "أو" قوله لأحدهما "يا زاني أو يا زانية" لتكرر ذلك وشهرته واللحن بتذكير المؤنث وعكسه غير مؤثر فيه بخلاف ما لا يفهم منه تعيير ولا يقصد به بأن قطع بكذبه كقوله ذلك لبنت سنة أو شهد عليه به نصاب أو جرحه به لترد شهادته أو قال مشهود عليه خصمي يعلم زنا شاهده أو أخبرني أنه زان فليحلف أنه لا يعلمه فلا يكون قذفا نعم يعزر في الأولى للإيذاء وإذنه في القذف يرفع حده لا إثمه, نعم إن ظنه مبيحا وعذر بجهله فلا إثم ولا تعزير فيما يظهر.
"فرع" قال لاثنين زنى أحدكما أو لثلاثة قال الزركشي لم يتعرضوا له ويظهر أنه قاذف لواحد ولكل أن يدعي عليه أنه أراده على قياس ما لو قال لأحد هؤلاء الثلاثة علي ألف يصح الإقرار ولكل منهم أن يدعي ويفصل الخصومة ا هـ وهو ظاهر نعم لو ادعى اثنان وحلف لهما انحصر الحق للثالث فيحد له من غير يمين على أحد احتمالين قدمته أوائل الإقرار في مسألته التي قاس عليها.
"والرمي بإيلاج حشفة" أو قدرها من فاقدها "في فرج" أو بما ركب من ن ي ك "مع وصفه" أي الإيلاج أو النيك "بتحريم" سواء أقاله لرجل أم غيره كأولجت في فرج محرم أو أولج في فرجك أو علوت على رجل فدخل ذكره في فرجك مع ذكر التحريم "أو" الرمي بإيلاجها في "دبر" لذكر أو خنثى وإن لم يذكر تحريما "صريحان" أي كل منهما صريح; لأن ذلك لا يقبل تأويلا واحتيج لوصف الأول بالتحريم أي لذاته احترازا من تحريم نحو الحائض فيصدق في إرادته بيمينه; لأن إيلاج الحشفة في الفرج قد يحل وقد لا بخلافها في الدبر فإنه لا يحل بحال ومن ثم صوب ابن الرفعة وغيره أنه لا بد أن ينضم للوصف بالتحريم ما يقتضي الزنا وما يوافقه تقييد البغوي وغيره لطت أو لاط بك

 

ج / 3 ص -449-        فلان بالاختيار قيل ويأتي مثله في صورة الرمي بالزنا ولا يغني عنه قيد التحريم; لأن الإكراه لا يبيح الزنا وقد يقال لا حاجة إليه فإنه وإن لم يحل لا يوصف بالتحريم كوطء الشبهة ا هـ وفيه نظر والذي يتجه أن نحو الزنا واللواط لا يحتاج للوصف بتحريم ولا اختيار ولا عدم شبهة; لأن موضوعه يفهم ذلك ويؤيده ما يأتي في زنيت بك وفي يا لوطي بخلاف نحو النيك, وإيلاج الحشفة في الفرج لا بد فيه من الثلاثة أما الرمي بإيلاجها في دبر امرأة خلية فهي كالذكر أو مزوجة فينبغي اشتراط وصفه بنحو اللياطة ليخرج وطء الزوج فيه فإن الظاهر أن الرمي به غير قذف بل فيه التعزير; لأنه لا يسمى زنا ولا لياطة كما هو واضح وعلى هذا التفصيل يحمل إطلاق من قال لا فرق في قوله أو دبر بين أن يخاطب به رجلا أو امرأة كأولجت في دبر أو أولج في دبرك ا هـ ويقبل على الأوجه قوله بيمينه أردت بإيلاجه في الدبر إيلاجه في دبر زوجته كما علم مما قررته فيعزر ويا لوطي صريح وكذا مخنث على ما أفتى به ابن عبد السلام للعرف وذكر ابن القطان في بغاء وقحبة أنهما كنايتان ومقتضى كلام الروضة آخر الطلاق أن الثاني صريح وبه أفتى ابن عبد السلام للعرف أيضا. "وزنأت" بالهمز وكذا بألف بلا همز على أحد وجهين "في الجبل" أو في بيت وله درج "كناية"; لأنه معنى الصعود فيه فإن لم يكن له درج فصريح "وكذا زنأت" بالهمز "فقط" أي من غير ذكر جبل ولا غيره كناية "في الأصح"; لأن ظاهره الصعود "وزنيت" بالياء "في الجبل صريح في الأصح" لظهوره فيه وذكر الجبل لبيان محله فلا يصرفه عن ظاهره وإنابة الياء عن الهمز خلاف الأصل ويا زانية في الجبل في الروضة عن النص أنه كناية وعليه يفرق بأن النداء يستعمل كذلك كثيرا في الصعود بخلاف زنيت فيه بالياء. "وقوله" للرجل "يا فاجر يا فاسق" يا خبيث "ولها" أي المرأة "يا خبيثة" يا فاجرة يا فاسقة "وأنت تحبين الخلوة, ولقرشي" أو عربي "يا نبطي" وعكسه والأنباط قوم ينزلون البطائح بين العراقين سموا بذلك لاستنباطهم أي إخراجهم الماء من الأرض "ولزوجته لم أجدك عذراء" بالمعجمة أي بكرا ولأجنبية لم يجدك زوجك أو لم أجدك عذراء ولم يتقدم لواحدة منهما افتضاض مباح ولإحداهما وجدت معك رجلا وقوله لمن قذف زوجته صدقت على الأوجه "كناية" لاحتمالها القذف وغيره وهو في الثالثة لام المخاطب إذ نسبه لغير من ينسب إليه ويحتمل أن يريد أنه لا يشبههم خلقا وخلقا أما إذا تقدم لها ذلك فليس كناية. "فإن أنكر" متكلم بكناية في هذا الباب "إرادة قذف صدق بيمينه" أنه ما أراد قذفه; لأنه أعرف بمراده ويعزر للإيذاء وإن لم يرد سبا ولا ذما لأن لفظه يوهم ولا يجوز له الحلف كاذبا دفعا للحد لكن بحث الأذرعي جواز التورية وإن حلفه الحاكم إذا علم زناه قال بل يقرب إيجابها إذا علم أنه يحد وتبطل عدالته وروايته وما تحمله من الشهادات. "وقوله" لآخر "يا ابن الحلال وأما أنا فلست بزان ونحوه" كأمي ليست بزانية وأنا لست بلائط ولا ملوط بي "تعريض ليس بقذف وإن نواه"; لأن اللفظ إذا لم يشعر بالمنوي لم تؤثر النية فيه وفهم ذلك منه هنا إنما هو بقرائن الأحوال وهي ملغاة لاحتمالها وتعارضها ومن ثم لم يلحقوا

 

ج / 3 ص -450-        التعريض بالخطبة بصريحها وإن توفرت القرائن على ذلك وبه يرد انتصار جمع لقطع العراقيين بأن ذلك كناية وبما تقرر علم الفرق بين الثلاثة هنا وهو أن كل لفظ يقصد به القذف إن لم يحتمل غيره فصريح وإلا فإن فهم منه القذف بوضعه فكناية وإلا فتعريض كذا قاله شيخنا في شرح منهجه وفي جعله قصد القذف به مقسما للثلاثة إيهام اشتراط ذلك في الصريح وأن الكناية يفهم من وضعها القذف دائما وإنها والتعريض يقصد بهما ذلك دائما وليس كذلك في الكل فالأحسن الفرق بأن ما لم يحتمل غير ما وضع له من القذف وحده صريح وما احتمل وضعا القذف وغيره كناية وما استعمل في غير موضوع له من القذف بالكلية وإنما يفهم المقصود منه بالقرائن تعريض. "وقوله" لرجل أو امرأة زوجة أو أجنبية وقولها لرجل زوج أو أجنبي "زنيت بك" ولم يعهد بينهما زوجية مستمرة من حين صغره إلى حين قوله ذلك "إقرار بزنا" على نفسه لإسناده الفعل له ومحله إن قال أردت الزنا الشرعي; لأن الأصح اشتراط التفصيل في الإقرار "وقذف" للمقول له لقوله بك وخالف فيه الإمام لاحتمال كون المخاطب مكرها أو نائما وقد يجاب بأن المتبادر من لفظه أنه يشاركه في الزنا وهو ينفي احتمال ذلك ويفرق بينه وبين ما أيد به الرافعي البحث بعد أن قواه وتبعه الزركشي من قولهم أن زنيت مع فلان قذف لها دونه بأن الباء في بك تقتضي الآلية المشعرة بأن لمدخولها تأثيرا مع الفاعل في إيجاد الفعل ككتبت بالقلم بخلاف المعية فإنها إنما تقتضي مجرد المصاحبة وهي لا تشعر بذلك فتأمله ثم رأيت الغزالي أجاب عن البحث وتبعه ابن عبد السلام بأن إطلاق هذا اللفظ يحصل به الإيذاء التام لتبادر الفهم منه إلى صدوره عن طواعيته وإن احتمل غيره ولذا حد بلفظ الزنا مع احتماله زنا نحو العين وهو صريح فيما أجبت به وليس فيه تعرض للفرق الذي ذكرته.
"ولو قال لزوجته يا زانية" أو أنت زانية "فقالت" في جوابه "زنيت بك أو أنت أزنى مني فقاذف" لصراحة لفظه فيه "وكانية" لاحتمال قولها الأول لم أفعل كما لم تفعل وهذا مستعمل عرفا ويحتمل أن تريد إثبات زناها فتكون مقرة به وقاذفة له فيسقط بإقرارها حد القذف عنه ويعزر والثاني ما وطئني غيرك ووطؤك مباح فإن كنت زانية فأنت أزنى مني لأني ممكنة وأنت فاعل, ولكون هذا المعنى محتملا منه لم يكن ذلك منها إقرارا بالزنا وإن استشكله البلقيني ويحتمل أن تريد إثبات الزنا فتكون قاذفة فقط والمعنى أنت زان وزناك أكثر مما نسبتني إليه وتصدق في إرادة شيء مما ذكر بيمينها "فلو قالت" في جوابه وكذا ابتداء "زنيت بك وأنت أزنى مني فمقرة" بالزنا على نفسها "وقاذفة" له كما هو صريح لفظها ويسقط بإقرارها حد القذف عنه ويقاس بذلك قولها لزوجها يا زاني فقال زنيت بك أو أنت أزنى مني فهي قاذفة صريحا وهو كذلك أو زنيت أو أنت أزنى مني فمقر وقاذف ويجري نحو ذلك في أجنبي أو أجنبية قالا ذلك على ما مال إليه الشيخان بعد أن نقلا عن البغوي أنها مقرة لتأتي الاحتمال السابق في زنيت بك هنا ولاحتمال أن يريد أنت أهدى إلى الزنا مني وقول واحد لآخر ابتداء أنت أزنى مني أو من فلان ولم يقل

 

ج / 3 ص -451-        وهو زان ولا ثبت زناه وعلمه ليس بقذف إلا أن يريده وليس بإقرار به; لأن الناس في تشاتمهم لا يتقيدون بالوضع الأصلي على أن أفعل قد يجيء لغير الاشتراك وقوله أنت أزنى الناس أو أهل بغداد مثلا غير قذف إلا إن قال من زناتهم أو أراده ولا فرق في كل ذلك بين أن يعلم المخاطب حال قوله ذلك أن المخاطب زوج أو غيره كما اقتضاه إطلاقهم خلافا للجويني.
"وقوله" لواضح "زنى فرجك أو ذكرك" أو قبلك أو دبرك ولخنثى زنى ذكرك وفرجك بخلاف ما لو اقتصر على أحدهما فإنه كناية "قذف" لذكره آلة الوطء أو محله وكذا زنيت في قبلك لامرأة لا رجل فإنه كناية; لأن زناه بقبلها لا فيه ويؤخذ منه أنه لو قال لها زنيت بقبلك كان كناية إلا أن يفرق بأن زناها قد يكون بقبلها بأن تكون هي الفاعلة لطلوعها عليه. "والمذهب أن قوله" زنى "يدك أو عينك" أو رجلك "ولولده" أي كل من له ولادة عليه وإن سفل كما هو ظاهر أنت ولد زنا كان قاذفا لأمه أو "لست مني أو لست ابني" أو لأخيه لست أخي كما بحثه الزركشي "كناية" لاحتماله وفي الخبر الصحيح إطلاق الزنا على نظر العين ونحوه ومن ثم لو قال زنت يدي ونحوه لم يكن مقرا بالزنا قطعا ويؤخذ من هذا القطع وحكاية الخلاف في زنت يدك صحة قول القمولي لو قال زنى بدنك فصريح أو زنى بدني لم يكن إقرارا بالزنا انتهى ويوجه بأنه يحتاط لحد الزنا لكونه حقا لله ما لا يحتاط لحد القذف لكونه حق آدمي ومن ثم سقط بالرجوع ذاك لا هذا فلا نظر في كلام القمولي خلافا لمن زعمه. "و" أن قوله "لولد غيره لست ابن فلان صريح" في قذف أمه وفارق الأب بأنه يحتاج لزجر ولده وتأديبه بنحو ذلك فقرب احتمال كلامه له بخلاف الأجنبي وكان وجه جعلهم له صريحا في قذف أمه مع احتمال لفظه لكونه من وطء شبهة ندرة وطء الشبهة فلم يحمل اللفظ عليه بل على ما يتبادر منه وهو كونه من زنا وبهذا يقرب ما أفهمه إطلاقهم أنه لو فسر كلامه بذلك لا يقبل وخرج بقوله لست ابن فلان قوله لقرشي مثلا لست من قريش فإنه كناية كما قالاه وإن نوزعا فيه "إلا" إذا قال ذلك "لمنفي" نسبه "بلعان" في حال انتفائه فلا يكون صريحا في قذف أمه لاحتمال إرادته لست ابن الملاعن شرعا بل هو كناية فيستفسر فإن أراد القذف حد وإلا حلف وعزر للإيذاء أما إذا قال له بعد استلحاقه فيكون صريحا في قذفها فيحد ما لم يدع أنه أراد لم يكن ابنه حال النفي ويحلف عليه وقياس ما مر أنه يعزر ثم رأيتهم صرحوا به. "ويحد قاذف محصن" لآية
{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ}[النور: 4]نعم بحث الزركشي أنه لو قذفه فعفا عنه ثم قذفه ثانيا لم يجب غير التعزير ويؤيده أنه لو حد ثم قذف ثانيا عزر لظهور كذبه بالحد والعفو كالحد "ويعزر غيره" أي قاذف غير المحصن للإيذاء سواء في ذلك الزوج وغيره ما لم يدفعه الزوج بلعانه كما يأتي "والمحصن مكلف" أي بالغ عاقل ومثله السكران "حر مسلم عفيف عن وطء يحد به" وعن وطء دبر حليلته وإن لم يحد به; لأن الإحصان المشروط في الآية الكمال وأضداد ما ذكر نقص وجعل الكافر محصنا في حد الزنا; لأنه إهانة له ولا يرد قذف مرتد ومجنون

 

ج / 3 ص -452-        وقن بزنا إضافة إلى حال إسلامه أو إفاقته أو حريته بأن أسلم ثم اختار الإمام رقه; لأن سبب حده إضافته الزنا إلى حالة الكمال. "وتبطل العفة" المعتبرة في الإحصان "بوطء" يوجب الحد وبوطء "محرم" بنسب أو رضاع أو مصاهرة "مملوكة" له "على المذهب" إذا علم التحريم لدلالته على قلة مبالاته وإن لم يحد به; لأنه لشبهة الملك "لا" بوطء "زوجة" أو أمة "في عدة شبهة" أو نحو إحرام; لأن التحريم لعارض يزول "و" لا بوطء "أمة ولده و" لا بوطء "منكوحته" أي الواطئ "بلا ولي" أو بلا شهود قلد القائل بحله أو لا "في الأصح" لقوة الشبهة فيهما نعم بحث الأذرعي استثناء مستولدة الابن لحرمتها على أبيه أبدا وصوابه موطوءة الابن ولعله مراده على أن هذا معلوم من قوله بوطء محرم. "ولو زنى مقذوف" قبل حد قاذفه ولو بعد الحكم به بل ولو بعد الشروع في الحد كما هو ظاهر "سقط الحد" عن قاذفه ولو بغير ذلك الزنا; لأن زناه هذا يدل على سبق مثله لجريان العادة الإلهية بأن العبد لا يهتك في أول مرة كما قاله عمر رضي الله عنه ورعايتها هنا لا يلحق بها ما لو حكم بشهادته فزنى فورا حتى لا ينتقض الحكم وإن قلنا هذا الزنا يدل على زنا سابق منه قبل الحكم ويفرق بأن الحد يسقط بالشبهة بخلاف الحكم "أو ارتد فلا" يسقط الحد; لأن الردة لا تشعر بسبق أخرى; لأنها عقيدة وهي تظهر غالبا "ومن زنى" أو فعل ما يبطل عفته كوطء حليلته في دبرها "مرة" وهو مكلف "ثم" تاب و "صلح" حاله حتى صار أتقى الناس "لم يعد محصنا" أبدا; لأن العرض إذا انثلم لم تنسد ثلمته فلا نظر إلى أن "التائب من الذنب كمن لا ذنب له" ولو قذف في مجلس القاضي لزمه إعلام المقذوف ليستوفيه إن شاء وفارق إقراره عنده بمال للغير بأنه لا يتوقف استيفاؤه عليه بخلاف الحد ومحل لزوم الإعلام للقاضي أي عينا إذا لم يكن عنده من يقبل إخباره وإلا كان كفاية كما هو ظاهر. "وحد القذف" وتعزيره إذا لم يعف عنه المورث "يورث" ولو للإمام عمن لا وارث له خاص كسائر الحقوق "ويسقط" حده وتعزيره "بعفو" عن كله ولو بمال لكن لا يثبت المال فلو عفا عن بعض الحد لم يسقط شيء منه ولا يخالف سقوط التعزير بالعفو ما في بابه أن للإمام استيفاءه; لأن الساقط حق الآدمي والذي يستوفيه الإمام حق الله تعالى للمصلحة ويستوفي سيد قن مقذوف مات تعزيره وإن لم يرثه "والأصح أنه" إذا مات المقذوف الحر "يرثه كل الورثة" حتى الزوجين كالقصاص نعم قذف الميت لا يرثه الزوج أو الزوجة على أحد وجهين رجح لانقطاع الوصلة بينهما وفيه نظر لتصريحهم ببقاء آثار النكاح بعد الموت "و" الأصح "أنه لو عفا بعضهم" عن حقه من الحد أو كان غير مكلف "فللباقي" منهم وإن قل نصيبه "كله" أي استيفاء جميعه كما أن لأحدهم طلب استيفائه وإن لم يرض غيره أو غاب; لأنه لدفع العار اللازم للواحد كالجمع مع أنه لا بدل له وبه فارق القصاص فإن ثبوت بدله يمنع من التفويت فيه ويفرق بين هذا ونحو الغيبة فإنه لا يورث ومن ثم لم يكف تحليل الوارث منه بأن ملحظ ما هنا العار وهو يشمل الوارث أيضا فكان له فيه دخل بخلاف نحو الغيبة فإنه محض إيذاء يختص بالميت فلا يتعدى أثره للوارث.

 

ج / 3 ص -453-        فصل في بيان حكم قذف الزوج ونفي الولد جوازا أو وجوبا
"له" أي الزوج "قذف زوجة" له "علم زناها" بأن رآه وهي في نكاحه كما يعلم مما يأتي آخر الباب والأولى له تطليقها سترا عليها ما لم يترتب على فراقه لها مفسدة لها أو له أو لأجنبي فيما يظهر "أو ظنه ظنا مؤكدا" لاحتياجه حينئذ للانتقام منها لتلطيخها فراشه والبينة قد لا تساعده "كشياع زناها بزيد مع قرينة بأن" بمعنى كأن "رآهما في خلوة" وكأن شاع زناها مطلقا ثم رأى رجلا خارجا من عندها قال الماوردي في وقت الريبة أو رآها خارجة من عند رجل أي وثم ريبة أيضا ويحتمل الفرق وعلى الأول فأدنى ريبة فيها كاف بخلافه فإنه قد يدخل لنحو سرقة أو إرادة إكراه أو إلحاق عار ولا كذلك هي وكإخبار عدل رواية أو من اعتقد صدقه له عن معاينة بزناها وليس عدوا لها ولا له ولا للزاني قال بعضهم وقد بين كيفية الزنا لئلا يظن ما ليس بزنا زنا وكإقرارها له به واعتقد صدقها, أما مجرد الشيوع فلا يجوز اعتماده; لأنه قد ينشأ عن خبر عدو أو طامع بسوء لم يظفر وكذا مجرد القرينة; لأنه ربما دخل عليها لخوف أو نحو سرقة. "ولو أتت" أو حملت "بولد علم أنه ليس منه" أو ظنه ظنا مؤكدا وأمكن كونه منه ظاهرا لما سيذكره "لزمه نفيه" وإلا لكان بسكوته مستلحقا لمن ليس منه وهو ممتنع كما يحرم نفي من هو منه لما يأتي ولعظيم التغليظ على فاعل ذلك وقبيح ما يترتب عليهما من المفاسد كانا من أقبح الكبائر بل أطلق عليهما الكفر في الأحاديث الصحيحة وإن أول بالمستحل أو بأنهما سبب له أو بكفر النعمة ثم إن علم زناها أو ظنه ظنا مؤكدا قذفها ولاعن لنفيه وجوبا فيهما وإلا اقتصر على النفي باللعان لجواز كونه من شبهة أو زوج سابق وشمل المتن وغيره ما لو أتت بولد علم أنه ليس منه ولكنه خفية بحيث لا يلحق به في الحكم لكن الأوجه قول ابن عبد السلام الأولى له الستر أي وكلامهم إنما هو حيث ترتب على عدم النفي لحوقه به كما اقتضاه تعليلهم المذكور. "وإنما يعلم" أنه ليس منه "إذا لم يطأ" في القبل ولا استدخلت ماءه المحترم أصلا "أو" وطئ أو استدخلت ماءه المحترم ولكن "ولدته لدون ستة أشهر" من الوطء ولو لأكثر منها من العقد "أو فوق أربع سنين" من الوطء للعلم حينئذ بأنه من ماء غيره ولو علم زناها في طهر لم يطأ فيه وأتت بولد يمكن كونه من ذلك الزنا لزمه قذفها ونفيه وصرح جمع بأن نحو رؤيته معها في خلوة في ذلك الطهر مع شيوع زناها به يلزمه ذلك أيضا ويؤيده ما يأتي عن الروضة "فلو ولدته لما بينهما" أي دون السنة وما فوق الأربعة من الوطء وكأنهم إنما لم يعتبروا هنا لحظة الوطء والوضع احتياطا للنسب لإمكان الإلحاق مع عدمهما "ولم يستبرئ" ها "بحيضة" بعد وطئه أو استبرأها بها وكان بين الولادة والاستبراء أقل من ستة أشهر "حرم النفي" للولد; لأنه لاحق بفراشه ولا عبرة بريبة يجدها وفي خبر أبي داود والنسائي وغيرهما "أيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب الله منه يوم القيامة وفضحه على رءوس الخلائق" "وإن ولدته لفوق ستة أشهر من الاستبراء" بحيضة أي من ابتداء الحيض كما ذكره جمع; لأنه الدال على

 

ج / 3 ص -454-        البراءة "حل النفي في الأصح"; لأن الاستبراء أمارة ظاهرة على أنه ليس منه نعم يسن له عدمه; لأن الحامل قد تحيض ومحله إن كان هناك تهمة زنا وإلا لم يجز قطعا وصحح في الروضة أنه إن رأى بعد الاستبراء قرينة بزناها مما مر لزمه نفيه لغلبة الظن بأنه ليس منه حينئذ وإلا لم يجز واعتمده الإسنوي وغيره وقوله من الاستبراء تبع فيه الرافعي وصحح في الروضة أيضا اعتبارها من حين الزنا بعد الاستبراء; لأنه مستند اللعان فعليه إذا ولدت لدون ستة أشهر منه ولأكثر من دونها من الاستبراء تبينا أنه ليس من ذلك الزنا فيصير وجوده كعدمه فلا يجوز النفي رعاية للفراش ووجه البلقيني المتن بمنع تيقن ذلك لاحتمال سبق زناه بها خفية قبل الزنا الذي رآه. "ولو وطئ وعزل حرم" النفي "على الصحيح"; لأن الماء قد يسبقه ولا يشعر به ولو كان يطأ فيما دون الفرج بحيث لا يمكن وصول الماء إليه لم يلحقه أو في الدبر تناقض فيه كلامهما والأرجح أنه لا يلحقه أيضا وليس من الظن علمه من نفسه أنه عقيم على الأوجه خلافا لقول الروياني يلزمه نفيه باللعان أي بعد قذفها وذلك; لأنا نجد كثيرين يكاد أن يجزم بعقمهم ثم يحبلون. "ولو علم زناها واحتمل كون الولد منه ومن الزنا" على السواء بأن ولدته لستة أشهر فأكثر من وطئه ومن الزنا ولا استبراء "حرم النفي" لتقاوم الاحتمالين "والولد للفراش" والنص على الحل يحمل على ما إذا كان احتماله من الزنا أغلب لوجود قرينة تؤكد ظن وقوعه "وكذا" يحرم "القذف واللعان على الصحيح" إذ لا ضرورة إليهما للحوق الولد به والفراق ممكن بالطلاق ولأنه يتضرر بإثبات زناها لانطلاق الألسنة فيه وقيل يحلان انتقاما منها وأطال جمع في تصويبه ويرده ما تقرر إذ كيف يحتمل ذلك الضرر العظيم لمجرد غرض انتقام وكالزنا فيما ذكر وطء الشبهة

فصل في كيفية اللعان وشروطه وثمراته
"اللعان قوله" أي الزوج "أربع مرات أشهد بالله أني لمن الصادقين فيما رميت به" زوجتي "هذه" إن حضرت "من الزنا" إن قذفها بالزنا وإلا قال فيما رميتها به من إصابة غيري لها على فراشي وأن الولد منه لا مني ولا تلاعن هي هنا إذ لا حد عليها بلعانه ولو ثبت قذف أنكره قال فيما ثبت من قذفي إياها بالزنا وذلك للآيات أول سورة النور وكررت لتأكد الأمر ولأنها منه بمنزلة أربع شهود ليقام عليها بها الحد ولذا سميت شهادات, وأما الخامسة فهي مؤكدة لمفادها, نعم المغلب في تلك الكلمات مشابهتها للأيمان كما يأتي ومن ثم لو كذب لزمه كفارة يمين والأوجه أنها لا تتعدد بعددها; لأن المحلوف عليه واحد والمقصود من تكررها محض التأكيد لا غير "فإن غابت" عن المجلس أو البلد لعذر أو غيره "سماها ورفع نسبها" أو ذكر وصفها "بما يميزها" عن غيرها دفعا للاشتباه ويكفي قوله زوجتي إذا عرفها الحاكم ولم يكن تحته غيرها "
{وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} "عدل عن علي وكنت تفاؤلا "فيما رماها به من الزنا. وإن كان له ولد ينفيه ذكره في الكلمات" الخمس كلها لينتفي عنه لا ليصح

 

ج / 3 ص -455-        لعانه ومن ثم لو أغفله في واحدة صح لعانه بالنسبة لصحة لعانها بعده وإن وجبت إعادته لنفي الولد "فقال" في كل واحدة منها "وأن الولد الذي ولدته" إن غاب "أو هذا الولد" إن حضر "من" زوج أو شبهة أو من "زنا ليس مني" وذكر ليس مني تأكيد كما في أصل الروضة والشرح الصغير حملا للزنا على حقيقته وقال الأكثرون شرط وهو مقتضى المتن واعتمده الأذرعي لاحتمال أن يعتقد أن وطء الشبهة زنا ويؤخذ منه أن محله فيمن يمكن أن يشتبه عليه ذلك ولا يكفي الاقتصار على ليس مني لاحتماله عدم شبهه له "وتقول هي" بعده لوجوب تأخر لعانها كما سيذكره "أشهد بالله أنه لمن الكاذبين فيما رماني به" وتشير إليه إن حضر وإلا ميزته نظير ما مر "من الزنا" إن رماها به ولا تحتاج لذكر الولد; لأنه لا يتعلق به في لعانها حكم {وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا}عدل عن علي لما مر وذكره رماها, ثم ورماني هنا تفنن لا غير "إن كان من الصادقين فيه" أي فيما رماني به من الزنا وخص الغضب بها; لأن جريمة زناها أقبح من جريمة قذفه والغضب وهو الانتقام بالعذاب أغلظ من اللعن الذي هو البعد عن الرحمة "ولو بدل لفظ" الله بغيره كالرحمن أو لفظ "شهادة بحلف" مر في الخطبة حكم إدخال الباء في حيز بدل فراجعه لتعلم به رد الاعتراض عليه "ونحوه" كأقسم أو أحلف بالله "أو" لفظ "غضب بلعن وعكسه" بأن ذكر لفظ الغضب وهي لفظ اللعن "أو ذكرا" أي اللعن والغضب "قبل تمام الشهادات لم يصح في الأصح"; لأن المرعي هنا اللفظ ونظم القرآن "ويشترط فيه" أي في صحة اللعان "أمر القاضي" أو نائبه أو المحكم أو السيد إذا لاعن بين أمته وعبده به ولو كان اللعان لنفي الولد الغير المكلف فقط امتنع التحكيم; لأن للولد حقا في النسب فلم يسقط برضاهما "و" معنى أمره به أنه "يلقن" كلا منهما ويجوز بناؤه للمفعول "كلماته" فيقول له قل كذا, وكذا إلى آخره فما أتى به قبل التلقين لغو إذ اليمين لا يعتد بها قبل استحلافه والشهادة لا تؤدى عنده إلا بإذنه ويشترط موالاة الكلمات الخمس لا لعانيهما ويظهر اعتبار الموالاة هنا بما مر في الفاتحة ومن ثم لم يضر الفصل هنا بما هو من مصالح اللعان ولا يثبت شيء من أحكام اللعان إلا بعد تمامها "وأن يتأخر لعانها عن لعانه"; لأن لعانها لدرء الحد عنها وهو لا يجب قبل لعانه ويلاعن من اعتقل لسانه بعد القذف ولم يرج برؤه أو رجي ومضت ثلاثة أيام ولم ينطق و "أخرس" منهما ويقذف "بإشارة مفهمة وكتابة" أو يجمع بينهما كسائر تصرفاته ولأن المغلب فيه شائبة اليمين لا الشهادة وبفرض تغليبها هو مضطر إليها هنا لا ثم; لأن الناطقين يقومون بها قيل النص أنها لا تلاعن بها; لأنها غير مضطرة إليها ومن علته يؤخذ أن محل ذلك قبل لعان الزوج لا بعده لاضطرارها حينئذ إلى درء الحد عنها فيكرر الإشارة أو الكتابة خمسة أو يشير للبعض ويكتب البعض أما إذا لم تكن له إشارة مفهمة فلا يصح لتعذر معرفة مراده "ويصح" اللعان والقذف "بالعجمية" أي ما عدا العربية من اللغات إن راعى ترجمة اللعن والغضب وإن عرف العربية كاليمين والشهادة "وفيمن عرف العربية وجه" أنه لا يصح لعانه بغيرها; لأنها الواردة وانتصر له جمع ويسن حضور

 

ج / 3 ص -456-        أربعة يعرفون تلك اللغة ويجب مترجمان لقاض جهلها "ويغلظ" ولو في كافر على الأوجه "بزمان وهو بعد" فعل "عصر" أي يوم كان إن لم يتيسر التأخير للجمعة; لأن اليمين الفاجرة حينئذ أغلظ عقوبة كما دل عليه خبر الصحيحين فإن تيسر التأخير فبعد عصر "جمعة"; لأن يومها أشرف الأسبوع وساعة الإجابة فيها بعد عصرها كما في رواية صحيحة وإن كان الأشهر أنها زمن يسير من أول الخطبة إلى آخر الصلاة لخبر به أصح "ومكان وهو أشرف بلده" أي اللعان; لأن في تلك تأثيرا في الزجر عن اليمين الكاذبة وعبارته مساوية لعبارة أصله "أشرف مواضع البلد" "فبمكة" يكون اللعان "بين الركن" الذي فيه الحجر الأسود "والمقام" أي مقام إبراهيم صلى الله على نبينا وعليه وسلم وهو المسمى بالحطيم لحطم الذنوب فيه ولم يكن بالحجر مع أنه أفضل لكونه من البيت صونا له عن ذلك وإن حلف عمر فيه قاله الماوردي "و" في "المدينة" يكون "عند المنبر" مما يلي القبر المكرم على مشرفه أفضل الصلاة وأفضل السلام; لأنه روضة من رياض الجنة وللخبر الصحيح "لا يحلف عند هذا المنبر عبد ولا أمة يمينا آثمة ولو على سواك رطب إلا وجبت له النار", وفي رواية صحيحة "على منبري هذا يمينا آثمة تبوأ مقعده من النار" ومن ثم صحح في أصل الروضة صعوده ويصح رد عبارة المتن إليه بجعل عند بمعنى على "و" في "بيت المقدس" يكون "عند الصخرة"; لأنها قبلة الأنبياء, وفي خبر أنها من الجنة "و" في "غيرها" أي الأماكن الثلاثة يكون "عند منبر الجامع" أي عليه; لأنه أشرفه وزعم أن صعوده لا يليق بها ممنوع لا سيما مع ما رواه البيهقي وإن ضعفه أنه صلى الله عليه وسلم لاعن بين العجلاني وامرأته عليه. "و" تلاعن "حائض" ونفساء مسلمة ومسلم به جنابة ولم يمهل للغسل أو نجس يلوث المسجد "بباب المسجد" بعد خروج القاضي مثلا إليه لحرمة مكث كل من أولئك فيه ولو رأى تأخيره لزوال المانع فلا بأس أما ذمية حائض أو نفساء أمن تلويثها وذمي جنب فيجوز تمكينها من الملاعنة في المسجد إلا المسجد الحرام "و" يلاعن "ذمي" أي كتابي ولو معاهدا أو مستأمنا "في بيعة" للنصارى بكسر الباء "وكنيسة" لليهود; لأنهم يعظمونها كتعظيمنا لمساجدنا "وكذا بيت نار مجوسي في الأصح" لذلك ويحضر نحو القاضي والجمع الآتي بمحالهم تلك لما مر إلا ما به صور معظمة لحرمة دخوله مطلقا كغيره بلا إذنهم وتلاعن كافرة تحت مسلم فيما ذكر لا في المسجد إلا إن رضي به "لا بيت أصنام وثني" دخل دارنا بهدنة أو أمان وترافعوا إلينا فلا يلاعن فيه بل في مجلس الحاكم إذ لا أصل له في الحرمة واعتقادهم لوضوح فساده غير مرعي ولأن دخوله معصية ولو بإذنهم ولا تغليظ في حق من لا يتدين بدين كدهري وزنديق بل يحلف إن لزمته يمين بالله الذي خلقه ورزقه ويعتبر الزمن بما يعتقدون تعظيمه "و" حضور "جمع من الأعيان" والصلحاء للاتباع ولأن فيه ردعا للكاذب "وأقله أربعة" لثبوت الزنا بهم ومن ثم اعتبر كونهم من أهل الشهادة ومعرفتهم لغة المتلاعنين "والتغليظات سنة لا فرض على المذهب" كما في سائر الأيمان. "ويسن للقاضي" ولو بنائبه "وعظهما" بالتخويف من عقاب الله للاتباع ويقرأ عليهما آية آل عمران {إِنَّ الَّذِينَ

 

ج / 3 ص -457-        يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ} [آل عمران: 77] وخبر "وحسابكما على الله الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما من تائب" "ويبالغ" في التخويف "عند الخامسة" لعله يرجع لخبر أبي داود أنه صلى الله عليه وسلم أمر رجلا أن يضع يده على فيه عند الخامسة وقال "إنها موجبة" ويسن فعل ذلك بهما ويأتي واضع يده على الفم من ورائه "وأن يتلاعنا قائمين" وبحيث يرى كل صاحبه للاتباع ولأن القيام أبلغ في الزجر وقائمين حال من كل من فاعلي تلاعنا أي كل قائما أو من مجموعهما وعلى كل هو لا يقتضي ما هو السنة من جلوس كل عند لعان الآخر بخلاف "فإني أدخلتهما طاهرتين" فإنه إن كان من المجموع اشترط عند دخول كل كونهما طاهرتين أو من كل لم يشترط فليس ما هنا نظير ذاك خلافا لمن زعمه فتأمله ويقعد كل وقت لعان الآخر.
"وشرطه" أي الملاعن أو اللعان ليصح ما تضمنه قوله "زوج" ولو باعتبار ما كان أو الصورة ليدخل ما يأتي في البائن ونحو المنكوحة فاسدا فلا يصح من غيره كما دلت عليه الآية ولأن غيره لا يحتاج إليه لما مر أنه حجة ضرورية "يصح طلاقه" كسكران وذمي وفاسق تغليبا لشبه اليمين دون مكره وغير مكلف ولا لعان في قذفه وإن كمل بعد ويعزر عليه. "ولو ارتد" الزوج "بعد وطء" أو استدخال ماء "فقذف وأسلم في العدة لاعن" لدوام النكاح "ولو لاعن" في الردة "ثم أسلم فيها" أي العدة "صح" لتبين وقوعه في صلب النكاح "أو أصر" مرتدا إلى انقضائها "صادف" اللعان "بينونة" لتبين انقطاع النكاح بالردة فإن كان هناك ولد نفاه بلعانه نفذ وإلا بان فساده وحد للقذف وأفهم قوله فقذف وقوعه في الردة, فلو قذف قبلها صح وإن أصر كما يصح ممن أبانها بعد قذفها. "ويتعلق بلعانه" أي الزوج وإن كذب أي بفراغه منه ولا نظر للعانها "فرقة" أي فرقة انفساخ "وحرمة" ظاهرا وباطنا "مؤبدة" فلا تحل له بعد بنكاح ولا ملك لخبر الشيخين "لا سبيل لك عليها", وفي رواية للبيهقي "المتلاعنان لا يجتمعان أبدا" وكأن هذا هو مستند جزم بعضهم بأنها لا تعود إليه ولا في الجنة "وإن أكذب" الملاعن "نفسه" فلا يفيده عود حل; لأنه حقه بل عود حد ونسب; لأنهما حق عليه وتجويز رفع نفسه أي أكذبه نفسه بعيد; لأن المراد هنا بالإكذاب نسبة الكذب إليه ظاهرا لتترتب عليه أحكامه وذلك لا يظهر إسناده للنفس وحينئذ فليس هذا نظير ما حدثت به أنفسها المجوز فيه الأمران; لأن التحديث يصح نسبة إيقاعه إلى الإنسان وإلى نفسه كما هو واضح "وسقوط الحد" أو التعزير الواجب لها عليه والفسق "عنه" بسبب قذفها للآية, وكذا قذف الزاني إن سماه في لعانه "ووجوب حد زناها" المضاف لحالة النكاح إن لم تلتعن ولو ذمية وإن لم ترض بحكمنا; لأنهم بعد الترافع إلينا لا يعتبر رضاهم أما الذي قبل النكاح فسيأتي
"وانتفاء نسب نفاه بلعانه" أي فيه لخبر الصحيحين بذلك وسقوط حصانتها في حقه فقط إن لم تلتعن أو التعنت وقذفها بذلك الزنا أو أطلق; لأن اللعان في حقه كالبينة وحل نحو أختها والتشطير قبل الوطء "وإنما يحتاج إلى نفي" ولد "ممكن" كونه "منه فإن تعذر" لحوقه به "بأن ولدته" وهو غير تام لدون ما مر في الرجعة أو وهو تام "لستة أشهر" فأقل

 

ج / 3 ص -458-        "من العقد" لانتفاء لحظتي الوطء والوضع "أو" لأكثر ولكن "طلق في مجلسه" أي العقد "أو نكح" صغيرا أو ممسوحا أو "وهو بالمشرق وهي بالمغرب" ولم يمض زمن يمكن فيه اجتماعهما ولا وصول مائه إليها كما هو ظاهر عادة فلا نظر لوصول ممكن كرامة كما مر "لم يلحقه" لاستحالة كونه منه فلم يحتج في انتفائه عنه إلى لعان "وله نفيه" أي الممكن لحوقه به واستلحاقه "ميتا" لبقاء نسبه بعد موته وتسقط مؤنة تجهيز الأول عنه ويرث الثاني ولا يصح نفي من استلحقه ولا ينتفي عنه من ولد على فراشه وأمكن كونه منه إلا باللعان ولا أثر لقول الأم حملت به من وطء شبهة أو استدخال مني غير الزوج وإن صدقها الزوج; لأن الحق للولد والشارع أناط لحوقه بالفراش حتى يوجد اللعان بشروطه "والنفي على الفور في الجديد"; لأنه شرع لدفع الضرر فكان كالرد بالعيب والأخذ بالشفعة فيأتي الحاكم ويعلمه بانتفائه عنه ويعذر في الجهل بالنفي أو الفورية فيصدق فيه بيمينه إن كان عاميا لخفائه على العوام وإن خالطوا العلماء وخرج بالنفي اللعان فلا يجب فيه فور "ويعذر" في تأخير النفي "لعذر" مما مر في أعذار الجمعة نعم يلزمه إرسال من يعلم الحاكم فإن عجز فالإشهاد وإلا بطل حقه كغائب أخر السير لغير عذر أو سار أو تأخر لعذر ولم يشهد والتعبير بأعذار الجمعة هو ما قاله شارح ومقتضى تشبيههم لما هنا بالرد بالعيب والشفعة أن المعتبر أعذارهما وهو ظاهر إن كانت أضيق لكنا وجدنا من أعذارهما إرادة دخول الحمام ولو للتنظيف كما شمله إطلاقهم والظاهر أن هذا ليس عذرا في الجمعة ومن أعذارهما أكل كريه ويبعد كونه عذرا هنا وإن قلنا إنه عذر في الشهادة على الشهادة كما يأتي في بابها فالوجه اعتبار الأضيق من تلك الأعذار. "وله نفي حمل" كما صح أن هلال بن أمية لاعن عن الحمل "و" له "انتظار وضعه" ليعلم كونه ولدا إذ ما يظن حملا قد يكون نحو ريح لا لرجاء موته بعد علمه ليكفي اللعان فلا يعذر به بل يلحقه لتقصيره "ومن أخر" النفي "وقال جهلت الولادة صدق بيمينه إن" أمكن عادة كأن "كان غائبا"; لأن الظاهر يشهد له ومن ثم لو استفاضت ولادتها لم يصدق "وكذا" يصدق مدعي الجهل بها "الحاضر" إن ادعى ذلك "في مدة يمكن جهله" به "فيها" عادة كأن بعد محله عنها ولم يستفض عنده لاحتمال صدقه حينئذ بخلاف ما إذا انتفى ذلك; لأن جهله به إذن خلاف الظاهر ولو أخبره عدل رواية لم يقبل منه قوله: لم أصدقه وإلا قبل بيمينه "ولو قيل له" وهو متوجه للحاكم, أو وقد سقط عنه التوجه إليه لعذر به "متعت بولدك أو جعله الله لك ولدا صالحا فقال آمين أو نعم" ولم يكن له ولد آخر يشتبه به ويدعي إرادته "تعذر نفيه" ولحقه لتضمن ذلك منه رضاه به "وإن قال" في أحد الحالين السابقين "جزاك الله خيرا أو بارك عليك فلا" يتعذر النفي لاحتمال أنه قصد مجرد مقابلة الدعاء. "وله اللعان" لدفع حد أو نفي ولد "مع إمكان" إقامة "بينة بزناها"; لأن كلا حجة تامة وظاهر الآية المشترط لتعذر البينة صد عنه الإجماع وكأن ناقله لم يعتد بالخلاف فيه لشذوذه على أن شرط حجية مفهوم المخالفة أن لا يكون القيد خرج على سبب وسبب الآية كان الزوج فيه فاقدا للبينة "ولها" اللعان بل يلزمها إن صدقت كما قاله

 

ج / 3 ص -459-        ابن عبد السلام وصوبوه "لدفع حد الزنا" المتوجه عليها بلعانه لا بالبينة; لأنه حجة ضعيفة فلا يقاومها ولا فائدة للعانها غير هذا.

فصل
"له اللعان لنفي ولد" بل يلزمه إذا علم أنه ليس منه كما مر بتفصيله "وإن عفت عن الحد وزوال النكاح" بطلاق أو غيره ولو أقام بينة بزناها لحاجته إليه بل هي آكد من حاجته لدفع الحد "وله" اللعان بل يلزمه إن صدق كما قاله ابن عبد السلام "لدفع حد القذف" إن طلبته هي أو الزاني "وإن زال النكاح ولا ولد" إظهارا لصدقه ومبالغة في الانتقام منها "ول" دفع "تعزيره" لكونها ذمية مثلا, وقد طلبته "إلا تعزير تأديب" لصدقه ظاهرا كقذف من ثبت زناها ببينة أو إقرار أو لعانه مع امتناعها منه; لأن اللعان لإظهار الصدق وهو ظاهر فلا معنى له أو لكذبه الضروري "كقذف طفلة لا توطأ" أي لا يمكن وطؤها وكقذف كبيرة نحو قرناء أو بوطء نحو ممسوح فلا يلاعن لإسقاطه وإن بلغت وطالبته إذ لا عار يلحقها به للعلم بكذبه فلا يمكن من الحلف على صدقه وإنما زجر حتى لا يعود للإيذاء والخوض في الباطل ومن ثم يستوفيه القاضي للطفلة بخلاف الكبيرة لا بد من طلبها ومحل ما ذكر في نحو القرناء حيث لم يرد وطء دبرها وإلا فهو من الأول وما عدا هذين أعني ما علم صدقه أو كذبه يقال له تعزير التكذيب لما فيه من إظهار كذبه بقيام العقوبة عليه وهو من جملة المستثنى منه ولا يستوفى إلا بطلب المقذوف. "ولو عفت عن الحد" أو التعزير "أو أقام بينة بزناها" أو إقرارها به "أو صدقته" فيه "ولا ولد" ولا حمل ينفيه "أو سكتت عن طلب الحد" بلا عفو "أو جنت بعد قذفه" ولا ولد ولا حمل أيضا "فلا لعان" في المسائل الخمس ما دام السكوت أو الجنون في الأخيرتين "في الأصح" إذ لا حاجة إليه في الكل سيما الثانية والثالثة لثبوت قوله بحجة أقوى من اللعان أما مع ولد أو حمل ينفيه فيلاعن جزما وإذا لزمه حد بقذف مجنونة بزنا أضافه لحال إفاقتها أو تعزير بما لم يضفه أو بقذف صغير انتظر طلبهما بعد كمالهما ولا تحد مجنونة بلعانه حتى تفيق وتمتنع من اللعان. "ولو أبانها" بواحدة أو أكثر "أو ماتت, ثم قذفها" فإن قذفها "بزنا مطلق أو مضاف إلى ما" أي زمن "بعد النكاح لاعن" للنفي "إن كان" هناك "ولد" أو حمل على المعتمد "يلحقه" ظاهرا وأراد نفيه في لعانه للحاجة إليه حينئذ كما في صلب النكاح وحينئذ يسقط عنه حد قذفه لها ويلزمها به حد الزنا إن أضافه للنكاح ولم تلاعن هي كالزوجة بخلاف ما إذا انتفى الولد عنه فيحد ولا لعان "فإن أضاف" الزنا الذي رماها به "إلى ما" أي زمن "قبل نكاحه" أو بعد بينونتها "فلا لعان" جائز إن لم يكن ولد ويحد لعدم احتياجه لقذفها حينئذ كالأجنبية", وكذا" لا لعان "إن كان" ولد "في الأصح" لتقصيره بالإسناد لما قبل النكاح ورجح في الصغير المقابل واعتمده الإسنوي; لأنه الذي عليه الأكثرون, وقد يعتقد أن الولد من ذلك الزنا "لكن له" بل يلزمه إن علم زناها أو ظنه كما علم مما مر "إنشاء قذف" مطلق أو مضاف لما بعد النكاح بناء على أنه لا يلاعن "ويلاعن" حينئذ لنفي النسب للضرورة فإن أبى حد. "ولا يصح نفي

 

ج / 3 ص -460-        أحد توأمين" وإن ولدتهما مرتبا ما لم يكن بين ولادتهما ستة أشهر لجريان العادة الإلهية بعدم اجتماع ولد في الرحم من ماء رجل وولد من ماء آخر; لأن الرحم إذا اشتمل على مني فيه قوة الإحبال انسد فمه عليه صونا له من نحو هواء فلا يقبل منيا آخر فلم يتبعضا لحوقا ولا انتفاء فإن نفى أحدهما واستلحق الآخر أو سكت عن نفيه أو نفاهما, ثم استلحق أحدهما لحقاه وغلبوا الاستلحاق على النفي لقوته بصحته بعد النفي دون النفي بعده احتياطا للنسب ما أمكن ومن ثم لحقه ولد أمكن كونه منه بغير استلحاق ولم ينتف عنه عند إمكان كونه من غيره إلا بالنفي أما إذا كان بين وضعيهما ستة أشهر على ما مر في تعليق الطلاق بالحمل فهما حملان كما سيذكره فيصح نفي أحدهما فقط.