تحفة المحتاج بشرح المنهاج ط العلمية

ج / 4 ص -86-          كتاب دعوى الدم
عبر به عن القتل للزومه له غالبا "والقسامة" بفتح القاف وهي لغة اسم لأولياء الدم ولأيمانهم واصطلاحا اسم لأيمانهم وقد تطلق على الأيمان مطلقا إذ القسم اليمين ولاستتباع الدعوى للشهادة بالدم لم يذكرها في الترجمة وإن ذكرها فيما يأتي.
"يشترط" لصحة دعوى الدم كغيره وخص الأول بقرينة ما يأتي لأن الكلام فيه ستة شروط:
الأول: "أن" تعلم غالبا بأن "يفصل" المدعي ما يدعيه مما يختلف به الغرض فيفصل هنا مدعي القتل "ما يدعيه من عمد وخطأ" وشبه عمد ويصف كلا منها بما يناسبه ما لم يكن فقيها موافقا لمذهب القاضي على ما يأتي بما فيه أواخر الشهادات وحذف الأخير لأن الخطأ يطلق عليه "وانفراد وشركة" بين من يمكن اجتماعهم وعدد الشركاء إن وجبت الدية ولو بأن يقول أعلم أنهم لا يزيدون على عشرة مثلا فتسمع ويطالب بحصة المدعى عليه فإن كان واحدا طالبه بعشر الدية لاختلاف الأحكام بذلك ومن ثم لم يجب ذكر عدد الشركاء في القود لأنه لا يختلف واستثنى ابن الرفعة كالماوردي السحر فلا يشترط تفصيله لخفائه واعترض بأنه مخالف لإطلاقهم أي لكنه ظاهر المعنى "فإن أطلق" المدعي "استفصله القاضي" ندبا بما ذكر لتصح دعواه وله أن يعرض عنه "وقيل يعرض عنه" وجوبا لأنه نوع من التلقين وردوه بأن التلقين أن يقول له قل قتله عمدا مثلا لا كيف قتله عمدا أم غيره والحاصل أن الاستفصال عن وصف أطلقه سائغ وعن شرط أغفله ممتنع وفي الاكتفاء بكتابة رقعة بالدعوى وقوله ادعى بما فيها وجهان والذي يتجه منهما أنه لا يكفي إلا بعد معرفة القاضي والخصم ما فيها ثم رأيت شيخنا قال الظاهر منهما كما أشار إليه الزركشي الاكتفاء بذلك إذا قرأها القاضي أو قرئت عليه أي بحضرة الخصم قبل الدعوى وعليه فيفرق بين هذا ونظيره في إشهاده على رقعة بخطه أنه لا بد من قراءتها عليهم ولا يكفي قوله اشهدوا علي بما فيها وإن عرفوه بأن الشهادة يحتاط لها أكثر على أن اشهدوا علي بكذا ليس صيغة إقرار على ما مر فيه.
الثاني: أن تكون ملزمة ففي دعوى هبة شيء لا بد من وأقبضنيه أو قبضته بإذنه وبيع أو إقرار لا بد من ويلزمه التسليم إلي أو إلى وليي.
"و" الثالث "أن يعين المدعى عليه فلو قال" في دعواه على حاضرين "قتله أحدهم" أو قتله هذا أو هذا أو هذا وطلب تحليفهم "لم يحلفهم القاضي في الأصح" لانبهام المدعى عليه وفهم شارح المتن على ظاهره من سماع دعواه عليهم ثم إن أنكروا وطلب تحليفهم لم يحلفهم وليس كذلك بل لا تسمع دعواه أصلا كما يصرح به فرض غير المتن الخلاف في أصل سماع الدعوى واستحسنوه لأن التحليف فرع الدعوى، بل

 

ج / 4 ص -87-          صرحوا به بقولهم إن قول الروضة وأصلها لو قال القاتل أحدهم ولا أعرفه فله تحليفهم فإن نكل أحدهم كان لوثا في حقه فيقسم عليه مبني على سماع الدعوى وهو وجه ضعيف ويلزم من عدم سماعها عدم التحليف لأنه فرعها نعم إن كان هناك لوث سمعت كذا قيل وليس في محله لأنه يلزم من سماعها تحليف المدعى عليه وهو على مبهم محال ولا يقال فائدته تحليف الكل لأن تحليفهم إنما ينشأ عن دعوى مسموعة وقد تقرر أنها لا تسمع "ويجريان" أي الأصح ومقابله "في دعوى" نحو "غصب وسرقة وإتلاف" وغيرها من كل ما يتصور فيه انفراد المدعى عليه بسبب الدعوى فلا تسمع فيه على مبهم وقيل تسمع لأنه حينئذ يقصد كتمه فيعسر فيه التعيين بخلاف نحو البيع لأنه ينشأ عن اختيار العاقدين فيضبط كل صاحبه.
"و" الرابع والخامس: أهلية كل من المتداعيين للخطاب ورد الجواب فحينئذ "إنما تسمع" الدعوى في الدم وغيره "من مكلف" أو سكران "ملتزم" ولو لبعض الأحكام كالمعاهد والمستأمن "على مثله" ولو محجورا عليه بسفه أو فلس أو رق لكن لا يقول الأول استحق تسليم المال وإنما يقول ويستحقه ولي ولا تسمع على الأخير هنا إلا لقود أو إقسام بخلاف صبي أو مجنون عند الدعوى لإلغاء عبارتهما فتسمع من الولي أو عليه وحربي لا أمان له مدعيا كان أو مدعى عليه إلا في صور تعلم مما يأتي في السير وذلك لعدم التزامه لشيء من الأحكام ومر قبول إقرار سفيه بموجب قود ومثله نكوله وحلف المدعي لا مال لكن تسمع الدعوى عليه لإقامة البينة لا غير لا لحلف مدع لو نكل لأن النكول مع اليمين كالإقرار وإقراره به لغو كما تقرر.
"و" الشرط السادس: أن لا يناقضها دعوى أخرى فحينئذ "لو ادعى" على شخص "انفراده بالقتل ثم ادعى على آخر" انفرادا أو شركة "لم تسمع الثانية" لتكذيب الأولى لها نعم إن صدقه الثاني أوخذ أيضا لأن الحق لا يعدوهما ويحمل كذبه في الأولى وصدقه في الثانية وخرج بالثانية الأولى فإن ادعى ذلك قبل الحكم له بأخذ المال لم يأخذه لبطلان الأولى أو بعده مكن من العود إليها فإن قال إن الأول ليس بقاتل رد عليه ما أخذه منه أو أنه شريك فيه ففيه تردد للبلقيني قال وقياس الباب أنه لا يرد القسط فقط بل يرتفع ذلك من أصله وينشئ قسامة على الاشتراك الذي ادعاه آخرا انتهى وفيه ما فيه وفي الروضة لو قال ظلمته بالأخذ سأل فإن بين أنه لكذبه رد أو لاعتقاده أن المال لا يؤخذ بيمين المدعي فلا لأن العبرة بعقيدة الحاكم وبحث البلقيني أنه لو مات ولم يسأل رد وارثه أي لأن المتبادر من الظلم الأول وقال غيره بل يسأل الوارث فإن امتنع عن الجواب رد المال "أو" ادعى "عمدا ووصفه بغيره" من شبهة أو خطأ أو عكسه "لم يبطل أصل الدعوى" وإن لم يذكر تأويلا "في الأظهر" بل يعتمد تفسيره لأنه قد يظن ما ليس بعمد عمدا وقضيته أن الفقيه الذي لا يتصور خفاء ذلك عليه يبطل منه ذلك للتناقض لكنهم عللوه أيضا بأنه قد يكذب في الوصف ويصدق في الأصل وعليه فلا فرق "و" إنما "تثبت القسامة في القتل" دون غيره كما يأتي وقوفا مع النص "بمحل لوث"

 

ج / 4 ص -88-          بالمثلثة من اللوث بمعنى القوة لقوته بتحويله اليمين لجانب المدعي أو الضعف لأن الأيمان حجة ضعيفة وشرطه أن لا يعلم القاتل ببينة أو إقرار أو علم قاض "وهو" أي اللوث "قرينة" مؤيدة "تصدق المدعي" بأن توقع في القلب صدقه في دعواه ويشترط ثبوت هذه القرينة ويكفي فيها علم القاضي.
"تنبيه" التعبير بالمحل هنا ليس المراد به حقيقته لأن اللوث قد لا يرتبط بالمحل كالشهادة الآتية فالتعبير به إما للغالب أو مجاز عما يحله اللوث من الأحوال التي توجد فيها تلك القرائن المؤكدة.
"بأن" بمعنى كأن إذ لا تنحصر القرائن فيما ذكره "وجد قتيل" أو بعضه وتحقق موته "في محلة" منفصلة عن بلد كبير "أو" في "قرية صغيرة" لمن لا يطرقها غيرهم وإن كان أهلها أصدقاءه لأن كلا منهما حينئذ كدار أو مسجد نفرق فيه جمع عن قتيل فإن طرقها غيرهم اشترط كونها "لأعدائه" أو أعداء قبيلته دينا أو دنيا ولم يخالطهم غيرهم على ما أطال به الإسنوي وغيره في الانتصار له ورد قولهما هو لوث وإن خالطهم غيرهم وهو المعتمد لأن قرينة عداوتهم قاضية بنسبته إليهم من غير معارض قوي وبه فارق ما لو ساكنهم غيرهم فإنه غير لوث لأن المساكنة أقوى من المخالطة فكانت النسبة إلى الكل متقاربة والمراد بالغير على كلا القولين من لم تعلم صداقته للقتيل ولا كونه من أهله أي ولا عداوة بينهما كما هو ظاهر وإلا فاللوث موجود ووجوده بقربها الذي ليس به عمارة ولا مقيم ولا جادة كثيرة الطروق كهو فيها ولو تفرق في محلتين مثلا عين الولي إحداهما أو كليهما وأقسم وخرج بالصغيرة الكبيرة فلا لوث إن وجد فيها قتيل فيما يظهر لأن المراد بها من أهله غير محصورين وعند عدم حصرهم لا تتحقق عداوتهم فلم توجد قرينة فإن عين أحدا منهم وادعى عليه حلف المدعى عليه ويفرق بين هؤلاء وتفرق الجمع الآتي بأن أولئك علم قتل أحدهم له فقويت إمارة اللوث فيهم بخلاف هؤلاء وأصل ذلك ما في خبر الصحيحين أن بعض الأنصار قتل بخيبر وهي صلح ليس بها غير اليهود وبعض أولياء القتيل فقال صلى الله عليه وسلم لأوليائه:
"أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم" أو "قاتلكم" قالوا: كيف نحلف ولم نشهد ولم نر قال: "فتبرئكم يهود بخمسين يمينا؟" قالوا كيف نأخذ بأيمان قوم كفار فعقله صلى الله عليه وسلم من عنده أي درءا للفتنة وقولهم كيف استنطاق لبيان الحكمة في قبول أيمانهم مع كفرهم المؤيد لكذبهم ولم يبينها صلى الله عليه وسلم لهم اتكالا على وضوح الأمر فيها "أو تفرق عنه جمع" ولو غير أعدائه في نحو دار أو ازدحموا على الكعبة أو بئر ويشترط تصور اجتماعهم عليه وإلا لم تسمع دعواه ولم يجب لإحضارهم حتى يعين محصورين منهم ويدعي عليهم وحينئذ يمكن من القسامة كما لو ثبت لوث على محصورين فخصص بعضهم وشرطا وجود أثر قتل وإن قل وإلا فلا قسامة وكذا في سائر الصور وأطال الإسنوي في خلافه وعلى الأول فقول الدارمي لو أضافه أعداؤه فخرج من عندهم ومات قبل تردده كان لوثا لأن الظاهر أنهم سموه ضعيف لما تقرر أنه لا بد من وجود أثر فعل ومن ثم لو تهرى مثلا اتجه ما قاله الدارمي "ولو

 

ج / 4 ص -89-          تقابل" بموحدة قبل اللام "صفان" لقتال ويصح بفوقية لكن بتكلف إذ مع التقاتل بالفوقية لا يأتي قوله وإلا إلى آخره ولأجل هذا ضبط شيخنا عبارة منهجه بالفوقية وحذف إلا وما بعدها لكن كان ينبغي له ذكره مستقلا إلا أن يقال إنه استغنى عنه بتفرق الجمع لأن أهل صفه جمع تفرقوا عنه فكان لوثا في حقهم فقط "وانكشفوا عن قتيل فإن التحم قتال" ولو بأن وصل سلاح أحدهما للآخر "فلوث في حق الصف الآخر" إن ضمنوا لا كأهل عدل مع بغاة لأن الظاهر أن أهل صفه لا يقتلونه "وإلا" يصل السلاح "فلوث في حق صفه" لأن الظاهر حينئذ أنهم الذين قتلوه ومن اللوث إشاعة قتل فلان له وقوله أمرضته بسحري واستمر تألمه حتى مات ورؤية من يحرك يده عنده بنحو سيف أو من سلاحه أو نحو ثوبه ملطخ بدم ما لم يكن ثم نحو سبع أو رجل آخر أو ترشش دم أو أثر قدم في غير جهة ذي السلاح وفيما لو كان هناك رجل آخر ينبغي أنه لوث في حقهما ما لم يكن الملطخ بالدم عدوه وحده ففي حقه فقط وظاهر كلامهم هنا أنه لا أثر لوجود رجل عنده لا سلاح معه ولا تلطخ وإن كان به أثر قتل وذاك عدوه وحينئذ فيشكل بتفرق الجمع عنه إلا أن يفرق بأن التفرق عنه يقتضي وجود تأثير منهم فيه غالبا فكان قرينة ومن ثم لم يفرقوا فيه بين أصدقائه وأعدائه ومجرد وجود هذا عنده لا قرينة فيه ووجود العداوة من غير انضمام قرينة إليها لا نظر إليه "وشهادة العدل" الواحد أي إخباره ولو قبل الدعوى بأن فلانا قتله "لوث" لإفادته غلبة ظن الصدق وقيده الماوردي بالعمد الموجب للقود ففي غيره يحلف معه يمينا واحدة ويستحق المال وفيه نظر بل الأوجه ما اقتضاه إطلاقهم الآتي أن اليمين التي مع الشاهد الواحد خمسون وكلام البلقيني الآتي صريح في ذلك وشهادته بأن أحد هذين قتله لوث في حقهما كذا قالاه وفرع عليه شيخنا قوله فله أن يدعي عليهما وله أن يعين أحدهما ويدعي عليه مع كونهما لم يفرعا إلا الثاني وعبر غيره بيقسم بدل يدعي ولا تخالف لأن من ذكر الدعوى ذكر الوسيلة ومن ذكر الأقسام ذكر الغاية وقد يستشكل الإقسام عليهما بأنه غير مطابق للشهادة إذ مفادها قتل أحدهما منهما لا كليهما إلا أن يجاب بأن هذا الإبهام لما قوى الظن في حق كل على انفراده أنه قاتل كان سببا للإقسام عليهما لعدم المرجح بخلاف قوله قتل أحد هذين لتعدد الولي هنا فلا مجال لتعيينه ولا لكونه لوثا في حق كل ومن ثم لو اتحد الولي كان لوثا كالأول "وكذا عبيد ونساء" يعني إخبار اثنين فأكثر أن فلانا قتله لأن ذلك يفيد غلبة الظن أيضا لأن الفرض عدالتهما "وقيل يشترط تفرقهم" لاحتمال التواطؤ ورد بأن احتماله كاحتمال الكذب في إخبار العدل "وقول فسقة وصبيان وكفار" ولو غير ذميين فيما يظهر ثلاثة فأكثر وفارقوا أولئك بأن عدالة الرواية فيهم جابرة "لوث في الأصح" لأن اجتماعهم على ذلك يؤكد ظنه.
"و" للوث مسقطات منها "لو ظهر لوث" في قتيل "فقال أحد ابنيه" مثلا قتله "فلان وكذبه" الابن "الآخر" صريحا "بطل اللوث" فلا يحلف المستحق لانخرام ظن الصدق بالتكذيب الدال على أنه لم يقتله لأن جبلة الوارث التشفي فنفيه أقوى من إثبات الآخر بخلاف ما إذا لم يكذبه كذلك بأن صدقه أو سكت أو قال لا أعلم أنه قتله، وبحث البلقيني

 

ج / 4 ص -90-          أنه لو شهد عدل بعد دعوى أحدهما خطأ أو شبه عمد لم يبطل اللوث بتكذيب الآخر قطعا واعترض بما مر أن شهادة العدل إنما تكون لوثا في قتل العمد ويجاب بأن هذا التقييد ضعيف كما مر وبأن مراده لم تبطل شهادته بتكذيب الآخر فلمن لم يكذب أن يحلف معه خمسين ويستحق "وفي قول لا" يبطل كسائر الدعاوى ويجاب عنه بما مر من الجبلة هنا "وقيل لا يبطل بتكذيب فاسق" ويرده ما مر إذ الجبلة لا فرق فيها بين الفاسق وغيره ولو عين كل غير معين الآخر من غير تعرض لتكذيب صاحبه أقسم كل الخمسين على من عينه وأخذ حصته "ولو قال أحدهما" وقد ظهر اللوث "قتله زيد ومجهول" عندي "وقال الآخر" قتله "عمرو ومجهول" عندي لم يبطل اللوث بذلك وحينئذ "حلف كل" خمسين "على من عينه" لاحتمال أن مبهم كل هو معين الآخر "وله ربع الدية" لاعترافه بأن واجب معينه النصف وحصته منه النصف "ولو أنكر المدعى عليه اللوث في حقه فقال لم أكن مع المتفرقين عنه" أي القتيل أو كنت غائبا عند القتل أو لست الذي رئي معه سكين ملطخ على رأسه أو نحو ذلك مما مر "صدق بيمينه" لأن الأصل عدم حضوره وبراءة ذمته فعلى المدعي عدلان بالإمارة التي ادعاها فإن لم يوجدا حلف المدعى عليه على نفيها وسقط اللوث وبقي أصل الدعوى، "ولو ظهر لوث بأصل قتل دون عمد وخطأ" كأن أخبر عدل بأصله بعد دعوى مفصلة "فلا قسامة في الأصح" لأنها حينئذ لا تفيد مطالبة قاتل ولا عاقلة ويؤخذ منه أنه ليس له الحلف مع شاهده لأنه لم يطابق دعواه وبما تقرر اندفع قول غير واحد تصوير هذا الخلاف مشكل فإن الدعوى لا تسمع إلا مفصلة ومن ثم أجاب عنه الرافعي بأن صورته أن يدعي الولي ويفصل ثم تظهر الأمارة في أصل القتل دون صفته وساق شارح قول الرافعي وهذا يدل على أن القسامة على قتل موصوف تستدعي ظهور اللوث في قتل موصوف وقد يفهم من إطلاق الأصحاب أنه إذا ظهر اللوث في أصل القتل كفى في تمكن الولي من القسامة على القتل الموصوف وليس ببعيد إذ لو ثبت اللوث في حق جمع جاز له الدعوى على بعضهم وأقسم فكما لا يعتبر ظهور اللوث فيما يرجع إلى الانفراد والاشتراك لا يعتبر في صفتي العمد والخطأ ثم تأييد البلقيني له وقوله فمتى ظهر لوث وفصل الولي سمعت الدعوى وأقسم بلا خلاف ومتى لم يفصل لم تسمع على الأصح ثم قال ومن هذا يعلم أن قول المصنف فلا قسامة في الأصح غير مستقيم انتهى وليس في محله لأن المعتمد كلام الأصحاب الموافق له المتن المحمول على وقوع دعوى مفصلة ويفرق بين الانفراد والشركة والعمد وضده بأن الأول لا يقتضي جهلا في المدعى به بخلاف هذا، "ولا يقسم في طرف" وجرح "وإتلاف مال" وقوفا مع النص ولحرمة النفس فيصدق المدعى عليه بيمينه ولو مع اللوث لكنها في الأولين تكون خمسين "إلا في عبد" ولو مدبرا أو مكاتبا أو أم ولد "في الأظهر" فإذا قتل عبد ووجد لوث أقسم فيه بناء على الأصح أن قيمته تحملها العاقلة "وهي" أي القسامة "أن يحلف المدعى" غالبا ابتداء "على قتل ادعاه" ولو لنحو امرأة وكافر وجنين لأن منعه تهيئة للحياة في معنى قتله "خمسين يمينا" للخبر السابق في قصة خيبر وهو مخصص

 

ج / 4 ص -91-          لعموم خبر: "البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه"، بل جاء هذا الاستثناء مصرحا به في خبر لكن في إسناده لين ولقوة جانب المدعي باللوث وأفهم قوله على قتل ادعاه أنه لا قسامة في قد الملفوف لأن الحلف على حياته كما مر فإيراده سهو وأنه يجب التعرض في كل يمين إلى عين المدعى عليه بالإشارة إن حضر وإلا فبذكر اسمه ونسبه وإلى ما يجب بيانه في الدعوى وهو المعتمد لتوجه الحلف إلى الصفة التي حلفه الحاكم عليها أما الإجمال فيجب في كل يمين اتفاقا فلا يكفي تكرير والله خمسين مرة ثم يقول لقد قتلته إما حلف المدعى عليه ابتداء أو لنكول المدعي أو حلف المدعي لنكول المدعى عليه أو الحلف على غير القتل فلا يسمى قسامة ومر في اللعان بعض ما يتعلق بتغليظ اليمين ويأتي في الدعاوى بقيته وكان حكمة الخمسين أن الدية مقومة بألف دينار غالبا ومن ثم أوجبها القديم كما مر والقصد من تعدد الأيمان التغليظ وهو إنما يكون في عشرين دينارا فاقتضى الاحتياط للنفس أن يقابل كل عشرين بيمين منفردة عما يقتضيه التغليظ "ولا يشترط موالاتها" أي الأيمان "على المذهب" لحصول المقصود مع تفريقها كالشهادة بخلاف اللعان لأنه احتيط له أكثر لما يترتب عليه من العقوبة البدنية واختلال النسب وشيوع الفاحشة وهتك العرض "فلو تخللها جنون أو إغماء" أو عزل قاض وإعادته بخلاف إعادة غيره "بنى" إذا أفاق ولم يلزمه الاستئناف لما تقرر وإنما استؤنفت لتولي قاض ثان لأنها على الإثبات فهي بمنزلة حجة تامة وجد بعضها عند الأول بخلاف أيمان المدعى عليه، "ولو مات" الولي المقسم في أثناء الأيمان "لم يبن وارثه" بل يستأنف "على الصحيح" لأنها كحجة واحدة فإذا بطل بعضها بطل كلها بخلاف موته بعد إقامة شاهد لأنه مستقل فلوارثه ضم آخر إليه وموت المدعى عليه فيبني وارثه لما مر، "ولو كان للقتيل ورثة وزعت" الخمسون عليهم "بحسب الإرث" غالبا لأنهم يقتسمون ما وجب بها بحسب إرثهم فوجب كونها كذلك وتحلفون السابق في قصة خيبر إنما وقع خطابا لأخيه وابن عمه تجملا في الخطاب وإلا فالمراد أخوه فقط وخرج بغالبا زوجة مثلا وبيت المال فإنها تحلف الخمسين مع أنها لا تأخذ إلا الربع كما لو نكل بعض الورثة أو غاب وزوجة وبنت فتحلف الزوجة عشرة والبنت الباقي توزيعا على سهامهما فقط وهي خمسة من ثمانية ولا يثبت حق بيت المال هنا بيمين من معه بل بنصب مدعى عليه ويفعل ما يأتي قبيل الفصل ولو كان ثم عول اعتبر ففي زوج وأم وأختين لأب وأختين لأم أصلها من ستة وتعول لعشرة فيحلف الزوج خمس عشرة وكل من الأختين لأب عشرة ولأم خمسة والأم خمسة "وجبر الكسر" لأن اليمين الواحدة لا تتبعض فلو خلف تسعة وأربعين ابنا حلف كل ابن يمينين وفي ابن وخنثى مثلا يوزع بحسب الإرث المحتمل لا الناجز فيحلف الابن ثلثيها ويأخذ النصف والخنثى نصفها ويأخذ الثلث ويوقف السدس احتياطا للحلف والأخذ "وفي قول يحلف كل" من الورثة "خمسين" لأن العدد هنا كيمين واحدة وأجاب الأول بإمكان القسم هنا "ولو نكل أحدهما" أي الوارثين حلف الآخر خمسين وأخذ حصته "أو غاب" أحدهما أو كان صغيرا

 

ج / 4 ص -92-          أو مجنونا "حلف الآخر خمسين وأخذ حصته" لأن شيئا من الدية لا يستحق بأقل من الخمسين واحتمال تكذيب الغائب المبطل للوث على خلاف الأصل فلم ينظروا إليه "وإلا" يحلف "صبر للغائب" ليحلف كل حصته ولا يبطل حقه بنكوله عن الكل فعلم أنهم لو كانوا ثلاثة إخوة حضر أحدهم وأراد الحلف حلف خمسين فإذا حضر ثان حلف خمسة وعشرين فإذا حضر الثالث حلف سبعة عشر وإنما لم يكتف بالأيمان من بعضهم مع أنها كالبينة لصحة النيابة في إقامتها بخلاف اليمين ولو مات نحو الغائب أو الصبي بعد حلف الآخر وورثه حلف حصته أو بان أنه عند حلفه كان ميتا فلا كما لو باع مال أبيه يظن حياته فبان ميتا، "والمذهب أن يمين المدعى عليه" القتل "بلا لوث" وإن تعدد "خمسون" كما لو كان لوث لأن التعدد ليس للوث بل لحرمة الدم واللوث إنما يفيد البداءة بالمدعي وفارق التعدد هنا التعدد في المدعي بأن كلا منهم هنا ينفي عن نفسه القتل كما ينفيه المنفرد وكل من المدعين لا يثبت لنفسه ما يثبته المنفرد فوزعت عليهم بحسب إرثهم "و" أن اليمين "المردودة" من المدعى عليه القتل "على المدعي" خمسون لأنها اللازمة للراد "أو" المردودة من المدعي "على المدعى عليه مع لوث" خمسون لأنها اللازمة للراد ومن ثم لو تعدد المدعى عليهم حلف كل الخمسين كاملة "و" أن "اليمين مع شاهد" بالقتل "خمسون" احتياطا للدم وبه يتجه ما أطلقاه للمقتضى أنه لا فرق بين العمد وغيره كما مر ولو نكل المدعي عن يمين القسامة أو اليمين مع الشاهد ثم نكل المدعى عليه ردت على المدعي وإن نكل لأن يمين الرد غير يمين القسامة لأن سبب تلك النكول وهذه اللوث أو الشاهد "ويجب بالقسامة في قتل الخطأ وشبه العمد دية على العاقلة" لقيام الحجة بذلك ولا يغني عن هذا ما مر في بحث العاقلة خلافا لمن زعمه لأن القسامة حجة ضعيفة وعلى خلاف القياس فيحتاج إلى النص على أحكامها "وفي العمد" دية "على المقسم عليه" لا قود للخبر الصحيح: "إما أن تدوا صاحبكم أو تأذنوا بحرب من الله"، وهو لما فيه من التقسيم المقتضي للحصر فيهما وعدم ثالث غيرهما ظاهر في عدم القود "وفي القديم قصاص" لظاهر ما مر "وتستحقون دم صاحبكم"، وروى أبو داود أنه صلى الله عليه وسلم قتل رجلا في القسامة وفي الصحيحين: "يقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع برمته" أي بضم أوله وكسره بحبله وقد تطلق على الجملة وأجابوا بأن المراد بدل دمه جمعا بين الدليلين والقسامة تشمل لغة يمين المدعي بعد نكول المدعى عليه وهي يثبت بها القود والدفع بالحبل قد يكون لأخذ الدية منه، "ولو ادعى عمدا بلوث على ثلاثة حضر أحدهم أقسم عليه خمسين وأخذ ثلث الدية" لتعذر الأخذ بها قبل تمامها "فإن حضر آخر" أي الثاني ثم الثالث فادعى عليه فأنكر "أقسم عليه خمسين" لأن الأيمان السابقة لم تتناوله وأخذ ثلث الدية "وفي قول" يقسم عليه "خمسا وعشرين" كما لو حضرا معا ومحل احتياجه للإقسام "إن لم يكن ذكره" أي الثاني "في الأيمان" السابقة "وإلا" بأن ذكره فيها "فينبغي" وفاقا لما بحثه الرافعي "الاكتفاء بها بناء على صحة القسامة في غيبة المدعى عليه وهو الأصح" قياسا على سماع البينة في غيبته وعجيب مع قوله ينبغي اعتراض شارح له بأنه يقتضي أن

 

ج / 4 ص -93-          هذا منقول "ومن استحق بدل الدم أقسم" ولو كافرا ومحجورا عليه وسيدا في قتل قنه بخلاف مجروح ارتد ومات لا يقسم قريبه لأن ماله فيء نعم لو أوصى لمستولدته بقيمة قنه بعد قتله ومات قبل الإقسام والنكول قسم الورثة بعد دعواها أو دعواهم إن شاءوا لأنهم الذين يخلفونه والقيمة لها عملا بوصيته فإن نكلوا سمعت دعواها لتحليف الخصم ولا تحلف هي ويقسم مستحق البدل "ولو" هو "مكاتب لقتل عبده" لأنه استحق فإن عجز قبل نكوله أقسم السيد أو بعده فلا كالوارث وبهذا كمسألة المستولدة المذكورة آنفا يعلم أن قوله أقسم جري على الغالب إذ الحالف فيهما غير المدعي وظاهر أن ذكر المستولدة مثال وأنه لو أوصى بذلك لآخر أقسم الوارث أيضا وأخذ الموصى له الوصية بل قال جمع لو أوصى لآخر بعين فادعاها آخر حلف الوارث كما في مسألة المستولدة وقيل يفرق بأن القسامة على خلاف القياس احتياطا للدماء قال ابن الرفعة هذا إن كانت العين بيد الوارث فإن كانت بيد الموصى له حلف جزما "ومن ارتد" بعد موت مورثه "فالأفضل تأخير إقسامه ليسلم" ثم يقسم لأنه لا يتورع عن اليمين الكاذبة "فإن أقسم في الردة صح على المذهب" وأخذ الدية لأنه صلى الله عليه وسلم اعتد بأيمان اليهود في القصة السابقة والقسامة نوع اكتساب للمال كالاحتطاب ولو أسلم اعتد بها قطعا، "ومن لا وارث له" خاصا "لا قسامة فيه" ولو مع لوث لتعذر حلف بيت المال بل ينصب الإمام مدعيا فإن حلف المدعى عليه فواضح وإلا حبس حتى يقر أو يحلف.

فصل فيما يثبت به موجب القود
والمال بسبب الجناية وأكثره يأتي في الشهادات والدعاوى وقدم هنا تبعا للشافعي رضي الله عنه.
"إنما يثبت موجب" بكسر الجيم "القصاص" في نفس أو غيرها من قتل أو جرح أو إزالة "بإقرار" صحيح من الجاني "أو" شهادة "عدلين" أو بعلم القاضي أو بنكول المدعى عليه مع حلف المدعي كما يعلمان مما سيذكره على أن الأخير كالإقرار وما قبله كالبينة وسيأتي أن السحر لا يثبت إلا بالإقرار فلا يرد عليه "و" إنما يثبت موجب "المال" مما مر "بذلك" أي الإقرار أو شهادة العدلين وما في معناهما "أو برجل وامرأتين أو" برجل "ويمين" مفردة أو متعددة كما مر آنفا أو بالقسامة كما علم مما قدمه وشرط ثبوته بالحجة الناقصة أن يدعي به لا بالقود وإلا لم يثبت المال بها، وإنما وجب في السرقة بها، وإن ادعى القطع، لأنها توجبهما والعمد لا يوجب إلا القود فلو أوجبنا المال أوجبنا غير المدعى "ولو عفا" المستحق "عن القصاص" قبل الدعوى والشهادة على مال "ليقبل للمال رجل وامرأتان" أو شاهد ويمين "لم يقبل في الأصح" إذ لا يثبت المال إلا بعد ثبوت القود أما بعدهما وقبل الثبوت فلا يقبل قطعا لأن الشهادة غير مقبولة حين أقيمت "ولو شهد، هو وهما" أي رجل وامرأتان وفي معناهما رجل معه يمين "بهاشمة قبلها إيضاح لم يجب أرشها على المذهب" لاتحاد الجناية فإذا اشتملت على موجب قود لم يثبت إلا بحجة

 

ج / 4 ص -94-          كاملة، وبه فارق رمي سهم لزيد مرق منه لغيره فإن الثاني يثبت بالناقصة لأنهما جنايتان مستقلتان ومن ثم لو اختلف الجاني أو الضربة في الأولى ثبت الهشم بها لانفراده حينئذ "وليصرح" وجوبا "الشاهد بالمدعى" الذي، هو إضافة التلف للفعل "فلو قال" أشهد أنه "ضربه بسيف فجرحه فمات لم يثبت" المدعى به، وهو الموت الناشئ عن فعله "حتى يقول فمات منه" أي من جرحه "أو فقتله" أو فمات مكانه، لأنه لما احتمل موته بسبب آخر غير جراحته تعينت إضافة الموت إليها دفعا لذلك الاحتمال ويكفي أشهد أنه قتله، وإن لم يذكر ضربا ولا جرحا خلافا لما قد يتوهم من العبارة "ولو قال ضرب رأسه فأدماه أو فأسال دمه ثبتت دامية" لتصريح كلامه بها بخلاف فسال دمه لاحتمال حصول السيلان بسبب آخر "ويشترط لموضحة" أي للشهادة بها قول الشاهد "ضربه فأوضح عظم رأسه" إذ لا احتمال حينئذ "وقيل يكفي فأوضح رأسه"، وهو المعتمد لفهم المقصود منه عرفا وما قيل إن الموضحة من الإيضاح ولا تختص بالعظم فلا بد من التعرض له، وأن تنزيل لفظ الشاهد الغير الفقيه على اصطلاح الفقهاء لا وجه له رده البلقيني بأن الشارع أناط بذلك الأحكام فهو كصرائح الطلاق يقضى بها مع الاحتمال فإذا شهد أنه سرحها قضي بطلاقها، وإن احتمل تسريح رأسها فكذا إذا شهد بالإيضاح قضي به، وإن احتمل أنه لم يوضح العظم، لأنه احتمال بعيد جدا وفيه ما فيه في شاهد عامي لا يعرف مدلول نحو الإيضاح شرعا فالأوجه هنا وفيما قاس عليه أنه لا بد من الاستفصال فإن تعذر وقف الأمر هنا إلى البيان أو الصلح "ويجب بيان محلها" أي الموضحة الموجبة للقود "وقدرها" فيما إذا كان على رأسه مواضح أو تعيينها بالإشارة إليها سواء أكان على رأسه موضحة أو مواضح "ليمكن قصاص"، لأنهم متى لم يبينوا ذلك فلا قود، وإن لم يكن برأسه إلا موضحة واحدة لاحتمال أنها وسعت بل يتعين الأرش لأنه لا يختلف ومنه يؤخذ أن حكومة باقي البدن لا بد من تعيينها ولو بالنسبة للمال وإلا لم تجب حكومتها لاختلافها باختلاف قدرها ومحلها، "ويثبت القتل بالسحر بإقراره" به حقيقة أو حكما كقتلته بسحري، وهو يقتل غالبا أو بنوع كذا وشهد عدلان تابا بأنه يقتل غالبا فعمد فيه القود أو نادرا فشبه عمد أو أخطأت من اسم غيره له فخطأ وهما على العاقلة إن صدقوه وإلا فعليه أو مرض بسحري ولم يمت أقسم الولي، لأنه لوث وكنكوله مع يمين المدعي "لا ببينة" لتعذر مشاهدة قصد الساحر وتأثير سحره.
تنبيه: تعلم السحر وتعليمه حرامان مفسقان مطلقا على الأصح ومحل الخلاف حيث لم يكن فعل مكفر ولا اعتقاده ويحرم فعله ويفسق به أيضا ولا يظهر إلا على فاسق إجماعا فيهما نعم سئل الإمام أحمد عمن يطلق السحر عن المسحور فقال لا بأس به وأخذ منه حل فعله لهذا الغرض وفيه نظر بل لا يصح إذ إبطاله لا يتوقف على فعله بل يكون بالرقى الجائزة ونحوها مما ليس بسحر وفي حديث حسن: "النشرة من عمل الشيطان". قال ابن الجوزي، هي حل السحر ولا يكاد يقدر عليه إلا من عرف السحر انتهى أي فالنشرة التي هي من السحر محرمة وإن كانت لقصد حله بخلاف النشرة التي

 

ج / 4 ص -95-          ليست من السحر، فإنها مباحة كما بينها الأئمة وذكروا لها كيفيات وظاهر المنقول عن ابن المسيب جواز حله عن الغير ولو بسحر قال لأنه حينئذ صلاح لا ضرر لكن خالفه الحسن وغيره، وهو الحق، لأنه داء خبيث من شأن العالم به الطبع على الإفساد والإضرار به ففطم الناس عنه رأسا وبهذا يرد على من اختار حله إذا تعين لرد قوم يخشى منهم قال كما يجوز تعلم الفلسفة المحرمة وله حقيقة عند أهل السنة ويؤثر نحو مرض وبغضاء وفرقة ويحرم تعلم وتعليم كهانة وضرب برمل وخبر مسلم دال على خطره، لأنه علق حله بمعرفة موافقة ما يفعل منه لما كان يفعله النبي الذي علمه، وأنى يظن ذلك فضلا عن علمه وشعير وحصى وشعبذة والتفرج على فاعل شيء من ذلك كما، هو ظاهر لأنه إعانة على معصية ثم رأيت في فتاوى المصنف ما يصرح بذلك والخبر الصحيح: "من أتى عرافا لم تقبل له صلاة أربعين يوما" يشمله ونفي القبول فيه نفي للثواب لا للصحة ومر قبيل هذا الكتاب أنه لا ضمان على القاتل بالعين، وإن تعمد ونقل الزركشي عن بعض المتأخرين أنه أفتى بأن لولي الدم قتل ولي قتل مورثه بالحال، لأن له فيه اختيارا كالساحر وحينئذ فينبغي أن يأتي فيه تفصيله انتهى وفيه نظر بل الذي يتجه خلافه، لأن غايته أنه كعائن تعمد وقد اعتيد منه دائما قتل من تعمد النظر إليه على أن القتل بالحال حقيقة إنما يكون لمهدر لعدم نفوذ حاله في محرم إجماعا.
"ولو شهد لمورثه" غير أصل وفرع "بجرح" يمكن إفضاؤه للهلاك "قبل الاندمال لم يقبل" وإن كان عليه دين مستغرق لتهمته إذ لو مات كان الأرش له فكأنه شهد لنفسه ولا نظر لوجود الدين لأنه لا يمنع الإرث وقد يبرئ الدائن أو يصالح وكونه لمن لا يتصور إبراؤه كزكاة نادر لا يلتفت إليه والعبرة بكونه مورثه حال الشهادة فإن كان عندها محجوبا ثم زال المانع فإن كان قبل الحكم بالشهادة بطلت أو بعده فلا "وبعده يقبل" إذ لا تهمة "وكذا تقبل" شهادته لمورثه "بمال في مرض موته في الأصح"، لأنه لم يشهد بالسبب الناقل للشاهد بتقدير الموت بخلاف الجرح، ولأن المال يجب هنا حالا ويتصرف فيه المريض كيف أراد وثم لا يجب إلا بالموت فيكون للوارث، "ولا تقبل شهادة العاقلة بفسق شهود قتل"، أو نحوه "يحملونه" أو بتزكية شهود الفسق لدفعهم بذلك الغرم عن أنفسهم وكذا إن لم يحملوه لفقرهم لا لكون الأقربين يفون بالواجب لأن الغني قريب في الفقير بخلاف الموت ولا نظر إلى تحمل البعيد لفقر غيره، لأن الإنسان كثيرا يقرب غنى نفسه ويعرض عن أمر غيره غنى وفقرا فالتهمة المبنية على تقدير غنى نفسه أظهر من التهمة المبنية على فقر غيره الغني أما قتل لا يحملونه كبينة بإقراره أو بأنه قتل عمدا فتقبل شهادتهم بنحو فسقهم إذ لا تهمة "ولو شهد اثنان على اثنين بقتله" أي المدعى به "فشهدا على الأولين بقتله" مبادرين في المجلس أو بعده "فإن صدق الولي" المدعي "الأولين" يعني استمر على تصديقهما حتى لو سكت جاز للحاكم الحكم بها، لأن طلبه منهما الشهادة كاف في جواز الحكم بها كذا قيل ويرده ما صرحوا به في القضاء أنه لا يجوز له الحكم بما ثبت عنده إلا إن سأل المدعي فيه فالمراد سكت عن التصديق "حكم بهما" لانتفاء التهمة

 

ج / 4 ص -96-          عنهما وتحققها في الأخيرين لأنهما صارا عدوين للأولين بشهادة الأولين عليهما أو لأنهما يدفعان بها عن أنفسهما والتعليل الأول مشكل إذ المؤثر العداوة الدنيوية وليست الشهادة منها فالذي يتجه، هو التعليل الثاني "أو" صدق "الآخرين أو" صدق "الجميع أو كذب الجميع بطلتا" أي الشهادتان أما في تكذيب الكل فواضح وأما في تصديق الكل فلأن تصديق كل فريق يستلزم تكذيب الآخر لاقتضاء كل من الشهادتين أن لا قاتل غير المشهود عليهما وأما في تصديق الآخرين فلاستلزامه تكذيب الأولين وشهادة الآخرين مردودة لما مر ولا ينافي مراجعة الولي التي أفهمها المتن وجوب تقديم الدعوى وتعيين القاتل فيها، لأن تلك المبادرة لما وقعت أورثت ريبة فروجع لينظر أيستمر على تصديق الأولين فيحكم له أو لا فترد دعواه كذا قاله جمع مجيبين عن اعتراض تصوير المسألة بأن الشهادة بالقتل يشترط لسماعها تقدم الدعوى وتعيين القاتل فيها فكيف يشهدان ثم يراجع الولي وأقول إنما يتوجه هذا الاعتراض حتى يحتاج للجواب عنه بما ذكر إذا قلنا إن الحاكم يراجع الولي وجوبا أو ندبا، وهو الأصح أما إذا قلنا بما مر إن معنى تصديقه للأولين استمراره على تصديقهما فلا اعتراض أصلا. غاية الأمر أن تسمية ما وقع من المشهود عليهما شهادة تجوز، لأن المبادرة بالشهادة تبطلها، وأن الولي، وإن لم يجب سؤاله لكنه قد يتعرض لما يبطل حقه وظاهر كلام بعضهم أن ندب سؤاله محله إن بادرا في مجلس الدعوى لا في مجلس بعده أي، لأن مبادرتهما بمجلس الدعوى قد تقرب ظن صدقهما بخلافها بعده وبما تقرر علم أنه لا يحتاج لقول بعضهم صورة ذلك أن يوكل الولي في المطالبة بدم مورثه فإنه لا يحتاج لبيان المدعى عليه فيدعي الوكيل على اثنين به ويقيم عليهما شاهدين فيشهد المشهود عليهما على الأولين ويصدق الوكيل الكل أو البعض أي الآخرين فينعزل فيدعي الولي على الأولين فيشهد عليهما المدعى عليهما فلا يقبلان للتهمة وظاهر قوله بطلتا بقاء حقه في الدعوى لكن عبارة الجمهور بطل حقه. "ولو أقر بعض الورثة بعفو بعض" عن القود ولو مبهما "سقط القصاص" لتعذر تبعيضه فكأنه أقر بسقوط حقه منه أما المال فيجب له كالبقية ولا يقبل قوله: على العافي إلا إن عينه وشهد وضم له مكمل للحجة "ولو اختلف شاهدان في زمان أو مكان أو آلة أو هيئة" للفعل كقتله بكرة أو بمحل كذا أو بسيف أو حز رقبته وخالفه الآخر "لغت" شهادتهما للتناقض "وقيل"، هي "لوث" لاتفاقهما على أصل القتل ويرد بأن التناقض ظاهر في الكذب فلا قرينة يثبت بها اللوث وخرج بالفعل الإقرار فلو قال أحدهما أقر به يوم السبت وقال الآخر يوم الأحد فلا تناقض لاحتمال أنه أقر به في كل من اليومين نعم إن عينا زمنا في مكانين يستحيل عادة الوصول من أحدهما للآخر فيه كأن شهد أحدهما أنه أقر بقتله بمكة يوم كذا والآخر بأنه أقر به بمصر ذلك اليوم لغت شهادتهما أو قال أحدهما: قتل وقال الآخر أقر بقتله لغت لعدم اتفاقهما، وهو لوث حينئذ.