تحفة المحتاج بشرح المنهاج ط العلمية

ج / 4 ص -43-          كتاب الديات
ذكرها عقب القود لما مر أنها بدل عنه وجمعها باعتبار أنواعها الآتية، وهاء الدية وهي شرعا مال وجب على حر بجناية في نفس أو غيرها، عوض عن فائها، لأنها من الودي، وهو دفع الدية والأصل فيها الكتاب والسنة والإجماع.
"في قتل الحر المسلم" الذكر المعصوم غير الجنين إذا صدر من حر "مائة بعير" إجماعا سواء أوجبت بالعفو، أو ابتداء كقتل نحو الوالد أما الرقيق والذمي والمرأة والجنين فسيأتي ما فيهم نعم الدية لا تختلف بالفضائل بخلاف قيمة القن ويوجه ذلك بأن تلك حددها الشارع اعتناء بها لشرف الجزية، ولم ينظر لأعيان من تجب فيه وإلا لساوت الرق وهذه لم يحددها فنيطت بالأعيان وما يناسب كلا منها وأما المهدر كزان محصن وتارك صلاة وقاطع طريق وصائل فلا دية فيهم وأما إذا كان القاتل قنا لغير القتيل، أو مكاتبا، ولو له فالواجب أقل الأمرين من قيمة القن والدية كما يأتي، أو مبعضا وبعضه القن ملك لغير القتيل فالواجب مقابل الحرية من الدية والرق من أقل الأمرين أما القن للقتيل فلا يتعلق به شيء، لأن السيد لا يجب له على قنه شيء "مثلثة" أي ثلاثة أقسام فلا نظر لتفاوتها عددا "في العمد ثلاثون حقة وثلاثون جذعة" ومر تفسيرهما في الزكاة "وأربعون خلفة" بفتح فكسر وبالفاء "أي حاملا" لخبر الترمذي بذلك فهي مغلظة من هذا الوجه ومن كونها على الجاني دون عاقلته وحالة لا مؤجلة، "ومخمسة في الخطأ عشرون بنت مخاض وكذا بنات لبون" عشرون "وبنو لبون" كذلك ومر تفسيرها ثم أيضا "وحقاق" إناث كذلك "وجذاع" إناث كذلك خلافا لما توهمه العبارة إذ الحقاق تشملهما والجذاع تختص بالذكور، لأنه جمع جذع لا جذعة خلافا لما يوهمه كلام شارح وذلك لحديث رواه جمع لكنه معلول وفيه أن الواجب عشرون ابن مخاض بدل بني اللبون واختير، لأنه أقل ما قيل وهذه مخففة من ثلاثة أوجه تخميسها وتأجيلها وكونها على العاقلة "فإن قتل خطأ" حال كون القاتل، أو المقتول، ولو ذميا على الأوجه وفاقا للبغوي وكونه لا يقر على الإقامة فيه لا ينافي ذلك لأن ملحظ التغليظ حرمة الحرم مع عصمة المقتول لا غير ومن ثم ردوا على من استثنى الجنين بأنه مخالف للنص "في حرم مكة" وإن خرج المجروح فيه منه ومات خارجه بخلاف عكسه نظير ما مر في صيد الحرم ومن ثم يتأتى هنا كل ما ذكروه ثم كما اقتضاه كلام الروضة فلو رمى من بعضه في الحل، ولم يعتمد عليه وحده وبعضه في الحرم أو من الحل إنسانا فيه فمر السهم في هواء الحرم غلظا "أو" قتل "في الأشهر الحرم ذي القعدة وذي الحجة" بفتح القاف وكسر الحاء على الأفصح فيهما "والمحرم" خصوه بالتعريف إشعارا بكونه أول السنة كذا قيل والظاهر أن أل فيه للمح الصفة لا للتعريف فالمراد وخصوه بأل وبالمحرم مع تحريم القتال في جميعها، لأنه أفضلها فالتحريم فيه أغلظ وقيل، لأن الله تعالى حرم الجنة فيه على إبليس "ورجب" قيل لم يعذب الله فيه أمة ورد بأن جمعا ذكروا أن

 

ج / 4 ص -44-          قوم نوح أغرقوا فيه، ومنهم من عدها من سنة فبدأ بالمحرم والأول أشهر بل صوبه المصنف في شرح مسلم لتظافر الأحاديث الصحيحة به فلو نذر صومها بدأ بالقعدة وقياس ما تقرر في الحرم اعتبار الجرح فيها، وإن وقع الموت خارجها بخلاف عكسه وهو متجه، وإن لم أر من صرح به "أو" قتل "محرما ذا رحم" كأم وأخت "فمثلثة" كما فعله جمع من الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأقرهم الباقون ولعظم حرمة الثلاثة زجر عنها بالتغليظ من هذا الوجه فقط بخلاف حرم المدينة والإحرام ورمضان، وإن كان أفضل من الحرم ومحرم الرضاع والمصاهرة وبقية الأرحام كبني العم، لأن المدار في ذلك على التوقيف مع تراخي حرمة غير رمضان ويفهم من سياق المتن أن المراد محرم ذو رحم من حيث المحرمية فلا يرد عليه بنت عم هي أم زوجة، أو أخت رضاع وخرج بالخطأ ضداه فلا يزيد واجبهما بهذه الثلاثة اكتفاء بما فيهما من التغليظ ويأتي التغليظ بما ذكر والتخفيف في غير النفس الكاملة كنفس المرأة والذمي والمجوسي والجنين والأطراف والمعاني والجراحات بحسابها بخلاف نفس القن "والخطأ، وإن تثلث" لأحد هذه الأسباب أي ديته "فعلى العاقلة" أتى بالفاء رعاية لما في المبتدأ من العموم المشابه للشرط "مؤجلة" لما يأتي فغلظت من وجه واحد وخففت من وجهين كدية شبه العمد "والعمد" أي ديته "على الجاني معجلة"، لأنها قياس بدل المتلفات "وشبه العمد" أي ديته "مثلثة على العاقلة مؤجلة" لما يأتي فهو لأخذه شبها من العمد والخطأ ملحق بكل منهما من وجه ويجوز في معجلة ومؤجلة الرفع خبرا والنصب حالا "ولا يقبل معيب" بعيب البيع السابق بيانه فيه "و" منه "مريض" فهو من عطف الخاص على العام وإن كانت إبل الجاني كلها كذلك، لأن الشارع أطلقها فاقتضت السلامة ولتعلقها بالذمة وبنائها لكونها محض حق آدمي على المضايقة فارقت ما مر في الزكاة "إلا برضاه" أي المستحق الأهل للتبرع، لأن الحق له "ويثبت حمل الخلفة" عند إنكار المستحق له "بأهل خبرة" أي عدلين منهم فإن كان التنازع فيه بعد موتها عند المستحق وقد أخذها بقولهما، أو تصديقه شق جوفها فإن بان عدم الحمل غرمها وأخذ بدلها خلفة، ولو قال الدافع أسقطت عندك فإن لم يمض زمن يحتمله ردت عليه وإلا فإن أخذت منه بقول الدافع صدق المستحق بيمينه، أو خبيرين صدق الدافع، "والأصح إجزاؤها قبل خمس سنين" لصدق الاسم عليها وإن ندر فيجبر المستحق على قبولها "ومن لزمته" الدية من العاقلة أو الجاني "وله إبل فمنها" أي نوعها إن اتحد وإلا فالأغلب فلا تجب عينها تؤخذ لا من غالب إبل محله "وقيل" يتعين "من غالب إبل بلده"، أو قبيلته إذا كانت إبله من غير ذلك، لأنها بدل متلف هذا ما جريا عليه هنا وعليه كثيرون، أو الأكثرون والذي في الروضة كأصلها تخييره بين إبله أي إن كانت سليمة وغالب إبل محله فله الإخراج منه، وإن خالف نوع إبله ويجبر المستحق على قبوله فإن كانت إبله معيبة تعين الغالب ورده الزركشي وغيره بأن نص الأم تعين نوعها سليما وقطع به الماوردي "وإلا" يكن له إبل "فغالب" بالجر "إبل بلدة" لبلدي ويصح بالضمير أي الحضري "أو قبيلة بدوي"، لأنها بدل متلف وظاهر كلامهم وجوبها من الغالب، وإن لزمت بيت المال الذي لا إبل فيه فيمن لا عاقلة له سواه وعليه فيلزم الإمام

 

ج / 4 ص -45-          دفعها من غالب إبل الناس من غير اعتبار محل مخصوص، لأن الذي لزمه ذلك هو جهة الإسلام التي لا تختص بمحل وبهذا الذي ذكرته يندفع بحث البلقيني تعين القيمة لتعذر الأغلب حينئذ، لأن اعتبار بلد بعينها تحكم ووجه اندفاعه أنه لا تعذر، ولا تحكم فيما ذكرته كما هو واضح، ولو لم يغلب في محله نوع تخير في دفع ما شاء منها "وإلا" يكن في البلد، أو القبيلة إبل بصفة الإجزاء "فأقرب" بالجر "بلاد"، أو قبائل إلى محل المؤدي ويلزمه النقل إن قربت المسافة وسهل نقلها فإن بعدت وعظمت المؤنة في نقلها فالقيمة فإن استوى في القرب محال واختلف إبلها تخير الدافع وضبط بعضهم البعد بمسافة القصر وضبطه الإمام بأن تزيد مؤنة إحضارها على قيمتها في موضع العزة كذا نقلاه قال البلقيني وإجراؤه على ظاهره متعذر فتعين إدخال الباء على مؤنة ليستقيم المعنى، ولو اختلف محال العاقلة أخذ واجب كل من غالب محله، وإن كان فيه تشقيص، لأنها هكذا وجبت ومر قبيل فصل الشجاج فيمن لزمه أقل الأمرين ما يعلم منه أنه لا تتعين الإبل بل إن كان الأقل القيمة فالنقد، أو الأرش تخير الدافع بين النقد والإبل "ولا يعدل" عما وجب من الإبل "إلى نوع"، ولو أعلى على المعتمد عندهما إلا بتراض من الدافع والمستحق كسائر أبدال المتلفات "و" لا إلى "قيمة إلا بتراض" منهما أيضا كذلك ومحله إن علما قدر الواجب وصفته وسنه وقولهم لا يصح الصلح عن إبل الدية محله إن جهل واحد مما ذكر كما أفاده تعليلهم له بجهالة صفتها وكلامهما هنا وفي غيره محمول على هذا التفصيل "ولو عدمت" الإبل من المحل الذي يجب تحصيلها منه حسا، أو شرعا بأن وجدت فيها بأكثر من ثمن مثلها "فالقديم" الواجب في النفس الكاملة "ألف دينار" أي مثقال ذهبا "أو اثنا عشر ألف درهم" فضة لحديث صحيح فيه، وهو دال على تعين الذهب على أهله والفضة على أهلها، وهو ما عليه الجمهور ولا تغليظ هنا على الأصح وقضية المتن أن القديم إنما يقول ذلك عند الفقد، وهو كذلك خلافا لبعض الأئمة "والجديد قيمتها" أي الإبل بالغة ما بلغت يوم وجوب التسليم لحديث فيه أيضا رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه ولأنها بدل متلف فتعينت قيمتها عند إعوازها "بنقد بلده" أي بغالب نقد محل الفقد الواجب تحصيلها منه لو كان به إبل بصفات الواجب من التغليظ وغيره يوم وجوب التسليم فإن غلب فيه نقدان تخير الدافع ويجاب مستحق صبر إلى وجودها "وإن وجد بعض" من الواجب "أخذ" الموجود "وقيمة الباقي" من الغالب كما تقرر "والمرأة" الحرة "والخنثى" المشكل "كنصف رجل نفسا وجرحا" وأطرافا إجماعا في نفس المرأة وقياسا في غيرها ولأن أحكام الخنثى مبنية على اليقين ويستثنى من أطرافه الحلمة فإن فيها أقل الأمرين من دية المرأة والحكومة وكذا مذاكيره وشفراه على تفصيل مبسوط فيه في الروضة وغيرها، "ويهودي ونصراني" له أمان وتحل مناكحته "ثلث" دية "مسلم" نفسا وغيرها لقضاء عمر وعثمان رضي الله تعالى عنهما به، ولم ينكر مع انتشاره فكان إجماعا قوله فينبغي لكن هكذا في النسخ فليحرر. ا هـ من هامش الأصل وفيه تأويل أورد الماوردي أنه على النصف أما من لا أمان له فهدر وأما من لا تحل مناكحته فديته كدية مجوسي "ومجوسي" له أمان "ثلثا عشر" وثلث خمس إنما هو أنسب في

 

ج / 4 ص -46-          اصطلاح أهل الحساب لإيثارهم الأخصر لا الفقهاء فلا اعتراض دية "مسلم" وهي ستة أبعرة وثلثان لقضاء عمر به أيضا كما ذكر ولأن للذمي بالنسبة للمجوسي خمس فضائل كتاب ودين كان حقا وحل ذبيحته ومناكحته وتقريره بالجزية وليس للمجوسي منها إلا آخرها فكان فيه خمس ديته وهذه أخس الديات "وكذا وثني" أي عابد وثن، وهو الصنم من حجر وغيره وقيل من غيره فقط وكذا عابد نحو شمس وزنديق وغيرهم ممن "له أمان" منا لنحو دخوله رسولا كالمجوسي ودية نساء كل وخناثاهم على النصف من رجالهم ويراعى هنا التغليظ وضده كما مر والمتولد بين كتابي ونحو مجوسي يلحق بالكتابي أبا كان، أو أما واستشكل بما مر في الخنثى من اعتباره أنثى، لأنه المتيقن ويجاب بأنه لا موجب فيه يقينا بوجه يلحقه بالرجل وهنا فيه موجب يقينا يلحقه بالأشرف ولا نظر لما فيه مما يلحقه بالأخس، لأن الأول أقوى بكون الولد يلحق أشرف أبويه غالبا "والمذهب أن من لم تبلغه دعوة" نبينا صلى الله عليه وسلم إلى "الإسلام إن تمسك بدين لم يبدل فدية" نفسه وغيرها دية "دينه" الذي هو نصرانية، أو تمجس مثلا من ثلث دية، أو ثلث خمسها، لأنه بذلك ثبت له نوع عصمة فألحق بالمؤمن من أهل دينه "وإلا" يتمسك بدين كذلك، أو جهل دينه أو واجبه، أو شك هل بلغته دعوة نبي، أو لا على الأوجه فيهما، لأن الأصل العصمة إذ كل مولود يولد على الفطرة فقول الأذرعي الأشبه بالمذهب في الأخيرة عدم الضمان مردود "فكمجوسي" ففيه دية مجوسي.

فصل في الديات الواجبة فيما دون النفس من الجروح والأعضاء والمعاني
تجب "في موضحة الرأس" ومنه هنا لا في نحو الوضوء العظم الذي خلف أواخر الأذن متصلا بها وما انحدر عن آخر الرأس إلى الرقبة "والوجه" ومنه هنا لا ثم أيضا ما تحت المقبل من اللحيين وكان الفرق بين ما هنا وثم أن المدار هنا على الخطر، أو الشرف كما يفهمه الفرق الآتي في شرح قوله كجرح سائر البدن مع ما هو مقرر أن الرأس والوجه أشرف ما في البدن وما جاوز الخطر أو الشريف مثله وثم على ما رأس وعلا وعلى ما تقع به المواجهة وليس مجاورهما كذلك "لحر" أي من حر "مسلم" ذكر معصوم غير جنين "خمسة أبعرة" إن لم توجب قودا، أو عفي عنه على الأرش وفي غيره بحسابه وضابطه أن في موضحة كل وهاشمته بلا إيضاح ومنقلته بدونهما نصف عشر ديته واقتصر على الأول، لأن الحديث الصحيح فيه وغيره يعلم بالقياس عليه أما غير الوجه والرأس ففي موضحته الحكومة فقط، "و" في "هاشمة مع إيضاح"، ولو بسراية، أو نحوها كأن هشم بلا إيضاح فاحتيج للشق لإخراج العظم، أو تقويمه، ومنازعة البلقيني فيه غير متجهة "عشرة" رواه البيهقي والدارقطني عن زيد بن ثابت، وهو لا يكون إلا عن توقيف "و" في هاشمة "دونه" أي الإيضاح "خمسة"، لأن للموضحة من العشرة خمسة فتعين الباقي للهاشمة، ولو وصلت هاشمة الوجنة الفم، أو موضحة قصبة الأنف الأنف لزمه حكومة أيضا "وقيل حكومة"، لأنه كسر عظم بلا إيضاح "و" في "منقلة" مسبوقة بهما "خمسة عشر" إجماعا "و" في "مأمومة

 

 

ج / 4 ص -47-          ثلث الدية" لخبر صحيح به ومثلها الدامغة فلا يزاد لها حكومة خلافا للماوردي ويفرق بينها وبين ما في خرق الأمعاء في الجائفة بأن ذاك زيادة على ما يحصل به مسمى الجائفة فوجب لها ما يقابلها وهنا لا زيادة على مسمى الدامغة حتى يجب له شيء، ولا عبرة بزيادته على مسمى المأمومة لانفرادها مع استلزامها لها باسم خاص بخلافها ثم "ولو أوضح" واحد "فهشم آخر" في محله ولو متراخيا، أو عكسه "ونقل ثالث وأم رابع" والمجني عليه كامل "فعلى كل من الثلاثة خمسة" إن لم توجب الموضحة قودا، أو عفي عنه على الأرش "و" على "الرابع تمام الثلث"، وهو ثمانية عشر بعيرا وثلث، ولو دمغ خامس فإن ذفف لزمه دية النفس وإلا وجبت ديتها أخماسا عليهم بالسوية وزال النظر لتلك الجراحات، "والشجاج قبل الموضحة" السابق تفصيلها "إن عرفت نسبتها منها" بأن تكون ثم موضحة فيقاس عمق الباضعة مثلا فيوجد ثلث عمق الموضحة "وجب قسط من أرشها" بالنسبة كثلثه في هذا المثال وما شك فيه يعمل فيه باليقين والأصح في الروضة أنه يعتبر مع ذلك الحكومة ويجب أكثرهما فإن استويا تخير واعتبار الحكومة أولى، لأنها الأصل فيما لا مقدر له "وإلا" تعرف نسبتها منها "فحكومة لا تبلغ أرش موضحة كجرح سائر البدن"، ولو بنحو إيضاح وهشم وغيرهما ففيه حكومة فقط، لأنه لم يرد هنا توقيف ولأن ما في الرأس والوجه أشد خوفا وشينا فميز نعم يستثنى من ذلك الجائفة كما قال: "وفي جائفة ثلث دية" لصاحبها لخبر صحيح فيه "وهي جرح" ولو بغير حديد "ينفذ إلى جوف" باطن محيل للغذاء، أو الدواء أو طريق للمحيل "كبطن وصدر وثغرة نحر" ويتردد النظر فيما نزل عن مخرج الحاء المهملة إلى هذه الثغرة هل هو من الطريق، لأنهم عدوه جوفا في نحو الصوم أو لا لاختلاف الجوف هنا وثم كل محتمل والقياس الثاني، لأنه كباطن الإحليل ثم رأيت الروضة ذكرت أن الواصل إلى الحلق جائفة وإلى الثغرة كذلك وهو يرجح الأول وعليه يفرق بينه وبين باطن الذكر بأن هذا طريق حسي للجوف، ولا كذلك ذاك "وجبين" عدل إليه عن قول أصله جنبين أي تثنية جنب للعلم بهما مما ذكر معهما بخلافه فإن كون نفوذ جرحه لباطن الدماغ جائفة مما يخفى وزعم أن هذه في حكم الجائفة ولا تسمى جائفة ممنوع وكون شجاج الرأس ليس فيها جائفة مخصوص بتصريحهم هنا أن الواصل لجوف الدماغ من الجبين جائفة "وخاصرة" وورك كما بأصله ومثانة وعجان وهو ما بين الخصية والدبر أي كداخلها وكذا لو أدخل دبره شيئا فخرق به حاجزا في الباطن كما يأتي، ولو نفذت في بطن وخرجت من محل آخر فجائفتان قيل وترد على المتن، لأن الثانية خارجة لا واصلة للجوف وليس في محله، لأن المتن لم يعبر بواصلة بل بنافذة وهي تسمى نافذة بل واصلة كما لا يخفى على أنه سيصرح بذلك قريبا فإن خرقت جائفة نحو البطن الأمعاء، أو لذعت كبدا، أو طحالا، أو كسرت جائفة الجنب الضلع ففيها مع ذلك حكومة بخلاف ما لو كان كسرها له لنفوذها منه على الأوجه لاتحاد المحل. وخرج بالباطن المذكور داخل فم وأنف وعين وفخذ وذكر وكان الفرق بين داخل الورك وهو المتصل بمحل القعود من الألية وداخل الفخذ وهو أعالي الورك أن الأول مجوف وله اتصال بالجوف الأعظم كما صرحت به عبارة المحرر كالروضة

 

ج / 4 ص -48-          ولا كذلك الثاني، "ولا يختلف أرش موضحة بكبرها" وصغرها ولا ببروزها وخفائها ولا بشينها وعدمه، لأن المدار على اسمها "ولو أوضح موضعين" وفي نسخة موضحتين والأولى أولى "بينهما" حاجز هو "لحم وجلد قيل، أو" بينهما "أحدهما فموضحتان" ما لم يتآكل الحاجز، أو يزله الجاني أو يخرقه في الباطن دون الظاهر على الأوجه قبل الاندمال، وإن كانتا عمدا والإزالة خطأ كما رجحه في الروضة، وإن اعترض، لأنه قد يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء وذلك لاختلاف محل الجناية فيما إذا وجدا دون ما إذا وجد أحدهما، لأنها أتت على الموضع كله فلا نظر للصورة الذي لمحه الضعيف وتتعدد الموضحات بتعدد ما ذكر، وإن زادت على دية النفس على الأصح، "ولو انقسمت موضحته عمدا وخطأ"، أو وشبه عمد "أو شملت" بكسر الميم أفصح من فتحها "رأسا ووجها فموضحتان" لاختلاف الحكم، أو المحل بخلاف شمولها وجها وجبهة أو رأسا وقفا فواحدة لكن مع حكومة في الأخيرة "وقيل موضحة" لاتحاد الصورة ولأن الرأس والوجه محل للإيضاح فهما كمحل واحد ", ولو وسع موضحته"، وإن لم يتحد عمدا مثلا نظير ما مر عن الروضة "فواحدة على الصحيح" كما لو أتى بها ابتداء كذلك "أو" وسعها "غيره فثنتان" مطلقا، لأن فعله لا يبنى على فعل غيره ونقل عن خطه جر غير عطفا على الضمير المضاف إليه موضحة ونصبها على حذف مضاف هو موضحة وفيهما تكلف ظاهر "والجائفة كموضحة في التعدد" المذكور وعدمه صورة وحكما ومحلا وفاعلا وغير ذلك فلو أجافه بمحلين بينهما لحم وجلد وانقسمت عمدا وخطأ فجائفتان ما لم يرفع الحاجز، أو يتآكل قبل الاندمال نعم لا يجب دية جائفة على موسع جائفة غيره إلا إن كان من الظاهر والباطن وإلا فحكومة، ولو قطع ظاهرا في جانب وباطنا في آخر وكملا جائفة فأرشها وإلا فقسطه بأن ينظر في ثخانة اللحم والجلد ويقسط على المقطوع من الجانبين كذا ذكراه وقد يشكل إيجاب الحكومة أولا والقسط آخرا ويفرق بأن الجائفة مركبة من خرق اللحم والجلد معا غالبا وهنا وجد قطع في كل فوزع لوجود ما يحصل به مسماها بخلافه ثم فإنه لم يوجد إلا أحدهما، وهو لا يمكن أن يحصل به مسماها فتعينت الحكومة وهل يقال بهذا التفصيل في الموضحة أو يفرق بأن ما قبلها له أسماء مخصوصة كما مر ففيه الحكومة، أو الأكثر على الخلاف السابق وما هنا ليس كذلك، ولو أدخل دبره ما خرق به حاجزا في الباطن كان جائفة على الوجه الذي اقتضاه ما مر في الموضحة أن خرق الباطن معتد به حتى يرجع الموضحتين إلى موضحة واحدة وبهذا يندفع ما لبعضهم هنا فتأمله، "ولو نفذت من بطن وخرجت من ظهر فجائفتان في الأصح" كما قضى به أبو بكر رضي الله عنه اعتبارا للخارجة بالداخلة "ولو أوصل جوفه سنانا له طرفان" يعني طعنه به فوصلا جوفه والحاجز بينهما سليم "فثنتان" فإن خرجا من ظهره فأربع كما علم ذلك كله من قوله كموضحة في التعدد، "ولا يسقط الأرش بالتحام موضحة وجائفة"، لأنه في مقابلة الجزء الفائت والألم الحاصل ولا قود وأرش بعود لسان، لأنه محض نعمة جديدة والتصاق أذن بعد إبانة جميعها ويجب قلعها أي حيث لم يخش مبيح تيمم كما هو ظاهر بخلاف معلقة بجلدة التصقت وذلك، لأن الدم وإن قل لما

 

ج / 4 ص -49-          انفصل معها ثم عاد بعد انفصالها عن البدن بالكلية بلا حاجة لمحله الذي صار ظاهرا على وجه يدوم، ولم يلحق بالمعفو عنه في غير ذلك، لأن هذا أفحش بخلاف عود المعاني، لأن به يتبين أن لا خلل.
تنبيه: سبق أن للمعلق بجلدة حكم المبان حتى يجب فيه القود، أو كمال الدية ولا ينافيه ما تقرر في الأذن المعلقة بجلدة، لأنها بالنسبة لعدم وجوب إزالتها لا غير، لأنها لم تصر أجنبية عن البدن بالكلية أما بالنسبة للقود، أو الدية فلا شيء فيها بخلاف التصاق ما بقي منها غير الجلدة فإنه يوجب حكومة على الأول وقودا، أو دية على الثاني، والسن كالأذن فيما تقرر نعم لو قلعها فتعلقت بعرق ثم أعادها وثبتت وجب فيها حكومة لا دية لعدم إبانتها ويفرق بينها وبين الأذن المعلقة بجلدة فإن فيها الدية كما تقرر بأن عرق السن من أجزائها التي بها نباتها فلم يتحقق انفصالها بخلاف الجلدة.
"والمذهب أن في" قطع، أو قلع "الأذنين دية" كدية نفس المجني عليه وكذا في كل ما يأتي "لا حكومة" لخبر فيه "و" في "بعض" ويصح رفعه منهما، أو من أحدهما "بقسطه" ففي واحدة نصف دية وفي بعضها بنسبته إليها بالمساحة "ولو أيبسها" بالجناية "فدية" فيهما لإبطال منفعتهما المقصودة من دفع الهوام لزوال الإحساس "وفي قول حكومة" لبقاء جمع الصوت ومنع دخول الماء وهما مقصودان أيضا ويرد بأن الأولى أقوى وآكد فكانا بالنسبة إليها كالتابعين "ولو قطع يابستين"، وإن كان يبسهما أصليا "فحكومة" كقطع يد شلاء، أو جفن، أو أنف استحشف، ولا ينافيه ما مر من قطع صحيحة بيابسة، لأن ملحظ القود التماثل وهما متماثلان كما مر "وفي قول دية" لإزالة تينك المنفعتين العظيمتين، ولو أوضح مع قطع الأذن وجبت دية موضحة أيضا إذ لا يتبع مقدر مقدر عضو آخر، "وفي" إزالة جرم "كل عين" صحيحة "نصف دية" إجماعا لخبر صحيح فيه "ولو" هي "عين" أخفش أو أعشى، أو "أحول"، وهو من بعينه خلل دون بصره "وأعمش" وهو من يسيل دمعه غالبا مع ضعف بصره "وأعور"، وهو فاقد ضوء إحدى عينيه لبقاء أصل المنفعة في الكل وقيل في عين الأعور كل الدية، لأن سليمته التي عطلها بمنزلة عيني غيره قيل قضية كلام المتن أن العوراء فيها دية وأنه يصح أن يقال في الأعور في كل عين له نصف دية مع أنه ليس له إلا عين واحدة انتهى، ويرد بمنع ذلك، لأنه لم يقل، ولو لأعور بل، ولو عين أعور والمتبادر من هذه السليمة لا غير وبأن الغاية ليست غاية لكل عين بل لعين فقط كما قررته فتأمله و "كذا من بعينه بياض" على ناظرها، أو غيره "لا ينقص" هو بفتح ثم ضم مخففا على الأفصح كما مر "الضوء" مفعول ففيها نصف الدية "فإن نقص" وانضبط النقص بالنسبة للصحيحة "فقسط" منه يجب فيها "فإن لم ينضبط" النقص "فحكومة" وفارقت عين الأعمش بأن بياض هذه نقص الضوء الخلقي، ولا كذلك تلك ومن ثم لو تولد العمش من آفة أو جناية لم تكمل فيها الدية كما قاله جمع وينافيه في الآفة ما يأتي في الكلام فتأمله، "وفي" قطع، أو إيباس "كل جفن" استؤصل قطعه وليتنبه له فإنه قد يتقلص مع بقاء بعضه حتى يشبه المستأصل "ربع دية" لما فيه من الجمال والمنفعة التامة وانقسمت على الأربعة،

 

ج / 4 ص -50-          لأن ما وجب في المتعدد من جنس ينقسم على أفراده "ولو" كان "لأعمى" وتندرج فيها حكومة الأهداب، لأنها تابعة لها، "وفي" قطع أو إشلال "مارن" وهو ما لان من الأنف ويشتمل على طرفين وحاجز "دية" لخبر صحيح فيه، ولو قطع معه القصبة دخلت حكومتها في ديته، لأنها تابعة بخلاف الموضحة الحاصلة من قطع الأذنين وفي تعويجه حكومة كتعويج الرقبة أو نحو تسويد الوجه "وفي كل من طرفيه والحاجز ثلث" من الدية، لما مر في الأجفان "وقيل في الحاجز حكومة وفيهما دية"، لأن الجمال والمنفعة فيهما دونه ويرد بالمنع كما هو واضح، "وفي" قطع أو إشلال "كل شفة" وهي كما في بعض نسخ المتن في عرض الوجه إلى الشدقين وفي طوله إلى ما يستر اللثة "نصف" من الدية لخبر فيه فإن كانت مثقوبة نقص منها قدر حكومة وفي بعضها بقسطه كسائر الأجرام، "و" في "لسان" ناطق "ولو لألكن وأرت وألثغ وطفل"، وإن فقد ذوقه على المعتمد لذهاب النطق الذي فيه الدية، وإن فقد الذوق كما يأتي سواء أقلنا الذوق فيه أم في الحلق وأما جزم الماوردي وصاحب المهذب بأن فيه الحكومة فضعيف على أنه يأتي عن الماوردي ما يناقض ذلك "دية" لخبر صحيح فيه "وقبل شرط" الوجوب في لسان "الطفل" ظهور أثر نطق بتحريكه لبكاء ومص وإلا فحكومة لعدم تيقن سلامته والأصح لا فرق أخذا بظاهر السلامة كما تجب في يده ورجله، وإن فقد البطش حالا ومن ثم لو بلغ أوان النطق، أو التحريك، ولم يظهر أثره تعينت الحكومة وكذا لو ولد أصم فقطع لسانه الذي ظهر منه أمارة النطق لليأس منه، لأنه إنما ينطق بما يسمعه "و" في لسان "لأخرس" أصالة، أو لعارض "حكومة" لذهاب أعظم منافعه نعم إن ذهب بقطعه الذوق وجبت الدية أي إن قلنا إن الذوق في جرمه وإلا فحكومة له أيضا فيما يظهر إذ لا استتباع حينئذ ويأتي في الكلام وغيره ما يفهم ذلك وما أفهمه كلام الماوردي الذي نقله عنه ابن الرفعة من وجوب الحكومة فقط نظرا لفقد الكلام الذي هو جل منافعه ضعيف ومناقض لقوله هو وغيره لو أذهب الكلام والذوق لزمه ديتان ولجزمه السابق آنفا بالحكومة نظرا لفقد الذوق دون فقد الكلام.
"و" في "كل سن" أصلية تامة مثغورة نصف عشر دية صاحبها أو قيمته ففي كل سن كذلك "لذكر حر مسلم خمسة أبعرة" ولأنثى نصف ذلك ولذمي ثلثه ولقن نصف عشر قيمته لخبر فيه نعم إن كانت إحدى ثنيتيه أقصر من الأخرى، أو ثنيته مثل رباعيته، أو أقصر نقص من الخمس ما يليق بنقصها إذ الغالب طول الثنية على الرباعية، ولو انتهى صغر السن فلم تصلح للمضغ تعينت فيها الحكومة كما لو غير لون سن، أو فلقها وبقيت منفعتها والأسنان العليا متصلة بعظم الرأس فإذا قلع مع بعضها شيئا منه فحكومة أيضا إذ لا تبعية "سواء كسر الظاهر منها دون السنخ" بمهملة مكسورة فنون فمعجمة، وهو أصلها المستتر باللحم والمراد بالظاهر البادي خلقة فلو ظهر بعض السنخ لعارض كملت الدية في الأول "أو قلعها به" معا من أصلها، لأنه تابع فأشبه الكف مع الأصابع أما لو كسر الظاهر ثم قلع السنخ، ولو قبل الاندمال فتجب فيه حكومة كما لو اختلف قالعهما ويظهر أن يأتي هذا في قصبة الأنف وغيرها من التوابع السابقة والآتية، ولو قلعها إلا عرقا فعادت فنبتت لم يلزمه

 

ج / 4 ص -51-          إلا حكومة كما مر، قال الماوردي وكقلعها ما لو أذهبت الجناية جميع منافعها ويصدق فيه المجني عليه إذ لا يعرف إلا منه انتهى قيل وتصوير ذهاب الجميع بعيد لبقاء منفعة الجمال وحبس الريق والظاهر أن مراد قائله النزاع في تصوير ذهاب الكل لا في الحكم لو فرض ذهاب الكل ونظير تصديق المجني عليه فيما ذكره ما لو جنى اثنان على سن فاختلف هو والثاني في الباقي منها حال جنايته فيصدق المجني عليه بيمينه "وفي سن زائدة حكومة" والمراد بها الشاغية التي بأصله وهي التي تخالف بنيتها بنية الأسنان لا التي من ذهب فإن فيها التعزير فقط، ولا الزائدة على الغالب في الفطرة، وهو اثنان وثلاثون، لأن الأرجح فيها حيث كانت على سنن البقية وجوب الأرش لا الحكومة بل قولهم الآتي فبحسابه يشمل ذلك "وحركة السن" المتولدة من نحو مرض، أو كبر "إن قلت"، ولم تنقص منفعتها "فكصحيحة" في وجوب القود، أو الدية لبقاء الجمال والمنفعة "وإن بطلت المنفعة" يعني منفعة المضغ لشدة الحركة مثلا كما دل عليه السياق إذ الكلام كما ترى في أن الحركة قليلة، أو شديدة وذلك إنما يتعلق بالمضغ فقط دون بقية المنافع إذ لا يتصور إبطالها كلها على ما مر "فحكومة" فقط للشين الحاصل بزوال المنفعة "أو نقصت" بأن بقي فيها أصل منفعة المضغ "فالأصح كصحيحة" فيجب القود، أو الدية كما يجب مع ضعف البطش والمشي أما المتولدة من جناية ثم سقطت ففيها الأرش لكن لا يكمل إن ضمنت تلك الجناية لئلا يتضاعف الغرم في الشيء الواحد، أو عادت كما كانت ففيها الحكومة أو نقصت فقضية كلام الشيخين لزوم الأرش فعليه لو قلعها آخر لزمته حكومة دون حكومة التي تحركت بهرم أو مرض، لأن النقص الذي فيها قد غرمه الجاني الأول بخلافه في الهرم والمرض ومشى في الأنوار على القول الآخر أن على الأول حكومة وعلى الثاني أرشا، وهو الأوجه مدركا لما تقرر أن الناقصة بنحو مرض في قلعها الأرش بجامع بقاء المنفعة المقصودة في كل منهما ووجوب حكومة في تلك دون هذه لا يمنع القياس كما هو ظاهر "ولو قلع سن صغير" أو كبير وذكر الصغير للغالب "لم يثغر فلم تعد" وقت العود "وبان فساد المنبت" بقول خبيرين أي أو بوصوله لسن يقطع فيه عادة بفساده إلا أن يدعي أنه ما دام حيا فالرجاء باق وفيه ما فيه "وجب الأرش" كسن المثغور فإن عادت فلا شيء إلا إن بقي شين "والأظهر أنه لو مات قبل البيان" للحال "فلا شيء" لأصل براءة الذمة مع أن الظاهر العود لو بقي نعم له حكومة كما لو مات قبل تمام نباتها "و" الأظهر "أنه لو قلع سن مثغور فعادت لا يسقط الأرش"، لأن العود نعمة جديدة "ولو قلعت الأسنان" كلها "فبحسابه" أي المقلوع ففيها حيث كانت كالغالب اثنين وثلاثين، مائة وستون بعيرا "وفي قول لا تزيد على دية إن اتحد جان وجناية" كالأصابع ويجاب بأن الدية ثم نيطت بالجملة وهنا لم تنط إلا بكل سن على حيالها فتعين الحساب وبهذا يوجه ما مر من زيادة الحساب بزيادة الأسنان على أن ترجيح صاحب الأنوار أن في الزائدة حكومة بعيد، لأنها إذا انقسمت على أربعين مثلا فأي ثمانية منها يحكم عليها بالزيادة حتى تفرد بحكومات ومما يؤيد الأول ما مر في الموضحة من تعدد الأرش بتعددها، وإن زادت على دية بل ديات وليس وجهه إلا ما تقرر من إناطة

 

ج / 4 ص -52-          الحكم فيها بالإفراد لا الجملة كما هنا "و" في "كل لحي" بفتح اللازم "نصف دية" كالأذنين "ولا يدخل أرش الأسنان" التي عليها وهي السفلى أثغرت أم لا "في دية اللحيين في الأصح" لاستقلال كل بنفع وبدل واسم خاص وبه فارق الكف مع الأصابع ولزوال منبت غير المثغرة بالكلية، "و" في "كل يد نصف دية" لخبر به في أبي داود "إن قطع من كف" يعني من كوع كما بأصله "فإن قطع فوقه فحكومة أيضا"، لأنه ليس بتابع إذ لا يشمله اسم اليد هنا بخلاف ما بعد الكوع لشمول اسم اليد له هذا إن اتحد القاطع وإلا فعلى الثاني، وهو القاطع ما عدا الأصابع حكومة "و" في قطع، أو إشلال "كل أصبع" عشر دية صاحبها موزعا على أنامله الثلاثة إلا الإبهام فعلى أنملتيه، ولو زادت الأنامل على العدد الغالب مع التساوي، أو نقصت قسط الواجب عليها وكذا الأصابع كما صرح به شارح هنا ويؤيده قولهم لو انقسمت أصابعه إلى ست متساوية قوة وعملا وأخبر أهل الخبرة بأنها أصلية فلها حكم الأصلية فقول الماوردي إنما لم يقسموا دية الأصابع عليها إذا زادت، أو نقصت كما في الأنامل بل أوجبوا في الأصبع الزائدة حكومة، لأن الزائدة من الأصابع متميزة ومن الأنامل غير متميزة فيه نظر بل هما فيه على حد سواء، لأنه نفسه كالأصحاب شرط في الأنامل التساوي فساوت الأصابع في أن في الزائد منها حكومة وغيره جزءا من الدية وإذا تقرر أن في كل أصبع عشر دية صاحبه ففي أصبع الذكر الحر المسلم "عشرة أبعرة و" في كل "أنملة" له "ثلث العشر و" في "أنملة إبهام" له "نصفها" عملا بالتقسيط الآتي "والرجلان كاليدين" في كل ما ذكر حتى الأنامل كما قالوه وذلك للخبر الصحيح به ولو تعددت اليد فإن علمت الزائدة لنحو قصر فاحش ففيها الحكومة وإلا تعرف الزائدة لاستوائهما في سائر ما يأتي أو للتعارض الآتي فهما كيد واحدة ففيهما القود أو الدية، لأنهما في الأولى أصليتان وفي الثانية مشتبهتان ولا مرجح فأعطيتا حكم الأصليتين وتجب مع كل حكومة لزيادة الصورة وتعرف الأصلية ببطش أو قوته، وإن انحرفت عن سمت الكف أو نقصت أصبعا وباعتدال فالمنحرفة الزائدة إلا إن زاد بطشها فهي الأصلية فإن تميزت إحداهما باعتدال والأخرى بزيادة أصبع فلا تمييز فإن استوتا بطشا ونقصت إحداهما وانحرفت الأخرى فالمنحرفة الأصلية كما رجحه الزركشي، أو زاد جرم إحداهما فهي الأصلية كما قاله الماوردي وفي أصبع، أو أنملة زائدة وتعرف بنحو انحراف عن سمت الأصلية كما تقرر حكومة ويأتي آخر السرقة ما له تعلق بذلك، "و" في قطع، أو إشلال "حلمتيها" أي المرأة "ديتها" ففي كل منهما وهي رأس الثدي نصف دية لتوقف منفعة الإرضاع عليهما وتدخل حكومة بقيته فيها "و" في "حلمتيه" أي الرجل ومثله الخنثى على تفصيل مرت الإشارة إليه "حكومة"، لأنه ليس فيها غير الجمال ولا تدخل فيها الثندوة من غير المهزول وهي ما حواليها من اللحم، لأنهما عضوان بخلاف بقية ثدي المرأة مع حلمتها.
تنبيه: قال الروياني ليس للرجل ثدي وإنما قطعة لحم في صدره انتهى وهذا قول في اللغة والثاني أنه يسمى ثديا أيضا، وعبارة القاموس خاص بالمرأة، أو عام وعرف الحلمة بأنها الثؤلول في وسط الثدي ويؤخذ من تقييده الحلمة بالثدي أن القائل بأن الرجل لا ثدي له يقول بأنه لا حلمة له.

 

ج / 4 ص -53-          "وفي قول دية" كالمرأة "وفي الأنثيين دية وكذا ذكر" غير أشل ففيه قطعا وإشلالا الدية للخبر الصحيح فيهما "ولو" كان الذكر "لصغير وشيخ وعنين" لكماله في نفسه "وحشفة كذكر" ففيها وحدها دية، لأن اللذة المقصودة منه بها وحدها "وبعضها" فيه "بقسطه منها" لكمال الدية فيها فقسطت على أبعاضها "وقيل من الذكر"، لأنه الأصل فإن اختل بقطع بعضها مجرى البول وجب الأكثر من قسط الدية وحكومة فساد المجرى "وكذا حكم" بعض "مارن وحلمة" ففي بعض كل قسطه منهما لا من القصبة والثدي "وفي الأليين" من الرجل وغيره وهما محل القعود "الدية" لعظم نفعهما وفي بعض أحدهما قسطه من النصف إن عرف وإلا فحكومة "وكذا شفراها" أي حرفا فرجها المنطبقان عليه فيهما قطعا وإشلالا الدية وفي كل نصفها "وكذا سلخ جلد" لم ينبت بدله فيه دية المسلوخ منه فإن نبت استردت، لأنه ليس محض نعمة جديدة لجريان العادة في نحو الجلد واللحم بذلك، ولا يعارضه قولهم إن عود فلقة من اللسان لا يسقط واجبها، لأنه نعمة جديدة وذلك، لأن اللسان ليس جلدا، ولا لحما بل جنس آخر، لأنه مركب من أعصاب ونحوها نعم قد ينافي ذلك قولهم سائر الأجسام لا يسقط واجبها بعودها، لأنه نعمة جديدة إلا الإفضاء وسن غير المثغور قلت لا ينافيه، لأن نحو الجلد هنا يلتئم كثيرا فهو كالإفضاء بخلاف غيره ويتردد النظر في عود الأليين وبعضهما والأوجه أنه لا عبرة كما شمله كلامهم المذكور وقياس ما مر في سن غير المثغور أنه إن بقي شين بعد عود الجلد وجبت حكومة وإلا فلا "إن بقي فيه حياة مستقرة"، وهو نادر وليس منه تمزع الجلد بحرارة "و" مات بسبب آخر غير السلخ بأن "حز غير السالخ رقبته" بعد السلخ، أو مات بنحو هدم، أو حز السالخ واختلفت الجنايتان عمدا وغيره وإلا فالواجب دية النفس وتجب الدية أيضا بقطع اللحمين الناتئين بجنب سلسلة الظهر كالأليين وفي كسر عضو، أو ترقوة حكومة ويحط من دية العضو ونحوه بعض جرم له مقدر وواجب جناية غيره.
فرع: في موجب إزالة المنافع وهي ثلاثة عشر:
"في" إزالة "العقل" الغريزي والمراد به هنا العلم بالمدركات الضرورية الذي به التكليف بنحو لطمة "دية" كالتي في نفس المجني عليه وكذا في سائر ما مر ويأتي إجماعا لا القود للاختلاف في محله وإن كان الأصح عندنا كأكثر أهل العلم أنه في القلب للآية وإنما زال بفساد الدماغ لانقطاع مدده الصالح الواصل إليه من القلب فلم ينشأ زواله حقيقة إلا من فساد القلب أما المكتسب وهو ما به حسن التصرف والحلق ففيه حكومة لا تبلغ دية الغريزي وكذا بعض الأول إن لم ينضبط فإن انضبط بالزمن أو بمقابلة المنتظم بغيره فالقسط، ولو توقع عوده وقدر له خبيران مدة يعيش إليها غالبا انتظر فإن مات قبل العود وجبت الدية كما في البصر والسمع "فإن زال بجرح له أرش" مقدر كالموضحة "أو حكومة وجبا" أي الدية والأرش، أو الحكومة كما لو أوضحه فذهب سمعه "وفي قول يدخل الأقل في الأكثر" كأرش الموضحة وكذا إن تساويا كأرش اليدين كما لا يجمع بين واجب الجناية على الحدقة وواجب الضوء ويجاب باتحاد المحل هنا يقينا

 

ج / 4 ص -54-          بخلاف ما نحن فيه، "ولو ادعي" بالبناء للمفعول لعدم صحة الدعوى من المجنون وإنما تسمع من وليه أو للفاعل وحذف للعلم به إذ من الواضح أن المجنون لا يصح ذلك منه بل من وليه فزعم تعين الأول وأن الثاني خطأ هو الخطأ "زواله" لم تسمع دعواه إلا إن كان مثل تلك الجناية مما يزيده عادة وإلا حمل على الاتفاق كالموت من ضربة بقلم خفيف وإذا سمعت دعواه وأنكر الجاني اختبر المجني عليه في غفلاته إلى أن يغلب على الظن صدقه، أو كذبه "فإن لم ينتظم" بالبينة، أو بعلم القاضي "قوله وفعله في خلواته فله دية" لقيام القرينة الظاهرة على صدقه "بلا يمين"، لأنها تثبت جنونه والمجنون لا يحلف نعم إن كان يجن وقتا ويفيق وقتا حلف زمن إفاقته، وإن انتظما فلا دية لظن كذبه وحلف الجاني لاحتمال أنهما صدرا اتفاقا، أو عادة وترد ديته كسائر المعاني بعوده وخرج بزواله نقصه فيحلف مدعيه إذ لا يعلم إلا منه، "وفي" إبطال "السمع دية" إجماعا ولأنه أشرف الحواس حتى من البصر عند أكثر الفقهاء، لأنه المدرك للشرع الذي به التكليف وكفى بهذا تميزا ولأن المعرفة به من سائر الجهات وفي كل الأحوال والبصر يتوقف على جهة المقابلة وتوسط شعاع أو ضياء وزعم المتكلمين أشرفيته على السمع بقصر إدراكه على الأصوات وذلك يدرك الأجسام والألوان والهيئات يرد بأن كثرة هذه التعلقات فوائدها دنيوية لا معول عليها، ولذا تجد من خلق أصم كالحجر الملقى، وإن تمتع في نفسه بمتعلقات بصره والأعمى في غاية الكمال الفهمي والعلم الذوقي، وإن نقص تمتعه الدنيوي "و" في إزالته "من أذن نصف" من الدية لا لتعدده بل، لأن ضبط النقص بالمنفذ أولى وأقرب منه بغيره "وقيل قسط النقص" من الدية ورد بأن السمع واحد كما تقرر بخلاف البصر فإنه متعدد بتعدد الحدقة جزما ومحل وجوب الدية هنا حيث لم يشهد خبيران ببقائه في مقره ولكن ارتتق داخل الأذن وإلا فحكومة دون الدية إن لم يرج فتقه وإلا بأن رجي في مدة يعيش إليها غالبا كما في نظائره، وإن أمكن الفرق بأنه زال في تلك لا هذه فلا شيء "ولو أزال أذنيه وسمعه فديتان"، لأنه ليس في جرم الأذنين بل في مقرهما من الرأس كما مر "ولو ادعى" المجني عليه "زواله و" أنكر الجاني اختبر بنحو صوت مزعج مهول متضمن للتهديد في غفلاته حتى يعلم صدقه، أو كذبه "فإن انزعج لصياح" أو نحو رعد "في نوم وغفلة فكاذب" ظنا بمقتضى هذه القرينة ولكن يحتمل الموافقة فلذا يحلف الجاني أنه باق، ولا يكفيه أنه لم يزل من جنايتي، لأن التنازع في ذهابه وبقائه لا في ذهابه بجنايته أو جناية غيره والأيمان لا يكتفي فيها باللوازم "وإلا" ينزعج "حلف" لاحتمال تجلده، ولا بد من تعرضه في حلفه لذهاب سمعه من جناية هذا "وأخذ دية" وينتظر عوده إن شهد به خبيران بعد مدة يظن أنه يعيش إليها وكذا البصر ونحوه كما مر "وإن نقص" السمع من الأذنين "فقسطه" أي النقص من الدية "إن عرف" قدره منه، أو من غيره بأن عرف، أو قال إنه كان يسمع من كذا فصار يسمع من نصفه ويحلف في قوله ذلك، لأنه لا يعرف إلا منه "وإلا" يعرف قدر النسبة "فحكومة" تجب فيه "باجتهاد قاض" لتعذر الأرش، ولا تسمع دعوى النقص هنا وفي جميع ما يأتي إلا إن عين المدعي قدر النقص وطريقه أن يعين المتيقن نعم لو ذكر قدرا فدل الامتحان على

 

ج / 4 ص -55-          أكثر منه فيظهر أنه لا يجب له إلا ما ذكره ما لم يجدد دعوى في الثاني ويطلبه "وقيل يعتبر سمع قرنه" بفتح فسكون، وهو من سنه كسنه، لأنه أقرب "في صحته ويضبط التفاوت" بين سمعيهما ويؤخذ بنسبته من الدية ويرد بأن الانضباط في ذلك بعيد فلم يعول عليه "وإن نقص" السمع "من أذن سدت وضبط منتهى سماع الأخرى ثم عكس ووجب قسط التفاوت" من الدية فإن كان بين مسافتي السامعة والأخرى النصف فله ربع الدية، لأنه أذهب ربع سمعه فإن لم ينضبط فحكومة كما علم مما مر، "وفي" إبطال "ضوء كل عين"، ولو عين أخفش، وهو من يبصر ليلا فقط وأعشى، وهو من يبصر نهارا فقط لما مر أن من بعينه بياض لا ينقص الضوء يكمل فيها الدية "نصف دية" كالسمع.
"تنبيه" لو أعشاه بأن جنى عليه فصار يبصر نهارا فقط لزمه نصف دية توزيعا على إبصاره بها نهارا وليلا، وإن أخفشه بأن صار يبصر ليلا فقط لزمته حكومة على ما في الروض وأقره شارحه، وهو مشكل بما قبله إلا أن يفرق بأن عدم الإبصار ليلا يدل على نقص حقيقي في الضوء إذ لا معارض له حينئذ بخلاف عدمه نهارا فإنه لا يدل على ذلك بل على ضعف قوة ضوئه على أن تعارض ضوء النهار فلم تجب فيه إلا حكومة.
"فلو فقأها" بالجناية المذهبة للضوء "لم تزد" لها حكومة، لأن الضوء في جرمها "وإن ادعى" المجني عليه "زواله" وأنكر الجاني "سئل" أولا "أهل الخبرة" هنا، ولا يمين إلا في السمع إذ لا طريق لهم فيه وهنا لهم طريق فيه بقلب حدقته إلى الشمس مثلا فيعرفون هل فيها قوة الضوء، أو لا فإن قلت مر أنه يعول على إخبارهم ببقاء السمع في مقره وعلى تقدير مدة لعوده وذلك ظاهر في أن لهم طريقا فيه قلت لا يلزم من أن لهم طريقا إلى بقائه الدال عليه نوع من الإدراك، أو عوده بعد زواله الدال عليه الامتحان أن لهم طريقا إلى زواله بالكلية إذ لا علامة عليه غير الامتحان فعمل به دون سؤالهم بخلاف البصر يعرف زواله بسؤالهم وبالامتحان بل الأول أقوى ومن ثم قال "أو يمتحن" بعد فقد خبيرين منهم، أو توقفهم عن الحكم بشيء "بتقريب" نحو "عقرب، أو حديدة من عينه بغتة وينظر هل ينزعج" فيحلف الجاني لظهور كذب خصمه، أو لا فيحلف الخصم لظهور صدقه وحمل أو على التنويع الذي ذكرته هو المعتمد الذي ذكره البلقيني وغيره بل قال الأذرعي المذهب تعين سؤالهم ا هـ. وذلك لضعف الامتحان إذ يعلو البصر أغشية تمنع انتشار الضوء مع وجوده فتعين أنه لا يرجع إليه إلا بعد تعذر أهل الخبرة ومن ثم ضعف في الشرح الصغير ما في المتن تبعا للمتولي أن الخبرة للحاكم "وإن نقص فكالسمع" ففي نقص البصر من العينين معا إن عرف بأن كان يرى لحد فصار يرى لنصفه قسطه وإلا فحكومة ومن عين تعصب هي ويوقف شخص في محل يراه ويؤمر بالتباعد حتى يقول لا أراه فتعرف المسافة ثم تعصب الصحيحة وتطلق العليلة ويؤمر بأن يقرب راجعا إلى أن يراه فيضبط ما بين المسافتين ويجب قسطه من الدية ولو اتهم بزيادة الصحيحة ونقص العليلة امتحن في الصحيحة بتغيير ثياب ذلك الشخص وبالانتقال لبقية الجهات فإن تساوت الغايات فصادق وإلا فلا ويأتي نحو ذلك في السمع وغيره لكنهم في السمع صوروه بأن يجلس بمحل

 

ج / 4 ص -56-          ويؤمر برفع صوته من مسافة بعيدة عنه بحيث لا يسمعه ثم يقرب منه شيئا فشيئا إلى أن يقول سمعته فيعلم وهذا يخالف ما مر في تصوير البصر من أمره بالتباعد أولا في محل يراه فيحتمل أن ذلك تصوير فقط ويحتمل أنه تقييد ويفرق بأن البصر يحصل له عند البعد تفرق وانتشار فلا يتيقن أول رؤية حينئذ فأمر فيه بالقرب أولا لتتيقن الرؤية ويزول احتمال التفرق بخلاف السمع فإنه إذا حصل فيه طنين ثم أمر بالتباعد فيستصحب ذلك الطنين القار فيه فلا ينضبط منتهاه يقينا بخلاف ما إذا قرع السمع أولا وضبط فإنه يتيقن منتهاه فعملوا في كل منهما بالأحوط فيه فتأمله.
"وفي الشم دية على الصحيح" كالسمع ففي إذهابه من أحد المنخرين نصف دية، ولو نقص فقسطه إن أمكن وإلا فحكومة ويأتي في الارتتاق هنا ما مر في السمع، ولو ادعى زواله امتحن فإن هش أو عبس حلف الجاني وإلا حلف هو، ولا يسأل الخبراء هنا لما مر في السمع، "وفي" إبطال "الكلام دية" كما عليه أكثر أهل العلم ويأتي هنا في الامتحان وانتظار العود ما مر وفي إحداث عجلة، أو نحو تمتمة حكومة، وهو من اللسان كالبطش من اليد فلا تجب زيادة لقطع اللسان وكون مقطوعه قد يتكلم نادر جدا فلا يعول عليه نعم يرد على التشبيه أن في قطع اليد التي ذهب بطشها الدية بخلاف اللسان الذي ذهب كلامه وقد يفرق بأنه لا جمال في هذا حتى تجب في مقابلته بخلاف تلك فوجبت لجمالها كأذن مشلولة خلقة "وفي بعض الحروف بقسطه" إن بقي له كلام مفهم وإلا فالدية لزوال منفعة الكلام "و" الحروف "الموزع عليها ثمانية وعشرون حرفا في لغة العرب" فلكل حرف ربع سبع الدية وأسقطوا "لا" لتركبها من الألف واللام واعتبار الماوردي لها والنحاة للألف والهمزة ضعيف أما الأول فلما ذكر وأما الثاني فلأن الألف تطلق على أعم من الهمزة والألف الساكنة وبه صرح سيبويه فاستغنوا بالهمزة عن اللينة لاندراجها فيها وتوزع في لغة غير العرب إذا كان المجني عليه منهم على حروفها قلت أو كثرت كأحد وعشرين في لغة وأحد وثلاثين في أخرى ولو تكلم بهاتين وزع على أكثرهما "وقيل لا توزع على الشفهية" وهي الباء والفاء والميم والواو "والحلقية" وهي الهمزة والهاء والعين والغين والحاء والخاء بل على اللسانية، لأنها التي بها النطق ورد بمنع ذلك بل كمال النطق مركب من جميعها ففي بعض كل من تينك قسطه من الدية ولو أذهب حرفا له فعاد له حرف لم يكن يحسنه وجب للذاهب قسطه من الحروف التي يحسنها قبل الجناية "ولو عجز عن بعضها خلقة، أو بآفة سماوية" وله كلام مفهم فجنى عليه فذهب كلامه "فدية" لوجود نطقه وضعفه لا يمنع كمال الدية فيه كضعف البطش والبصر "وقيل" فيه "قسط" من الدية وفارق ضعف نحو البطش بأنه لا يقدر غالبا والنطق يتقدر بالحروف ويرد بأنه حيث بقي كلام مفهم بقي مقصود الكلام فلم يحتج لذلك التقدير ", أو" عجز عن بعضها "بجناية فالمذهب لا يكمل" فيها "دية" لئلا يتضاعف الغرم فيما أبطله الجاني الأول وقضيته أنه لا أثر لجناية الحربي، وهو متجه، وإن قال الأذرعي لا أحسبه كذلك ويتردد النظر في السيد هل يلحق بالحربي، لأنه غير ضامن لقنه، أو يفرق بأنه ملتزم وإنما منع من تغريمه مانع، ولا كذلك الحربي كل محتمل

 

ج / 4 ص -57-          والتعليل المذكور يرجح الأول "ولو قطع نصف لسانه فذهب ربع" أحرف "كلامه، أو عكس فنصف دية" اعتبارا بأكثر الأمرين المضمون كل منهما بالدية، لأنه لو انفرد لكان ذلك واجبه فدخل فيه الأقل ومن ثم اتجه دخول المساوي فيما إذا قطع النصف فذهب النصف ولو قطع بعض لسانه فذهب كلامه وجبت الدية، لأنها إذا وجبت بذهابه بلا قطع فمع قطع أولى، أو فلم يذهب شيء من كلامه وجبت الحكومة إذ لو وجب القسط لوجبت الدية الكاملة في لسان الأخرس وقيل القسط وعليه كثيرون، "وفي" إبطال "الصوت دية" إن بقيت قوة اللسان بحالها لخبر فيه وتأويله بأن المراد بالصوت فيه الكلام يحتاج دليل وزعم البلقيني أن ذلك يكاد أن يكون خرقا للإجماع لا يلتفت إليه "فإن أبطل معه حركة لسانه فعجز عن التقطيع والترديد فديتان" لاستقلال كل منهما بدية لو انفرد "وقيل دية" وانتصر لترجيحه الأذرعي وغيره وفارق إذهاب النطق بالجناية على سمع صبي فتعطل لذلك نطقه، لأنه بواسطة سماعه وتدرجه فيه بأن اللسان هنا سليم، ولم تقع عليه جناية أصلا بخلاف إبطال حركته المذكورة "وفي" إبطال "الذوق دية" كالسمع ويمتحن إن أنكر الجاني بالأشياء الحادة والمرة وغيرها حتى يظن صدقه وكذبه نظير ما مر، ولو أبطل معه نطقه أو حركة لسانه السابقة فديتان على ما قاله جمع متقدمون ونقله الرافعي في موضع عن المتولي وأقره لكنه إنما يتأتى على الضعيف أن الذوق في طرف الحلق لا في اللسان، لأنه قد يبقى مع قطعه حيث لم يستأصل قطع عصبه أما على المشهور وبه جزم الرافعي في موضع أنه في طرف اللسان فلا تجب إلا دية واحدة للسان كما لو قطعه فذهب نطقه، لأنه منه كالبطش من اليد كما مر ومن ثم كان الأوجه فيمن قطع الشفتين فزالت الميم والباء أنه لا يجب لهما أرش، لأنهما منهما كالبطش من اليد أيضا "وتدرك به حلاوة وحموضة ومرارة وملوحة وعذوبة"، ولم ينظر والزيادة بعض الأطباء ثلاثة عليها لدخولها فيها كالحرافة مع المرارة والعفوصة مع الحموضة "وتوزع" الدية "عليهن" ففي كل خمسها "فإن نقص" إدراكه الطعوم على كمالها "فحكومة" إن لم يتقدر وإلا فقسطه "وتجب الدية في" إبطال "المضغ" بأن يجني على أسنانه فتنحدر وتبطل صلاحيتها للمضغ، أو بأن يتصلب مغرس اللحيين فتمتنع حركتهما مجيئا وذهابا، لأنه المنفعة العظمى للأسنان وفيها الدية فكذا منفعتها كالبصر مع العين والبطش مع اليد فإن نقص فحكومة "وفي" إبطال "قوة إمناء بكسر صلب" لفوات المقصود الأعظم وهو النسل واعترضه البلقيني بأنه لا يلزم من إذهاب قوة إنزاله إذهاب نفسه، لأن طريقه قد ينسد مع بقائه فهو كارتتاق محل السمع ويجاب بمنع نفي التلازم الذي ذكره وبفرضه يفرق بين هذا والسمع بأنه للطفه يمكن انسداد طريقه ثم عوده، ولا كذلك المني، لأنه لكثافته إذا سدت طريقه يفسد ويستحيل إلى الأخلاط الرديئة فلا يتوقع عوده، ولا صلاحه أصلا فلو قطع أنثييه فذهب منيه لزمه ديتان "و" في إبطال "قوة حبل" من المرأة، أو إحبال من الرجل لفوات النسل أيضا وقيده الأذرعي بما إذا لم يظهر للأطباء أنه عقيم وفيه وقفة "و" في "ذهاب" لذة "جماع"، ولو مع بقاء المني وسلامة الصلب والذكر، لأنه من المنافع المقصودة ومثله إذهاب لذة الطعام، أو سد مسلكه ففي كل دية ويصدق المجني عليه في ذهاب كل منهما ما

 

ج / 4 ص -58-          عدا الأخيرة كما هو ظاهر بيمينه، لأنه لا يعرف إلا منه ما لم يقل الخبراء إن مثل جنايته لا تذهب ذلك، "وفي إفضائها" أي المرأة "من الزوج و" كذا من "غيره" بوطء شبهة، أو زنا أو أصبع، أو خشبة "دية" لها وخرج بإفضائها إفضاء الخنثى ففيه حكومة "وهو" أي الإفضاء "رفع ما بين مدخل ذكر ودبر" فيصير سبيل الجماع والغائط واحدا لفوات المنفعة به بالكلية فإن لم يستمسك الغائط فحكومة أيضا "وقيل" رفع ما بين مدخل "ذكر و" مخرج "بول" وهو ضعيف، وإن جزما به في محل آخر فعلى الأول في هذا حكومة وعلى الثاني بالعكس وقال الماوردي بل عليه تجب الدية في الأول بالأولى فإن لم يستمسك البول فحكومة أيضا فإن أزالهما فدية، وحكومة وصحح المتولي أن في كل دية، لأنه يخل بالتمتع، ولو التحم وعاد لما كان فلا دية بل حكومة وفارق التحام الجائفة بأن المدار هناك على الاسم وهنا على فوات المقصود وبالعود لم يفت "فإن لم يمكن الوطء" من الزوج للزوجة "إلا بإفضاء" لكبر آلته أو ضيق فرجها "فليس للزوج" الوطء، ولا لها تمكينه لإفضائه إلى محرم "ومن لا يستحق افتضاضها" أي البكر بالفاء والقاف "فإن أزال البكارة بغير ذكر" كأصبع، أو خشبة "فأرشها" يلزمه، وهو الحكومة الآتية نعم إن أزالتها بكر وجب القود "أو بذكر لشبهة" منها كظنها كونه حليلها "أو مكرهة"، أو نحو مجنونة "فمهر مثل" يجب لها حال كونها "ثيبا وأرش البكارة" يلزمه لها، وهو الحكومة، ولم تدخل في المهر، لأنه لاستيفاء منفعة البضع وهي لإزالة تلك الجلدة فهما جهتان مختلفتان أما لو كان بزنا وهي حرة مطاوعة فلا شيء، أو أمة فلا مهر إذ لا مهر لبغي بل حكومة، لأنها لفوات جزء من بدنها وهو للسيد "وقيل مهر بكر"، لأن القصد التمتع وتلك الجلدة تذهب ضمنا ويرده ما تقرر من أنهما جهتان مختلفتان ومر آخر خيار البيع ما له تعلق بهذا "ومستحقه" أي الافتضاض، وهو الزوج "لا شيء عليه" وإن أزاله بغير الذكر، لأنه مأذون له في استيفائه، وإن أخطأ في طريقه "وقيل إن أزال بغير ذكر فأرش"، لأنه لما عدل عما أذن له صار كأجنبي ويرد بمنع ذلك كما هو واضح، "وفي" إبطال "البطش" بأن ضرب يديه فزالت قوة بطشهما "دية"، لأنه من المنافع المقصودة "وكذا المشي" في إبطاله بنحو كسر الصلب مع سلامة الرجلين دية لذلك وإنما يؤخذان بعد اندمال إذ لو عادا لم يجب إلا حكومة إن بقي شين "و" في "نقصهما" يعني في نقص كل على حدته "حكومة" بحسب النقص قلة وكثرة نعم إن عرفت نسبته وجب قسطه من الدية "ولو كسر صلبه فذهب مشيه وجماعه" أي لذته "أو" فذهب مشيه "ومنيه فديتان" لاستقلال كل بدية لو انفرد مع اختلاف محليهما وفي قطع رجليه وذكره حينئذ ديتان أيضا، لأنهما صحيحان ومع سلامة الرجلين، أو الذكر لا حكومة لكسر الصلب، لأن له دخلا في إيجاب الدية ومع إشلالهما تجب، لأن الدية للإشلال فأفرد حينئذ بحكومة "وقيل دية" بناء على أن الصلب محل المشي لابتدائه منه ويرد بمنع ذلك كما هو مشاهد.
فرع: في اجتماع جنايات مما مر على شخص واحد والديات في الإنسان تبلغ سبعا وعشرين بل أكثر كما يعلم مما مر المندفع به ما لبعضهم هنا.

 

ج / 4 ص -59-          إذا "أزال" جان "أطرافا" كأذنين ويدين ورجلين "ولطائف" كعقل وسمع وشم "تقتضي ديات فمات سراية" من جميعها كما بأصله وأومأ إليه بالفاء فلا اعتراض عليه "فدية" واحدة تلزمه، لأن الجناية صارت نفسا وخرج بجميعها ما لو اندمل بعضها فلا يدخل واجبه في دية النفس "وكذا لو حزه الجاني قبل اندماله" لا تجب إلا دية واحدة إن اتحد الجز والفعل الأول عمدا، أو غيره "في الأصح" لوجوب دية النفس قبل استقرار ديات غيرها فتدخل فيها كالسراية إذ لا تستقر إلا باندمالها ومن ثم لو حزه بعد الاندمال وجبت ديات غيرها قطعا "فإن حزه" الجاني قبل الاندمال "عمدا والجناية" بإزالة ما ذكر "خطأ"، أو شبه عمد "أو عكسه" بأن حز خطأ، أو شبه عمد والجناية عمد وكذا لو حز خطأ والجناية شبه عمد و عكسه "فلا تداخل في الأصح" بل يجب كل من واجب النفس والأطراف لاختلافهما حينئذ باختلاف حكمهما "ولو حز" رقبته قبل الاندمال "غيره" أي غير الجاني تلك الجنايات، أو مات بالسقوط من نحو سطح كما أفتى به البلقيني وفرق بينه وبين ما مر من اعتبار التبرع في المرض المخوف من الثلث لو مات بها بأن التبرع صدر عند الخوف من الموت فاستمر حكمه "تعددت" الجنايات فلا تداخل، لأن فعل الإنسان لا يبنى على فعل غيره وفارق هذا قطع أعضاء حيوان مات بسرايتها، أو بقتله حيث تجب قيمته يوم موته ولا يندرج فيها ما وجب في أعضائه بأنه مضمون بما نقص، وهو يختلف بالكمال وضده والآدمي مضمون بمقدر، وهو لا يختلف بذلك مع أن الغالب على ضمانه التعبد.

فصل في الجناية التي لا تقدير لأرشها
وفي الجناية على الرقيق وتأخيره إلى هنا أولى من تقديم الغزالي له أول الباب.
"تجب الحكومة فيما" أي جرح أو نحوه أوجب مالا من كل ما "لا مقدر فيه" من الدية، ولا تعرف نسبته من مقدر وإلا بأن كان بقربه موضحة، أو جائفة وجب الأكثر من قسطه وحكومة على المعتمد كما مر وسميت حكومة لتوقف استقرارها على حكم الحاكم أي أو المحكم فيما يظهر ومن ثم لو اجتهد فيه غيره لم يستقر "وهي جزء" من عين الدية "نسبته إلى دية النفس"، لأنها الأصل "وقيل إلى عضو الجناية"، لأنه أقرب ويرد بأنه لا عبرة بالقرب مع وجود ما هو الأصل المعول عليه في ذلك وغيره ومحل الخلاف في عضو له مقدر وإلا كصدر وفخذ اعتبرت من دية النفس قطعا "نسبة" أي مثل نسبة "نقصها" أي ما نقص بالجناية "من قيمته" إليها "لو كان رقيقا بصفاته" التي هو عليها إذ الحر لا قيمة له فتعين فرضه قنا مع رعاية صفاته حتى يعلم قدر الواجب في تلك الجناية فإذا كانت قيمته بدونها عشرة وبها تسعة وجب عشر الدية والتقويم بالنقد ويجوز بالإبل لكن في الحر ففي الحكومة في القن الواجب النقد قطعا وتجب الحكومة في الشعور، وإن لم يكن فيها جمال لكن بشرط فساد منبتها وإلا فالتعزير، ولا قود في نتفها، لأنه لا ينضبط وقد لا تعتبر النسبة كما لو قطع أنملة لها طرف زائد فإنه يجب دية أنملة وحكومة للزائدة باجتهاد القاضي، ولا تعتبر النسبة لعدم إمكانها واستشكله الرافعي بأنه

 

ج / 4 ص -60-          يجوز أن يقوم وله الزائد بلا أصلية ثم يقوم دونها كما فعل في السن الزائدة أو تعتبر بأصلية كما اعتبرت لحية المرأة بلحية الرجل ولحيتها كالأعضاء الزائدة ولحيته كالأعضاء الأصلية. ا هـ وقيس بالأنملة فيما ذكر نحوها كالأصبع ولك أن تجيب بأن زائدة الأنملة أو الأصبع لا عمل لها غالبا، ولا جمال فيها، وإن فرض فقد الأصلية بخلاف السن الزائدة فإنه كثيرا ما يكون فيها جمال بل ومنفعة كما يأتي وبأن جنس اللحية فيها جمال فاعتبر في لحية المرأة، ولا كذلك زائدة الأنملة، أو الأصبع "فإن كانت" الحكومة "لطرف" مثلا وخص بالذكر، لأنه الغالب "له مقدر"، أو تابع لمقدر أي لأجل الجناية عليه "اشترط أن لا تبلغ" الحكومة "مقدرة" لئلا تكون الجناية عليه مع بقائه مضمونة بما يضمن به العضو نفسه فتنقص حكومة جرح أنملة عن ديتها وجرح الأصبع بطوله عن ديته وقطع كف بلا أصابع وجرح بطنها أو ظهرها عن دية الخمس لا بعضها وجرح البطن عن جائفة وجرح الرأس عن أرش موضحة فإن بلغه نقص سمحاق ونقص متلاحمة نقص كل منهما عنه ونقص السمحاق عن المتلاحمة لئلا يستويا مع تفاوتهما "فإن بلغته" أي الحكومة مقدر ذلك العضو، أو متبوعه "نقص القاضي شيئا" منه "باجتهاده" أكثر من أقل متمول على الأوجه، لأن أقله لا يلتفت إليه لوقوع التغابن والمسامحة به عادة وذلك لئلا يلزم المحذور السابق، "أو" كانت الجناية بمحل "لا تقدير فيه"، ولا تابع لمقدر كما مر "كفخذ" وكتف وظهر وعضد وساعد "ف" الشرط "أن لا تبلغ" الحكومة "دية نفس" في الأولى، أو متبوعه في الثانية، وإن بلغت الأولى دية عضو مقدر، أو زادت فإن بلغت ذلك نقص القاضي منه كما مر "و" إنما "يقوم" المجني عليه لمعرفة الحكومة "بعد اندماله" أي اندمال جرحه، لأن الجناية قبله وقد تسري إلى النفس، أو إلى ما فيه مقدر فيكون هو واجب الجناية "فإن لم يبق" بعد الاندمال "نقص" في الجمال، ولا في المنفعة، ولا تأثرت به القيمة "اعتبر أقرب نقص" فيه من حالات نقص قيمته "إلى" وقت "الاندمال" لئلا تحبط الجناية "وقيل يقدره قاض باجتهاده" ويوجب شيئا حذرا من إهدار الجناية "وقيل لا غرم" كما لو تألم بضربة ثم زال الألم، ولو لم يظهر نقص إلا حال سيلان الدم اعتبرت القيمة حينئذ فإن لم تؤثر الجناية نقصا حينئذ أوجب فيه القاضي شيئا باجتهاده على الأوجه وإنما لم يجب في نحو اللطمة شيء، لأن جنسها لا يقتضي نقصا أصلا قيل قضية المتن أنه لو لم يكن هناك نقص أصلا كلحية امرأة أزيلت وفسد منبتها وسن زائدة لا شيء فيه وليس كذلك بل تقدر لحيتها كلحية عبد كبير لتزين بها ويقدر في السن وله سن زائدة نابتة فوق الأسنان وليس خلفها أصلية ثم يقوم مقلوعها ليظهر التفاوت، لأن الزائدة تسد الفرجة ويحصل بها نوع جمال ويجاب بمنع أن قضية ذلك نظرا للجنس الذي قدمته في جواب إشكال الرافعي "والجرح المقدر" أرشه "كموضحة يتبعه الشين" ومر بيانه في التيمم "حواليه" إن كان بمحل الإيضاح فلا يفرد بحكومة، لأنه لو استوعب جميع محله بالإيضاح لم يلزمه إلا أرش موضحة نعم إن تعدى شينها للقفا مثلا أفرد وكذا لو أوضح جبينه فأزال حاجبه فعليه الأكثر من أرش موضحة حكومة الشين وإزالة الحاجب وكالموضحة المتلاحمة نظرا إلى أن أرشها مقدر بالنسبة للموضحة وإنما

 

ج / 4 ص -61-          يتضح بناء على ما مر أنه يجب فيها قضية هذه النسبة فعلى المعتمد أن الواجب فيها الأكثر يظهر أن يقال إن كان الأكثر النسبة فهي كالموضحة أو الحكومة فلا وعلى هذا التفصيل يحمل قوله "وما لا يتقدر" أرشه "يقدر" الشين حوله "بحكومة في الأصح" لضعف الحكومة عن الاستتباع بخلاف الدية وقضية إفراد الشين بحكومة غير حكومة الجرح بل من ضرورياته إذ لا يتأتى بغير ما تذكره أنه يقدر سليما بالكلية ثم جريحا بدون الشين ويجب ما بينهما من التفاوت فهذه حكومة للجرح ثم يقدر جريحا بلا شين ثم جريحا بشين ويجب ما بينهما من التفاوت، وهذه حكومة للشين وفائدة إيجاب حكومتين كذلك أنه لو عفي عن إحداهما بقيت الأخرى وأنه يجوز بلوغ مجموعهما للدية، لأن الذي يجب نقصه عنها كل منهما على انفراد لا مجموعهما فلا إشكال في ذلك حكما، ولا تصويرا "و" يجب "في نفس الرقيق" المتلف ولو مكاتبا وأم ولد وجعله أثر بحث الحكومة لاشتراكهما في التقدير ولذا قال الأئمة القن أصل الحر في الحكومة والحر أصل القن فيما يتقدر منه "قيمته" بالغة ما بلغت كسائر الأموال المتلفة "وفي غيرها" أي النفس من الأطراف واللطائف ولم يكن تحت يد عادية ولا مبيعا قبل قبضه لما مر فيهما "ما نقص من قيمته" سليما "إن لم يتقدر" ذلك الغير "في الحر" نعم نقل البلقيني عن المتولي أنه لو كان أكثر من متبوعه، أو مثله لم يجب كله بل يوجب القاضي حكومة باجتهاده لئلا يلزم المحذور السابق قال وهذا تفصيل لا بد منه وإطلاق من أطلق محمول عليه وفيه نظر ظاهر، لأن النظر في القن أصالة إلى نقص القيمة حتى في المقدر على قول فلم ينظروا في غيره لتبعية، ولم يلزم عليه ذلك الفساد الذي في الحر فتأمله "وإلا" بأن يقدر في الحر كموضحة وقطع طرف "فنسبته" أي مثلها من الدية "من قيمته" ففي يده نصفها وموضحته نصف عشرها "وفي قول لا يجب" هنا "إلا ما نقص" أيضا، لأنه مال فأشبه البهيمة، "ولو قطع ذكره وأنثياه ففي الأظهر" تجب "قيمتان" كما تجب فيهما من الحر ديتان نعم لو جنى عليه اثنان وقيمته ألف وقطع كل منهما يدا، وجناية الثاني قبل اندمال الأولى ثم اندملت لزم الثاني مائتان وخمسون نصف ما لزم الأول لا أربعمائة لو صار بالقطع الأول يساوي ثمانمائة، لأن الجناية الأولى لم تستقر وقد أوجبنا فيها نصف القيمة فكأن الأول انتقص نصفها وبه اندفع قول البلقيني أن هذا لا يظهر وجهه "والثاني يجب ما نقص" من قيمته لما مر "فإن لم ينقص" على الضعيف "فلا شيء" وخرج بالرقيق المبعض ففي مقدره بالنسبة من الدية والقيمة ففي يد من نصفه حر ربع ديته وربع قيمته وفي أصبعه نصف عشر ديته ونصف عشر قيمته ذكره الماوردي، ولم يبين حكم غير المقدر فيحتمل أن يقال نقدره ابتداء كله رقيقا، لأن به تحصل معرفة الحكومة والنقص فإذا كان النقص عشر القيمة مثلا وجب فيمن نصفه حر نصف عشر الدية ونصف عشر القيمة وأن يقال يفرد كل جزء بحكمه فيقدر نصفه الحر قنا وحده ونوجب ما يقابل نصف الجناية من الدية ويقوم نصفه القن وحده ونوجب نصف ما نقصته الجناية منه وهذا أقعد بل وأولى إذ تقويم كل وحده يستلزم اعتبار قيمة النصف وتقويم الكل يستلزم اعتبار نصف القيمة والأول أقل فهو المحقق.

 

ج / 4 ص -62-          باب موجبات الدية غير ما مر
"والعاقلة" عطف على موجبات "والكفارة" للقتل يصح عطفه على كل وجناية القن والغرة ومر أن الزيادة على ما في الترجمة غير معيب إذا "صاح" بنفسه أو بآلة معه "على صبي لا يميز" أو مجنون أو معتوه أو نائم أو ضعيف عقل ولم يحتج لذكرهم لأنهم في معنى غير المميز بل المميز غير المتيقظ مثلهم كما أفهمه قوله الآتي ومراهق متيقظ كبالغ وهو واقف أو جالس أو مضطجع أو مستلق "على طرف سطح" أو شفير بئر أو نهر صيحة منكرة "فوقع" عقبها "بذلك" الصياح وحذف تقييد أصله بالارتعاد تنبيها على أن ذكره لكونه يغلب وجوده عقب هذه الحالة لا لكونه شرطا إذ المدار على ما يغلب على الظن كون السقوط بالصياح "فمات" منها وحذفها لدلالة فاء السببية عليها لكن الفورية التي أشعرت بها غير شرط إن بقي الألم إلى الموت "فدية مغلظة على العاقلة" لأنه شبه عمد لا قود لانتفاء غلبة إفضاء ذلك إلى الموت لكنه لما كثر إفضاؤه إليه أحلنا الهلاك عليه وجعلناه شبه عمد ولو لم يمت بل ذهب مشيه أو بصره أو عقله مثلا ضمنته العاقلة كذلك أيضا بأرشه المار فيه، وخرج بقوله على صبي صياحه على غيره الآتي، وبطرف سطح نحو وسطه إلا أن يكون الطرف أخفض منه بحيث يتدحرج الواقع به إليه فيما يظهر "وفي قوله قصاص" فإن عفي عنه فدية مغلظة على الجاني لغلبة تأثيره وأجيب بمنع ذلك "ولو كان" غير المميز ونحوه "بأرض" ولو غير مستوية فصاح عليه فمات "أو صاح على بالغ" متماسك في نحو وقوفه على ما بحثه البلقيني وهو محتمل ويحتمل الأخذ بإطلاقهم لأن التقصير منه حينئذ لا ممن صاح "بطرف سطح" أو نحوه فسقط ومات "فلا دية في الأصح" لندرة الموت بذلك حينئذ فتكون موافقة قدر، وأفاد سياقه كما قررته فيه إن سلب الضمان فيه إذا مات فلو ذهب عقله وجبت ديته كما قاله جمع متقدمون لأن تأثير الصيحة في زواله أشد منه في الهلاك فاشترط فيه نحو سطح "وشهر سلاح" على بصير رآه "كصياح" في تفصيله المذكور "ومراهق متيقظ كالبالغ" فيما ذكر فيه واستفيد من متيقظ أن المدار على قوة التمييز دون المراهقة، "ولو صاح" محرم أو حلال في الحرم أو غيره "على صيد فاضطرب صبي" غير قوي التمييز أو نحوه ممن مر وهو على طرف سطح لا أرض "وسقط" ومات منه "فدية مخففة على العاقلة" لأن فعله حينئذ خطأ ولو زاله عقله وجبت ديته على العاقلة وإن كان بأرض نظير ما مر وأفهم تأثير الصياح فيما ذكر تأثيره في غيره ومن ثم جزم في الأنوار ومن تبعه بأنه لو صاح بدابة إنسان أو هيجها بثوبه فسقطت في ماء أو وهدة فهلكت ضمنها في ماله وإن كان على ظهرها إنسان فسقط ومات فعلى عاقلته ا هـ ولم يبينوا أنه خطأ أو شبه عمد والوجه أنه شبه عمد ثم ظاهر كلامهم هنا أنه لا فرق بين كون الدابة تنفر بطبعها من الصياح وإن لا، لكن يشكل عليه قولهم في إتلاف الدواب لو كانت الدابة وحدها فنخسها إنسان فأتلفت شيئا متصلا بالنخس وطبعها الإتلاف فهل يضمن وجهان ا هـ. والنخس كالصياح بل أولى كما يأتي فالقائل بالضمان به يشترط أن يكون الإتلاف

 

ج / 4 ص -63-          متصلا بالنخس وأن يكون طبعا لها فعليه يشترط كل من هذين هنا بالأولى لما هو واضح أن النخس أبلغ في إثارتها من الصياح والقائل بعدمه مع هذين يقول هنا بعدمه أولى فإطلاق الأنوار ومن تبعه فيه نظر بل لا يصح لأنه إن قال بالضمان في مسألة النخس لزمه القول به بشرطها هنا بالأولى كما تقرر أو بعدمه معهما ثم لزمه القول بعدمه هنا بالأولى والعجب ممن جزم هنا بما في الأنوار وحكى ذينك الوجهين ثم من غير ترجيح وكأنه غفل في كل عن استحضار الآخر وإلا لم يسعه ذلك فإن قلت فما الذي يعتمد في ذلك قلت الذي يتجه ثم الضمان بقيديه فكذا هنا وكون النخس أبلغ من الصياح إنما هو حيث وجد قيداه لا مطلقا فتأمله.
"ولو طلب سلطان" أو نحوه ممن يخشى سطوته ولو قابضا بنفسه أو برسالة أو كاذب عليه كذلك "من ذكرت" عنده "بسوء" هو للغالب فلا يرد عليه أن مثله ما لو لم تذكر به كأن طلبت بدين قال البلقيني وهي مخدرة مطلقا أو غيرها وهو ممن يخشى سطوته أو لإحضار نحو ولدها أو طلب من هو عندها "فأجهضت" أي ألقت جنينا فزعا منه واعتراضه بأن الإجهاض يختص بالإبل لغة يرد بأن عرف الفقهاء بخلافه فلا ينظر إليه "ضمن" بضم أوله "الجنين" بالغرة المغلظة أي ضمنتها عاقلته كما لو فزعها إنسان بشهر نحو سيف ولأن عمر فعله فأمره علي رضي الله عنهما بذلك ففعل وأقروه أخرجه البيهقي وخرج بأجهضت موتها فزعا فلا يضمنها ولا ولدها الشارب للبنها بعد الفزع لأنه لا يفضي إليه عادة نعم إن ماتت بالإجهاض ضمنت عاقلته ديتها كالغرة لأن الإجهاض قد يفضي للموت ولو قذفت فأجهضت فعلى عاقلة القاذف أو ماتت فلا لذلك ولو جاءاها برسول الحاكم لتدلهما على أخيها فأخذاها فأجهضت من غير أن يوجد من واحد منهما نحو إفزاع مما يقتضي الإجهاض عادة فهدر ويتعين حمله على من لا يتأثر بمجرد رؤية الرسول أما من هي كذلك لا سيما والفرض أنهما أخذاها فتضمن الغرة عاقلتهما كما هو واضح وينبغي لحاكم تطلب منه امرأة أن يسأل عن حملها ثم يتلطف في طلبها، "ولو وضع" جان "صبيا" والتقييد به لجريان الوجه الآتي حرا "في مسبعة" بفتح فسكون أي محل السباع ولو زبية سبع غاب عنها "فأكله سبع فلا ضمان" عليه لأن الوضع ليس بإهلاك ولم يلجئ السبع إليه ومن ثم لو ألقى أحدهما على الآخر في زبية مثلا ضمنه بالقود أو الدية لأنه يثب في المضيق وينفر بطبعه من الآدمي في المتسع "وقيل إن لم يمكنه انتقال" عن المهلك من محله "ضمن" لأنه إهلاك له عرفا فإن أمكنه فتركه أو كان بالغا أو وضعه بغير مسبعة فاتفق أن سبعا أكله هدر قطعا كما لو فصده فلم يعصب جرحه حتى مات أما القن فيضمنه باليد مطلقا وقول بعضهم إن استمرت إلى الافتراس بالتكتيف ونحوه غير صحيح لما مر في الغصب إن من وضع يده على قن ضمنه حتى يعود ليد مالكه "ولو تبع بسيف" ونحوه مميزا "هاربا منه فرمى نفسه بماء أو نار أو من سطح" أو عليه فانكسر بثقله ووقع ومات "فلا ضمان" عليه فيه لأنه باشر إهلاك نفسه عمدا فقطع سببية تابعه ولأنه أوقع بنفسه ما خشيه منه فهو كما لو أكرهه على قتل نفسه ففعل أما غير المميز فيضمنه تابعه لأن عمده خطأ "فلو وقع" بشيء مما ذكر "جاهلا" به "لعمى أو ظلمة" مثلا أو وقع في نحو بئر مغطاة "ضمنه" تابعه لإلجائه له إلى الهرب المفضي لهلاكه ومن ثم لزم عاقلته دية شبه العمد "وكذا لو انخسف به

 

ج / 4 ص -64-          سقف" لم يرم نفسه عليه "في هربه" لضعف السقف وقد جهله الهارب فهلك فإن تابعه يضمنه "في الأصح" لما ذكر، "ولو سلم صبي" ولو مراهقا من وليه أو أجنبي وبحث الزركشي مشاركته للسباح مردود بأن السباح مباشر ومسلمه متسبب "إلى سباح ليعلمه" السباحة أي العوم فتسلمه بنفسه لا بنائبه أو أخذه من غير أن يسلمه له أحد كما هو ظاهر فعلمه أو علمه الولي بنفسه "فغرق وجبت ديته" دية شبه عمد على عاقلته لتقصيره بإهماله له حتى غرق مع كون الماء من شأنه الإهلاك وبه فارق الوضع في مسبعة لأنها ليس من شأنها الإهلاك وبحث أن الولي إذا سلمه يكون كعاقلته طريقا في الضمان وفيه نظر بل الوجه خلافه إذا فعل ذلك لمصلحته وكذا لغيرها على ما مر في الأجنبي على أن جمعه مع عاقلته لا وجه له لأن الجناية في هذا الباب كله على العاقلة ولو أمره السباح بدخول الماء فدخل مختارا فغرق ضمنه أيضا عند العراقيين لالتزامه الحفظ ولو رفع مختارا يده من تحته ولو بالغا لا يحسن السباحة فغرق لزمه القود وخرج بالصبي البالغ فلا يضمنه مطلقا إلا في رفع يده من تحته كما تقرر لأن عليه الاحتياط لنفسه.
"ويضمن بحفر بئر عدوان" بأن كانت بملك غيره بغير إذنه أو بشارع ضيق أو واسع لمصلحة نفسه بغير إذن الإمام ما تلف بها ليلا ونهارا من مال عليه وحر أو قن بقيده الآتي على عاقلته وكذا في جميع المسائل الآتية والسابقة لتعديه ويشترط أن لا يتعمد الوقوع فيها وإلا أهدر وعليه يحمل ما بحثه الغزالي واعتمده الزركشي أنه إذا كان بصيرا نهارا والبئر مفتوحة لا يضمن ودوام التعدي فلو زال كأن رضي المالك ببقائها أو ملك البقعة فلا ضمان لزوال التعدي نعم لا يقبل قول المالك بعد التردي حفر بإذني ولو تعدى الواقع بالدخول كان مهدرا ولو أذن له المالك ولم يعرفه بها ضمن هو لا الحافر لتقصيره ما لم ينسها فعلى الحافر كما يأتي ويضمن القن ذلك في رقبته فإن عتق فمن حين العتق على عاقلته ولو عرض للواقع بها مزهق ولم يؤثر فيه الوقوع شيئا لم يضمن الحافر شيئا لانقطاع سببيته "لا" محفورة "في ملكه" وما استحق منفعته بوقف أو وصية مؤبدة كذا قيد به شارح وهو محتمل ويحتمل خلافه وهو ما أطلقه غيره نظرا إلى أنها وإن أقتت يصدق عليه أنه مستحق للمنفعة وإن كان متعديا بالحفر لاستعماله ملك غيره فيما لم يؤذن له فيه إذ الانتفاع لا يشمل الحفر كما هو ظاهر وكذا يقال في الإجارة "وموات" لتملك أو ارتفاق لا عبثا على ما جزم به بعضهم وفيه نظر فلا يضمن الواقع فيها لعدم تعديه وعلى الموات حملوا الخبر الصحيح: "البئر جرحها جبار" ولو تعدى بالحفر في ملكه لكونه وسعه بقرب جدار جاره ضمن ما وقع بمحل التعدي كما قاله البلقيني وأطلق أن الحفر بملكه المرهون المقبوض أو المستأجر غير تعد وخالفه غيره في الأول إذا نقص الحفر قيمته ويرد بأن التعدي هنا ليس لذات الحفر بل لتنقيص الرهن بخلاف توسعة الحفر الضارة بملك غير الحافر ويضمن الصيد الواقع ببئر حفرها بملكه في الحرم قال الإمام إجماعا "ولو حفر بدهليزه" بكسر الدال "بئرا" أو كان به بمحل من الدار غيره بئر لم يتعد حافرها "ودعا رجلا" أو صبيا مميزا إلى داره أو إليه فدخل باختياره وكان الغالب أنه يمر عليها "فسقط" فيها،

 

ج / 4 ص -65-          جاهلا بها لنحو ظلمة أو تغطية لها فهلك "فالأظهر ضمانه" إياه بدية شبه العمد لأنه غره ولم يقصد هو إهلاك نفسه فلم يكن فعله قاطعا أما غير المميز فيقتل به كالمكره كذا أطلقه البلقيني ويتعين حمله على ما إذا كان الوقوع بها مهلكا غالبا وعلم بنحو الظلمة وإن المار حينئذ يقع فيها غالبا وأما إذا لم يدعه فهو مهدر مطلقا وكذا إن دعاه وأعلمه بها وإن كانت مغطاة وخرج بالبئر نحو كلب عقور بدهليزه فلا يضمن من دعاه فأتلفه لأنه يفترس باختياره مع كونه ظاهرا يمكن دفعه.
تنبيه: لا يتم هذا الإخراج إلا مع التعبير بالدهليز لأنه يشبه البئر حينئذ أما على ما جمعوا به بين قولهما في الجنايات لا ضمان وفي إتلاف البهائم بالضمان من أن الأول في مربوط ببابه لأنه الذي ينطبق عليه التعليل المذكور والثاني فيما إذا كان في داره فلا يتم الإخراج إلا أن يحمل الدهليز على أوله الملاصق للباب لأنه حينئذ بمنزلة المربوط ببابه وبقوله حفر ما لو حفرت عدوانا فإن دعاه المالك فهل يضمنه المالك أو الحافر وجهان صحح منهما البلقيني الثاني لأنه المقصر بعدم إعلامه ومن ثم لو نسي كان على الحافر وإن لم يدعه بأن تعدى بدخوله فهل يضمنه الحافر لتعديه أو لا لتعدي الواقع وجهان صحح منهما البلقيني الثاني أيضا وقول شارح عنه الأول إما سبق قلم أو أن كلامه اختلف.
"أو" حفر بئرا "بملك غيره أو" في "مشترك" بينه وبين آخر "بلا إذن" من الغير أو من شريكه له في الحفر "فمضمون" ذلك الحفر فعليه أو على عاقلته بدل ما تلف به من قيمة أو دية شبه عمد وهذا وإن علم مما قبله فقد ذكره للإيضاح على أن التفصيل بين الإذن وعدمه لم يعلم صريحا إلا من هذه فاندفع ما قيل لا حاجة لذكر هذه أصلا ولو تعدى بحفر وغيره بتوسعته فالضمان عليهما نصفين لا بحسب الحفر "أو" حفر "بطريق ضيق يضر المارة فكذا" هو مضمون وإن أذن فيه الإمام لتعديهما "أو" حفر بطريق "لا يضر" المارة لسعتها أو لانحراف البئر عن الجادة "وأذن" له "الإمام" في الحفر "فلا ضمان" عليه ولا على عاقلته للتالف بها وإن كان الحفر لمصلحة نفسه "وإلا" يأذن له وهي غير ضارة "فإن حفر لمصلحته فالضمان" عليه أو على عاقلته لافتياته على الإمام "أو مصلحة عامة" كالاستقاء أو جمع ماء المطر ولم ينهه الإمام "فلا" ضمان "في الأظهر" لما فيه من المصلحة العامة وقد تعسر مراجعة الإمام وقيده الماوردي واعتمده الزركشي بما إذا أحكم رأسها فإن لم يحكمها وتركها مفتوحة ضمن مطلقا لتقصيره وتقرير الإمام بعد الحفر بغير إذنه يرفع الضمان كتقرير المالك السابق وألحق العبادي والهروي القاضي بالإمام حيث قالا له الإذن في بناء مسجد واتخاذ سقاية بالطريق حيث لا تضر بالمارة وإنما يتجه إن لم يخص الإمام بالنظر في الطريق غيره "ومسجد كطريق" أي الحفر فيه كهو فيها فيجوز لمصلحة نفسه إن لم يضر بالمسجد ولا بمن فيه وأذن فيه الإمام وللمصلحة العامة إن لم يضر كما ذكر وإن لم يأذن فيه الإمام ويمتنع إن ضر مطلقا أو لم يضر لمصلحة نفسه بلا إذنه ويوافق هذا إطلاق الروضة عن الصيمري في أحكام المساجد كراهة حفرها فيه وبه يرد قول البلقيني وإن

 

ج / 4 ص -66-          أخذ الزركشي بقضيته الجواز في الأولى لا يقوله أحد ونزاعه في الثانية ويصح حمل المتن بتكليف على أن وضع المسجد ومثله السقاية بطريق كالحفر فيها فيأتي هنا تفصيله وفي الروضة وأصلها في مسجد بني بشارع لا يضر المارة لا ضمان لمن يعثر به إن أذن الإمام وإلا فعلى ما مر.
فرع: استأجره لجذاذ أو حفر نحو بئر أو معدن فسقط أو انهارت عليه لم يضمنه وبحث بعضهم أنه لو علم المستأجر فقط أنها تنهار بالحفر ضمنه ويرد بأنه لا تغرير ولا إلجاء فالمقصر هو الأجير وإن جهل الانهيار.
"وما تولد" من فعله في ملكه كالعادة لا يضمنه كجرة سقطت بالريح أو ببل محلها وحطب كسره بملكه فطار بعضه فأتلف شيئا ودابة ربطها فيه فرفست إنسانا خارجه وإن لم يأذن فيه الإمام لأنه لا نظر له في الملك أولا كالعادة كالمتولد من نار أوقدها بملكه وقت هبوب الريح أو جاوز في إيقادها العادة أو من سقى أرضه وقد أسرف أو كان بها شق علمه ولم يحتط بشده أو من رشه للطريق لمصلحة نفسه مطلقا أو للمسلمين وجاوز العادة ولم يتعمد المشي عليه مع علمه به يضمنه ويؤخذ من تفصيلهم المذكور في الرش أن تنحية أذى الطريق كحجر فيها إن قصد به مصلحة المسلمين لم يضمن ما تولد منه وهو ظاهر وإلا لترك الناس هذه السنة المتأكدة أو "من جناح" أي خشب خارج من ملكه "إلى شارع" ولو بإذن الإمام فسقط وأتلف شيئا أو من تكسير حطب في شارع ضيق أو من مشي أعمى بلا قائد وإن أحسن المشي بالعصا كما اقتضاه إطلاقهم أو من عجن طين فيه وقد جاوز العادة أو من حط متاعه به لا على باب حانوته كالعادة "فمضمون" لكنه في الجناح على ما يأتي في الميزاب من ضمان الكل بالخارج والنصف بالكل وإن جاز إشراعه بأن لم يضر المارة لأن الارتفاق بالشارع مشروط بسلامة العاقبة وبه يعلم رد قول الإمام لو تناهى في الاحتياط فجرت حادثة لا تتوقع أو صاعقة فسقط بها وأتلف شيئا فلست أرى إطلاق القول بالضمان انتهى وفارق ما مر في البئر بأن الحاجة هنا أغلب وأكثر فلا يحتمل إهداره أما إذا لم يسقط فلا يضمن ما انصدم به ونحوه كما لو سقط وهو خارج إلى ملكه وإن سبل ما تحته شارعا أو إلى ما سبله بجنب داره مستثنيا ما يشرع إليه كما بحث فيهما أو إلى ملك غيره ومنه سكة غير نافذة بإذن جميع الملاك وإلا ضمن. "ويحل" للمسلم دون الذمي بالنسبة لشوارعنا "إخراج الميازيب" العالية التي لا تضر المارة "إلى شارع" وإن لم يأذن الإمام لعموم الحاجة إليها وصح أن عمر قلع ميزابا للعباس رضي الله عنهما قطر عليه فقال له أتقلع ميزابا نصبه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "والله لا ينصبه إلا من يرقى على ظهري" وانحنى للعباس حتى يرقى عليه وأعاده لمحله، "والتالف بها" وبما قطر منها "مضمون في الجديد" لما مر في الجناح وكما لو وضع ترابا بالطريق ليطين به سطحه مثلا فإن واضعه يضمن من يزلق به أي إن خالف العادة ليوافق ما مر ودعوى أن الميزاب ضروري ممنوعة بأنه يمكن اتخاذ بئر أو أخدود في الجدار لماء السطح "فإن كان بعضه" أي ما ذكر من الجناح والميزاب "في الجدار فسقط الخارج" أو بعضه فأتلف شيئا، "فكل

 

ج / 4 ص -67-          الضمان" على واضعه أو عاقلته لوقوع التلف بما هو مضمون عليه خاصة وخرج بقوله بعضه ما لو لم يكن منه شيء فيه بأن سمره فيه فيضمن الكل بسقوط بعضه أو كله وما لو كان كله فيه فلا ضمان بشيء منه كالجدار "وإن سقط كله" أو الخارج وبعض الداخل أو عكسه فأتلف شيئا بكله أو بأحد طرفيه "فنصفه" أي الضمان على من ذكر "في الأصح" لأن التلف حصل بالداخل أيضا وهو غير مضمون فوزع عليهما نصفين من غير نظر لوزن ولا مساحة ولو سقط كله وانكسر في الهواء فإن أصابه الخارج ضمن أو الداخل فلا كما قاله البغوي أو شك فلا أيضا فيما يظهر لأن الأصل براءة الذمة ولو أتلف ماؤه شيئا ضمن نصفه إن كان بعضه في الجدار وبعضه خارجه ولو اتصل ماؤه بالأرض فالقياس الضمان قاله البغوي وقياس ذلك أن ماء ما ليس منه شيء خارج لا ضمان فيه هذا والذي في الروضة وغيرها إطلاق الضمان بماء الميزاب ويوجه بأنه لا يلزم من التفصيل السابق في محل الماء جريانه في الماء لتميز خارجه وداخله بخلاف الماء ومجرد مروره بغير المضمون لا يقتضي سقوط ضمانه لا سيما مع مروره بعد على المضمون وهو الخارج وبهذا أعني مروره على مضمون يفرق بينه وبين ما تطاير من حطب كسره بملكه ولا يبرأ واضع جناح وميزاب وباني جدار مائلا بانتقاله عن ملكه وإن نازع فيه البلقيني نعم إن بناه مائلا لملك الغير عدوانا وباعه منه وسلمه له برئ والمراد بالواضع والباني المالك الآمر لا الصانع نعم إن كانت عاقلته يوم التلف غيرها يوم الوضع أو البناء اختص الضمان به "وإن بنى جداره مائلا إلى شارع" أو ملك غيره بغير إذنه ومنه كما مر السكة غير النافذة "فكجناح" فيضمن الكل إن وقع التلف بالمائل والنصف إن وقع بالكل ويؤخذ منه أنه لو بناه مائلا من أصله ضمن كل التالف مطلقا وهو ظاهر أو إلى ملكه أو موات فلا ضمان لأن له التصرف فيه كيف شاء نعم إن كان ملكه مستحق المنفعة للغير بإجارة مثلا ضمن كما بحثه الأذرعي لأنه استعمل الهواء المستحق للغير وبه يفرق بينه وبين الحفر بملكه المستأجر مثلا على ما مر فيه لأن الحفر إتلاف لا استعمال مضمن "أو" بناه "مستويا فمال" إلى ما مر "وسقط" وأتلف شيئا حال سقوطه "فلا ضمان" لأن الميل لم يحصل بفعله "وقيل إن أمكنه هدمه وإصلاحه ضمن" لتقصيره بترك الهدم والإصلاح وانتصر له كثيرون وعليه فيظهر أنه لا فرق بين أن يطالب بهدمه ورفعه وأن لا "ولو سقط" ما بناه مستويا ومال "بالطريق فعثر به شخص أو تلف" به "مال فلا ضمان" وإن أمره الوالي برفعه "في الأصح" لأن السقوط لم يحصل بفعله نظير ما مر نعم إن قصر في رفعه ضمن كما قاله جمع متقدمون واعتمده الأذرعي وغيره لتعديه بالتأخير ويفرق بينه وبين ما مر فيما يمكنه هدمه بأن ذاك لم يحصل فيه انتفاع بالطريق بخلاف هذا فاشترط فيه عدم تقصيره به ولو استهدم الجدار لم يطالب بنقضه ولم يضمن ما تولد منه وإن مال كما مر ويوجه بأن الميل نشأ من غير فعله ولم ييأس من إصلاحه غالبا وبه يفرق بينه وبين ما ذكر فيمن قصر بالرفع وفي وجه قوي مدركا: للجار والمار المطالبة به "ولو طرح قمامات" بضم القاف أي كناسات "وقشور" نحو "بطيخ" ورمان "بطريق" أي شارع "فمضمون" بالنسبة للجاهل بها "على الصحيح" لما مر في

 

ج / 4 ص -68-          الجناح نعم إن كانت في منعطف عن الشارع لا تحتاج إليه المارة أصلا فلا ضمان على الأوجه لأن هذا وإن فرض عده منه فالتقصير من المار فقط فاندفع ما للبلقيني هنا وخرج بالشارع ملكه والموات فلا ضمان فيهما مطلقا وبطرحها ما لو وقعت بنفسها بريح أو نحوه فلا ضمان ما لم يقصر في رفعها أخذا مما مر وفي الإحياء إن ما يترك بأرض الحمام من نحو سدر يكون ضمان ما تلف به على واضعه في أول يوم وعلى الحمامي في ثانيه لاعتياد تنظيفه كل يوم وخالفه في فتاويه فقال إن نهى الحمامي عنه ضمن الواضع وكذا إن لم يأذن ولا نهي لكن جاوز في استكثاره العادة وهو أوجه "ولو تعاقب سببا هلاك فعلى الأول" أي هو أو عاقلته الضمان لأنه المهلك بنفسه أو بواسطة الثاني "بأن حفر" واحد بئرا عدوانا أولا لكن قوله الآتي فإن لم يتعد إلخ يدل على أن قوله عدوانا راجع لهذا أيضا وهو ما في أصله ولا محذور فيه لأن غير العدوان يفهم بالأولى "ووضع آخر" أهلا للضمان قبل الحفر أو بعده "حجرا" وضعا "عدوانا" نعت لمصدر محذوف كما قدرته أو حال بتأويله بمتعديا "فعثر به" بضم أوله "ووقع" العاثر "بها" فهلك "فعلى الواضع" الذي هو السبب الأول لأن المراد به الملاقي أولا للتالف لا المفعول أولا الضمان لأن التعثر هو الذي أوقعه فكأن واضعه أخذه ورداه فيها أما إذا لم يكن الواضع أهلا فسيأتي "فإن لم يتعد الواضع" الأهل بأن وضعه بملكه وحفر آخر عدوانا قبله أو بعده فعثر رجل ووقع بها "فالمنقول تضمين الحافر" لأنه المتعدي وفارق حصول الحجر على طرفها بسيل أو سبع أو حربي فإن الحافر المتعدي لا يضمن هنا بأن الواضع ثم أهل للضمان في الجملة فصح تضمين شريكه بخلاف تلك الثلاثة ولا ينافي المتن ما لو حفر بئرا بملكه ووضع آخر فيها سكينا فإنه لا ضمان على أحد أما المالك فظاهر وأما الواضع فلأن السقوط في البئر هو الذي أفضى إلى السقوط على السكين فكان الحافر كالمباشر والآخر كالمتسبب وبهذا يعلم أنه لا يحتاج إلى الجواب بحمل ما هنا على ما إذا تعدى الواقع بمروره أو كان الناصب غير متعد بل لا يصح ذلك "ولو وضع حجرا" عدوانا بطريق مثلا "و" وضع "آخران حجرا" كذلك بجنبه "فعثر بهما فالضمان أثلاث" وإن تفاوت فعلهم نظرا إلى رءوسهم كما لو اختلفت الجراحات "وقيل" هو "نصفان" نصف على الواحد ونصف على الآخرين نظرا للحجرين لأنهما المهلكان وانتصر له البلقيني "ولو وضع حجرا" عدوانا "فعثر به رجل فدحرجه فعثر به آخر" فهلك "ضمنه المدحرج" الذي هو العاثر الأول لأن انتقاله إنما هو بفعله "ولو عثر ماش بقاعد أو نائم أو واقف بالطريق" لغير غرض فاسد "وماتا أو أحدهما فلا ضمان" يعني على المعثور به من أحد الثلاثة المذكورين لو مات العاثر سواء البصير والأعمى "إن اتسع الطريق" بأن لم تتضرر المارة بنحو النوم فيه أو كان بموات لأنه غير متعد والعاثر كان يمكنه التحرز فهو الذي قتل نفسه أما العاثر فيضمن هو أو عاقلته من مات من أولئك لتقصيره "وإلا" يتسع الطريق كذلك أو اتسع ووقف مثلا لغرض فاسد كما بحثه الأذرعي ومر في إحياء الموات أن الجلوس في الشارع متى ضيق به على الناس حرم وبه مع ما هنا يعلم أن المراد بالواسع هنا ما لا يعسر عرفا على المار تجنب نحو القاعد أو

 

ج / 4 ص -69-          النائم فيه وبالضيق ما يعسر وإنه يجب إقامة من ضيق على الناس بنومه أو قعوده أو وقوفه "فالمذهب إهدار قاعد ونائم" لأن الطريق للطروق فهما المقصران بالنوم والقعود والمهلكان لنفسيهما "لا عاثر بهما" بل عليهما أو على عاقلتهما بدله "وضمان واقف" لأن المار يحتاج للوقوف كثيرا فهو من مرافق الطريق "لا عاثر به" لأنه لا حركة منه فالهلاك حصل بحركة الماشي نعم إن وجد من الواقف فعل بأن انحرف للماشي لما قرب منه فأصابه في انحرافه وماتا فهما كماشيين اصطدما وسيأتي ولو عثر بجالس بمسجد لما لا ينزه المسجد عنه ضمنه العاثر وهدر كما لو جلس بملكه فعثر به من دخله بغير إذنه ونائم به معتكفا كجالس وجالس لما ينزه عنه ونائم غير معتكف كقائم بطريق فيفصل فيه بين الواسع والضيق.
فرع: تجارحا خطأ أو شبه عمد فعلى عاقلة كل دية الآخر ولا يقبل قول كل قصدت الدفع.

فصل في الاصطدام ونحوه
مما يوجب الاشتراك في الضمان وما يذكر مع ذلك.
إذا "اصطدما" أي كاملان ماشيان أو راكبان مقبلان أو مدبران أو مختلفان "بلا قصد" لنحو ظلمة فماتا "فعلى عاقلة كل نصف دية مخففة" لوارث الآخر لأن كلا منهما هلك بفعله وفعل صاحبه فيهدر النصف المقابل لفعله كما لو جرح نفسه وجرحه آخر فمات بهما ووجبت مخففة على العاقلة لأنه خطأ محض "وإن قصدا" الاصطدام "فنصفها مغلظة" على عاقلة كل لأنه شبه عمد لا عمد لعدم إفضاء الاصطدام للموت غالبا ولو ضعف أحد الماشيين بحيث يقطع بأنه لا أثر لحركته مع حركة الآخر هدر القوي وعلى عاقلته دية الضعيف نظير ما يأتي "أو" قصد "أحدهما" فقط الاصطدام "فلكل حكمه" فعلى عاقلة القاصد نصف دية مغلظة وغيره نصفها مخففة "والصحيح أن على كل كفارتين" كفارة لقتل نفسه وأخرى لقتل صاحبه إذ الأصح أن الكفارة لا تتجزأ وأنها تجب على قاتل نفسه "وإن ماتا مع مركوبيهما فكذلك" الحكم في الدية والكفارة "وفي" مال كل إن عاشا وإلا ففي "تركة كل منهما" إن كانا ملكين للراكبين "نصف قيمة" لا يأتي هنا ما مر في الصداق في قيمة النصف لأنه لمعنى لا يأتي هنا "دابة الآخر" أي مركوبه وإن غلباهما والباقي هدر لاشتراكهما في إتلاف الدابتين فوزع البدل عليهما وإن كانت إحداهما فيلا والأخرى كبشا كما في الأم ويتعين حمله على كبش لحركته تأثير ما في القتل وإلا لم يتعلق بحركته حكم كغرز إبرة بجلدة عقب مع جرح عظيم أو هو مبالغة في التمثيل إذ الكبش لا يركب فهو كقول أبي حنيفة تمثيلا للمثقل لو قتله بأبو قبيس لم يقتل به أما المملوكة لغير الراكب ولو مستأجرة فلا يهدر منها شيء وكذا يضمن كل نصف ما على الدابة من مال الأجنبي نظير ما يأتي في السفينة ولو تجاذبا حبلا فانقطع فسقطا وماتا فعلى عاقلة كل نصف دية الآخر نعم إن كان الحبل لأحدهما هدر الآخر لأنه ظالم وعلى عاقلته نصف دية

 

ج / 4 ص -70-          المالك، ولو أرخاه أحد المتجاذبين فسقط الآخر ومات فعلى عاقلته نصف دية الميت ولو قطعه غيرهما فعلى عاقلته دية كل منهما ولو ذهب ليقوم فأخذ غيره بثوبه ليقعد فتمزق بفعلهما لزمه نصف قيمته وكذا لو مشى على نعل ماش فانقطع بفعلهما كما يأتي "وصبيان أو مجنونان" أو صبي ومجنون "ككاملين" في تفصيلهما المذكور ومنه وجوب الدية مغلظة إن كان لهما نوع تمييز لأن الأصح أن عمدهما حينئذ عمد "وقيل إن أركبهما الولي" لغير ضرورة "تعلق به" أو بعاقلته "الضمان" لما فيه من الخطر وجوازه مشروط بسلامة العاقبة والأصح المنع إن أركبهما لمصلحتهما وإلا لامتنع الأولياء عن تعاطي مصالح المولى نعم إن أركبه ما يعجز عن ضبطها عادة لكونها جموحا أو لكونه ابن سنة مثلا ضمنه وهو هنا ولي الحضانة الذكر لا ولي المال على ما بحثه البلقيني وخالفه تلميذه الزركشي في شرح المنهاج فقال يشبه أنه من له ولاية تأديبه من أب وغيره حاضن وغيره وفي الخادم فقال ظاهر كلامهم أنه ولي المال انتهى وهو الأوجه "ولو أركبهما أجنبي" بغير إذن الولي ولو لمصلحتهما "ضمنهما ودابتيهما" إجماعا لتعديه فتضمنهما عاقلته ويضمن هو دابتيهما في ماله وهذا ظاهر فمثله لا يعترض به نعم إن تعمد الاصطدام وهما مميزان ومثلهما يضبط الدابة أحيل الهلاك عليهما لأن عمدهما عمد "أو" اصطدم "حاملان وأسقطتا" وماتتا "فالدية كما سبق" من أن على عاقلة كل نصف دية الأخرى "وعلى كل أربع كفارات على الصحيح" واحدة لنفسها وأخرى لجنينها وأخريان لنفس الأخرى وجنينها لأنهما اشتركا في إهلاك أربعة أنفس "وعلى عاقلة كل نصف غرتي جنينيهما" لأن الحامل إذا جنت على نفسها فأجهضت لزم عاقلتها الغرة كما لو جنت على أخرى وإنما لم يهدر من الغرة شيء لأن الجنين أجنبي عنهما ومن ثم لو كانتا مستولدتين والجنينان من سيديهما سقط عن كل منهما نصف غرة جنين مستولدته لأنه حقه إلا إذا كان للجنين جدة لأم وارثة ولا يرث معه غيرها وكانت قيمة كل تحتمل نصف غرة فأكثر إذ السيد لا يلزمه الفداء بالأقل كما يأتي فلها السدس وقد أهدر النصف لأجل عدم استحقاق سيد بنتها أرش جنايتها فيتمم لها السدس من ماله قيل أوهم المتن تعين وجوب قن نصفه لهذا ونصفه لهذا فلو قال نصف غرة لهذا ونصف غرة لهذا لأفاد جواز تسليم نصف عن هذا ونصف عن هذا انتهى ولك أن تقول إن تساوت الغرتان من كل وجه صدق نصفهما على كل منهما وإلا لم يصدق النصف حقيقة إلا على نصف من هذا ونصف من هذا فلا إيهام ولا اعتراض "أو" اصطدم "عبدان" اتفقت قيمتهما أم لا وماتا "فهدر" لأن جناية القن تتعلق برقبته وقد فاتت نعم إن امتنع بيعهما كمستولدتين أو موقوفتين أو منذور عتقهما فعلى سيد كل الأقل من نصف قيمة كل وأرش جنايته على الآخر لأنه بنحو الإيلاد منع من البيع أو كان ثم موصى به أو موقوف على أرش ما يجنيه القن أعطى سيد كل نصف قيمة قنه أو كانا مغصوبين فعلى الغاصب فداء كل نصف منهما بأقل الأمرين أما لو مات أحدهما فقط فيجب نصف قيمته متعلقا برقبة الحي فإن أثر فعل الميت فيه نقصا تعلق غرمه بذلك النصف وتقاصا فيه ولو اصطدم حر وقن وماتا وجب في تركة الحر نصف قيمة القن كذا عبر به شارح ولا ينافيه

 

ج / 4 ص -71-          تعبير غيره: يوجب على العاقلة لما يأتي أن الجاني يلاقيه الوجوب أولا ثم تتحمله العاقلة ويتعلق به نصف دية الحر لأنه بدل الرقبة التي هي محل التعلق فيأخذ السيد من العاقلة نصف القيمة ويدفع منه أو من غيره للورثة نصف الدية ولا تقاص إلا إن كان الورثة هم العاقلة وعدمت الإبل وحل ما عليهم قبل الطلب أو القن فقط فنصف قيمته على عاقلة الحر أو الحر فقط فنصف ديته في رقبة القن "أو" اصطدم "سفينتان" وغرقتا "فكدابتين والملاحان" فيهما وهما المجريان لهما اتحدا أو تعددا والمراد بالمجري لها من له دخل في سيرها ولو بإمساك نحو حبل أخذا مما مر في صلاة المسافر "كراكبين" فيما مر "إن كانتا" أي السفينتان وما فيهما "لهما" فنصف قيمة كل سفينة ونصف متاعها مهدر والنصف الآخر على صاحب الأخرى إن بقي وإلا ففي تركته ونصف دية كل مهدر وما بقي على عاقلة الآخر بتفصيله السابق "فإن كان فيهما مال أجنبي لزم كلا" من الملاحين "نصف ضمانه" وإن كان بيد مالكه الذي بالسفينة لتعديهما ويعلم مما يأتي أنه مخير بين أخذ جميع بدل ماله من أحد الملاحين ثم هو يرجع بنصفه على الآخر وبين أخذ نصفه منه ونصفه من الآخر "وإن كانتا لأجنبي" وهما أجيرا المالك أو أميناه "لزم كلا نصف قيمتهما" لأن مال الأجنبي لا يهدر منه شيء ولمالك كل أن يأخذ جميع قيمة سفينته من ملاحه ثم يرجع هو بنصفها على الملاح الآخر أو نصفا من هذا ونصفا من هذا ولو كانا قنين تعلق الضمان برقبتهما هذا كله إذا اصطدمتا بفعلهما أو تقصيرهما كأن قصرا في الضبط مع إمكانه أو سيرا في ريح شديدة لا تسير في مثلها السفن أو لم يكملا عدتيهما وإلا بأن غلبتهما الريح ويصدقان فيه بيمينهما لم يضمنا لتعذر الضبط هنا لا في الدابة لإمكان ضبطها للجام ومحل كونهما كالراكبين ما لم يقصدا الاصطدام بما يعده الخبراء مفضيا للهلاك غالبا وإلا لزم كلا نصف دية كل دية عمد في مال الآخر ومن ثم لو بقي أحدهما قتل بالميت أو بقيا وغرق راكب قتلا به أو ركاب قتلا بواحد بقرعة إن لم يترتبوا وإلا فبالأول ووجب في مال كل نصف دية الباقين فإن كان لا يهلك غالبا فدية شبه عمد له على عاقلتهما "ولو أشرفت سفينة" بها متاع وراكب "على غرق" وخيف غرقها بما فيها "جاز" عند توهم النجاة بأن اشتد الأمر وقرب اليأس ولم يفد الإلقاء إلا على ندور أو عند غلبة ظن النجاة بأن لم يخش من عدم الطرح إلا نوع خوف غير قوي "طرح متاعها" حفظا للروح يعني ما يندفع به الضرر في ظنه من الكل أو البعض كما أشارت إليه عبارة أصله "ويجب" طرح ذلك "لرجاء نجاة الراكب" أي لظنها مع قوة الخوف لو لم يطرح وينبغي أي للمالك فيما إذا تولى الإلقاء بنفسه أو تولاه غيره كالملاح بإذنه العام له فاندفع ما للبلقيني هنا تقديم الأخف قيمة إن أمكن ويجب إلقاء حيوان أيضا لظن نجاة آدمي أي محترم فالمهدر كحربي وزان محصن لا يلقى لأجله مال مطلقا بل ينبغي أن يلقى هو لأجل المال ويؤيده بحث الأذرعي أنه لو كان ثم أسرى وظهر للإمام المصلحة في قتلهم بدأ بهم قبل المال ولما قررت المتن بما حملت عليه حالة الجواز وحالة الوجوب بناء على فرضه أن فيها ذا روح وإلا فحمل الجواز على إلقاء متاعها كله لرجاء سلامتها أو بعضه لرجاء سلامة باقيه ظاهر رأيت من

 

ج / 4 ص -72-          اعترضه بما يندفع بما ذكرته وحاصله أن قوله لرجاء لا يصلح تعليلا لحالة الجواز والوجوب معا كما هو واضح فإن جعل تعليلا للوجوب فكيف يستقيم الجواز بدونه فالقياس الوجوب لرجاء نجاة الراكب مطلقا لأن كل ما كان ممنوعا منه إذا جاز وجب انتهى والقاعدة أغلبية على أن إتلاف المال لغرض صحيح كما هنا غير ممنوع فليس ما نحن فيه من هذه القاعدة ثم رأيت البلقيني صرح ببعض ما ذكرته فقال إن حصل منه هول خيف منه الهلاك مع غلبة السلامة جاز الإلقاء لرجاء النجاة وإن غلب الهلاك مع ظن السلامة بالطرح وجب ثم رجح الاحتياج لإذن المالك ككل من له بالعين تعلق حق كالمرتهن وغرماء المفلس في حالة الجواز فيمتنع حينئذ إلقاء مال محجور إلا إذا ألقى الولي بعض أمتعته لسلامة باقيها أخذا مما مر أنه لو خاف ظالما على ماله جاز له بذل ما يندفع به عنه دون حالة الوجوب فلا فرق فيها بين مال المحجور وغيره "فإن طرح" ملاح أو غيره "مال غيره" ولو في حالة الوجوب ولا ينافيه ما مر آنفا لأن الإثم وعدمه يتسامح فيهما ما لا يتسامح في الضمان لأنه من باب خطاب الوضع "بلا إذن" منه له فيه "ضمن" هـ كأكل مضطر طعام غيره بغير إذنه "وإلا" بأن طرحه بإذن مالكه المعتبر الإذن "فلا" يضمنه ولو تعلق به حق للغير كمرتهن اشترط إذنه أيضا كما مر، "ولو قال" لغيره عند الإشراف على الغرق أو القرب منه "ألق متاعك" في البحر "وعلي ضمانه أو على أني ضامن" له أو على أني أضمنه ونحو ذلك فألقاه وتلف "ضمن" هـ المستدعي وإن لم تحصل النجاة لأنه التماس لغرض صحيح بعوض فلزمه كأعتق عبدك عني بكذا أو طلق زوجتك بكذا أو أطلق الأسير أو اعف عن فلان أو أطعمه وعلي كذا فعلم أنه ليس المراد بالضمان هنا حقيقته السابقة في بابه ثم إن سمي الملتمس عوضا حالا أو مؤجلا لزمه وإلا ضمنه بالقيمة قبل هيجان الموج مطلقا كما رجحه البلقيني لتعذر ضمانه بالمثل إذ لا مثل لمشرف على الهلاك إلا مشرف عليه وذلك بعيد ولو قال لعمرو ألق متاع زيد وعلي ضمانه فألقاه ضمن الملقي لأنه المباشر للإتلاف نعم إن كان المأمور أعجميا يعتقد وجوب طاعة آمره ضمن الآمر لأن ذاك آلة له ونقل الشيخان عن الإمام وأقراه أن الملتمس لا يملك الملقى فلو لفظه البحر فهو لمالكه ويرد ما أخذه بعينه إن بقي وإلا فبدله ويظهر أن محله إن لم ينقصه البحر وإلا ضمن الملتمس نقصه لأنه السبب فيه ثم رأيت الإسنوي وغيره صرحوا به وقال الماوردي إنه يملكه قال البلقيني ولا بد في الضمان من الإشارة لما يلقيه فيقول هذا أو يكون المتاع معلوما للملتمس وإلا لم يضمن إلا ما ألقاه بحضرته ومن أن يلقي المتاع صاحبه فلو ألقاه غيره بلا إذنه أو سقط بنحو ريح لم يضمنه الملتمس ومن استمراره على الضمان فلو رجع عنه قبل الإلقاء لم يلزمه شيء أو في أثنائه ضمن ما قبله فإن لم يعلم بالرجوع فينبغي أن يأتي فيه ما مر في رجوع الضرة ومبيح الثمرة ونظائرهما السابقة وفي قوله أنا والركاب ضامنون أو ضمناء عليه حصته وكذا عليهم إن رضوا بقوله وقد قصد الإخبار عنها فإن أراد إنشاءه لم يؤثر رضاهم لأن العقود لا توقف وحيث لزمته الحصة فقط فباشر الإلقاء بالإذن لزمه الكل نص عليه في الأم أو أنا ضامن له والركاب، أو على أني أضمنه أنا

 

ج / 4 ص -73-          والركاب أو أنا ضامن له وهم ضامنون يلزمه الجميع "ولو اقتصر على" قوله "ألق" متاعك ولم يقل وعلي ضمانه أو على أني ضامن "فلا" يضمنه "على المذهب" لعدم الالتزام وفارق الرجوع بمجرد اقض ديني بأنه بالقضاء ثم برئ قطعا والإلقاء هنا قد لا ينفعه "وإنما يضمن ملتمس لخوف غرق" الأمن ألقه وعلي ضمانه لم يضمنه إذ لا غرض ويظهر أن خوف القتل ممن يقصدهم إذا غلب كخوف الغرق "ولم يختص نفع الإلقاء بالملقي" بأن اختص بالملتمس أو به وبالمالك أو بغيرهما أو بالمالك وأجنبي أو بالملتمس وأجنبي أو عم الثلاثة بخلاف ما لو اختص بالمالك وحده بأن أشرفت سفينته وبها متاعه على الغرق فقال له من بالشط أو سفينة أخرى ألق متاعك وعلي ضمانه فلا يضمنه لأنه وقع لحظ نفسه فكيف يستحق به عوضا، "ولو عاد حجر منجنيق" بفتح الميم والجيم في الأشهر يذكر ويؤنث وهو فارسي معرب لأن الجيم والقاف لا يجتمعان في كلمة عربية "فقتل أحد رماته" وهم عشرة مثلا "هدر قسطه" وهو عشر الدية "وعلى عاقلة الباقين الباقي" من دية الخطأ لأنه مات بفعله وفعلهم فسقط ما يقابل فعله ولو تعمدوا إصابته بأمر صنعوه وقصدوه بسقوطه عليه وغلبت إصابته كان عمدا في أموالهم ولا قود لأنهم شركاء مخطئ قاله البلقيني "أو" قتل "غيرهم ولم يقصدوه فخطأ" قتلهم له ففيه دية مخففة على العاقلة "أو قصدوه" بعينه وتصور "فعمد في الأصح" إن غلبت الإصابة ففيه القود فإن عفي عنه فدية عمد في مالهم فإن لم يغلب فشبه عمد ثم الضمان يختص بمن مد الحبال ورمى الحجر لأنهم المباشرون دون واضعه وماسك الخشب إذ لا دخل لهم في الرمي أصلا ومنه يؤخذ أنه لو كان لهم دخل فيه ضمنوا أيضا وهو ظاهر.

فصل في العاقلة وكيفية تحملهم
 سموا بذلك لعقلهم الإبل بفناء دار المستحق أو لتحملهم عن الجاني العقل أي بالدية أو لمنعهم عنه والعقل المنع.
"دية الخطأ وشبه العمد تلزم" الجاني أولا على الأصح ثم "العاقلة" تحملا إجماعا ولا عبرة بمن شذ في الثاني وهذا خارج عن القياس لكن لما كانت الجاهلية تمنع أخذ الثأر بالمثلثة أبدلهم الشارع بتلك النصرة الباطلة المال رفقا بالجاني في ذينك فقط لكثرتهما من متعاطي الأسلحة مع عذره في الخطأ ولو أقر بأحدهما فكذبته عاقلته وحلفوا على نفي العلم لزمته وحده وهذا وإن قدمه لكنه وطأ به لقوله "وهم عصبته" الذين يرثونه بنسب أو ولاء إذا كانوا ذكورا مكلفين بشروطهم الآتية فلا شيء عن غير هؤلاء وإن أيسروا وتضرب على الغائب الأهل حصته فإذا حضر أخذت منه وشرط تحمل العاقلة أن تكون صالحة لولاية النكاح أي ولو بالقوة فدخل الفاسق لتمكنه من إزالة مانعه حالا من حين الفعل إلى الفوات فلو تخلل بين الرمي والإصابة ردة أو إسلام وجبت الدية في ماله ولو حفر قن أو ذمي بئرا عدوانا فعتق هو أو أبوه وانجر ولاؤه لموالي أبيه أو أسلم ثم تردى رجل في البئر ضمنه الحافر في ماله ولو جرح خطأ فارتد فمات المجروح فالأقل من أرش

 

ج / 4 ص -74-          الجرح والدية على عاقلته المسلمين، فإن بقي شيء ففي ماله فإن أسلم قبل موت الجريح لزم عاقلته أرش الجرح والزائد في ماله على المعتمد "إلا الأصل" للجاني وإن علا "والفرع" له وإن سفل لأنهم أبعاضه فأعطوا حكمه وصح أنه صلى الله عليه وسلم برأ زوج القاتلة وولدها وأنه برأ الوالد "وقيل يعقل ابن هو ابن ابن عمها" أو معتقها كما يلي نكاحها وردوه بأن البنوة هنا مانعة لما تقرر أنه بعضه والمانع لا أثر لوجود المقتضي معه وثم غير مقتضيه لأن الملحظ ثم دفع العار وهي لا تقتضيه ولا تمنعه فإذا وجد مقتض آخر أثر "ويقدم الأقرب" منهم على الأبعد في التحمل كالإرث وولاية النكاح فينظر في الأقربين آخر الحول والواجب "فإن" وفوا به لقلته أو لكثرتهم فذاك وإن "بقي" منه "شيء فمن يليه" أي الأقرب يوزع عليه ذلك الباقي "و" تقدم الإخوة ففروعهم فالأعمام ففروعهم فأعمام الأب ففروعهم وهكذا كالإرث و "مدل بأبوين" على مدل بأب في الجديد كالإرث "والقديم التسوية" لأن الأنوثة لا دخل لها في التحمل ويجاب بمنع ذلك ألا ترى أنها مرجحة في ولاية النكاح مع أنه لا دخل لها فيه ولا يتحمل ذوو الأرحام إلا إذا ورثناهم فيحمل ذكر منهم لم يدل بأصل ولا فرع عند عدم العصبة أو عدم وفائهم بالواجب ويقدم عليهم الأخ للأم للإجماع على إرثه "ثم" بعد عصبة النسب لفقدهم أو عدم وفائهم "معتق" للجاني "ثم عصبته" من النسب ولو في حياته على المعتمد خلا أصوله وفروعه واستشكل بأنهم إنما لم يحملوا ثم تنزيلا لهم منزلة الجاني وهو لا يحمل وهنا المعتق يحمل فلم لم يحملوا وقد يجاب بأن ذلك غير مطرد لأن الجاني يحمل عند فقد بيت المال دون أصوله وفروعه حينئذ فالذي يتجه في معنى ذلك أن الحمل مواساة في النسب للجاني وفي الولاء من المعتق للجاني ومن عصبته للمعتق لأنه الواسطة وهي في الأصول والفروع من أوجه عديدة كالإنفاق وغيره بخلاف بقية الأقارب فإن تلك الأوجه مفقودة في حقهم فخصوا بهذه المواساة وهذا معنى ظاهر منضبط مطرد يصلح مناطا للحكم وبه يتضح استواء أبعاض الجاني والمعتق وغيرهما ممن يأتي وأيضا فخبر: "الولاء لحمة كلحمة النسب"، صريح في أن الأبوة والبنوة في عدم التحمل بالولاء كهما في عدم التحمل بالنسب "ثم معتقه" أي المعتق "ثم عصبته" إلا من ذكر ثم معتق معتق معتقه ثم عصبته وهكذا "وألا" يوجد من له ولاء على الجاني ولا عصبته "فمعتق أبي الجاني ثم عصبته" إلا من ذكر "ثم معتق معتق الأب وعصبته" إلا من ذكر والواو هنا بمعنى ثم التي بأصله "وكذا" المذكور يكون الحكم فيمن بعده "أبدا" فإذا لم يوجد من له ولاء على أبي الجاني فمعتق جده فعصبته وهكذا فإن لم يوجد معتق من جهة الآباء فمعتق الأم فعصبته إلا من ذكر ثم معتق الجدات للأم والجدات للأب ومعتق ذكر أدلى بأنثى كأبي الأم ونحوه "وعتيقها" أي المرأة "يعقله عاقلتها" كما يزوج عتيقها من يزوجها لا هي لأن المرأة لا تعقل إجماعا "ومعتقون كمعتق" لاشتراكهم في الولاء فعليهم ربع دينار أو نصفه فإن اختلفوا غنى وتوسطا فعلى الغني حصته من النصف لو فرض الكل أغنياء والمتوسط حصته من الربع لو فرض الكل متوسطين والتوزيع عليهم بقدر الملك لا الرءوس، "وكل شخص من

 

ج / 4 ص -75-          عصبة كل معتق يحمل ما كان يحمله ذلك المعتق" فإن اتحد ضرب على كل من عصبته ربع أو نصف وإن تعدد نظر لحصته من الربع أو النصف وضرب على كل واحد من عصبته قدرها والفرق أن الولاء يتوزع على الشركاء لا العصبة لأنهم لا يرثونه بل يرثون به فكل منهم انتقل له الولاء كاملا فلزم كلا قدر أصله ومعلوم أن النظر في الربع والنصف إلى غنى المضروب عليه فالمراد بقوله ما كان يحمله أي من حيث الجملة لا بالنظر لعين ربع أو نصف فلو كان المعتق متوسطا وعصبته أغنياء ضرب على كل النصف لأنه الذي يحمله لو كان مثلهم وعكسه ولم أر من نبه على هذا لكنه واضح "ولا يعقل عتيق في الأظهر" كما لا يرث ولا عصبته قطعا ولا عتيقه وأطال البلقيني في الانتصار المقابل الأظهر "فإن فقد العاقل" ممن ذكر "أو لم يف" بالواجب "عقل بيت المال عن المسلم" الكل أو ما بقي للخبر الصحيح: "أنا وارث من لا وارث له أعقل عنه وأرثه" دون غير المسلم بل يجب في ماله إن كان غير حربي لأن ماله ينتقل لبيت المال فيئا لا إرثا والمرتد لا عاقلة له فما وجب بجنايته خطأ أو شبه عمد في ماله ولو قتل لقيط خطأ أو شبه عمد أخذ بيت المال ديته من عاقلة قاتله فإن فقدوا لم يعقل عنه إذ لا فائدة لأخذها منه ثم ردها إليه "فإن فقد" بيت المال أو منع متوليه جورا فيما يظهر ثم رأيت البلقيني صرح به "فكله" أي المال الواجب بالجناية وكذا بعضه إن لم تف العاقلة ولا بيت المال به "على الجاني" لا بعضه "في الأظهر" بناء على ما مر أنها تلزمه ابتداء.
تنبيه: هل يعود التحمل لغيره بعود صلاحيته له لأن المانع نحو فقره وقد زال أو لا لأن الجاني هو الأصل فمتى خوطب به من حيث الأداء استقر عليه ولم ينتقل عنه لانقطاع النظر لنيابة غيره عنه حينئذ كل محتمل والثاني أقرب ثم رأيت في كلام الزركشي ما يقتضي تخريج هذا على ما مر في الفطرة وهو غير صحيح لأن الحرة الغنية لا يلزمها فطرة عند إعسار زوجها لأن التحمل ثم إما حوالة أو ضمان وكل يقتضي الاستقرار على المتحمل بخلافه هنا فإنه محض مواساة فأشبه النيابة بدليل وجوبه على الأصل إذا لم يصلحوا للنيابة وحينئذ اتجه عدم عود تحملهم واستقرار الوجوب على الجاني مطلقا ثم رأيتني بحثت في شرح الإرشاد أنه لو عدم ما في بيت المال فأخذ من الجاني ثم غني بيت المال لا يؤخذ منه بخلاف عاقلة أنكروا الجناية فأخذت من الجاني ثم اعترفوا يرجع عليهم لأنهم هنا حالة الأخذ من أهل التحمل بخلاف بيت المال ثم وهذا موافق لما رجحته هنا إذ الفرض أنه عاد إليه التحمل لعدم صلاح غيره له فلا يعود للغير بعود صلاحه ويأتي في الموت في الأثناء الفرق بينه وبينهم بما يصرح بما ذكرته.
فرع: علم مما قدمته أنه لو جرح ابن عتيقة أبوه قن آخر خطأ فعتق أبوه وانجر ولاؤه لمواليه ثم مات الجريح بالسراية لزم موالي الأم أرش الجرح لأن الولاء حين الجرح لهم فإن بقي شيء فعلى الجاني دون موالي أمه لانتقال الولاء عنهم قبل وجوبه وموالي أبيه لتقدم سببه على الانجرار وبيت المال لوجود جهة الولاء بكل حال.

 

ج / 4 ص -76-          "وتؤجل" يعني تثبت مؤجلة من غير تأجيل أحد "على العاقلة" وكذا على بيت المال أو الجاني "دية نفس كاملة" بإسلام وحرية وذكورة "ثلاث سنين في" آخر "كل سنة ثلث" من الدية لقضائه صلى الله عليه وسلم بذلك كما قاله الشافعي رضي الله عنه والأصح أن المعنى في ذلك كونه دية نفس كاملة لا بدل نفس محترمة فدية الذمي والمرأة لا تكون في ثلاث على الأول كما يأتي وإذا وجبت على الجاني مؤجلة فمات أثناء الحول سقط وأخذ الكل من تركته لأنه واجب عليه أصالة وإنما لم تؤخذ من تركة من مات من العاقلة لأنها مواساة "و" تؤجل عليهم دية "ذمي" أو نحو مجوسي "سنة" لأنها ثلث أو أقل منه "وقيل" تؤجل "ثلاثا" لأنها بدل نفس "و" دية "امرأة" مسلمة وخنثى مسلم "سنتين في" السنة "الأولى ثلث" للدية الكاملة والباقي آخر السنة الثانية "وقيل" تؤجل "ثلاثا" لأنها بدل نفس، "وتحمل العاقلة العبد" أي قيمته إذا أتلفه من غير وضع يده عليه خطأ أو شبه عمد وأراد به ما يشمل الأمة "في الأظهر" لأنها بدل نفس "ففي كل سنة" يجب "قدر ثلث دية" زادت على الثلاث أم نقصت فإن وجب دون ثلث أخذ في سنة أيضا "وقيل" يجب "في ثلاث" من السنين نقصت عن دية أم زادت "ولو قتل رجلين" مسلمين "ففي ثلاث" من السنين تجب ديتهما لاختلاف المستحق "وقيل" تجب في "ست" من السنين لكل نفس ثلاث وما يؤخذ آخر كل سنة يقسم على مستحق الديتين وعكس ذلك لو قتل ثلاثة واحدا فعلى عاقلة كل واحد ثلث دية تؤجل عليه في ثلاث سنين نظرا لاتحاد المستحق وقيل في سنة "والأطراف" والمعاني والأروش والحكومات "في كل سنة ثلث دية" فإن كانت نصف دية ففي الأولى ثلث وفي الثانية سدس أو ثلاثة أرباعها ففي الأولى ثلث وفي الثانية ثلث وفي الثالثة نصف سدس أو ديتين ففي ست سنين "وقيل" تجب "كلها في سنة" بالغة ما بلغت لأنها ليست بدل نفس أو ربع دية ففي سنة قطعا، "و" أجل واجب "النفس من" وقت "الزهوق" للروح بمذفف أو سراية جرح لأنه مال يحل بانقضاء الأجل فكان ابتداء أجله من وقت وجوبه كسائر الديون المؤجلة "و" أجل واجب "غيرها من" حين "الجناية" لأنها حالة الوجوب وإن توقفت المطالبة على الاندمال ومحل ذلك إن لم تسر لعضو آخر وإلا كان قطع أصبعه فسرت لكفه كان ابتداء أجل الأصبع من القطع والكف من السقوط، "ومن مات" من العاقلة بعد سنة وهو موسر أو متوسط استقر عليه واجبها وأخذ من تركته مقدما على الوصايا والإرث أو "ببعض سنة سقط" عنه واجبها وواجب ما بعدها لما مر أنها مواساة كالزكاة وبه فارقت الجزية لأنها أجرة لا يقال في سقط حذف الفاعل بالكلية لأنه دل عليه السياق على أنه يصح كونه ضمير من ومعنى سقوطه عدم حسبانه فيمن وجبت عليهم، "ولا يعقل فقير" ولو كسوبا لأنه ليس من أهل المواساة "ورقيق" لذلك وملك المكاتب ضعيف لا يحتمل المواساة ويظهر أن المبعض كذلك ثم رأيت البلقيني ذكر ذلك وأن معتق بعضه يعقل عنه وامرأة وخنثى كما علم من قوله السابق وهم عصبته نعم إن بان ذكرا غرم للمستحق حصته التي قد أداها غيره ولو قبل رجوع غيره على المستحق فيما يظهر "وصبي ومجنون" ولو متقطعا وإن قل لأنهم ليسوا من أهل النصرة بوجه بخلاف

 

ج / 4 ص -77-          نحو زمن لأن له رأيا وقولا ولو مضت سنة ولم يجن فيها تحمل من واجبها كما بحثه الأذرعي وبه يعلم أنه يعتبر الكمال بالتكليف والتوافق في الدين والحرية في المتحمل من الفعل إلى مضي أجل كل سنة "ومسلم عن كافر وعكسه" إذ لا مناصرة كالإرث، "ويعقل" ذمي "يهودي" أو معاهد أو مستأمن زادت مدة عهده على أجل الدية ولم تنقطع قبل مضي الأجل نعم يكفي في تحمل كل حول على انفراده زيادة مدة العهد عليه "عن" ذمي "نصراني" أو معاهد أو مستأمن "وعكسه في الأظهر" كالإرث ومن ثم اختص ذلك بما إذا كانوا بدارنا لأنهم حينئذ تحت حكمنا أما الحربي فلا يعقل عن نحو ذمي وعكسه لانقطاع النصرة بينهما باختلاف الدار "وعلى الغني نصف دينار" أي مثقال ذهب خالص لأنه أقل ما يجب في الزكاة ومر أن التحمل مواساة مثلها "والمتوسط ربع" منه لأنه واسطة بين الفقير الذي لا شيء عليه والغني الذي عليه نصف فإلحاقه بأحدهما تفريط أو إفراط والناقص عن الربع تافه ومن ثم لم يقطع به سارقه ولا يتعين الذهب ولا الدراهم بل يكفي مقدار أحدهما لأن الواجب هو الإبل إن وجدت عند الأداء بالنسبة لواجب كل نجم ولا يعتبر بعض النجوم ببعض وما يؤخذ يصرف إليها ولو زاد عددهم وقد استووا في القرب على قدر واجب السنة قسط عليهم ونقص كل منهم من النصف أو الربع وضبط البغوي الغني والمتوسط بالعادة ويختلف بالمحل والزمن وضبطهما الإمام والغزالي ومال إليه الرافعي واستنبطه ابن الرفعة من كلام الأصحاب بالزكاة فمن ملك قدر عشرين دينارا آخر الحول فاضلا عن كل ما لا يكلف بيعه في الكفارة غني ومن ملك آخره فاضلا عن ذلك دون العشرين وفوق ربع الدينار لئلا يصير فقيرا بأخذه منه متوسط ومن عداهما فقير فلا يحتاج لحده هنا وحد ابن الرفعة له بأنه من لا يملك ما يفضل عن كفايته على الدوام موهم إلا أن يريد من لا يملك ما يفضل عن كفاية كل يوم بحيث لا يصل لحد التوسط "كل سنة من الثلاث" لأنها مواساة تتعلق بالحول فتكررت بتكرره ولم تتجاوز الثلاث للنص كما مر فجميع ما على كل غني في الثلاث دينار ونصف وما على المتوسط نصف وربع "وقيل هو" أي النصف والربع "واجب الثلاث" فيؤدي الغني آخر كل سنة سدسا والمتوسط نصف سدس "ويعتبران" أي الغنى والتوسط "آخر الحول" كالزكاة فالمعسر آخره لا شيء عليه وإن كان أوله أو بعده غنيا وعكسه عليه واجبه وقضية كلامه أن غيرهما من الشروط لا يعتبر بآخره وهو كذلك فالكافر والقن والصبي والمجنون أول الأجل لا شيء عليهم مطلقا وإن كملوا قبل آخر السنة الأولى وفارقوا المعسر بأنهم ليسوا أهلا للنصرة ابتداء فلا يكلفونها في الأثناء بخلافه "ومن أعسر فيه" أي في آخر الحول "سقط" عنه واجب ذلك الحول وإن أيسر بعده ولو طرأ جنون أثناء حول سقط واجبه فقط وكذا الرق بأن حارب الذمي ثم استرق.

فصل في جناية الرقيق
"مال جناية العبد" أي الرقيق الخطأ وشبه العمد والعمد إذا عفي عنه على مال وإن فدى من جنايات سابقة "يتعلق برقبته" إجماعا، ولأنه العدل إذ السيد لم يجن والتأخير إلى

 

ج / 4 ص -78-          عتقه فيه تفويت على المستحق بخلاف معاملة غيره له لرضاه بذمته وإنما ضمن مالك البهيمة أو عاقلته جنايتها لأنه لا اختيار لها فصار كأنه الجاني ومن ثم لو كان القن غير مميز أو أعجميا يعتقد وجوب الطاعة فأمره سيده بالجناية لزمه أو عاقلته أرشها بالغا ما بلغ ولم تتعلق بالرقبة وكذا لو أمره أجنبي يلزم الأجنبي أيضا واستشكل بأن آمره بالسرقة لا يقطع ورد بأن الأكثرين على قطعه لأنه آلته بخلاف أمر السيد أو غيره للمميز فإنه لا يمنع التعلق برقبته لأنه المباشر ومن ثم لم تتعلق الجناية بغير الرقبة من مال الآمر ولو لم يأمر غير المميز أحد تعلقت برقبته فقط لأنه من جنس ذوي الاختيار بخلاف البهيمة ومعنى التعلق بها أنه يباع ويصرف ثمنه للمجني عليه فلا يملكه هو ولا وارثه لئلا يبطل حق السيد من الفداء ويتعلق بجميعها وإن كان الواجب حبة وقيمته ألفا ولو أبرأ المستحق من بعضها أي المعين انفك منه بقسطها كذا صححاه في الوصايا وهو مشكل فإن تعلق الرهن دونها لتقدمها عليه ولو أبرأ المرتهن من البعض لم ينفك منه شيء فقياسه أنه لا ينفك منه شيء هنا وقد يفرق بأن التعلق ثم إنما هو بالذمة أصالة وأما بالرهن فهو لكونه كالنائب عنها أعطي حكمها من شغله كله ما دامت مشغولة كلها إذ لا يتصور فيها التجزؤ وأما التعلق هنا فهو بالرقبة وهو موجود محسوس يمكن تجزيه فعملوا بقضية كل في بابه "ولسيده" بنفسه أو نائبه "بيعه" أو بيع ما يملكه منه إذا كان مبعضا إذ الواجب عليه من واجب جنايته بنسبة حريته وما فيه من الرق يتعلق به باقي واجب الجناية "لها" أي لأجلها بإذن المستحق وتسليمه ليباع فيها "وفداؤه" كالمرهون ويقتصر في البيع على قدر الحاجة ما لم يختر السيد بيع الجميع أو يتعذر وجود راغب في البعض وإذا اختار فداءه لم يلزمه إلا "بالأقل من قيمته" يوم الفداء لأن الموت قبل اختياره لا يلزم السيد به شيء فأولى النقص نعم إن منع من بيعه ثم نقصت قيمته عن وقت الجناية اعتبرت قيمته وقتها "وأرشها" لأن الأرش إن كان أقل فلا واجب غيره وإلا لم يلزم السيد غير الرقبة فقبل منه قيمتها "وفي القديم بأرشها" بالغا ما بلغ "ولا يتعلق" مال الجناية الثابتة بالبينة أو إقرار السيد ولا مانع "بذمته" ولا بكسبه وحدهما ولا "مع رقبته في الأظهر" وإن أذن له سيده في الجناية فما بقي عن الرقبة يضيع على المجني عليه لأنه لو تعلق بالذمة لما تعلق بالرقبة كديون المعاملات أما لو أقر بها السيد وثم مانع كرهن فأنكر المرتهن وحلف فإنه يباع في الدين ولا شيء على السيد أو العبد وكذبه السيد ولا بينة فتتعلق بذمته فقط كما مر في الإقرار ولا يرد على المتن ما لو أقر السيد بأن الذي جنى عليه قنه قيمته ألف وقال القن بل ألفان فإنه وإن تعلق ألف بالرقبة وألف بالذمة كما في الأم لكن اختلفت جهة التعلق ولو لم ينزع لقطة علمها بيده فتلفت ولو بغير فعله تعلقت برقبته وسائر أموال السيد وهذه إن كان التلف فيها بفعله ترد عليه.
تنبيه: من المشكل جدا على ما هنا إن واجب جناية القن المميز لا يتعلق بمال السيد وإن أمره بها هذه المسألة وقولهم لو رأى عبده يتلف مالا لغيره ولم يمنعه ضمن مع العبد لتعديهما فضمنوا السيد فيهما بمجرد السكوت ولم يضمنوه هنا بالأمر. وقد يتمحل

 

ج / 4 ص -79-          للفرق بأن الأمر بالجناية لا يستلزم الوقوع فلم تتحقق حقيقة التعدي فيه بخلاف ترك لقطة بيده وعدم دفعه عن مال الغير فإنه لكونه أكمل من القن إنما تنسب حقيقة التعدي إليه فساوت بقية أمواله رقبة العبد في التعلق بها فإن قلت يلزم على ذلك أنه لو رآه هنا يجني فسكت ضمن وثم لو أمره فأتلف في غيبته لا يضمن قلت ظاهر كلامهم في البابين ذلك وله وجه علم مما قررته حاصله أن مجرد الأمر دون مشاهدة التلف وإقرار اللقطة بيده فجاز أن يؤثر هذان ما لا يؤثر الأول فتأمله.
"ولو فداه ثم جنى سلمه للبيع" أي ليباع أو باعه كما مر "أو فداه" مرة أخرى وإن تكرر ذلك مرارا لأنه الآن لم يتعلق به غير هذه الجناية "ولو جنى ثانيا قبل الفداء باعه" أو سلمه ليباع "فيهما" ووزع الثمن على أرش الجنايتين وإنما يتجه ذلك حيث لم تكن إحدى الجنايتين موجبة للقود أو عفا مستحقه على مال وإلا فهو محل نظر لأنه لا يمكن الاشتراك حينئذ، وتقديم البيع لذي المال يفوت القود والقود يفوت البيع ولو قيل حينئذ بتقديم ذي المال حيث استمر ذو القود على طلبه ولم يوجد من يشتريه مع تعلق القود به لم يبعد لأن القود يتدارك ولو بعد عتقه وحينئذ لا ينافيه قولنا ولم يوجد إلخ لأنا إنما شرطناه ليقدم على شرائه فيستمر ذو القود على حقه لكنه لا يستوفيه إلا برضا المشتري أو بعد عتقه ثم رأيت عن ابن القطان والمعلق عنه ما قد يخالف ذلك والوجه ما ذكرته فتأمله فإن قلت قياس ما مر أن ذا القود إذا تقدمت الجناية عليه له قتله وإن فات حق من بعده كمن قتل جمعا مرتبا يقتل بأولهم قلت يفرق بأن قتله ثم لا يفوت حق من بعده لبقاء المال متعلقا بتركته وذمته بخلافه هنا إذ لا تعلق إلا بالرقبة فيفوت حق الثاني بالكلية فكان الأعدل عفو ذي القود ليشتركا وإلا قدم حق غيره لتقصيره "أو فداه بالأقل من قيمته والأرشين" على الجديد "وفي القديم" يفديه "بالأرشين" ومحل الخلاف إن لم يمنع من بيعه مختارا للفداء وإلا لزمه فداء كل منهما بالأقل من أرشها وقيمته "ولو أعتقه أو باعه وصححناهما" بأن أعتقه موسرا أو باعه بعد اختيار الفداء "أو قتله فداه" وجوبا لأنه فوت محل التعلق فإن تعذر الفداء لنحو إفلاسه أو غيبته أو صبره على الحبس فسخ البيع وبيع في الجناية وفداؤه هنا "بالأقل" من قيمته والأرش جزما لتعذر البيع "وقيل" يجري هنا أيضا "القولان" السابقان "ولو هرب" العبد الجاني "أو مات" قبل اختيار سيده الفداء "برئ سيده" من علقته لفوات الرقبة "إلا إذا طلب" منه ليباع "فمنعه" لتعديه بالمنع ويصير بذلك مختارا للفداء بخلاف ما لو لم يطلب منه أو طلب فلم يمنعه فإنه لا يلزم به وإن علم محله وقدر عليه فيما يظهر خلافا للزركشي وقوله لأنه يلزمه تسليمه يرد بأنه لا يلزمه إلا إن كان تحت يده نعم يلزمه الإعلام به لكن هذا لا يختص به بل كل من علم به كذلك فيما يظهر "ولو اختار الفداء" بالقول إذ لا يحصل بفعل كوطء الأمة "فالأصح أن له الرجوع وتسليمه" ليباع لأن اختياره مجرد وعد لا يلزم ولم يحصل اليأس من بيعه ومن ثم لو مات أو قتل لم يرجع جزما وكذا لو نقصت قيمته بعد اختياره إلا إن غرم ذلك النقص ولو باعه بإذن المستحق بشرط الفداء لزمه وامتنع رجوعه وكذا يمتنع لو كان البيع يتأخر

 

ج / 4 ص -80-          تأخرا يضر المجني عليه وللسيد أموال غيره فيلزم بالفداء حذرا من ضرر المجني عليه ذكر ذلك البلقيني "ويفدي أم ولده" حتما لمنعه بيعها ومن ثم لم تتعلق الجناية بذمتها خلافا للزركشي بل بذمته "بالأقل" من قيمتها يوم الجناية وإن تأخر الإحبال عنها كما اقتضاه إطلاقهم ومحله إن منع بيعها يوم الجناية وإلا فالتفويت إنما وقع بالإحبال المتأخر فليعتبر دون ما قبله كما بحث ويفرق بينه وبين المنع من بيعها فيما مر بأن المنع ليس مفوتا للبيع فلم يعتبر ومن الأرش قطعا لامتناع بيعها "وقيل" فيها "القولان" السابقان في القن لجواز بيعها في صور ومن ثم لو جاز لكونه استولدها مرهونة وهو معسر لم يجب فداؤها بل يقدم حق المجني عليه على حق المرتهن ومثلها فيما ذكر الموقوف والمنذور عتقه ومر أن نحو الإيلاد بعد الجناية إنما ينفذ من الموسر دون المعسر "وجناياتها كواحدة في الأظهر" فيلزمه للكل فداء واحد لأن الاستيلاد بمنزلة الإتلاف وهو لو قتل الجاني لم يلزمه إلا قيمة واحدة يقتسمها جميع المستحقين فهي كذلك بالأولى فيشترك المستحقون فيها بقدر جناياتهم ومن قبض أرشا حوصص فيه كغرماء المفلس إذا اقتسموا ثم ظهر غيرهم وكلما تجددت جناية تجدد الاسترداد فإذا كانت قيمتها ألفا وأرش الجناية ألف أخذها المستحق فإذا جنت ثانيا والأرش ألف استرد خمسمائة يأخذها المستحق فإذا جنت ثالثا والأرش ألف استرد من كل ثلث ما معه وهكذا أو ألفا وأرش الجناية الأولى خمسمائة فأخذها ثم جنت والأرش ألف استرد الخمسمائة الباقية عند السيد ثلث الخمسمائة التي أخذها الأول.

فصل في الغرة
"في الجنين" الحر المعصوم عند الجناية وإن لم تكن أمه معصومة عندها ذكرا كان أو نسيبا أو تام الخلقة أو مسلما أو ضد كل ولكون الحمل مستترا والاجتنان الاستتار ومنه الجن سمي جنينا "غرة" إجماعا وهي الخيار وأصلها بياض في وجه الفرس وأخذ بعض العلماء منها اشتراط بياض الرقيق الآتي وهو شاذ وإنما تجب "إن انفصل ميتا بجناية" على أمه الحية تؤثر فيه عادة ولو نحو تهديد أو طلب ذي شوكة لها أو لمن عندها كما مر أو تجويع أثر إسقاطا بقول خبيرين لا نحو لطمة خفيفة "في حياتها أو" بعد "موتها" متعلق بانفصل لا بجناية إلا على ما قاله جمع من أنه لو ضرب ميتة فأجهضت ميتا لزمته غرة لكن قال آخرون لا غرة فيه وادعى الماوردي فيه الإجماع ورجحه البلقيني وغيره لأن الأصل عدم الحياة وبفرضها فالظاهر موته بموتها وإنما لم تختلف الغرة بذكورته وأنوثته لإطلاق خبر الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قضى في الجنين بغرة، ولعدم انضباطه فهو كاللبن في المصراة قدره الشارع بصاع لذلك وخرج بتقييد الجنين بالعصمة ما لو جنى على حربية حامل من حربي أو مرتدة حملت بولد في حال ردتها فأسلمت ثم أجهضت أو على أمته الحامل من غيره فعتقت ثم أجهضت والحمل ملكه فإنه لا شيء فيه لإهداره، وجعل غير واحد من الشراح ذلك قيدا لها مردود لإيهامه أنه لو جنى على حربية أو مرتدة أو

 

ج / 4 ص -81-          مملوكة جنينها مسلم في الأوليين أو لغيره في الأخيرة لا شيء فيه وليس كذلك لعصمته فلا نظر لإهدارها "وكذا إن ظهر" بالجناية على أمه في حياتها أو موتها على ما مر "بلا انفصال" كأن ضرب بطنها فخرج رأسه وماتت أو أخرج رأسه فجنى عليها وماتت ولم ينفصل "في الأصح" لتحقق وجوده ولو أخرج رأسه وصاح فحز آخر رقبته قبل انفصاله قتل به على المعتمد لتيقن استقرار حياته "وإلا" ينفصل ولا ظهر بعضه "فلا غرة" وإن زالت حركة البطن وكبرها لعدم تيقن وجوده ولا إيجاب مع الشك "أو" انفصل "حيا" بالجناية على أمه "وبقي زمانا بلا ألم ثم مات فلا ضمان" لأن ظاهر موته بسبب آخر "وإن مات حين خرج" أي تم خروجه "أو دام ألمه" وإن لم يكن به ورم "فمات فدية نفس" فيه إجماعا لتيقن حياته وإن لم يستهل لأن الفرض أنه وجد فيه أمارة الحياة كنفس وامتصاص ثدي وقبض يد وبسطها وحينئذ لا فرق بين انتهائه لحركة المذبوحين وعدمه لأن حياته لما علمت كان الظاهر موته بالجناية ومن ثم لم يؤثر انفصاله لدون ستة أشهر وإن علم أنه لا يعيش فمن قتله وقد انفصل بلا جناية قتل به كقتل مريض مشرف على الموت فإن انفصل بجناية وحياته مستقرة فكذلك وإلا عزر الثاني فقط ولا عبرة بمجرد اختلاج ويصدق الجاني بيمينه في عدم الحياة لأنه الأصل وعلى المستحق البينة، "ولو ألقت" المرأة بالجناية عليها "جنينين" ميتين "فغرتان" أو ثلاثا فثلاث وهكذا لتعلق الغرة باسم الجنين أو ميتا وحيا فمات فغرة في الميت ودية في الحي "أو" ألقت "يدا" أو رجلا أو رأسا أو متعددا من ذلك وإن كثر ولو لم ينفصل الجنين وماتت الأم "فغرة" واحدة للعلم بوجود الجنين والظاهر أن نحو اليد بأن بالجناية وتعدد ما ذكر لا يستلزم تعدده فقد وجد رأسان لبدن واحد نعم إن ألقت أكثر من بدن ولم يتحقق اتحاد الرأس تعددت بعدده لأن الشخص الواحد لا يكون له بدنان بحال وحكي عن النص أنه كتعدد الرأس أما إذا عاشت ولم تلق جنينا فلا يجب في اليد أو الرجل إلا نصف غرة كما أن يد الحي لا يجب فيها إلا نصف ديته ولا يضمن باقيه لأنا لم نتحقق تلفه بهذه الجناية فإن ألقته ميتا كامل الأطراف وجبت حكومة في اليد لا غير لاحتمال أنها كانت زائدة لهذا الجنين وانمحق أثرها هذا إن كان بعد الاندمال وإلا فغرة ولا شيء في اليد لهذا الاحتمال وحكى شارح عن الماوردي ما يخالف ذلك والمعتمد ما تقرر "وكذا لحم قال القوابل" أي أربع منهن "فيه صورة" ولو لنحو عين أو يد "خفية" لا يعرفها غيرهن فتجب الغرة لوجوده "قيل أو قلن" ليس فيه صورة ظاهرة ولا خفية ولكنه أصل آدمي و "لو بقي لتصور" والأصح أنه لا أثر لذلك كما لا أثر له في أمية الولد وإنما انقضت العدة به لدلالته على براءة الرحم.
فرع: أفتى أبو إسحاق المروزي بحل سقيه أمته دواء لتسقط ولدها ما دام علقة أو مضغة وبالغ الحنفية فقالوا يجوز مطلقا وكلام الإحياء يدل على التحريم مطلقا وهو الأوجه كما مر والفرق بينه وبين العزل واضح.
"وهي" أي الغرة في الكامل وغيره "عبد أو أمة" كما نطق به الخبر بخيرة الغارم لا

 

ج / 4 ص -82-          المستحق، وبحث الزركشي ومن تبعه أخذا من المتن عدم إجزاء الخنثى وعللوه بأنه ليس ذكرا ولا أنثى أي باعتبار الظاهر لا باطن الأمر ومع ذلك الوجه التعليل بأن الخنوثة عيب كما مر في البيع "مميز" بلغ سبع سنين على ما نص عليه في الأم واعتمده البلقيني فلا يلزم قبول غيره لأنه لاحتياجه لكافل غير خيار ولا جابر لخلل والغرة الخيار ومقصودها جبرا لخلل فاستنبط من النص معنى خصصه وبه فارق إجزاء الصغير مطلقا في الكفارة لأن الوارد ثم لفظ الرقبة فاكتفي فيها بما تترقب فيه القدرة على الكسب "سليم من عيب مبيع" فلا يجبر على قبول معيب كأمة حامل وخصي وكافر بمحل تقل الرغبة فيه لأنه ليس من الخيار واعتبر عدم عيب المبيع هنا كإبل الدية لأنهما حق آدمي لوحظ فيه مقابلة ما فات من حقه فغلب فيهما شائبة المالية فأثر فيهما كل ما يؤثر في المال وبهذا فارقا الكفارة والأضحية "والأصح قبول كبير لم يعجز" عن شيء من منافعه "بهرم" لأنه من الخيار بخلاف ما إذا عجز به بأن صار كالطفل وأفاد المتن ما صرح به غيره من إطلاق عدم إجزاء الهرم نظرا إلى أن من شأن الهرم العجز "ويشترط بلوغها" أي قيمة الغرة "نصف عشر الدية" أي دية أب الجنين إن كان وإلا كولد الزنا فعشر دية الأم والتعبير به أولى ففي الكامل ولو حال الإجهاض بأن أسلمت أمه الذمية أو أبوه قبيله وكذا متولد بين كتابية ومسلم للقاعدة أن الأب إذا فضل الأم في الدين فرضت مثله فيه رقيق تبلغ قيمته خمسة أبعرة كما روي عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم ولا مخالف لهم وتعتبر قيمة الإبل المغلظة إذا كانت الجناية شبه عمد واعتبر الكمال حال الإجهاض دون العصمة كما مر لأن العبرة في قدر الضمان بالمآل نظير ما مر أول الباب "فإن فقدت" حسا أو شرعا بأن لم توجد إلا بأكثر من قيمتها ولو بما قل وجب نصف عشر دية الأب فإن كان كاملا "فخمسة أبعرة" تجب فيه لأن الإبل هي الأصل "وقيل لا يشترط" بلوغها نصف عشر الدية لإطلاق الخبر "ف" عليه "للفقد" تجب "قيمتها" بالغة ما بلغت وإذا وجبت الإبل والجناية شبه عمد غلظت ففي الخمس تؤخذ حقة ونصف وجذعة ونصف وخلفتان فإن فقدت الإبل فكما مر في الدية لأنها الأصل في الديات فوجب الرجوع إليها عند فقد المنصوص عليه وبه يفرق بين ما هنا وفقد بدل البدنة في كفارة جماع النسك لأن البدل ثم لا أصالة بخلافه هنا، "وهي" أي الغرة "لورثة الجنين" بتقدير انفصاله حيا ثم موته لأنها فداء نفسه ولو تسببت الأم لإجهاض نفسها كأن صامت أو شربت دواء لم ترث منها شيئا لأنها قاتلة، "و" الغرة "على عاقلة الجاني" للخبر "وقيل إن تعمد" الجناية بأن قصدها بما يجهض غالبا "فعليه" الغرة دون عاقلته بناء على تصور العمد فيه والمذهب عدم تصوره لتوقفه على علم وجوده وحياته ومن ثم لم يجب فيه قود وإن خرج حيا ومات، "والجنين" المعصوم "اليهودي أو النصراني" أو المتولد بين كتابي ونحو وثني "قيل كمسلم" لعموم الخبر "وقيل هدر" لتعذر التسوية والتجزئة ونازع الأذرعي في وجود هذا الوجه وتحرير ما قبله بما يطول بسطه "والأصح" أنه يجب فيه "غرة كثلث غرة مسلم" قياسا على الدية وفي المجوسي

 

ج / 4 ص -83-          ونحوه ثلثا عشر غرة مسلم "و" الجنين "الرقيق" بالجر عطفا على الجنين أول الفصل والرفع على الابتداء والتقدير فيه "عشر قيمة أمه" قياسا على الجنين الحر فإن غرته عشر دية أمه وسواء فيه الذكر والأنثى وفيها المكاتبة والمستولدة وغيرهما نعم إن كانت هي الجانية على نفسها لم يجب فيه له شيء إذ لا شيء للسيد على قنه وتعتبر قيمتها "يوم الجناية" عليه لأنه وقت الوجوب "وقيل" يوم "الإجهاض" لأنه وقت الاستقرار والأصح كما في أصل الروضة اعتبار أكثر القيم من يوم الجناية إلى الإجهاض مع تقدير إسلام الكافرة وسلامة المعيبة ورق الحرة بأن يعتقها مالكها والجنين لآخر بنحو وصية وذلك تغليظا عليه كالغاصب ما لم ينفصل حيا ثم يموت من أثر الجناية وإلا ففيه قيمة يوم الانفصال قطعا والقيمة في القن "لسيدها" ذكر لأن الغالب أن من ملك حملا ملك أمه فالمراد لمالكه سواء أكان مالكها أم غيره "فإن كانت" الأم القنة "مقطوعة" أطرافها يعني زائلتها ولو خلقة وهذا مثال وإلا فالمدار على كونها ناقصة "والجنين سليم" أو هي سليمة والجنين ناقص "قومت سليمة في الأصح" لسلامته أو سلامتها وكما لو كانت كافرة وهو مسلم تقوم مسلمة ولأن نقصه قد يكون من أثر الجناية واللائق الاحتياط والتغليظ "وتحمله" أي بدل الجنين القن "العاقلة في الأظهر" لما مر أنها تحمل العبد ويدخل أرش الألم لا الشين في الغرة.

فصل في الكفارة
والقصد بها تدارك ما فرط من التقصير وهو في الخطأ الذي لا إثم فيه ترك التثبت مع خطر الأنفس.
"يجب بالقتل كفارة" على القاتل غير الحربي الذي لا أمان له والجلاد الذي لم يعلم خطأ الإمام إجماعا للآية ويجب الفور في العمد وشبهه كما هو ظاهر تداركا لإثمهما بخلاف الخطأ وخرج بالقتل ما عداه فلا يجب فيه لأنه لم يرد "وإن كان القاتل" المذكور "صبيا أو مجنونا" لأن غاية فعلهما أنه خطأ وهي تجب فيه وإنما لم تلزمهما كفارة وقاع رمضان لأنها مرتبطة بالتكليف وليسا من أهله وهنا بالإزهاق احتياطا للحياة فيعتق الولي عنهما من مالهما فإن فقد فصاما وهما مميزان أجزأهما وكذا من ماله إن كان أبا أو جدا وكذا وصي وقيم وقد قبل لهما القاضي التمليك "وعبدا" فيكفر بالصوم "وذميا" قتل مسلما أو غيره نقض العهد أو لا ومعاهدا ومستأمنا ومرتدا ويتصور إعتاق الكافر للمسلم بأن يرثه أو يستدعي عتقه ببيع ضمني وسفيها ولا يجزئه غير عتق الولي عنه إن أيسر "وعامدا" كالمخطئ بل أولى لأنه أحوج إلى الجبر ولما في الخبر الصحيح من إيجابها في قتل استوجب صاحبه النار وهو لا يكون إلا عمدا أو شبهه "ومخطئا" إجماعا ولم يتعرض لشبهة العمد لأنه معلوم مما ذكره لأخذه شبها منهما ومأذونا له من المقتول "ومتسببا" كمكره وآمر لغير مميز وشاهد زور وحافر عدوانا وإن حصل التردي بعد موت الحافر فالمراد بالمتسبب ما يشمل صاحب الشرط أما الحربي

 

ج / 4 ص -84-          الذي لا أمان له والجلاد القاتل بأمر الإمام ظلما وهو جاهل بالحال فلا كفارة عليهما لعدم التزام الأول ولأن الثاني سيف الإمام وآلة سياسته "بقتل" معصوم عليه نحو "مسلم ولو بدار حرب" وإن لم يجب فيه قود ولا دية في صوره السابقة أول الباب لقوله تعالى: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ} [النساء: 92] الآية أي فيهم وذمي كمعاهد ومستأمن كما في آخر الآية وكمرتد بأن قتله مرتد مثله لما مر أنه معصوم عليه ويقاس به نحو زان محض وتارك صلاة وقاطع طريق بالنسبة لمثله لأنه معصوم عليه بخلاف هؤلاء بالنسبة لغير مثلهم لإهدارهم نعم قاطع الطريق لا بد فيه من إذن الإمام وإلا وجبت كالدية "وجنين" مضمون لأنه آدمي معصوم "وعبد نفسه" لذلك، ولأن الكفارة حق لله تعالى "ونفسه" فتخرج من تركته لذلك أيضا ومن ثم لو هدر كالزاني المحصن لم تجب فيه على ما استظهره شارح وإن أثم بقتل نفسه كما لو قتله غيره افتياتا على الإمام "وفي" قتل "نفسه وجه" أنها لا تجب فيها كما لا ضمان ويرده وضوح الفرق وهو أن الكفارة حق الله تعالى فلم تسقط بفعله بخلاف الضمان، "لا" في قتل "امرأة وصبي حربيين" وإن جرم لأنه ليس لعصمتهما بل لتفويت إرقاقهم على المسلمين وكالصبي الحربي والمجنون الحربي "وباغ" قتله عادل حال القتال وعكسه "وصائل" قتله من صال عليه لإهدارهما بالنسبة لقاتلهما حينئذ "ومقتص منه" قتله المستحق ولو لبعض القود لأنه مهدر بالنسبة إليه وإن أثم بتفويته تشفى غيره ولا تجب على عائن وإن كانت العين حقا لأنها لا تعد مهلكا عادة على أن التأثير يقع عندها لا بها حتى بالنظر للظاهر وقيل تنبعث منها جواهر لطيفة غير مرئية تتخلل المسام فيخلق الله تعالى الهلاك عندها ومن أدويتها المجربة التي أمر بها صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ العائن، أي يغسل وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخل إزاره أي ما يلي جسده من الإزار وقيل وركبه وقيل مذاكيره ويصبه على رأس المعيون وأوجب ذلك بعض العلماء ورجحه الماوردي وفي شرح مسلم عن العلماء وإذا طلب من العائن فعل ذلك لزمه لخبر: "وإذا استغسلتم فاغسلوا" وعلى السلطان منع من عرف بذلك من مخالطة الناس ويرزقه من بيت المال إن كان فقيرا فإن ضرره أشد من ضرر المجذوم الذي منعه عمر رضي الله عنه من مخالطة الناس وأن يدعو العائن له وأن يقول المعيون ما شاء الله لا قوة إلا بالله حصنت نفسي بالحي القيوم الذي لا يموت أبدا ودفعت عنها السوء بألف لا حول ولا قوة إلا بالله قال القاضي ويسن لمن رأى نفسه سليمة وأحواله معتدلة أن يقول ذلك قال الرازي والعين لا تؤثر ممن له نفس شريفة لأنه لاستعظام للشيء واعترض بما رواه القاضي أن نبيا استكثر قومه فمات منهم في ليلة مائة ألف فشكا ذلك إلى الله تعالى فقال إنك استكثرتهم فعنتهم فهلا حصنتهم إذا استكثرتهم؟ فقال يا رب كيف أحصنهم؟ قال تعالى: تقول حصنتكم بالحي القيوم إلخ، وقد يجاب بأن ما ذكره الرازي هو الأغلب بل يتعين تأويل هذا إن صح بأن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم لما غفل عن الذكر عند الاستكثار عوقب فيهم ليسأل فيعلم فهو كالإصابة بالعين لا أنه عان حقيقة، "وعلى كل من الشركاء كفارة في الأصح" لأنها حق يتعلق

 

ج / 4 ص -85-          بالقتل، فلا يتبعض كالقصاص وبه فارقت الدية ولأنها وجبت لهتك الحرمة لا بدلا وبه فارقت جزاء الصيد، "وهي ك" كفارة "ظهار" في جميع ما مر فيها فيعتق من يجزئ ثم يصوم شهرين متتابعين كما مر ثم أيضا للآية "لكن لا إطعام فيها" عند العجز عن الصوم "في الأظهر" إذ لا نص فيه والمتبع في الكفارات النص لا القياس والمطلق إنما يحمل على المقيد في الأوصاف كالأيمان في الرقبة لا الأشخاص كالإطعام هنا وعلم مما مر في الصوم أنه لو مات قبله أطعم عنه.