تحفة المحتاج بشرح المنهاج ط العلمية

ج / 3 ص -461-        كتاب العدد
جمع عدة من العدد لاشتمالها على عدد أقراء أو أشهر غالبا وهي شرعا مدة تربص المرأة لتعرف براءة رحمها من الحمل أو للتعبد وهو اصطلاحا ما لا يعقل معناه عبادة كان أو غيرها وقول الزركشي لا يقال فيها تعبد; لأنها ليست من العبادات المحضة عجيب أو لتفجعها على زوج مات وأخرت إلى هنا لترتبها غالبا على الطلاق واللعان وألحق الإيلاء والظهار بالطلاق; لأنهما كانا طلاقا وللطلاق تعلق بهما والأصل فيها الكتاب والسنة والإجماع وهي من حيث الجملة معلومة من الدين بالضرورة كما هو ظاهر, وقولهم لا يكفر جاحدها; لأنها غير ضرورية ينبغي حمله على بعض تفاصيلها وشرعت أصالة صونا للنسب عن الاختلاط وكررت الأقراء الملحق بها الأشهر مع حصول البراءة بواحد استظهارا واكتفي بها مع أنها لا تفيد تيقن البراءة; لأن الحامل تحيض; لأنه نادر.
"عدة النكاح" وهو الصحيح حيث أطلق "ضربان الأول يتعلق بفرقة" زوج "حي بطلاق و" في نسخ أو وهي أوضح "فسخ" بنحو عيب أو انفساخ بنحو لعان; لأنه في معنى الطلاق المنصوص عليه. وخرج بالنكاح الزنا فلا عدة فيه اتفاقا ووطء الشبهة فإنه ليس ضربين بل ليس فيه إلا ما في فرقة الحي وهو كل ما لم يوجب حدا على الواطئ وإن أوجبه على الموطوءة كوطء مجنون أو مراهق أو مكره كاملة ولو زنا منها فتلزمها العدة لاحترام الماء "وإنما تجب" أي عدة النكاح المذكور فالحصر صحيح خلافا لمن وهم فيه فقال قضيته حصر الوطء فيما ذكر قبله من فرقة الزوج ولا ينحصر فإن الوطء في النكاح الفاسد ووطء الشبهة موجب لها ا هـ ووجه الوهم أن الحصر إنما هو لوجوبها بنحو الوطء بالنسبة للنكاح الصحيح وهذا لا يرد عليه شيء على أن تعبيره بحصر الوطء إلى آخره لا يناسب الاصطلاح وهو أن المحصور هو الأول والمحصور فيه هو الأخير "بعد وطء" بذكر متصل ولو في دبر من نحو صبي تهيأ للوطء وخصي وإن كان الذكر أشل على الأوجه أما قبله فلا عدة للآية كزوجة مجبوب لم تستدخل منيه وممسوح مطلقا إذ لا يلحقه الولد "أو" بعد "استدخال منيه" أي الزوج المحترم وقت إنزاله واستدخاله ولو مني مجبوب; لأنه أقرب للعلوق من مجرد إيلاج قطع فيه بعدم الإنزال وقول الأطباء الهواء يفسده فلا يتأتى منه ولد ظن لا ينافي الإمكان. ومن ثم لحق به النسب أيضا أما غير المحترم عند إنزاله بأن أنزله من زنا فاستدخلته زوجته وهل يلحق به ما استنزله بيده لحرمته أو لا للاختلاف في إباحته كل محتمل والأقرب الأول فلا عدة فيه ولا نسب يلحق به واستدخالها مني من تظنه زوجها فيه عدة ونسب كوطء الشبهة كذا قالاه والتشبيه بوطء الشبهة الظاهر في أنه نزل من صاحبه لا على وجه سفاح يدفع استشكاله بأن العبرة فيهما بظنه لا ظنها ومر في محرمات النكاح بسط الكلام في ذلك وتجب

 

ج / 3 ص -462-        عدة الفراق بعد الوطء "وإن تيقن براءة الرحم" لكونه علق الطلاق بها فوجدت أو لكون الواطئ طفلا أو الموطوءة طفلة لعموم مفهوم قوله تعالى {مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: 237] وتعويلا على الإيلاج لظهوره دون المني المسبب عنه العلوق لخفائه فأعرض الشرع عنه واكتفى بسببه وهو الوطء أو دخول المني كما أعرض عن المشقة في السفر واكتفى به; لأنه مظنتها وبه يندفع اعتماد الزركشي أن ابن سنة مثلا لا يعتد بوطئه, وكذا صغيرة لا تحتمل الوطء "لا بخلوة" مجردة عن وطء أو استدخال مني ومر بيانها في الصداق فلا عدة فيها "في الجديد" للمفهوم المذكور وما جاء عن عمر وعلي رضي الله عنهما من وجوبها منقطع. "وعدة حرة ذات أقراء" وإن اختلفت وتطاول ما بينها "ثلاثة" من الأقراء وإن استجلبتها بدواء للآية, وكذا لو كانت حاملا من زنا إذ حمل الزنا لا حرمة له ولو جهل حال الحمل ولم يمكن لحوقه بالزوج حمل على أنه من زنا كما نقلاه وأقراه أما إذا أتت به للإمكان منه فيلحقه كما اقتضاه إطلاقهم وصرح به البلقيني وغيره ولم ينتف عنه إلا باللعان ولو أقرت أنها من ذوات الأقراء, ثم كذبت نفسها وزعمت أنها من ذوات الأشهر لم تقبل; لأن قولها الأول يتضمن أن عدتها لا تنقضي بالأشهر فلا يقبل رجوعها عنه بخلاف ما لو قالت لا أحيض زمن الرضاع, ثم أكذبت نفسها وقالت أحيض زمنه فيقبل كما جزم به بعضهم; لأن الثاني متضمن لدعواها الحيض في زمن إمكانه وهي مقبولة وإن خالفت عادتها ولو التحقت حرة ذمية بدار الحرب, ثم استرقت كملت عدة الحرة "والقرء" بضم أوله وفتحه وهو أكثر مشترك بين الحيض والطهر كما حكي عليه إجماع اللغويين لكن المراد هنا "الطهر" المحتوش بدمين كما قاله جماعة من الصحابة رضي الله عنهم إذ القرء الجمع وهو في زمن الطهر أظهر واستعمال قرأ بمعنى غاب نادر. "فإن طلقت طاهرا", وقد بقي من الطهر لحظة "انقضت بالطعن في حيضة ثالثة" لإطلاق القرء على أقل لحظة من الطهر وإن وطئ فيه ولأن إطلاق الثلاثة على اثنين وبعض الثالث سائغ كما في {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] أما إذا لم يبق منه ذلك كأنت طالق آخر طهرك فلا بد من ثلاثة أقراء كوامل "أو" طلقت "حائضا وإن لم يبق من زمن الحيض شيء ف" تنقضي عدتها بالطعن "في" حيضة "رابعة" إذ ما بقي من الحيض لا يحسب قرءا قطعا; لأن الطهر الأخير إنما يتبين كماله بالشروع فيما يعقبه وهو الحيضة الرابعة "وفي قول يشترط يوم وليلة" بعد الطعن في الثالثة في الأولى والرابعة في الثانية إذ لا يتحقق كونه دم حيض إلا بذلك وعلى هذا فهما ليسا من العدة كزمن الطعن على الأول بل ليتبين بهما كمالها فلا يصح فيهما رجعة وينكح نحو أختها وقيل منها "وهل يحسب طهر من لم تحض" أصلا "قرءا" أو لا يحسب "قولان بناء على أن القرء" هل هو "انتقال من طهر إلى حيض" فيحسب "أم" الأفصح أو على كلام فيه مبسوط مر في الوصية بجامع أن الاستفهام هنا لطلب التصديق كهو ثم "طهر محتوش" بفتح الواو "بدمين" حيضين أو نفاسين أو حيض ونفاس فلا يحسب "والثاني" من المبني عليه "أظهر" فيكون الأظهر في المبني عدم حسبانه قرءا فإذا حاضت بعده لم تنقض

 

ج / 3 ص -463-        عدتها إلا بالطعن في الرابعة كمن طلقت في الحيض وذلك لما مر أن القرء الجمع والدم زمن الطهر يتجمع في الرحم وزمن الحيض يتجمع بعضه ويسترسل بعضه إلى أن يندفع الكل وهنا لا جمع ولا ضم ولا يعارض هذا الترجيح ترجيحهم وقوع الطلاق حالا فيما إذا قال لمن لم تحض قط أنت طالق في كل قرء طلقة; لأن القرء اسم للطهر فوقع الطلاق لصدق الاسم, وأما الاحتواش هنا فإنما هو شرط لانقضاء العدة ليغلب ظن البراءة.
"وعدة" حرة أو أمة "مستحاضة" غير متحيرة "بأقرائها المردودة" هي "إليها" حيضا وطهرا فترد معتادة لعادتها فيهما ومميزة لتمييزها كذلك ومبتدأة ليوم وليلة في الحيض وتسع وعشرين في الطهر فعدتها تسعون يوما من ابتداء الدم لاشتماله كل شهر على حيضة وطهر غالبا. "و" عدة حرة "متحيرة بثلاثة أشهر" هلالية نعم إن وقع الفراق أثناء شهر فإن بقي منه أكثر من خمسة عشر يوما حسب قرءا لاشتماله على طهر لا محالة فتعتد بعده بهلالين وإلا ألغي واعتدت من انقضائه بثلاثة أهلة "في الحال" لاشتمال كل شهر على ما ذكر وصبرها لسن اليأس فيه مشقة عظيمة وبه فارق الاحتياط في العبادة إذ لا تعظم مشقته "وقيل" عدتها بالنسبة لحلها للأزواج لا لرجعة وسكنى ثلاثة أشهر "بعد اليأس"; لأنها قبله متوقعة للحيض المتيقن هذا كله إن لم تحفظ قدر دورها وإلا اعتدت بثلاثة أدوار بلغت الثلاثة الأشهر أو لا ولو شكت في قدر دورها لكن قالت أعلم أنه لا يزيد على سنة جعلت السنة دورها على المعتمد في المجموع خلافا لمن اعتمد الثلاثة المذكورة إلا أن تعلم من عادتها ما يقتضي زيادة أو نقصا أما من فيها رق فتعتد بشهرين على الأوجه بناء على أن الأشهر غير متأصلة في حقها هذا إن طلقت أول الشهر وإلا بأن بقي أكثره فبباقيه والثاني أو دون أكثره فبشهرين بعد تلك البقية. "و" عدة أمة حتى "أم ولد ومكاتبة ومن فيها رق" وإن قل "بقرأين"; لأن القن على نصف ما للحر وكمل القرء لتعذر تنصيفه وليس هذا من الأمور الجبلية التي يتساويان فيها; لأن ما زاد على القرء هنا لزيادة الاحتياط والاستظهار وهي مطلوبة في الحرة أكثر فخصت بثلاثة نعم لو تزوج لقيطة, ثم أقرت بالرق, ثم طلقها اعتدت عدة حرة لحقه أو مات عنها اعتدت عدة أمة لحق الله تعالى "وإن عتقت" أمة بسائر أحوالها "في عدة رجعية", وفي نسخ رجعة وهي أوضح; لأن إضافة العدة إلى الرجعية توهم أن الرجعية غيرها "كملت عدة حرة في الأظهر"; لأن الرجعية زوجة في أكثر الأحكام فكأنها عتقت قبل الطلاق "أو" في عدة "بينونة" أو وفاة "ف" لتكمل عدة "أمة في الأظهر"; لأن البائن والتي في حكمها كالأجنبية أما لو عتقت مع العدة كأن علق طلاقها وعتقها بشيء واحد فتعتد عدة حرة قطعا.
"تنبيه" العبرة في كونها حرة أو أمة بظن الواطئ لا بما في الواقع حتى لو وطئ أمة غيره يظنها زوجته الحرة اعتدت بثلاثة أقراء أو حرة يظنها أمته اعتدت بقرء أو زوجته الأمة اعتدت بقرأين; لأن العدة حقه فنيطت بظنه هذا ما قالاه وهو ظاهر وإن اعترض بأن المنقول خلافه ولو وطئ أمته يظن أنه يزني بها اعتدت بقرء ولحقه الولد ولا أثر لظنه هنا

 

ج / 3 ص -464-        لفساده ومن ثم لم يحد كما يأتي لعدم تحقق المفسدة بل ولا يعاقب في الآخرة عقاب الزاني بل دونه كما ذكره ابن عبد السلام وغيره نعم يفسق بذلك كما قاله ابن الصلاح, وكذا كل فعل قدم عليه يظنه معصية فإذا هو غيرها.
"و" عدة "حرة لم تحض" لصغرها أو لعلة أو جبلة منعتها رؤية الدم أصلا أو ولدت ولم تر دما "أو يئست" من الحيض بعد أن رأته "بثلاثة أشهر" بالأهلة للآية هذا إن انطبق الفراق على أول الشهر كأن علق الطلاق به أو بانسلاخ ما قبله "فإن طلقت في أثناء شهر فبعده هلالان ويكمل" الأول "المنكسر" وإن نقص "ثلاثين" يوما من الرابع وفارق ما مر في المتحيرة بأن التكميل ثم لا يحصل الغرض وهو تيقن الطهر بخلافه هنا; لأن الأشهر متأصلة في حق هذه "فإن حاضت فيها" أي أثناء الأشهر "وجبت الأقراء" إجماعا; لأنها الأصل ولم يتم البدل ولا يحسب ما مضى للأولى بأقسامها قرءا كما مر وخرج بفيها بعدها فلا يؤثر الحيض فيه بالنسبة للأولى بأقسامها بخلاف الآيسة كما يأتي. "و" عدة "أمة" يعني من فيها رق لم تحض أو يئست "بشهر ونصف" لإمكان التبعيض هنا بخلاف القرء إذ لا يظهر نصفه إلا بظهور كله فوجب انتظار عود الدم "وفي قول عدتها شهران"; لأنهما بدل القرأين "وفي قول" عدتها "ثلاثة" من الأشهر ورجحه جمع لعموم الآية.
"فرع" أطلق في الروضة أن المجنونة تعتد بالأشهر ويتعين حمله على ما إذا انبهم زمن حيضها ولم يعرف إذ غايتها أنها حينئذ كالمتحيرة أما إذا عرف حيضها فتعتد به.
"ومن انقطع دمها لعلة" تعرف "كرضاع ومرض" وإن لم يرج برؤه على الأوجه خلافا لما اعتمده الزركشي "تصبر حتى تحيض" فتعتد بالأقراء "أو" حتى "تيأس ف" تعتد "بالأشهر" وإن طالت المدة وطال ضررها بالانتظار; لأن عثمان رضي الله عنه حكم بذلك في المرضع رواه البيهقي بل قال الجويني هو كالإجماع من الصحابة رضي الله عنهم "أو" انقطع "لا لعلة" تعرف "فكذا" تصبر لسن اليأس إن لم تحض "في الجديد"; لأنها لرجائها العود كالأولى ولهذه ومن لم تحض أصلا وإن لم تبلغ خمس عشر سنة استعجال الحيض بدواء وزعم أن استعجال التكليف ممنوع ليس في محله كما هو ظاهر "وفي القديم" وهو مذهب مالك وأحمد "تتربص تسعة أشهر", ثم تعتد بثلاثة أشهر ليعرف فراغ الرحم إذ هي غالب مدة الحمل وانتصر له الشافعي بأن عمر قضى به بين المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم ولم ينكر عليه ومن ثم اختاره البلقيني وقيل ثلاثة من التسعة عدتها وبه أفتى البارزي "وفي قول" قديم أيضا تتربص "أربع سنين"; لأنها أكثر مدة الحمل فتتيقن براءة الرحم "ثم" إن لم يظهر حمل "تعتد بالأشهر" كما تعتد بالأقراء المعلق طلاقها بالولادة مع تيقن براءة رحمها. "فعلى الجديد لو حاضت بعد اليأس في الأشهر" الثلاثة "وجبت الأقراء"; لأنها الأصل ولم يتم البدل ويحسب ما مضى قرءا قطعا لاحتواشه بدمين "أو" حاضت "بعدها" أي: الأشهر الثلاثة "فأقوال أظهرها إن نكحت" زوجا آخر "فلا شيء" عليها; لأن عدتها انقضت ظاهرا ولا ريبة مع تعلق حق الزوج بها

 

ج / 3 ص -465-        "وإلا" تكن نكحت "فالأقراء" تجب عليها; لأنه بان أنها غير آيسة وأنها ممن يحضن مع عدم تعلق حق بها ويؤخذ من قولهم الآتي ويعتبر بعد ذلك بها غيرها أن هذا التفصيل يجري في غيرها فإذا صار أعلى اليأس في حق امرأة سبعين مثلا, ثم بلغ ذلك غيرها ممن اعتددن بعد سن اليأس الذي هو اثنان وستون بالأشهر فإن كان ذلك قبل أن ينكحن أعدن العدة بالأشهر بعد السبعين وبان أن العدة الأولى وقعت في غير محلها لقولهم; لأنه بان أنها غير آيسة إلى آخره أي لما علم أن جميع النساء بعد بلوغ الخبر صرن كالمرأة الواحدة في إعطائهن حكم ذات الدم كما ذكر أو بعد أن ينكحن صح نكاحهن ولم يحكم عليهن بهذا الذي ثبت لنظير قولهم; لأن عدتها انقضت إلخ نعم يتردد النظر هنا في أن العبرة في بلوغ ذلك لهن بزمن انقطاع دم التي رأت حتى ينظر أن النكاح وقع قبله أم بعده أو بزمن بلوغ الخبر, كل محتمل وقياس تقريبهم الخلاف هنا به فيما لو باع مال أبيه ظانا حياته فبان موته الأول اعتبارا بما في نفس الأمر, وفي أن العبرة في البلوغ بثبوت أن المرئي حيض وأنه في زمن سنها فيه كذا وأنه انقطع لزمن كذا أو يكفي إخبار التي رأت بذلك كله, كل محتمل أيضا والذي يتجه الأول أخذا من قولهم في الطلاق المعلق بحيض الضرة أنه لا يقبل قول المعلق بحيضها في حق غيرها لإمكان إقامة البينة على الحيض كما مر فكذا هنا لا يقبل قولها في حق غيرها لهذا الإمكان نعم يظهر أن من صدقها يقبل قولها في حقه بالنسبة لما يتعلق بها دون زوجها ونحوه فتأمل ذلك كله فإنه مهم ولم أر من نبه على شيء منه. "والمعتبر" في اليأس على الجديد "يأس عشيرتها" أي نساء أقاربها من الأبوين الأقرب إليها فالأقرب لتقاربهن طبعا وخلقا وبه فارق اعتبار نساء العصبة في مهر المثل; لأنه لشرف النسب وخسته ويعتبر أقلهن عادة وقيل أكثرهن ورجحه في المطلب ومن لا قريبة لها تعتبر بما في قوله "وفي قوله" يأس "كل النساء" في كل الأزمنة باعتبار ما يبلغنا خبره ويعرف "قلت ذا القول أظهر والله أعلم"; لأن مبنى العدة على الاحتياط وطلب اليقين وحددوه باعتبار ما بلغهم باثنتين وستين سنة, وفيه أقوال أخر أقصاها خمس وثمانون وأدناها خمسون وتفصيل طرو الحيض المذكور يجري نظيره في الأمة أيضا.
"تنبيه" رأت بعد سن اليأس دما وأمكن كونه حيضا صار أعلى اليأس زمن انقطاعه الذي لا عود بعده ويعتبر بعد ذلك بها غيرها كذا قالوه هنا, وفيه إشكال مر مع جوابه أول الحيض وهل يقبل قول المرأة أنها بلغت سن اليأس حتى تعتد بالأشهر أو لا بد من بينة به جزم بعضهم بالأول فقال تحلف على ذلك, وفيه نظر وقياس قولهم لا يقبل قول الإنسان أنه بلغ بالسن إلا ببينة لتيسرها أي غالبا أن هذا كذلك وإن أمكن أن يتكلف فرق بينهما إذ الشارع جعلها أمينة في جنس العدة دون البلوغ بالسن.

فصل
"عدة الحامل" الحرة والأمة عن فراق حي أو ميت "بوضعه" أي الحمل للآية "بشرط

 

ج / 3 ص -466-        نسبته إلى ذي العدة" من زوج أو واطئ بشبهة "ولو احتمالا كمنفي بلعان" وهو حمل; لأن نفيه عنه غير قطعي لاحتمال كذبه ومن ثم لو استلحقه لحقه أما إذا لم يمكن كونه منه كصبي لم يبلغ تسع سنين وممسوح ذكره وأنثياه مطلقا أو ذكره فقط ولم يمكن أن تستدخل منيه وإلا لحقه وإن لم يثبت الاستدخال وعلى هذا التفصيل يحمل بحث البلقيني اللحوق وغيره عدمه ومولود لدون ستة أشهر من العقد فلا تنقضي به "و" بشرط "انفصال كله" فلا أثر لخروج بعضه واحتاج لهذا مع قوله أولا بوضعه الصريح في وضع كله لاحتماله للشرطية ومجرد التصوير وزعم أنه لا يقال وضعت إلا إذا انفصل كله مردود "حتى تأتي توأمين"; لأنهما حمل واحد كما مر واعلم أن التوم بلا همز اسم لمجموع الولدين فأكثر في بطن واحد من جميع الحيوان ويهمز كرجل توأم وامرأة توأمة مفرد وتثنيته توأمان كما في المتن واعتراضه بأنه لا تثنية له وهم لما علمت من الفرق بين التوم بلا همز والتوأم بالهمز وأن تثنية المتن إنما هي للمهموز لا غير "ومتى تخلل دون ستة أشهر فتوأمان" أو ستة فلا بل هما حملان وإلحاق الغزالي الستة بما دونها غلطه فيه الرافعي ولك أن تقول لا غلط; لأنه لا بد من لحظة للوطء أو الاستدخال عقب وضع الأول حتى يكون منه هذا الحمل الثاني وذلك يستدعي ستة أشهر ولحظة فحيث انتفت اللحظة لزم نقص الستة ويلزم من نقصها لحوق الثاني بذي العدة وتوقف انقضائها عليه فإن قلت يمكن مقارنة الوطء أو الاستدخال للوضع فلا يحتاج لتقدير تلك اللحظة قلت هذا في غاية الندور مع أنه يلزم عليه انتفاء الثاني عن ذي العدة مع إمكان كونه منه المصحوب بالغالب كما علمت فلم يجز نفيه عنه مراعاة لذلك الأمر النادر إذ النسب يحتاط له ويكتفى فيه بمجرد الإمكان فتأمله ليندفع به ما وقع هنا لشارح وغيره فيلحق الثاني بذي العدة; لأنه يكتفى في الإلحاق بمجرد الإمكان ويلزم من لحوقه به توقف انقضاء العدة على وضعه. "وتنقضي" العدة "بميت" لإطلاق الآية "لا علقة"; لأنها تسمى دما لا حملا ولا يعلم كونها أصل آدمي "و" تنقضي "بمضغة فيها صورة آدمي خفية" على غير القوابل "أخبر بها" بطريق الجزم أهل الخبرة ومنهم "القوابل"; لأنها حينئذ تسمى حملا وعبروا بأخبر; لأنه يشترط لفظ شهادة إلا إذا وجدت دعوى عند قاض أو محكم وإذا اكتفي في الإخبار بالنسبة للباطن فليكتف بقابلة كما هو ظاهر أخذا من قولهم لمن غاب زوجها فأخبرها عدل بموته أن تتزوج باطنا "فإن لم يكن" فيها "صورة" خفية "و" لكن "قلن" أي القوابل مثلا لا مع تردد "هي أصل آدمي" ولو بقيت تخلقت "انقضت" العدة بوضعها أيضا "على المذهب" لتيقن براءة الرحم بها كالدم بل أولى وإنما لم يعتد بها في الغرة وأمية الولد; لأن مدارهما على ما يسمى ولدا.
"فرع" اختلفوا في التسبب لإسقاط ما لم يصل لحد نفخ الروح فيه وهو مائة وعشرون يوما والذي يتجه وفاقا لابن العماد وغيره الحرمة ولا يشكل عليه جواز العزل لوضوح الفرق بينهما بأن المني حال نزوله محض جماد لم يتهيأ للحياة بوجه بخلافه بعد استقراره في الرحم وأخذه في مبادئ التخلق ويعرف ذلك بالأمارات, وفي حديث مسلم أنه يكون

 

ج / 3 ص -467-        بعد اثنتين وأربعين ليلة أي ابتداؤه كما مر في الرجعة ويحرم استعمال ما يقطع الحبل من أصله كما صرح به كثيرون وهو ظاهر.
"ولو ظهر في عدة أقراء أو أشهر" أو بعدها "حمل للزوج اعتدت بوضعه"; لأنه أقوى بدلالته على البراءة قطعا. "ولو ارتابت" أي شكت في أنها حامل لوجود نحو ثقل أو حركة "فيها" أي العدة بأقراء أو أشهر "لم تنكح" آخر بعد الأقراء أو الأشهر "حتى تزول الريبة" بأمارة قوية على عدم الحمل ويرجع فيها للقوابل وذلك; لأن العدة قد لزمتها بيقين فلا تخرج عنها إلا بيقين فإن نكحت مرتابة فباطل كذا عبرا به قال الإسنوي والمراد باطل ظاهرا فإن بان عدم الحمل فالقياس الصحة كما لو باع مال أبيه ظانا حياته فبان ميتا انتهى وكون القياس ذلك واضح كما قدمته مع زيادة فروع وبيان في بحث أركان النكاح ومما يصرح به ما يأتي في زوجة المفقود المبطل لكون المانع فيها وهو النكاح المحقق الذي الأصل بقاؤه أقوى الفرق بأن الشك هنا في حل المنكوحة وبأن العدة لزمتها هنا ظاهرا وذلك; لأن كلا من هذين غفلة عما ذكروه فيها من النظر لما في نفس الأمر مع الشك في حلها وقوة النكاح المانع لذلك ظاهرا "أو" ارتابت "بعدها" أي العدة "وبعد نكاح" لآخر "استمر" النكاح لوقوعه صحيحا ظاهرا فلا يبطل إلا بيقين "إلا أن تلد لدون ستة أشهر من" إمكان العلوق بعد "عقده" فلا يستمر لتحقق المبطل حينئذ فيحكم ببطلانه وبأن الولد للأول إن أمكن كونه منه أما إذا ولدت لستة أشهر فأكثر فالولد للثاني; لأن فراشه ناجز ونكاحه قد صح ظاهرا فلم ينظر لإمكانه من الأول لئلا يبطل ما صح بمجرد الاحتمال وهل يعتبر هنا لحظة يحتمل لا احتياطا للنسب الناجز لإمكانه وكالثاني فيما ذكر وطء الشبهة بعد العدة فيلحقه الولد إذا أمكن منه وإن أمكن من الأول أيضا لانقطاع النكاح والعدة عنه ظاهرا "أو" ارتابت "بعدها قبل نكاح فلتصبر" ندبا وإلا كره وقيل وجوبا "لزوال الريبة" احتياطا "فإن نكحت" ولم تصبر لذلك "فالمذهب عدم إبطاله" أي النكاح "في الحال"; لأنا لم نتحقق المبطل "فإن علم مقتضيه" أي البطلان بأن ولدت لدون ستة أشهر مما مر "أبطلناه" أي حكمنا ببطلانه لتبين فساده وإلا فلا ولو راجعها وقت الريبة وقفت الرجعة فإن بان حمل صحت وإلا فلا. "ولو أبانها" أي زوجته بخلع أو ثلاث ولم ينف الحمل "فولدت لأربع سنين" فأقل ولم تتزوج بغيره أو تزوجت بغيره ولم يمكن كون الولد من الثاني "لحقه" وبان وجوب سكناها ونفقتها وإن أقرت بانقضاء العدة لقيام الإمكان إذ أكثر مدة الحمل أربع سنين بالاستقراء وابتداؤها من وقت إمكان الوطء قبل الفراق فإطلاقهم أنه من الطلاق محمول على ما إذا قارنه الوطء بتنجيز أو تعليق والحاصل أن الأربع متى حسب منها لحظة الوطء أو لحظة الوضع كان لها حكم ما دونها ومتى زاد عليها كان لها حكم ما فوقها ولم ينظروا هنا لغلبة الفساد على النساء; لأن الفراش قرينة ظاهرة ولم يتحقق انقطاعه مع الاحتياط للأنساب بالاكتفاء فيها بالإمكان "أو" ولدت "لأكثر" من أربع سنين مما ذكر "فلا" يلحقه لعدم الإمكان وذكرت تتميما للتقسيم فلا تكرار في تقدمها في اللعان. "ولو طلق" ها "رجعيا" فأتت بولد لأربع

 

ج / 3 ص -468-        سنين لحقه وبان وجوب نفقتها وسكناها أو لأكثر فلا وحذف هذا لعلمه مما قبله بالأولى; لأنه إذا ثبت ذلك في البائن ففي الرجعية التي هي زوجة في أكثر الأحكام أولى و "حسبت المدة من الطلاق" إن قارنه الوطء وإلا فمن إمكان الوطء قبله وحذف هذا من البائن لعلمه مما هنا بالأولى لأنه إذا حسب من الطلاق مع أنها في حكم الزوجة فالبائن أولى ومن ثم وقع خلاف في الرجعية فقط كما قال "وفي قول" ابتداؤها "من انصرام العدة"; لأنها كالمنكوحة وبما قررته في عبارته يعلم زيف ما اعترض به عليها وأنها من محاسن عباراته البليغة لما اشتملت عليه من الحذف من الأول لدلالة الثاني عليه ومن الثاني لدلالة الأول عليه وأن هاتين الدلالتين من دلالة الفحوى التي هي من أقوى الدلالات فتأمله فإن قلت في الرجعية وجه أنه يلحقه من غير تقدير مدة فمن أين يؤخذ من المتن رد هذا قلت من قوله المدة بأل العهدية المصرحة بأن الأربع تعتبر فيها أيضا. "ولو نكحت بعد العدة" آخر أو وطئت بشبهة "فولدت لدون ستة أشهر" من إمكان العلوق بعد العقد ومن وطء الشبهة "فكأنها لم تنكح" ولم توطأ ويكون الولد للأول إن كان لأربع سنين فأقل من طلاقه أو إمكان وطئه قبله نظير ما مر لانحصار الإمكان فيه "وإن كان" وضع الولد "لستة" من الأشهر مما ذكر "فالولد للثاني" لقيام فراشه وإن أمكن كونه من الأول. "ولو نكحت" آخر "في العدة" نكاحا "فاسدا" وهو جاهل بالعدة أو بالتحريم وعذر لنحو بعده عن العلماء وإلا فهو زان لا نظر إليه مطلقا وكالنكاح الفاسد في تفصيله الآتي وطء الشبهة "فولدت للإمكان من الأول" وحده بأن ولدته لأربع سنين فأقل مما مر ولدون ستة أشهر من وطء الثاني "لحقه وانقضت عدتها بوضعه, ثم تعتد" ثانيا "للثاني"; لأن وطأه شبهة "أو" ولدت "للإمكان من الثاني" وحده بأن ولدته لأكثر من أربع سنين من إمكان العلوق قبل فراق الأول ولستة أشهر فأكثر من وطء الثاني "لحقه" وإن كان طلاق الأول رجعيا على أحد قولين لم يرجحا منهما شيئا لكن الذي اعتمده البلقيني ونقله عن نص الأم أنه إذا كان طلاقه رجعيا يعرض على القائف كما في قوله "أو" أتت به للإمكان "منهما" بأن كان لأربع سنين من الأول ولستة أشهر فأكثر من الثاني "عرض على قائف فإن ألحقه بأحدهما فكالإمكان منه فقط", وقد علم حكمه أو بهما أو توقف أو فقد كأن كان بمسافة القصر انتظر بلوغ الولد وانتسابه بنفسه أما إذا لم يمكن من واحد منهما كأن كان لدون ستة من وطء الثاني وفوق أربع من نحو طلاق الأول فهو منفي عنهما وخرج بفاسدا نكاح الكفار إذا اعتقدوا صحته فإذا أمكن منهما فهو للثاني بلا قائف.

فصل في تداخل العدتين
إذا "لزمها" ف "عدتا شخص" واحد "من جنس" واحد "بأن" بمعنى كان "طلق, ثم وطئ" رجعية أو بائنا "في عدة" غير حمل من "أقراء أو أشهر" ولم تحبل من وطئه "جاهلا" بأنها المطلقة أو بتحريم وطء المعتدة وعذر لنحو بعده عن العلماء "أو عالما" بذلك "في

 

ج / 3 ص -469-        رجعية" لا بائن; لأنه زان "تداخلتا" أي عدتا الطلاق والوطء "فتبتدئ عدة" بأقراء أو أشهر "من" فراغ "الوطء ويدخل فيها بقية عدة الطلاق" وهذه البقية واقعة عن الجهتين; فله الرجعة في الرجعي فيها إجماعا على ما حكاه العبادي دون ما بعدها. "فإن" كانتا من جنسين كان "كانت إحداهما حملا والأخرى أقراء" كأن حبلت من وطئه في العدة بالأقراء أو طلقها حاملا, ثم وطئها قبل الوضع وهي ممن تحيض حاملا "تداخلتا في الأصح" أي دخلت الأقراء في الحمل وإن لم تتم الأقراء قبل الوضع على المعتمد خلافا لما يوهمه كلام الروضة وإن اغتر به غير واحد من الشراح وغيرهم; لأن كلامها مفرع على ضعيف كما بينه النسائي وغيره لاتحاد صاحبهما مع أن العلم باشتغال الرحم منع الاعتداد بها لانتفاء فائدتها من كونها مظنة للدلالة على البراءة "فينقضيان بوضعه" ويكون واقعا عنهما "و" من ثم جاز له أنه "يراجع قبله" في الرجعي وإن كان الحمل من الوطء الذي في العدة لا بعده مطلقا "وقيل إن كان الحمل من الوطء فلا" يراجع لوقوعه عنه فقط ويرده ما تقرر. "أو" لزمها عدتان "لشخصين بأن" أي كان "كانت في عدة زوج أو" وطء "شبهة فوطئت" من آخر "بشبهة أو نكاح فاسد" عطف أخص; لأنه من جملة الشبهة ووجهه خفاء كونه منها "أو كانت زوجة معتدة عن شبهة فطلقت فلا تداخل" لتعدد المستحق بل تعتد لكل منهما عدة كاملة كما جاء عن علي وغيره ولا يعرف لهما مخالف من الصحابة وما نقل عن ابن مسعود مما يخالف ذلك لم يثبت نعم إن كانا حربيين فأسلمت مع الثاني أو أمنا فترافعا إلينا لغت على المعتمد بقية عدة الأول وتكفيها واحدة من حين وطء الثاني لضعف حق الحربي وإن نازع فيه البلقيني. "فإن كان" أي وجد "حمل" من أحدهما "قدمت عدته" وإن تأخر; لأنها لا تقبل التأخير ففيما إذا كان من المطلق, ثم وطئت بشبهة تنقضي عدة الطلاق بوضعه, ثم بعد مضي زمن النفاس تعتد بالأقراء للشبهة وله الرجعة قبل الوضع لا وقت وطء الشبهة بعقد أو غيره أي لا في حال بقاء فراش واطئها بإن لم يفرق بينهما, وكذا فيما يأتي وسيعلم مما يأتي أن نيته عدم العود إليها كالتفريق وذلك; لأنها خرجت بصيرورتها فراشا للواطئ عن عدة المطلق واستشكله البلقيني بأن هذا لا يزيد على ما يأتي أن حمل وطء الشبهة لا يمنع الرجعة ويجاب بمنع ما ذكره بل يزيد عليه إذ مجرد وجود الحمل أثر عن الاستفراش ولا شك أن المؤثر أقوى فلم يلزم من منعه للرجعة منع أثره لها لضعفه بالنسبة إليه, وفي عكس ذلك تنقضي عدة الشبهة بوضعه, ثم تعتد أو تكمل للطلاق وله الرجعة قبل وضع وبعده إلى انقضاء عدته لا تجديد قبل وضع على المعتمد وفارق الرجعة بأنه ابتداء نكاح فلم يصح في عدة الغير وهي شبيهة باستدامة النكاح فاحتمل وقوعها في عدة الغير وظاهر كلامهم أن له التجديد بعد الوضع في زمن النفاس مع أنه من غير عدته ويوجه بأن المحذور كونها في عدة الغير, وقد انتفى ذلك. "وإلا" يكن حمل "فإن سبق الطلاق" وطء الشبهة "أتمت عدته" لسبقها "ثم" عقب عدة الطلاق "استأنفت" العدة "الأخرى" التي للشبهة "وله" استئناف غير مقيد بما قبله من عدم حمل وسبق طلاق "الرجعة في عدته"

 

ج / 3 ص -470-        لا وقت وطء الشبهة نظير ما مر "فإذا راجع" وثم حمل أولا "انقطعت" عدة الطلاق "وشرعت" عقب الرجعة حيث لا حمل منه وإلا فعقب زمن النفاس وله التمتع بها قبل شروعها "في عدة الشبهة" بأن تستأنفها إن سبقت الطلاق وتتمها إن سبقته "ولا يستمتع بها" أي الموطوءة بشبهة مطلقا ما دامت في عدة الشبهة حملا كانت أو غيره "حتى تقضيها" بوضع أو غيره لاختلال النكاح بتعلق حق الغير بها ومنه يؤخذ أنه يحرم عليه نظرها ولو بلا شهوة والخلوة بها. "وإن سبقت الشبهة" الطلاق "قدمت عدة الطلاق"; لأنها أقوى باستنادها لعقد جائز "وقيل" تقدم عدة "الشبهة" لسبقها, وفي وطء بنكاح فاسد ووطء بشبهة أخرى ولا حمل يقدم الأسبق من التفريق بالنسبة للنكاح ومن الوطء بالنسبة للشبهة.

فصل في حكم معاشرة المفارق للمعتدة
"عاشرها" أي المفارقة بطلاق أو فسخ معاشرة "ك" معاشرة "زوج" لزوجته بأن كان يختلي بها ويتمكن منها ولو في بعض الزمن "بلا وطء" أو معه والتقييد بعده إنما هو لجريان الأوجه الآتية كما يفهمه عللها "في عدة" غير حمل من "أقراء أو أشهر فأوجه" ثلاثة أولها تنقضي مطلقا ثانيها لا مطلقا ثالثها وهو "أصحها إن كانت بائنا انقضت" عدتها مع ذلك إذ لا شبهة لفراشه ومن ثم لو وجدت بأن جهل ذلك وعذر لم تنقض كالرجعية في قوله "وإلا" تكن بائنا "فلا" تنقضي لكن إذا زالت المعاشرة بأن نوى أنه لا يعود إليها فما دام ناويها فهي باقية فيما يظهر كملت على ما مضى وذلك لشبهة الفراش كما لو نكحها جاهلا في العدة لا يحسب زمن استفراشه عنها بل تنقطع من حين الخلوة ولا يبطل بها ما مضى فتبني عليه إذا زالت ولا تحسب الأوقات المتخللة بين الخلوات "و" في هذه "لا رجعة" له عليها "بعد" مضي "الأقراء أو الأشهر" وإن لم تنقض عدتها "قلت ويلحقها الطلاق إلى انقضاء العدة" احتياطا فيهما وتغليظا عليه لتقصيره وبه يندفع ما أطال به جمع هنا وقضية تعبيرهم ببقاء العدة بقاء التوارث بينهما وإن تردد فيه الزركشي وغيره ومؤنتها عليه إلى انقضائها وعليه يفرق بينهما وبين الرجعة بأنهم غلبوا فيها كونها ابتداء نكاح في مسائل فاحتيط لها بامتناعها عند مضي صورة العدة بخلاف نحو التوارث والنفقة فإنها محض آثار مترتبة على النكاح الأول فلم تنقطع بمضي مجرد صورة العدة لكن الذي رجحه البلقيني أنه لا مؤنة لها وجزم به غيره فقال لا توارث بينهما ولا يصح إيلاء منها ولا ظهار ولا لعان ولا مؤنة لها ويجب لها السكنى; لأنها بائن إلا في الطلاق ولا يحد بوطئها انتهى.
"ولو عاشرها أجنبي" فيها بغير شبهة ولا وطء كمعاشرة الزوج "انقضت" العدة "والله أعلم" لعدم الشبهة أما إذا عاشرها بشبهة كأن كان سيدها فهو كمعاشرة الرجعية, وأما إذا عاشرها بوطء فإن كان زنا لم يؤثر أو بشبهة فهو كما في قوله الآتي ولو نكح معتدة إلى آخره وخرج بأقراء أو أشهر عدة الحمل فتنقضي بوضعه مطلقا لتعذر قطعها. "ولو

 

ج / 3 ص -471-        نكح معتدة" لغيره "بظن الصحة ووطئ انقطعت" عدتها "من حين وطئ" لحصول الفراش بوطئه بخلاف ما إذا لم يطأ فلا تنقطع وإن عاشرها لانتفاء الفراش إذ مجرد العقد الفاسد لا حرمة له "وفي قول أو وجه" وهو الأثبت ومن ثم جزم به في الروضة تنقطع "من" حين "العقد" لإعراضها به عن الأولى. "ولو راجع حائلا, ثم طلق" ها "استأنفت" العدة وإن لم يطأها بعد الرجعة لعودها بها للنكاح الذي وطئت فيه "وفي القديم" وحكى جديدا "تبني إن لم يطأ" ها بعد الرجعة وخرج براجع, ثم طلق طلاقه الرجعية في عدتها فإنها تبني على العدة الأولى. "أو" راجع "حاملا, ثم طلق" ها "فبالوضع" تنقضي عدتها وإن وطئ بعد الرجعة لإطلاق الآية "فلو وضعت" بعد الرجعة "ثم طلق" ها "استأنفت" عدة وإن لم يطأ بعد الرجعة لما مر أنها بها عادت لما وطئت فيه "وقيل إن لم يطأ" ها "بعد الوضع" ولا قبله "فلا عدة ولو خالع موطوءة, ثم نكحها" في العدة "ثم وط" ئها "ثم طلق استأنفت" عدة لأجل الوطء "ودخل فيها البقية" من العدة الأولى ولو فرض بقية شيء منها وإلا فهي قد ارتفعت من أصلها بالنكاح والوطء بعده ومن ثم لو لم يوجد وطء بنت على ما سبق من الأولى وأكملتها ولا عدة لهذا الطلاق; لأنه قبل الوطء.

فصل في الضرب الثاني من الضربين السابقين أول الباب وهو عدة الوفاة
واكتفى عن التصريح به وبوجوبه اتكالا على شهرة ذلك ووضوحه, وفي المفقود, وفي الإحداد "عدة حرة حائل" أو حامل بحمل لا يلحق ذا العدة كما يعلم مما سيذكره "لوفاة" لزوج "وإن لم توطأ" لصغر أو غيره وإن كانت ذات أقراء "أربعة أشهر وعشرة أيام بلياليها" للكتاب والسنة والإجماع إلا في اليوم العاشر نظر إلى أن عشرا إنما يكون للمؤنث وهو الليالي لا غير وردوه بأنه يستعمل فيهما وحذف التاء إنما هو لتغليب الليالي أي لسبقها ولأن القصد بها التفجع وكأن حكمة هذا العدد ما مر أن النساء لا يصبرن عن الزوج أكثر من أربعة أشهر فجعلت مدة تفجعهن وزيدت العشر استظهارا, ثم رأيت شرح مسلم ذكر أن حكمة ذلك أن الأربعة بها يتحرك الحمل وتنفخ الروح وذلك يستدعي ظهور حمل إن كان وتعتبر الأربعة بالأهلة ما لم يمت أثناء شهر, وقد بقي منه أكثر من عشرة أيام فحينئذ ثلاثة بالأهلة وتكمل من الرابع ما يكمل أربعين يوما ولو جهلت الأهلة حسبتها كاملة. "و" عدة "أمة" حائل أو حامل بمن لا يلحقه أي من فيها رق قل أو كثر بأي صفة كانت "نصفها" وهو شهران هلاليان بقيده السابق وخمسة أيام بلياليها على النصف نظير ما مر في الثلاثة الأشهر وبحث الزركشي وغيره أن قياس ما مر أنه لو ظنها زوجته الحرة لزمها أربعة أشهر وعشر ويرد بأن عدة الوفاة لا تتوقف على الوطء فلم يؤثر فيها الظن عنده وبه يفرق بين هذا وما مر. "وإن مات عن رجعية انتقلت إلى" عدة "وفاة" وسقطت بقية عدة الطلاق فتحد وتسقط نفقتها "أو" عن "بائن" كمفسوخ نكاحها كأن اشترى زوجته, ثم مات عقب الشراء "فلا" تنتقل بل تكمل عدة الطلاق أو الفسخ; لأنها ليست زوجة فلا تحد ولها النفقة إن كانت حاملا.

 

ج / 3 ص -472-        "فرع" قال الزركشي علق الطلاق بموته ومات فالظاهر أنها تعتد عدة الوفاة وإن أوقعنا الطلاق قبيل الموت ولا ترث احتياطا في الموضعين انتهى, وفيه نظر والذي مر أنه لا طلاق هنا فتعتد عدة الوفاة وترث.
"و" عدة "حامل بوضعه" للآية "بشرطه السابق" وهو انفصال كله وإمكان نسبته للميت ولو احتمالا "فلو مات صبي" لا يمكن إنزاله "عن حامل فبالأشهر" عدتها للقطع بانتفاء الحمل عنه", وكذا ممسوح" ذكره وأنثياه مات عن حامل فعدتها بالأشهر لا بالحمل "إذ لا يلحقه" الولد "على المذهب" لتعذر إنزاله بفقد أنثييه ولأنه لم يعهد لمثله ولادة "ويلحق" الولد "مجبوبا بقي أنثياه", وقد أمكن استدخالها لمنيه وإن لم يثبت كما مر لبقاء أوعية المني "فتعتد" زوجته "به" أي بوضعه لوفاته", وكذا مسلول" خصيتاه "بقي ذكره" فيلحقه الولد وتعتد زوجته "به" أي بوضعه "على المذهب"; لأنه قد يبالغ في الإيلاج فينزل ماء رقيقا وكون الخصية اليمنى للمني واليسرى للشعر لعله إن صح أغلبي وإلا فقد رأينا من ليس له إلا يسرى وله مني كثير وشعر كذلك. "ولو طلق إحدى امرأتيه" كإحداكما طالق ونوى معينة منهما أو لم ينو شيئا "ومات قبل بيان" للمعينة "أو تعيين" للمبهمة "فإن كان لم يطأ" واحدة منهما أو وطئ واحدة فقط وهي ذات أشهر مطلقا أو ذات أقراء في طلاق رجعي كما يعلم مما سيذكره "اعتدتا لوفاة" احتياطا إذ كل منهما يحتمل أنها فورقت بطلاق فلا يجب شيء على غير الموطوءة أو موت فتجب عدته", وكذا إن وطئ" كلا منهما "وهما ذواتا أشهر" والطلاق بائن أو رجعي "أو" ذواتا "أقراء والطلاق رجعي" فتعتد كل عدة الوفاة وإن احتمل خلافها; لأنها الأحوط هنا أيضا على أن الرجعية تنتقل لعدة الوفاة كما مر "فإن كان" الطلاق في ذواتي الأقراء "بائنا", وقد وطئهما أو إحداهما "اعتدت كل واحدة" منهما في الأولى والموطوءة منهما في الثانية "بأكثر من عدة وفاة وثلاثة من أقرائها" لوجوب أحدهما عليها يقينا, وقد اشتبه فوجب الأحوط وهو الأكثر كمن لزمه إحدى صلاتين وشك في عينها يلزمه أن يأتي بهما وتعتد غير الموطوءة في الثانية لوفاة. "وعدة الوفاة" ابتداؤها "من" حين "الموت والأقراء" ابتداؤها "من" حين "الطلاق" ولا نظر إلى أن عدة المبهمة من التعيين; لأنه لما أيس منه لموته اعتبر السبب الذي هو الطلاق, فلو مضى قبل الموت قرءان مثلا اعتدت بالأكثر من القرء الباقي وعدة الوفاة. "ومن غاب" بسفر أو غيره "وانقطع خبره ليس لزوجته نكاح حتى يتيقن" أي يظن بحجة كاستفاضة وحكم بموته "موته أو طلاقه" أو نحوهما كردته قبل الوطء أو بعده بشرطه, ثم تعتد; لأن الأصل بقاء الحياة والنكاح مع ثبوته بيقين فلم يزل إلا به أو بما ألحق به ولأن ماله لا يورث وأم ولده لا تعتق فكذا زوجته نعم لو أخبرها عدل ولو عدل رواية بأحدهما حل لها باطنا أن تنكح غيره ولا تقر عليه ظاهرا خلافا لبعضهم ويقاس بذلك فقد الزوجة بالنسبة لنحو أختها أو خامسة إذا لم يرد طلاقها "وفي القديم تتربص أربع سنين" قيل من حين فقده والأصح من حين ضرب القاضي فلا يعتد بما مضى قبله "ثم تعتد لوفاة وتنكح" بعدها اتباعا لقضاء عمر رضي الله عنه بذلك

 

ج / 3 ص -473-        واعتبرت الأربع; لأنها أكثر مدة الحمل "فلو حكم بالقديم قاض نقض" حكمه "على الجديد في الأصح" لمخالفته القياس الجلي; لأنه جعله ميتا في النكاح دون قسمة المال الذي هو دون النكاح في طلب الاحتياط ووجه عدم النقض الآتي في القضاء عندي أظهر لوضوح الفرق إذ المال لا ضرر على الوارث بتأخير قسمته ولو فقيرا; لأن وجوده لا يمنعه من تحصيل غيره بكسب أو اقتراض مثلا فضرره يمكنه دفعه بخلاف الزوجة فإنها لا تقدر على دفع ضرر فقد الزوج بوجه فجاز فيها ذلك دفعا لعظم الضرر الذي لا يمكن تداركه, وفي نفوذ القضاء به وجهان صحح الإسنوي نفوذه ظاهرا وباطنا كسائر المختلف فيه ويظهر أن هذا إنما يتأتى على عدم النقض أما على النقض فلا ينفذ مطلقا لقول السبكي وغيره يمتنع التقليد فيما ينقض. "ولو نكحت بعد التربص والعدة" تصوير إذ المدار في الصحة على نكاحها بعد العدة "فبان" الزوج "ميتا" قبل نكاحها بقدر العدة "صح" النكاح "على الجديد" أيضا "في الأصح" اعتبارا بما في نفس الأمر كما مر آنفا بما فيه أما إذا بان حيا فهي له وإن تزوجت بغيره وحكم به حاكم لكن لا يتمتع بها حتى تعتد للثاني; لأن وطأه بشبهة. "ويجب الإحداد على معتدة وفاة" بأي وصف كانت للخبر المتفق عليه "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا" أي فإنه يحل لها الإحداد عليه هذه المدة أي يجب; لأن ما جاز بعد امتناعه وجب وللإجماع على إرادته إلا ما حكي عن الحسن البصري وذكر الأيمان للغالب أو; لأنه أبعث على الامتثال وإلا فمن لها أمان يلزمها ذلك أيضا ويلزم الولي أمر موليته به وعدل عن قول غيره المتوفى عنها ليشمل حاملا من شبهة حالة الموت فلا يلزمها إحداد حالة الحمل الواقع عن الشبهة بل بعد وضعه ولو أحبلها بشبهة, ثم تزوجها, ثم مات اعتدت بالوضع عنهما على أحد وجهين رجح ولا يرد على المتن; لأنه يصدق على ما بقي أنه عدة وفاة فلزمها الإحداد فيها وإن شاركتها الشبهة "لا" على "رجعية" لبقاء معظم أحكام النكاح لها وعليها بل قال بعض الأصحاب الأولى أن تتزين بما يدعوه لرجعتها وبفرض صحته وإلا فالمنقول عن الشافعي ندب الإحداد لها فمحله إن رجت عوده بالتزين ولم يتوهم أنه لفرحها بطلاقه.
"ويستحب" الإحداد "لبائن" بخلع أو ثلاث أو فسخ لئلا يفضي تزينها لفسادها "وفي قول يجب" عليها كالمتوفى عنها وفرق الأول بأنها مجفوة بالفراق فلم يناسب حالها وجوبه بخلاف تلك قيل قضية الخبر تحريمه عليها ولم يقولوا به انتهى وليس قضيته ذلك كما هو واضح من جعل المقسم الإحداد على الميت. "وهو" أي الإحداد من أحد ويقال فيه الحداد من حد لغة المنع ويروى بالجيم وهو القطع واصطلاحا هنا "ترك لبس مصبوغ" بما يقصد "لزينة وإن خشن" للنهي الصحيح عنه كالاكتحال والتطيب والاختضاب والتحلي وذكر المعصفر والمصبوغ بالمغرة بفتح أوله في رواية من باب ذكر بعض أفراد العام على أنه لبيان أن الصبغ لا بد أن يكون لزينة "وقيل يحل" لبس "ما صبغ غزله, ثم نسج" للإذن في ثوب العصب في رواية وهو بفتح فسكون للمهملتين نوع من

 

ج / 3 ص -474-        البرود يصبغ, ثم ينسج وأجيب بأنه نهي عنه في أخرى فتعارضتا والمعنى يرجح أنه لا فرق بل هذا أبلغ في الزينة إذ لا يصبغ أولا إلا رفيع الثياب "ويباح غير مصبوغ" لم يحدث فيه زينة كنقش "من قطن وصوف وكتان" على اختلاف ألوانها الخلقية وإن نعمت", وكذا إبريسم" لم يصبغ ولم يحدث فيه ذلك أي حرير "في الأصح" لعدم حدوث زينة فيه وإن صقل وبرق ويوجه بأن الغالب فيه أنه لا يقصد لزينة النساء وبه يرد ما أطال به الأذرعي وغيره من أن كثيرا من نحو الأحمر والأصفر الخلقي يربو لصفاء صقله وشدة بريقه على كثير من المصبوغ "و" يباح "مصبوغ لا يقصد لزينة" أصلا بل لنحو احتمال وسخ أو مصيبة كأسود وما يقرب منه كالمشبع من الأخضر وكحلي وما يقرب منه كالمشبع من الأزرق ولا يرد على عبارته مصبوغ تردد بين الزينة وغيرها كالأخضر والأزرق; لأن فيه تفصيلا هو أنه إن كان براقا صافي اللون حرم وعبارته الأولى قد تشمله; لأن الغالب فيه حينئذ أنه يقصد للزينة وإلا فلا وعبارته هذه تشمله; لأنه لا يقصد به زينة حينئذ. "ويحرم" طراز مركب على الثوب لا منسوج معه إلا إن كثر أي بأن عد الثوب بسببه ثوب زينة فيما يظهر و "حلي ذهب وفضة" ولو نحو خاتم وقرط للنهي عنه ومنه مموه بأحدهما أو مشبهه إن ستره بحيث لا يعرف إلا بتأمل ويفرق بين هذا وما مر في الأواني بأن المدار هنا على مجرد الزينة وثم على العين مع الخيلاء, وكذا نحو نحاس وودع وعاج وذبل إن كانت من قوم يتحلون به نعم يحل لبسه ليلا فقط مع الكراهة إلا لحاجة كإحرازه وفارق حرمة اللبس والتطيب ليلا بأنهما يحركان الشهوة غالبا ولا كذلك الحلي "وكذا" يحرم "لؤلؤ" ونحوه من الجواهر التي يتحلى بها ومنها العقيق "في الأصح" لظهور الزينة فيها. "و" يحرم لغير حاجة كما يأتي "طيب" ابتداء واستدامة فإذا طرأت العدة عليه لزمها إزالته للنهي عنه ويفرق بينها وبين نظيره في المحرم بأنه ثم من سنن الإحرام ولا كذلك هنا وبأنه يشدد عليها هنا أكثر بدليل حرمة نحو الحناء والمعصفر عليها هنا لا ثم "في بدن" نعم رخص صلى الله عليه وسلم لها أن تتبع لنحو حيض قليل قسط أو أظفار نوعين من البخور للحاجة وألحق الإسنوي بها في ذلك المحرمة وخالفه الزركشي والأوجه الأول "وثوب وطعام و" في "كحل" والضابط أن كل ما حرم على المحرم من الطيب والدهن لنحو الرأس واللحية حرم هنا لكن لا فدية لعدم النص وليس للقياس فيها مدخل وكل ما حل له ثم حل هنا. "و" يحرم "اكتحال بإثمد" ولو غير مطيب وإن كانت سوداء للنهي عنه وهو الأسود ومثله نصا الأصفر وهو الصبر بفتح أو كسر فسكون وبفتح فكسر ولو على بيضاء لا الأبيض كالتوتياء إذ لا زينة فيه "إلا لحاجة كرمد" فتجعله ليلا وتمسحه نهارا إلا إن أضرها مسحه; لأنه صلى الله عليه وسلم رأى صبرا بعيني أم سلمة وهي محدة على أبي سلمة فزجرها فأجابت بأنه لا طيب فيه فأجابها بأنه يزيد حسن الوجه, ثم قال فلا تجعليه إلا ليلا وامسحيه نهارا واعترض بأن في إسناده مجهولا وبأنه صح النهي عنه وإن خشيت المرأة انفقاء عينها ورد بأن المراد وإن انفقأت في زعمك فإني أعلم أنها لا تنفقئ وبحث أنها لو احتاجت للدهن أي أو الطيب جاز أيضا, وقد يشمله المتن ويظهر

 

ج / 3 ص -475-        ضبط الحاجة هنا, وفي الكحل سواء ما في الليل والنهار وإن اقتضى بعض العبارات أنه يكتفى في الليل بالحاجة ويشترط في النهار الضرورة بخشية مبيح تيمم وحيث زالت وجب مسحه أو غسله فورا كالمحرم كما هو ظاهر. "و" يحرم "اسفيذاج" بمعجمة وهو من رصاص يحسن به الوجه "ودمام" بضم أو كسر المهملة وهو الحمرة التي يورد بها الخد "و" تسويد أو تصغير الحاجب وتطريف الأصابع و "خضاب حناء ونحوه" كورس لما يظهر أي في المهنة غالبا فيما يظهر وتجعيد صدغ وتصفيف طرة; لأن ذلك كله للزينة.
"تنبيه" ما نصوا على أنه زينة لو اطرد في محل أنه ليس زينة هل يعتبر هذا أو لا محل نظر وظاهر كلامهم الثاني; لأنه لا عبرة بعرف حادث ولا خاص مع عرف أصلي أو عام ولا ينافيه ما مر في نحو النحاس والودع; لأن ذلك لم ينصوا فيه على شيء لتردد نظرهم فيه ومر في أعمال المساقاة ما يؤيد ذلك.
"ويحل تجميل فراش وأثاث" بمثلثتين وهو متاع البيت بأن تزين بيتها بأنواع الملابس والأواني ونحوهما; لأن الإحداد خاص بالبدن ومن ثم حل لها الجلوس على الحرير قال ابن الرفعة لا الالتحاف به; لأنه كاللبس قال الزركشي إلا ليلا كالحلي ويرده الفرق السابق بين الحلي واللبس "و" يحل "تنظيف بغسل نحو رأس وقلم" لأظفار وإزالة شعر نحو عانة "وإزالة وسخ" بسدر أو نحوه; لأن ذلك ليس من الزينة المرادة هنا وهي التي تدعو للوطء فلا ينافي عدهم له في الجمعة من الزينة "قلت ويحل امتشاط" من غير ترجيل ولا دهن وحمام "إن لم يكن" فيه "خروج محرم" لعدم الزينة. "ولو تركت الإحداد" الواجب كل المدة أو بعضها "عصت" الكاملة العالمة بوجوبه وولي غيرها "وانقضت العدة كما لو فارقت المسكن" اللازم لها ملازمته فإنها أو وليها تعصي وتنقضي العدة بمضي المدة "ولو بلغتها الوفاة" أو الطلاق "بعد المدة" أي مدة العدة "كانت منقضية" بمضي مدتها.
"ولها" أي المرأة المزوجة وغيرها "إحداد على غير زوج" من قريب وسيد, وكذا أجنبي حيث لا ريبة فيما يظهر, ثم رأيت شارحين تخالفوا فيه وما فصلته أوجه كما لا يخفى وظاهر أن الزوج لو منعها مما ينقص به تمتعه حرم عليها فعله "ثلاثة أيام" فأقل "وتحرم الزيادة" عليها إن قصدت بها الإحداد "والله أعلم" لمفهوم الخبر السابق ولأن فيها إظهار عدم الرضا بالقضاء ولم يجز ذلك في المعتدة لحبسها على المقصود من العدة وبحث الإمام أن للرجل التحزن مدة الثلاثة ورده ابن الرفعة بأن ذلك إنما شرع للنساء لنقص عقلهن المقتضي لعدم الصبر مع أن الشرع ألزمهن بالإحداد دون الرجال وبفرض صحة كلام الإمام فمحله في تحزن بغير تغيير ملبوس ونحوه وإلا حرم عليه كما مر في الجنائز.

فصل في سكنى المعتدة
"تجب سكنى لمعتدة طلاق ولو" هي "بائن" بخلع أو ثلاث إلى انقضاء عدتها ولو حائلا بأي صفة كانت وإن تراضيا على عدمها للآية "إلا ناشزة" حال الفراق أو أثناء العدة

 

ج / 3 ص -476-        فلا سكنى لها حتى تعود للطاعة كصلب النكاح, وفي مدة النشوز يرجع عليها مؤجر المسكن بأجرته وقياسه أنه لو كان ملك الزوج رجع هو عليها بذلك ومثلها كل من لا نفقة لها حالة النكاح كصغيرة لا تحتمل وطئا ويتصور وجوب العدة عليها باستدخال الماء وأمة لا نفقة لها نعم للزوج أو وارثه إجبار من لا نفقة لها على ملازمة المسكن تحصينا لمائه ويؤخذ منه أن محله فيمن يمكن حملها إلا أن يقال التعبير بذلك للأغلب لذكره في المتوفى عنها كما يأتي وهو غير معتبر فيها اتفاقا ولا يمكن من ذلك في الأمة إلا بعد فراغ خدمتها. "و" تجب أيضا "لمعتدة وفاة" حيث وجدت تركة فتقدم على الديون المرسلة في الذمة "في الأظهر" للخبر الصحيح به وإنما لم تجب نفقتها كالبائن غير الحامل; لأنها للسلطنة, وقد فاتت والسكنى لصون مائه وهو موجود ويسن للسلطان حيث لا تركة ولا متبرع إسكانها من بيت المال كذا أطلقوه ولو قيل يجب كوفاء دينه بل أولى; لأن هنا حقا لله أيضا لم يبعد ولو غاب المطلق ولا مسكن له اكترى الحاكم مسكنا من ماله إن كان وإلا اقترض أو أذن لها أن تقترض عليه أو تكتري من مالها وحينئذ ترجع فإن فعلته بلا إذن لم ترجع إلا إن عجزت عن استئذانه وقصدت الرجوع وأشهدت على ذلك ولو مضت العدة أو بعضها ولم تطالب بالسكنى لم تصر دينا في الذمة بخلاف النفقة; لأنها معاوضة ولو تبرع وارث بإسكانها لزمها الإجابة ومثله الإمام فيما يظهر أو أجنبي ولا ريبة فكذلك على المعتمد وفارق وفاء الدين بأن هنا حقا لله تعالى فلزم القبول لأجله على أن حفظ الأنساب يحتاط له أكثر ولا نظر للمنة; لأنها ليست عليها بل على الميت. "و" لمعتدة "فسخ" أو انفساخ غير نحو ناشزة ولو حائلا "على المذهب" من تناقض لهما فيه كالطلاق بخلاف معتدة عن وطء شبهة كنكاح فاسد وأم ولد ولو حاملين نعم يجب على الأولى ملازمة المسكن لحق الله تعالى وهل يلحق بها الثانية محل نظر "وتسكن" وجوبا "في مسكن كانت فيه عند الفرقة" بإذن الزوج إن لاق بها حينئذ وأمكن بقاؤها فيه لاستحقاقه منفعته أما إذا فورقت وهي بمسكن لم يأذن فيه فسيأتي. "وليس لزوج وغيره إخراجها" ولو رجعية كما أطلقه الجمهور ونص عليه في الأم واعتمده الإمام وجمع متأخرون بل قال الأذرعي خلافه شاذ لكن العراقيون على أن له إسكانها حيث شاء; لأنها كالزوجة وجزم به المصنف في نكته واعتمده الإسنوي وغيره "ولا لها خروج" وإن رضي به الزوج فيمنعها الحاكم وجوبا لحق الله تعالى "قلت ولها الخروج في عدة وفاة, وكذا بائن" بفسخ أو طلاق "في النهار لشراء طعام و" بيع أو شراء "غزل ونحوه" كقطن ولنحو احتطاب إن لم تجد من يقوم لها بذلك ونحو إقامة حد على برزة لا مخدرة فيأتيها الحاكم أو نائبه لإقامته كالتحليف وذلك لخبر مسلم أنه صلى الله عليه وسلم أذن لمطلقة ثلاثا أن تخرج لجذاذ نخلها وقيس به غيره قال الشافعي رضي الله عنه ونخل الأنصار قريب من دورهم ويؤخذ منه تقييد نحو السوق والمحتطب بالقريب من البلد المنسوب إليها وإلا فيظهر أنها لا تخرج إليه إلا لضرورة ولا تكفي الحاجة ومحله إن أمنت والواو في كلامه بمعنى أو أما الرجعية فلا تخرج إلا بإذنه أو لضرورة; لأن عليه القيام

 

ج / 3 ص -477-        بجميع مؤنها كالزوجة ومثلها بائن حامل وقيدها السبكي وغيره بما إذا خرجت للنفقة; لأنها مكفية بخلاف خروجها لنحو شراء قطن أو طعام, وقد أعطيت النفقة دراهم ولا يأتي هذا في الرجعية لما تقرر أنها في حكم الزوجة أما الليل ولو أوله خلافا لبعضهم فلا تخرج فيه مطلقا لذلك; لأنه مظنة الفساد إلا إذا لم يمكنها ذلك نهارا أي وأمنت كما بحثه أبو زرعة. "وكذا" لها الخروج "ليلا إلى دار جارة" بشرط أن تأمن على نفسها يقينا ويظهر أن المراد بالجار هنا الملاصق أو ملاصقة ونحوه لا ما مر في الوصية "لغزل وحديث ونحوهما" لكن "بشرط" أن يكون زمن ذلك بقدر العادة وأن لا يكون عندها من يحدثها ويؤنسها على الأوجه و "أن ترجع وتبيت في بيتها" لإذنه صلى الله عليه وسلم في ذلك كما في خبر مرسل اعتضد بقول ابن عمر رضي الله عنهما بما يوافقه. "وتنتقل" جوازا "من المسكن لخوف" على نفسها أو نحو ولدها أو مال ولو لغيرها كوديعة وإن قل أو اختصاص كذلك فيما يظهر "من" نحو "هدم أو غرق" أو سارق "أو" لخوف "على نفسها" ما دامت فيه من ريبة للضرورة وظاهر أنه يجب الانتقال حيث ظنت فتنة كخوف على نحو بضع ومن ذلك أن ينتجع قوم البدوية وتخشى من التخلف كما يأتي "أو تأذت بالجيران" أذى شديدا أي لا يحتمل عادة فيما يظهر "أو هم" تأذوا "بها أذى شديدا" كذلك "والله أعلم" للضرورة أيضا وروى مسلم أن فاطمة بنت قيس كانت تبذو على أحمائها فنقلها صلى الله عليه وسلم عنهم إلى بيت ابن أم مكتوم ولا يعارضه رواية نقلها لخوف مكانها لاحتمال تكرر الواقعة وبفرض اتحادها فاقتصار كل راو على أحدهما لبيان الاكتفاء به وحده في العذر فعلم أن من الجيران الأحماء وهم أقارب الزوج نعم إن كانوا في دارها وإن اتسعت فيما يظهر خلافا لمن قيد بضيقها نقلوا هم لا هي لعدم الحاجة لا الأبوان وإن اشتد الشقاق بينهم; لأنه لا يطول غالبا.
"تنبيه" يتعين حمل المتن على ما إذا كان تأذيهم بأمر لم تتعد هي به وإلا أجبرت على تركه ولم يحل لها الانتقال حينئذ كما هو ظاهر ولها النقلة أيضا بل يلزمها كما هو ظاهر إذا فورقت بدار الحرب ولم تأمن بإقامتها ثم على نحو بضعها أو دينها وأمنت في الطريق, وكذا إن كان خوفها أقل فيما يظهر ويجب تغريبها للزنا إلا إذا بقي من العدة نحو ثلاثة أيام فقط على ما بحثه الأذرعي فيؤخر تغريبها لانقضائها وإذا رجع المعير أو انقضت مدة الإجارة كما يأتي أو كان عليها ما يلزمها أداؤه فورا وانحصر فيها وحيث انتقلت وجب الاقتصار على أقرب مسكن صالح إلى ما كانت فيه على ما يأتي وليس لها خروج لنحو استنماء مال وتعجيل حجة الإسلام وإن كانت بمكة على ما اقتضاه إطلاقهم.
"ولو انتقلت" ببدنها إذ لا عبرة بالأمتعة "إلى مسكن" في البلد "بإذن الزوج فوجبت العدة" بموت أو طلاق "قبل وصولها إليه" وبعد مفارقة الأول "اعتدت" وجوبا "فيه" أي الثاني وإن كان أبعد إليها من الأول أو رجعت إليه لأخذ متاع "على النص" في الأم لإعراضها عن الأول بحق قبل الفراق أما بعد وصولها إليه فتعتد فيه قطعا. "أو" انتقلت إليه "بغير إذن" من الزوج "ففي الأول" يلزمها الاعتداد وإن لم تجب العدة إلا بعد

 

ج / 3 ص -478-        وصولها للثاني لعصيانها بذلك نعم إن أذن لها الزوج بعد وصولها إليه في المقام به كان كالنقلة بإذنه "وكذا" تعتد في الأول "لو أذن" لها في النقلة منه "ثم وجبت" العدة "قبل الخروج" منه; لأنه الذي وجبت فيه العدة. "ولو أذن" لها "في الانتقال إلى بلد فك" الإذن لها في الانتقال من مسكن إلى "مسكن" فيأتي هنا ذلك التفصيل ومنه تعين الأول إن وجبت قبل مفارقة بنيان بلده أي بإن لم تصل لما يباح القصر فيه وإلا فالثاني. "أو" أذن لها "في سفر حج" ولو نفلا "أو", وفي نسخ بالواو والأولى أظهر "تجارة" أو غيرهما من كل سفر مباح ولو سفر نزهة وزيارة "ثم وجبت" العدة "في الطريق; فلها الرجوع" إلى مسكنها وهو الأولى "و" لها "المضي" إلى غرضها لمشقة الرجوع مشقة ظاهرة وهي معتدة مضت أو عادت "فإن مضت" وبلغت المقصد قبل انقضاء العدة أو وجبت بعد أن بلغته فقوله في الطريق قيد للتخيير الذي ذكره لا لقوله "أقامت" فيه "لقضاء حاجتها" إن كانت وإلا فثلاثة أيام كاملة إن لم يقدر لها مدة وإلا فما قدره "ثم" عقب فراغ إقامتها الجائزة "يجب" عليها "الرجوع" فورا إن أمنت على نفسها ومالها ووجدت رفقة ولو قبل ثلاثة أيام في الأولى كما في الروضة وإن نازع فيه جمع "لتعتد البقية في المسكن" الذي فورقت فيه أو بقربه إذ يلزمها الرجوع فورا وإن علمت انقضاء البقية قبل وصولها إليه وخرج بفي الطريق ما لو وجبت قبل مفارقة العمران فيلزمها العود ولو أذن لها في النقلة لمسكن آخر في البلد وقدر لها مدة فانتقلت, ثم لزمتها العدة أقامت به مقدره كذا قيل وقياس ما تقرر أنها تعتد فيه ولا يجوز لها الرجوع للأول كما يصرح به كلامهم ولو سافرت معه لحاجته ففارقها لزمها العود نعم لها إقامة ثلاثة أيام كاملة بمحل الفرقة; لأن سفرها كان تابعا لسفره, وقد فات فأمهلت ذلك لا أكثر منه; لأنه مدة تأهب المسافر غالبا. "ولو خرجت إلى غير الدار" أو البلد "المألوفة" لمسكنها "فطلق وقال ما أذنت في الخروج" وقالت بل أذنت "صدق بيمينه" أنه لم يأذن ووارثه أنه لم يعلم أن مورثه أذن; لأن الأصل عدم الإذن فترجع فورا بعد حلفه للمألوفة. "ولو قالت" له "نقلتني" أي أذنت لي في النقلة في هذه الدار فلا يلزمني الرجوع "فقال بل أذنت" في الخروج إليها لكن "لحاجة" أو لا لنقلة فيلزمك الرجوع "صدق" بيمينه أيضا أنه لم يأذن في النقلة "على المذهب"; لأنه أعلم بقصده ولو وقع هذا الاختلاف بينها وبين الوارث صدقت بيمينها; لأنها أعرف منه بما جرى ولترجح جانبها بوجودها في الثاني مع كون الوارث أجنبيا عنهما فضعف عن الزوج وتصدق هي أيضا لو اتفقا على لفظ النقلة واختلفا هل ضم إليه ذكر نحو نزهة أو شهر فأنكرت هذا الضم; لأن الأصل عدمه. "ومنزل بدوية وبيتها من" نحو "شعر كمنزل حضرية" فيما ذكر من وجوب ملازمته في العدة نعم لها الانتقال مع حيها إن انتقلوا كلهم للضرورة ولها مفارقتهم للإقامة بقرية في الطريق; لأنها أليق بها وبه فارقت الحضرية السابقة فإنه لا يجوز لها ذلك بل يتعين عليها إما العود للمسكن أو الوصول للمقصد فإن ارتحل بعضهم وهو غير أهلها, وفي المقيمين قوة أو منعة أقامت وإلا فلا أو أهلها تخيرت غير رجعية اختار الزوج إقامتها لمشقة مفارقة الأهل مع خطر

 

ج / 3 ص -479-        البادية في الجملة وبه يفرق بين أهلها وأهل الحضرية ولا عبرة بالارتحال مع نية العود أو قربه عرفا على الأوجه إلا إن خافت لو أقامت. "وإذا كان المسكن" مستحقا "له" ولم يتعلق به حق للغير "ويليق بها تعين" مكثها فيه إلا لعذر مما مر أما إذا تعلق به حق كرهن, وقد بيع في الدين لتعذر وفائه من غيره ولم يرض مشتريه بإقامتها فيه بأجرة المثل فتنتقل منه أما ما لا يليق بها فلا تكلفه كالزوجة خلافا لمن فرق. "ولا يصح بيعه" أي المسكن المذكور لعدم انضباط المدة نعم يظهر صحة بيعه لها أخذا من نظيره السابق في الموصى له بالمنفعة مدة مجهولة "إلا في عدة ذات أشهر ف" بيعه حينئذ "ك" بيع "مستأجر" فيجري فيه خلافه والأصح صحته فإن حاضت في أثنائها وانتقلت إلى الأقراء لم ينفسخ فيخير المشتري "وقيل" بيعه في عدة الأشهر "باطل" قطعا ولا يجري فيه خلاف المستأجر; لأنها قد تموت في المدة فترجع المنفعة للبائع أي على أحد وجهين مر في بيع المستأجر إذا انفسخت الإجارة وذلك غرر بخلاف المستأجر يموت فإن المنفعة لورثته ويرد بأنه لو فرض أن فيه غررا يكون متوقعا لا محققا ومستقبلا لا حالا وما هو كذلك لا يؤثر. "أو" فورقت وهي بمسكن وكان "مستعارا لزمتها فيه" وامتنع نقلها "فإن رجع المعير" في عاريته له "ولم يرض بأجرة" لمثله أو طرأ عليه نحو جنون أو سفه أو زال استحقاقه لمنفعته لنحو انقضاء إجارة "نقلت" منه وجوبا للضرورة فإن رضي بها لزمه بذلها وامتنع خروجها ولو لملكه الملاصق له كما شمله كلامهم وبحث في المطلب أنه لو أعاره لسكنى معتدة عالما بذلك لزمت العارية لحق الله تعالى كما تلزم في نحو دفن ميت لكن فرق الروياني بين لزومها في نحو الإعارة للبناء وعدمه هنا بأنه لا مشقة ولا ضرورة في انتقالها هنا لو رجع بخلاف نحو الهدم ثم فكذا يقال هنا والأوجه أن المعير الراجع لو رضي بسكناها بعد انتقالها لمعار أو مستأجر لم يلزمها العود للأول; لأنها لا تأمن رجوعه بعد. "وكذا مستأجر انقضت مدته" فلتنقل منه إن لم يجدد المالك إجارة بأجرة المثل "أو" لزمتها العدة وهي بمسكن مستحق "لها استمرت" فيه وجوبا إن لم تطلب النقلة لغيره وإلا فجوازا "و" إذا اختارت الإقامة فيه "طلبت الأجرة" منه أو من تركته إن شاءت; لأن السكنى عليه فإن مضت مدة قبل طلبها سقطت كما لو سكن معها في منزلها بإذنها وهي في عصمته على النص وبه أفتى ابن الصلاح ووجهه بأن الإذن المطلق عن ذكر العوض ينزل على الإعارة والإباحة أي مع كونه تابعا لها في السكنى ومن ثم بحث شارح أن محله إن لم تتميز أمتعته بمحل منها وإلا لزمته أجرته ما لم تصرح له بالإباحة. "فإن كان مسكن النكاح" المملوك له الذي لزمتها العدة وهي فيه "نفيسا" لا يليق بها "; فله النقل" لها منه "إلى" مسكن آخر "لائق بها"; لأن ذاك النفيس غير واجب عليه ويتحرى أقرب صالح إليه ندبا على ما قاله الأذرعي إنه الحق ووجوبا كما هو ظاهر كلامهم وأيد بأنه قياس نقل الزكاة وتقليلا لزمن الخروج ما أمكن. "أو" كان "خسيسا" غير لائق بها "; فلها الامتناع"; لأنه دون حقها. "وليس له مساكنتها ولا مداخلتها" أي دخول محل هي فيه وإن لم يكن على جهة المساكنة مع انتفاء نحو المحرم الآتي

 

ج / 3 ص -480-        فيحرم عليه ذلك ولو أعمى وإن كان الطلاق رجعيا ورضيت; لأن ذلك يجر للخلوة المحرمة بها ومن ثم يلزمها منعه إن قدرت عليه والكلام هنا فيما إذا لم يزد مسكنها على مسكن مثلها لما سيذكره في الدار والحجرة والعلو والسفل "فإن كان في الدار" التي ليس فيها إلا مسكن واحد لكنها متسعة لهما بحيث لا يطلع أحدهما على الآخر أخذا مما يأتي "محرم لها" بصير "مميز" بأن كان ممن يحتشم ويمنع وجوده وقوع خلوة بها باعتبار العادة الغالبة فيما يظهر من كلامهم وبه يجمع بين ما أوهمته عبارة المتن والروضة من التناقض في ذلك; لأن المدار على مظنة عدم الخلوة ولا تحصل إلا حينئذ "ذكر" أو أنثى وحذفه للعلم به من زوجته وأمته بالأولى "أو" محرم "له" مميز بصير "أنثى أو زوجة" أخرى "كذلك أو أمة أو امرأة أجنبية" كذلك وكل منهن ثقة يحتشمها بحيث يمنع وجودها وقوع فاحشة بحضرتها وكالأجنبية ممسوح أو عبدها بشرط التمييز والبصر والعدالة. ويظهر أنه يلحق بالبصير في كل ممن ذكر أعمى له فطنة يمتنع معها وقوع ريبة بل هو أقوى من المميز السابق "جاز" مع الكراهة كل من مساكنتها إن وسعتهما الدار والأوجب انتقاله عنها ومداخلتها إن كانت ثقة للأمن من المحذور وحينئذ بخلاف ما إذا انتفى شرط مما ذكر وإنما حلت خلوة رجل بامرأتين ثقتين يحتشمهما بخلاف عكسه; لأنه يبعد وقوع فاحشة بامرأة متصفة بذلك مع حضور مثلها ولا كذلك الرجل ومنه يؤخذ أنه لا تحل خلوة رجل بمرد يحرم نظرهم مطلقا بل ولا أمرد بمثله وهو متجه ولا تجوز خلوة رجل بغير ثقات وإن كثرن, وفي التوسط عن القفال لو دخلت امرأة المسجد على رجل لم تكن خلوة; لأنه يدخله كل أحد انتهى وإنما يتجه ذلك في مسجد مطروق ولا ينقطع طارقوه عادة ومثله في ذلك الطريق أو غيره المطروق كذلك بخلاف ما ليس مطروقا كذلك. فإن قلت ظاهر هذا أنه لا تحرم خلوة رجال بامرأة قلت ممنوع وإنما قضيته أن الرجال إن أحالت العادة تواطؤهم على وقوع فاحشة بها بحضرتهم كانت خلوة جائزة وإلا فلا, ثم رأيت في شرح مسلم التصريح به حيث قال تحل خلوة جماعة يبعد تواطؤهم على الفاحشة لنحو صلاح أو مروءة بامرأة لكنه حكاه في المجموع حكاية الأوجه الضعيفة ورأيت بعضهم اعتمد الأول وقيده بما إذا قطع بانتفاء الريبة من جانبه وجانبها. "ولو كان في الدار حجرة فسكنها أحدهما والآخر الأخرى فإن اتحدت المرافق كمطبخ ومستراح" وبئر وبالوعة وسطح ومصعد وممر والواو بمعنى أو إذ يكفي اتحاد بعضها فيما يظهر وهل العبرة في اتحاد الممر بأول الدار فيضر اتحاد دهليزها لاتحاد الممر فيه أو بالباب الذي بعد الدهليز دونه; لأنه بمنزلة صحن سكة غير نافذة أو يفرق بين كون الدهليز ينتفعن به بما يتعلق بالسكنى فيضر اتحاده حينئذ وبين أن لا يكون كذلك لكونه معدا للزوج ورحاله فلا يضر كل محتمل والثالث أقربها "اشترط محرم" أو نحوه ممن ذكر وخالف في ذلك القاضي والروياني فحرما المساكنة مع اتحادها ولو مع المحرم وأطال الأذرعي في الانتصار له إذ لا سبيل إلى ملازمته لها في كل حركة وبانتفاء ذلك وجدت مظنة الخلوة المحرمة وخرج بفرضه الكلام في حجرتين ما لو لم

 

ج / 3 ص -481-        يكن في الدار إلا بيت وصفف فإنه لا يجوز أن يساكنها ولو مع محرم; لأنها لا تتميز من المسكن بموضع نعم إن بني بينهما حائل وبقي لها ما يليق بها سكنا جاز "وإلا" يتحد شيء منها "فلا" يشترط نحو محرم إذ لا خلوة "و" لكن "ينبغي" أي يجب "أن يغلق" قال القاضي أبو الطيب والماوردي ويسمر "ما بينهما من باب" وأولى من إغلاقه سده "وأن لا يكون ممر أحدهما" يمر به "على الآخر" حذرا من وقوع خلوة "وسفل وعلو كدار وحجرة" فيما ذكر فيهما والأولى أن تكون في العلو حتى لا يمكنه الاطلاع عليها.

باب الاستبراء
هو بالمد لغة طلب البراءة وشرعا تربص بمن فيها رق مدة عند وجود سبب مما يأتي للعلم ببراءة رحمها أو للتعبد سمي بذلك لتقديره بأقل ما يدل على البراءة كما سمي ما مر بالعدة لاشتماله على العدد ولتشاركهما في أصل البراءة ذيلت به والأصل فيه ما يأتي من الإخبار وغيره.
"يجب" الاستبراء لحل التمتع بالفعل لما يأتي في ملك مزوجة ومعتدة أو التزويج كما يعلم مما سيذكره "بسببين" باعتبار الأصل فيه فلا يرد عليه وجوبه بغيرهما كأن وطئ أمة غيره ظانا أنها أمته فإنه يلزمها قرء واحد لأنها في نفسها مملوكة والشبهة شبهة ملك اليمين "أحدهما ملك أمة" أي حدوثه وهو باعتبار الأصل أيضا وإلا فالمدار على حدوث حل التمتع مما يخل بالملك فلا يرد ما يأتي في شراء زوجته كما أن التعبير في السبب الثاني بزوال الفراش كذلك وإلا فالمدار على طلب التزويج ودل على ذلك ما سيذكره في نحو المكاتبة والمرتدة وتزويج موطوءته "بشراء أو إرث أو هبة" مع قبض "أو سبي" بشرطه من القسمة أو اختيار التملك كما سيعلم مما سيذكره في السير فلا اعتراض عليه "أو رد بعيب أو تحالف أو إقالة" ولو قبل القبض أو غير ذلك من كل مملك كقبول وصية ورجوع مقرض وبائع مفلس ووالد في هبته لفرعه وكذا أمة قراض انفسخ واستقل بها المالك وأمة تجارة أخرج زكاتها وقلنا بالأصح أن المستحق شريك بالواجب بقدر قيمته في غير الجنس لتجدد الملك والحل فيهما قاله البلقيني "وسواء" في وجوب الاستبراء فيما ذكر بالنسبة لحل التمتع "بكر" وآيسة "ومن استبرأها البائع قبل البيع ومنتقلة من صبي وامرأة وغيرها" لعموم ما صح من قوله صلى الله عليه وسلم في سبايا أوطاس "ألا لا توطأ حامل حتى تضع ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة" وقيس بالمسبية غيرها الشامل للبكر والمستبرأة وغيرهما بجامع حدوث الملك وبمن تحيض من لا تحيض في اعتبار قدر الحيض والطهر غالبا وهو شهر. "ويجب" الاستبراء "في" أمته إذا زوجها فطلقها زوجها قبل الوطء وفي "مكاتبة" كتابة صحيحة وأمتها إذا انفسخت كتابتها بسبب مما يأتي في بابها كأن "عجزت" وأمة مكاتب كذلك عجز لعود حل الاستمتاع فيها كالمزوجة وحدوثه في الأمة بقسميها ومن ثم لم تؤثر الفاسدة "وكذا مرتدة" أسلمت أو سيد مرتد أسلم فيجب الاستبراء عليها وعلى أمته "في الأصح" لعود حل الاستمتاع

 

ج / 3 ص -482-        أيضا "لا" في "من" أي أمة له حدث لها ما حرمها عليه من صوم ونحوه لإذنه فيه ثم "حلت من صوم أو اعتكاف وإحرام" ونحو حيض ورهن لأن حرمتها بذلك لا تخل بالملك بخلاف نحو الكتابة "وفي الإحرام وجه" أنه كالردة لتأكد التحريم فيه ويرد بوضوح الفرق أما لو اشترى نحو محرمة أو صائمة أو معتكفة واجبا بإذن سيدها فلا بد من استبرائها بعد زوال مانعها كما يعلم مما يأتي. "ولو اشترى" حر "زوجته" الأمة فانفسخ نكاحها "استحب" الاستبراء ليتميز ولد الملك المنعقد حرا عن ولد النكاح المنعقدة قنا ثم يعتق فلا يكافئ حرة أصلية ولا تصبر به أمة مستولدة "وقيل يجب" لتجدد الملك وردوه بأن لا فائدة فيه إذ العلة الصحيحة فيه حدوث حل التمتع ولو يوجد هنا ومن ثم لو طلق زوجته القنة رجعيا ثم اشتراها في العدة وجب لحدوث حل التمتع ومر أنه لا يحل وطؤها في زمن الخيار لأنه لا يدري أيطأ بالملك أو بالزوجية وخرج بالحر المكاتب إذا اشترى زوجته ففي الكفاية عن النص ليس له وطؤها بالملك لضعف ملكه ومن ثم امتنع تسريه ولو بإذن السيد. "ولو ملك" أمة "مزوجة أو معتدة" من الغير لنكاح أو وطء شبهة وعلم بذلك أو جهله وأجاز "لم يجب" استبراؤها حالا لأنها مشغولة بحق الغير "فإن زالا" أي الزوجية والعدة المفهومان مما ذكر ولذا ثنى الضمير وإن عطف بأو لما هو ظاهر أنه لا يلزم من اتحاد الراجع للمعطوف بها اتحاد الراجع لما فهم من المعطوف بها وذلك بأن طلقت قبل وطء أو بعده وانقضت العدة أو انقضت عدة الشبهة "وجب" الاستبراء "في الأظهر" لحدوث الحل, واكتفاء المقابل بعدة الغير ينتقض بمطلقة قبل وطء ومن ثم خص جمع القولين بالموطوءة ولو ملك معتدة منه وجب قطعا إذ لا شيء يكفي عنه هنا. "الثاني زوال فراش" له "عن أمة موطوءة" غير مستولدة "أو مستولدة بعتق" معلق أو منجز قبل موت السيد "أو موت السيد" كزوال فراش الحرة الموطوءة فيجب قرء أو شهر كما صح عن ابن عمر ولا مخالف له أما عتيقة قبل وطء فلا استبراء عليها قطعا "ولو مضت مدة استبراء على مستولدة" ليست مزوجة ولا معتدة "ثم أعتقها" سيدها "أو مات" عنها "وجب" عليها الاستبراء "في الأصح" كما تلزم العدة من زوال نكاحها وإن مضى أمثالها قبل زواله "قلت ولو استبرأ أمة موطوءة" له غير مستولدة "فأعتقها لم يجب" إعادة الاستبراء "وتتزوج في الحال" والفرق بينها وبين المستولدة ظاهر "إذ لا تشبه" هذه "منكوحة" بخلاف تلك لثبوت حق الحرية لها فكان فراشها أشبه بفراش الحرة المنكوحة "والله أعلم". "ويحرم" ولا ينعقد "تزويج أمة موطوءة" أي وطئها مالكها "ومستولدة قبل" مضي "الاستبراء" بما يأتي "لئلا يختلط الماءان" وإنما حل بيعها قبله مطلقا لأن القصد من الشراء ملك العين والوطء قد يقع وقد لا بخلاف النكاح لا يقصد به إلا الوطء أما من لم يطأها مالكها فإن لم توطأ زوجها من شاء وإن وطئها غيره زوجها للواطئ وكذا لغيره إن كان الماء غير محترم أو مضت مدة الاستبراء منه. "ولو أعتق مستولدته" يعني موطوءته "فله نكاحها بلا استبراء في الأصح" كما يجوز أن ينكح المعتدة منه إذ لا اختلاط هنا ومن ثم لو اشترى أمة فزوجها لبائعها الذي لم يطأها غيره

 

ج / 3 ص -483-        لم يلزمه استبراء كما لو أعتقها فأراد بائعها أن يتزوجها وخرج بموطوءته ومثلها من لم توطأ أو وطئت زنا أو استبرأها من انتقلت منه إليه من وطئها غيره وطئا غير محرم فلا يحل له تزوجها قبل استبرائها وإن أعتقها. "ولو أعتقها أو مات" عن مستولدة أو مدبرة عتقت بموته "وهي مزوجة" أو معتدة عن زوج فيهما "فلا استبراء" عليها لأنها غير فراش للسيد ولأن الاستبراء لحل ما مر وهي مشغولة بحق الزوج بخلافها في عدة وطء الشبهة لأنها لم تصر به فراشا لغير السيد "وهو" أي الاستبراء في حق ذات الأقراء يحصل "بقرء وهو" هنا "حيضة كاملة في الجديد" للخبر السابق ولا حائل حتى تحيض حيضة فلا يكفي بقيتها التي وجد السبب كالشراء في أثنائها وفارق العدة حيث تعين الطهر واكتفى ببقيته بتكرر الإقراء الدال تخلل الحيض بينها على البراءة وهنا لا تكرر فتعين الحيض الكامل الدال عليها ولو وطئها في الحيض فحبلت منه فإن كان قبل مضي أقل الحيض انقطع الاستبراء وبقي التحريم إلى الوضع كما لو حبلت من وطئه وهي طاهر أو بعد أقله كفى في الاستبراء لمضي حيض كامل لها قبل الحمل "وذات أشهر" كصغيرة وآيسة "بشهر" لأنه لا يخلو في حق غيرها عن حيض وطهر غالبا "وفي قول بثلاثة" من الأشهر لأن البراءة لا تعرف بدونها "وحامل مسبية أو زال عنها فراش سيد بوضعه" أي الحمل كالعدة "وإن ملكت بشراء" وهي حامل من زوج أو وطء شبهة "فقد سبق أن لا استبراء في الحال" وأنه يجب بعد زوال النكاح أو العدة فليس هو هنا بالوضع "قلت يحصل الاستبراء" في حق ذات الأقراء "بوضع حمل زنا" لا تحيض معه وإن حدث الحمل بعد الشراء وقبل مضي محصل استبراء أخذا من كلام غير واحد وهو متجه "في الأصح والله أعلم" لإطلاق الخبر وللبراءة وإنما لم تنقض به العدة لاختصاصها بمزيد تأكيد ومن ثم وجب فيها التكرار وأما ذات أشهر فيحصل بشهر مع حمل الزنا كما بحثه الزركشي كالأذرعي قياسا على ما جزموا به في العدة لأن حمل الزنا كالعدم. "ولو مضى زمن استبراء بعد الملك قبل القبض حسب أن ملك بإرث" لقوة الملك به ولذا صح بيعه قبل قبضه وذكر له الأذرعي تعليلا آخر مع التبري منه ومع ما يؤخذ منه فقال في توسطه قالوا لأن الملك بالإرث مقبوض حكما وإن لم يحصل حسا وهذا إذا كانت مقبوضة للمورث حيث يعتبر قبضه في الاستبراء أما لو ابتاعها ثم مات قبل قبضها لم يعتد باستبرائها إلا بعد أن يقبضها الوارث كما في بيع المورث قبل قبضه نبه عليه ابن الرفعة وهو واضح انتهى وإنما يتجه وضوحه بعد تسليم التعليل الذي تبرأ منه ومن ثم تبع ابن الرفعة المتأخرون لكنه مع ذلك مشكل لأن البيع الأضعف إذا اعتد بالاستبراء فيه قبل القبض فالإرث الأقوى أولى وكان الأذرعي أشار إلى بنائه على ضعيف بقوله حيث يعتبر قبضه في الاستبراء لكن ينافيه قوله أما إلخ مع قوله أنه واضح إلا أن يقال إنه واضح على القول في البيع أنه لا يكتفي فيه بالاستبراء قبل القبض وقد يقال في جواب الإشكال صرحوا بأن الإرث لا خلاف في الاعتداد بالاستبراء فيه قبل القبض بخلاف نحو البيع فإن فيه خلافا الأصح منه الاعتداد وأشاروا للفرق بما حاصله أن المملوك بالإرث

 

ج / 3 ص -484-        مقبوض حكما فهو أقوى من نحو البيع ولذا صح التصرف فيه قبل قبضه ويلزم من هذه القوة المقتضية لصحة التصرف كون المورث في نحو البيع قبضه قبل موته وإلا فكان لا ملك بخلاف نحو البيع الملك فيه تام بالعقد لكنه ضعيف فجرى الخلاف فيه فالأصح نظرا إلى تمامه والضعيف إلى ضعفه وأما الإرث فالملك به مبني على تقدير قبضه ولا يوجد إلا إذا كان مورثه قبضه إن ملكه بنحو بيع فتأمله فإنه دقيق "وكذا شراء" ونحوه من المعاوضات "في الأصح" حيث لا خيار لتمام الملك به ولزومه ومن ثم لم يحسب في زمن الخيار ولو للمشتري لضعف ملكه "لا هبة" فلا يحسب قبل القبض لتوقف الملك فيها عليه كما قدمه فلا مبالاة بإيهام عبارته هنا حصوله قبله ومثلها غنيمة لم تقبض أي بناء على أن الملك فيها لا يحصل إلا بالقسمة كما هو ظاهر ويحسب في الوصية بعد قبولها ولو قبل القبض للملك الكامل فيها بالقبول. "ولو اشترى مجوسية" أو نحو وثنية أو مرتدة "فحاضت" مثلا "ثم" بعد فراغ الحيض أو في أثنائه ومثله الشهر في ذات الأشهر وكذا الوضع كما صرحا به "أسلمت لم يكف" حيضها أو نحوه في الاستبراء لأنه لم يستعقب الحل ومن ثم لو اشترى عبد مأذون أمة وعليه دين لم يعتد به قبل سقوطه فلا يحل لسيده وطؤها حينئذ قال المحاملي عن الأصحاب وضابط ذلك إن كل استبراء لا يتعلق به استباحة الوطء لا يعتد به انتهى ومنه ما لو اشترى محرمة فحاضت ثم تحللت أو صغيرة لا تحتمل الوطء فإطاقته بعد مضي شهر على ما قاله الجرجاني في الثانية ثم رأيت الزركشي قال إنه بعيد جدا نعم يعتد باستبراء المرهونة قبل الانفكاك كما يميل إليه كلامهما وجزم به ابن المقري ويفرق بينها وبين ما قبلها بأنه يحل وطؤها بإذن المرتهن فهي محل للاستمتاع بخلاف غيرها حتى مشتراة المأذون لأن له حقا في الحجر وهو لا يعتد بإذنه وبهذا يندفع ما للأذرعي ومن تبعه هنا فإن قلت هي تباح له بإذن العبد والغرماء فساوت المرهونة قلت الإذن هنا أندر لاختلاف جهة تعلق العبد والغرماء بخلافه في المرهونة وفارقت أمة المأذون أمة مشتر حجر عليه بفلس فإنه يعتد باستبرائها قبل زوال الحجر لضعف التعلق في هذه لكونه يتعلق بالذمة أيضا بخلاف تلك لانحصار تعلق الغرماء بما في يد المأذون لا غير.
"ويحرم الاستمتاع" ولو بنحو نظر بشهوة ومس "بالمستبرأة" أي قبل مضي ما به الاستبراء لأدائه إلى الوطء المحرم ولاحتمال أنها حامل بحر فلا يصح نحو بيعها نعم يحل له الخلوة بها ولا يحال بينه وبينها لأن الشرع جعل الاستبراء مفوضا لأمانته وبه فارق وجوب الإحالة بين الزوج والزوجة المعتدة عن شبهة كذا أطلقوه وفيه إذا كان السيد مشهورا بالزنا وعدم المسكة وهي جميلة نظر ظاهر "إلا مسبية فيحل غير وطء" لأنه صلى الله عليه وسلم لم يحرم منها غيره مع غلبة امتداد الأعين والأيدي إلى مس الإماء سيما الحسان ولأن ابن عمر رضي الله عنهما قبل أمة وقعت في سهمه لما نظر عنقها كإبريق فضة فلم يتمالك الصبر عن تقبيلها والناس ينظرونه ولم ينكر عليه أحد رواه البيهقي وفارقت غيرها بتيقن ملكها ولو حاملا فلم يجر فيها الاحتمال السابق وحرم وطؤها صيانة لمائه أن يختلط بماء حربي لا

 

ج / 3 ص -485-        لحرمته ولم يلتفتوا لاحتمال ظهور كونها أم ولد لمسلم فلا يملكها السابي لندوره وأخذ الماوردي وغيره من ذلك أن كل من لا يمكن حملها المانع لملكها لصيرورتها به أم ولد كصبية وحامل من زنا وآيسة ومشتراة مزوجة فطلقها زوجها تكون كالمسبية في حل التمتع بها بما عدا الوطء "وقيل لا" يحل التمتع بالمسبية أيضا وانتصر له جمع. "وإذا قالت" مستبرأة "حضت صدقت" لأنه لا يعلم إلا من جهتها بلا يمين لأنها لو نكلت لم يقدر السيد على الحلف على عدم الحيض وإذا صدقناها فكذبها فهل يحل له وطؤها قياسا على ما لو ادعت التحليل فكذبها بل أولى أولا ويفرق محل نظر والأول أوجه "ولو منعت السيد" من تمتع بها "فقال" أنت حلال لي لأنك "أخبرتني بتمام الاستبراء صدق" بيمينه وأبيحت له ظاهرا لما تقرر أن الاستبراء مفوض لأمانته ومع ذلك يلزمها الامتناع منه ما أمكن ما دامت تتحقق بقاء شيء من زمن الاستبراء ولو قال حضت فأنكرت صدقت على ما قاله الإمام ومن تبعه وعلله بأنه لا يعلم إلا منها وهو جرى على ما مشى عليه الشيخان في موضع والمعتمد ما جريا عليه في موضع آخر أنه يعلم من غيرها فعليه يحتمل تصديقه كما في دعواه إخبارها له به بجامع أن الأصل عدم كل ويحتمل الفرق بأن الحيض يعسر اطلاعه عليه وإن أمكن فصدقت بخلاف الإخبار وهذا أقرب. "ولا تصير أمة فراشا" لسيدها "إلا بوطء" منه في قبلها أو دخول مائه المحترم فيه ويعلم ذلك بإقراره أو ببينة وبه يعلم أن المجبوب متى ثبت دخول مائه المحترم لحقه الولد وإلا فلا وهذا أوجه ممن أطلق لحوقه أو عدمه فتأمله وخرج بذلك مجرد ملكه لها فلا يلحقه به ولد إجماعا وإن خلا بها وأمكن كونه منه لأنه ليس مقصوده الوطء بخلاف النكاح كما مر أما الوطء في الدبر فلا لحوق به على المعتمد من تناقض لهما كما مر وإذا تقرر أن الوطء يصيرها فراشا "فإذا ولدت للإمكان من وطئه" أو استدخال منيه ولدا "لحقه" وإن سكت عن استلحاقه لأنه صلى الله عليه وسلم ألحق الولد بزمعة بمجرد الفراش أي بعد علمه بالوطء بوحي أو إخبار لما مر من الإجماع. "ولو أقر بوطء ونفى الولد وادعى استبراء" بحيضة مثلا بعد الوطء وقبل الوضع بستة أشهر فأكثر وحلف على ذلك وإن وافقته الأمة على الاستبراء على الأوجه لأجل حق الولد "لم يلحقه" الولد "على المذهب" لأن عمر وزيد بن ثابت وابن عباس رضي الله عنهم نفوا أولاد جوار لهم بذلك ولأن الوطء سبب ظاهر والاستبراء كذلك فتعارضا وبقي أصل الإمكان وهو لا يكتفى به هنا بخلاف النكاح كما مر أما لو أتت به لدون ستة أشهر من الاستبراء فيلحقه ويلغو الاستبراء ووقع في أصل الروضة هنا أن له نفيه باللعان وردوه بأنه سهو لما فيه في بابه وفي العزيز هنا وجمع المتن بين نفي الولد ودعوى الاستبراء تصوير أو قيد للخلاف ففي الروضة إذا علم أنه ليس منه له نفيه باليمين وإن لم يدع الاستبراء فإن نكل فوجهان أحدهما ورجح أنه متوقف اللحوق على يمينها فإن نكلت فيمين الولد بعد بلوغه وقضية عبارتها أن اقتصاره على دعوى الاستبراء كاف في نفيه عنه إذا حلف عليه "فإن أنكرت الاستبراء" وقد ادعت عليه أمية الولد "حلف" ويكفي في حلفه "أن الولد ليس منه" ولا يجب تعرضه للاستبراء ولا يجزيه الاقتصار عليه لأن المقصود هو الأول وفيه إشكال أجبت

 

ج / 3 ص -486-        عنه في شرح الإرشاد "وقيل يجب تعرضه للاستبراء" ليثبت بذلك دعواه "ولو ادعت استيلادا فأنكر أصل الوطء وهناك ولد لم" يلحقه لعدم ثبوت الفراش ولم "يحلف" هو "على الصحيح" إذ لا ولاية لها على الولد حتى تنوب عنه في الدعوى ولم يسبق منه إقرار بما يقتضي اللحوق وبه فارق حلفه فيما مر لإقراره ثم بالوطء أما إذا لم يكن ثم ولد فلا يحلف جزما كما قالاه لكن قال ابن الرفعة لكن ينبغي حلفه جزما إذا عرضت على البيع لأن دعواها حينئذ تنصرف إلى حريتها لا إلى ولدها ويرد بمنع قوله لا إلى إلخ بل الانصراف يتمحض له إذ لا سبب للحرية غيره وأيضا هو حاضر والحرية منتظرة والانصراف للحاضر أقوى فتعين. "ولو قال من" أتت موطوءته بولد "وطئت" ها "وعزلت" عنها "لحقه" الولد "في الأصح" لأن الماء قد يسبق من غير إحساس به.