تحفة المحتاج بشرح المنهاج ط العلمية

ج / 4 ص -3- بسم الله الرحمن الرحيم
"كتاب الجراح"
جمع جراحة غلبت، لأنها أكثر طرق الزهوق وأعم منها الجناية ولذا آثرها غيره لشمولها القتل بنحو سحر أو سم أو مثقل وجمعها لاختلاف أنواعها الآتية وأكبر الكبائر بعد الكفر القتل ظلما وبالقود أو العفو لا تبقى مطالبة أخروية وما أفهمه بعض العبارات من بقائها محمول على بقاء حق الله تعالى فإنه لا يسقط إلا بتوبة صحيحة ومجرد التمكين من القود لا يفيد إلا إن انضم إليه ندم من حيث المعصية وعزم أن لا عود والقتل لا يقطع الأجل خلافا للمعتزلة.
"الفعل" للجنس فلذا أخبر عنه بثلاثة ويدخل فيه هنا القول كشهادة الزور، لأنه فعل اللسان "المزهق" كالفصل لكنه لا مفهوم له، لأنه يأتي له تقسيم غيره لذلك أيضا "ثلاثة" لمفهوم الخبر الصحيح:
"إلا أن في قتيل عمد الخطأ قتيل السوط والعصا مائة من الإبل"، الحديث وصح أيضا: "ألا إن دية الخطأ شبه العمد ما كان بالسوط والعصا فيه مائة من الإبل"، "عمد وخطأ وشبه عمد" أخره عنهما لأخذه شبها من كل منهما ويأتي حد كل "ولا قصاص إلا في العمد" الآتي إجماعا بخلاف الخطأ لآية {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً} [النساء: 92] وشبه العمد للخبرين المذكورين "وهو قصد الفعل و" عين "الشخص" يعني الإنسان إذ لو قصد شخصا يظنه نخلة فبان إنسانا كان خطأ كما يأتي "بما يقتل غالبا" فقتله هذا حد للعمد من حيث هو فإن أريد بقيد إيجابه للقود زيد فيه ظلما من حيث الإتلاف لإخراج القتل بحق أو شبهة كمن أمره قاض بقتل بان خطؤه في سببه من غير تقصير كتبين رق شاهد به وكمن رمى لمهدر أو غير مكافئ فعصم أو كافأ قبل إصابة وكوكيل قتل فبان انعزاله أو عفو موكله وإيراد هذه الصور عليه غفلة عما قررته والظلم لا من حيث الإتلاف كأن استحق حز رقبته فقده نصفين وغالبا إن رجع للآلة لم يرد غرز الإبرة الموجب للقود، لأنه سيذكره على أنه بقيد كونه في مقتل أو مع دوام الألم يقتل غالبا أو للفعل لم يرد قطع أنملة سرت للنفس، لأنه مع السراية يقتل غالبا فاندفع ما لبعضهم هنا. ومال ابن العماد فيمن أشار لإنسان بسكين تخويفا له فسقطت عليه من غير قصد إلى أنه عمد موجب للقود فيه نظر، لأنه لم يقصد عينه بالآلة قطعا فالوجه أنه غير عمد "جارح" بدل من ما الواقعة على أعم منهما كتجويع وسحر وخصاء، لأنهما الأغلب مع الرد بالثاني على أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه مع قوله لو قتله بعمود حديد قتل "أو مثقل" للخبر الصحيح: أن يهوديا رض رأس جارية بين حجرين فأمر صلى الله عليه وسلم برض رأسه كذلك، ورعاية المماثلة وعدم إيجابه شيئا فيها يردان إن زعم أنه قتله لنقضه العهد ودخل في قولنا عين الشخص رميه لجمع بقصد إصابة

 

ج / 4 ص -4- أي واحد منهم بخلافه بقصد إصابة واحد فرقا بين العام والمطلق إذ الحكم في الأول على كل فرد فرد مطابقة وفي الثاني على الماهية مع قطع النظر عن ذلك "فإن فقد" قصدهما أو "قصد أحدهما" أي الفعل وعين الإنسان "بأن" تستعمل غالبا لحصر ما قبلها فيما بعدها وكثيرا ما تستعمل مثل كان كما هنا "وقع عليه" أي الشخص المراد به الإنسان كما مر "فمات" وهذا مثال للمحذوف أو للمذكور على ما يأتي "أو رمى شجرة" مثلا أو آدميا "فأصابه" أي غير من قصده فمات أو رمى شخصا ظنه شجرة فبان إنسانا ومات "فخطأ" وهذا مثال لفقد قصد الشخص دون الفعل ويصح جعل الأول من هذا أيضا على بعد نظرا إلى أن الوقوع لما كان منسوبا بالواقع صدق عليه الفعل المقسم للثلاثة وأنه قصده وعكسه محال وتصويره بضربه بظهر سيف فأخطأ لحده فهو لم يقصد الفعل بالحد يرد بأن المراد بالفعل الجنس وهو موجود هنا وبما لو هدده ظالم فمات به فالذي قصده به الكلام وهو غير الفعل الواقع به يرد أيضا بأن مثل هذا الكلام قد يهلك عادة.
"تنبيه" سيعلم من كلامه أن من الخطأ أن يتعمد رمي مهدر فيعصم قبل الإصابة تنزيلا لطرو العصمة منزلة طرو إصابة من لم يقصده.
"وإن قصدهما" أي الفعل والشخص أي الإنسان وإن لم يقصد عينه "بما لا يقتل غالبا فشبه عمد" ويسمى خطأ عمد وعمد خطأ وخطأ شبه عمد سواء أقتل كثيرا أم نادرا كضربة يمكن عادة إحالة الهلاك عليها بخلافها بنحو قلم أو مع خفتها جدا وكثرة الثياب فهدر.
"تنبيه" وقع لشيخنا في المنهج وشرحه ما يصرح باشتراط قصد عين الشخص هنا أيضا وهو عجيب لتصحيحه في الروضة قبيل الديات أن قصد العين لا يشترط في العمد فأولى شبهه لكن هذا ضعيف والمعتمد كما قاله الإسنوي وغيره وبه جزم الشيخان في الكلام على المنجنيق أنه إن وجد قصد العين فعمد وإلا كان قصد غير معين كأحد الجماعة فشبه عمد.
"ومنه الضرب بسوط أو عصا" خفيفين لم يوال ولم يكن بمقتل ولا كان البدن نضوا ولا اقترن بنحو حر أو صغر وإلا فعمد كما لو خنقه فضعف وتألم حتى مات لصدق حده عليه وكالتوالي ما لو فرق وبقي ألم كل إلى ما بعده نعم إن أبيح له أوله فقد اختلط شبه العمد به فلا قود ولك أن تقول لا يرد على طرده تعزير ونحوه فإنه إنما جعل خطأ مع صدق الحد عليه لأن تجويز الإقدام له ألغى قصده ولا على عكسه قول شاهدين رجعا لم نعلم أنه يقتل بقولنا فإنه إنما جعل شبه عمد مع قصد الفعل والشخص بما يقتل غالبا، لأن خفاء ذلك عليهما مع عذرهما به صيره غير قاتل غالبا وإذا تقررت الحدود الثلاثة. "فلو غرز إبرة" ببدن نحوهم أو نضو وصغير أو كبير وهي مسمومة أي بما يقتل غالبا أخذا من اشتراطهم ذلك في سقيه له ويحتمل الفرق، لأن غوصها مع السم يؤثر ما لا يؤثره الشرب ولو بغير مقتل أو "بمقتل" بفتح التاء كدماغ وعين وحلق وخاصرة وإحليل ومثانة وعجان وهو ما بين الخصية والدبر "فعمد" وإن لم يكن معه ألم ولا ورم لصدق حده عليه نظرا لخطر المحل

 

ج / 4 ص -5- وشدة تأثره "وكذا" يكون عمدا غرزها "بغيرها" كألية وورك "إن تورم" ليس بقيد كما صرح هو به "وتألم" تألما شديدا دام به "حتى مات" لذلك "فإن لم يظهر أثر" بأن لم يشتد الألم أو اشتد ثم زال "ومات في الحال" أو بعد زمن يسير أي عرفا فيما يظهر "فشبه عمد" كالضرب بسوط خفيف "وقيل عمد" كجرح صغير ويرد بوضوح الفرق "وقيل لا شيء" من قود ولا دية إحالة للموت على سبب آخر ويرد بأنه تحكم إذ ليس ما لا وجود له أولى مما له وجود وإن خف "ولو غرزها فيما لا يؤلم كجلدة عقب" فمات "فلا شيء بحال"، لأن الموت عقبه موافقة قدر وخرج بما لا يؤلم ما لو بالغ في إدخالها فإنه عمد وإبانة فلقة لحم خفيفة وسقي سم يقتل كثيرا لا غالبا كغرزها بغير مقتل وقياس ما مر أن ما يقتل نادرا كذلك "ولو" منعه سد محل الفصد أو دخن عليه فمات أو "حبسه" كأن أغلق بابا عليه "ومنعه الطعام والشراب" أو أحدهما "والطلب" لذلك أو عراه "حتى مات" جوعا أو عطشا أو بردا "فإن مضت مدة" من ابتداء منعه أو إعرائه "يموت مثله فيها غالبا جوعا أو عطشا" أو بردا ويختلف باختلاف حال المحبوس والزمن قوة وحرا وضدهما وحد الأطباء الجوع المهلك غالبا باثنين وسبعين ساعة متصلة واعترضهم الروياني بمواصلة ابن الزبير رضي الله تعالى عنهما خمسة عشر يوما ويرد بأن هذا نادر ومن حيز الكرامة على أن التدريج في التقليل يؤدي لصبر نحو ذلك كثيرا والذي يظهر أنه لا عبرة بذلك ولو بالنسبة لمن اعتاد ذلك التقليل، لأن العبرة في ذلك بما من شأنه القتل غالبا فإن قلت مر اعتبار نحو النضو قلت يفرق بأن كل نضو كذلك وليس كل معتاد للتقليل يصبر على جوع ما يقتل غالبا كما هو واضح "فعمد" إحالة للهلاك على هذا السبب الظاهر وخرج بحبسه ما لو أخذ بمفازة قوته أو لبسه أو ماءه. وإن علم أنه يموت وبمنعه ما لو امتنع من تناول ما عنده وعلم به خوفا أو حزنا أو من طعام خوف عطش أو من طلب ذلك أي، وقد جوز أنه يجاب فيما يظهر فلا قود بل ولا ضمان في الحر، لأنه لم يحدث فيه صنعا في الأول وهو القاتل لنفسه في البقية قال الفوراني وكذا لو أمكنه الهرب بلا مخاطرة فتركه "وإلا" تمضي تلك المدة ومات بالجوع مثلا لا بنحو هدم "فإن لم يكن به جوع وعطش" أي أو عطش لقوله "سابق" على حبسه "فشبه عمد" وعلم من كلامه السابق أنه لا بد من مضي مدة يمكن عادة إحالة الهلاك عليها فإيهام عموم وإلا هنا غير مراد "وإن كان" به "بعض جوع وعطش" الواو بمعنى أو كما مر سابقا "وعلم الحابس الحال فعمد" لشمول حده السابق له إذ الفرض أن مجموع المدتين بلغ المدة القاتلة وأنه مات بذلك كما علم من المتن "وإلا" يعلم الحال "فلا" يكون عمدا "في الأظهر"، لأنه لم يقصد إهلاكه ولا أتى بمهلك بل شبهه فيجب نصف ديته لحصول الهلاك بالأمرين وفارق مريضا ضربه ضربا يقتله فقط مع جهله بحاله فإنه عمد مع كون الهلاك حصل بالضرب بواسطة المرض فكأنه حصل بهما بأن الثاني هنا من جنس الأول فصح بناؤه عليه ونسبة الهلاك إليهما بخلافه ثم فإنه من غير جنسه فلم يصلح كونه متمما له، وإنما هو قاطع لأثره فتمحضت نسبة الهلاك إليه، "ويجب القصاص بالسبب" كالمباشرة وهي ما أثر التلف وحصله وهو ما أثره فقط ومنه منع نحو

 

ج / 4 ص -6- الطعام السابق والشرط ما لا ولا إنما حصل التأثير عنده بغيره المتوقف تأثيره عليه كالحفر مع التردي فإن المفوت هو التخطي صوب البئر والمحصل هو التردي فيها المتوقف على الحفر ومن ثم لم يجب به قود مطلقا وسيعلم من كلامه أن السبب قد يغلبها وعكسه وأنهما قد يعتدلان ثم السبب إما حسي كالإكراه وإما عرفي كتقديم الطعام المسموم إلى الضيف وإما شرعي كشهادة الزور "فلو شهدا" على آخر "بقصاص" أي موجبه في نفس أو طرف أو بردة أو سرقة "فقتل" أو قطع بأمر الحاكم بشهادتهما "ثم رجعا" عنها ومثلهما المزكيان والقاضي "وقالا تعمدنا الكذب" فيها وعلمنا أنه يقتل بها أو قال كل تعمدت أو زاد ولا أعلم حال صاحبي "لزمهما القصاص" فإن عفي عنه فدية مغلظة لتسببهما إلى إهلاكه بما يقتل غالبا وموجبه مركب من الرجوع والتعمد مع العلم لا الكذب ومن ثم لو شوهد المشهود بقتله حيا لم يقتلا لاحتمال غلطهما ولو قال أحدهما تعمدت أنا وصاحبي وقال الآخر أخطأت أو أخطأنا أو تعمدت وأخطأ صاحبي قتل الأول فقط، لأنه المقر بموجب القود وحده فإن قالا لم نعلم أنه يقتل بها قبل إن أمكن لنحو قرب إسلامهما قال البلقيني أو قالا لم نعلم قبول شهادتنا لمقتض لردها فينا، وإنما الحاكم قصر لقبولها ووجبت دية شبه العمد في مالهم إن لم تصدقهم العاقلة.
"تنبيه" ظاهر كلامهم أنه لا بد من قولهما وعلمنا أنه يقتل بشهادتنا وإن كانا عالمين عدلين ويوجه بأنهما مع عدم ذكره قد يعذران فاحتيط للقود باشتراط ذكرهما لذلك.
"إلا أن يعترف الولي بعلمه" عند القتل كما في المحرر "بكذبهما" في شهادتهما فلا قود عليهما بل هو أو الدية المغلظة عليه وحده لانقطاع تسببهما وإلجائهما بعلمه فصارا شرطا كالممسك مع القاتل واعترافه بعلمه بعد القتل لا أثر له فيقتلان واعتراف القاضي بعلمه بكذبهما حين الحكم أو القتل موجب لقتله أيضا رجعا أم لا ومحل ذلك كله ما لم يعترف وارث القاتل بأن قتله حق ولو رجع الولي والشهود فسيأتي في الشهادات، "ولو ضيف بمسموم" يعلم أنه يقتل غالبا غير مميز "صبيا" كان "أو مجنونا" أو أعجميا يعتقد وجوب طاعة الآمر فأكله "فمات وجب القصاص"، لأنه ألجأه إلى ذلك سواء أقال هو مسموم أم لا كذا عبر به كثيرون مع فرض أكثرهم الكلام في غير المميز وهو عجيب إذ لا يتعقل مخاطبة غير المميز بنحو ذلك ولا يتوهم أحد فيه فرقا بين القول وعدمه فلذا قال الشارح بالكلية، لأنه لا معنى لوجوده بحضرة غير المميز فتأمله ولك أن تجعل العناية في كلام الشارح بالنسبة للمميز الصادق به الصبي وتمنع أنه يطرد فيها أن ما بعدها أولى بالحكم مما قبلها بل قد ينعكس، وقد يستويان كما في قوله تعالى:
{فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدَى بِهِ} [آل عمران: 91] ولما نظر الكشاف إلى الغالب أول الآية بما أكثر المحشون على كلامه وغيرهم الكلام فيه ردا وجوابا فراجعه. نعم عندي في الآية جواب هو أن باذل المال قد يبذله كرها، وقد يبذله اختيارا وهذا قد يبذله ساكتا، وقد يبذله مصرحا بأنه فداء عن نفسه المذعنة بالخطأ والتقصير فإذا لم يقبل ذلك البذل من هذا فممن قبله أولى فهي حينئذ من

 

ج / 4 ص -7- الغالب، أما المميز فكذلك على منقول الشيخين لكن بحثهما ومنقول غيرهما وانتصر لهما جمع متأخرون أنه كما في قوله "أو بالغا عاقلا ولم يعلم حال الطعام" فأكله فمات "فدية" لشبه العمد كما بأصله فهو أبين تجب هنا لتغريره لا قود لتناوله له باختياره "وفي قول قصاص" لتغريره كالإكراه ويجاب بأن في الإكراه إلجاء دون هذا وقتله صلى الله عليه وسلم لليهودية التي سمته بخيبر لما مات بشر رضي الله عنه لا دليل فيه لأنها لم تقدمه بل أرسلت به إليهم فقطع فعل الرسول فعلها كالممسك مع القاتل وبفرض أنه لم يقطعه فعدم رعاية المماثلة هنا بخلافها مع اليهودي السابق قرينة لكون قتله لها لنقضها العهد بذلك على ما يأتي آخر الجزية لا للقود وتأخيره لموت بشر بعد العفو لتحقق عظيم الجناية التي لا يليق بها العفو حينئذ لا ليقتلها إذا مات والحاصل أنها واقعة حال فعلية محتملة فلا دليل فيها "وفي قول لا شيء" تغليبا للمباشرة ويجاب بأن محل تغليبها حيث اضمحل ما معها كالممسك مع القاتل ولا كذلك هنا أما إذا علم فهدر، لأنه المهلك لنفسه ولو قدم إليه المسموم مع جملة أطعمة، فقضية كلام الإمام أنه كما لو كان وحده وهو متجه لوجود التغرير حيث جرت العادة بمد يده إليه سواء النفيس وغيره وهذا أوجه من ترددات للأذرعي فيه وكالتضييف ما لو ناوله إياه أو أمره بأكله.
"ولو دس سما" بتثليث أوله "في طعام شخص" مميز أو بالغ على ما مر "الغالب أكله منه فأكله جاهلا" بالحال "فعلى الأقوال" فعليه دية شبه عمد على الأظهر لما مر وخرج بذلك ما لا يغلب أكله منه وطعام نفسه إذا دسه فيه فأكله صديقه والآكل العالم فهدر إذ لا تغرير ويفرق بينه وبين ما يأتي في السيل النادر بأن ثم فعلا منه في بدنه وهو كتفه أو إلقاؤه له الذي يقصد به القتل ولا كذلك الدس هنا ولو أكره جاهلا ولو بالغا على تناول سم يقتل غالبا قتل وإن ادعى الجهل بكونه قاتلا بخلاف ما لو ادعى الجهل بكونه سما وأمكن فإنه يصدق أو عالما فلا كما لو أكرهه على قتل نفسه، "ولو ترك المجروح علاج جرح مهلك فمات وجبت القصاص"، لأن البرء لا يوثق به وإن عالج ومن ثم لو ترك عصب الفصد المجني عليه به كان هو القاتل لنفسه وسيأتي قبيل مبحث الختان حكم تولد الهلاك من فعل الطبيب، "ولو ألقاه" أي المميز القادر على الحركة كما هو ظاهر "في ماء" راكد أو جار ومن قيد بالأول أراد التمثيل "لا يعد مغرقا" بسكون غينه "كمنبسط" يمكنه الخلاص منه عادة "فمكث فيه مضطجعا" مثلا مختارا لذلك "حتى هلك فهدر" لا ضمان فيه ولا كفارة لأنه المهلك لنفسه ومن ثم وجبت الكفارة في تركته، أما إذا لم يقصر بذلك لكونه ألقاه مكتوفا مثلا فعمد "أو" في ماء "مغرق لا يخلص منه" عادة كلجة وقت هيجانها فعمد مطلقا أو "إلا بسباحة" بكسر أوله أي عوم "فإن لم يحسنها أو كان" مع كونه يحسنها "مكتوفا أو زمنا" أو ضعيفا فهلك "فعمد" لصدق حده عليه حينئذ "وإن منعه منها" وهو يحسنها "عارض" بعد الإلقاء "كريح وموج" فمات "فشبه عمد" أو قبله فعمد، لأن إلقاءه مع عدم تمكنه منه مهلك غالبا "وإن أمكنته فتركها" خوفا أو عنادا "فلا دية" ولا كفارة "في الأظهر"، لأنه المهلك لنفسه إذ الأصل عدم الدهشة ومن ثم لزمته الكفارة "أو" ألقاه "في نار

 

ج / 4 ص -8- يمكنه الخلاص" منها "فمكث ففي" وجوب "الدية القولان" أظهرهما لا "ولا قصاص في الصورتين" الماء والنار "وفي النار" وكذا الماء ومن ثم استويا في جميع التفاصيل المذكورة "وجه" بوجوبه كما لو أمكنه دواء جرحه ويرد بوضوح الفرق للوثوق هنا لإثم أما إذا لم يمكنه الخلاص لعظمها أو نحو زمانته فيجب القود ولو قال الملقي كان يمكنه التخلص فأنكر الوارث صدق، لأن الظاهر معه والماء والنار مثال ولو ألقاه مكتوفا أو به مانع عن الحركة بالساحل فزاد الماء وأغرقه فإن كان بمحل تعلم زيادته فيه غالبا فعمد أو نادرا فشبهه أو لا تتوقع زيادة فيه فاتفق سيل فخطأ، "ولو أمسكه" أي الحر ولو للقتل "فقتله آخر أو حفر بئرا" ولو عدوانا "فرداه فيها آخر" وهي تقتل غالبا "أو ألقاه من شاهق" أي مكان عال "فتلقاه آخر" بسيف "فقده" به نصفين "فالقصاص على القاتل والمردي والقاد" الأهل "فقط" أي دون الممسك والحافر والملقي لحديث في الممسك صوب البيهقي إرساله وصحح ابن القطان إسناده ولقطع فعله أثر فعل الأول وإن لم يتصور قود على الحافر لكن عليهم الإثم والتعزير بل والضمان في القن وقراره على القاتل. أما غير الأهل كمجنون أو سبع ضار فلا قطع منه، لأنه كالآلة فعلى الأول القود كما لو ألقاه ببئر أسفلها ضار من سبع أو حية أو مجنون، وإنما قطعه الحربي، لأنه لا يصلح أن يكون آلة لغيره مطلقا بخلاف أولئك فإنهم مع الضراوة يكونون آلة لا مع عدمها قيل: يرد على المتن تقديم صبي لهدف فأصابه سهم رام فيقتل المقدم لا الرامي ويرد بمنع ما ذكره بل إن كان التقديم قبل الرمي وعلمه الرامي فهو مما نحن فيه، لأن الضمان على الرامي فقط أو بعده فهو مما نحن فيه أيضا لأن المقدم حينئذ هو المباشر للقتل، "ولو ألقاه في ماء مغرق" لا يمكنه التخلص منه فقده ملتزم قتل فقط لقطعه أثر الإلقاء أو حربي فلا قود على الملقي لما مر آنفا أو "فالتقمه حوت" قبل وصوله للماء أو بعده ولم يفرقوا بين علم ضراوته وعدمها، لأنه إذا التقم فإنما يلتقم بطبعه فلا يكون إلا ضاريا "وجب القصاص في الأظهر" وإن جهله، لأن الإلقاء حينئذ يغلب عنه الهلاك فلا نظر للمهلك كما لو ألقاه ببئر فيها سكاكين منصوبة لا يعلمها بخلاف ما لو دفعه دفعا خفيفا فوقع على سكين لا يعلمها فعليه دية شبه عمد وفيما إذا اقتص من الملقي فقذف الحوت من ابتلعه حيا لا يمنع وقوع القصاص موقعه كما قد يؤخذ من كلامهم فيما لو قلع من مثغور فقلعت سنه ثم عادت تلك إلا أن يفرق بأن العائد هنا عين الملقى وثم بدل المقلوع وشتان ما بينهما وحينئذ يحتمل وجوب دية المقتول كما لو شهدت بينة بموجب قود فقتل ثم بان المشهود بقتله حيا بجامع أنه في كل قتل بحجة شرعية ثم بان خلافها إلا أن يفرق بأن المقتول هنا لا تقصير منه ألبتة وفي مسألتنا فعله الذي قصد به هو السبب في قتله فناسب إهداره ثم رأيت بعض المحققين بحث هذا وقاسه على ما لو قتل مسلما ظنه كافرا بشرطه الآتي أي فإن هذا كما أهدر نفسه بفعله ما أوجب قتله فكذلك الملقي في مسألتنا "أو غير مغرق" فإن أمكنه الخلاص منه ولو بسباحة فالتقمه "فلا" قود بل دية شبه عمد ما لم يعلم أن به حوتا يلتقم ولم يتوان الملقى مع قدرته حتى التقمه وإلا فهدر كما هو ظاهر مما مر وإلا فالقود كما لو ألقمه إياه مطلقا.

 

ج / 4 ص -9- تنبيه: فصلوا هنا بين علمه بحوت يلتقم وعدمه وأطلقوا في الإلقاء في نحو المغرق وقالوا فيمن ضرب من جهل مرضه ضربا يقتل المريض فقط أنه عمد وكان الفرق أن المهلك في نفسه وهو الأخيران ونحوهما يعد فاعله قاتلا بما يقتل غالبا وإن جهل بخلاف المهلك في حالة دون أخرى لا يعد كذلك إلا إن علم ومر في علم الجوع السابق ويأتي قبيل ولا يقتل شريك مخطئ ما يؤيد ذلك فإن قلت يأتي في قوله وإن قتل السم وعلم وفي شرحه ما يخالف ذلك قلت ممنوع، لأن ذاك فيه بناء فعل الإنسان على فعل غيره فاشترك علمه به فهو نظير ما مر في مسألة التجويع بخلاف ما هنا.
"ولو أكرهه على" قطع أو "قتل" لشخص بغير حق كاقتل هذا وإلا قتلتك فقتله "فعليه" أي المكره بالكسر ولو إماما أو متغلبا ومنه آمر خيف من سطوته لاعتياده فعل ما يحصل به الإكراه لو خولف فأمره كالإكراه "القصاص" وإن كان المكره نحو مخطئ ولا نظر إلى أنه متسبب والمكره مباشر ولا إلى أن شريك المخطئ لا قود عليه لأنه معه كالآلة إذ الإكراه يولد داعية القتل في المكره غالبا فيدفع عن نفسه ويقصد به الإهلاك غالبا ولا يحصل الإكراه هنا إلا بضرب شديد فما فوقه له لا لنحو ولده "وكذا على المكره" بالفتح ما لم يكن أعجميا يعتقد وجوب طاعة كل آمر أو مأمور الإمام أو زعيم بغاة لم يعلم ظلمه بأمره بالقتل "في الأظهر" لإيثاره نفسه بالبقاء وإن كان كالآلة فهو كمضطر قتل غيره ليأكله ولعدم تقصير المجني عليه ولا خلاف في إثمه كالمكره على الزنا وإن سقط الحد عنه، لأن حق الله تعالى يسقط بالشبهة وتباح به بقية المعاصي وبالأولين يخص عموم وما استكرهوا عليه وقيد البغوي وجوب القود عليه بما إذا لم يظن أن الإكراه يبيح الإقدام وإلا لم يقتل جزما وأقره جمع، لأن القصاص يسقط بالشبهة ويتعين حمله بعد تسليمه على ما إذا أمكن خفاء ذلك عليه. "فإن وجبت دية" لنحو خطأ أو عدم مكافأة أو عفو وهي على المتعمد مغلظة في ماله وعلى غيره مخففة على عاقلته "وزعت عليهما" نصفين كالشريكين في القتل نعم إن كان المأمور غير مميز أو أعجميا اختصت بالآمر وإن كان المأمور قنه فلا يتعلق برقبته شيء بل له التصرف فيه وإن أسر، لأنه آلة محضة "فإن كافأه أحدهما فقط" كأن أكره حر قنا أو عكسه على قتل قن "فالقصاص عليه" أي المكافئ منهما وهو المأمور في الأولى والآمر في الثانية وللولي تخصيص أحد المكافئين بالقتل أو أخذ حصته من الدية "ولو أكره بالغ" عاقل مكافئ "مراهقا" أو صبيا أو مجنونا أو عكسه على قتل ففعله "فعلى البالغ" المذكور "القصاص إن قلنا عمد الصبي" والمجنون "عمد وهو الأظهر" إن كان لهما فهم وإلا لم يقتل كشريك المخطئ كذا قيل وليس في محله، لأنه ضعيف إذ المعتمد أن شريك المخطئ هنا يقتل كما مر ويأتي فالوجه توجيهه بأن هذا مع عدم التمييز لا يقصد للآلية لاستواء الإكراه وعدمه فيه فتمحض فعله لنفسه بخلاف المخطئ المذكور في نحو قولهم، لأن شريك المخطئ يقتل هنا كما مر، "ولو أكره على رمي شاخص علم المكره" بالكسر "أنه رجل وظنه المكره" بالفتح "صيدا فرماه" فمات "فالأصح وجوب القصاص على المكره" بالكسر

 

ج / 4 ص -10-          وإن كان شريك مخطئ لأن خطأه نتيجة إكراهه فجعل معه كالآلة إذ لم يوجد منه ارتكاب حرمة ولا قصد فعل ممتنع يخرجه عن الآلية وعلى عاقلة المكره بالفتح دية مخففة وإن جعل آلة، لأنه لم يتمحض للآلية، "أو" أكره "على رمي صيد" في ظنهما "فأصاب رجلا فمات فلا قصاص على أحد" منهما، لأنهما مخطئان فعلى عاقلتهما الدية نصفين، "أو" أكره "على صعود شجرة" ومثلها مما يزلق غالبا "فزلق ومات فشبه عمد" فتجب الدية على عاقلته إذ لا يقصد به القتل غالبا فإن قصد لكونها تزلق غالبا ويؤدي ذلك للهلاك غالبا فعمد وإن لم تزلق غالبا فخطأ "وقيل" هو "عمد" إن أزلقت غالبا مطلقا وفارق هذا المكره على قتل نفسه بأن متعاطي قتل نفسه لا تجوز معه السلامة بخلاف صعود الشجرة مطلقا "أو" أكره مميزا ولو الأعجمي السابق "على قتل نفسه" كاقتل نفسك وإلا قتلتك فقتلها "فلا قصاص في الأظهر" ولا دية كما اعتمده المتأخرون ولا كفارة إذ ما جرى ليس بإكراه حقيقة لاتحاد المأمور به والمخوف به فكأنه اختار القتل وقضيته أنه لو أكره بما يتضمن تعذيبا شديدا كإحراق أو تمثيل إن لم يقتل نفسه كان إكراها وجرى عليه الزاز ومال إليه الرافعي وله وجه وإن رده البلقيني أما غير المميز فعلى مكرهه القود لانتفاء اختياره وبه فارق الأعجمي لأنه لا يجوز وجوب الامتثال في حق نفسه، وأما غير النفس كاقطع يدك وإلا قتلتك فهو إكراه، لأن قطعها يرجى معه الحياة، "ولو قال" حر لحر أو قن اقتلني أو "اقتلني وإلا قتلتك فقتله" المقول له "فالمذهب" أنه "لا قصاص" عليه للإذن له في القتل وإن فسق بامتثاله والقود يثبت للمورث ابتداء كالدية ولهذا أخرجت منها ديونه ووصاياه "و" من ثم كان "الأظهر" أنه "لا دية" عليه لأن المورث أسقطها أيضا بإذنه نعم تلزمه الكفارة والإذن في القطع يهدره وسرايته كما يأتي أما لو قال ذلك قن فلا يسقط الضمان بل القود فقط، "ولو قال" اقتل "زيدا أو عمرا" وإلا قتلتك "فليس بإكراه" فيقتل المأمور بمن قتله منهما لاختياره له وعلى الآمر الإثم فقط.
فرع: أنهشه نحو عقرب أو حية يقتل غالبا أو حث غير مميز كأعجمي يعتقد وجوب طاعة آمره على قتل آخر أو نفسه في غير الأعجمي أو ألقى عليه سبعا ضاريا يقتل غالبا أو عكسه في مضيق لا يمكنه التخلص منه أو أغراه به فيه قتل به لصدق حد العمد عليه أو حية فلا مطلقا، لأنها تنفر بطبعها من الآدمي حتى في المضيق والسبع يثب عليه فيه دون المتسع نعم إن كان السبع المغرى في المتسع ضاريا شديد العدو ولا يتأتى الهرب منه وجب القود على المعتمد ولو ربط ببابه أو دهليزه نحو كلب عقور ودعا ضيفا فافترسه هدر كما يأتي قبيل السير، لأنه يفترس باختياره ولا إلجاء من الداعي وبه فارق ما لو غطى بئرا بممر غير مميز بخصوصه ودعاه لمحل الغالب أنه يمر عليها فأتاه فوقع فيها ومات فإنه يقتل به، لأنه تغرير وإلجاء يفضي إلى الهلاك في شخص معين فأشبه الإكراه بخلاف ما لو غطاها ليقع بها من يمر من غير تعيين فإنه لا يقتل إذ لا تتحقق العمدية مع عدم التعين كما مر أما المميز ففيه دية شبه العمد.

 

ج / 4 ص -11-          فصل في اجتماع مباشرين
إذا "وجد من شخصين
معا" أي حال كونهما مقترنين في زمن الجناية بأن تقارنا في الإصابة كما هو ظاهر ومحل قول ابن مالك مخالفا لثعلب وغيره أنها لا تدل على الاتحاد في الوقت كجميعا حيث لا قرينة "فعلان مزهقان" للروح "مذففان" بالمهملة والمعجمة أي مسرعان للقتل "كحز" للرقبة "وقد" للجثة "أو لا" أي غير مذففين "كقطع عضوين" أو جرحين أو جرح من واحد ومائة مثلا من آخر فمات منهما "فقاتلان" فيقتلان إذ رب جرح له نكاية باطنا أكثر من جروح فإن ذفف أحدهما فقط فهو القاتل فلا يقتل الآخر وإن شككنا في تذفيف جرحه، لأن الأصل عدمه والقود لا يجب بالشك مع سقوطه بالشبهة وبه فارق نظير ذلك الآتي في الصيد فإن النصف يوقف فإن بان الأمر أو اصطلحا وإلا قسم بينهما.
"تنبيه" هل على مقارن المذفف أرش جرحه أو قوده لاستقرار الحياة عند أول الإصابة أو لا لعدم استقرارها عند تمام الإصابة كل محتمل، وقد تنافى في ذلك مفهوم قولهم إن تقدم الجرح على التذفيف ضمن أو تأخر فلا والذي يتجه الأول.
"وإن أنهاه رجل" أي أوصله جان "إلى حركة مذبوح بأن لم يبق" فيه إدراك و "إبصار ونطق وحركة اختيار" قيل الأولى اختياريات، وإنما يتجه إن علم تنوين الأولين في كلام المصنف وإلا حملناه على عدم تنوينهما تقديرا للإضافة فيهما "ثم جنى آخر فالأول قاتل" لأنه الذي صيره لحالة الموت ومن ثم أعطي حكم الأموات مطلقا "ويعزر الثاني" لهتكه حرمة ميت وأفهم التقييد بالاختيار أنه لا أثر لبقاء الاضطرار فهو معه في حكم الأموات ومنه ما لو قد بطنه وخرج بعض أحشائه عن محله خروجا يقطع بموته معه فإنه وإن تكلم بمنتظم كطلب من وقع له ذلك ماء فشربه ثم قال هكذا يفعل بالجيران ليس عن روية واختيار فلم يمنع الحكم عليه بالموت بخلاف ما لو بقيت أحشاؤه كلها بمحلها فإنه في حكم الأحياء، لأنه قد يعيش مع ذلك كما هو مشاهد حتى فيمن خرق بعض أمعائه، لأن بعض المهرة فعل فيه ما كان سببا للحياة مدة بعد ذلك وعبارة الأنوار لو قطع حلقومه أو مريئه أو أخرج بعض أحشائه وقطع بموته لا محالة وصريحها أن مجرد إخراج بعض الأحشاء قد تبقى معه الحياة على أن قوله وقطع بموته لا محالة يرد عليه ما يأتي في باب الصيد والذبائح أنه مع استقرار الحياة لا أثر للقطع بموته بعد، وظاهر أن ما هنا كذلك إذ الظاهر أن تفاصيل بقاء الحياة المستقرة وعدمه ثم يأتي هنا ويرجع فيمن شك في وصوله لها إلى عدلين خبيرين "وإن جنى الثاني قبل الإنهاء إليها فإن ذفف كحز بعد جرح فالثاني قاتل" لقطعه أثر الأول وإن علم أنه قاتل بعد نحو يوم "وعلى الأول قصاص العضو أو مال بحسب الحال" من عمد وضده ولا نظر لسريان الجرح لاستقرار الحياة عنده "وإلا" يذفف الثاني أيضا ومات بهما كأن قطع واحد من الكوع وآخر من المرفق أو أجافاه "فقاتلان" لوجود السراية منهما وهذا غير قوله السابق أو لا إلى آخره، لأن ذلك في المعية وهذا في الترتيب، "ولو قتل مريضا في النزع" وهو الوصول لآخر رمق "وعيشه عيش مذبوح وجب"

 

ج / 4 ص -12-          بقتله "القصاص"، لأنه قد يعيش مع أنه لا سبب يحال الهلاك عليه ثم تخالفهما إنما هو بالنسبة لنحو الجناية عليه ومصير المال للورثة أما الأقوال كالإسلام والردة والتصرف فهما سواء في عدم صحتها منهما.
فرع: اندملت الجراحة واستمرت الحمى حتى مات فإن قال عدلا طب إنها من الجرح فالقود وإلا فلا ضمان.

فصل في شروط القود
ووطأ لها بمسائل يستفاد منها بعض شروط أخرى كما لا يخفى على المتأمل.
إذا "قتل" مسلم "مسلما ظن كفره" يعني حرابته أو شك فيها أي هل هو حربي أو ذمي فذكره الظن تصوير أو أراد به مطلق التردد أو الإشارة لخلاف "بدار الحرب" كأن كان عليه زي الكفار أو رآه يعظم آلهتهم وإثبات إسلامه مع هذين، لأن الأصح أن التزيي بزيهم غير ردة مطلقا، وكذا تعظيم آلهتهم في دار الحرب لاحتمال إكراه أو نحوه فإن قلت الرافعي يجعل الأول ردة مع ذكره له هنا كذلك قلت إما جرى هنا على مقالة غيره أو قصد مجرد التصوير أو محل كلامه في غير دار الحرب لما تقرر في الثاني بل أولى أو قتله في صفهم ولو بدارنا ولم يعرف مكانه وإن لم يظن كفره "فلا قصاص" لوضوح عذره "وكذا لا دية" علم أن في دارهم مسلما أم لا عين شخصا أم لا عهد حرابة من عينه أم لا كما يأتي "في الأظهر"، لأنه أسقط حرمة نفسه وثبوتها مع الشبهة محله في غير ذلك نعم تجب الكفارة قطعا، لأنه مسلم باطنا ولا جناية منه تقتضي إهداره مطلقا وخرج بظن حرابته الصادق بعهدها وعدمه كما تقرر ما لو انتفى ظنها وعهدها فإن عهد أو ظن إسلامه ولو بدارهم أو شك فيه وكان بدارنا فيلزمه القود لتقصيره أو بدارهم أو بصفهم فهدر لما مر، أما إذا عرف مكانه بدارنا فكقتله بها في غير صفهم حتى إذا قصد قتله قصدا معينا له كما علم مما مر قتل به أو قتل غيره فأصابه لزمهم دية مخففة وبقولنا مسلم ذمي لم نستعن به فيقتل به، "أو" قتل مسلما ظن كفره سواء حرابته وردته وغيرهما كأن رأى عليه زيهم أو رآه يعظم آلهتهم "بدار الإسلام" وليس في صف الحربيين "وجبا" أي القود والدية على البدل كما يأتي، لأن الظاهر من حال من بدارنا العصمة وإن كان على زيهم "وفي القصاص قول" أنه لا يجب إن رآه بزيهم مثلا، لأنه أبطل حرمته بظهوره بزيهم أو بتعظيمه لآلهتهم بل الدية، لأنه كان من حقه في دارنا التثبيت أما مجرد ظن الكفر فيجب معه القود قطعا "أو" قتل "من عهده مرتدا أو ذميا" يعني كافرا غير حربي ولو بدارهم "أو عبدا أو ظنه قاتل أبيه فبان خلافه" أي أنه أسلم أو عتق أو لم يقتل أباه "فالمذهب وجوب القصاص" عليه لوجود مقتضيه وجهله وعهده وظنه لا يبيح له ضربا ولا قتلا ولو في المرتد، لأن قتله للإمام وفارق ما مر في الحربي بأنه يخلي بالمهادنة والمرتد لا يخلي فتخليته دليل على عدم ردته، أما لو عهده حربيا فقتله بدارنا فإنه يقتل به على ما جرى عليه الشارح لكن جرى شيخنا في شرح المنهج كغيره على أنه لا قود ويوجه بعذره باستصحاب كفره المتيقن فهو كما لو قتله بدارنا في صفهم، ويفرق

 

ج / 4 ص -13-          بينه وبين ظن كفره بدارنا كأن رآه على زيهم بأن هذه القرينة أضعف من تينك كما هو ظاهر ومحل الخلاف في القود كما تقرر أما الدية فالوجه وجوبها وفي نسخ شرح الروض هنا اختلاف وإشكال للمتأمل ولو قتل مسلما تترس به المشركون بدارهم فإن علم إسلامه لزمته ديته وإلا فلا، "ولو ضرب" من لم يبح له الضرب "مريضا جهل مرضه ضربا يقتل المريض" دون الصحيح غالبا "وجب القصاص" عليه لتقصيره فإن عفى على الدية فكلها على الضارب وإن فرض أن للمرض دخلا في القتل "وقيل لا" يجب عليه، لأن ما أتى به غير مهلك في ظنه ويرد بأنه لا عبرة بظنه مع تحريم الضرب عليه ومن ثم لم يلزم نحو مؤدب ظن أنه صحيح وطبيب سقاه دواء على ما يأتي لظنه أنه محتاج إليه إلا ديته أي دية شبه العمد كما هو ظاهر ولو علم بمرضه أو كان ضربه يقتل الصحيح أيضا وجب القود قطعا، واعلم أن للقود شروطا في القتل قد مرت وفي القاتل وستأتي وفي القتيل كما قال "ويشترط لوجوب القصاص" بل والضمان من أصله على تفصيل فيه "في القتيل إسلام" مع عدم نحو صيال وقطع طريق للخبر الصحيح "فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها" "أو أمان" يحقن دمه بعقد ذمة أو عهد أو أمان مجرد ولو من الآحاد أو ضرب رق، لأنه به يصير مالا للمسلمين ومالهم في أمان لعصمته حينئذ ويشترط للقود وجود العصمة التي هي حقن الدم من أول أجزاء الجناية كالرمي إلى الزهوق كما يأتي "فيهدر" بالنسبة لكل أحد الصائل إذا تعين قتله في دفع شره و "الحربي" ولو نحو امرأة وصبي لقوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] "والمرتد" إلا على مثله كما يأتي للخبر الصحيح: "من بدل دينه فاقتلوه"، ويفرق بينه وبين الحربي بأنه ملتزم فعصم على مثله ولا كذلك الحربي، "ومن" مبتدأ "عليه قصاص كغيره" في العصمة في حق غير المستحق فيقتل قاتله، وقاطع الطريق المتحتم قتله وتارك الصلاة ونحوهما مهدرون إلا على مثلهم كما أشار إليه بقوله "والزاني المحصن إن قتله ذمي" والمراد به غير الحربي أو مرتد "قتل به" إذ لا تسليط لهما على المسلم ولا حق لهما في الواجب عليه وأخذ منه البلقيني أن الزاني الذمي المحصن إذا قتله ذمي ولو مجوسيا ليس زانيا محصنا ولا وجب قتله بنحو قطع طريق لا يقتل به ويؤخذ منه أيضا أن محل عدم قتل المسلم المعصوم به إن قصد بقتله استيفاء الواجب عليه أو أطلق بخلاف ما إذا قصد عدم ذلك، لأنه صرف فعله عن الواجب ويحتمل الأخذ بإطلاقهم ويوجه بأن دمه لما كان هدرا لم يؤثر فيه الصارف "أو مسلم" ليس زانيا محصنا "فلا" يقتل به "في الأصح" لإهداره، وإنما يعزر لافتياته على الإمام سواء أثبت زناه ببينة أم بإقراره بشرط أن لا يرجع عنه وإلا قتل به أي إن علم برجوعه فيما يظهر مما مر فيما لو عهده حربيا ثم رأيت في ذلك وجهين بلا ترجيح ولا ريب أن ما ذكرته أوجههما ولو قتله قبل أمر الحاكم بقتله ثم رجع الشهود وقالوا تعمدنا الكذب قتل به دونهم كما بحثه البلقيني وهو متجه، لأنه لم يثبت زناه ومجرد الشهادة غير مبيح للإقدام ولو رآه يزني وعلم إحصانه فقتله لم يقتل به قطعا لكنه لا يقبل منه ذلك بالنسبة للأحكام الظاهرة إلا ببينة أو يمين مردودة من الوارث وكذا في سائر نظائره قيل ولا يعزر للافتيات هنا إن قتله قبل

 

ج / 4 ص -14-          بينه وبين ظن كفره بدارنا كأن رآه على زيهم بأن هذه القرينة أضعف من تينك كما هو ظاهر ومحل الخلاف في القود كما تقرر أما الدية فالوجه وجوبها وفي نسخ شرح الروض هنا اختلاف وإشكال للمتأمل ولو قتل مسلما تترس به المشركون بدارهم فإن علم إسلامه لزمته ديته وإلا فلا، "ولو ضرب" من لم يبح له الضرب "مريضا جهل مرضه ضربا يقتل المريض" دون الصحيح غالبا "وجب القصاص" عليه لتقصيره فإن عفى على الدية فكلها على الضارب وإن فرض أن للمرض دخلا في القتل "وقيل لا" يجب عليه، لأن ما أتى به غير مهلك في ظنه ويرد بأنه لا عبرة بظنه مع تحريم الضرب عليه ومن ثم لم يلزم نحو مؤدب ظن أنه صحيح وطبيب سقاه دواء على ما يأتي لظنه أنه محتاج إليه إلا ديته أي دية شبه العمد كما هو ظاهر ولو علم بمرضه أو كان ضربه يقتل الصحيح أيضا وجب القود قطعا، واعلم أن للقود شروطا في القتل قد مرت وفي القاتل وستأتي وفي القتيل كما قال "ويشترط لوجوب القصاص" بل والضمان من أصله على تفصيل فيه "في القتيل إسلام" مع عدم نحو صيال وقطع طريق للخبر الصحيح "فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها" "أو أمان" يحقن دمه بعقد ذمة أو عهد أو أمان مجرد ولو من الآحاد أو ضرب رق، لأنه به يصير مالا للمسلمين ومالهم في أمان لعصمته حينئذ ويشترط للقود وجود العصمة التي هي حقن الدم من أول أجزاء الجناية كالرمي إلى الزهوق كما يأتي "فيهدر" بالنسبة لكل أحد الصائل إذا تعين قتله في دفع شره و "الحربي" ولو نحو امرأة وصبي لقوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] "والمرتد" إلا على مثله كما يأتي للخبر الصحيح: "من بدل دينه فاقتلوه"، ويفرق بينه وبين الحربي بأنه ملتزم فعصم على مثله ولا كذلك الحربي، "ومن" مبتدأ "عليه قصاص كغيره" في العصمة في حق غير المستحق فيقتل قاتله، وقاطع الطريق المتحتم قتله وتارك الصلاة ونحوهما مهدرون إلا على مثلهم كما أشار إليه بقوله "والزاني المحصن إن قتله ذمي" والمراد به غير الحربي أو مرتد "قتل به" إذ لا تسليط لهما على المسلم ولا حق لهما في الواجب عليه وأخذ منه البلقيني أن الزاني الذمي المحصن إذا قتله ذمي ولو مجوسيا ليس زانيا محصنا ولا وجب قتله بنحو قطع طريق لا يقتل به ويؤخذ منه أيضا أن محل عدم قتل المسلم المعصوم به إن قصد بقتله استيفاء الواجب عليه أو أطلق بخلاف ما إذا قصد عدم ذلك، لأنه صرف فعله عن الواجب ويحتمل الأخذ بإطلاقهم ويوجه بأن دمه لما كان هدرا لم يؤثر فيه الصارف "أو مسلم" ليس زانيا محصنا "فلا" يقتل به "في الأصح" لإهداره، وإنما يعزر لافتياته على الإمام سواء أثبت زناه ببينة أم بإقراره بشرط أن لا يرجع عنه وإلا قتل به أي إن علم برجوعه فيما يظهر مما مر فيما لو عهده حربيا ثم رأيت في ذلك وجهين بلا ترجيح ولا ريب أن ما ذكرته أوجههما ولو قتله قبل أمر الحاكم بقتله ثم رجع الشهود وقالوا تعمدنا الكذب قتل به دونهم كما بحثه البلقيني وهو متجه، لأنه لم يثبت زناه ومجرد الشهادة غير مبيح للإقدام ولو رآه يزني وعلم إحصانه فقتله لم يقتل به قطعا لكنه لا يقبل منه ذلك بالنسبة للأحكام الظاهرة إلا ببينة أو يمين مردودة من الوارث وكذا في سائر نظائره قيل ولا يعزر للافتيات هنا إن قتله قبل

 

ج / 4 ص -15-          "وإن اختلفت ملتهما" كيهودي ونصراني ومعاهد ومستأمن، لأن الكفر كله ملة واحدة "فلو أسلم القاتل لم يسقط القصاص" لتكافئهما حالة الجناية فلا نظر لما حدث بعدها ومن ثم لو زنى قن أو قذف ثم عتق لم يحد إلا حد القن وعليه حمل الخبر المرسل إن صح أنه صلى الله عليه وسلم قتل يوم خيبر مسلما بكافر وقال: "أنا أكرم من وفى بذمته"، "ولو جرح ذمي" أو ذو أمان "ذميا" أو ذا أمان "وأسلم الجارح ثم مات المجروح" على كفره "فكذا" لا يسقط القصاص في الطرف قطعا ولا في النفس "في الأصح" للتكافؤ حال الجرح المفضي للهلاك واعتبر، لأنه حال الفعل الداخل تحت الاختيار ومن ثم لو جرح ثم جن ثم مات المجروح قتل المجنون "وفي الصورتين إنما يقتص الإمام بطلب الوارث" ولا يفوضه له لئلا يسلط كافر على مسلم ومن ثم لو أسلم فوضه إليه "والأظهر قتل مرتد" وإن أسلم "بذمي" وذي أمان لأنه حالة القتل وهي المعتبرة كما مر دونهما إذ لا يقر بحال وبقاء جهة الإسلام فيه يقتضي التغليظ عليه وامتناع بيعه أو تزويجها لكافر نظرا لما هو من جملة التغليظ عليه، لأنا لو صححناه للكافر فوت علينا مطالبته بالإسلام بإرساله لدار الحرب أو بإغرائه على بقائه على ما هو عليه باطنا فاندفع تأييد مقابل الأظهر هنا بهذين الفرعين أعني امتناع بيعه ونكاحها لكافر "وبمرتد" لمساواته له ويقدم قتله قودا على قتله بالردة حتى لو عفى عنه على مال قتل بها وأخذ من تركته نعم عصمة المرتد على مثله إنما هي بالنسبة للقود فقط فلو عفى عنه لم تجب دية "لا ذمي" فلا يقتل "بمرتد"، لأنه أشرف منه بتقريره بالجزية، "ولا يقتل حر بمن فيه رق" وإن قل على أي وجه كان لانتفاء المكافأة ولخبر الدارقطني والبيهقي "لا يقتل حر بعبد" وللإجماع على أنه لا يقطع طرفه بطرفه وخبر "من قتل عبده قتلناه ومن جدع أنفه جدعناه ومن خصاه خصيناه" غير ثابت أو منسوخ بخبر أنه صلى الله عليه وسلم عزر من قتل عبده ولم يقتله، أو محمول على ما إذا قتله بعد عتقه لئلا يتوهم منع سبق الرق له فيه ولو قتل مسلم من يشك في إسلامه أو حر من يشك في حريته فلا قود ولا ينافيه وجوبه في اللقيط قبل بلوغه، لأنه لما علم التقاطه أجرى عليه حكم الدار بخلاف هذا ذكره البلقيني وقضية كلام غيره أن محل هذا إذا كان بغير دارنا وإلا ساوى اللقيط، "ويقال قن ومدبر ومكاتب وأم ولد بعضهم ببعض" لتساويهم في الرق وقرب بعضهم للحرية لا يفيد لموته قنا نعم لا يقتل مكاتب بقنه وإن ساواه رقا أو كان أصله على المعتمد لتميزه عليه بسيادته له والفضائل لا يقابل بعضها ببعض، "ولو قتل عبد عبدا ثم عتق القاتل أو جرح عبد عبدا ثم عتق الجارح بين الجرح والموت فكحدوث الإسلام" للقاتل والجارح فلا يسقط القود في الأصح لما مر، "ومن بعضه حر لو قتل مثله لا قصاص" عليه زادت حرية القاتل أو لا، لأنه ما من جزء حرية إلا ومعه جزء رق شائعا فلزم قتل جزء حرية بجزء رق، ولذلك لو وجب فيمن نصفه رقيق نصف الدية ونصف القيمة لا نقول نصف الدية في مال القاتل ونصف القيمة في رقبته بل الذي في ماله ربع كل وفي رقبته ربع كل ونظيره بيع شقص وسيف بقن وثوب واستووا قيمة لا يجعل الشقص أو السيف مقابلا للقن أو الثوب بل المقابل لكل النصف من كل وبما تقرر يعلم ما صرح به أبو زرعة وغيره أن

 

ج / 4 ص -16-          من نصفه قن لو قطع يد نفسه لزمه لسيده ثمن قيمته، لأن يده مضمونة بربع الدية وربع القيمة يسقط ربع الدية المقابل للحرية، لأن الإنسان لا يجب له على نفسه شيء وربع القيمة المقابل للرق كأنه جنى عليه حر وعبد للسيد يسقط ما يقابل عبد السيد، لأن الإنسان لا يجب له على عبده غير المكاتب مال ويبقى ما يقابل فعل الحر وهو ثمن القيمة فيأخذ من ماله الآن أو حتى يوسر فإفتاء صاحب العباب بأنه يضمن ربع قيمته لمالك نصفه ويهدر ربع الدية الواجبة له كما لو قطعه أجنبي وهم لما نقرر ثم رأيت عنه أنه رجع عن هذا وقرر كلام شيخه الفتى المخالف له فإنه سئل عما إذا أبق المبعض مدة لمثلها أجرة فهل لمالك بعضه مطالبته بمنفعة ملكه في مدة الإباق فأجاب ليس له ذلك. فإن قلت قياس ما تقرر أولا أن لسيده ربع الأجرة قلت يفرق بأنه بالقطع في مسألتنا استولى على ملك السيد وأتلفه فغرم، وأما هنا فإباقه لا يعتد به مستوليا على ملك السيد فلم يضمن به شيئا "وقيل إن لم تزد حرية القاتل" بأن ساوت أو نقصت "وجب" القود بناء على القول بالحصر لا الإشاعة وهو ضعيف أيضا وذلك للمساواة في الأولى ولزيادة فضل المقتول في الثانية وهو لا يؤثر، لأن المفضول يقتل بالفاضل أي مطلقا ولا عكس إن انحصر الفضل فيما مر ويأتي بخلافه بنحو علم ونسب وصلاح، لأن هذه أوصاف طردية لم يعول الشارع عليها قيل الخلاف هنا قوي فلا يحسن التعبير بقيل انتهى وهو عجيب مع ما مر في الخطبة أنه لم يلتزم بيان مرتبة الخلاف في قيل وقوله ثم فهو وجه ضعيف أي حكما لا مدركا لذي الكلام فيه.
"ولا قصاص بين عبد مسلم وحر ذمي" المراد مطلق القن والكافر بأن قتل أحدهما الآخر لما مر أن المسلم لا يقتل بالكافر ولا الحر بالقن وفضيلة كل لا تجبر نقيصته لئلا يلزم مقابلة الفضيلة بالنقيصة نظير ما تقرر آنفا، "ولا" قصاص "بقتل ولد" ذكرا وأنثى للقاتل الذكر والأنثى "وإن سفل" الفرع للخبر الصحيح:
"لا يقاد للابن من أبيه" وفي رواية "لا يقاد الوالد بالولد" ولأنه كان سببا في وجوده فلا يكون هو سببا في عدمه ولو قتل ولده المنفي قتل به إن أصر على نفيه لا إن رجع عنه على المعتمد كما لو سرق ماله أو شهد له على ما مر ويأتي، "ولا" قصاص يثبت "له" أي الفرع على أصله كأن قتل قنه أو عتيقه أو زوجه أو أمه، لأنه إذا لم يقتل بقتله فقتل من له فيه حق أولى فعلم أن الجاني أو فرعه متى ملك جزءا من القود سقط وما اقتضاه سياقه من أن الولد لا يكافئ والده متجه لتميزه عليه بفضيلة الأصالة فزعم الغزالي أنه مكافئ له كعمه وتأييد ابن الرفعة له بخبر "المسلمون تتكافأ دماؤهم" بعيد لانتفاء الأصالة بينه وبين عمه ولأن المكافأة في الخبر غيرها هنا وإلا لزم أن الإسلام لا يعتبر معه مكافأة بوصف مما مر، "ويقتل بوالديه" بكسر الدال مع المكافأة إجماعا فبقية المحارم الذي بأصله أولى إذ لا تميز نعم لو اشترى مكاتب أباه ثم قتله لم يقتل به كما مر لشبهة السيدية، "ولو تداعيا مجهولا" نسبه "فقتله أحدهما فإن ألحقه القائف" بالقاتل فلا قود عليه لما مر أو ألحقه "بالآخر" الذي لم يقتل "اقتص" هو لثبوت أبوته من القاتل رجع عن الاستلحاق أم لا "وإلا" يلحقه به "فلا" يقتص هو بل غيره إن ألحق به وادعاه وإلا وقف فبناؤه للفاعل المفهم ما ذكر أولى منه للمفعول الموهم أنه إذا لم

 

ج / 4 ص -17-          يلحقه بالآخر لا قصاص أصلا وليس كذلك ولا يقبل رجوع مستلحقيه لئلا يبطل حقه، لأنه صار ابنا لأحدهما بدعواهما ولو قتلاه ثم رجع أحدهما، وقد تعذر الإلحاق والانتساب قتل به أو ألحق بأحدهما قتل الآخر، لأنه شريك الأب ولو لحق القاتل بقائف أو انتساب منه بعد بلوغه فأقام الآخر بينة بأنه ابنه قتل الأول به، لأن البينة أقوى منهما ولو كان الفراش لكل منهما لم يكف رجوع أحدهما في لحوقه بالآخر، لأن الفراش لا يرتفع بالرجوع، "ولو قتل أحد أخوين" شقيقين حائزين "الأب و" قتل "الآخر الأم معا" ولو احتمالا بأن لم يتيقن سبق والمعية والترتيب بزهوق الروح "فلكل قصاص" على الآخر، لأنه قتل مورثه مع امتناع التوارث بينهما ومن ثم لم يفرق هنا بين بقاء الزوجية وعدمه فإن عفا أحدهما فللمعفو عنه قتل العافي "ويقدم" أحدهما للقصاص عند التنازع "بقرعة" إذ لا مزية لأحدهما على الآخر مع كونهما مقتولين ومن ثم لو طلب أحدهما فقط أجيب ولا قرعة وبحث البلقيني أنه لا قرعة أيضا فيما إذا كان موت كل بسراية قطع عضو فلكل طلب قطع عضو الآخر حالة قطع عضوه أي لإمكان المعية هنا بخلافها في القتل ثم إن ماتا سراية ولو مرتبا وقع قصاصا ولا فيما لو قتلاهما معا في قطع الطريق فللإمام قتلهما معا وإن لم يطلب منه ذلك تغليبا لشائبة الحد ولهما التوكيل قبل القرعة فيقرع بين الوكيلين وبقتل أحدهما ينعزل وكيله، لأن الوكيل ينعزل بموت موكله ومن ثم كان الأوجه أنهما لو قتلاهما معا لم يقع الموقع لتبين انعزال كل بموت موكله فعلى كل من الوكيلين دية مغلظة نظير ما يأتي فيما لو اقتص بعد عفو موكله أو عزله له. "فإن اقتص بها" أي القرعة "أو مبادرا" قبلها "فلوارث المقتص منه قتل المقتص إن لم نورث قاتلا بحق" وهو المعتمد لبقاء القصاص عليه ولم ينتقل له منه شيء "وكذا إن قتلا مرتبا" وعلمت عين السابق "ولا زوجية" بين الأبوين فلكل منهما القود على الآخر ويبدأ بالقاتل الأول و إيهام المتن الإقراع هنا أيضا غير مراد خلافا للبلقيني إلا في قطع الطريق فللإمام قتلهما معا نظير ما مر ولا يصح توكيله أعني الأول، لأن الآخر إنما يقتل بعده وبقتله تبطل الوكالة ولا ينافيه أنه لو بادر وكيله وقتل لم يلزمه شيء، لأنه لمطلق الإذن ولا يلزم منه صحة الوكالة فاندفع ما للروياني هنا "وإلا" بأن كان بينهما زوجية "فعلى الثاني فقط" القصاص دون الأول لأنه ورث من له عليه بعض القود ففيما إذا قتل واحد أباه ثم الآخر أمه لا قود على قاتل الأب، لأن قوده ثبت لأمه وأخيه فإذا قتلها الآخر انتقل ما كان لها لقاتل الأب، لأنه الذي يرثها وهو ثمن دمه فسقط عنه الكل، لأنه لا يتبعض وعليه في ماله لورثة أخيه سبعة أثمان الدية أو واحد أمه ثم الآخر أباه يقتل قاتل الأب فقط لما ذكر. قال البلقيني ومحل هذا حيث لا مانع كالدور حتى لو تزوج بأمهما في مرض موته ثم قتلاهما مرتبا فلكل القود على الآخر مع وجود الزوجية ثم إن كان المقتول أولا هو فلكل القود على الآخر أي لانتفاء إرثها منه أو هي اختص بالثاني أي لإرثه منها قال فليتنبه لذلك فإنه من النفائس انتهى واعترض عليه بأن ما ذكره من التصوير لا دور فيه ويرد بأنه وكل الأمر في تمام التصوير على الشهرة فقد مر أول الفرائض أن مما يمنع الإرث بالزوجية من جانب الزوجة ما لو أعتق أمته في مرض موته وتزوج بها للدور فليحمل كلامه هذا على أن

 

ج / 4 ص -18-          التي تزوجها في مرض موته هي أمته التي أعتقها في المرض ثم طال به حتى أولدها ولدين فعاشا إلى أن بلغا ثم قتلاهما وحينئذ فالحكم الذي ذكره واضح أما إذا علم السبق وجهلت عين السابق فالوجه الوقف إلى التبين، لأن الحكم على أحدهما حينئذ بقود أو عدمه تحكم هذا إن رجي وإلا فظاهر أنه لا طريق سوى الصلح.
"ويقتل الجمع بواحد" كأن جرحوه جراحات لها دخل في الزهوق وإن فحش بعضها أو تفاوتوا في عددها وإن لم يتواطئوا أو ضربوه ضربات وكل قاتلة لو انفردت أو غير قاتلة وتواطؤا كما سيذكره، لأن عمر رضي الله عنه قتل خمسة أو سبعة قتلوا رجلا غيلة أي خديعة بموضع خال وقال لو تمالأ أي اجتمع عليه أهل صنعاء لقتلتهم به جميعا ولم ينكر عليه ذلك مع شهرته فصار إجماعا قيل خصهم لكون القاتل منهم أما من ليس لجرحه أو ضربه دخل في الزهوق بقول أهل الخبرة فلا يعتبر. "وللولي العفو عن بعضهم على حصته من الدية باعتبار" عدد "الرءوس" دون الجراحات في صورتها لعدم انضباط نكاياتها وباعتبار عدد الضربات في صورتها الأولى كما صرح به في الروضة وإن اعترض بأن الصواب فيها القطع باعتبار الرءوس كالجراحات وكذا يعتبر عدد الضربات في صورتها الثانية وفارقت الضربات الجراحات بأن تلك تلاقي ظاهر البدن فلا يعظم فيها التفاوت بخلاف هذه، ولو ضرب واحد ما لا يقتل غالبا كسوطين وآخر ما يقتل كخمسين وألم الأول باق ولا مواطأة فالأول شبه عمد ففيه حصة ضربه من دية شبه العمد والثاني عمد فعليه حصة ضربه من دية العمد فإن تقدمت الخمسون قتلا إن علم الثاني وإلا فلا قود بل على الأول حصة ضربه من دية العمد والثاني حصته من دية شبهه، وإنما قتل من ضرب مريضا جهل مرضه لما مر في مبحث الحبس، "ولا يقتل" متعمد هو "شريك مخطئ" ولو حكما كغير المكلف الذي لا تمييز له كما يأتي وألحق به في تصحيح التنبيه الحية والسبع ومحله كما في الأم إن لم يقتلا غالبا وإلا فكشريك نحو الأب "و" شريك صاحب "شبه العمد"، لأن الزهوق حصل بفعلين أحدهما يوجبه والآخر ينفيه فغلب المسقط لوجوب الشبهة في فعل المتعمد وعليهما الدية على الأول نصف دية العمد والثاني نصف دية الخطأ أو شبه العمد، "ويقتل شريك الأب" في قتل ولده "وعبد شارك حرا في عبد" وحر شارك حرا جرح عبدا فعتق بشرط أن يكون فعل المشارك بعد عتقه ثم مات بسرايتهما "وذمي شارك مسلما في ذمي وكذا شريك حربي" في قتل مسلم أو ذمي "و" قاطع يد مثلا هو شريك "قاطع" أخرى "قصاصا أو حدا" فسرى القطعان إليه تقدم المهدر أو تأخر "و" جارح لمن جرح نفسه قبله أو بعده وكجرحه لنفسه أمره من لا يميز بجرحها كما هو ظاهر من قولهم إنه آلة محضة لآمره فهو "شريك النفس" في قتلها "و" جارح "دافع الصائل" على محترم "في الأظهر"، لأن كلا من الفعلين في جميع الصور وقع عمدا، وإنما انتفى القود عن أحدهما لمعنى آخر خارج عن الفعل فلم يقتض سقوطه عن الآخر تقدم أو تأخر وكون فعل الشريك فيما بعد كذا مهدرا بالكلية لا يقتضي شبهة في فعل الآخر أصلا فليس مساويا لشريك المخطئ فضلا عن كونه أولى منه الذي ادعاه المقابل وشريك صبي أو مجنون

 

ج / 4 ص -19-          لهما نوع تمييز كشريك المتعمد أو لا تمييز لهما كشريك المخطئ كما عرف مما مر، "ولو جرحه جرحين عمدا وخطأ" أو وشبه عمد "ومات بهما أو جرح" جرحا مضمونا وجرحا غير مضمون كأن جرح "حربيا أو مرتدا ثم أسلم" المجروح "وجرحه ثانيا فمات" بهما "لم يقتل"، لأن الفعلين منه فإذا كان أحدهما مسقطا للقود لكونه نحو خطأ أو مهدرا إثر شبهة في فعله ففي الأولى عليه مع قود الجرح الأول إن أوجبه نصف دية مغلظة ونصف دية مخففة وفيما بعدها عليه موجب الجرح الواقع في حال العصمة من قود أو دية مغلظة وتعدد الجارح فيما ذكر كذلك إلا إن قطع المتعمد طرفه فيقطع طرفه فقط، "ولو داوى جرحه بسم مذفف" أي قاتل سريعا "فلا قصاص" ولا دية "على جارحه" في النفس، لأنه قاتل نفسه وإن لم يعلم حال السم بل في الجرح إن أوجبه وإلا فالمال "وإن لم يقتل" السم الذي داواه به "غالبا" أو لم يعلم وإن قتل غالبا "فشبه عمد" فعله فلا قود على جارحه في النفس أيضا بل عليه نصف الدية المغلظة مع ما أوجبه الجرح "وإن قتل" السم "غالبا وعلم ف" الجارح "شريك جارح نفسه" فعليه القود في الأظهر "وقيل هو شريك مخطئ"، لأن الإنسان لا يقصد قتل نفس وخرج بقوله داوى جرحه ما لو داواه آخر غير الجارح فإن كان بموح وعلمه قتل الثاني أو بما يقتل غالبا وعلم ومات بهما قتلا وإلا فدية شبه العمد وفي فتاوى ابن الصلاح فيمن جاء لامرأة لتداوي عينه فأكحلته فذهبت عينه إن ثبت ذهاب عينه بمداواتها ضمنتها عاقلتها فبيت المال فهي ومحله إن لم يأذن لها في مداواته بهذا الدواء المعين، لأن إذنه في مطلق المداواة لا يتناول ما يكون سببا في إتلافه وإلا لم تضمن كما لو قطع سلعة مكلف بإذنه انتهى وبه يعلم أنه متى لم ينص المريض على دواء معين ضمنته عاقلة الطبيب فبيت المال فهو ومتى نص على ذلك كان هدرا وسيأتي قبيل مبحث الختان في ذلك ما يتعين مراجعته ومن الدواء ما لو خاط المجروح جرحه لكنه إن خاط في لحم حي وهو يقتل غالبا فالقود فإن آل الأمر للمال فنصف الدية وإن خاطه ولي للمصلحة فلا قود عليه كما رجحه المصنف ولا على الجارح على ما جزم به بعضهم ورد بأن كلام الشيخين يقتضي وجوبه عليه والكي كالخياطة "ولو ضربوه بسياط فقتلوه وضرب كل واحد غير قاتل" لو انفرد "ففي القصاص عليهم أوجه أصحها يجب إن تواطئوا" أي توافقوا على ضربه وكان ضرب كل منهم له دخل في الزهوق، وإنما لم يشترط ذلك في الجراحات والضربات المهلك كل منها لو انفرد، لأنها قاتلة في نفسها ويقصد بها الإهلاك مطلقا والضرب الخفيف لا يظهر فيه قصد الإهلاك إلا بالموالاة من واحد والتواطؤ من جمع، "ومن قتل جمعا مرتبا" والعبرة في الترتيب والمعية بالزهوق كما مر "قتل بأولهم" لسبق حقه "أو معا" ولو احتمالا كأن هدم عليهم جدارا وتنازعوا فيمن يقدم بقتله ولو بعد تراضيهم بتقديم أحدهم "فبالقرعة" يكون التقديم وجوبا قطعا للنزاع "وللباقين" في الصور الثلاث "الديات" ليأسهم من القود فإن وفت بهم التركة وإلا وزعت "قلت فلو قتله" منهم "غير الأول" أو غير من خرجت قرعته "عصى" وعزر لتفويته حق غيره "ووقع قصاصا"، لأن الأول إنما استحق التقديم فقط ألا ترى أنه لو عفا قتله من بعده "وللأول" ومن بعده "دية

 

ج / 4 ص -20-          والله أعلم" ليأسه من القود والمراد فيما إذا اختلفت دية القاتل والمقتول دية المقتول على الأوجه ولو قتلوه كلهم وزع دمه بينهم ثم يطالب كل منهم بما بقي له من الدية ففي ثلاثة يبقى لكل ثلثا دية مورثه.
فرع: تصارعا مثلا ضمن بقود أو دية كل منهما ما تولد في الآخر من صراعه، لأن كلا لم يأذن فيما يؤدي إلى نحو قتل أو تلف عضو ويظهر أنه لا أثر لاعتياد أن لا مطالبة في ذلك بل لا بد في انتفائها من صريح الإذن والله أعلم.

فصل في تغير حال المجني عليه
من وقت الجناية إلى الموت بحرية أو عصمة أو إهدار أو مقدار المضمون ولنقدم على ذلك قاعدة ينبني عليها أكثر المسائل الآتية وهي أن كل جرح أوله غير مضمون لا ينقلب مضمونا بتغير الحال في الانتهاء وما ضمن فيهما يعتبر قدر الضمان فيه بالانتهاء، وأما القود فيشترط فيه العصمة والمكافأة من أول أجزاء الجناية إلى الزهوق إذا علمت ذلك علمت أنه إذا "جرح" إنسان "حربيا أو مرتدا أو عبد نفسه فأسلم" أحد الأولين أو آمن الحربي "وعتق" العبد بعد الجرح "ثم مات" أحدهم "بالجرح فلا ضمان" فيه بقود ولا دية اعتبارا بحالة الجناية، لأنه مهدر عندها وعلم مما مر أن قاتل المرتد قد يقتل به ومما يأتي أن على قاتل عبده كفارة دون قاتل أحد الأولين لإهداره عند استقرار الجناية "وقيل تجب دية" لحر مسلم مخففة على العاقلة اعتبارا بالانتهاء "ولو رماهما" أي الحربي أو المرتد وجعلا قسما واحدا، لأن المراد أحدهما والعبد "فأسلم" أحد الأولين "وعتق" الثالث قبل إصابة السهم ثم ماتا بها "فلا قصاص" لانتفاء العصمة والمكافأة أول أجزاء الجناية ولكون الأولين مهدرين والثالث معصوما حسنت تثنية الضمير وإن كان العطف بأو، لأنهما ضدان كما في {فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا} [النساء: 135]، "والمذهب وجوب دية مسلم مخففة على العاقلة" اعتبارا بحالة الإصابة، لأنها حالة اتصال الجناية لا الرمي، لأنه كالمقدمة التي تسبب بها إلى الجناية كما لو كان مهدرا عند الحفر معصوما عند التردي ولو جرح حربي معصوما ثم عصم لم يضمنه وإن عصم بعد الرمي وقبل الإصابة ضمنه بالمال دون القود على ما يأتي.
تنبيه: علم مما تقرر هنا ومما سبق في شروط القود أمران لا يسلمان من إشكال فلنقررهما متعرضين لجوابهما أحدهما أن تكليف القاتل إنما يعتبر حال القتل أي الإصابة وأنه لا عبرة بحاله عن مقدمة القتل كالرمي ولا بعده وخالفوا هذا في الشرط الآخر وهو التزامه الأحكام فحكوا فيه وجهين مطلقين أحدهما اعتباره حتى عند المقدمة فلو عصم عندها وحارب عند الإصابة أو عكسه فلا قود والثاني اعتباره عند الإصابة لا غير كسابقه ورجح بعضهم الأول وكأنه لمح في الفرق أن التزامه عند المقدمة لا يوجد ضده إلا بتقصير بأن يحارب فلم يعتبر هذا الطرو بخلاف التكليف فإن انتفاءه إن وجد يكون من غير تقصير منه في الأغلب فلم يكتف به حينئذ إذا انتفى عند الإصابة هذا غاية ما يتمحل به للفرق وفيه ما فيه والذي يتجه ترجيحه الثاني، لأن الجامع بينهما أوضح إذ كل يترتب عليه الصيرورة

 

ج / 4 ص -21-          من أهل المؤاخذة فكما اعتبر التكليف عند الإصابة لا غير فكذا الالتزام ثانيهما علم من ذلك أيضا أن ما اعتبر في الجاني لا يرفعه طرو ضده بعد الإصابة بخلاف ما اعتبر في المجني عليه من العصمة والمكافأة وكان سر ذلك أن نقص الجاني أو كماله الطارئ لا يمنع قتله، لأنه وقع بعد تمام قتله فلم يؤثر بخلاف نقص المجني عليه عن الجاني فإنه متى وقع أثر في مساواته للجاني فأثر طروه فلإلغاء النظر الأول لم ينظر لطروه بخلاف الثاني هذا وقولهم في التكليف عند القتل إنما يظهر في السبب والمباشرة الحسيين اللذين ليس لهما أجزاء متمايزة أما نحو التجويع وشهادة الزور والسحر فهل تعتبر المقارنة من أول التجويع إلى الزهوق والشهادة إلى تمام الحجة حتى لو شهد أحدهما وهو مكلف ثم الآخر وهو غير مكلف لا قود أو يعتبر التكليف عند الشهادة الثانية فقط والأولى تعطى حكم المقدمة ومن أول عمل السحر إلى الموت به أو لا يعتبر إلا عند خروج الروح إعطاء لجميع ما تقدم على ذلك حكم المقدمة للنظر في ذلك مجال ولم أر من أشار لشيء من هذا كسابقه.
"ولو ارتد المجروح ومات بالسراية" مرتدا "فالنفس" بالنسبة لغير الجارح المرتد "هدر" فلا شيء فيها "ويجب قصاص الجرح" الذي فيه قصاص كالموضحة "في الأظهر" لاستقراره فلم يتغير بما حدث بعد ثم هذا القصاص "يستوفيه قريبه" أو معتقه الذي يرثه لولا الردة "المسلم" الكامل وإلا فحتى يكمل، لأن ذلك للتشفي وهو للقريب ونحوه وظاهر أنه لو لم يكن له قريب ولا معتق استوفاه الإمام "وقيل" لا يستوفيه إلا "الإمام" لأنه لا وارث للمرتد "فإن اقتضى الجرح مالا" لا قودا كجائفة "وجب أقل الأمرين من أرشه ودية" للنفس لأنه المتيقن والردة إنما تسقط ما يحدث بعدها لا ما يستقر قبلها وهو فيء لا شيء لقريبه فيه "وقيل" الواجب "أرشه" أي الجرح بالغا ما بلغ وإن زاد على دية النفس، لأنه إنما يندرج في نفس تضمن "وقيل هدر" لا شيء فيه، لأن الجرح إذا سرى صار تابعا للنفس، "ولو ارتد" المجروح "ثم أسلم ومات بالسراية فلا قصاص" لتخلل المهدر فصار شبهة دارئة للقود "وقيل إن قصرت الردة" أي زمنها بحيث لا يظهر للسراية أثر فيه "وجب" القود لانتفاء تأثير السراية فيها "و" على الأول "تجب الدية" كاملة مغلظة حالة في ماله لوجود العصمة حال الجناية والموت "وفي قول نصفها" توزيعا على العصمة والإهدار، "ولو جرح مسلم ذميا فأسلم" بعد الإصابة "أو حر عبدا فعتق" بعدها "ومات بالسراية فلا قصاص" لانتفاء المكافأة حال الجناية "وتجب دية مسلم" أو حر مغلظة حالة في ماله، لأنه مضمون أولا وانتهاء فاعتبر الانتهاء لما مر أنه المعتبر في قدر المضمون لأن الضمان بدل التالف فنظر فيه لحالة التلف وفارق التغليظ هنا عدمه فيما مر بأنه هنا تعمد رمي معصوم وثم تعمد رمي مهدر فطرأت عصمته فنزلوا طروها منزلة طرو إصابة من لم يقصده "وهي" في الأخيرة "لسيد العبد" ساوت قيمته حال الجناية أو نقصت، لأنه استحقها بالجناية الواقعة في ملكه نعم للجاني أن يجبره على قبول قيمة الإبل ولو مع وجودها لأن حقه إنما هو في قيمتها وإن لم يطالب إلا بالإبل نفسها "فإن زادت على قيمته فالزيادة لورثته"، لأنها إنما

 

ج / 4 ص -22-          وجبت بسبب الحرية ويتعين حقهم في الإبل "و" محل ذلك إذا لم يكن للجرح أرش مقدر وإلا اعتبر هو، فحينئذ "لو قطع" الحر "يد عبد" أو فقأ عينه "فعتق ثم مات بالسراية" وأوجبنا كمال الدية كما هو الأصح "فللسيد الأقل من الدية الواجبة" في نفسه "ونصف قيمته" الذي هو أرش الجرح الواقع في ملكه لو اندمل والسراية لم تحصل في الرق فلم يتعلق بها حق له فإن كان الأقل الدية فلا واجب غيره أو أرش الجرح فلا حق للسيد في غيره والزائد للورثة وذكره النصف لفرضه أن المقطوع يد وإلا فكل مثال "وفي قول" الواجب للسيد "الأقل من الدية وقيمته" كلها، لأنا نظرنا للسراية في دية النفس فلننظر إليها في حق السيد حتى يقدر موته قنا "ولو قطع" إنسان "يده فعتق فجرحه آخران" كأن قطع أحدهما يده الأخرى والآخر رجله "ومات بسرايتهم فلا قصاص على الأول إن كان حرا" لعدم المكافأة حال الجناية "ويجب على الآخرين" قصاص الطرف والنفس، لأنهما كفؤان وتوزع الدية إن وجبت أثلاثا، لأن جناياتهم صارت نفسا بالسراية الناشئة عنهم ولا حق للسيد فيما على الأخيرين بل فيما على الأول، لأنه الجاني على ملكه فله أقل الأمرين من ثلث الدية وأرش الجناية في ملكه وهو نصف القيمة ولو عاد الأول وجرحه بعد العتق فللسيد الأقل من سدس الدية توزيعا لثلثه على جرحيه ونصف القيمة.

فصل في شروط قود الأطراف والجراحات والمعاني مع ما يتعلق بذلك
"يشترط لقصاص الطرف" بفتح الراء "والجرح" والمعاني "ما شرط للنفس" مما مر بتفصيله ولا يرد الضرب بعصا خفيفة خلافا لمن زعمه محتجا بأنه عمد في نحو الإيضاح لأنه يحصله غالبا لا في النفس وذلك لأن العمد في كل بحسبه فهما مستويان في حده وإن اختلفا في محصله على أن الكلام كما قاله الماوردي حيث لم يسر الإيضاح والأوجب القود في النفس، لأنه حينئذ يقتل غالبا قال البلقيني ويستثنى من كلامه ما إذا جنى مكاتب على عبده في الطرف فله القود منه كما في الأم تكاتب عليه أو لا مع أنه لا يقتل به انتهى وما ذكره عن الأم مخالف لصريح كلامهم وإن أمكن توجيهه بأنه في حياته يتشفى بالقود من سيده بخلافه بعد موته لا يتشفى منه إذ لا وارث له ويرد بأن السيدية مانعة من ذلك التشفي وحينئذ فالأوجه أنه لا استثناء، "ولو وضعوا" أو بعضهم فإسناده إلى جميعهم مجرد تصوير "سيفا" مثلا "على يده وتحاملوا" كلهم "عليها دفعة" بالضم كما قاله شارح وفي القاموس هي بالفتح المرة وبالضم الدفعة من المطر و ما انصب من سقاء أو إناء مرة وبه علم صحة كل من الفتح والضم هنا "فأبانوها" ولو بالقوة كما يأتي "قطعوا" كما لو اجتمعوا على قتل نفس، وإنما اشترط في قطع السرقة أن يخص كلا من مشتركين نصاب، لأن التوزيع ممكن ثم لا هنا على أن حق الله يتسامح فيه أكثر وخرج بتحاملوا ما لو تميز فعل بعضهم عن بعض كأن حز كل من جانب حتى التقت الحديدتان وجذب أحدهما المنشار ثم الآخر فلا قود لعدم انضباط فعل كل بل على كل حكومة تليق بجنايته يبلغان دية، "وشجاج" بكسر أوله جمع شجة بفتحه "الرأس والوجه عشر" باستقراء كلام العرب وجرح

 

 

ج / 4 ص -23-          غيرهما لا يسمى شجة فالإضافة إليهما من إضافة الشيء إلى نفسه كذا قيل وفيه نظر بل لا يصح، لأن الرأس والوجه ليسا عين الشجة بل شرطان في تسميتها شجة فالوجه أن المراد بها هنا مطلق الجرح وأن الإضافة للتخصيص ومحل ما ذكر في الشجة إن أطلقت لا إن أضيفت كما هنا على أن جماعة أطلقوها على سائر جروح البدن أولهن طبعا ووضعا "حارصة" بمهملات "وهي ما شق الجلد قليلا" كالخدش من حرص القصار الثوب خدشه قليلا بالدق "و دامية" بتخفيف الياء "تدميه" بضم أوله أي الشق بلا سيلان دم على الصواب وإلا فهي الدامعة بالمهملة وبهذا تبلغ الشجاج إحدى عشرة "وباضعة تقطع اللحم" بعد الجلد أي تشقه شقا خفيفا من بضع قطع "ومتلاحمة تغوص فيه" أي اللحم ولا تبلغ الجلدة بعده سميت بما تئول إليه من التلاحم تفاؤلا. "وسمحاق" بكسر سينه "تبلغ الجلدة التي بين اللحم والعظم" وهي المسماة بالسمحاق حقيقة من سماحيق البطن وهي الشحم الرقيق "وموضحة" ولو بغرز إبرة "توضح العظم" بعد خرق تلك الجلدة أي تكشفه بحيث يقرع بنحو إبرة وإن لم ير "وهاشمة تهشمه" أي تكسره وإن لم توضحه "ومنقلة" بتشديد القاف مع كسرها أفصح من فتحها "تنقله" من محله لغيره وإن لم توضحه وتهشمه "ومأمومة تبلغ خريطة الدماغ" المحيطة به المسماة بأم الرأس "ودامغة" بمعجمة "تخرقها" أي خريطة الدماغ وتصله وهي مذففة غالبا ويتصور الكل في الجبهة وما عدا الأخيرتين في الخد وقصبة الأنف واللحي الأسفل بل وسائر البدن على ما يأتي "ويجب القصاص في الموضحة فقط" لتيسر ضبطها واستيفاء مثلها بخلاف غيرها "وقيل" يجب فيها "وفيما قبلها" لإمكان معرفة نسبتها من الموضحة ويرد بأن هذا الإمكان لا يكفي مثله للقصاص بل لتوجيه القول بوجوب القسط من أرش الموضحة بنسبتها إليها "ما سوى الحارصة" كما زاده على أصله فلا قود فيها جزما إذ لم يفت بها شيء له وقع. "ولو أوضح" يؤخذ منه أن الموضحة ومثلها البقية ما عدا الأخيرتين مشتركة بين جرح الرأس والوجه وسائر البدن وعليه جرى من قال يتصور الكل في سائر البدن بخلاف الشجة فإنها خاصة كما مر وحينئذ فالإخبار عنها بتلك العشر يراد به أحد مدلوليها فقط عند من لم يعممها فتأمله "في باقي البدن" كصدر وساعد "أو قطع بعض مارن" وهو ما لان من الأنف "أو" بعض "أذن" أو شفة وإطارها وهو بكسر فتخفيف المحيط بها أو ما في الروضة أنه لا قود فيه تحريف، وإنما هو إطار السه أي الدبر، لأنه الذي لا نهاية له أو لسان أو حشفة "ولم يبنه" بأن صار معلقا بجلدة والتقييد بذلك لجريان الخلاف فاعتراضه ليس في محمله "وجب القصاص في الأصح" لتيسر ضبط كل مع بطلان فائدة العضو وإن لم يبنه وفيما إذا اقتص في المعلق بجلدة يقطع من الجاني إليها ثم يسأل أهل الخبرة في الأصلح من إبقاء أو ترك ويقدر ما عدا الموضحة بالجزئية كثلث وربع، لأن القود وجب فيها بالمماثلة بالجملة فامتنعت المساحة فيها لئلا يؤدي إلى أخذ عضو ببعض عضو وهو ممتنع ولا كذلك في الموضحة فقدرت بالمساحة أما إذا أبانه فيجب القود جزما، "ويجب" القصاص "في القطع من مفصل" بفتح الميم وكسر الصاد وهو موضع اتصال عضوين على منقطع عظمين يربطان بينهما مع

 

ج / 4 ص -24-          تداخل كركبة ومرفق أو تلاصق ككوع وأنملة "حتى في أصل فخذ" وسيأتي أنه ما فوق الورك "ومنكب" وهو مجمع ما بين العضد والكتف "إن أمكن" القطع "بلا" حصول "إجافة وإلا" يمكن إلا مع حصولها "فلا" قود "على الصحيح"، لأن الجوائف لا تنضبط نعم إن مات بالقطع قطع الجاني وإن حصلت الإجافة "ويجب في فقء عين" أي تعويرها بالعين المهملة "وقطع أذن وجفن" بفتح أوله "ومارن وشفة ولسان وذكر وأنثيين" أي بيضتين بقطع جلدتيهما، لأن لها نهايات مضبوطة فألحقت بالمفاصل بخلاف قطع البيضتين دون جلدتيهما بأن سلهما منه مع بقائه فلا قود فيهما لتعذر الانضباط حينئذ ويجب أيضا في إشلال ذكر وأنثيين أو إحداهما إن قال خبيران إن الأخرى تسلم وكذا دقهما على ما نقلاه لكن بحثا أنه ككسر العظام.
تنبيه: سيأتي أن في الأنثيين كمال الدية سواء أقطعهما أم سلهما أم دقهما وزالت منفعتهما وبه يعلم فساد ما نقل عن شارح أن في البيضتين بجلدتيهما ديتين وفي كل منهما إذا انفرد دية وذلك، لأن الجلد لا يقابل بشيء وما أوهمه تفسير الشارح الخصيتين بجلدتي البيضتين ثم بالبيضتين قيل لم يرد به إلا بيان المعنى اللغوي وهو أن الخصيتين تطلقان على كل من الجلدتين ومن البيضتين ففي الصحاح الأنثيان الخصيتان قال أبو عمر والخصيتان البيضتان والخصيتان الجلدتان اللتان فيهما البيضتان ولا ينافي ذلك اقتصار القاموس على تفسير الأنثيين بالخصيتين وعلى تفسير الخصية بالبيضة بدليل قوله سل خصيته والمسلول البيضة لا الجلدة ولا اقتصار ابن السكيت على تفسير الأنثيين بالبيضتين، وإنما اقتصر أعني الشارح على قطع الجلدتين لاستلزامه غالبا بطلان منفعة البيضتين.
"وكذا أليان" بفتح الهمزة وهما اللحمان الناتئان بين الظهر والفخذ "وشفران" بضم أوله وهما جرفا الفرج المحيطان به إحاطة الشفتين بالفم "في الأصح"، لأن لها نهايات تنتهي إليها، "ولا قصاص في كسر العظام" لعدم انضباطه فيها إلا السن على ما يأتي "وله" أي المقطوع بعض ساعده أو فخذه سواء أسبق القطع كسر أم لا كما أفاده كلامه هنا مع قوله الآتي ولو كسر عضده وأبانه إلخ المشتمل على ما هنا بزيادة فكرره المصنف لها وللتفريع الآتي عليه الدافع لما اعترض به عليه هنا أن قضيته أنه لو قطع من عضده لم يكن له الأخذ من الكوع "قطع أقرب مفصل إلى موضع الكسر" وإن تعدد ذلك المفصل ليستوفي بعض حقه "وحكومة الباقي"، لأنه لم يأخذ عوضا عنه وفيما إذا كسر من الكوع له التقاط أصابعه وأناملها وإن تعددت المفاصل لعدم قدرته على محل الجناية ومفصل غير ذلك وأفهم قوله: أبانه أنه لا بد في وجوب القود من الفصل بعد الكسر واعتمده البلقيني وغيره فلو كسر بلا فصل لم يقتص منه بقطع أقرب مفصل ولا ينافيه ما في الحاوي وشروحه أنه في هشم ساعده أو ساقه له قطع أقرب مفصل لتعين حمله على هشم بعده إبانة أو هشم صيره في حكم قطع معلق بجلدة لما مر أن هذا في حكم القطع، "ولو أوضحه وهشم أوضح" المجني عليه لإمكان القود في الموضحة "وأخذ خمسة أبعرة" أرش الهشم، "ولو أوضح ونقل أوضح" لما مر "وله عشرة أبعرة" أرش التنقيل المشتمل على الهشم غالبا ولو أوضح وأم

 

ج / 4 ص -25-          أوضح وأخذ ما بين الموضحة والمأمومة وهو ثمانية وعشرون بعيرا وثلث وإطلاق الروضة وأصلها هنا أن له الثلث مرادهما بقيته بدليل قولهما الآتي لو أوضح واحد وهشم آخر ونقل ثالث وأم رابع فعلى كل من الثلاثة خمسة وعلى الرابع تمام الثلث انتهى والأم ثم بمنزلة الأم هنا بل أولى كما هو واضح، "ولو قطعه من الكوع" بضم أوله ويسمى كاعا وهو ما يلي الإبهام من المفصل وما يلي الخنصر كرسوع وما يلي إبهام الرجل من العظم هو البوع أما الباع فهو مد اليدين يمينا وشمالا "فليس له التقاط أصابعه" بل ولا أنملة منها لقدرته على القطع من محل الجناية "فإن فعله عزر" لعدوله عن حقه مع قدرته عليه "ولا غرم عليه"، لأنه يستحق إتلاف الكل "والأصح أن له قطع الكف بعده"، لأنه من جملة حقه، وإنما لم يمكن من قطعه من قطع من نصف ساعده فلقط أصابعه، لأنه لا يصل بالتمكين لتمام حقه لبقاء فضلة له من الساعد لم يأخذ في مقابلتها شيئا فلم يتم له التشفي المقصود بخلافه هنا ولو عفا عن الكف للحكومة لم يجب لاستيفائه الأصابع المقابلة للدية الداخل فيها الكف كما لا يجاب من قطع يدي الجاني إلى دية نفسه لاستيفائه مقابلها، "ولو كسر عضده وأبانه" أي المكسور مع ما بعده ولو بالقوة كما مر "قطع" إن شاء "من المرفق"، لأنه أقرب مفصل للمكسور "وله حكومة الباقي" نظير ما مر "فلو طلب" لقط الأصابع لم يمكن أو أصبع مكن وله أخذ دية أربع أصابع وحكومة الباقي أو "الكوع مكن" منه "في الأصح" لمسامحته مع عجزه عن محل الجناية وله حكومة الساعد مع الباقي من العضد، "ولو أوضحه فذهب ضوءه" مع بقاء حدقته "أوضحه فإن ذهب الضوء" فذاك "وإلا أذهبه بأخف ممكن كتقريب حديدة محماة من حدقته" أو وضع كافور فيها ومحله في الإيضاح واللطم الآتي والمعالجة فيهما إن أمن بقول خبيرين إذهاب حدقته وإلا تعين الأرش، "ولو لطمه لطمة تذهب ضوءه غالبا فذهب" ضوء عينيه وبقيت حدقته "لطمه مثلها" إن انضبطت كما هو ظاهر "فإن لم يذهب أذهب" بالمعالجة مع بقاء الحدقة أما لو ذهب ضوء عين المجني عليه فقط فلا يلطم الجاني إن خشي إذهاب ضوء عينيه أو إحداهما مبهمة أو مخالفة لعين المجني عليه بل تتعين المعالجة فإن تعذرت فالأرش "والسمع كالبصر يجب القصاص فيه بالسراية"، لأن له محلا ينضبط "وكذا البطش" ولم يذكروا معه اللمس، لأن الغالب زواله بزواله فإن فرض زواله مع بقاء البطش لم يجب فيه إلا حكومة لا قود، "والذوق والشم" والكلام يجب القصاص فيها بالسراية "في الأصح"، لأن لها محال مضبوطة ولأهل الخبرة طرق في إبطالها، "ولو قطع إصبعا فتآكل غيرها" كإصبع أخرى "فلا قصاص في المتآكل" بالسراية وفارق ما تقرر في المعاني كالضوء بأنها لا توجد مستقلة بل تابعة لغيرها فلا يقصد بالجناية عليها إلا محلها أو مجاورة فكانت الجناية عليه تعد قصدا لتفويتها فتحققت العمدية فيها والأجرام توجد مستقلة فلم يقصد بالجناية عليها غيرها ولم تعد قصدا لتفويتها فلم ينظر للسراية فيها لعدم تحقق العمدية حينئذ ومن ثم لم تقع سراية جسم لجسم قصاصا فلو قطع أصبعا فسرت للبقية فقطعت أصبعه فسرت كذلك لزمه أربعة أخماس دية العمد، لأنها سراية جناية عمدا، وإنما جعلت خطأ في سقوط القصاص فقط وتدخل فيها

 

ج / 4 ص -26-          حكومة منابت الكف وفارق ما هنا وجوب القود فيما لو ضرب يده فتورمت ثم سقطت بعد أيام بأن الجناية على جميع اليد قصدا فلا سراية.

باب كيفية القصاص
من قص قطع أو اقتص تبع، لأن المستحق يتبع الجاني إلى أن يستوفي منه "ومستوفيه والاختلاف فيه" والعفو عنه والزيادة على ما في الترجمة لا محذور فيها بخلاف عكسه وكأنه إنما قدم المستوفي في الترجمة على ما بعده، لأنه الأنسب بالكيفية وأخره عنه في الكلام عليه لطوله ومن دأبهم تقديم القليل ليحفظ.
"لا تقطع" عبر به للغالب والمراد لا تؤخذ ليشمل المعاني أيضا "يسار بيمين" من سائر الأعضاء والمعاني لاختلافهما محلا ومنفعة فلم توجد المساواة التي هي المقصودة من القصاص "ولا شفة سفلى بعليا" ولا جفن أسفل بأعلى "وعكسه" لذلك وإن تراضيا ففي المأخوذ بدلا الدية ويسقط القود في الأول لتضمن التراضي العفو عنه "ولا أنملة" بفتح الهمزة وضم الميم في الأفصح "بأخرى" ولا أصبع بأخرى كما بأصله ولا أصلي بزائد مطلقا "ولا زائد" بأصلي أو "بزائد" دونه مطلقا أو مثله ولكنه "في محل آخر" غير محل ذلك الزائد لذلك أيضا بخلاف ما إذا ساوى الزائد الزائد أو الأصلي وكان بمحله للمساواة حينئذ ولا يؤخذ حادث بعد الجناية بموجود فلو قلع سنا ليس له مثلها ثم نبت له مثلها لم يقلع "ولا يضر" مع اتحاد المحل ونحوه مما مر "تفاوت كبر وطول وقوة بطش" ونحوها "في أصلي" لإطلاق النصوص ولأن المماثلة في ذلك نادرة جدا فاعتبارها يؤدي إلى بطلان القصاص وكما يؤخذ العالم بالجاهل والكبير بالصغير والشريف بالوضيع نعم لو قطع مستوي اليدين يدا أقصر من أختها لم تقطع يده بها لنقصها بالنسبة لأختها وإن كانت كاملة في نفسها ومن ثم وجبت فيها دية ناقصة حكومة ومحل عدم ضرر ذلك في تفاوت خلقي أو بآفة أما نقص نشأ عن جناية مضمونة فيمنع أخذ الكاملة ويوجب نقص الدية كما حكياه عن الإمام وإن قال الزركشي إن الإمام حكى عن الأصحاب أنه لا فرق وهو الصواب انتهى "وكذا زائد" كإصبع وسن فلا يضر التفاوت فيه أيضا حيث لم يقتض تفاوت الحكومة تفاوتا في المفصل أم لا "في الأصح" وكون القود في الأصلي بالنص وفي الزائد بالاجتهاد فلم يعتبر التساوي في الأول واعتبر في الثاني يجاب عنه، وإن انتصر له الأذرعي وغيره بأن الأصل تساوي النص والاجتهاد فيما يترتب عليهما، "ويعتبر قدر الموضحة" في قصاصها بالمساحة "طولا وعرضا" فيقاس مثلهما من رأس الشاج ويعلم ثم يمسك لئلا يضطرب ثم يوضح بحاد كالموسى لا نحو سيف أو حجر وإن أوضح به لتعذر أمن الحيف فيه، وإنما لم يعتبر بالجزئية لما مر قبيل الباب "ولا يضر" هنا "تفاوت" نحو شعر و "غلظ لحم وجلد" نظير ما مر في تفاوت نحو الطول وقوة البطش وفيما إذا كان برأسهما شعر يحلق شعر الجاني وجوبا حيث كثف ولم يستحق إيضاح جميع رأسه أما إذا اختص الشعر برأس الجاني فلا قود عليه على ما في الأم وخالفه في المختصر وجمع ابن الرفعة بحمل

 

ج / 4 ص -27-          الأول على ما إذا كان عدم الشعر برأس المشجوج لفساد بنيته والثاني على ما إذا كان بنحو حلق، "ولو أوضح كل رأسه ورأس الشاج أصغر استوعبناه" ولا يكتفى به، وإنما كفت نحو اليد القصيرة عن الطويلة لما مر أن المرعى ثم الاسم وهنا المساحة ولذا قطعت الكبيرة بالصغيرة ولم تؤخذ رأس أكبر بأصغر جزما "ولا نتممه من" خارج الرأس نحو "الوجه والقفا" لخروجه عن محل الجناية "بل يؤخذ قسط الباقي من أرش الموضحة لو وزع على جميعها" فإن بقي نصف مثلا أخذ نصف أرشها "وإن كان رأس الشاج أكبر أخذ منه قدر رأس المشجوج فقط" لحصول المماثلة "والصحيح أن الاختيار في موضعه" أي المأخوذ "إلى الجاني"، لأن جميع الرأس محل للإيضاح وهو حق عليه فيؤديه من أي محل شاء كالدين وأشار المصنف بالصحيح إلى فساد المقابل أن الخيرة للمجني عليه لكن أطال جمع متأخرون في الانتصار له وأنه الصواب نقلا ومعنى وعليه يمنع من أخذ بعض المقدم وبعض المؤخر لئلا يأخذ موضحتين بموضحة وفارق الدين بتعلقه بالذمة وهذا متعلق بعين رأس الجاني فتخير المستحق في أخذه من أي محل شاء ليتم له التشفي، "ولو أوضح ناصيته وناصيته أصغر" تعينت الناصية للإيضاح و "تمم" عليها "من باقي الرأس" من أي محل شاء، لأن الرأس كله محل للإيضاح فهو عضو واحد.
تنبيه: ينبغي أن يأتي هنا في محل الزائد على الناصية الخلاف السابق أن الخيرة فيه للجاني أو المجني عليه، وأما ما اقتضاه ظاهر المتن هنا من أن الخيرة للمجني عليه من غير خلاف فبعيد جدا إلا أن يفرق بأن التتميم هنا وقع تابعا فلم يكن فيه حيف على المقتص منه بخلاف الابتداء ثم، ثم رأيت الزركشي قال وحيث قلنا بالتتميم فالخيرة في التعيين لمن ينبغي أن يأتي فيه ما سبق انتهى وهو صريح فيما ذكرته أولا لكن ما ذكرته بعده محتمل أيضا فلا ينبغي أن يغفل عنه.
"ولو زاد المقتص" لا ينافي ما يأتي أن المستحق لا يمكن من استيفاء الطرف ونحوه بنفسه لفرض هذا فيما إذا رضي المقتص منه بتمكينه أو وكل فزاد وكيله أو فيما إذا بادر "في موضحة على حقه" عمدا "لزمه" بعد اندمال موضحته "قصاص الزيادة" لتعديه "فإن كان الزائد" باضطراب المقتص منه فهدر أو باضطرابهما ففيه تردد ويظهر أنه عليهما فيهدر النصف مقابل اضطراب المقتص منه نعم إن تولد اضطراب المقتص من اضطراب المقتص منه اتجه إهدار لكل أو عكسه اتجه ضمان الكل فإن اختلفا صدق المقتص منه كما رجحه البلقيني، لأن الأصل ضمان الزيادة وعدم ضمان اضطرابه ورجح الأذرعي أن المصدق هو المقتص وعلله بأنه ينكر العمدية فإن أراد ظاهره فواضح تصديقه بالنسبة لإسقاط القود لكنه ليس مما نحن فيه أو أنه ينكر تأثير فعله فيه لم يفده إن كان الأصل براءة ذمته لما مر في توجيه كلام البلقيني أو "خطأ" كأن اضطربت يده أو شبه عمد "أو" عمدا ولكنه "عفا على مال وجب" له "أرش كامل"، لأن الزائد إيضاح كامل "وقيل قسط" منه بعد توزيع الأرش عليهما لاتحاد الجارح والجراحة ويرد بمنع اتحاد الجراحة مع أن بعضها حق، "ولو أوضحه جمع" بأن تحاملوا على آلة وجروها معا "أوضح من كل واحد

 

ج / 4 ص -28-          مثلها" أي مثل جميعها إذ ما من جزء إلا وكل منهم جان عليه فإن وجب مال وزع الأرش عليهم على المعتمد "وقيل" يوضح "قسطه" من الموضحة لإمكان التجزؤ هنا بخلاف القتل ويرد بأنه لا نظر لإمكانه مع وجود موضحة كاملة من كل، "ولا تقطع صحيحة" من نحو يد "بشلاء" بالمد لأنها أعلى منها كما لا تؤخذ عين بصيرة بعمياء "وإن رضي الجاني" لمخالفته للشرع ومحله في غير أنف وأذن أما هما فيؤخذ صحيحهما بأشلهما ومجذومهما إن لم يسقط منه شيء لبقاء منفعتهما من جمع الصوت والريح ونازع فيه البلقيني بما لا يلاقيه وفيما إذا لم تستحق نفس الجاني وإلا أخذت صحيحته من أي نوع كانت بالشلاء والناقصة وشلاء بشلاء وإن لم يؤمن نزف الدم، لأن النفس ذاهبة بكل تقدير وأفهم المتن قطع الشلاء بالشلاء وهو الأصح إن استوى شللهما قول المحشي قوله: لإمكان وجود إلخ الذي في النسخ بأيدينا ما ترى ا هـ أو زاد شلل القاطع وأمن فيهما نزف الدم ومر أنه لا عبرة بما حدث بعد الجناية فلو جنى سليم على يد شلاء ثم شل لم تقطع، وقد يشكل بما يأتي أنه لو قطع من لكفه أصابع كفا بلا أصابع لم يقتص منه إلا إذا سقطت أصابع الجاني فاعتبروا ما حدث بعد الجناية إلا أن يجاب بأن ذات الكفين ثم لا تفاوت بينهما حال الجناية، وإنما الأصابع مانعة، وقد زال، وأما اليدان هنا فبينهما تفاوت مانع للكفاءة حال الجناية فلم يعتبر بما حدث بعدها "فلو فعل" أي أخذ صحيحة بشلاء بلا إذنه "لم يقع قصاصا" لأنها غير مستحقة له "بل عليه ديتها" وله حكومة "فلو سرى" قطعها لنفسه "فعليه" حيث لم يأذن له الجاني في القطع كما تقرر "قصاص النفس" لتفويتها بغير حق، أما إذا أذن فلا قود في النفس ثم إن أطلق كاقطع يدي جعل المقتص مستوفيا لحقه ولم يلزمه شيء وإلا كاقطعها عوضا أو قودا لزمه ديتها وله حكومة والنفس هدر على كل حال كما تقدم لوجود الإذن، "وتقطع الشلاء بالصحيحة"، لأنها دون حقه "إلا أن يقول أهل الخبرة" أي اثنان منهم "لا ينقطع الدم" لو قطعت بأن لم تنسد أفواه العروق بحسم نار ولا غيرها أو شك في انقطاعه لترددهم أو فقدهم كما هو ظاهر خلافا لما توهمه عبارته فلا تقطع بها وإن رضي الجاني حذرا من استيفاء نفس بطرف وتجب دية الصحيحة "ويقنع" بالرفع "بها" لو قطعت بأشل أو بصحيح "مستوفيها" ولا يطلب أرش الشلل لاستوائهما حرما واختلافهما صفة لا يؤثر، لأنها بمجردها لا تقابل بمال، ومن ثم لو قتل قن أو ذمي بحر أو مسلم لم يجب زائد، وإنما أخذت دية أصبع نقص لأنه يفرد بالقود وتقديم إلا إلخ على ويقنع لا يفهم أنهم إذا قالوا لا ينقطع الدم وقنع بها مستوفيها أنها تقطع، لأن العلة وهي فوات النفس المعلوم من كلامه أنه لا يباح بالإباحة علمت من الاستثناء فدفعت ذلك الإيهام، "ويقطع سليم" يدا أو رجلا "بأعسم وأعرج" خلقة أو نحوها كما علم مما مر إذ لا خلل في العضو والعسم بمهملتين ثانيهما محرك تشنج في المرفق أو قصر في الساعد أو العضد وقيل هو ميل واعوجاج في الرسغ وقيل الأعسر وهو من بطشه بيساره أكثر وكلها صحيحة هنا "ولا أثر لخضرة أظفارها وسوادها" وغيرهما مما يزيل نضارتها حيث كان لغير آفة ولم يجف الظفر إذ لا خلل حينئذ في العضو، "والصحيح قطع ذاهبة الأظفار" خلقة أو لا "بسليمتها" وله حكومة الأظفار "دون عكسه"، لأنها أعلى منها وهذا هو محل الخلاف

 

ج / 4 ص -29-          نظرا إلى أن الأظفار تابعة "والذكر صحة وشللا" تمييز أو حال من المبتدأ على مذهب سيبويه أو من الضمير المستقر في الظرف على الأصح "كاليد" فيما مر فيقطع أشله بصحيحه وبأشل بشرطه لا صحيحه بأشل والشلل في كل عضو بطلان عمله المقصود منه وإن بقي حسه وحركته "و" أما الذكر "الأشل" فهو "منقبض لا ينبسط وعكسه" أي منبسط لا ينقبض فهو ما يلزم حالة واحدة "ولا أثر للانتشار وعدمه فيقطع فحل" أي ذكره "بخصي" أي بذكره وهو من قطع أو سل خصيتاه ومر أنهما يطلقان لغة على جلدتيهما أيضا "و" ذكر "عنين" خلافا للأئمة الثلاثة إذ لا خلل في نفس العضو، وإنما هو في العنين لضعف في القلب أو الدماغ أو الصلب والخصي أولى منه لقدرته على الجماع "و" يقطع "أنف صحيح" شمه "بأخشم" لا يشم "وأذن سميع بأصم"، لأن السمع والشم ليسا في جرمهما وحذف عكسهما لعلمه بالأولى وتقطع أذن صحيحة بمثقوبة لا مخرومة ذهب بعضها وكالخرم ثقب أو شق أورث نقصا "لا عين صحيحة بحدقة عمياء" وإن بقيت صورتها، لأنها أعلى والضوء في نفس جرمها وتؤخذ عمياء بصحيحة رضي بها المجني عليه وجفن أعمى بجفن بصير وعكسه ما لم يتميز جفن الجاني بالهدب، "ولا لسان ناطق بأخرس"، لأنه أعلى منه مع أن النطق في جرم اللسان ويقطع أخرس بناطق إن رضي المجني عليه والأخرس هنا من بلغ أوان النطق ولم ينطق فإن لم يبلغه قطع به لسان الناطق إن ظهر فيه أثر النطق بتحريكه عند نحو بكاء وكذا إن لم يظهر هو ولا ضده على الأوجه، لأن الأصل السلامة، "وفي قلع السن" التي لم يبطل نفعها ولا نقص "قصاص" للآية فيقطع كل من العليا والسفلى بمثلها "لا في كسرها" لما مر أنه لا قود في كسر العظام لكن المعتمد أنه إن أمكن استيفاء مثله بلا زيادة ولا صدع في الباقي فعل ومن ثم صح فيمن كسرت سن غيرها كتاب الله القصاص وفرق الرافعي بينها وبين بقية العظام بأنها بارزة ولأهل الصنعة آلات قاطعة مضبوطة يعتمد عليها أما صغيرة لا تصلح للمضغ وناقصة بما ينقص أرشها كثنية قصيرة عن أختها وشديدة الاضطراب لنحو هرم فلا يقلع بها إلا مثلها، "ولو قلع" شخص ولو غير مثغور "سن صغير" أو كبير وذكر الصغير للغالب "لم يثغر" بضم فسكون للمثلثة ففتح للمعجمة أي لم تسقط أسنانه الرواضع التي من شأنها أن تسقط ومنها المقلوعة.
"تنبيه" الرواضع في الحقيقة أربع، لأنها هي التي توجد عند الرضاع فتسمية غيرها بذلك من مجاز المجاورة.
"فلا ضمان" بقود ولا دية "في الحال" لعودها غالبا كالشعر نعم يعزر كما هو ظاهر "فإن جاء وقت نباتها بأن سقطت البواقي وعدن دونها وقال أهل البصر" أي اثنان من أهل البصيرة والمعرفة نظير ما مر لا واحد بخلاف نظائر له سبقت، لأن القود يحتاط له أكثر، وقد مر في المرض المخوف أنه لا بد من اثنين وهو صريح فيما ذكرته "فسد المنبت وجب" حيث لم يقصد قالعها الاستصلاح، لأن هذا ينزل فعله منزلة الخطأ كذا قيل، وإنما يتجه في الولي ونحوه "القصاص" أو يتوقع نباتها وقت كذا انتظر فإن جاء ولم تنبت وجب القصاص ولو عادت بعد القصاص بان أنه لم يقع الموقع فتجب دية المقلوعة قصاصا فيما

 

ج / 4 ص -30-          يظهر، "ولا يستوفى له في صغره" بل يؤخر لبلوغه لاحتمال عفوه فإن مات قبله وأيس من عودها اقتص وارثه إن شاء فورا أو أخذ الأرش وليس هذا مكررا مع قوله الآتي وينتظر غائبهم وكمال صبيهم لأن ذاك في كمال الوارث وهذا في كمال المجني عليه نفسه المستحق ولو عادت ناقصة اقتص في الزيادة إن أمكن أما إذا مات قبل اليأس فلا قود وكذا لو نبتت ولو نحو سوداء لكن فيها حكومة "ولو قلع سن مثغور" ويقال متغر من اتغر بتشديد الفوقية أو المثلثة "فنبتت لم يسقط القصاص في الأظهر"، لأن عودها لندرته نعمة جديدة فلا يسقط ما وجب للمجني عليه من القود أو الدية حالا من غير انتظار ولو قلع بالغ غير مثغور سن بالغ غير مثغور فلا قود حالا ثم إن نبتت فلا شيء غير التعزير وإلا وقد دخل وقته فللمجني عليه قود أو دية فإن اقتص ولم تعد سن الجاني فذاك وإلا قلعت ثانيا وهكذا إلى أن يفسد منبتها وبه فارق ما لو قلع غير مثغور سن بالغ مثغور فرضي بأخذ سنه وقلعها فنبتت فلا يقلعها لرضاه بدون حقه فلم يكن قصده إفساد المنبت بخلافه في الأولى فإنه إنما اقتص لإفساد منبت الجاني كما أفسد منبته فإذا بان عدم فساده قلع حتى يفسده، "ولو نقصت يده أصبعا فقطع كاملة قطع وعليه أرش أصبع" لعدم استيفاء قودها وللمجني عليه أخذ دية اليد كلها ولا قطع "ولو قطع كامل ناقصة" أصبعا "فإن شاء المقطوع أخذ دية أصابعه الأربع وإن شاء لقطها" وليس له قطع يد الكامل كلها لزيادتها "والأصح أن حكومة منابتهن" أي الأربع "تجب إن لقط"، لأنها ليست من جنس القود فلا تستتبعها "لا إن أخذ ديتهن" لأنها من جنسها فاستتبعتها "و" الأصح "أنه يجب في الحالين" حال القود وأخذ دية الأربع "حكومة خمس الكف" الباقي، لأنه لم يؤخذ له بدل ولا استوفى في مقابلته شيء يتخيل اندراجه فيه ونازع البلقيني في ذلك بما فيه نظر، "ولو قطع كفا بلا أصابع فلا قصاص" عليه لفقد المساواة "إلا أن يكون كفه مثلها" حالة الجناية فعليه القود فيها للمماثلة نعم إن سقطت أصابع الجاني بعد الجناية قطعت كفه أيضا، "ولو قطع فاقد الأصابع كاملها قطع كفه" قصاصا "وأخذ دية الأصابع" ناقصة حكومة الكف كما بحثه البلقيني، لأن دية الأصابع تستتبع الكف، وقد أخذ مثلها فلزم إسقاط مقابلها من دية الأصابع، "ولو شلت" بفتح شينه "أصبعاه فقطع يدا كاملة فإن شاء" المجني عليه "لقط" الأصابع "الثلاث السليمة وأخذ" مع حكومة ناقصتها كما علم مما مر "دية أصبعين وإن شاء قطع يدا وقنع بها" نظير ما مر في أخذ الشلاء عوض الصحيحة.

فصل في اختلاف مستحق الدم والجاني ومثله وارثه
إذا "قد" مثلا "ملفوفا" في ثوب ولو على هيئة الموتى "نصفين" مثلا "وزعم موته" حين القد وادعى الولي حياته "صدق الولي بيمينه" أنه كان حيا مضمونا "في الأظهر"، وإن قال أهل الخبرة إن دمه السائل من القد دم ميت وهي يمين واحدة لا خمسون خلافا للبلقيني، لأنها على الحياة كما تقرر، وإذا حلف وجبت الدية لا القود يسقط بالشبهة إذ الاختلاف في الإهدار وإنما صدق الولي، لأن الأصل استمرار حياته فأشبه ادعاء ردة مسلم

 

ج / 4 ص -31-          قبل قتله، وبه يضعف انتصار كثيرين لمقابله نقلا ومعنى نعم المتجه ما بحثه البلقيني وأفهمه التعليل المذكور أن محلهما إن عهدت له حياة وإلا كسقط لم تعهد له صدق الجاني وتقبل البينة بحياته ولهم الجزم بها حالة القد إذا رأوه يتلفف، ولا يقبل قولهم رأيناه يتلفف أي، لأنه لازم بقيد والشهادة لا بد من المطابقة فيها للمدعي، "ولو قطع طرفا" عبر بهما للغالب والمراد أزال جرما أو معنى "وزعم نقصه" كشلل والمقطوع تمامه "فالمذهب تصديقه" أي الجاني "إن أنكر أصل السلامة في عضو ظاهر" كاليد واللسان لسهولة إقامة البينة بسلامته ويكفي قولها كان سليما، وإن لم تتعرض لوقت الجناية، ولا يشكل عليه قولهم لا تكفي الشهادة بنحو ملك سابق، ك كان ملكه أمس إلا إن قالوا، ولا نعلم مزيلا له، لأن الفرض هنا أنه أنكر السلامة من أصلها فقولها كان سليما مبطل لإنكاره صريحا ولا كذلك ثم "وإلا" بأن اتفقا على سلامته وادعى الجاني حدوث نقصه، أو كان إنكار أصل السلامة في عضو باطن وهو ما يعتاد ستره مروءة وقيل ما يجب ستره فعليه تختلف المرأة والرجل "فلا" يصدق الجاني بل المجني عليه، لأن الأصل عدم حدوث النقص ولعسر إقامة البينة في الباطن وهنا يجب القود، لأن الاختلاف لم يقع في المهدر فلا شبهة، "أو" قطع "يديه ورجليه" فمات "وزعم" الجاني "سراية" للنفس، أو أنه قتله قبل الاندمال حتى تجب دية واحدة "والولي اندمالا ممكنا" قبل موته "أو سببا" آخر للموت وقد عينه ولم يمكن اندمال، أو أبهمه وأمكن اندمال حتى تجب ديتان "فالأصح تصديق الولي" بيمينه لوجوبهما بالقطع والأصل عدم سقوطهما أما لو لم يمكن اندمال لقصر زمنه كيومين فيصدق الجاني بلا يمين نعم فيما إذا أبهم السبب، ولم يمكن اندمال وادعى الجاني أنه قتله لا بد من يمينه على الأوجه، لأن الأصل عدم حدوث فعل منه يقطع فعله بخلاف دعوى السراية، لأنها الأصل فلم يحتج ليمين كما تقرر "وكذا لو قطع يده" ومات "وزعم" الجاني "سببا" آخر لموته غير السراية ولم يمكن اندمال سواء أعين السبب أم أبهمه حتى يلزمه نصف دية "و" زعم "الولي سراية" حتى تجب كل الدية فالأصح تصديق الولي، لأن الأصل استمرار السراية واستشكل هذا بالذي قبله مع أن الأصل في كل عدم وجود سبب آخر ويجاب بأن السراية التي هي الأصل تارة يعارضها ما هو أقوى منها فيقدم عليها، وهو ما مر، لأن إيجاب قطع الأربع للديتين محقق وشك في مسقطه فلم يسقط وتارة لا يعارضها ذلك فتقدم هي، وهو ما هنا ومن ثم لو قال الجاني مات بعد الاندمال وأمكن صدق لضعف السراية مع إمكان الاندمال بخلافه ما إذا لم يمكن يصدق الولي أي بلا يمين على الأوجه نظير ما مر ثم رأيت بعضهم أجاب بنحو ما ذكرته "ولو أوضح موضحتين ورفع الحاجز" بينهما وانحل الكل عمدا أو غيره "وزعمه" أي رفعه، المفهوم من رفع "قبل اندماله" أي الإيضاح حتى لا يلزمه إلا أرش واحد، وقال المجني عليه بعده فعليك ثلاث أروش "صدق" الجاني بيمينه أنه قبل الاندمال ولزمه أرش واحد "إن أمكن" عدم الاندمال بأن بعد الاندمال عادة لقصر الزمن بين الإيضاح والرفع، لأن الظاهر معه "وإلا" يمكن عدم الاندمال حين رفع الحاجز بأن أمكن الاندمال أي قرب احتماله لطول الزمن "حلف الجريح" أنه بعد

 

ج / 4 ص -32-          الاندمال، واستشكل البلقيني وغيره المتن بأن الأول مخالف لما مر في قطع اليدين والرجلين من تصديق الولي والثاني لا معنى للحلف فيه فكان ينبغي تصديقه بلا يمين ووجوب أرش ثالث قطعا ويجاب عن الأول بأنهما هنا اتفقا على وقوع رفع الحاجز الصالح لرفع الأرشين وإنما اختلفا في وقته فنظروا للظاهر فيه وصدقوا الجاني عند قصر الزمن لقوة جانبه بالاتفاق والظاهر المذكورين وأما ثم فلم يتفقا على وقوع شيء بل تنازعا وقوع السراية وفي وقوع الاندمال فنظروا لقوة جانب الولي باتفاقهما على وقوع موجب الديتين وعدم اتفاقهما على وقوع ما يصلح لرفعه فإن قلت قد اتفقا ثم على وقوع الموت، وهو صالح لرفعه قلت زعم صلاحية الموت لرفعه ممنوع وإنما الصالح السراية من الجرح المتولد عنها الموت وهذا لم يتفقوا على وقوعه أصلا فاتضح الفرق بين المسألتين وحاصله أن الجاني هنا هو الذي قوي جانبه والولي ثم هو الذي قوي جانبه فأعطوا كلا حكمه وعن الثاني بأن المراد كما أشرت إليه في حل المتن بالإمكان وعدمه هنا الإمكان القريب عادة بدليل قولهم السابق لقصر الزمن وطوله ولا شك أن الموضحة قد يقع ختم ظاهرها وبقاء الأثر في باطنها سنين لكنه قريب مع قصر الزمن وبعيد مع طوله فوجبت اليمين لذلك وحينئذ فلا يشكل بما مر من أنه عند عدم إمكان الاندمال يصدق بلا يمين لما تقرر أن ذاك معروض في اندمال أحالته العادة بدليل تمثيلهم بادعاء وقوعه في قطع يدين أو رجلين بعد يوم أو يومين وهذا محال عادة فلم تجب يمين وأما فرض مسألتنا فهو في موضحتين وقعتا منه ثم بعد عشرين سنة مثلا وقع منه رفع للحاجز فبقاؤهما بلا اندمال ذلك الزمن بعيد عادة وليس بمستحيل فاحتيج ليمين الجريح حينئذ لإمكان عدم الاندمال، وإن بعد "وثبت له أرشان" ويمينه إنما قصد بها منع النقص عن أرشين فلا تصلح لإيجاب الثالث وله نظائر منها ما لو تنازعا في قدم عيب، وحلف البائع أنه حادث ثم وقع الفسخ فأراد أرش ما ثبت بيمينه حدوثه لإيجاب، لأن حلفه صلح للدفع عنه فلا يصلح لشغل ذمة المشتري "قيل وثالث" عملا بقضية يمينه.
تنبيه: قضية المتن أن الجاني في هذه لا يحتاج ليمين، وليس مرادا بل لا بد من يمينه أنه قبل الاندمال وحينئذ فحلفه أفاد سقوط الثالث وحلف لجريح أفاد دفع النقص عن أرشين كما تقرر.

فصل في مستحق القود ومستوفيه وما يتعلق بهما
يسن في قود غير النفس التأخير للاندمال، ولا يجوز العفو قبله على مال لاحتمال السراية واتفقوا في قود غير النفس على ثبوته لكل الورثة واختلفوا في قود النفس هل يثبت لكل وارث أم لا؟ و "الصحيح ثبوته لكل وارث" على حسب الإرث، ولو مع بعد القرابة كذي رحم إن ورثناه، أو عدمها كأحد الزوجين والمعتق وعصبته والإمام فيمن لا وارث له مستغرق ومر أن وارث المرتد لولا الردة يستوفي قود طرفه ويأتي في قاطع الطريق أن قتله إذا تحتم تعلق بالإمام دون الورثة فلا يرد ذلك على المتن كما لا يرد عليه ما قيل إنه يفهم

 

ج / 4 ص -33-          ثبوت كله لكل وارث لما سيصرح به أنه يسقط بعفو بعضهم "وينتظر" وجوبا "غائبهم" إلى أن يحضر، أو يأذن "وكمال صبيهم" ببلوغه "ومجنونهم" بإفاقته، لأن القود للتشفي ولا مدخل لغير المستحق فيه نعم المجنون الفقير بأن لم يكن له مال، ولا من تلزمه مؤنته لوليه الأب أو الجد وكذا الوصي والقيم على الأوجه العفو على الدية، لأنه ليس لإفاقته أمد ينتظر أي يقينا فلا يرد معتاد الإفاقة في زمن معين، وإن قرب كما اقتضاه إطلاقهم بخلاف الصبي إذ لبلوغه أمد ينتظر "ويحبس القاتل" أي يجب على الحاكم حبس الجاني على نفس أو غيرها إلى حضور المستحق، أو كماله من غير توقف على طلب ولي، ولا حضور غائب ضبطا للحق مع عذر مستحقه ويفرق بين هذا وتوقف حبس الحامل على الطلب بأنه سومح فيها رعاية للحمل ما لم يسامح في غيرها "ولا يخلى بكفيل"، لأنه قد يهرب فيفوت الحق والكلام في غير قاطع الطريق أما هو إذا تحتم قتله فيقتله الإمام مطلقا "وليتفقوا" أي مستحقو القود المكلفون الحاضرون "على مستوف" له مسلم في المسلم، ولا يجوز اجتماعهم على قتله أو نحو قطعه، ولا تمكينهم من ذلك، لأن فيه تعذيبا له ومن ثم لو كان القود بنحو تغريق جاز اجتماعهم وفي قود نحو طرف يتعين كما يأتي توكيل واحد من غيرهم، لأن بعضهم ربما بالغ في ترديد الحديدة فشدد عليه "وإلا" يتفقوا على مستوف وأراد كل استيفاءه بنفسه "فقرعة" يجب على الحاكم فعلها بينهم ومن قرع لا يستوفي إلا بإذن من بقي، لأن له منعه بأن يقول لا تستوفي وأنا لا أستوفي وإنما جاز للقارع في النكاح فعله من غير توقف على إذن، لأن ما هنا مبناه على الدرء ما أمكن وذاك مبناه على التعجيل ما أمكن ومن ثم لو عضلوا ناب القاضي عنهم فإن قلت إذا اعتبر الإذن بعد القرعة فما فائدتهما قلت: فائدتها تعيين المستوفي ومنع قول كل من الباقين أنا أستوفي وقول بعضهم للقارع: لا تستوف أنت بل أنا كما أفهمه قولنا بأن يقول إلخ "يدخلها العاجز" عن الاستيفاء كالشيخ الهرم والمرأة، لأنه صاحب حق "ويستنيب" إذا قرع، وإن كانت المرأة قوية جلدة "وقيل لا يدخل" ها، لأنها إنما تجري بين المستوين في الأهلية وهذا ما في الروضة وأصلها وعليه الأكثرون ونص عليه فهو المعتمد فلو خرجت لقادر فعجز أعيد بين الباقين، "ولو بدر أحدهم" أي المستحقين "فقتله" عالما تحريم المبادرة "فالأظهر أنه لا قصاص عليه"، لأن له حقا في قتله نعم لو حكم حاكم بمنعه من المبادرة قتل جزما أو باستقلاله لم يقتل جزما كما لو جهل تحريم المبادرة، ولو بادر أجنبي فقتله فحق القود لورثته لا لمستحقي قتله "وللباقين" فيما ذكر وكذا فيما إذا لزم المبادر القود وقتل "قسط الدية" لفوات القود بغير اختيارهم "من تركته" أي الجاني المقتول، لأن المبادر فيما وراء حقه كأجنبي، ولو قتله أجنبي أخذ الورثة الدية من تركة الجاني لا من الأجنبي فكذا هنا ولوارث الجاني على المبادر ما زاد من ديته على نصيبه من دية مورثه لاستيفائه ما عدا ذلك بقتله الجاني هذا ما قاله جمع وانتصر له ابن الرفعة وغيره وقال الشيخان يسقط عنه تقاصا بماله على تركة الجاني ويظهر فيما لو اختلفت الديتان "وفي قول من المبادر"، لأنه صاحب حق فكأنه استوفى الكل كما لو أتلف وديعة أحد مالكيها يرجع الآخر عليه لا على الوديع ورد بأنها غير مضمونة والنفس هنا

 

ج / 4 ص -34-          مضمونة إذ لو تلفت بآفة وجبت الدية "وإن بادر بعد" عفو نفسه، أو بعد "عفو غيره لزمه القصاص"، وإن لم يعلم بالعفو لتبين أن لا حق له وقد يشكل عليه ما يأتي أن الوكيل لو قتل بعد العزل جاهلا به لم يقتل ويجاب بتقصير هذا بعدم مراجعته لغيره المستحق بمبادرته بخلاف الوكيل "وقيل لا" قصاص إلا إذا علم وحكم حاكم بمنعه بخلاف ما إذا انتفيا، أو أحدهما كما أفاده قوله "إن لم يعلم" بالعفو "و" لم "يحكم قاض به" أي بنفيه لشبهة الخلاف "ولا يستوفى" حد، أو تعزير، أو "قصاص" في نفس، أو غيرها "إلا بإذن الإمام"، أو نائبه كالقاضي فإن الأصح تناول ولايته لإقامة الحدود لكنها في حقوق الله تعالى لا تتوقف على طلب وفي حق الآدمي تتوقف على طلب المستحق المتأهل ويسن حضور الحاكم به له مع عدلين ليشهدا إن أنكر المستحق، ولا يحتاج للقضاء بعلمه وذلك لخطره واحتياجه إلى النظر لاختلاف العلماء في شروطه ويلزمه تفقد آلة الاستيفاء والأمر بضبطه في قود غير النفس حذرا من الزيادة باضطرابه ويستثنى من اعتبار إذنه السيد بقيمه على قنه والمستحق يحتاج لا كل من له عليه قود لاضطراره والقاتل في الحرابة لكل من الإمام والولي الانفراد بقتله وما لو انفرد بحيث لا يرى لا سيما إن عجز عن إثباته "فإن استقل" مستحقه باستيفائه في غير ما ذكر "عزر"، وإن وقع الموقع لافتياته على الإمام "ويأذن" الإمام "لأهل" من المستحقين "في" استيفاء "نفس" طلب فعله بنفسه وقد أحسنه ورضي به البقية، أو خرجت له القرعة كما علم مما مر لا من الحيف "لا" في استيفاء "طرف" أو إيضاح، أو معنى كقلع عين "في الأصح"، لأنه قد يحيف ومن ثم لم يجز له الإذن للمستحق في استيفاء تعزير، أو حد قذف أما غير الأهل كشيخ وامرأة وذمي له قود على مسلم لكونه أسلم بعد استقرار الجناية كما مر وفي نحو الطرف فيأمره بالتوكيل لأهل قال ابن عبد السلام غير عدو للجاني لئلا يعذبه، ولو قال جان: أنا أقتص من نفسي لم يجب، لأن التشفي لا يتم بفعله على أنه قد يتوانى فيعذب نفسه فإن أجيب أجزأ في القطع لا الجلد، لأنه قد يوهم به الإيلام، ولا يؤلم ومن ثم أجزأ بإذن الإمام قطع السارق لا جلد الزاني، أو القاذف لنفسه، "فإن أذن له" أي الأهل "في ضرب رقبة فأصاب غيرها عمدا" بقوله إذ لا يعرف إلا منه "عزر" لتعديه "ولم يعزله" لأهليته "وإن قال أخطأت وأمكن" كأن ضرب رأسه، أو كتفه مما يلي عنقه "عزله" إذ حاله يشعر بعجزه ومن ثم لو عرفت مهارته لم يعزله "ولم يعزر" إذا حلف أنه أخطأ لعدم تعديه أما لو لم يمكن كأن ضرب وسطه فكالمتعمد "وأجرة الجلاد" حيث لم يرزق من سهم المصالح، وهو من نصب لاستيفاء قود وحد وتعزير وصف بأغلب أوصافه "على الجاني" الموسر على نفس، أو غيرها سواء حق الله تعالى وحق الآدمي، وإن قال أنا أقتص من نفسي "على الصحيح"، لأنها مؤنة حق لزمه أداؤه أما المعسر، ولا بيت مال فيظهر أن المؤنة على أغنياء المسلمين "ويقتص" في النفس والطرف ومثلهما هنا وفيما يأتي جلد القذف "على الفور" أي للمستحق ذلك ويلزم الإمام إجابته إليه وكان هذا حكمة بنائه للمفعول ليشمل الجائز والواجب "و" يقتص فيهما "في الحرم"، وإن التجأ إليه، أو إلى مسجده، أو الكعبة فيخرج من المسجد ويقتل مثلا لخبر الصحيحين: "إن الحرم لا يعيذ فارا

 

ج / 4 ص -35-          بدم"، ويخرج أيضا من ملك الغير ومن مقابرنا إن خشي تنجيس بعضها فإن اقتص في نحو المسجد وأمن التلويث كره "و" يقتص فيهما في "الحر والبرد والمرض" وإن لم تقع الجناية فيها لبناء حق الآدمي على المضايقة وبه فارق التأخير في نحو قطع السرقة، "وتحبس" وجوبا بطلب المجني عليه إن تأهل وإلا فبطلب وليه "الحامل"، ولو من زنا، وإن حدث الحمل بعد استحقاق قتلها "في قصاص النفس و" نحو "الطرف" وجلد القذف "حتى ترضعه اللبأ" بالهمز والقصر، وهو ما ينزل عقب الولادة، لأن الولد لا يعيش بدونه غالبا والمرجع في مدته العرف "ويستغنى بغيرها" كبهيمة يحل لبنها صيانة له، ولو امتنعت المراضع، ولم يوجد ما يعيش به غير اللبن أجبر الحاكم إحداهن بالأجرة، ولا يؤخر الاستيفاء، ولو لم يوجد إلا زانية محصنة قتلت تلك وأخرت هذه على الأوجه، لأنه أدون "أو" بوقوع "فطام" له "لحولين" إن أضره النقص عنهما، وإلا نقص، ولو احتاج لزيادة عليهما زيد وظاهر أنه لا عبرة بتوافق الأبوين، أو المالك على فطم يضره، ولو قتلها المستحق قبل وجود ما يعنيه فمات قتل به نظير ما مر في الحبس أول الباب هذا كله في حق الآدمي لبنائه على المضايقة أما حق الله تعالى فلا تحبس فيه بل تؤخر مطلقا إلى تمام مدة الرضاع ووجود كافل "والصحيح تصديقها" بلا يمين، لأن الحق للجنين وتصديق مستفرشها لكن إن ارتابت "في حملها" الممكن بأن لم تكن آيسة، ولو "بغير مخيلة" أي أمارة ظاهرة تدل عليه، لأنها قد تجد من نفسها من الأمارات ما لا يطلع عليه غيرها ويصبر المستحق إلى وقت ظهور الحمل لا إلى انقضاء أربع سنين لبعده بلا ثبوت ويمنع الزوج وطأها وإلا فاحتمال الحمل دائم فيفوت القود، ولو قتلها المستحق، أو الجلاد بإذن الإمام فألقت جنينا ميتا فالغرة على عاقلة الإمام ما لم يجهل هو وحده الحمل فعلى عاقلتهما، والإثم تابع للعلم بخلاف الضمان، "ومن قتل" هو مثال إذ غير القتل مثله إن أمكنت المماثلة فيه لا كقطع طرف بمثقل وإيضاح به، أو بسيف لم تؤمن فيه الزيادة بل يتعين نحو الموسى كما مر "بمحدد" كسيف أو غيره كحجر "أو خنق" بكسر النون مصدرا "أو تجويع ونحوه" كتغريق بماء ملح، أو عذب وإلقاء من شاهق "اقتص" إن شاء لما سيذكره أن له العدول للسيف "به" أي بمثله مقدارا ومحلا وكيفية إن كان قصده إزهاق نفسه لو لم يفسد فيه المثل لا العفو، وذلك للمماثلة المحصلة للتشفي الدال عليها الكتاب والسنة والنهي عن المثلة مخصوص بغير ذلك، ولو كانت الضربات التي قتل بها لا تؤثر فيه ظنا لضعف المقتول وقوته قتل بالسيف وله العدول في الماء عن الملح للعذب، لأنه أخف لا عكسه كما لو كان المثل محرما كما قال "أو بسحر" ومثله إنهاش نحو حية إذ لا ينضبط "فبسيف" غير مسموم يتعين ضرب عنقه به ما لم يقتل به أي وليس سمه مهربا أخذا مما يأتي لحرمة عمل السحر وعدم انضباطه "وكذا خمر"، أو بول أو جره حتى مات "ولواط" بصغير يقتل مثله غالبا ونحوهما من كل محرم يتعين فيه السيف "في الأصح" لتعذر المماثلة بتحريم الفعل وإيجار نحو المائع ودس خشبة قريبة من ذكر اللائط في دبره لا تحصل المماثلة فلا فائدة له ويتعين السيف جزما فيما لا مثل له كما لو جامع صغيرة في قبلها فقتلها ورجح ابن الرفعة تعينه

 

ج / 4 ص -36-          أيضا فيما لو ذبحه كالبهيمة وليس بواضح ثم رأيت بعضهم خالفه، وهو الأوجه وله قتله بمثل السم الذي قتل به ما لم يكن مهربا يمنع الغسل، ولو أوجره ماء متنجسا أوجر ماء طاهرا ولو رجع شهود زنا بعد رجمه رجموا "ولو جوع كتجويعه" وألقي في النار مثل مدته أو ضرب عدد ضربه "فلم يمت زيد" من ذلك الجنس "حتى يموت" ليقتل بما قتل به "وفي قول السيف" وصوبه البلقيني وغيره، لأن المماثلة قد حصلت ولم يبق إلا تفويت الروح فوجب بالأسهل وقيل يفعل به الأهون من الزيادة والسيف قال الشيخان وهذا أقرب ونقله الإمام عن المعظم "ومن عدل" عن المثل "إلى سيف" بأن يضرب العنق به لا بأن يذبح كالبهيمة "فله" ذلك، وإن لم يرض الجاني، لأنه أسهل "ولو قطع فسرى" القطع للنفس "فللولي جز رقبته" تسهيلا عليه "وله القطع" طلبا للمماثلة "ثم الحز" للرقبة "وإن شاء انتظر" بعد القطع "السراية" لتكمل المماثلة وليس للجاني في الأولى طلب الإمهال بقدر مدة حياة المجني عليه بعد عنايته ومن ثم جاز أن يوالي عليه قطع أطراف فرقها، ولا في الثانية طلب القتل، أو العفو، "ولو مات بجائفة، أو كسر عضد فالحز" متعين لتعذر المماثلة حينئذ "وفي قول" يفعل به "كفعله"، وهو الراجح في الروضة وأصلها بل قيل: ترجيح الأول سبق قلم ويؤخذ منه أنه لو قطع، أو كسر ساعده فسرى للنفس جاز قطع، أو كسر ساعده فما قيل من تعين القطع من الكوع بعيد بل لا يبعد أن يكون مفرعا على ضعيف، ولو أجافه مثلا ثم عفا فإن طرأ له العفو بعد الإجافة لم يعزر وإلا عزر على الراجح "فإن" فعل به كفعله و "لم يمت لم تزد الجوائف" فلا توسع، ولا تفعل في محل آخر بل تحز رقبته "في الأظهر" لاختلاف تأثيرها باختلاف محالها.
تنبيه: يمنع من إجافة، وكل ما لا قود فيه إن كان قصده العفو بعد فيعزر عفا، أو قتل وذلك، لأن فيه تعذيبا مع الإفضاء إلى القتل الذي هو نقيض العفو.
"ولو اقتص مقطوع" عضوه الذي فيه نصف دية من قاطعه "ثم مات" المقتص "بسراية فللولي حز" لرقبة الجاني في مقابلة نفس مورثه "وله عفو بنصف دية" فقط لأخذه ما قابل نصفها الآخر، وهو العضو الذي قطعه ومحله إن استوت الديتان وإلا فبالنسبة فلو قطعت امرأة يد رجل فقطع يدها ثم مات فالعفو على ثلاثة أرباع الدية، لأنه استحق دية رجل سقط منها ما يقابل ربع دية رجل وقياسه كما قاله جمع أنه لا شيء لها في عكس ذلك، وهو ما لو قطع يدها فقطعت يده ثم ماتت سراية فإذا أراد وليها العفو لم يكن له شيء "ولو قطعت يداه فاقتص ثم مات" المقتص بالسراية "فلوليه الحز" بنفس مورثه "فإن عفا فلا شيء له" لاستيفائه ما يقابل الدية الكاملة ومحله إن استوت الديتان أيضا ففي صورة المرأة السابقة يبقى له نصف الدية "ولو مات جان" بالسراية "من قطع قصاص فهدر"، لأنه قطع بحق "وإن ماتا سراية" بعد الاقتصاص في اليد "معا، أو سبق المجني عليه فقد اقتص" بالقطع والسراية، ولا شيء على الجاني، لأن السراية لما كانت كالمباشرة في الجناية وجب أن تكون كذلك في الاستيفاء "وإن تأخر" موت المجني عليه عن موت الجاني بالسراية "فله" أي لولي المجني عليه في تركة الجاني "نصف الدية" إن استوت الديتان نظير ما مر "في

 

ج / 4 ص -37-          الأصح"، لأن القود لا يسبق الجناية وإلا كان في معنى السلم في القود وهو ممتنع، ولو كانت الصورة في قطع بدين فلا شيء له قيل جزما واعترض، "ولو قال مستحق" قود "يمين"، وهو مكلف لجان حر مكلف: "أخرجها" أي يمينك لأقطعها قودا "فأخرج يسارا" له "وقصد إباحتها" عالما، أو جاهلا على الأوجه فقطعها المستحق "فمهدرة" لا ضمان فيها، ولا في سرايتها، وإن لم يتلفظ بالإذن في القطع، ولو علم القاطع أنها اليسار وأنها لا تجزئ، لأن إخراجها بقصد إباحتها بذل لها مجانا نعم يعزر العالم منهما بالتحريم، وكنية إباحتها ما لو علم أن المطلوب منه اليمين فأخرج اليسار مع علمه بأنها لا تجزئ، ولم يقصد العوضية ويبقى قود اليمين كما بأصله وذكره بعد ومحله إن لم يظن القاطع إجزاءها وإلا سقط لتضمن رضاه باليسار بدلا العفو وله دية يمينه وكذا لو علم عدم إجزائها شرعا لكن جعلها عوضا، ولا نظر لقصد الإباحة حينئذ، لأن رضا المستحق بالعوضية متضمن للعفو عن القطع، وإن فسد العوض أما المستحق المجنون أو الصبي فالإخراج له يهدرها، لأنه تسليط له عليها وأما المخرج القن فقصده الإباحة لا يهدر يساره، لأن الحق لسيده لكن الأوجه أنه يسقط قودها إذا كان القاطع قنا وأما المخرج المجنون أو الصبي فلا عبرة بإخراجه ثم إن علم المقتص قطع وإلا لزمته الدية "وإن قال" المخرج بعد قطعها "جعلتها" حالة الإخراج عوضا "عن اليمين وظننت إجزاءها" عنها "فكذبه" القاطع في ظنه الذي رتب عليه الجعل المذكور وقال بل عرفت أنها لا تجزئ وسيأتي أن هذا مجرد تصوير وقول أصله عرفت يحتمل أنه بضم التاء فيكون أخف إيهاما لما يأتي، أو بفتحها فيوافق المتن فاندفع الجزم بضمها حتى يبنى عليه الاعتراض على المتن "فالأصح" أنه "لا قصاص في اليسار" على قاطعها سواء أظن أنه أباحها أو أنها اليمين، أو علمها اليسار وأنها لا تجزئ أو قطعها عن اليمين ظانا إجزاءها، لأن مخرجها سلطه عليها بجعلها عوضا ومن ثم لا قود فيها، وإن صدقه في الظن المذكور على الأصح أيضا بل وإن انتفى الظن المذكور من أصله خلافا لما يوهمه كلام أصله أيضا وغيره لما تقرر أن المسقط للقود هو قصد جعلها عوضا فتفريعه ذلك على التكذيب مجرد تصوير لا مفهوم له بدليل كلامه في الروضة "وتجب دية" لليسار، لأن الجعل المذكور منع كونه بذلها مجانا "ويبقى" حيث لم يظن القاطع إجزاءها، ولا جعلها عوضا "قصاص اليمين" في الأولى كما مر وفي هذه، لأنه لم يستوفه، ولا عفا عنه نعم يلزمه الصبر به إلى اندمال يساره لئلا تهلكه الموالاة أما إذا ظن إجزاءها، أو جعلها عوضا فلا يبقى لما مر أن ذلك متضمن للعفو ولكل على الآخر دية "وكذا لو قال" المخرج "دهشت" بضم، أو فتح فكسر - عن كونها اليسار "فظننتها اليمين"، أو لم أسمع إلا أخرج يسارك أو ظننته قال ذلك "وقال القاطع ظننتها اليمين" فلا قود في اليسار على الأصح، لأن هذا الاشتباه قريب وتجب ديتها ويبقى قود اليمين وخرج بقول القاطع ذلك ما لو قال علمت أنها اليسار وأنها لا تجزئ أو دهشت فلم أدر ما قطعت أو ظننت أنه أباحها بالإخراج فيجب على القاطع القود في اليسار أما الأولى فواضح وأما الثانية فلأن الدهشة لا تليق بحال القاطع وأما الثالثة فكمن قتل رجلا وقال ظننته أذن لي في قتله، وإنما أفاد

 

ج / 4 ص -38-          ظن الإباحة مع جعلها عوضا لتضمن جعله الإذن في قطعها كما مر وهنا إخراجها لما اقترن بنحو دهش لم يتضمن إذنا أصلا فاندفع استشكاله بأن الفعل المطابق للسؤال كالإذن لفظا وفي جميع هذه الصور لا يسقط قود اليمين إلا إن ظن القاطع الإجزاء، أو جعلها عوضا وحيث سقط قود اليسار بغير الإباحة، أو القائم مقامها وجبت ديتها وهي في ماله لا على عاقلته لتعمده. وأخذ الدية ممن قال له خذها عن اليمين عفو عن قودها ويصدق كل في علمه وظنه، لأنه لا يعلم إلا منه وفارق ما هنا إجزاء قطع اليسار عن اليمين في حد السرقة إذا أخرجها وقد دهش، أو ظن إجزاءها عن اليمين لا إذا قصد إباحتها بأن القصد من الحد التنكيل وتعطيل الآلة الباطشة وقد حصل، والقصاص مبني على المماثلة.

فصل في موجب العمد وفي العفو
وهو سنة مؤكدة وبغير مال أفضل وذلك للآيات والأحاديث منها خبر البيهقي وغيره: ما رفع إليه صلى الله عليه وسلم قصاص قط إلا أمر فيه بالعفو، بل في مسلم أنه رفع إليه قاتل أقر فقال لأخي القتيل: "اعف عنه" فأبى فقال: "اذهب به"، فلما ولى قال: "إن قتله فهو في النار"، أي لمخالفته الأمر، لأن هذا الإباء فيه إشعار بالإخلال بمزيد احترامه صلى الله عليه وسلم، أو بنفاق ذلك الأخ فإن قلت فكيف أقره على محرم؟ قلت: المحرم الإباء، ولم يقره عليه وأما القود إذا صمم عليه فهو واجب فالحيثية مختلفة.
"موجب" بفتح الجيم "العمد" المضمون في نفس، أو غيرها "القود" بعينه، وهو بفتح الواو القصاص سمي به، لأنهم يقودون الجاني بحبل أو نحوه "والدية" في النفس وأرش غيرها "بدل" عنه عندهما كالدارمي واعترض بأن قضية كلام الشافعي والأصحاب وصرح به الماوردي في قود النفس أنها بذل ما جنى عليه وإلا لزم المرأة بقتلها الرجل دية امرأة وليس كذلك. ا هـ ويجاب بأن الخلاف في ذلك لفظي لاتفاقهم على أن الواجب هو دية المقتول فلم يبق لذلك الخلاف كبير فائدة وقد يوجه الأول بأن القود لما وجب عينا كان كحياة نفس القتيل فكان أخذ الدية في الحقيقة بدلا عنه لا عنها، ولا يلزم عليه ما ذكر لما تقرر أنه كحياة القتيل فتأمله ثم رأيت شيخنا أجاب بنحو ذلك "عند سقوطه" بنحو موت أو عفو عنه عليها "وفي قول" موجبه "أحدهما مبهما" مراده قول أصله لا بعينه الظاهر في أن الواجب هو القدر المشترك بينهما في ضمن أي معين منهما وخبر الصحيحين: "من قتل له قتيل فهو بخير الأمرين إما أن يودي وإما أن يقاد" ظاهر في هذا القول ومن ثم صححه المصنف في بعض كتبه وقد يتعين القود ولا دية كما مر في قتل مرتد مرتدا وفيما لو استوفى ما يقابل الدية، ولم يبق له إلا جز الرقبة وقد تتعين الدية كما في قتل الوالد لولده والمسلم لذمي وقد لا يجب إلا التعزير والكفارة كما في قتل قنه.
فائدة: روى البيهقي عن مجاهد وغيره أن شريعة موسى صلى الله عليه وسلم تحتم القود وعيسى صلى الله عليه وسلم تحتم الدية فخفف الله تعالى عن هذه الأمة وخيرهم بينهما.

 

ج / 4 ص -39-          "وعلى القولين للولي" يعني المستحق "عفو" عن القود في نفس، أو طرف "على الدية"، أو نصفها مثلا "بغير رضا الجاني"، لأنه مستوفى منه كالمحال عليه والمضمون عنه ولأحد المستحقين العفو بغير رضا الباقين، لأن القود لا يتجزأ ومن ثم لو عفي عن بعض أعضاء الجاني سقط عن كله كما أن تطليق بعض المرأة تطليق لكلها ومنه يؤخذ أن كل ما يقع الطلاق بربطه به من غير الأعضاء يقع العفو بربطه به وما لا فلا وقياس قولهم لو قال له الجاني خذ الدية عوضا عن اليمين فأخذها، ولو ساكتا سقط القود وجعل الأخذ عفوا أنه يأتي نظير ذلك هنا "وعلى الأول" الأظهر "لو أطلق العفو" عن القود، ولم يتعرض للدية، ولا اختارها عقب العفو "فالمذهب لا دية"، لأن القتل لا يوجبها والعفو إسقاط ثابت لا إثبات معدوم وقوله تعالى: {فَاتِّبَاعٌ} [البقرة: 178] أي للمال محمول على العفو عليها أما إذا اختارها عقب العفو فتجب تنزيلا لاختيارها عقبه منزلته عليها بقرينة المبادرة إليها ويظهر ضبط التعقيب هنا بما مر في البيع من عدم تخلل لفظ أجنبي، وإن قل أو سكوت طويل يعد فاصلا عرفا، ولو عفا بعض المستحقين وأطلق سقطت حصته ووجب حصة الباقين من الدية، وإن لم يختاروها، لأن السقوط قهري عليهم كما في قتل الوالد ولو استحال ثبوت المال كما لو قتل أحد قنيه الآخر فعفا عن القود، أو عن حقه، أو موجب الجناية، ولو بعد العتق لم يثبت له عليه مال جزما "و" على الأول أيضا "لو عفا عن الدية لغا" هذا العفو لوقوعه عما لا يستحقه "وله العفو" عن القود "بعده"، وإن تراخى "عليها"، لأن حقه لم يتغير بالعفو، لأن اللاغي كالعدم ولو اختار القود ثم الدية وجبت مطلقا، "ولو عفا على غير جنس الدية ثبت" ذلك الغير على القولين، وإن كان أكثر من الدية "إن قبل الجاني" ذلك وسقط القود "وإلا فلا" يثبت، لأنه اعتياض فاشترط رضاهما "ولا يسقط القود في الأصح"، لأنه إنما رضي بسقوطه على عوض ولم يحصل وليس كالصلح على عوض فاسد، لأن الجاني فيه قبل والتزم، "وليس لمحجور فلس" ومثله المريض في الزائد على الثلث ووارث المديون "عفو عن مال إن أوجبنا أحدهما"، لأنه ممنوع من تفويت المال لحق الغرماء "وإلا" نوجب ذلك بل القود بعينه، وهو الأظهر "فإن عفا" عنه "على الدية ثبتت" كغيره "وإن أطلق" العفو "فكما سبق" من أنه لا دية، "وإن عفا على أن لا مال فالمذهب أنه لا يجب شيء"، لأن القتل لم يوجب مالا والمفلس لا يكلف الاكتساب وقضيته أنه لو عصى بالاستدانة لزمه العفو على الدية، لأنه حينئذ يكلف الاكتساب، وهو ظاهر ومع ذلك يصح عفوه على أن لا مال إذ غاية الأمر أنه ارتكب محرما وهو لا يؤثر في صحة العفو "والمبذر" بالمعجمة المحجور عليه بسفه "في" العفو مطلقا، أو عن "الدية"، أو عليها "كمفلس" في تفصيله المذكور "وقيل كصبي" فلا يصح عفوه عن المال بحال وخرج بقوله في الدية القود فهو فيه كالرشيد فلا يجري فيه هذا الوجه ومر أن للسفيه المهمل حكم الرشيد "ولو تصالحا عن القود على" أكثر من الدية لكنه من جنسها نحو "مائتي بعير" من جنس الواجب وصفته "لغا" الصلح "إن أوجبنا أحدهما"، لأنه زيادة على الواجب فهو كالصلح من مائة على مائتين "وإلا" بأن أوجبنا القود عينا "فالأصح الصحة" ويثبت المال، وكذا لو عفا من غير تصالح

 

ج / 4 ص -40-          على ذلك إن قبل الجاني وإلا فلا يثبت ويبقى القود لما مر أنه اعتياض فيتوقف على رضاهما أما غير الجنس الواجب فقد مر، "ولو قال" حر مكلف مختار "رشيد" أو سفيه لآخر "اقطعني ففعل فهدر" لا قود فيه، ولا دية كما لو قال له اقتلني، أو أتلف مالي، وإذن لقن يسقط القود لا المال، وإذن غير المكلف والمكره لا يسقط شيئا "فإن سرى" القطع إلى النفس "أو قال" ابتداء "اقتلني فقتله فهدر" كما ذكر للإذن ولأن الأصح أن الدية تثبت للمورث ابتداء أي، لأنها بدل عن القود البدل عن نفسه كما علم مما مر نعم تجب الكفارة ويعزر "وفي قول تجب دية" بناء على الضعيف أنها تثبت للورثة ابتداء، "ولو قطع" بضم أوله أي عضوه وجعله بعضهم بفتحه "فعفا عن قوده وأرشه فإن لم يسر فلا شيء" من قود ودية، لأن المستحق أسقط الحق بعد ثبوته فسقط "وإن سرى" إلى النفس "فلا قصاص" في نفس وطرف لتولد السراية من معفو عنه وخرج بقوله قطع إذ هو من جنس ما فيه قود نحو جائفة مما لا يوجب قودا عفا المجني عليه عن القود فيها ثم سرت الجناية لنفسه فلوليه أن يقتص في النفس، لأنه عفا عن القود فيما لا قود فيه فلم يؤثر العفو وبقوله عن قوده وأرشه ما لو قال عفوت عن هذه الجناية ولم يزد فإنه عفو عن القود دون الأرش كما نص عليه في الأم أي فله أن يعفو عقبه عليه لا أنه يجب بلا اختياره الفوري فيما يظهر أخذا مما مر فيما لو أطلق العفو "وأما أرش العضو فإن جرى" في صيغة العفو عنه "لفظ وصية ك أوصيت له بأرش هذه الجناية فوصية لقاتل" وهي صحيحة على الأصح ثم إن خرج الأرش من الثلث، أو أجاز الوارث سقط وإلا نفذت منه في قدر الثلث "أو" جرى "لفظ إبراء أو إسقاط، أو عفو سقط" قطعا إن خرج من الثلث أو أجاز الوارث وإلا فبقدره، لأنه إسقاط ناجز وكأنهم إنما سامحوا في صحة الإبراء هنا عن العضو مع الجهل بواجبه حال الإبراء إذ واجب الجناية المستقر إنما يتبين بالموت الواقع بعد وحينئذ فهو في مقابلة النفس لا العضو، لأن جنس الدية سومح فيه بصحة الإبراء منها مع أنواع من الجهل فيها كما علم مما مر في الصلح وغيره ومما يأتي فيها "وقيل" هو "وصية" لاعتباره من الثلث اتفاقا فيجري فيها خلاف الوصية للقاتل ويرد بأن الوصية له إنما تتحقق فيما علق بالموت دون التبرع الناجز، وإن كان في مرض الموت ووقع في متن المنهج وشرحه إصلاح مصرح بالفرق بين لفظ الوصية وغيره، وهو وهم لما تقرر من اعتبار الكل من الثلث، لأنه وقع في مرض الموت إذ الجرح الساري منه كما مر في بابه ثم رأيت نسخة معتمدة حذف منها ذلك الوهم قيل هذا لا يناسب جعل المقسم العفو عن القود والأرش ا هـ ويرد بمنع ما ذكر إذ غاية الأمر أنه زاد في الأرش تفصيلا ومثل ذلك لا يؤثر هذا كله في أرش العضو لا ما زاد عليه كما قال "وتجب الزيادة عليه" أي على أرش العضو "إلى تمام الدية" للسراية وإن تعرض في عفوه لما يحدث لبطلان إسقاط الشيء قبل ثبوته "وفي قول إن تعرض في عفوه" عن الجناية "لما يحدث منها سقطت الزيادة" بناء على الضعيف أن الإبراء عما لا يجب صحيح إذا جرى سبب وجوبه وهذا في غير لفظ الوصية أما إذا عفا عما يحدث بلفظها ك أوصيت له بأرش هذه الجناية وما يحدث منها فهي وصية بجميع الدية لقاتل فيأتي فيها ما مر، ولو ساوى

 

ج / 4 ص -41-          الأرش الدية صح العفو عنه، ولم يجب للسراية شيء ففي قطع اليدين لو عفا عن أرش الجناية وما يحدث منها سقطت الدية بكمالها إن وفى بها الثلث، وإن لم تصحح الإبراء عما يحدث، لأن أرش اليدين دية كاملة فلا يزاد بالسراية شيء وبذلك يعلم أنه لو عفا عن القاتل على الدية بعد قطع يده لم يأخذ إلا نصفها، أو بعد قطع يديه لم يأخذ شيئا إن ساواه فيها وإلا وجب التفاوت كما مر قبيل مسائل الدهشة، "فلو سرى" قطع ما عفي عن قوده وأرشه "إلى عضو آخر واندمل" كأن قطع أصبعا فتآكل كفه واندمل الجرح الساري إليه "ضمن دية السراية في الأصح"، وإن تعرض في عفوه بغير لفظ وصية لما يحدث، لأنه إنما عفا عن موجب جناية موجودة فلم يتناول غيرها وتعرضه لما يحدث باطل، لأنه إبراء عما لم يجب "ومن له قصاص نفس بسراية طرف" كأن قطعت يده فمات سراية "لو عفا" الولي "عن النفس فلا قطع له"، لأن القطع طريق للقتل المستحق له وقد عفا عنه "أو" عفا "عن الطرف فله حز الرقبة في الأصح"، لأن كلا منهما مقصود في نفسه كما لو تعدد المستحق وخرج بقوله بسراية طرف، ما لو استحقهما بالمباشرة فإن اختلف المستحق كأن قطع عبد يد عبد ثم عتق ثم قتله فللسيد قود اليد وللورثة قود النفس، ولا يسقط حق أحدهما بعفو الآخر وكذا إن اتحد المستحق فلا يسقط الطرف بالعفو عن النفس وعكسه ولما كان من له قصاص نفس بسراية طرف تارة يعفو وتارة يقطع وذكر حكم الأول تمم بذكر الثاني فقال "ولو قطعه" المستحق "ثم عفا عن النفس مجانا" مثلا إذ العفو بعوض كذلك "فإن سرى القطع" إلى النفس "بان بطلان العفو" ووقعت السراية قصاصا لترتب مقتضى السبب الموجود قبل العفو عليه فبان أن لا عفو حتى لو كان وقع بمال بان أن لا مال "وإلا" يسر بأن اندمل "فيصح" العفو فلا يلزمه لقطع العضو شيء، لأنه حال قطعه كان مستحقا لجملته فانصب عفوه لغيره.
"ولو وكل" آخر في استيفاء قوده "ثم عفا فاقتص الوكيل جاهلا" بعفوه "فلا قصاص عليه" إذ لا تقصير منه بوجه وبه فارق ما مر في قتل من عهده مرتدا فبان مسلما أما إذا علم بالعفو فيقتل قطعا، ويظهر أن المراد بالعلم هنا الظن كأن أخبره ثقة، أو غيره ووقع في قلبه صدقه ويحتمل أنه لا بد من اثنين درءا للقود بالشبهة ما أمكن ويقتل أيضا فيما لو صرف القتل عن موكله إليه بأن قال قتلته بشهوة نفسي لا عن الموكل ويفرق بين هذا ووكيل الطلاق إذا أوقعه عن نفسه وقلنا بما اقتضاه كلام الروياني أنه يقع بأن ذاك لا يتصور فيه الصرف فلم يؤثر وهذا يتصور فيه لنحو عداوة بينهما فأثر ويظهر الاكتفاء بأحد ذينك أعني بشهوتي ولا عن موكلي، وعليه لو شرك بأن قال بشهوتي وعن موكلي احتمل أن لا قود تغليبا للمانع على المقتضي ودرءا بالشبهة "والأظهر وجوب دية" عليه، لأن عدم تثبته تقصير منه بالنسبة للمال ويجب كونها مغلظة لتعمده وإنما سقط عنه القود لعذره "و" من ثم كان الأظهر أيضا "أنها عليه لا على عاقلته والأصح أنه" أي الوكيل الغارم للدية "لا يرجع بها على العافي"، لأنه محسن بالعفو ما لم ينسب لتقصير في الإعلام وإلا رجع عليه، لأنه غرره، ولم ينتفع بشيء بخلاف الزوج المغرور وآكل الطعام المغصوب ضيافة لانتفاعهما بالوطء

 

ج / 4 ص -42-          والأكل وقضية كلام الماوردي أن محل وجوب الدية إذا كان بمسافة يتأتى إعلامه فيها وإلا فلا دية والعفو باطل قال البلقيني وتعليلهم قد يرشد لهذا. ا هـ. وقد يوجه إطلاقهم بالتغليظ على الوكيل تنفيرا عن الوكالة في القود، لأن مبناه على الدرء ما أمكن. "ولو وجب" لرجل "عليها" أي المرأة "قصاص فنكحها عليه جاز" النكاح، وهو واضح والصداق، لأن كل ما صح عنه صح جعله صداقا "وسقط" القصاص لملكها له "فإن فارق" ها "قبل الوطء رجع بنصف الأرش" لتلك الجناية، لأنه البدل لما وقع العقد به "وفي قول نصف مهر المثل"، لأنه البدل للبضع.