تحفة المحتاج بشرح المنهاج ط العلمية

ج / 3 ص -496-        كتاب النفقات
وما يذكر معها وأخرت إلى هنا لوجوبها في النكاح وبعده وجمعت لتعدد أسبابها الأتية النكاح والقرابة والملك وأورد عليها أسباب أخر ولا ترد لأن بعضها خاص وبعضها ضعيف من الإنفاق وهو الإخراج ولا يستعمل إلا في الخبر كما مر والأصل فيها الكتاب والسنة والإجماع وبدأ بنفقة الزوجة لأنها أقوى لكونها معاوضة في مقابلة التمكين من التمتع ولا تسقط بمضي الزمان فقال "على موسر" حر كله "لزوجته" ولو أمة وكافرة ومريضة "كل يوم" بليلته المتأخرة عنه أي من طلوع فجره ولا ينافيه ما يأتي عن الإسنوي فيما لو حصل التمكين عند الغروب لأن المراد منه كما هو ظاهر أنه يجب لها قسط ما بقي من غروب تلك الليلة إلى الفجر دون ما مضى من الفجر إلى الغروب ثم تستقر بعد ذلك من الفجر دائما. وما يأتي عن البلقيني أنه لا يجب القسط مطلقا ضعيف وإن كان في كلام الزركشي ما قد يوافقه "مدا طعام ومعسر" ومنه كسوب وإن قدر زمن كسبه على مال واسع, ومكاتب وإن أيسر لضعف ملكه وكذا مبعض على المعتمد لنقصه وإنما جعل موسرا في الكفارة بالنسبة لوجوب الإطعام لأن مبناها على التغليظ أي ولأن النظر للإعسار فيها يسقطها من أصلها ولا كذلك هنا وفي نفقة القريب احتياطا له لشدة لصوقه وصلة لرحمه "مد ومتوسط مد ونصف" ولو لرفيعة أما أصل التفاوت فلقوله تعالى {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: 7] وأما ذلك التقدير فبالقياس على الكفارة بجامع أن كلا مال يجب بالشرع ويستقر في الذمة وأكثر ما وجب فيها لكل مسكين مدان ككفارة نحو الحلق في النسك وأقل ما وجب له مد في كفارة نحو اليمين والظهار وهو يكتفي به الزهيد وينتفع به الرغيب فلزم الموسر الأكثر والمعسر الأقل والمتوسط ما بينهما وإنما لم يعتبر شرف المرأة وضده لأنها لا تعير بذلك ولا الكفاية كنفقة القريب لأنها تجب للمريضة والشبعانة نعم الظاهر خبر هند "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف" أنها مقدرة بالكفاية واختاره جمع من جهة الدليل وبسطوا القول فيه وقد يجاب عن الخبر بأنه لم يقدرها فيه بالكفاية فقط بل بها بحسب المعروف وحينئذ فما ذكروه. وهو المعروف المستقر كما هو ظاهر ولو فتح باب الكفاية للنساء الواجب من غير تقدير لوقوع التنازع لا إلى غاية فتعين ذلك التقدير اللائق بالعرف الشاهد له تصرف الشارع كما تقرر فاتضح ما قالوه واندفع قول الأذرعي لا أعرف لإمامنا رضي الله عنه سلفا في التقدير بالإمداد ولولا الأدب لقلت الصواب إنها بالمعروف تأسيا واتباعا ومما يرد عليه أيضا أنها في مقابلة وهي تقضي التقدير فتعين وأما تعين الحب فلأنها أخذت شبها من الكفارة من حيث كون كل منهما في مقابل وتفاوتوا في القدر لأنا وجدنا ذوي النسك متفاوتين فيه فألحقنا ما هنا بذلك في أصل التقدير وإذا ثبت أصله تعين استنباط معنى يوجب التفاوت وهو ما تقرر فتأمله "والمد" والأصل في اعتباره الكيل وإنما

 

ج / 3 ص -497-        ذكروا الوزن استظهارا أو إذا وافق الكيل كما مر ثم الوزن اختلفوا فيه فقال الرافعي إنه "مائة وثلاثة وسبعون درهما وثلث درهم" بناء على ما مر عنه في رطل بغداد. "قلت الأصح مائة وأحد وسبعون" درهما "وثلاثة أسباع" درهم "والله أعلم" بناء على الأصح السابق فيه "ومسكين الزكاة" المار ضابطه في باب قسم الصدقات "معسر" قيل هي عبارة مقلوبة وصوابها والمعسر هو مسكين الزكاة انتهى وليس في محله ومما يبطل حصره ما مر أن ذا الكسب الواسع معسر هنا وليس مسكين زكاة فتعين ما عبر به المتن لئلا يرد عليه ذلك ثم السياق قاض بأن المراد معسر هنا وكان وجه الفرق بينهما في متسع الكسب العمل بالعرف في البابين فإن أصحاب الاكتساب الواسعة لا يعطون زكاة أصلا ويعدون معسرين لعدم مال بأيديهم "ومن فوقه" في التوسع بأن كان له ما يكفيه من المال لا الكسب "إن كان لو كلف مدين" كل يوم لزوجته "رجع مسكينا فمتوسط وإلا" يرجع مسكينا لو كلف ذلك "فموسر" ويختلف ذلك بالرخص والغلاء زاد في المطلب وقلة العيال وكثرتها حتى أن الشخص الواحد قد يلزمه لزوجته نفقة موسر ولا يلزمه لو تعددت إلا نفقة متوسط أو معسر لكن استبعده الأذرعي وغيره واعترض هذا الضابط بما فيه نظر فاعلمه. "والواجب غالب قوت البلد" أي محل الزوجة من بر أو غيره كأقط كالفطرة وإن لم يلق بها ولا ألغته إذ لها إبداله "قلت فإن اختلف" غالبا قوت محلها أو أصل قوته بأن لم يكن فيه غالب "وجب لائق به" أي بيساره أو ضده ولا عبرة بما يتناوله توسيعا أو بخلا مثلا "ويعتبر اليسار وغيره" من التوسط والإعسار "وطلوع الفجر" إن كانت ممكنة حينئذ "والله أعلم" لأنها تحتاج إلى طحنه وعجنه وخبزه ويلزمه الأداء عقب طلوعه إن قدر بلا مشقة لكنه لا يخاصم فإن شق عليه فله التأخير كالعادة أما الممكنة بعده فيعتبر حاله عقب التمكين ويأتي أن من أراد سفرا يكلف طلاقها أو توكيل من ينفق عليها من مال حاضر "و" الواجب "عليه تمليكها" يعني أن يدفع إليها إن كانت كاملة وإلا فلوليها أو سيد غير المكاتبة ولو مع سكوت الدافع والأخذ "حبا" سليما إن كان واجبه كالكفارة ولأنه أكمل في النفع فتتصرف فيه كيف شاءت لا خبزا أو دقيقا مثلا "وكذا" عليه بنفسه أو نائبه وإن اعتادت تولي ذلك بنفسها على الأوجه "طحنه" وعجنه "وخبزه في الأصح" وإن أطال جمع في استشكاله وترجيح مقابله لأنها في حبسه وبهذا فارقت الكفارة حتى لو باعته أو أكلته حبا استحقت مؤن ذلك كما مال إليه الغزالي وميل الرافعي إلى خلافه. ويوجه الأول بأنه بطلوع الفجر تلزمه تلك المؤن فلم تسقط بما فعلته وكذا عليه مؤنة اللحم وما يطبخ به أي وإن أكلته نيئا أخذا مما ذكر. "ولو طلب أحدهما بدل الحب" مثلا من نحو دقيق أو قيمة بأن طلبته هي أو بذله هو فذكر الطلب فيه للتغليب أو لكونه بذله متضمنا لطلبه منها قبول ما بذله "لم يجبر الممتنع" لأنه اعتياض وشرطه التراضي "فإن اعتاضت" عن واجبها نقدا أو عرضا من الزوج أو غيره بناء على الأصح أنه يجوز بيع الدين لغير من عليه "جاز في الأصح" كالقرض بجامع استقرار كل في الذمة لمعين فخرج بالاستقرار المسلم فيه والنفقة المستقبلة كما جزما به ونقله غيرهما عن الأصحاب لأنها معرضة للسقوط وقضيته جريان ذلك في نفقة اليوم قبل مضيه لما يأتي أنها

 

ج / 3 ص -498-        لو نشزت فيه أو في ليلته الآتية سقطت نفقته وبحث جواز أخذه استيفاء لأن لها أن ترضى بغيره ما لها عند المشاحة لا اعتياضا فيه نظر ظاهر بل لا يصح لأن الفرض أنها إلى الآن لم تستقر فأي شيء تستوفيه حينئذ فما علل به الاستيفاء لا ينتجه كما هو ظاهر وإنما جاز لها التصرف فيما قبضته وإن احتمل سقوطه لأن ذلك لا يمنعه نظير ما مر في الأجرة وغيرها وبالمعين الكفارات وما في الكفاية من تصحيح الاعتياض عن المستقبلة ضعيف وإن سبقه إلى نحوه ابن كج وغيره حيث قالا للقاضي أن يفرض لها دراهم عن الخبز والأدم وتوابعهما وصرح الشيخان بجواز الاعتياض عن الصداق إذا كان دينا فما وقع للزركشي هنا من بحثه امتناعه أخذا من فتاوى ابن الصلاح وقوله لم يتعرضوا له وهم ويجب قبض ما تعوضته عن نفقة وغيرها لئلا يصير بيع دين بدين كذا نقل عن الزبيلي ويتعين حمله على الربوي أما غيره فيكفي تعيينه في المجلس كما مر في باب المبيع قبل قبضه "إلا خبزا ودقيقا" ونحوهما فلا يجوز أن تتعوضه عن الحب الموافق له جنسا "على المذهب" لأنه ربا ونقل الأذرعي مقابله عن كثيرين ثم حمل الأول على ما إذا وقع اعتياض بعقد والثاني على ما إذا كان مجرد استيفاء قال وهو المختار وعليه العمل قديما وحديثا ويؤيده قولهم. "ولو أكلت" مختارة عنده "معه كالعادة" أو وحدها أو أرسل إليها الطعام فأكلته بحضرته أو غيبته بل قال شارح أو أضافها رجل إكراما له "سقطت نفقتها" إن أكلت قدر الكفاية وإلا رجعت بالتفاوت كما رجحه الزركشي وقطع به ابن العماد قال وتصدق هي في قدر ما أكلته لأن الأصل عدم قبضها للزائد "في الأصح" لإطباق الناس عليه في زمنه صلى الله عليه وسلم وبعده ولم ينقل خلافه ولا أنه صلى الله عليه وسلم بين أن لهن الرجوع ولا قضاه من تركة من مات وقضية كلام الرافعي أنه على المقابل لا يرجع عليها قال البلقيني ولم يقل به أحد بل يتحاسبان ويؤدي كل ما عليه قيل للشافعي الحكم برضاها بالأكل معه لأنه ليس فيه حكم بنفقة مستقبلة ومن ثم جاز لها الرجوع عنه انتهى وفيه نظر إذ لا مسوغ ولا فائدة لهذا الحكم فهو بالعبث أشبه نعم إن كان هناك مخالف يمنعه ذلك الحكم اتجه تنفيذه لذلك "قلت إلا أن تكون" قنة أو "غير رشيدة" لصغر أو جنون أو سفه وقد حجر عليها بأن استمر سفهها المقارن للبلوغ وطرأ حجر عليها وإلا لم يحتج لإذن الولي "ولم يأذن" سيدها المطلق التصرف وإلا فوليه أو "وليها" في أكلها معه فلا تسقط قطعا لأنه متبرع "والله أعلم" واستشكل بإطباق السلف السابق إذ ليس فيه استفصال ويرد بأن غايته أنه كالوقائع الفعلية وهي تسقط بالاحتمالات فاندفع أخذ البلقيني بقضيته من سقوطها بأكلها معه مطلقا واكتفى بإذن الولي مع أن قبض غير المكلفة لغو لأن الزوج بإذنه يصير كالوكيل في الإنفاق عليها وظاهر أن محله إن كان لها فيه حظ وإلا لم يعتد بإذنه فيرجع عليه بما هو مقدر لها ولو قالت له قصدت بإطعامي التبرع فنفقتي باقية فقال بل قصدت النفقة صدق بلا يمين على ما في الاستقصاء والقياس وجوبها. "ويجب" لها "أدم غالب البلد" أي محل الزوجة نظير ما مر في القوت ومن ثم يأتي هنا ما مر في اختلاف الغالب ولم يعتبر ما يتناوله الزوج "كزيت" بدأ به لخبر أحمد والترمذي وغيرهما كالحاكم وصححه على شرطهما "كلوا الزيت وأدهنوا به فإنه من شجرة

 

ج / 3 ص -499-        مباركة" وفي لفظ فإنه طيب مبارك وفي آخر فإنه مبارك "وسمن وجبن وتمر" وخل لأنه من المعاشرة بالمعروف المأمور بها إذ الطعام لا ينساغ غالبا إلا به ويظهر أن الواو هنا لبيان أنواع الأدم فلا يرد عليه أنه يوهم وحوب الجمع بين المذكورات على أنه لا يبعد وجوبه إذا اعتيد كما هو قياس كلامهم الآتي وبحث الأذرعي أنه إذا كان القوت نحو لحم أو لبن اكتفي به في حق من يعتاد افتياته وحده ويجب لها أيضا المشروب كما أفهمه قوله الآتي آلات أكل وشرب وبحث الزركشي وغيره أنه يقدر بالكفاية وأنه إمتاع لا تمليك فيسقط بمضي المدة وكان وجهه أنه لا تمكن معرفة قدره بالنسبة لها ولا للخارج فاستحال وجوبه بمضي الزمان ويلزم من عدمه به كونه إمتاعا لا تمليكا ومنه يؤخذ أن ماء طهرها أو ثمنه على ما يأتي اللازم له تمليك لأنه يمكن تقديره كالكسوة. "ويختلف" الأدم "بالفصول" الأربعة فيجب في كل فصل ما يعتاده الناس فيه حتى الفواكه فيكفي عن الأدم على ما اقتضاه كلامهما وبحث الأذرعي الرجوع فيه للعرف وأنه يجب من الأدم ما يليق بالقوت بخلاف نحو خل لمن قوتها التمر وجبن لمن قوتها الأقط "ويقدره" كاللحم الآتي "قاض باجتهاده" عند تنازعهما إذ لا توقيف فيه "ويفاوت" فيه قدرا وجنسا "بين موسر وغيره" فيفرض ما يليق بحاله وبالمد أو المدين أو المد والنصف وتقدير الشافعي بمكيلة سمن أو زيت حملوه على التقريب وهي أوقية قال جمع أي حجازية وهي أربعون درهما لا بغدادية وهي نحو اثني عشر لأنها لا تغني عنها شيئا ونص على الدهن لأنه أكمل الأدم وأخفه مؤنة ولو تبرمت بجنس أدم فرض لها لم يبدل لرشيدة إذ لها إبداله بغيره وصرفه للقوت وعكسه وقيل له منعها من إبدال الأشرف بالأخس ويتعين ترجيحه إن أدى ذلك الإبدال إلى نقص تمتعه بها كما يؤخذ مما يأتي آخر الفصل ويعلم مما ذكر أن له منعها من ترك التأدم بالأولى أما غير رشيدة ليس لها من يقوم بإبداله فيبدله لها الزوج وبحث الأذرعي أنه يجب لها سراج أول الليل في البنيان ولها أن تصرفه لغير السراج والذي يتجه إناطة ذلك بعرف محلها. "و" يجب لها "لحم" ويقدره قاض عند تنازعهما باجتهاده معتبرا في قدره وجنسه وزمنه ما "يليق بيساره وإعساره" وتوسطه "كعادة البلد" أي محل الزوج في أكله ونوعه وقدره وزمنه كما هو ظاهر ولا يتقدر بشيء إذ لا توقيف فيه وتقديره في النص برطل أي بغدادي على المعسر في كل أسبوع أي ويوم الجمعة أولى لأنه أولى بالتوسيع جرى على عادة أهل مصر لعزة اللحم عندهم يومئذ ومن ثم تعتبر عادة أهل القرى من عدم تناولهم له إلا نادرا, أو عادة أهل المدن رخصا وغلاء وقربه البغوي بقوله: على موسر كل يوم رطل. ومتوسط كل يومين أو ثلاثة, ومعسر كل أسبوع. وقول جمع لا يزاد على ما مر عن النص لأن فيه كفاية لمن يقنع ضعيف وبحث الشيخان عدم وجوب أدم يوم اللحم ولهما احتمال بوجوبه على الموسر إذا أوجبنا عليه اللحم كل يوم ليكون أحدهما غداء والآخر عشاء واعتمد الأذرعي وغيره الأول وأيد بخبر ابن ماجه "سيد أدم أهل الدنيا والآخرة اللحم" فسماه أدما "ولو كانت تأكل الخبز وحده وجب الأدم" ولم ينظر لعادتها لما مر أنه من المعاشرة بالمعروف."وكسوة" بضم أوله وكسره معطوف على أدم أو

 

ج / 3 ص -500-        على جملة ما مر أول الباب أي وعلى زوج بأقسامه الثلاثة كسوة والأول أولى وذلك لقوله تعالى {وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] ولأنه صلى الله عليه وسلم عدها من حقوق الزوجية ولأن البدن لا يقوم بدونها كالقوت ومن ثم مع كون استمتاعه بكل البدن لم يكف فيها ما يقع عليه الاسم إجماعا بخلاف الكفارة بل لا بد أن تكون بحيث "تكفيها" بفتح أوله بحسب بدنها ويظهر أنه لا عبرة باعتياد أهل بلد تقصيرها كثياب الرجال وأنها لو طلبت تطويلها ذراعا كما في خبر أم سلمة أي وابتداؤه من نصف ساقها أجيبت وإن لم يعتده أهل بلدها لما فيه من زائدة الستر لها التي حث عليها الشارع ولمشاهدة كفاية البدن المانعة من وقوع التنازع فيها فلم يحتج إلى تقديرها بخلاف النفقة ويختلف عددها باختلاف محل الزوجة بردا وحرا ومن ثم لو اعتادوا ثوبا للنوم وجب كما جزم به بعضهم وجودتها وضدها بيساره وضده "فيجب قميص وسراويل" أو ما يقوم مقامه بالنسبة لعادة محلها "وخمار" للرأس أو ما يقوم مقامه كذلك "ومكعب" بضم ففتح أو بكسر فسكون ففتح أو نحوه يداس فيه إلا إذا لم يعتادوه. وهذه في كل من فصلي الشتاء والصيف "ويزيد في الشتاء" على ذلك في المحل البارد "جبة" محشوة أو نحوها فأكثر بحسب الحاجة "وجنسها" أي الكسوة "قطن" لأنه لباس أهل الدين وما زاد عليه ترفه ورعونة فعلى موسر لينه ومعسر خشنه, ومتوسط متوسطه "فإن جرت عادة البلد" أي المحل الذي هي فيه "لمثله" مع مثلها فكل منهما معتبر هنا "بكتان أو حرير وجب" مفاوتا في مراتب ذلك الجنس بين الموسر وضديه كما تقرر "في الأصح" عملا بالعادة المحكمة في مثل ذلك وأطال الأذرعي في الانتصار للثاني وأنه المذهب ولو اعتيد بمحل ليس نوع واحد ولو أدما كفى أو لبس ثياب رفيعة لا تستر البشرة أعطيت من صفيق يقرب منها ويجب توابع ذلك من نحو تكة سراويل وكوفية وزر نحو قميص أو جبة أو ظاهر أن أجرة الخياط وخيطه عليه لا عليها نظير ما مر في نحو الطحن "ويجب ما تقعد عليه" ويختلف باختلاف حال الزوج "كزلية" على متوسط شتاء وصيفا وهي بكسر الزاي وتشديد الياء مضرب صغير وقيل بساط كذلك وكطنفسة بساط صغير ثخين له وبرة كبيرة وقيل كساء في الشتاء ونطع في الصيف على موسر قالا ويشبه أن يكونا بعد بسط زلية أو حصير فإنهما لا يبسطان وحدهما "أو لبد" شتاء "أو حصير" صيفا على فقير لاقتضاء العرف ذلك. "وكذا" على كل منهم مع التفاوت بينهم نظير ما تقرر في فراش النهار "فراش للنوم" غير فراش النهار "في الأصح" لذلك فيجب مضربة لينة أو قطيفة وهي دثار مخمل وقول البيان هذا في امرأة الموسر أما زوجة غيره فيكفيها فراش النهار ضعيف واعترض صنيعهما هذا بأن الموجود في كتب الطريقين عكسه من حكاية الخلاف فيما قبل كذا والجزم فيما بعده "ومخدة" بكسر أوله "و" يجب لها مع ذلك "لحاف" أو كساء "في الشتاء" يعني وقت البرد ولو في غير الشتاء وما في الروضة من الوجوب في الشتاء مطلقا والتقييد بالمحل البارد في غيره يحمل على الغالب فلا ينافي ما تقرر خلافا لمن ظنه أما في غير وقت البرد ولو وقت الشتاء ولو في البلاد الحارة فيجب لها رداء أو نحوه إن كانوا ممن يعتادون فيه غطاء غير لباسهم أو يناموا عرايا كما هو السنة ولا يجب تجديد هذا كله

 

 

ج / 3 ص -501-        كالجبة إلا في وقت تجديده عادة. "و" يجب لها أيضا "آلة تنظف" لبدنها وثيابها ويرجع في قدر ذلك ووقته للعادة "كمشط" قال القفال وخلال وبه يعلم أن السواك كذلك بالأولى "ودهن" كزيت ولو مطيبا اعتيد ولو لكل البدن "وما يغسل به الرأس" عادة من سدر أو نحوه "ومرتك" بفتح أوله وكسره "ونحوه" كاسفيذاج وتوتيا وراسخت "لدفع صنان" إن لم يندفع بنحو رماد لتأذيها ببقائه "لا كحل وخضاب وما يزين" بفتح أوله غير ما ذكر كطيب وعطر لأنه لزيادة التلذذ فهو حقه فإن أراده هيأه ولزمها استعماله ونقل الماوردي أنه صلى الله عليه وسلم لعن المرأة السلتاء أي التي لا تختضب والمرهاء أي التي لا تكتحل من المره بفتحتين أي البياض ثم حمله على من فعلت ذلك حتى يكرهها ويفارقها وفي رواية ذكرها غيره "إني لأبغض المرأة السلتاء والمرهاء" والكلام في المزوجة لكراهة الخضاب أو حرمته لغيرها على ما مر فيه في باب الإحرام.
"تنبيه" ليس لحامل بائن ومن غاب زوجها إلا ما يزيل الشعث والوسخ على المذهب "ودواء مرض وأجرة طبيب وحاجم" وفاصد وخائن لأنها لحفظ الأصل "ولها طعام أيام المرض وأدمها" وكسوتها وآلة تنظفها وتصرفه للدواء أو غيره لأنها محبوسة عليه "والأصح وجوب أجرة حمام" لمن اعتادته أي ولا ريبة فيه بوجه كما هو ظاهر وحينئذ تدخله كل جمعة أو شهر مثلا مرة أو أكثر "بحسب العادة" المطردة في أمثالها للحاجة إليه حينئذ وتقييد بعضهم بمرة في الشهر خرج مخرج التمثيل وهذا بناء على جواز دخوله وإن كره وهو المعتمد وقال جمع: يحرم دخوله إلا لضرورة حاقة للأخبار الصحيحة المصرحة بمنعه وأطال الأذرعي في الانتصار له وخصه بما إذا شاركها غيرها فيه دون ما إذا أخلى لها "وثمن ماء غسل" ما تسبب عنه لنحو ملاعبة أو "جماع" منه "ونفاس" منه يعني ولادة ولو بلا بلل لأن الحاجة إليه من قبله وبه يعلم أنه لا يلزمه إلا ماء الفرض لا السنة.
"تنبيه" ظاهر قوله ثمن أنه الواجب لا الماء وإن حصلته بدون ثمن كما يجب لها القوت وغيره وإن حصل لها تبرعا وأنهما ما لو تنازعا فدفع لها ماء وطلبت ثمنه أجيبت وفيه نظر ثم رأيت شارحا قال الواجب الماء أو ثمنه وقضيته أن الخبرة إليه دونها وهو محتمل.
"لا حيض" وإن وطئ فيه أو بعد انقطاعه فيما يظهر "واحتلام" وألحق به استدخالها لذكره وهو نائم إذ لا صنع منه كغسل زناها ولو مكرهة وولادتها من وطء شبهة فماء هذه عليها دون الواطئ وفارق الزوج بأن له أحكاما تخصه فلا يقاس به غيره ألا ترى أنه تلزمه الكفارة دونها في جماع رمضان والنسك ومنه يؤخذ رد قول الزركشي فيمن أكره امرأة على الزنا القياس أنه يلزمه ماء غسلها كمهرها ولا تداخل لأنه من غير الجنس بخلاف أرش البكارة انتهى ووجه رده أن واطئ الشبهة قد يكون متعديا ومع ذلك لم يلزموه بماء فكذا الزاني ويفرق بين المهر والماء بأن المهر في مقابلة ما تمتع به فلزمه ولا كذلك الماء ويلزمه أيضا ماء وضوء وجب لتسببه فيه وحده بخلاف ما وجب لغير ذلك كأن تلامسا معا فيما يظهر وماء غسل ما تنجس من بدنها وثيابها وإن لم يكن بتسببه كما اقتضاه

 

ج / 3 ص -502-        إطلاقهم كماء نظافتها بل أولى. "ولها" عليه أيضا "آلات أكل وشرب" بتثليث أوله أو هو بالفتح مصدر وكل من الآخرين اسم ذكره في القاموس فاقتصار الزركشي على الضبط بالفتح وقوله وبه قيد حديث أيام منى أيام أكل وشرب إنما يأتي على الثاني "وطبخ كقدر وقصعة" بفتح القاف ومغرفة "وكوز وجرة ونحوها" كإجانة تغسل فيها ثيابها لأن المعيشة لا تتم بدون ذلك ومثله كما بحثه الأذرعي إبريق الوضوء ومنارة السراج إن اعتيدت ويرجع في جنس ذلك للعادة كالنحاس للشريفة والخزف لغيرها ويفاوت فيه بين الموسر وضديه نظير ما مر. "و" لها عليه أيضا "مسكن" تأمن فيه لو خرج عنها على نفسها ومالها وإن قل للحاجة بل الضرورة إليه وكالمعتدة بل أولى "يليق بها" عادة لأنها لا تملك إبداله لأنه امتناع بخلاف ما مر في النفقة والكسوة لأنها تملكهما وإبدالهما فاعتبرا به لا بها وتردد في المطلب في بدوية أراد قروي سكناها في القرية هل يسكنها بيت شعر أو حجرة واسعة لأن أعظم أغراضها السعة والذي يتجه النظر للعادة المطردة في أمثالها إذا سكنوا القرى ولو سكن معها في منزلها بإذنها أو لامتناعها من النقلة معه أو في منزل نحو أبيها بإذنه أو منعه من النقلة لم تلزمه أجرة لأن الإذن العري عن ذكر العوض ينزل على الإعارة والإباحة بخلافه مع السكوت كما مر مع زيادة قبيل الاستبراء "ولا يشترط كونه ملكه" لحصول المقصود بغيره كمعار. "وعليه لمن لا يليق بها خدمة نفسها" بأن كانت حرة ومثلها تخدم عادة في بيت أبيها مثلا بخلاف من لا تخدم فيه وإن حصل لها شرف من زوج أو غيره يعتاد لأجله إخدامها لأن الأمور الطارئة لا عبرة بها وظاهر قولهم ومثلها إلخ أنه لا تعتبر الخدمة في بيت أبيها بالفعل فلو كان مثلها يخدم عادة في بيت أبيه فتركه الأب بخلا أو لطرو إعسار أو ربيت في بيت غير أبيها ولم تخدم أصلا وجب إخدامها بخلاف من ليس مثلها كذلك وإن خدمت فلا يجب إخدامها وهو محتمل ويحتمل الضبط بوقوع الخدمة بالفعل في بيت مربيها والأول أقرب إلى كلامهم كما عرفت "إخدامها" ولو بدوية لأنه من المعاشرة بالمعروف بوحدة لا أكثر مطلقا إلا إن مرضت واحتاجت لأكثر من واحدة فيجب قدر الحاجة وله منع من لا تخدم من إدخال واحدة ومن تخدم وليست مريضة من إدخال أكثر من واحدة داره سواء أكن ملكها أم بأجرة والزوجة مطلقا من زيارة أبويها وإن احتضرا وشهود جنازتهما ومنعهما من دخولهما لها كولدها من غيره وتعيين الخادم ابتداء إليه فله إخدامها "بحرة" ولو متبرعة. وقول ابن الرفعة لها الامتناع من المتبرعة للمنة يرد بأن المنة عليه لا عليها لأن الفرض أنها إنما تبرعت عليه لا عليها "أو أمة له أو مستأجرة" أو صبي غير مراهق أو بنحو محرم لها أو مملوك وكذا كل من يحل نظره من الجانبين كممسوح لا ذمية وشيخ هرم قال الزركشي وهذا في الخدمة الباطنة أما الظاهرة فيتولاها الرجال والنساء من الأحرار والمماليك "أو بالإنفاق على من صحبتها من حرة أو أمة لخدمة" لحصول المقصود بجميع ذلك وبحث الأذرعي منع إخدام زوجة ذمية بمسلمة حرة أو أمة لما فيه من الإذلال وأن لها أن تمتنع إذا أخدمها أحد أصولها كما لو أراد أن يتولى خدمتها بنفسه ولو في نحو طبخ وكنس لأنها تستحيي منه غالبا وتتعير به وفي المراد بإخدامها

 

ج / 3 ص -503-        الواجب خلاف والمعتمد منه أنه ليس على خادمها إلا ما يخصها وتحتاج إليه كحمله الماء للمستحم والشرب وصبه على بدنها وغسل خرق الحيض والطبخ لأكلها بخلاف نحو الطبخ لأكله وغسل ثيابه فإنه عليه فله أن يفعله بنفسه وله منعها من أن تتولى خدمة نفسها لتفوز بمؤنة الخادم لأنها تصير بذلك مبتذلة وخرج بقولنا ابتداء ما إذا أخدمها من ألفتها أو حملت مألوفة معها فليس له إبدالها من غير ريبة أو خيانة ويصدق هو بيمينه فيما يظهر. "تنبيه" سبق في الإجارة ويأتي آخر الأيمان ما يعلم منه اختلاف الخدمة باختلاف الأبواب لإناطة كل بعرف يخصه.
"وسواء في هذا" أي الإخدام بشرطه "موسر ومعسر وعبد" كسائر المؤن واختيار كثيرين عدم وجوبه على المعسر مستدلين بأنه صلى الله عليه وسلم لم يوجب لفاطمة على علي رضي الله عنهما خادما لإعساره يرد بأنه لم يثبت أنهما تنازعا في ذلك فلم يوجبه وأما مجرد عدم إيجابه من غير تنازع فهو لما طبع عليه صلى الله عليه وسلم من المسامحة بحقوقه وحقوق أهله على أنها واقعة حال محتملة فلا دليل فيها "فإن أخدمها بحرة أو أمة بأجرة فليس عليه غيرها" أي الأجرة "أو بأمته أنفق عليها بالملك أو بمن صحبتها" ولو أمتها "لزمه نفقتها" لا تكرار فيه مع قوله أولا أو بالإنفاق إلخ لأن ذاك لبيان أقسام واجب الإخدام وهذا البيان أنه إذا اختار أحد تلك الأقسام ما الذي يلزمه فقول شارح إنه مكرر استرواح "وجنس طعامها" أي التي صحبتها "جنس طعام الزوجة" لكن يكون أدون منه نوعا لأنه المعروف "وهو" من جهة المقدار "مد على معسر" إذ النفس لا تقوم بدونه غالبا. "وكذا متوسط" عليه مد "في الصحيح" كالمعسر وكان وجه إلحاقهم له به هنا لا في الزوجة أن مدار نفقة الخادم على سد الضرورة ولا المواساة والمتوسط ليس من أهلها فساوى المعسر بخلاف الموسر "وموسر مد وثلث" ووجهه أن نفقة الخادمة على المتوسط ثلثا نفقة المخدومة عليه فجعل الموسر كذلك إذ المد والثلث ثلثا المدين "ولها" أي التي صحبتها "كسوة تليق بحالها" فتكون دون كسوة المخدومة جنسا ونوعا كقميص ونحو جبة شتاء كالعادة وكذا مقنعة وملحفة وخف لحرة وأمة شتاء وصيفا وقطعة ونحو قبع لذكر وإنما وجبت لها الملحفة لاحتياجها للخروج بخلاف المخدومة وما تجلس عليه كحصير صيفا وقطعة لبلد شتاء ومخدة وما تتغطى به ليلا شتاء ككساء لا نحو سراويل "وكذا" لها "أدم على الصحيح" لأن العيش لا يتم بدونه كجنس أدم المخدومة ودونه نوعا وقدره بحسب الطعام وفي وجوب اللحم لها وجهان والذي يتجه ترجيحه منهما اعتبار عادة البلد "لا آلة تنظف" فلا تجب لها لأن اللائق بحالها عدمه لئلا تمتد إليها الأعين. "فإن كثر وسخ وتأذت" الأنثى وذكرت لأنها الأغلب وإلا فالذكر كذلك "بقمل وجب أن ترفه" بأن تعطى ما يزيل ذلك "ومن تخدم نفسها في العادة إن احتاجت إلى خدمة لمرض أو زمانة وجب إخدامها" ولو أمة بواحدة فأكثر كما مر للضرورة "ولا إخدام لرقيقة" أي من فيها رق وإن قل في حال صحتها ولو جميلة لأنه لا يليق بها "وفي الجميلة وجه" لجريان العادة به وقد يمنع ذلك بأنه غير مطرد وإن وجد فهو لعروض سبب محبة ونحوها فلم ينظر إليه.

 

ج / 3 ص -504-        "فرع" قال ابن الصلاح له نقل زوجته من الحضر إلى البادية وإن كان عيشها خشنا لأن لها عليه نفقة مقدرة أي لا تزيد ولا تنقص وأما خشونة عيش البادية فيمكنها الخروج عنه بالإبدال كما مر قال وليس له أن يسد عليها الطاقات في مسكنها وله أن يغلق عليها الباب إذا خاف ضررا يلحق في فتحه وليس له منعها من نحو غزل وخياطة في منزله ا هـ وما ذكره آخرا يتعين حمله على غير زمن الاستمتاع الذي يريده وعلى ما إذا لم تتقذر به وفي سد الطاقات يحمل على طاقات لا ريبة في فتحها وإلا فله السد بل يجب عليه كما أفتى به ابن عبد السلام في طاقات ترى منها الأجانب أي وعلم منها تعمد رؤيتهم لأنه من باب النهي عن المنكر.
"ويجب في المسكن إمتاع" إجماعا واعترض ولأنه لمجرد الانتفاع فأشبه الخادم المعلوم مما قدمه فيه أنه كذلك "و" في "ما يستهلك كطعام" لها أو لخادمها المملوكة لها أو الحرة "تمليك" للحرة ولسيد الأمة بمجرد الدفع من غير لفظ كما في الكفارة "و" ينبني على كونه تمليكا أن الحرة وسيد الأمة كل منهما "يتصرف فيه" بما شاء من بيع وغيره ولأجل هذا مع غرض التقسيم وطئا له بما قبله وإن علم من قوله السابق تمليكها حبا "فلو قترت" أي ضيقت على نفسها في طعام أو غيره ومثلها في هذا سيد الأمة كما هو ظاهر "بما يضرها" ولو بأن ينفره عنها أو بما يضر خادمها "منعها" لحق التمتع "وما دام نفعه ككسوة" ومنها الفرش فلا يرد عليه "وظروف طعام" لها ومنه الماء "ومشط" وما في معناه من آلات التنظيف "تمليك" كالطعام بجامع الاستهلاك واستقلالها بأخذه فيشترط كونها ملكه وتتصرف فيها بما شاءت إلا أن تقتر ولها منعه من استعمال شيء من ذلك وكذا كل ما يكون تمليكا "وقيل إمتاع" فيكفي نحو مستعار ولا تتصرف هي بغير ما أذن لها كالسكن والخادم. والفرق ما مر أنها تستقل بهذين بخلاف نحو الكسوة واختير هذا في نحو فرش ولحاف وظاهر أنها على الأول تملكه بمجرد الدفع والأخذ من غير لفظ وإن كان زائدا على ما يجب لها لكن الصفة دون الجنس فيقع عن الواجب بمجرد إعطائه من غير قصد صارف عنه وقبضها لأن الصفة الزائدة وقعت تابعة فلم تحتج للفظ بخلاف الجنس فلا تملكه إلا بلفظ لأنه قد يعيرها قصدا لتجملها به ثم يسترجعه منها ومن ثم لو قصد به الهدية ملكته بمجرد القبض إذ لا يشترط فيها بعث ولا إكرام وتعبيرهم بهما للغالب وحينئذ فكسوتها الواجبة لها باقية في ذمته وفي الكافي لو اشترى حليا وديباجا لزوجته وزينها به لا يصير ملكها لها بذلك ولو اختلفت هي والزوج في الإهداء والعارية صدق ومثله وارثه كما يعلم مما مر آخر العارية والقراض وفي الكافي أيضا لو زوج بنته بجهاز لم تملكه إلا بإيجاب وقبول والقول قوله أنه لم يملكها ويؤخذ مما تقرر أن ما يعطيه الزوج صلحة أو صباحية كما اعتيد ببعض البلاد لا تملكه إلا بلفظ أو قصد إهداء وإفتاء غير واحد بأنه لو أعطاها مصروفا للعرس ودفعا لصباحية فنشزت استرد الجميع غير صحيح إذ التقييد بالنشوز لا يتأتى في الصباحية لما قررته فيها كالمصلحة لأنه إن تلفظ بالإهداء أو قصده ملكته من غير جهة الزوجية وإلا فهو ملكه وأما مصروف العرس فليس بواجب فإذا صرفته بإذنه ضاع عليه وأما الدفع أي

 

ج / 3 ص -505-        المهر فإن كان قبل دخول استرده وإلا فلا لتقرره به فلا يسترد بالنشوز. "وتعطى الكسوة أول شتاء" لتكون عن فصلها وفصل الربيع "و" أول "صيف" لتكون عنه وعن الخريف هذا وإن وافق أول وجوبها أول فصل الشتاء وإلا أعطيت وقت وجوبها ثم جددت بعد كل ستة أشهر من ذلك نعم ما يبقى سنة فأكثر كفرش وبسط وجبة يعتبر في تجديدها العادة الغالبة كما مر "فإن تلفت" الكسوة "فيه" أي أثناء الفصل "بلا تقصير لم تبدل إن قلنا تمليك" كنفقة تلفت في يدها وبلا تقصير أي منها ليس قيدا لما بعده بل عدم الإبدال مع التقصير أولى بل لمقابله وهو الإمتاع أما منه فهو قيد لما بعده ومن ثم صرح ابن الرفعة بأنها لو بليت أثناء الفصل لسخافتها أبدلها لتقصيره "فإن" نشزت أثناء الفصل سقطت فإن عادت للطاعة كان أول فصل الكسوة ابتداء عودها ولا حساب لما قبل النشوز من ذلك الفصل لأنه بمنزلة يوم النشوز وإن "ماتت" أو مات "فيه لم ترد" إن قلنا تمليك وأفهم "ترد" أنها قبضتها فإن وقع موت أو فراق قبل قبضها وجب لها من قيمة الكسوة ما يقابل زمن العصمة على ما بحثه ابن الرفعة ونقل عن الصيمري لكن أفتى المصنف بوجوبها كلها وإن ماتت أول الفصل وسبقه إلى نحوه الروياني واعتمده جمع متأخرون منهم الأذرعي والبلقيني وأطال في الانتصار له قال ولا يهول عليه بأنها كيف تجب كلها بعد مضي لحظة من الفصل لأن ذلك جعل وقتا للإيجاب فلم يفترق الحال بين قليل الزمان وطويله أي ومن ثم ملكتها بالقبض وجاز لها التصرف فيها بل لو أعطاها كسوة أو نفقة مدة مستقبلة جاز وملكت بالقبض لتعجيل الزكاة ويسترد أن حصل مانع وفي القياس على تعجيل الزكاة نظر لأن له سببين دخل وقت أحدهما ومن ثم لم يجز لسنتين وليس هنا إلا سبب واحد هو أول اليوم أو الفصل إلا أن يقال النكاح هو السبب الأول فحينئذ يجوز التعجيل مطلقا "ولو لم يكس" ها أو ينفقها "مدة" هي ممكنة فيها "ف" الكسوة والنفقة لجميع ما مضى من تلك المدة "دين" لها عليه إن قلنا تمليك لأنها استحقت ذلك في ذمته.
"فرع" ادعت نفقة أو كسوة ماضية كفى في الجواب لا تستحق على شيئا وكذا نفقة اليوم إلا إن عرف التمكين على ما بحثه بعضهم وفيه نظر بل الأوجه أنه يكفي وإن عرف ذلك لأن نشوز لحظة يسقط نفقة جميعه كما يأتي وتصدق بيمينها في عدم النشوز وعدم قبض النفقة.

فصل في موجب المؤن ومسقطاتها
"الجديد أنها" أي: المؤن السابقة من نحو نفقة وكسوة "تجب" يوما بيوم أو فصلا بفصل, أو كل وقت اعتيد فيه التجديد, أو دائما بالنسبة للمسكن والخادم على ما مر "بالتمكين" التام ومنه أن تقول مكلفة, أو سكرانة, أو ولي غيرهما متى دفعت المهر الحال سلمت قال بعضهم: بشرط ملازمتها لمسكنه وفيه نظر; لأن حبسها لنفسها الجائز لها يشمل امتناعها من مسكنه أيضا; لأنه المقصر, وذلك; لأنها في مقابلته, ويثبت بإقراره وبشهادة البينة به, أو بأنها في غيبته باذلة للطاعة ملازمة للمسكن, ونحو ذلك ولها مطالبته بها إن أراد سفرا طويلا كما

 

ج / 3 ص -506-        قاله الدارمي والبغوي: ولا غرابة فيه خلافا لأبي زرعة فيلزم القاضي إجابتها لذلك ويفرق بينها وبين من له دين مؤجل فإنه لا منع له, وإن كان يحل عقب الخروج بأن الدائن ليس في حبس المدين, وهو المقصر برضاه بذمته, ولا كذلك الزوجة فيهما إذ لا تقصير منها, وهي في حبسه فلو مكناه من السفر الطويل بلا نفقة ولا منفق لأدى ذلك إلى إضرارها بما لا يطاق الصبر عليه لا سيما الفقيرة التي لا تجد منفقا فاقتضت الضرورة إلزامه ببقاء كفايتها عند من يثق به لينفق عليها يوما فيوما وكبقاء مال لذلك دينه على موسر مقر باذل وجهة ظاهرة اطردت العادة باستمرارها فيما يظهر في الكل, ومثلها بعضه الذي يلزمه إنفاقه فيلزمه أن يترك له ما ذكر, أو قطع السبب بفراقها, وخرج بالتام ما لو مكنته ليلا فقط مثلا, أو في دار مخصوصة مثلا فلا نفقة لها وبحث الإسنوي أنه لو حصل التمكين وقت الغروب فالقياس وجوبها بالغروب قال شيخنا عقبه والظاهر أن مراده وجوبها بالقسط فلو حصل ذلك وقت الظهر فينبغي وجوبها كذلك من حينئذ انتهى. ورجح البلقيني أنه لا يجب القسط مطلقا ويتردد النظر في المراد بالقسط هل هو باعتبار توزيعها على الزمن كله أعني من الفجر إلى الفجر فتحسب حصة ما مكنته من ذلك, وتعطاها, أو على اليوم فقط, أو على وقتي الغداء والعشاء كل محتمل والأقرب الأول بل قول الإسنوي فالقياس وجوبها بالغروب صريح فيه إذ الظاهر أن مراده وجوبها به بالقسط لا مطلقا كما أفاده الشيخ, فإن قلت: ينافي ذلك قولهم تسقط نفقة اليوم بليلته بنشوز لحظة, ولا توزع على زماني الطاعة والنشوز; لأنها لا تتجزأ ومن ثم سلمت دفعة, ولم تفرق غدوة وعشية قلت: يفرق بأنه تخلل هنا مسقط فلم يمكن التوزيع معه لتعديها به غالبا بخلافه ثم فإنه لا مسقط فوجب توزيعها على زمن التمكين وعدمه إذ لا تعدي هنا أصلا فإن قلت قياس ذلك أنها لو منعته من التمكين بلا عذر, ثم سلمت أثناء اليوم مثلا لم توزع قلت القياس ذلك, وسيأتي عن الأذرعي ما يؤيده قال البلقيني: ومقتضى كلام الرافعي في الفسخ بالإعسار أن ليلة اليوم في النفقات هي التي بعده, وسببه أن عشاء الناس قد يكون بعد الغروب, وقد يكون قبله فلتكن ليالي النفقة تابعة لأيامها "لا العقد" بخلاف المهر; لأن جملتها في مدة العقد مجهولة, والعقد لا يوجب مالا مجهولا ولأنها تخالف المهر, والعقد لا يوجب عوضين مختلفين "فإن" "اختلفا فيه" أي: التمكين بأن ادعته فأنكره "صدق" بيمينه; لأن الأصل عدمه ومن ثم لو اتفقا عليه, وادعى سقوطه بنشوزها فأنكرت صدقت; لأن الأصل حينئذ بقاؤه "فإن لم تعرض عليه" من جهة نفسها, أو وليها "مدة فلا نفقة" لها "فيها" أي: تلك المدة, وإن لم يطالبها لعدم التمكين, وقضيته أنه لا فرق بين علمها بالنكاح, وعدمه فلو عقد وليها إجبارا وهي رشيدة ولم تعلم فتركت العرض مدة, ثم علمت لم تجب لها مؤنة تلك المدة وفيه نظر; لأنها الآن معذورة بعدم العلم, وهو مقصر بعدم الطلب, وقد يجاب بأن المؤن إنما هي في مقابلة التمكين فمتى وجد وجدت, ومتى انتفى انتفت, ولا نظر لذلك التقصير ألا ترى أنه لو طلقها بائنا, ولم تعلم إلا بعد مدة لم تلزمه مؤنة تلك المدة, وإن قصر بعدم إعلامها, وقد سئلت عمن طلق ناشزة, ثم راجعها ولم يعلمها بالرجعة فهل يلزمه مؤنتها قبل العلم, وقياس ما تقرر عدم اللزوم

 

ج / 3 ص -507-        سواء أقلنا الرجعة ابتداء أم استدامة; لأنها إن كانت ابتداء فقد علم أنه لا بد من التمكين; لأن الجهل بالنكاح غير عذر, أو استدامة فواضح; لأنها بالرجعة عادت للنكاح الذي كانت لا تستحق فيه مؤنة فيستصحب عليها حكمه فإن قلت: يأتي قريبا أن كون الامتناع منه يجعله كالمتسلم لها وهذا ينافي ما تقرر قلت: لا ينافيه; لأنها ثم عرضت نفسها عليه فامتنع فعدت ممكنة, ولا كذلك هنا فإنه لا عرض منها أصلا فلا تمكين "وإن عرضت" كذلك عليه إن كان مكلفا وإلا فعلى وليه بأن أرسلت له غير المحجورة أو ولي المحجورة أني ممكنة, أو ممكن "وجبت" النفقة, والكسوة ونحوهما "من بلوغ الخبر" له; لأنه المقصر حينئذ "فإن غاب" الزوج عن بلدها ابتداء, أو بعد تمكينها, ثم نشوزها كما يأتي, ثم أرادت عرض نفسها لتجب مؤنتها رفعت الأمر للحاكم, وأظهرت له التسليم وحينئذ "كتب الحاكم" وجوبا كما هو ظاهر "لحاكم بلده" إن عرف "ليعلمه" بالحال "فيجيء" لها "أو يوكل" من يتسلمها له أو يحملها إليه, وتجب مؤنتها من وصول نفسه, أو وكيله "فإن لم يفعل" ذاك مع قدرته عليه "ومضى" بعد أن بلغه ذلك "زمن" إمكان "وصوله" إليها "فرضها القاضي" في ماله من حين إمكان وصوله وجعل كالمتسلم لها; لأن الامتناع منه, أما إذا لم يعرف فليكتب لحكام البلاد التي تردها القوافل عادة من تلك البلاد ليطلب, وينادي باسمه فإن لم يظهر فرض الحاكم نفقتها الواجبة على المعسر ما لم يعلم أنه بخلافه في ماله الحاضر, وجزم بعضهم بأن له فرض الدراهم ومر أول الباب ما يرده وأخذ منها كفيلا بما تأخذه منه لاحتمال عدم استحقاقها فإن لم يكن له مال حاضر احتمل أن يقال: إنه يفترض عليه, أو يأذن لها في الاقتراض, وأما إذا منعه من السير, أو التوكيل عذر فلا يفرض عليه شيئا لعدم تقصيره, ورجح الأذرعي, وغيره قول الإمام يكتفى بعلمه من غير جهة الحاكم, ولو بإخبار مقبول الرواية "والمعتبر في مجنونة ومراهقة" قيل: الأحسن ومعصر; لأن المراهقة وصف مختص بالغلام يقال: غلام مراهق, وجارية معصر ومر ما فيه في النكاح "عرض ولي" لها لا هي; لأنه المخاطب بذلك نعم لو تسلم المعصر بعد عرضها نفسها عليه, ونقلها لمنزله لزمه نفقتها, وبحث الأذرعي أن نقلها لمنزله غير شرط بل الشرط التسليم التام ويظهر أن عرضها نفسها عليه غير شرط أيضا بل متى تسلمها, ولو كرها عليها وعلى وليها لزمه مؤنتها, وكذا تجب بتسليم بالغة نفسها لزوج مراهق فتسلمها, وإن لم يأذن وليه; لأن له يدا عليها بخلاف نحو مبيع له. "وتسقط" المؤن كلها "بنشوز" منها إجماعا أي: خروج عن طاعة الزوج, وإن لم تأثم كصغيرة ومجنونة, ومكرهة, وإن قدر على ردها للطاعة فترك أي: إلحاقا بذلك بالجناية قيل: المراد بالسقوط منع الوجوب لا حقيقته إذ لا يكون إلا بعد الوجوب انتهى, وليس على إطلاقه بل المراد به هنا حقيقته إذ لو نشزت أثناء يوم, أو ليل سقطت نفقته الواجبة بفجره, أو أثناء فصل سقطت كسوته الواجبة بأوله, ويعلم من ذلك سقوطها لما بعد يوم, وفصل النشوز بالأولى, ولو جهل سقوطها بالنشوز فأنفق رجع عليها إن كان ممن يخفى عليه ذلك كما هو قياس نظائره, وإنما لم يرجع من أنفق في نكاح, أو شراء فاسد, وإن جهل ذلك; لأنه شرع في عقدهما على أن يضمن المؤن بوضع اليد, ولا كذلك هنا ويحصل

 

ج / 3 ص -508-        "ولو" بحبسها ظلما, أو بحق وإن كان الحابس وهو الزوج إلا إن كانت معسرة وعلم على الأوجه, ثم رأيت أبا زرعة أفتى بذلك. فإن قلت: ما ذكر في حبس الزوج لها مشكل; لأنه إذا كان هو الحابس يمكنه التمتع بها فيه, أو بإخراجها منه إلى محل لائق, ثم يعيدها إليه قلت: كل من هذين فيه مشقة عليه فلم يعد قادرا عليها أما في الأول فواضح, وأما في الثاني فلأنه إذا فعل بها ذلك لم يؤثر فيها الحبس فلم يفده شيئا, فإن قلت: ما الفرق بين هذا وما يأتي أنه لو طلبها للسفر معه فأقرت بدين فمنعها المقر له منه بقيت نفقتها قلت: الفرق أنه ثم ما لم يسافر يعد متمكنا منها بلا مشقة فالامتناع إنما هو منه بخلافه فيما هنا, وتعين السفر عليه نادر لا يعول عليه, أو باعتدادها لوطء شبهة, أو بغصبها, أو "بمنع" الزوجة للزوج من نحو "لمس", أو نظر بتغطية وجهها, أو تولية عنه, وإن مكنته من الجماع "بلا عذر"; لأنه حقه كالوطء بخلافه بعذر كأن كان بفرجها قرحة, وعلمت أنه متى لمسها واقعها "وعبالة زوج" بفتح العين أي: كبر ذكره بحيث لا تحتمله "أو مرض" بها "يضر معه الوطء", أو نحو حيض "عذر" في عدم التمكين من الوطء فتستحق المؤن, وتثبت عبالته بأربع نسوة. فإن لم يكن معرفتها إلا بنظرهن إليهما مكشوفي الفرجين حال انتشار عضوه جاز ليشهدن, وليس لها امتناع من زفاف لعبالة بخلاف المرض لتوقع شفائه "والخروج من بيته" أي: من المحل الذي رضي بإقامتها فيه, ولو ببيتها أو بيت أبيها كما هو ظاهر, ولو لعبادة, وإن كان غائبا بتفصيله الآتي "بلا إذن" منه ولا ظن رضاه عصيان و "نشوز" إذ له عليها حق الحبس في مقابلة المؤن, وأخذ الأذرعي, وغيره من كلام الإمام أن لها اعتماد العرف الدال على رضا أمثاله لمثل الخروج الذي تريده, وهو محتمل ما لم يعلم منه غيرة تقطعه عن أمثاله في ذلك, ومن الإذن قوله: إن لم تخرجي ضربتك فلا يسقط به حقها ما لم يطلبها للرجوع فتمتنع كما أفتى به بعضهم, ويتعين حمله على امتناعها عبثا لا خوفا من ضربه الذي توعدها به إلا إن أمنها ووثقت بصدقه فيما يظهر "إلا أن يشرف" البيت أي: أو بعضه الذي يخشى منه كما هو ظاهر "على انهدام" وهل يكفي قولها خشيت انهدامه, أو لا بد من قرينة تدل عليه عادة؟ كل محتمل والثاني أقرب, أو تخاف على نفسها, أو مالها كما هو ظاهر من فاسق, أو سارق. ويظهر أن الاختصاص الذي له وقع كذلك, أو تحتاج للخروج لقاض لطلب حقها, أو الخروج لتعلم, أو استفتاء لم يغنها الزوج الثقة أي: أو نحو محرمها كما هو ظاهر عنه, ويظهر أنها لو احتاجت للخروج لذلك وخشي عليها منه فتنة والزوج غير ثقة, أو امتنع من أن يعلمها, أو يسأل لها أجبره القاضي على أحد الأمرين, ولو بأن يخرج معها أو يستأجر من يسأل لها, أو يخرجها معير المنزل, أو متعد ظلما, أو يهددها بضرب ممتنع فتخرج خوفا منه فخروجها حينئذ غير نشوز للعذر فتستحق النفقة ما لم يطلبها لمنزل لائق فتمتنع ويظهر تصديقها في عذر ادعته إن كان مما لا يعلم إلا منها كالخوف مما ذكر, وإلا احتاجت إلى إثباته, وقد يشكل ما ذكر هنا من إخراج المتعدي لها بحبسها ظلما إلا أن يفرق بأن نحو الحبس مانع عرفا بخلاف مجرد إخراجها من منزلها, ومن النشوز أيضا امتناعها من السفر معه, ولو لغير نقلة كما هو ظاهر لكن بشرط أمن الطريق والمقصد, وأن لا يكون السفر في

 

ج / 3 ص -509-        البحر الملح إلا إن غلبت فيه السلامة, ولم يخش من ركوبه ضررا يبيح التيمم, أو يشق مشقة لا تحتمل عادة. وعلى هذا التفصيل الذي ذكره البلقيني, واعتمده غيره يحمل إطلاق جمع منهم القفال وابن الصلاح المنع, وجرى عليه في الأنوار وكذا الإسنوي بل زاد أنه يحرم إركابها, ولو بالغة ولو طلبها للسفر فأقرت بدين عليها ليمنعها الدائن منه بطلب حبسها, أو التوكل بها فالقياس صحة الإقرار ظاهرا لكن يظهر أن للزوج تحليف المقر له أن الإقرار عن حقيقة, ثم رأيت شريحا الروياني صرح بصحة الإقرار, واعتمده الأذرعي وغيره قال الأذرعي: لكن لو أقام بينة بأنها أقرت فرارا من السفر فوجهان وقبوله بعيد إلا إن توفرت القرائن بحيث تقارب القطع فهو محتمل, وقد يعرفونه بإقرارها, أو بإقرار الغريم انتهى. وتخطئة التاج الفزاري ما ذكره شريح بأن حق الزوج لا يسقط بإقرارها غير صحيحة; لأن الإقرار إخبار عن حق سابق فالمدار فيه على الظواهر لا غير كيف وإقرار المفلس بعد الحجر بدين قبله صحيح مع ظهور المواطأة فيه غالبا, ولم ينظروا إليها, ثم رأيتني ذكرت ذلك أواخر التفليس بزيادة فراجعه. وإقرارها بإجارة عين سابقة على النكاح كهو بالدين ولو كان لها عليه مهر فلها الامتناع من السفر معه حتى يوفيها كما أفاده قول القفال في فتاويه إذا دفع لامرأته صداقها فليس لها الامتناع من السفر معه والقاضي في فتاويه للولي حمل موليته من بلد الزوج إلى بلده حتى يقبض مهرها قال الزركشي وابن العماد: وقياسه أن لبالغة زوجها الحاكم ولم يعطها الزوج مهرها السفر لبلدها مع محرم لكن توقف الأذرعي فيما قاله القاضي فهذه أولى والذي يتجه في دينها عليه الحال المهر وغيره أنه عذر في امتناعها من السفر; لأنه إذا جاز لها منعه منه فأولى منعه من إجبارها عليه, ويلحق المعسر بالموسر في ذلك فيما يظهر فأما سفر الولي, وسفرها المذكوران فالوجه امتناعهما إلا في مهر جاز لها حبس نفسها لتقبضه. "وسفرها بإذنه معه" ولو لحاجتها, أو حاجة أجنبي "أو" بإذنه وحدها "لحاجته" ولو مع حاجة غيره على ما يأتي "لا يسقط" مؤنها;; لأنها ممكنة وهو المفوت لحقه في الثانية, وخرج بقوله: بإذنه سفرها معه بدونه لكن صححا وجوبها هنا أيضا; لأنها تحت حكمه, وإن أثمت, وبحث الأذرعي أن محله إن لم يمنعها وإلا فناشزة قال البلقيني: وهو التحقيق لكنه قيده بقوله: ولم يقدر على ردها والظاهر أنه مجرد تصوير لما مر أنه لا فرق بين قدرته على ردها لطاعته وإن لا "و" سفرها "لحاجتها", أو حاجة أجنبي بإذنه لا معه "يسقط" مؤنها "في الأظهر" لعدم التمكين أما بإذنه لحاجتهما فمقتضى قولهم في إن خرجت لغير الحمام فأنت طالق فخرجت له, ولغيره لم تطلق عدم السقوط, وقولهم: لو ارتدا معا لا متعة لها السقوط واعتمده البلقيني وغيره, ونص الأم والمختصر ظاهر فيه وفي الجواهر وغيرها عن الماوردي وأقروه لو امتنعت من النقلة معه لم تجب النفقة إلا إن كان يتمتع بها في زمن الامتناع فتجب, ويصير تمنعه بها عفوا عن النقلة حينئذ انتهى, وقضيته جريان ذلك في سائر صور النشوز وهو محتمل, ونوزع فيه بما لا يجدي وما مر في مسافرة معه بغير إذنه من وجوب نفقتها لتمكينها, وإن أثمت بعصيانه صريح فيه, وظاهر كلام الماوردي أنها لا تجب إلا زمن التمتع دون غيره نعم يكفي في وجوب نفقة اليوم تمتع لحظة منه بعد النشوز, وكذا الليل.

 

ج / 3 ص -510-        "ولو" "نشزت" كأن خرجت من بيته "فغاب فأطاعت" في غيبته بنحو عودها لبيته "لم تجب" مؤنها ما دام غائبا "في الأصح" لخروجها عن قبضته فلا بد من تجديد تسليم, وتسلم, ولا يحصلان مع الغيبة, وبه فارق نشوزها بالردة فإنه يزول بإسلامها مطلقا لزوال المسقط, وأخذ منه الأذرعي أنها لو نشزت في المنزل, ولم تخرج منه كأن منعته نفسها فغاب عنها ثم عادت للطاعة عادت نفقتها من غير قاض وهو كذلك على الأصح قال: وحاصل ذلك الفرق بين النشوز الجلي والنشوز الخفي انتهى. ويتجه أن مراده بعودها للطاعة إرسال إعلامه بذلك بخلاف نظيره في النشوز الجلي وإنما قلنا ذلك; لأن عودها للطاعة من غير علمه بعيد كما هو ظاهر وهل إشهادها عند غيبته وعدم حاكم كإعلامه؟ فيه نظر وقياس ما مر في نظائره نعم "وطريقها" في عود الاستحقاق."أن يكتب الحاكم كما سبق" في ابتداء التسليم فإذا علم وعاد, أو أرسل من يتسلمها أو ترك ذلك لغير عذر عاد الاستحقاق.
"فرع" التمست زوجة غائب من القاضي أن يفرض لها فرضا عليه اشترط ثبوت النكاح, وإقامتها في مسكنه, وحلفها على استحقاق النفقة وأنها لم تقبض منه نفقة مستقبلة فحينئذ يفرض لها عليه نفقة معسر حيث لم يثبت أنه غيره, ويظهر أن محل ذلك إن كان له مال حاضر بالبلد تريد الأخذ منه, وإلا فلا فائدة للفرض إلا أن يقال: له فائدة هي منع المخالف من الحكم بسقوطها بمضي الزمان, وأيضا فيحتمل ظهور مال له بعد فتأخذ منه من غير احتياج لرفع إليه.
. "ولو" "خرجت" لا على وجه النشوز "في غيبته" عن البلد بلا إذنه "لزيارة" لقريب لا أجنبي أو أجنبية على الأوجه, وقضية التعبير هنا بالقريب وبالأهل الواقع في كلام الشارح وتبعه شيخنا في شرح منهجه أنه لا فرق بين المحرم, وغيره لكن قضية تعبير الزركشي بالمحارم, وتبعه في شرح الروض تقييده بالمحرم وهو متجه "ونحوها" كعيادة لمن ذكر بشرط أن لا يكون في ذلك ريبة بوجه فيما يظهر "لم تسقط" مؤنها بذلك; لأنه لا يعد نشوزا عرفا وظاهر أن محل ذلك ما لم يمنعها من الخروج قبل سفره أو يرسل لها بالمنع. "والأظهر أن" "لا نفقة" ولا مؤنة "لصغيرة" لا تحتمل الوطء, وإن سلمت له; لأن تعذر وطئها لمعنى فيها, وليست أهلا للتمتع بغيره وبه فارقت المريضة, ونحو الرتقاء "و" الأظهر "أنها تجب لكبيرة" أي: لمن يمكن وطؤها, وإن لم تبلغ كما هو ظاهر "على صغير" لا يمكن وطؤه إذا عرضت على وليه; لأن المانع من جهته. "وإحرامها بحج, أو عمرة", أو مطلقا "بلا إذن" منه "نشوز" "إن لم يملك تحليلها" على قول في الفرض; لأن المانع منها ومع كونه نشوزا ليس تعاطيه حراما عليها لخطر أمر النسك, وبه فارق ما يأتي في الصوم "وإن ملك" تحليلها بأن أحرمت ولو بفرض على المعتمد "فلا" يكون إحرامها نشوزا فلها المؤن; لأنها في قبضته وهو قادر على تحليلها والتمتع بها فإذا ترك فقد فوت على نفسه فإن قلت: هذا يشكل بما يأتي في الصوم أنه يهاب إفساد العبادة قلت يفرق بأن الصوم يتكرر فلو أمرناه بالإفساد لتكرر منه وفي ذلك ما يهيب بخلاف الإحرام; لأنه نادر فلا تقوى مهابته وأيضا فالزمن ثم قريب فتقوى الهيبة حينئذ بخلافه هنا غالبا "حتى تخرج فمسافرة لحاجتها" فإن

 

ج / 3 ص -511-        كان معها استحقت, وإلا فلا تعم من أفسد حجها الذي أذن فيه بجماع يلزمها الإحرام بقضائه فورا والخروج له, ولو بلا إذنه وحينئذ يلزمه مؤنها بل, والخروج معها "أو" أحرمت "بإذن" منه "ففي الأصح لها نفقة ما لم تخرج"; لأنها في قبضته وفوات التمتع نشأ من إذنه فإن خرجت فكما تقرر, ولو آجرت عينها قبل النكاح لم يتخير, ويقدم حق المستأجر لكن لا مؤنة لها مدة ذلك كذا أطلقه شارح هنا وفيما مر آنفا وهو مشكل; لأن قضية ما مر أن نفقتها لا تسقط مدة الإجارة, وهذا بخلافه, وقد يجاب بتقدير أن الأمر كذلك عندهم بحمل هذا على ما إذا ثبت بالبينة, وذاك بالإقرار والفرق أن الإقرار أقوى فأثر وجوب النفقة بخلاف البينة هذا والذي يتجه ترجيحه أنه لا مؤنة لها مدة الإجارة مطلقا, ويفرق بينه وبين الإقرار بالدين بأنه لا حائل, ثم بينها وبين الزوج; لأنه يمكنه ترك السفر والتمتع بها كما مر, وأما هنا فيد المستأجر حائلة فمنعت النفقة ثم رأيت أن المنقول الذي سكتا عليه سقوط نفقتها هنا, وإن مكنه المستأجر منها لأنه وعد لا يلزم مع ما فيه من المنة, ولم يتعرضوا للفرق بين الإقرار والبينة وهو صريح فيما ذكرته, ورأيت شيخنا فرق بينه وبين عدم سقوطها بنذرها الصوم, أو الاعتكاف المعين قبل النكاح بعين ما فرقت به وهو أن هنا يدا حائلة بخلاف تينك.
"ويمنعها" إن شاء "صوم" أو نحو صلاة أو اعتكاف "نفل" ابتداء وانتهاء ولو قبل الغروب لأن حقه مقدم عليه لوجوبه عليها, وإن لم يرد التمتع بها على الأوجه; لأنه قد يطرأ له إرادته فيجدها صائمة فيتضرر "فإن أبت" وصامت, أو أتمت غير نحو عرفة وعاشوراء, أو صلت غير راتبة "فناشزة في الأظهر" فتسقط جميع مؤن ما صامته لامتناعها من التمكين الواجب عليها, ولا نظر إلى تمكنه من وطئها, ولو مع الصوم; لأنه قد يهاب إفساد العبادة فيتضرر, ومن ثم حرم صومها نفلا, أو فرضا موسعا وهو حاضر من غير إذنه, أو علم رضاه وظاهر امتناعه مطلقا إن أضرها, أو ولدها الذي ترضعه, وأخذ أبو زرعة من هذا التعليل أنها لو اشتغلت في بيته بعمل, ولم يمنعه الحياء من تبطيلها عنه كخياطة بقيت نفقتها. وإن أمرها بتركه فامتنعت إذ لا مانع من تمتعه بها أي وقت أراد بخلاف نحو تعليم صغار; لأنه يستحي عادة من أخذها من بينهن, وقضاء وطره منها فإذا لم تنته بنهيه فهي ناشزة, أما نحو عرفة وعاشوراء فلها فعلهما بغير إذنه كرواتب الصلاة بخلاف نحو الاثنين, والخميس وبه يخص الخبر الحسن "لا تصوم المرأة يوما سوى شهر رمضان وزوجها شاهد إلا بإذنه" ولو نكحها صائمة تطوعا لم يجبرها على الفطر لكن الأوجه سقوط مؤنها "والأصح إن قضاء لا يتضيق" لكون الإفطار بعذر مع اتساع الزمن, وقد تشمل عبارته قضاء الصلاة فيفصل فيه بين التضييق وغيره وهو الأوجه "كنفل فيمنعها" منه قبل الشروع فيه وبعده من غير إذنه; لأنه متراخ وحقه فوري, بخلاف ما تضيق للتعدي بإفطاره, أو لضيق زمنه بأن لم يبق من شعبان إلا ما يسعه فلا يمنعها منه, ونفقتها واجبة لكنه مشكل في صورة التعدي; لأن المانع نشأ عن تقصيرها, وله منعها من صوم نذر مطلق كمعين نذرته في نكاحه بلا إذنه وصوم كفارة ولو من إتمامه, وإن شرعت فيه قبل منعه على الأوجه, ويؤخذ مما ذكر في المتعدية

 

ج / 3 ص -512-        بالإفطار أن المتعدية بسبب الكفارة لا يمنعها, وتستحق النفقة. وأفتى البرهان الفزاري في مسافرين برمضان بأنه لا يمنعها من صومه قال الأذرعي, وتبعه الزركشي: وهو متجه إن لم يكن الفطر أفضل انتهى قيل وهو أوجه مما نقل عن الماوردي المخالف لذلك انتهى. ويؤيده قولهم: "و" الأصح "أنه لا منع من تعجيل مكتوبة أول الوقت" لحيازة فضيلته, وأخذ منه الزركشي وغيره أن له المنع إذا كان التأخير أفضل, وبحث الأذرعي أن له المنع من تطويل زائد بل تقتصر على أكمل السنن, والآداب وفارق ما مر في الإحرام بطول مدته "و" لا من "سنن راتبة" ولو أول وقتها لتأكدها مع قلة زمنها ومن ثم جاز له منعها من تطويلها بأن زادت على أقل مجزئ فيما يظهر, ويحتمل اعتبار أدنى الكمال; لأنهم راعوا هنا فضيلة أول الوقت فلا تبعد رعاية هذا أيضا ومر أول محرمات النكاح أن العبرة في المسائل المختلف فيها بعقيدته لا بعقيدتها. "ويجب" إجماعا "لرجعية" حرة, أو أمة ولو حائلا "المؤن" السابق وجوبها للزوجة لبقاء حبس الزوج وسلطنته نعم لو قال: طلقت بعد الولادة فلي الرجعة, وقالت بل قبلها فلا رجعة لك صدق بيمينه في بقاء العدة, وثبوت الرجعة ولا مؤن لها; لأنها تنكر استحقاقها, وأخذ منه أنها لا تجب لها, وإن راجعها, وكذا لو ادعت طلاقا بائنا فأنكره فلا مؤن لها كما قاله الرافعي وجعله أصلا مقيسا عليه, ويظهر أن محله كالذي قبله ما لم تصدقه "إلا مؤن تنظف" لانتفاء موجبها من غرض التمتع "فلو" "ظنت" الرجعية "حاملا فأنفق" عليها "فبانت حائلا" "استرجع" منها "ما دفعه" لها "بعد عدتها"; لأنه بان أن لا شيء عليه بعدها, وتصدق في قدر أقرائها, وإن خالفت عادتها, وتحلف إن كذبها فإن لم تذكر شيئا, وعرف لها عادة متفقة عمل بها, أو مختلفة فالأقل وإلا فثلاثة أشهر, ولو وقع عليه طلاق باطنا ولم يعلم به فأنفق مدة, ثم علم لم يرجع بما أنفقه على الأوجه كما لو أنفق على من نكحها فاسدا بجامع أنها فيهما محبوسة عنده, وإن لم يستمتع بها كما اقتضاه إطلاقهم, ومحل رجوع من أنفق بظن الوجوب حيث لا حبس منه. "والحائل البائن بخلع" أو فسخ, أو انفساخ بمقارن, أو عارض خلافا لمن وهم فيه "أو ثلاث لا نفقة" لها "ولا كسوة" لها قطعا للخبر المتفق عليه بذلك ولانتفاء سلطنته عليها وإنما وجبت لها السكنى لأنها لتحصين الماء الذي لا يفترق بوجود الزوجية, وعدمها "ويجبان" كالخادم والأدم "لحامل" بائن لآية {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ} [الطلاق: 6] ولأنه كالمستمتع برحمها لاشتغاله بمائه نعم البائن بفسخ, أو انفساخ بمقارن للعقد كعيب, أو غرور لا نفقة لها مطلقا على ما قالاه في الخيار; لأنه رفع للعقد من أصله, والوجوب إنما هو "لها" لكن سبب الحمل; لأنها تلزم المعسر وتتقدر, وتسقط بالنشوز كإبائها عن أن تسكن فيما عينه لها وهو لائق, أو خروجها منه لغير عذر ولا تسقط بمضي الزمان ولا بموته أثناءها لأنه يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء والقول في تأخر الولادة قول مدعيه "وفي قول للحمل" لتوقف الوجوب عليه "فعلى الأول لا يجب لحامل عن شبهة, أو نكاح فاسد" إذ لا نفقة لها حالة الزوجية فبعدها أولى "قلت" "ولا نفقة" ولا مؤنة "لمعتدة وفاة" ومنها أن يموت الزوج وهي في عدة طلاق رجعي "وإن كانت حاملا والله أعلم" لصحة الخبر بذلك. "ونفقة العدة" ومؤنتها كمؤنة زوجة

 

ج / 3 ص -513-        في جميع ما مر فيها فهي "مقدرة كزمن النكاح"; لأنها من لواحقه "وقيل تجب الكفاية" بناء على أنها للحمل "ولا يجب دفعها" لها "قبل ظهور حمل" سواء أجعلناها لها أم له لعدم تحقق سبب الوجوب نعم اعتراف ذي العدة بوجوده كظهوره مؤاخذة له بإقراره "فإذا ظهر" الحمل, ولو بقول أربع نسوة "وجب" دفعها لما مضى من حين العلوق فتأخذه ولما بقي "يوما بيوم" إذ لو تأخرت للوضع تضررت "وقيل حتى تضع" للشك فيه وردوه بأن الأصح أن الحمل يعلم, ولو قبل ستة أشهر "ولا تسقط بمضي الزمان على المذهب", وإن قلنا إنها للحمل; لأنها المنتفعة بها.
فرع حكم حنفي لبائن بنفقة العدة, وقرر لها في مقابلتها قدرا, ثم ظهر بها حمل فلها إن لم يتناول حكمه الكسوة عنده الرفع لشافعي ليحكم لها بها, وأفتى أبو زرعة في شافعي حكم لبائن حائل أنه لا نفقة لها بأن حكمه إنما يتناول يوم الدعوى وما قبله دون ما بعده; لأنه لم يدخل وقته, ومر عنه نظير ذلك آخر الوقوف مع المنازعة فيه, ومحله إن حكم بموجب البينونة لا بالسقوط; لأنه إنما يتناول ما وجب بخلاف الموجب.

فصل في حكم الإعسار بمؤن الزوجة
إذا "أعسر" الزوج "بها" أي: النفقة "فإن صبرت" زوجته ولم تمتعه تمتعا مباحا "صارت" كسائر المؤن ما عدا المسكن لما مر أنه أمتاع "دينا عليه", وإن لم يفرضها قاض; لأنها في مقابلة التمكين "وإلا" تصير ابتداء أو انتهاء بأن صبرت, ثم أرادت الفسخ كما سيعلم من كلامه "فلها الفسخ" بالطريق الآتي "على الأظهر" لخبر الدارقطني والبيهقي في الرجل لا يجد شيئا ينفق على امرأته يفرق بينهما, وقضى به عمر رضي الله عنه, ولم يخالفه أحد من الصحابة وقال ابن المسيب: إنه من السنة وهو أولى من الفسخ بنحو العنة, ولا فسخ بالعجز عن نفقة ماضية, أو عن نفقة الخادم نعم تثبت في ذمته قال الأذرعي بحثا: إلا من تخدم لنحو مرض فإنها في ذلك كالقريب "والأصح" أنه "لا فسخ بمنع موسر", أو متوسط كما يفهمه قوله الآتي: وإنما إلى آخره "حضر, أو غاب" لتمكنها منه ولو غائبا كما له بالحاكم فإن فرض عجزه عنه فنادر, واختار كثيرون في غائب تعذر تحصيلها منه الفسخ, وقواه ابن الصلاح قال: كتعذرها بالإعسار والفرق بأن الإعسار عيب فرق ضعيف انتهى. والمعتمد ما في المتن ومن ثم صرح في الأم بأنه لا فسخ ما دام موسرا, وإن انقطع خبره وتعذر استيفاء النفقة من ماله والمذهب نقل كما قاله الأذرعي فجزم شيخنا في شرح منهجه بالفسخ في منقطع خبر لا مال له حاضر مخالف للمنقول كما علمت, ولا فسخ بغيبة من جهل حاله يسارا أو إعسارا بل لو شهدت بينة أنه غاب معسرا فلا فسخ ما لم تشهد بإعساره الآن, وإن علم استنادها للاستصحاب, أو ذكرته تقوية لا شكا كما يأتي. "ولو" "حضر وغاب ماله" ولم ينفق عليها بنحو استدانة "فإن كان" ماله "بمسافة القصر" فأكثر من محله "فلها الفسخ" ولا يلزمها الصبر للضرر, ويفرق بينه, وبين المعسر الآتي بأن هذا من شأنه القدرة لتيسر اقتراضه فلم يناسبه الإمهال بخلاف المعسر, ومن ثم بحث الأذرعي أنه لو قال: أحضره, وأمكنه في

 

ج / 3 ص -514-        مدة الإمهال الآتية أمهل "وإلا" بأن كان على دونها "فلا" فسخ; لأنه في حكم الحاضر "ويؤمر بالإحضار" عاجلا, وقضية كلامهم أنه لو تعذر إحضاره هنا للخوف لم يفسخ, وهو محتمل لندرة ذلك. "ولو تبرع رجل" ليس أصلا للزوج "بها" عنه, وسلمها لها "لم يلزمها القبول" بل لها الفسخ لما فيه من المنة, ومن ثم لو سلمها المتبرع له, وهو سلمها لها لزمها القبول لانتفاء المنة, أما إذا كان المتبرع أبا الزوج, أو جده وهو تحت حجره فيلزمها القبول لدخوله في ملك الزوج تقديرا, وبحث الأذرعي أن مثله ولد الزوج وسيده قال: ولا شك فيه إذا أعسر الأب وتبرع ولده الذي يلزمه إعفافه, أو لا يلزمه ذلك أيضا في الأوجه وفيما بحثه في الولد الذي لا يلزمه الإعفاف نظر ظاهر, وكذا في السيد لانتفاء علتهم التي نظروا إليها من ملك الزوج إلا أن يوجه ما قاله في السيد بأن علقته بقنه أتم من علقة الولد بوالده "وقدرته على الكسب" الحلال اللائق, وكذا غيره إذا أراد تحمل المشقة بمباشرته فيما يظهر "كالمال" لاندفاع الضرورة به فلو كان يكتسب في يوم ما يفي بثلاثة, ثم يبطل ثلاثة, ثم يكتسب ما يفي بها فلا فسخ إذ لا تشق الاستدانة حينئذ فصار كالموسر, ومثله نحو نساج ينسج في الأسبوع ثوبا تفي أجرته بنفقة الأسبوع, ومن تجمع له أجرة الأسبوع في يوم منه وهي تفي بنفقة جميعه, وليس المراد أن نجعلها أسبوعا بلا نفقة بل المراد أنه في حكم واجد نفقتها وينفق مما استدانه لإمكان القضاء. وكذا قالوه وبه يعلم أنا مع كوننا نمكنها من مطالبته ونأمره بالاستدانة, والإنفاق لا تفسخ عليه لو امتنع لما تقرر أنه في حكم موسر امتنع, ويؤيده قولهم: امتناع القادر على الكسب عنه كامتناع الموسر فلا فسخ به, ولا أثر لعجزه إن رجي برؤه قبل مضي ثلاثة أيام, وخرج بالحلال الحرام فلا أثر لقدرته عليه فلها الفسخ, و أما قول الماوردي والروياني: الكسب بنحو بيع الخمر كالعدم وبنحو صنعة آلة لهو محرمة له أجرة المثل فلا فسخ لزوجته, وكذا ما يعطاه منجم وكاهن; لأنه عن طيب نفس فهو كالهبة فردوه بأن الوجه أنه لا أجرة لصانع محرم لإطباقهم على أنه لا أجرة لصانع آنية النقد ونحوها, وما يعطاه نحو المنجم إنما يعطاه أجرة لا هبة فلا وجه لما قالاه "وإنما تفسخ بعجزه عن نفقة معسر"; لأن الضرر إنما يتحقق حينئذ ولا يشكل عليه قولهم: لو حلف لا يتغدى, أو لا يتعشى حنث بأكله زيادة يقينا على نصف عادته أي: حين أكله فيما إذا اختلفت باختلاف نحو زمن, أو مكان وذلك; لأن المدار ثم على العرف وهو يصدق عليه حينئذ أنه تغدى, أو تعشى, وهنا على ما تقوم به البينة وهي لا تقوم بأقل من مد ولو لم يجد إلا نصف مد غداء ونصفه عشاء فلا فسخ. "والإعسار بالكسوة", أو ببعضها الضروري كقميص وخمار وجبة شتاء بخلاف نحو سراويل, ومخدة, وفرش, وأوان "كهو بالنفقة" بجامع أن البدن لا يبقى بدونهما "وكذا" الإعسار "بالأدم والمسكن" كهو بالنفقة "في الأصح" لتعذر الصبر على دوام فقدهما "قلت الأصح المنع في الأدم والله أعلم"; لأنه تابع مع سهولة قيام البدن بدونه بخلاف نحو المسكن, وإمكانه بنحو مسجد كإمكان تحصيل القوت بالسؤال. "وفي" "إعساره بالمهر" الدين الواجب الحال ابتداء وإنما يجب في المفوضة ما دام لم يطأ بالفرض كما مر "أقوال أظهرها تفسخ" إن لم تقبض منه شيئا "قبل وطء"

 

ج / 3 ص -515-        للعجز عن تسليم العوض مع بقاء المعوض بحاله, وخيارها حينئذ عقب الرفع للقاضي فوري فيسقط بتأخيره بلا عذر كجهل كما هو ظاهر "لا بعده" لتلف المعوض به, وصيرورة العوض دينا له في الذمة قال بعضهم: إلا أن يسلمها له الولي وهي صغيرة لغير مصلحة فتحبس به نفسها بمجرد بلوغها فلها الفسخ حينئذ, ولو بعد الوطء; لأن وجوده هنا كعدمه, أما إذا قبضت بعضه فلا فسخ لها على ما أفتى به ابن الصلاح, واعتمده الإسنوي, وكذا الزركشي, وأطال فيه وفارق جواز الفسخ بالفلس بعد قبض بعض الثمن بإمكان التشريك فيه دون البضع وقال البارزي كالجوري لها الفسخ هنا أيضا قال الأذرعي: وهو الوجه نقلا ومعنى وأطال فيه. "ولا فسخ" بإعسار مهر, أو نحو نفقة "حتى" ترفع للقاضي, أو المحكم و "يثبت" بإقراره, أو ببينة "عند قاض", أو محكم "إعساره فيفسخه" بنفسه, أو نائبه "أو يأذن لها فيه"; لأنه مجتهد فيه كالعنة فلا ينفذ منها قبل ذلك ظاهرا ولا باطنا, ولا تحسب عدتها إلا من الفسخ فإن فقد قاض ومحكم بمحلها, أو عجزت عن الرفع إليه كأن قال: لا أفسخ حتى تعطيني مالا كما هو ظاهر استقلت بالفسخ للضرورة, وينفذ ظاهرا وكذا باطنا كما هو ظاهر خلافا لمن قيد بالأول; لأن الفسخ مبني على أصل صحيح, وهو مستلزم للنفوذ باطنا. ثم رأيت غير واحد جزموا بذلك "ثم" بعد تحقق الإعسار "في قول ينجز" بالبناء للفاعل, أو المفعول "الفسخ" لتحقق سببه "والأظهر إمهاله ثلاثة أيام", وإن لم يستمهل; لأنها مدة قريبة يتوقع فيها القدرة بقرض أو غيره "ولها الفسخ صبيحة الرابع" بنفقته بلا مهلة لتحقق الإعسار "إلا أن يسلم نفقته" أي: الرابع فلا تفسخ بما مضى; لأنه صار دينا ومن ثم لو اتفقا على جعلها عما مضى لم تفسخ كما رجحه ابن الرفعة; لأن القدرة على نفقة الرابع, وإن جعله عن غيره مبطلة للمهلة, ولو أعسر بعد أن سلم نفقة الرابع بنفقة الخامس بنت على المدة, ولم تستأنفها. وظاهر قولهم: بنفقة الخامس أنه لو أعسر بنفقة السادس استأنفتها وهو محتمل, ويحتمل أنه إذا تخللت ثلاثة وجب الاستئناف, أو أقل فلا "ولو مضى يومان بلا نفقة وأنفق الثالث وعجز الرابع بنت" على اليومين لتضررها بالاستئناف فتصبر يوما آخر, ثم تفسخ فيما يليه "وقيل تستأنف" الثلاثة لزوال العجز الأول, ورده الإمام بأنه قد يتخذ ذلك عادة فيؤدي إلى عظيم ضررها "ولها" ولو غنية "الخروج زمن المهلة" نهارا "لتحصيل النفقة" بنحو كسب, وإن أمكنها في بيته أو سؤال, وليس له منعها; لأن حبسه لها إنما هو في مقابلة إنفاقه عليها نعم يتجه أن محله إن لم يكن في خروجها ريبة ثبتت هي, أو قرائنها وإلا منعها فإن اضطرت مكنها أو خرج معها "وعليها الرجوع" لبيته "ليلا"; لأنه وقت الإيواء دون العمل ولها منفعة من التمتع بها كما قاله البغوي ورجحه في الروضة. وقال الروياني: ليس لها المنع وحمل الأذرعي, وغيره الأول على النهار, والثاني على الليل وبه صرح في الحاوي وتبعه ابن الرفعة وإذا قلنا لها المنع ولو ليلا سقطت عن ذمته نفقة زمن المنع, وقياسه أنه لا نفقة لها زمن خروجها للكسب.
"فرع" حضر المفسوخ نكاحه وادعى أن له بالبلد مالا وخفي على بينة الإعسار لم يكفه حتى يقيم بينة بذلك, وبأنها تعلمه وتقدر عليه فحينئذ يبطل الفسخ قاله الغزالي, وفي

 

ج / 3 ص -516-        الاحتياج إلى قيامه البينة بعلمها وقدرتها نظر ظاهر; لأنه بان ببينة الوجود أنه موسر وهو لا يفسخ عليه, وإن تعذر تحصيل النفقة منه كما مر, وأخذ بعضهم من كلام الشيخين أنه لا عبرة بعقار أو عرض لا يتيسر بيعه.
"ولو" "رضيت بإعساره" بالنفقة أبدا "أو نكحته عالمة بإعساره" بذلك "فلها الفسخ بعده"; لأن الضرر يتجدد كل يوم, ورضاها بذلك وعد نعم تسقط به المطالبة بنفقة يومه وتمهل بعده ثلاثة أيام; لأنه يبطل ما مضى من المهلة. "ولو" "رضيت بإعساره بالمهر", أو نكحته عالمة بذلك "فلا" تفسخ بعده; لأن الضرر لا يتجدد وكرضاها به إمساكها عن المحاكمة بعد مطالبتها بالمهر لا قبلها; لأنها تؤخرها لتوقع يسار. "ولا فسخ لولي" امرأة حتى "صغيرة ومجنونة بإعسار بمهر ونفقة"; لأن الخيار منوط بالشهوة فلا يفوض لغير مستحقه فنفقتهما في مالهما إن كان وإلا فعلى من تلزمه مؤنتهما قبل النكاح, وإن كانت دينا على الزوج, والسفيهة البالغة كالرشيدة هنا. "ولو أعسر زوج أمة" لم يلزم سيدها إعفافه "بالنفقة" أو نحوها مما مر الفسخ به "فلها الفسخ" وإن رضي السيد; لأن حق قبضها لها ومن ثم لو سلمها لها من ماله لم تجبر على ما قاله شارح. لكن نص في الأم على إجبارها أي: لأنه لا منة عليها فيه, وخرج بالنفقة المهر فالفسخ به له; لأنه المستحق لقبضه نعم المبعضة لا بد من الفسخ فيها من موافقتها هي والسيد كما اعتمده الأذرعي أي: بأن يفسخا معا, أو يوكل أحدهما الآخر كما هو ظاهر, وقول شارح أنها كالقنة ضعيف "فإن رضيت فلا فسخ للسيد في الأصح"; لأنه إنما يتلقى النفقة عنها "وله أن يلجئها" أي: المكلفة إذ لا ينفذ من غيرها "إليه" أي: الفسخ "بأن لا ينفق عليها" ولا يمونها "ويقول" لها "افسخي, أو جوعي" دفعا للضرر عنه وتردد شارح في المكاتبة والذي يتجه أنها كالقنة فيما ذكر إلا في إلجاء السيد لها, ولو أعسر سيد مستولدة عن نفقتها قال أبو زيد: أجبر على عتقها, أو تزويجها.

 

ج / 3 ص -517-        عصمة المنفق عليه كما مر لا نحو مرتد وحربي كما بحثه الزركشي, وغيره وهو ظاهر; لأنها مواساة وهما ليسا من أهلها وهل يلحق بهما نحو زان محض بجامع الإهدار, أو يفرق بأنهما قادران على عصمة نفسيهما؟ فكان المانع منهما بخلافه فإن توبته لا تعصمه, ويسن له الستر على نفسه, وكذا للشهود على ما يأتي فكان من أهل المواساة لعدم مانع قائم به يقدر على إسقاطه كل محتمل, والثاني أوجه ولا يعارضه ما مر في التيمم أنه لا يجب بل لا يجوز صرف الماء لشربه بل يتطهر صاحبه به, وإن هلك الآخر عطشا وذلك لاختلاف ملحظي ما هنا وثم; لأن ملحظ ذاك تعلق حق الطهر بعين الماء بمجرد دخول الوقت حتى لا يصح تصرفه فيه فلم يقبل الصرف عنه بسبب ضعيف, وأما هنا فالتعلق منوط وصف القرابة وحينئذ يجب النظر إلى من قام به وصف ينافيها من كل وجه وهو الحرابة, أو الردة منع الإنفاق عليه لمنعه سببه بالكلية بخلاف من لم يقم به وصف كذلك وهو نحو الزاني المحصن; لأنه لا تقصير منه الآن فلم يوجد فيه وصف رافع لمقتضى أصل القرابة فاستصحبنا حكمها فيه. وذلك لعموم الأدلة وكالعتق ورد الشهادة بخلاف الإرث فإنه مبني على المناصرة وهي مفقودة حينئذ, وهل يشترط اتحاد محل المنفق والمنفق عليه, أو لا؟ حتى لو أراد المنفق عليه سفرا, أو كان مقيما بمحل بعيد عن المنفق لزمه إرسال كفايته له مع من يثق به لينفق عليه؟ كل محتمل والثاني أوجه إذ هو الأقرب إلى عموم كلامهم, ثم رأيت ما يأتي في منفقين استويا وغاب أحدهما وهو يؤيد ما ذكرته, وإنما تجب "بشرط يسار المنفق"; لأنها مواساة ونفقة الزوجة معاوضة, ويصدق كما علم مما مر في الفلس في إعساره بيمينه ما لم يكذبه ظاهر حاله فلا بد له من بينة تشهد له به "بفاضل عن قوته وقوت عياله" زوجته وخادمها وأم ولده, وعن سائر مؤنهم وخص القوت; لأنه الأهم لا عن دينه لما مر في الفلس وذلك لخبر مسلم "ابدأ بنفسك فتصدق عليها فإن فضل شيء فلأهلك فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك" وبعمومه يتقوى ما مر عن أبي حنيفة إلا أن يجاب بأنه يستنبط من النص معنى يخصصه "في يومه" وليلته التي تليه غداء, وعشاء ولو لم يكفه الفاضل لم يجب غيره. "ويباع فيها" أي: كفاية القريب "ما" فضل عن اليوم والليلة مما "يباع في الدين" من عقار وغيره كالمسكن, والخادم, والمركوب, ولو احتاجها; لأنها مقدمة على وفائه فبيع فيها ما يباع فيه بالأولى فاندفع ما قيل: كيف يباع مسكنه لاكتراء مسكن لأصله, ويبقى هو بلا مسكن مع خبر "ابدأ بنفسك" على أن الخبر إنما يأتي فيما إذا لم يبق معه بعد بيع مسكنه إلا ما يكفي أجرة مسكنه, أو مسكن والده وحينئذ المقدم مسكنه فذكر الخبر تأييدا للإشكال وهم, فعلم أنه بعد بيع مسكنه في كل يوم وليلة لو لم يفضل إلا ما يكفي أجرة مسكن أحدهما قدم مسكنه وأنه لا يعتبر مؤنه وأجرة مسكن بعضه إلا إذا فضل عن مؤنه ومؤن عياله وأجرة مسكنهم يوما وليلة ما يصرفه لمؤنة بعضه, ومنها مسكنه وكيفية بيع العقار لها كما صححه المصنف في نظيره من نفقة العبد وصوبه الأذرعي وألحق غير العقار به في ذلك أنه يستقرض لها أن يجتمع ما يسهل بيعه فيباع فإن تعذر بيع البعض, ولم يوجد من يشتري إلا الكل بيع الكل, أما ما لا يباع فيه ما مر في باب الفلس فلا يباع

 

ج / 3 ص -518-        فيها بل يترك له ولممونه. "ويلزم كسوبا كسبها" أي: المؤن ولو لحليلة الأصل كالأدم والسكنى والإخدام حيث وجب أي: أقل ما يكفي منها على الأوجه "في الأصح" إن حل, ولاق به, وإن لم تجر عادته به; لأن القدرة بالكسب كهي بالمال في تحريم الزكاة وغيره, وإنما لم يلزمه لوفاء دين لم يعصي به; لأنه على التراخي, وهذه فورية ولقلة هذه, وانضباطها بخلافه, ومن ثم لو صارت دينا بفرض قاض لم يلزمه الاكتساب لها ولا يجب لأجلها سؤال زكاة ولا قبول هبة فإن فعل وفضل منه شيء عما مر أنفق عليه منه. "ولا تجب" المؤن "لمالك كفايته ولا" لشخص "مكتسبها" لاستغنائه فإن قدر على كسب ولم يكتسب كلفه إن كان حلالا لائقا به وإلا فلا "وتجب لفقير غير مكتسب إن كان زمنا", أو أعمى, أو مريضا "أو صغيرا أو مجنونا" لعجزه عن كفاية نفسه, ومن ثم لو أطاق صغير الكسب, أو تعلمه, ولاق به جاز للولي أن يحمله عليه وينفق عليه منه فإن امتنع, أو هرب لزم الولي إنفاقه "وإلا" يكن غير المكتسب كذلك "فأقوال: أحسنها: تجب" للأصل والفرع ولا يكلفان الكسب لحرمتهما, وثانيها: لا تجب; لأنه غني "والثالث" تجب "لأصل"بل يكلف.
"فرع" بل يكلف الكسب نعم لا تكلف الأم أو البنت التزوج; لأن حبس النكاح لا غاية له بخلاف سائر الأكساب, وبتزوجها تسقط نفقتها بالعقد وإن كان الزوج معسرا ما لم تفسخ لتعذر إيجاب نفقتين كذا قيل, وفيه نظر; لأن نفقتها على الزوج إنما تجب بالتمكين كما مر فكان القياس اعتباره إلا أن يقال: إنها بقدرتها عليه مفوتة لحقها وعليه فمحله في مكلفة فغيرها لا بد من التمكين وإلا لم تسقط عن الأب فيما يظهر.
"قلت الثالث أظهر والله أعلم" لتأكد حرمة الأصل; ولأن تكليفه الكسب مع كبر سنه ليس من المعاشرة بالمعروف المأمور بها, ومحل ذلك إن لم يشتغل بمال الولد ومصالحه, وإلا وجبت نفقته جزما, وبحث الأذرعي وجوبها لفرع كبير لم تجر عادته بالكسب, أو شغله عنه اشتغال بالعلم أخذا مما مر في قسم الصدقات انتهى. وهو محتمل ويحتمل الفرق بأن الزكاة مواساة خارجة منه على كل تقدير فصرفت لهذين لأنهما من جنس من يواسي منها, والإنفاق واجب فلا بد من تحقق إيجابه وهو في الفرع العجز لا غير كما يصرح به كلامهم وإذ ألزم كلا منهما الاكتساب لمؤن أصله فمؤن نفسه المقدمة على أصله أولى "وهي الكفاية" لخبر "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف" فيجب أن يعطيه كسوة وسكنى تليق بحاله, وقوتا, وأدما يليق بسنه كمؤنة الرضاع حولين, ورغبته وزهادته بحيث يتمكن معه من التردد كالعادة ويدفع عنه ألم الجوع لإتمام الشبع أي: المبالغة فيه. وأما إشباعه فواجب كما في الإبانة وغيرها وأن يخدمه ويداويه إن احتاج, وأن يبدل ما تلف بيده, وكذا إن أتلفه لكن الرشيد يضمنه إذا أيسر ولا نظر لمشقة تكرر الإبدال بتكرر الإتلاف لتقصيره بالدفع له إذ يمكنه أن ينفقه من غير تسليم, وما يضطر لتسليمه كالكسوة ويمكنه أن يوكل به من يراقبه ويمنعه من إتلافها. "وتسقط" مؤن القريب التي لم يأذن المنفق لأحد في صرفها عنه لقريبه "بفواتها" بمضي الزمن, وإن تعدى المنفق بالمنع; لأنها وجبت لدفع الحاجة الناجزة مواساة, وقد زالت بخلاف نفقة الزوجة نعم لو نفاه, ثم استلحقه رجعت أمه أي: مثلا عليه بها

 

ج / 3 ص -519-        ويوجه بأن مزيد تقصيره بالنفي الذي بان بطلانه برجوعه عنه أوجب عقوبته بإيجاب ما فوته به فلذا خرجت هذه عن نظائرها, وكذا نفقة الحمل, وإن جعلت له لا تسقط بمضي الزمان; لأن الحامل لما كانت هي المنتفعة بها التحقت بنفقتها. "ولا تصير دينا" لما ذكر "إلا بفرض قاض" بالفاء, وإن لم يأذن لمن ينفق عليه فيكفي قوله: فرضت, أو قدرت لفلان على فلان كل يوم كذا لكن يشترط أن يثبت عنده احتياج الفرع, وغنى الأصل "أو إذنه" ولو للممون إن تأهل "في اقتراض" بالقاف, وإن تأخر الاقتراض عن الإذن كما اقتضاه إطلاقهم, وإن نازع فيه السبكي وبحث أنها لا تصير دينا إلا بعد الاقتراض قيل: فعليه الاستثناء في المتن لفظي; لدخوله في ملك المستقرض فالواجب قضاء دينه لا النفقة انتهى ويرد بمنع ذلك بل هو عليه حقيقي; لأن المستقرض صار كأنه نائبه فالدين إنما هو في ذمته وإنما تصير دينا بأحد هذين إن كان "لغيبة" للمنفق "أو منع" صدر منه فحينئذ تصير دينا لتأكدها بفرضه, أو إذنه, ونازع كثيرون الشيخين في ذلك وأطالوا بما رددته عليهم في شرح الإرشاد فراجعه فإنه مهم, وزعم بعضهم حمل كلامهم على ما إذا قدرها وأذن لآخر في أن ينفق على القريب ما قدره. فإذا أنفق صارت حينئذ دينا قال, وهذا غير مسألة الاقتراض انتهى, وليس كما قال: بل هو نوع من الاقتراض; لأن إنفاق مأذونه إنما يقع قرضا لمن القاضي ناب عنه وهو الغائب, أو الممتنع فصدق عليه أن القاضي أذن في الاقتراض وهي المسألة الثانية فكيف تحمل الأولى على بعض ماصدقات الثانية مع مغايرة الشيخين بينهما وعلم من كلامه صيرورتها دينا باقتراض القاضي, أو نائبه بالأولى, ولو فقد القاضي وغاب المنفق, أو امتنع ولا مال للولد, أو تعذر الإنفاق من ماله حالا فاستقرضت الأم وأنفقت, أو أنفقت من مالها ولو غير وصية رجعت عليه إن أشهدت وقصدت الرجوع ولا ترد هذه على حصره; لأنه إضافي أي: لا يصير دينا مع وجود القاضي إلا بفرضه إلخ, وإلا فلا, ولا يكفي قصده وحده عند تعذر الإشهاد لما مر آخر المساقاة مع آخر الإجارة ويظهر أن هذا لا يختص بها بل مثلها كل منفق, والتقييد بفقد القاضي هو قياس نظائره السابقة في هرب الجمال وغيره. وجرى عليه الإسنوي وغيره هنا فقول ابن الرفعة: يكفي قصد الرجوع والإشهاد ولو مع وجود القاضي ضعيف, وإن أطال فيه وتبعه البلقيني وغيره, ويظهر أن طلب القاضي مالا على الإذن, أو الاقتراض يصيره كالمفقود وأطلق بعضهم أن لأم الطفل الإنفاق عليه من ماله, ويتعين فرضه فيما إذا غاب وليه ولا قاضي تستأذنه ومثلها غيرها كما مر أواخر الحجر.
"وعليها" أي: الأم "إرضاع ولدها اللبأ" بالهمز والقصر وهو ما ينزل بعد الولادة ويرجع في مدته لأهل الخبرة وقيل: يقدر بثلاثة أيام وقيل: بسبعة وذلك; لأن النفس لا تعيش بدونه غالبا ومع ذلك لها طلب الأجرة عليه إن كان لمثله أجرة كما يجب إطعام المضطر بالبدل "ثم بعده" أي: إرضاعه اللبأ "إن لم يوجد إلا هي أو أجنبية وجب إرضاعه" على من وجدت إبقاء له, ولها طلب الأجرة ممن تلزمه مؤنته "وإن وجدتا لم تجبر الأم" خلية كانت, أو في نكاح أبيه, وإن لاق بها إرضاعه لقوله تعالى
{وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} الطلاق: 6] "فإن رغبت" في إرضاعه ولو بأجرة مثل "وهي منكوحة أبيه" أي: الطفل "فله منعها في

 

ج / 3 ص -520-        الأصح" ليكمل تمتعه بها "قلت الأصح ليس له منعها, وصححه الأكثرون والله أعلم"; لأن فيه إضرارا بالولد لمزيد شفقتها به وصلاح لبنها له فاغتفر لأجل ذلك نقص تمتعه بها إن فرض; لأن فوات كماله لا يشوش أصل العشرة كما هو ظاهر على أن غالب الناس يؤثر فقده تقديما لمصلحة ولده فلم يعتبر النادر في ذلك, واعترض هذا التصحيح بما لا يلاقيه فاحذره. أما غير منكوحته بأن كانت خلية فإن تبرعت مكنت منه قطعا وإلا فكما في قوله: "فإن اتفقا" على أن الأم ترضعه "وطلبت أجرة مثل" له وقلنا بالأصح أن للزوج استئجار زوجته لإرضاع ولده لتضمنه رضاه بترك التمتع, وفرض الكلام في الزوجة للإشارة إلى هذا الخلاف في استئجارها وإلا فحكم الخلية كذلك فاندفع ما قيل: تخصيص الزوجة مع ذكر أصله لغيرها أيضا لا وجه له "أجيبت" وكانت أحق به لوفور شفقتها, ثم إن لم ينقص إرضاعها تمتعه استحقت النفقة أيضا, وإلا فلا كما لو سافرت لحاجتها بإذنه كذا قالاه واعترضهما الأذرعي بأن ذاك فيما إذا لم يصحبها في سفرها, وإلا فلها النفقة وهو هنا مصاحبها فلتستحقها, ويفرق بأن من شأن الرضاع أن يشوش التمتع غالبا فإن وجد ذلك بحيث فات به كمال التمكين سقطت, وإلا فلا فلم ينظروا هنا للمصاحبة وخرج بطلبها ما لو أرضعته ساكتة فلا أجرة لها; لأنها متبرعة بخلاف ما إذا طلبت فإنها من حين الطلب تستحق الأجرة وإن لم تجب لما طلبته "أو" طلبت "فوقها" أي: أجرة المثل "فلا" تلزمه الإجابة لتضرره "وكذا" لا تلزمه الإجابة هنا إلا في الحضانة الثابتة للأم كما بحثه أبو زرعة "إن" رضيت الأم بأجرة المثل, أو بأقل كما هو ظاهر و "تبرعت أجنبية, أو رضيت بأقل" مما طلبته الأم "في الأظهر" لإضراره ببذل ما طلبته حينئذ, ومحله إن استمرأ الولد لبن الأجنبية, وإلا أجيبت الأم وإن طلبت أجرة المثل حذرا من إضرار الرضيع, وبحث الأذرعي أن محله أيضا في ولد حر, وزوجة حرة ففي ولد رقيق, وأم حرة للزوج منعها كما لو كان الولد من غيره, وفي رقيقة وولد حر, أو رقيق قد يقال: من وافقه السيد منهما أجيب ويحتمل خلافه انتهى.
"ومن استوى فرعاه" قربا, أو بعدا, وارثا, أو عدمه "أنفقا" عليه سواء, وإن تفاوتا يسارا, أو كان أحدهما غنيا بمال والآخر بكسب لاستوائهما في الموجب وهو القرابة فإن غاب أحدهما دفع الحاكم حصته من ماله, وإلا اقترض عليه فإن لم يقدر أمر الآخر بالإنفاق بنية الرجوع, ويظهر أنه لا يلزمه أن يتعرض في أمره له إليها, وإن مجرد أمره كاف فيه ما لم ينو التبرع "وإلا" يستويا في ذلك بأن كان أحدهما أقرب والآخر وارثا "فالأصح أقربهما" هو الذي ينفقه ولو أنثى غير وارثة لأن القرابة هي الموجبة كما تقرر فكانت الأقربية أولى بالاعتبار من الإرث "فإن استوى" قربهما كبنت ابن وابن بنت "ف" الاعتبار "بالإرث في الأصح" لقوته حينئذ "و" الوجه "الثاني" المقابل للأصح أولا الاعتبار "بالإرث" فينفقه الوارث, وإن كان غيره أقرب "ثم القرب" إن استويا إرثا "والوارثان" المستويان قربا الواجب عليهما التموين كابن وبنت هل "يستويان" فيه "أم توزع" المؤن عليهما "بحسبه" أي: الإرث "وجهان" لم يرجحا منهما شيئا, وجزم في الأنوار بالثاني وهو نظير ما رجحه المصنف,

 

ج / 3 ص -521-        وغيره فيمن له أبوان وقلنا: إن مؤنته عليهما لكن منعه الزركشي, ورجح الأول, ونقل تصحيحه عن جمع ورجحه أيضا ابن المقري وغيره. "ومن له أبوان" أي: أب, وإن علا وأم "ف" نفقته "على الأب" ولو بالغا استصحابا لما كان في صغره ولعموم خبر هند "وقيل" هي "عليهما لبالغ" عاقل لاستوائهما فيه بخلاف الصغير والمجنون لتميز الأب بالولاية عليهما "أو" اجتمع "أجداد وجدات" لعاجز "إن أدلى بعضهم ببعض فالأقرب" هو الذي ينفقه لإدلاء الأبعد به "وإلا" يدل بعضهم ببعض "ف" الاعتبار "بالقرب" فينفقه الأقرب منهم "وقيل" الاعتبار بوصف "الإرث" كما مر في الفروع "وقيل" الاعتبار "بولاية المال" أي: بالجهة التي تفيدها, وإن وجد مانعها كالفسق; لأنها تشعر بتفويض التربية إليه. "ومن له أصل وفرع" وهو عاجز "ففي الأصح أن مؤنته على الفرع, وإن بعد"; لأن عصوبته أولى وهو أولى بالقيام بشأن أبيه لعظم حرمته "أو" له "محتاجون" من أصوله وفروعه, أو أحدهما مع زوجة وضاق موجوده عن الكل "يقدم" نفسه, ثم "زوجته", وإن تعددت; لأن نفقتها آكد لالتحاقها بالديون, ومر ما يؤخذ منه إن مثلها خادمها وأم ولده "ثم" بعد الزوجة يقدم "الأقرب" فالأقرب نعم يقدم ولده الصغير, أو المجنون على الأم وهي على الأب كالجدة عن الجد وهو أعني الأب على الولد الكبير العاقل لكن الأوجه أن الأب المجنون مستو مع الولد الصغير, أو المجنون ويقدم من اختص من أحد مستوين قربا بمرض, أو ضعف كما تقدم بنت ابن على ابن بنت لضعفها وإرثها, وأبو أب على أبي أم لإرثه, وجد أو ابن ابن زمن على الأب, أو ابن غير زمن, وتقدم العصبة من جدين, وإن بعد وجدة لها ولادتان على جدة لها ولادة فقط, ولو استوى جمع من سائر الوجوه, وظاهر أنه لا يقدم هنا بنحو علم وصلاح خلافا لمن بحثه وزع ما يجده عليهم إن سد مسدا من كل وإلا أقرع, وبحث في فرع نازل وجد مرتفع تقديم الضائع فالصغير فالأقرب إدلاء بالمنفق "وقيل" يقدم "الوارث وقيل" يقدم "الولي" نظير ما مر. "فرع" أفتى ابن عجيل فيمن كسا أولاده, ثم مات فهل ما عليهم تركة بأن نفقتهم إن لزمته ملكوا ذلك بالتسليم كما يملك الغريم دينه به أي: وإن لم يلزمه كان تركة إلا إن علم تبرعه به.

فصل في الحضانة
واختلف في انتهائها في الصغير فقيل: بالبلوغ وقال الماوردي: بالتمييز وما بعده إلى البلوغ كفالة والظاهر أنه خلاف لفظي نعم يأتي أن ما بعد التمييز يخالف ما قبله في التخيير وتوابعه.
"الحضانة" بفتح الحاء لغة: من الحضن بكسرها وهو الجنب لضم الحاضنة الطفل إليه.
"تنبيه" هذا ما في كتب الفقه والذي في القاموس الحضن بالكسر ما دون الإبط إلى الكشح, أو والصدر والعضدان وما بينهما وجانب الشيء وناحيته, ثم قال: وحضن الصبي حضنا وحضانة بالكسر جعله في حضنه أو رباه كاحتضنه انتهى.

 

ج / 3 ص -522-        وشرعا "حفظ من لا يستقل" بأموره ككبير مجنون "وتربيته" بما يصلحه ويقيه عما يضره, وقد مر تفصيله في الإجارة ومن ثم قال الإمام: هي مراقبته على اللحظات "والإناث أليق بها"; لأنهن عليها أصبر ومؤنتها على من عليه نفقته ومن ثم ذكرت هنا, ويأتي هنا في إنفاق الحاضنة مع الإشهاد وقصد الرجوع ما مر آنفا, ويكفي كما قاله بعض شراح التنبيه قول الحاكم أرضعيه واحضنيه ولك الرجوع على الأب, وإن لم يستأجرها فإن احتاج الولد الذكر, أو الأنثى لخدمة زائدة على ما يتعلق بالتربية فعلى من عليه نفقته إخدامه بلائق به عرفا, ولا يلزم الحاضنة هذه الخدمة, وإن وجب لها أجرة الحضانة, ويأتي ذلك بزيادة. "وأولاهن" عند التنازع في حر "أم" للخبر الصحيح في مطلقة أراد مطلقها أن ينزع ولده منها "أنت أحق به ما لم تنكحي" نعم يقدم عليها ككل الأقارب زوجة محضون يتأتى وطؤه لها, وزوج محضونة تطيق الوطء إذا غيرها لا تسلم إليه ولا حق هنا لمحرم رضاع ولا لمعتق "ثم أمهات" لها "يدلين بإناث" لمشاركتهن الأم إرثا وولادة "يقدم أقربهن" فأقربهن لوفور شفقته نعم يقدم عليهن بنت المحضون كما يأتي بما فيه "والجديد" أنه "يقدم بعدهن أم أب" وإن علا لذلك, وقدمن عليها لتحقق ولادتهن ومن ثم كن أقوى ميراثا إذ لا يسقطهن الأب بخلاف أمهاته "ثم أمهاتها المدليات بإناث" تقم القربى فالقربى لذلك "ثم أم أبي أب كذلك" أي: ثم أمهاتها المدليات بإناث "ثم أم أبي جد كذلك" أي: ثم أمهاتها المدليات بإناث تقدم القربى فالقربى "والقديم" أنه يقدم "الأخوات والخالات عليهن" أي: أمهات الأب والجد المذكورات; لأن الأخوات أشفق لاجتماعهن معه في الصلب, أو البطن ولأن الخالة بمنزلة الأم رواه البخاري وأجاب الجديد بأن أولئك أقوى قرابة, ومن ثم عتقن على الفرع بخلاف هؤلاء. "وتقدم" جزما "أخت" من أي جهة كانت "على خالة" لقربها "وخالة على بنت أخ و" بنت "أخت"; لأنها تدلي بالأم بخلاف من يأتي "و" تقدم "بنت أخ و" بنت "أخت على عمة"; لأن جهة الأخوة مقدمة على جهة العمومة, ومن ثم قدم ابن أخ في الإرث على عم, وتقدم بنت أخت على بنت أخ كبنت أنثى كل مرتبة على بنت ذكرها إن استوت مرتبتهما وإلا فالعبرة بالمرتبة المتقدمة "و" تقدم "أخت" أو خالة, أو عمة "من أبوين على أخت" أو خالة, أو عمة "من أحدهما" لقوة قرابتها "والأصح تقديم أخت من أب على أخت من أم" لقوة إرثها بالفرض تارة والعصوبة أخرى "و" تقديم "خالة وعمة لأب عليهما لأم" لقوة جهة الأبوة "و" الأصح "سقوط كل جدة لا ترث" وهي من تدلي بذكر بين أنثيين كأم أب الأم; لأنها لما أدلت بمن لا حق له هنا أشبهت الأجانب قالا: ومثلها كل محرم يدلي بذكر لا يرث كبنت ابن البنت, وبنت العم للأم انتهى. قيل: كون بنت العم محرما ذهول انتهى. وقد يقال: هو مثال للمدلية بمن لا يرث لا بقيد المحرمية وهذا ظاهر لوضوحه فلا ذهول فيه "دون أنثى" قريبة "غير محرم" لم تدل بذكر غير وارث كما علم مما مر "كبنت خالة" وبنت عمة, أو عم لغير أم فلا تسقط على الأصح, أما غير قريبة كمعتقة وقريبة أدلت بذكر غير وارث كبنت خال وبنت عم لأم, أو بوارث أو بأنثى والمحضون ذكر يشتهي فلا حضانة لها.

 

ج / 3 ص -523-        "تنبيه" ما ذكر في بنت الخال هو قياس ما أطلقوا عليه في بنت العم للأم, وأما قول الروضة أن بنت الخال تحضن فرده الإسنوي كابن الرفعة, وكذا البلقيني وزاد أن كلام الرافعي يدل على أن ما ذكره فيها سبق قلم, فإن قلت: هل يمكن الفرق بين بنت الخال, وبنت العم للأم الذي جرى عليه في الروضة قلت: نعم وهو أن بنت الخال أقرب; لأن أباها أقرب إلى الأم فإن قلت: ما الفرق بينها وبين أم أبي الأم بل قال الأذرعي وغيره: لو قيل إن هذه أولى لكان أوجه قلت: يفرق بأن إدلاء تلك للأم بالبنوة ثم الأخوة وهذه بمحض الأبوة, والبنوة أقوى من الأبوة كما صرحوا به حتى في هذا الباب لما مر أن بنت المحضون مقدمة على جداته فكان المدلي بالبنوة أقوى من المدلي بالأبوة, وإن اشتركا في الإدلاء بغير وارث.
"وتثبت" الحضانة "لكل ذكر محرم وارث" كأب وإن علا وأخ, أو عم لوفور شفقته "على ترتيب الإرث" كما مر في بابه نعم يقدم هنا جد على أخ, وأخ لأب على أخ لأم كما في ولاية النكاح. "وكذا" وارث قريب كما أفاده السياق فلا يرد المعتق "غير محرم كابن عم" وابن عم أب, أو جد بترتيب الإرث هنا أيضا "على الصحيح" لقوة قرابته بالإرث "ولا تسلم إليه" أي: غير المحرم "مشتهاة"; لأنه محرم عليه نظرها, والخلوة بها "بل" تسلم "إلى" امرأة "ثقة" لكنه هو الذي "يعينها"; لأن الحق له في ذلك, وإن أطال الجمع في رده, وله تعيين نحو بنته, وشرط الإسنوي كونها ثقة ورد بأن غيرتها على قريبتها تغني عن كونها ثقة, ويرد بأنه يشاهد كثيرا من غير الثقة جرها الفساد لمحرمها فضلا عن بنت عمها فالوجه اشتراط كونها ثقة, وقد مر أنه لا تجوز خلوة رجل بامرأتين إلا إن كانتا ثقتين يحتشمهما, وما اقتضاه كلام غير واحد أنها تسلم لمن له بنت توقف فيه الأذرعي, ثم رجح قول الشامل وغيره أنها تسلم للبنت كما تقرر. "فإن فقد" في الذكر "الإرث والمحرمية" كابن خال, أو خالة, أو عمة "أو" فقد "الإرث" دون المحرمية كأبي أم وخال وابن أخت وابن أخ لأم, أو القرابة دون الإرث كمعتق "فلا" حضانة لهم "في الأصح" لضعف قرابتهم بانتفاء الإرث والولاية والعقل ولانتفائها في الأخيرة. "وإن اجتمع ذكور وإناث فالأم" مقدمة على الكل للخبر ولأنها زادت على الأب بالولادة المحققة والأنوثة اللائقة بالحضانة "ثم أمهاتها" المدليات بإناث وإن علون; لأنهن في معناها "ثم الأب"; لأنه أشفق ممن يأتي ثم أمهاته, وإن علون "وقيل تقدم عليه الخالة والأخت من الأم" أو هما لإدلائهما بالأم كأمهاتها, ويرد بضعف هذا الإدلاء.
"فرع" في أصل الروضة ما لفظه لبنت المجنون حضانته إذا لم يكن له أبوان ذكره ابن كج انتهى. وظاهره أن المراد بالأبوين الأب والأم لا غير فحينئذ تقدم البنت عند عدمهما على الجدات من الجهتين, ولم يرتض الزركشي هذا الظاهر فقال: لا ينبغي التخصيص بالأبوين بل سائر الأصول كذلك انتهى. فعليه جميع الأجداد والجدات مقدمون عليها وهو محتمل; لأن الأصل في الأصول أنهم أشفق من الفروع ومع ذلك فالأقرب للمنقول التخصيص بالأبوين; لأنه المتبادر من العبارة المذكورة وهو مستلزم لتقديمها على سائر

 

ج / 3 ص -524-        الأصول غيرهما, وله وجه أيضا ولذا جرى غير واحد عليه, ويتفرع عليه ما لو اجتمعت جدة لأم, وأب, وبنت فهل الأب المحجوب بأم الأم حاجب للبنت هنا فتقدم أم الأم, ثم الأب, ثم البنت ولا نظر لحجبه كما في الإخوة يحجبون الأم والجد, وإن حجبوا, أو لا فيقدم الأب, ثم البنت, ولا حق لأم الأم لحجبها بالبنت, وإن حجبت بالأب لما تقرر أن المحجوب قد يحجب فالحاصل أن الجدة من حيث هي محجوبة بالبنت, والبنت من حيث هي محجوبة بالأب فأيهما المقدم للنظر فيه مجال.
"ويقدم الأصل" الذكر والأنثى, وإن علا "على الحاشية" من النسب كأخت وعمة لقوة الأصول "فإن فقد" الأصل مطلقا, وثم حواش "فالأصح" أنه يقدم منهم "الأقرب" فالأقرب الذكر والأنثى كالإرث قيل: هذا مخالف لما مر من تقديم الخالة على بنت أخ, أو أخت انتهى. ويجاب بمنع ذلك; لأن الخالة تدلي بالأم المقدمة على الكل فكانت أقرب هنا ممن تدلي بالمؤخر عن كثيرين فإن قلت: ينافيه ما مر أن العمة للأب مقدمة على العمة للأم مع أن الأم مقدمة على الأب قلت: هناك استويا في الإدلاء بالأصل فنظرنا إلى قوة جهة الأب من حيث هي بخلاف ما هنا فإنه في إدلاء بأم وإدلاء بحاشية فإن قلت: ينافي ذلك تقديم أمهات الأم على أمهات الأب قلت: لا; لأن أمهات الأم أمهات حقيقة لتحقق ولادتهن بخلاف أمهات الأب "وإلا" يوجد أقرب كأن استوى جمع في القرب كأخ وأخت "فالأنثى" مقدمة; لأنها أصبر وأبصر "وإلا" يكن من المستوين قربا أنثى كأخوين, أو أختين "فيقرع" بينهما قطعا للنزاع, والخنثى هنا كالذكر ما لم يدع الأنوثة ويحلف. "ولا حضانة" على حر, أو قن ابتداء ولا دواما "لرقيق" أي: لمن فيه رق, وإن قل لنقصه, وإن أذن سيده; لأنها ولاية, ولا على قن لحر غير سيده لكن ليس له نزعه من أحد أبويه الحر قبل التمييز; لأنهما أشفق منه مع كراهة التفريق حينئذ, ومن بعضه حر يشترك مالك بعضه, وقريبه على الترتيب السابق في حضانته فإن توافقا على شيء فذاك وإلا استأجر القاضي له حاضنة عليهما وقد تثبت لأم قنة فيما إذا أسلمت أم ولد كافر فلها حضانة ولدها التابع لها في الإسلام ما لم تتزوج لفراغها لمنع السيد من قربانها مع وفور شفقتها, ومع تزوجها لا حق للأب لكفره "ومجنون", وإن تقطع جنونه ما لم يقل كيوم في سنة لنقصه.
"تنبيه" ينبغي في ذلك اليوم الذي يجن فيه الحاضن أن الحضانة لوليه, ولم أر لهم كلاما في الإغماء ويظهر أن القاضي ينيب عنه من يحضنه لقرب زواله غالبا. ويحتمل أخذا مما مر في ولاية النكاح أن يفصل بين أن يعتاد قرب زواله فالحكم كذلك وإلا فينتقل لمن بعده.
"وفاسق"; لأنها ولاية نعم يكفي مستور العدالة كما قاله جمع لكن يخالفه ما أفتى به المصنف في مطلقة ادعت أهلية الحضانة, وأنكر المطلق أنها لا تقبل إلا ببينة ولا تسمع بينة بعدم الأهلية إلا مع بيان السبب كالجرح وجمع في التوشيح وارتضاه الأذرعي وغيره بحمل الأول على ما بعد تسليم الولد لها فتصدق بيمينها, والثاني على ما قبل تسليمه وهذا معنى

 

ج / 3 ص -525-        قول غيره من أراد إثباتها بالحاكم احتاج لبينة بالعدالة "وكافر على مسلم" لذلك بخلاف العكس; لأن المسلم يلي الكافر "وناكحة غير أبي الطفل", وإن رضي زوجها, ولم يدخل بها للخبر السابق "أنت أحق به ما لم تنكحي" وإذا سقط حق الأم بذلك انتقل لأمها ما لم يرض الزوج والأب ببقائه مع الأم, وإن نازع فيه الأذرعي, أما ناكحة أبي الطفل, وإن علا فحضانتها باقية أما الأب فواضح, و أما الجد فلأنه ولي تام الشفقة, وقضيته أن تزوجها بأبي الأم يبطل حقها وهو المعتمد وتناقض فيه كلام الأذرعي وقد لا تسقط بالتزوج لكون الاستحقاق بالإجارة بأن خالع زوجته بألف, وحضانة الصغير سنة فلا يؤثر تزوجها أثناء السنة; لأن الإجارة عقد لازم. "إلا" إن تزوجت من له حق في الحضانة في الجملة, ورضي به كأن تزوجت "عمه وابن عمه وابن أخيه", أو أخته لأمه أخاه لأبيه "في الأصح"; لأن هؤلاء أصحاب حق في الحضانة, والشفقة تحملهم على رعاية الطفل فيتعاونان على كفالته بخلاف الأجنبي, ومن ثم اشترط أن ينضم لرضاه رضا الأب بخلاف من له حق يكفي رضاه وحده. "فإن كان" المحضون "رضيعا اشترط" في استحقاق نحو أمه للحضانة إذا كانت ذات لبن كما بأصله خلافا لمن نازع فيه "أن ترضعه على الصحيح" لعسر استئجار مرضعة تترك بيتها وتنتقل إلى بيت الحاضنة مع الاغتناء عن ذلك بلبن الحاضنة الذي هو أمرأ من غيره لمزيد شفقتها فإن امتنعت سقط حقها ولها إن أرضعته أجرة الرضاع, والحضانة وحينئذ يأتي هنا ما مر فيمن رضيت بدون ما رضيت به, و أما ما مر قبيل الفصل عن أبي زرعة مما ظاهره يخالف ذلك ففيه نظر ظاهر, أما إذا لم يكن لها لبن فتستحق جزما ويشترط أيضا سلامة الحاضنة من ألم مشغل كفالج, أو مؤثر في عسر الحركة في حق من يباشرها بنفسه دون من يدبر الأمر ويباشره غيره قاله الرافعي, ومن عمى عند جمع, وخالفهم آخرون والأوجه الموافق لكلام الرافعي المذكور ما أشار إليه آخرون أنها إذا احتاجت للمباشرة فإن لم تجد من ينوب عنها في القيام بمصالحه أثر وإلا فلا سواء في ذلك الكبير والصغير ومن تغفل كما في الشافي قال الأذرعي: وهو حسن متعين في حق غير المميز, ومن سفه أي: إن صحبه حجر فيما يظهر, ومن جذام وبرص إن خالطته كما اعتمده جمع لما يخشى من العدوى ولقوله صلى الله عليه وسلم "لا يورد ذو عاهة على مصح" ومعنى لا عدوى أنها ليست مؤثرة بذاتها وإنما يخلق الله ذلك عند المخالطة كثيرا. "فإن كملت ناقصة" كأن عتقت أو أفاقت, أو أسلمت, أو رشدت "أو طلقت منكوحة" ولو رجعيا "حضنت" حالا ولو في العدة إن رضي المطلق ذو البيت بدخول الولد له وذلك لزوال المانع ومن ثم لو أسقطت الحاضنة حقها انتقل لمن يليها فإذا رجعت عاد حقها. "فإن غابت الأم أو امتنعت ف" الحضانة "للجدة" أم الأم "على الصحيح" كما لو ماتت, أو جنت وقضيته أن الأم لا تجبر, ومحله إن لم يلزمها نفقته وإلا أجبرت, ومثلها كل أصل يلزمه الإنفاق ومنه إذ المراد به الكفاية. الإخدام بنحو شراء خادم, أو استئجاره لمن يخدم مثله ولا يلزم الأم المستحقة للحضانة إذا لم يلزمها إنفاقه أن تخدمه, وقول الماوردي إذا كان مثلها لا يخدم مردود بأن الإخدام من جملة الإنفاق اللازم لغيرها فلا يلزمها, وإن كان مثلها يخدم ولده, ومن استحقت الحضانة فحضنت بقصد

 

ج / 3 ص -526-        الرجوع وأشهدت عليه فإن كان ذلك لغيبة المنفق أو امتناعه, ومع فقد القاضي رجعت بأجرتها, وإلا فلا نظير ما مر في النفقة خلافا لمن أطلق الرجوع ولمن أطلق عدمه.
"تنبيه" قام بكل من الأقارب مانع من الحضانة رجع في أمرها للقاضي الأمين فيضعه عند الأصلح منهن, أو من غيرهن كما بحثه الأذرعي وغيره خلافا للماوردي في قوله: لا يختلف المذهب في أن أزواجهن إذا لم يمنعوهن يكن باقيات على حقهن فإن أذن الزوج واحدة فقط فهي الأحق, وإن بعدت, أو زوجا ثنتين قدمت قرباهما.
"هذا كله في غير مميز". "والمميز" الذكر والأنثى ومر ضابطه قبيل الأذان "إن افترق أبواه" مع أهليتهما, ومقامهما في بلد واحد خير إن ظهر للقاضي أنه عارف بأسباب الاختيار وإذا اختار أحدهما "كان عند من اختار منهما" للخبر الحسن أنه صلى الله عليه وسلم خير غلاما بين أبيه وأمه وإنما يدعي الغلام المميز ومثله الغلامة "فإن كان في أحدهما" مانع ومنه "جنون, أو كفر, أو رق أو فسق, أو نكحت" من لا حق له في الحضانة "فالحق للآخر" لانحصار الأمر فيه. "ويخير" المميز الذي لا أب له "بين أم", وإن علت "وجد", وإن علا عند فقد من هو أقرب منه, أو قيام مانع به لوجود الولادة في الكل "وكذا" الحواشي فهم كالجد ومنهم "أخ وعم", أو ابنه إلا ابن عم في مشتهاة ولا بنت له ثقة أي: مثلا والمراد أنه لا يجد ثقة يسلمها إليها وحينئذ فلا اعتراض عليهما خلافا لمن زعمه فيتخير بين أحدهم. والأم في الأصح كالأب بجامع العصوبة ولأنه صلى الله عليه وسلم خير ابن سبع, أو ثمان بين أمه وعمه رواه الشافعي "أو أب مع أخت" شقيقة, أو لأم "أو خالة" حيث لا أم فيخير بينهما "في الأصح" فإن فقد الأب أيضا خير بين الأخت, أو الخالة, وبقية العصبة على الأوجه وظاهر كلامهم أن التخيير لا يجري بين ذكرين ولا أنثيين "قول المحشي قوله أو لإدلائها" ليس في نسخ الشرح التي بأيدينا. "فإن اختار أحدهما" أي: الأبوين ومن ألحق بهما "ثم الآخر حول إليه"; لأنه قد يبدو له الأمر على خلاف ظنه نعم إن ظن أن سببه قلة عقله فعند الأم, وإن بلغ كما قبل التمييز "فإن اختار الأب ذكر لم يمنعه زيارة أمه" أي: لم يجز له ذلك وتكليفها الخروج لزيارته; لأنه يؤدي للعقوق وقطع الرحم "ويمنع أنثى" ومثلها هنا وفيما يأتي الخنثى من زيارة أمها لتألف الصيانة. وإفتاء ابن الصلاح بأن الأم إذا طلبتها أرسلت إليها محمول على معذورة عن الخروج للبنت لنحو تخدر, أو مرض, أو منع نحو زوج, ويظهر أن محل إلزام ولي البنت بخروجها للأم عند عذرها بناء على ما ذكر حيث لا ريبة في الخروج قوية وإلا لم يلزمه. "ولا يمنعها" أي: الأب والأم "دخولا عليهما" أي: الابن والبنت إلى بيته "زائرة" حيث لا خلوة له بها محرمة ولا ريبة كما هو ظاهر نظير ما يأتي في عكسه دفعا للعقوق. "والزيارة مرة في أيام" على العادة لا في كل يوم ولا تطيل المكث "فإن مرضا فالأم أولى بتمريضهما"; لأنها أصبر عليه "فإن رضي به في بيته" بالشرطين المذكورين فذاك "وإلا ففي بيتها" فهو المخير في ذلك نعم إن أضرت النقلة لبيتها امتنعت ولو مرضت الأم فليس للأب منع الولد الذكر والأنثى من عيادتها "ولو اختارها ذكر فعندها" يكون "ليلا وعند الأب" وإن علا ومثله وصي وقيم يكون "نهارا" وهو كالليل للغالب ففي نحو الأتوني الأمر بالعكس نظير ما مر في القسم "يؤدبه" وجوبا بتعليمه طهارة

 

ج / 3 ص -527-        النفس من كل رذيلة وتحليها بكل محمود "ويسلمه" وجوبا "بالمكتب" بفتح الميم مع فتح أو كسر التاء وهو محل التعليم وسماه الشافعي الكتاب كما هو على الألسنة, ولم يبال أنه جمع كاتب "وحرفة" أي: ذيهما. وظاهر كلام الماوردي أنه ليس لأب شريف تعليم ابنه صنعة تزريه; لأن عليه رعاية حظه ولا يكله إلى أمه لعجز النساء عن مثل ذلك, وأجرة ذلك في مال الولد إن وجد وإلا فعلى من عليه نفقته وأفتى ابن الصلاح في ساكن ببلد, ومطلقته بقرية وله منها ولد مقيم عندها في مكتب بأنه إن سقط حظ الولد بإقامته عندها فالحضانة للأب رعاية لمصلحته, وإن أضر ذلك بأمه, ويؤخذ منه أن مثل ذلك بالأولى ما لو كان في إقامته عندها ريبة قوية "أو" اختارها "أنثى فعندها" تكون "ليلا ونهارا" لاستوائهما في حقها إذ الأليق بها سترها ما أمكن. "ويزورها الأب على العادة" ولا يطلبها لما ذكر, وأخذ من اعتبار العادة المنع ليلا لما فيه من الريبة ويرده اشتراطهم في دخوله على الأم وجود مانع خلوة من نحو محرم أو امرأة ثقة, ولو مات أجيب الأب إلى محل دفنه على الأوجه ولها بعد البلوغ الانفراد عن نحو أبويها إلا إن ثبتت ريبة ولو ضعيفة فيما يظهر فلولي نكاحها, وإن رضي أقرب منه ببقائها في محلها فيما يظهر أن يمنعها الانفراد بل يضمها إليه إن كان محرما وإلا فإلى من يأمنها بموضع لائق. ويلاحظها ويظهر في أمرد ثبتت الريبة في انفراده أن لوليه منعه منه كما ذكر, ثم رأيتهم صرحوا به وجوزوا ذلك لكل عصبته وهو شاهد لما قدمته في الأنثى أيضا "وإن اختارها أقرع" بينهما إذ لا مرجح "وإن لم يختر" واحد منهما "فالأم أولى"; لأنها أشفق واستصحابا لما كان "وقيل يقرع" بينهما إذ لا أولوية حينئذ ويرد بمنع ذلك. "ولو أراد أحدهما سفر حاجة" غير نقلة "كان الولد المميز, وغيره مع المقيم حتى يعود" المسافر لخطر السفر طال, أو قصر فإن أراده كل منهما واختلفا مقصدا وطريقا كان عند الأم وإن كان سفرها أطول ومقصدها أبعد وللرافعي احتمال فيه "أو" أراد أحدهما "سفر نقلة فالأب أولى" به, وإن كان هو المسافر ولو كان للأب أب ببلد الأم احتياطا للنسب ولمصلحة نحو التعليم والصيانة وسهولة الإنفاق نعم إن صحبته الأم, وإن اختلف مقصدهما, أو لم تصحبه واتحد مقصدهما دام حقها كما لو عاد لمحلها وواضح فيما إذا اختلف مقصدهما وصحبته أنها تستحقها مدة صحبته لا غير وإنما يجوز السفر به "بشرط أمن طريقه والبلد" أي: المحل "المقصود" إليه فإن كان أحدهما مخوفا امتنع السفر به وأقر عند المقيم, وكذا إن لم يصلح المحل المنتقل إليه عند المتولي, أو كان وقت شدة حر, أو برد عند ابن الرفعة, أو كان السفر به بحرا أخذا من منعهم السفر بماله فيه قيل: بل أولى انتهى. ومر أواخر الحجر ما يرده, أو كان به إلى دار الحرب وإن أمن كما نقله الأذرعي واعتمده, وليس خوف الطاعون مانعا, وإن وجدت قرائنه كما هو ظاهر نظرا لأصل عدمه, والقرائن كثيرا ما تتخلف بخلاف تحققه لحرمة الدخول إلى محله كالخروج منه لغير حاجة ماسة "قيل و" شرط كون السفر بقدر "مسافة قصر"; لأن الانتقال لما دونها كالإقامة بمحلة أخرى من بلد متسع لسهولة مراعاة الولد قيل: وعليه الأكثرون ورد بمنع سهولة رعاية مصالحه حينئذ ولو نازعته في قصد النقلة حلف فإن نكل حلفت وأمسكته "ومحارم العصبة" كالأخ

 

ج / 3 ص -528-        والعم "في هذا" أي: سفر النقلة "كالأب" فيقدمون على الأم احتياطا للنسب أيضا بخلاف محرم لا عصوبة له كأبي أم وخال وأخ لأم وقال المتولي وأقره في الروضة لكن أطال البلقيني في رده أن الأقرب كالأخ لو أراد النقلة وهناك أبعد كالعم كان أولى "وكذا ابن عم لذكر" فيأخذه إذا أراد النقلة لما مر "ولا يعطى أنثى" مشتهاة حذرا من الخلوة المحرمة "فإن رافقته بنته" أو نحوها المكلفة الثقة "سلم" المحضون الذي هو أنثى "إليها" لانتفاء المحذور حينئذ ونازع فيه الأذرعي وأطال بما فيه نظر.

فصل في مؤنة المماليك وتوابعها
"عليه" أي: المالك "كفاية رقيقه" إلا مكاتبا ولو كتابة فاسدة ومزوجة تجب نفقتها فإن قلت: لم وجبت نفقة المرتد هنا لو فرض تأخر قتله بخلاف نظيره في القريب قلت; لأن الموجب هنا الملك وهو موجود وثم مواساة القريب, والمهدر ليس من أهل المواساة "نفقة" قوتا وأدما بلا تقدير "وكسوة" وسائر مؤنه كماء طهره قول المحشي قوله: ولو سفرا ليس في نسخ الشارح التي بأيدينا في الحضر لخبر مسلم "للمملوك طعامه وكسوته ولا يكلف من العمل ما لا يطيق" وقيس بما فيه غيره "وإن كان" مستحق المنفعة للغير بنحو وصية, أو إجارة, أو آبقا, أو "أعمى زمنا" أكولا, وإن زادت كفايته على كفاية مثله والواجب أول الشبع والري كما يأتي نظير ما مر "ومدبرا ومستولدة" لبقاء ملكه لهما وإنما تجب "من غالب" نحو "قوت رقيق البلد وأدمهم" إن اختلف نحو قوتهم باختلاف جمالهم وبيسار ساداتهم وإلا اعتبر غالب قوت البلد وعليه حملوا خبر "فليطعمه من طعامه وليلبسه من لباسه", وخبر "وأطعموهم مما تأكلون", ولا نظر لما يأكله السيد, أو يلبسه غير لائق به بخلا, أو رياضة "و" من غالب "كسوتهم" أي: الأرقاء كذلك لخبر الشافعي رضي الله عنه "للمملوك نفقته وكسوته بالمعروف" قال: والمعروف عندنا المعروف لمثله ببلده "ولا يكفي ستر العورة", وإن لم يضره; لأن فيه إذلالا له وتحقيرا نعم إن اعتيد ولو ببلادنا على الأوجه كفى إذ لا تحقير حينئذ. "ويسن" لمن لم يفعل الأفضل من إجلاسه معه للأكل أي: حيث لا ريبة فيما يظهر "أن يناوله مما يتنعم به" ولو فوق اللائق به "من طعام وأدم" لا سيما ما عالجه لخبر الشيخين "إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه فإن لم يقعده معه فليناوله لقمة, أو لقمتين, أو أكلة, أو أكلتين فإنه ولي حره وعلاجه" والتعليل بما بعد الفاء يرشد إلى حملهم للأمر على الندب ويسن أن يكون ما يناوله له يسد مسدا لا قليلا يهيج الشهوة ولا يقضي النهمة "و" من "كسوة"; لأنه من مكارم الأخلاق ويظهر في أمرد جميل أنه يسن أن لا ينعمه بنحو ملبوسه الناعم; لأن ذلك يؤدي إلى سوء الظن به والوقوع في عرضه لا سيما اليوم, وقد فشا هذا الفساد وغيره. "وتسقط" كفاية القن "بمضي الزمن" كنفقة القريب بجامع اعتبار الكفاية فيهما ومن ثم لم تصر دينا إلا بما مر ثم. "ويبيع القاضي فيها ماله" أو يؤجره عند امتناعه منها ومن إزالة ملكه عنه بعد أمر القاضي له بالبيع, أو الإيجار, أو عند غيبته نظير ما مر ثم ففيما يتيسر بيع بعضه, أو إيجاره شيئا فشيئا بقدر الحاجة يفعل ذلك فيه, وفي غيره كالعقار يستدين حتى يجتمع قدر صالح, ثم يبيع ما يفي به,

 

ج / 3 ص -529-        أو يؤجره ولو تعذر بيع البعض, وإيجاره وتعذرت الاستدانة باع الكل, أو آجره هذا في غير محجور عليه, أما هو فيجب فعل الأحظ له من بيع القن أو إجارته, أو بيع مال له آخر, أو الاقتراض على مغله. "فإن فقد المال" بأن لم يكن لمالكه مال ولو ببلد القاضي فقط فيما يظهر والمالك حاضر ممتنع من إنفاقه "أمره" القاضي بإيجاره أي: إن وفى بمؤنته فيما يظهر أو بإزالة ملكه عنه "ببيعه, أو إعتاقه", أو نحوهما فإن أبى باعه, أو آجره عليه فإن لم يجد مشتريا, ولا مستأجرا أنفق عليه من بيت المال أي: قرضا فيما يظهر أخذا مما مر في اللقيط فإن لم يكن فيه مال, أو منع ناظره تعديا فعلى مياسير المسلمين, وما اقتضاه كلامهما من أنه مخير بين البيع, والإجارة ينبغي حمله كما هو معلوم من محله على ما إذا استوت مصلحتهما في نظره والأوجب فعل الأصلح منهما فقول جمع يجب الإيجار أو لا يحمل على ما إذا كان أصلح هذا كله في غير المستولدة, أما هي فيخليها إن لم يزوجها ولا آجرها لتكتسب كفايتها فإن لم يكن لها كسب, أو لم يف بها ففي بيت المال ثم المياسير.
"تنبيه" قضية كلامهم في الممتنع هنا الذي له مال أن القاضي لا يبيع عليه القن الممتنع من إنفاقه, وإن رآه أصلح وأنه يبيع لكفايته بقية أمواله ولو رقيقا مكفيا بكسبه, وهو مشكل لا سيما في الغائب المنوط التصرف في ماله بالأصلح, ولو قيل: في الغائب يجوز لما ذكر دون الممتنع; لأن امتناعه من بيعه يدل على قوة الرغبة في إمساكه دون غيره لم يبعد, ثم رأيت كلامهم الآتي في الدابة وهو صريح في أن القاضي لو رأى بيعه أصلح باعه سواء الممتنع الذي له مال وغيره ولا فارق بين الدابة والقن في ذلك كما صرح به غير واحد. "ويجبر" إن شاء "أمته على إرضاع ولدها" ولو من غيره بزنا وغيره; لأنه يملك لبنها ومنافعها بخلاف الزوجة ولو طلبت إرضاعه لم يجز له منعها منه; لأن فيه تفريقا بين الوالدة وولدها إلا عند تمتعه بها فيعطيه لغيرها إلى فراغ تمتعه وإلا إذا كان إرضاعها له يقذرها بحيث تنفر طباعه عنها فيما يظهر, وله في الحر طلب أجرة رضاعها له والتبرع بها رضيت, أو أبت "وكذا غيره" أي: غير ولدها فيجبرها على إرضاعها أيضا "إن فضل" لبنها "عنه" أي: عن ولدها لكثرته مثلا بخلاف ما إذا لم يفضل لقوله تعالى
{لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} البقرة: 233] هذا إن كان ولدها ولده أو ملكه فإن كان ملك غيره, أو حرا فله أن يرضعها من شاء; لأن إرضاع هذا قوله أن له أخذ الأجرة لعل هنا سقطا أي وقال غيره مثلا وقوله بأن يخص ليس موجودا بنسخ الشرح التي بأيدينا فليحرر على بعضه أو مالكه "و" على "فطمه قبل حولين إن لم يضره" أو يضرها ذلك. "و" على "إرضاعه بعدهما إن لم يضرها" أو يضره واقتصر في كل من القسمين على الأغلب فيه فلا يرد عليه ما زدته فيهما, وليس لها الاستقلال بأحد هذين إذ لا حق لها في نفسها "وللحرة" الأم, ويظهر أن يلحق بها من لها الحضانة من أمهاتها وأمهات الأب "حق في التربية" كالأب "فليس لأحدهما" أي: الأبوين الحرين, ويظهر أن غيرهما عند فقدهما ممن له حضانة مثلهما في ذلك "فطمه قبل حولين" من غير رضا الآخر لأنهما تمام مدة الرضاع نعم إن تنازعا أجيب طالب الأصلح للولد كالفطم عند حمل الأم أو مرضها, ولم يوجد غيرها فيتعين وكلامهم محمول على الغالب ذكره الأذرعي "ولهما" فطمه قبلهما "إن لم يضره" ولم يضرها لانتفاء المحذور "ولأحدهما" فطمه بغير رضا الآخر "بعد

 

ج / 3 ص -530-        حولين" لمضي مدة الرضاع ولم يقيده بذلك نظرا للغالب إذ لو فرض إضرار الفطم له لضعف خلقته أو لشدة حر, أو برد لزم الأب بذل أجرة الرضاع بعدهما حتى يجتزئ بالطعام, وتجبر الأم على إرضاعه بالأجرة إن لم يوجد غيرها كما علم مما مر "ولهما الزيادة" في الرضاع على الحولين حيث لا ضرر لكن أفتى الحناطي بأنه يسن عدمها إلا لحاجة. "ولا يكلف رقيقه", أو بهيمته "إلا عملا يطيقه" أي: لا يجوز له أن يكلفه إلا عملا يطيق دوامه للخبر السابق بخلاف ما إذا كان يطيقه يومين, أو ثلاثة, ثم يعجز نعم له أن يكلفه الأعمال الشاقة في بعض الأحيان حيث لم تضره بأن يخشى منه محذور تيمم فيما يظهر, ويحتمل الضبط بما لا يحتمل عادة وإن لم يخش منه ذلك المحذور وعليه إراحته وقت قيلولة الصيف, وفي غير وقت الاستعمال باعتبار عادة البلد وظاهر عليه وجوب ذلك وينبغي حمله على أنه بالنسبة للدوام لما تقرر من جواز تكليفه المشق لا على الدوام وأفتى القاضي بأنه إذا كلفه ما لا يطيقه بيع عليه, وأيده ابن الصلاح ببيع المسلم على الكافر صيانة له عن الذل وبما أفتى به أيضا من بيع أمة على مغنية تروم حملها على الفساد وقيده الأذرعي بما إذا تعين طريقا لخلاصه بأن لم يمتنع من تكليفه ذلك إلا به. "وتجوز مخارجته" أي: القن كما ثبت عن جمع من الصحابة رضي الله عنهم بل روى البيهقي عن الزبير رضي الله عنه أنه كان له ألف مملوك يخارجهم, ويتصدق بجميع خراجهم وصح أنه صلى الله عليه وسلم أعطى أبا طيبة لما حجمه صاعين, أو صاعا من تمر وأمر أهله أن يخففوا عنه من خراجه "بشرط" كون القن يصح تصرفه لنفسه لو كان حرا كما هو ظاهر, وقدرته على كسب مباح, وفضله عن مؤنته إن جعلت فيه وما فضل يتصرف فيه كالحر ويشترط "رضاهما" فليس لأحدهما إجبار الآخر عليها; لأنها عقد معاوضة كالكتابة ومع ذلك لا تلزم من جهة السيد كما هو ظاهر, ويفرق بينهما بأن الكتابة تؤدي إلى العتق فألزمناها من جهة السيد لئلا تبطل فائدتها بخلاف المخارجة لا تؤدي له فلم يحتج لإلزامها من جهته ويؤخذ من كونها عقد معاوضة أنه لا بد فيها من صيغة من الجانبين, وأن صريحها خارجتك وما اشتق منه, وأن كنايتها باذلتك عن كسبك بكذا ونحوه وبحث أن للولي مخارجة قن محجوره إذا رآه مصلحة وفيه نظر; لأن فيها تبرعا وإن كانت بأضعاف قيمته وهو ممنوع منه اللهم إلا إذا انحصر صلاحه فيها وتعذر بيعه نظير ما مر أواخر الحجر من بيع ما له بدون ثمن مثله للضرورة. "وهي" أي: المخارجة "خراج" معلوم أي: ضربه عليه "يؤديه" إلى سيده من كسبه "كل يوم, أو أسبوع" أو شهر مثلا. "وعليه" أي: مالك دواب لم يرد بيعها ولا ذبح ما يحل منها "علف" بالسكون كما بخطه وهو الفعل وبفتحها وهو المعلوف "دوابه" المحترمة, وإن وصلت إلى حد الزمانة المانعة من الانتفاع بها بوجه "وسقيها" وسائر ما ينفعها, وكذا ما يختص به من نحو كلب محترم كما هو ظاهر, ثم رأيت الأذرعي صرح بذلك مع زيادة فقال: إما أن يكفيه, أو يدفعه لمن ينفقه, أو يرسله انتهى. وقد يشكل على ذلك قول الشيخين يلزمه ذبح شاته لكلبه إذا اضطر إلا أن يحمل على ما إذا لم يرد إرساله, أو على ما قبل الاضطرار على أنه في المجموع. نقل عن القاضي أن الأصح منع وجوب ذبحها له وذلك لحرمة الروح هذا إن لم

 

ج / 3 ص -531-        تألف الرعي ويكفيها وإلا كفى إرسالها له حيث لا مانع وعليه أول الشبع والري لا نهايتهما نظير ما مر في البعض بل أولى فإن لم يكفها الرعي لزمه التكميل "فإن امتنع" من علفها وإرسالها ولا مال له آخر أجبر على إزالة ملكه, أو ذبح المأكولة, أو الإيجار صونا لها عن التلف فإن أبى فعلى الحاكم الأصلح من ذلك, أو وله مال "أجبر في المأكول على" مزيل ملك بنحو "بيع" إذا لم يكن إجارته, أو يفي بمؤنته "أو علف" بالسكون كما بخطه أيضا "أو ذبح وفي غيره على بيع" بشرطه "أو علف" صيانة لها عن الهلاك فإن أبى فعلى الحاكم الأصلح من ذلك, أو بيع بعضها, أو إيجارها فإن تعذر ذلك كله أنفق عليها من بيت المال, ثم المياسير, فإن لم يجد إلا ما يغصبه غصبه إن لم يخف مبيح تيمم كما هو ظاهر. "ولا يحلب" من البهيمة المأكولة وغيرها كما هو ظاهر "ما ضر" ها ولو لقلة العلف, أو "ولدها" للنهي الصحيح عنه وظاهر ضبط الضرر بما منع من نمو أمثالهما, وضبطه فيه بما يحفظه عن الموت توقف فيه الرافعي وصوب الأذرعي الضبط بما قررته لقول الماوردي أنه كولد الأمة فلا يحلب منها إلا ما فضل عن ريه حتى يستغني عنه برعي, أو علف وليس له أن يعدل به عن لبنها لغيره إلا إن استمرأه, ويسن قص ظفر الحالب وأن لا يستقصي ويجب حلب ما ضرها بقاؤه كجز نحو صوف, ويحرم حلقه من أصله; لأنه تعذيب, وكراهته في كلام الشافعي المراد بها التحريم, وقد تحمل على ما لا تعذيب فيه إن تصور. "وما لا روح له كقناة ودار لا تجب عمارتها" على مالكها الرشيد; لأنها تنمية للمال وهي لا تجب نعم يكره تركها إلى أن تخرب لغير عذر كترك سقي زرع, وشجر دون ترك زراعة الأرض وغرسها, ولا ينافي ما هنا من عدم تحريم إضاعة المال تصريحهم في مواضع بحرمته; لأن محل الحرمة حيث كان سببها فعلا كإلقاء مال ببحر, والكراهة حيث كان سببها تركا كهذه الصور لمشقة العمل, أما غير رشيد فيلزم وليه عمارة داره وأرضه, وحفظ ثمره وزرعه, وكذا وكيل وناظر وقف, وأما ذو الروح المحترمة فيلزم مالكه رعاية مصالحه, ومنها إبقاء عسل للنحل في الكوارة إن تعين لغذائها, وعلف دود القز من ورق التوت, ويباع فيه ماله كالبهيمة فإذا استكمل جاز تجفيفه بالشمس, وإن أهلكه لحصول فائدته كذبح المأكول, ولا تكره عمارة لحاجة وإن طالت, والأخبار الدالة على منع ما زاد على سبعة أذرع, وأن فيه الوعيد الشديد محمولة على من فعل ذلك للخيلاء والتفاخر على الناس. وتكره الزيادة عليها أي: لغير حاجة وصح أن الرجل ليؤجر في نفقته كلها إلا في هذا التراب أي: ما لم يقصد بالإنفاق في البناء به مقصدا صالحا كما هو معلوم والله أعلم.