تحفة المحتاج بشرح المنهاج ط العلمية

ج / 4 ص -118-        كتاب الزنا
بالمد والقصر وهو الأفصح وأجمعت الملل على عظيم تحريمه ومن ثم كان أكبر الكبائر بعد القتل على الأصح وقيل هو أعظم من القتل، لأنه يترتب عليه من مفاسد انتشار الأنساب واختلاطها ما لا يترتب على القتل، وهو "إيلاج" أي إدخال "الذكر" الأصلي المتصل ولو أشل أي جميع حشفته المتصلة به وللزائد والمشقوق ونحوهما هنا حكم الغسل كما هو ظاهر فما وجب به حد به وما لا فلا وقول الزركشي في الزائد الحد كما تجب العدة بإيلاجه مردود بتصريح البغوي بأنه لا يحصل به إحصان ولا تحليل فأولى أن لا يوجب حدا ووجوب العدة للاحتياط لاحتمال الإحبال منه كاستدخال المني هذا والذي يتجه حمل إطلاق البغوي المذكور في الإحصان والتحليل على ما ذكرته فيأتي فيهما أيضا التفصيل في الغسل أو قدرها من فاقدها لا مطلقا خلافا لقول البلقيني لو ثنى ذكره وأدخل قدرها منه ترتبت عليه الأحكام ولو مع حائل، وإن كثف من آدمي واضح ولو ذكر نائم استدخلته امرأة بخلاف ما لا يمكن انتشاره على ما بحثه البلقيني وأيد بأن هذا غير مشتهى وفيه ما فيه ثم رأيت بعضهم لما حكى ذلك قال وفيه نظر، وهو كما قال.
تنبيه: صرحوا بأنه لا غسل ولا غيره بإيلاج بعض الحشفة وظاهره أنه لا فرق بين أن يكون البعض الآخر موجودا أو مقطوعا قليلا أو كثيرا لكنه مشكل فيما إذا قطع من جانبها قطعة صغيرة ثم برئ وصارت تسمى مع ذلك حشفة ويحس ويلتذ بها كالكاملة فالذي يتجه في هذه أنها كالكاملة وفي غيرها نظير ما قدمته فيه في الغسل.
"بفرج" أي قبل آدمية واضح ولو غوراء كما بحثه الزركشي، وهو ظاهر قياسا على إيجابه الغسل وإنما لم يكف في التحليل، لأن القصد به التنفير عن الثلاث، وهو لا يحصل بذلك أو جنية تشكلت بشكل الآدمية كما بحثه أبو زرعة وقياسه عكسه لأن الطبع لا ينفر منها حينئذ ومحله كما هو واضح إن قلنا بحل نكاحهم ومر ما فيه "محرم لعينه خال عن الشبهة" التي يعتد بها كوطء أمة بيت المال، وإن كانت من سهم المصالح الذي له فيه حق، لأنه لا يستحق فيه الإعفاف بوجه وحربية لا بقصد قهر أو استيلاء ومملوكة غير بإذنه بتفصيله السابق في الرهن ومر أن ما نقل عن عطاء في ذلك لا يعتد به أو أنه مكذوب عليه "مشتهى طبعا" راجع كالذي قبله لكل من الذكر والفرج، وإن أوهم صنيعه خلافه.
تنبيه: لم يبينوا أن معنى الزنا لغة يوافق ما ذكر من حده شرعا أو يخالفه ولعله لعدم بيان أهل اللغة له اتكالا على شهرته لكن من المحقق أن العرب العرباء لا يشترطون في إطلاقه جميع ما ذكر فالظاهر أنه عندهم مطلق الإيلاج من غير نكاح وهذا أعم منه شرعا فهو كغيره إذ معناه شرعا أخص منه لغة.
تنبيه ثان: صرحوا بأن الصغيرة هنا كالكبيرة فيحد بوطئها وفي نواقض الوضوء بعدم

 

ج / 4 ص -119-        النقض بلمسها ويجاب بأن الملحظ مختلف إذ المدار ثم على كون الملموس نفسه مظنة للشهوة ولو في حال سابق كالميتة لا مترقب كالصغيرة والفرق قوة السابق وضعف المترقب باحتمال أن لا يوجد فخرج المحرم وهنا على كون الموطوء لا ينفر منه الطبع من حيث ذاته فدخلت الصغيرة والمحرم وخرجت الميتة وسبب هذه التفرقة الاحتياط لما هنا لكونه أغلظ إذ فيه مفاسد لا تنتهي ولا تتدارك فإن قلت فلم أثرت الشبهة هنا لا ثم قلت، لأن الموجب هنا يأتي على النفس يقينا أو ظنا فاحتيط له باشتراط عدم عذرها ولم ينظر لما في نفس الأمر وثم ليس كذلك فأنيط بما في نفس الأمر، لأنه المحقق وبهذا علم سر حديث: "ادرءوا الحدود بالشبهات"، وحكم هذا الإيلاج الذي هو مسمى الزنا إذا وجدت هذه القيود كلها فيه أنه "يوجب الحد" الجلد والتغريب أو الرجم إجماعا وسيأتي محترزات هذه كلها وحكم الخنثى هنا كالغسل فإن وجب الغسل وجب الحد وإلا فلا قيل خال عن الشبهة مستدرك لإغناء ما قبله عنه إذ الأصح أن وطء الشبهة لا يوصف بحل ولا حرمة ويرد بأن التحريم للعين باعتبار الأصل والشبهة أمر طارئ عليه فلم يغن عنها وتعين ذكرها لإفادة الاعتداد بها مع طروها على الأصل ومر في محرمات النكاح معنى كون وطء الشبهة لا يوصف بحل ولا حرمة.
"ودبر ذكر وأنثى كقبل على المذهب" ففيه رجم الفاعل المحصن وجلد وتغريب غيره، وإن كان دبر عبده، لأنه زنا وروى البيهقي خبر:
"إذا أتى الرجل الرجل فهما زانيان" وقيل بقتل الفاعل مطلقا للخبر الصحيح: "من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به"، وهو يشكل علينا ف
ي المفعول به نظير ما يأتي في حديث البهيمة وعليه فهل يقتل بالسيف أو بالرجم أو بهدم جدار أو بالإلقاء من شاهق وجوه أصحها الأول وفارق دبر عبده وطء محرمه المملوكة له في قبلها بأن الملك يبيح إتيان القبل في الجملة ولا يبيح هذا المحل بحال ومن ثم لو وطئها في دبرها حد. وأما الحليلة فسائر جسدها مباح للوطء فانتهض شبهة في الدبر وأمته المزوجة تحريمها لعارض فلم يعتد به هذا حكم الفاعل أما الموطوء في دبره فإن أكره أو لم يكلف فلا شيء له ولا عليه، وإن كان مكلفا مختارا جلد وغرب ولو محصنا امرأة كان أو ذكرا، لأن الدبر لا يتصور فيه إحصان وقيل بقتل المفعول به مطلقا للخبر السابق وقيل ترجم المحصنة وفي وطء دبر الحليلة التعزير فيما عدا المرة الأولى وعبر بعضهم بما بعد منع الحاكم والأول أوجه "ولا حد بمفاخذة" وغيرها مما ليس فيه تغييب حشفة كالسحاق لعدم الإيلاج السابق ومن ثم لا حد بتمكينها نحو قرد وإيلاجها ذكره بفرجها ولا بإيلاج مبان وكذا زائد لكن بتفصيله في الغسل كما مر "ووطء زوجه" بهاء الضمير أو بالتاء أي له "وأمته" يظنها أجنبية أو "في" نحو دبر و "حيض" أو نفاس "وصوم وإحرام"، لأن التحريم ليس لعينه بل لأمر عارض كالأذى وإفساد العبادة ومثله وطء حليلته يظن أنها أجنبية فهو وإن أثم إثم الزنا باعتبار ظنه كما مر أوائل العدد لا يحد، لأن الفرج ليس محرما لعينه "وكذا أمته المزوجة والمعتدة" لعروض التحريم هنا أيضا "وكذا مملوكته المحرم" بنسب أو مصاهرة أو رضاع لشبهة الملك،

 

ج / 4 ص -120-        وللخبر الصحيح: "ادرءوا الحدود بالشبهات" ولا يرد عليه نحو أمه لزوال ملكه بمجرد ملكه فليست ملكه حال الوطء على أنه يتصور ملكه لها كما يأتي فلا اعتراض أيضا وكذا من ظنها حليلته كما بأصله أو مملوكته غير المحرم كلا لا بعضا كما في الروضة وقال آخرون لا فرق واعترض بأن ظن ملك البعض لا يفيد الحل فليس شبهة كمن علم التحريم وظن أنه لا حد عليه وأجيب بأن الأول مسقط لو وجد حقيقة فاعتقده مسقطا بخلاف الثاني لا يسقط بوجه فلم يؤثر اعتقاده ويرد بأنه لا عبرة باعتقاد المسقط مطلقا لأنه حيث لم يظن الحل فهو غير معذور وليس هذا نظير ما يأتي في نحو السرقة، لأنهم توسعوا في الشبهة ثم ما لم يتوسعوا فيه هنا ويصدق في ظنه الحل بيمينه، وإن كذبه ظاهر حاله كما، هو ظاهر "ومكره في الأظهر" لشبهة الإكراه مع خبر: "ادرءوا الحدود بالشبهات"، ولرفع القلم عنه كما في الحديث الصحيح، ولأن الأصح تصور الإكراه في الزنا، لأن الانتشار عند نحو الملامسة أمر طبعي لا اختيار للنفس فيه ولو لم يحصل انتشار فلا حد قطعا كما إذا كان المكره امرأة قيل الأظهر جار فيما بعد كذا الأولى أيضا فيرد عليه ذلك انتهى ويرد بأن جريانه طريقة ضعيفة لم يرتضها وكأن كذا الأولى لبيان أن الأحسن فيما بعدها خروجه بخال عن الشبهة لا بمحرم لعينه وفي الوسيط أن الولد لا يلحقه وفي التتمة أنه يلحقه، وهو الأوجه "وكذا كل جهة أباح بها" الأصل أباحها فضمن أباح قاله أو زاد الباء تأكيدا أو أضمر الوطء أي أباحه بسببها "عالم" يعتد بخلافه لشبهة إباحته، وإن لم يقلده الفاعل "كنكاح بلا شهود على الصحيح" كمذهب مالك رضي الله عنه كذا قالوا والمعروف من مذهبه أنه لا بد منهم أو من الشهرة حالة الدخول فينبغي إذا انتفيا أن يجب الحد ثم رأيت القاضي صرح به وعلله بانتفاء شبهة اختلاف العلماء وألحق به ما إذا وجد الإعلان وفقد الولي وبعضهم اعترضه بأن الذي في الروضة في اللعان أنه لا يحد، وإن انتفى الولي والشهود ويرد بوجوب حمل ما فيها على أن الواو فيها بمعنى أو ويدل عليه أنه لما فرع عليه ذكر حكم انتفائه عن الولي فقط ولم يذكر حكم انتفائه عن الشهود للعلم به من تعليله بالخلاف في إباحته أو بلا ولي كمذهب أبي حنيفة رضي الله عنه أو مع التأقيت، وهو نكاح المتعة ولو لغير مضطر كمذهب ابن عباس رضي الله عنهما وما قيل من رجوعه عنه لم يثبت، بخلافه بلا ولي وشهود أو مع انتفاء أحدهما لكن حكم بإبطاله أو بالتفرقة بينهما من يراه ووقع الوطء بعد علم الواطئ به إذ لا شبهة حينئذ ولا يعتد بخلاف الشيعة في إباحة ما فوق الأربع ولا في غيره كما في المجموع، "ولا بوطء ميتة" ولو أجنبية خلافا لما وقع في بعض كتب المصنف "في الأصح"، لأنه مما ينفر الطبع عنه فلا يحتاج للزجر عنه فهو غير مشتهى طبعا "ولا بهيمة في الأظهر"، لأنها غير مشتهاة كذلك ولا يجوز قتلها ولا يجب ذبح المأكولة فإذا ذبحت أكلت هذا، هو المذهب خلافا لمن وهم فيه لكن في حديث صحيح: "من أتى بهيمة فاقتلوه واقتلوها معه"، والجواب عنه مشكل إذ لا يتأتى إلا بالنسخ، وهو يحتاج لدليل آخر، "ويحد في مستأجرة" للزنا بها إذ لا شبهة لعدم الاعتداد بالعقد الباطل بوجه وقول أبي حنيفة أنه شبهة ينافيه الإجماع على عدم ثبوت النسب ومن

 

ج / 4 ص -121-        ثم ضعف مدركه، ولم يراع خلافه بخلافه في نكاح بلا ولي هذا ما أورده شارح عليه، وهو لا يتم إلا لو قال إنه شبهة في إباحة الوطء، وهو لم يقل بذلك بل بأنه شبهة في درء الحد فلا يرد عليه ما ذكر، وإنما الذي يرد عليه إجماعهم على أنه لو اشترى حرة فوطئها أو خمرا فشربها حد ولم تعتبر صورة العقد الفاسد نعم الذي يصرح به قول الإمام الشافعي في حنفي شرب النبيذ أحده وأقبل شهادته أنه لو رفع لشافعي حنفي فعله حده خلافا للجرجاني لأنه إذا حد بما يعتقد إباحته فأولى ما يعتقد تحريمه "ومبيحة"، لأن الإباحة هنا لغو "ومحرم" ولو بمصاهرة ومحرمة لتوثن أو لنحو بينونة كبرى ولو في عدته أو لعان أو ردة "وإن كان" قد "تزوجها" خلافا لأبي حنيفة أيضا، لأنه لا عبرة بالعقد الفاسد نظير ما مر في الإجارة فيأتي فيه حد الشافعي للحنفي به وفي خبر صحيح قتل فاعله وأخذ ماله وبه قال الإمام أحمد وإسحاق أما مجوسية تزوجها فلا يحد بوطئها للاختلاف في حل نكاحها.
"وشرطه" التزام الأحكام فلا يحد حربي مستأمن بخلاف المرتد لالتزامه لها حكما و "التكليف" فلا يحد غير مكلف لرفع القلم عنه "إلا السكران" المتعدي بسكره فيحد، وإن كان غير مكلف على الأصح تغليظا عليه من باب ربط الأحكام بالأسباب فالاستثناء منقطع "وعلم تحريمه" فلا يحد جاهله أصلا أو بعقد كنكاح نحو محرم رضاع إن عذر لبعده عن المسلمين لا محرم نسب إذ لا يجهله أحد ومر حد من علم تحريمه وجهل وجوب الحد فيه ويصدق جاهل نحو نسب وتحريم مزوجة أو معتدة إن أمكن جهله بذلك، "وحد المحصن" الرجل والمرأة "الرجم" حتى يموت إجماعا ولأنه صلى الله عليه وسلم رجم ماعزا والغامدية ولا يجلد مع الرجم عند جماهير العلماء "وهو مكلف"، وإن طرأ تكليفه أثناء الوطء فاستدامه قيل لا معنى لاشتراط التكليف في الإحصان بعد اشتراطه في مطلق وجوب الحد ويرد بأن له معنى، هو أن حذفه يوهم أن اشتراطه لوجوب الحد لا لتسميته محصنا فبين بتكريره أنه شرط فيهما ويلحق بالمكلف هنا أيضا السكران "حر" كله فمن فيه رق غير محصن لنقصه نعم إن عتق بعد التغييب فاستدام كان محصنا على الأوجه بخلاف ما لو نزع مع العتق "ولو"، هو "ذمي"، لأنه صلى الله عليه وسلم رجم اليهوديين رواه الشيخان زاد أبو داود وكانا قد أحصنا فالذمة شرط لحده لما مر أن نحو الحربي لا يحد لا لإحصانه إذ لو وطئ نحو حربي في نكاح فهو محصن لصحة أنكحتهم فإذا عقدت له ذمة فزنى رجم "غيب حشفته" كلها أو قدرها من فاقدها بشرط كونها من ذكر أصلي عامل على ما أفتى به البغوي ويتجه أن يأتي في نحو الزائد ما مر آنفا "بقبل في نكاح صحيح" ولو مع نحو حيض وعدة شبهة، لأن حقه بعد أن استوفى تلك اللذة الكاملة اجتنابها بخلاف من لم يستوفها أو استوفاها في دبر أو ملك أو وطء شبهة أو نكاح فاسد كما قال "لا فاسد في الأظهر" لحرمته لذاته فلا تحصل به صفة كمال وكما يعتبر ذلك في إحصان الواطئ يعتبر في إحصان الموطوءة "والأصح اشتراط التغييب حال حريته وتكليفه" ولو مع الإكراه كما اقتضاه إطلاقهم، وهو ظاهر خلافا لمن نظر فيه فلا إحصان لصبي أو مجنون

 

ج / 4 ص -122-        أو قن وطئ في نكاح صحيح لأن شرطه الإصابة بأكمل الجهات، وهو النكاح الصحيح فاشتراط حصولها من كامل أيضا ولا يرد على اشتراط التكليف حصول الإحصان مع تغييبها حال النوم، لأن التكليف موجود حينئذ بالقوة، وإن كان النائم غير مكلف بالفعل لرجوعه إليه بأدنى تنبيه، وهو أولى من جواب الزركشي بأنه مكلف استصحابا لحاله قبل النوم إلا أن يؤول بما ذكرته وقضية المتن اشتراط ذلك حال التغييب لا الزنا فلو أحصن ذمي ثم حارب وأرق ثم زنى رجم والذي صرح به القاضي وغيره أنه لا يرجم قال ابن الرفعة وعليه فيجب أن يقال المحصن الذي يرجم من وطئ في نكاح صحيح، وهو حر مكلف حالة الوطء وحالة الزنا فعلم أن من وطئ ناقصا ثم زنى كاملا لا يرجم بخلاف من كمل في الحالين، وإن تخللهما نقص كجنون ورق "وأن الكامل الزاني بناقص" متعلق بالكامل لا بالزاني كما أفاده كلامه إذ لو تعلق به لاقتضى أن الكامل الحر المكلف إذا زنى بناقص محصن، وإن لم يوجد فيه التغييب السابق، وهو باطل بنص كلامه فتعين تعلقه بما ذكر ولم يصب من اعترضه، وإن كثروا ولا من غير الزاني بالباني على أنه خطئ بأن المعروف بنى على أهله لا بهم ولظهور هذا من كلامه كما قررته لم يحتج لتقديم بناقص إثر متعلقه "محصن"، لأنه حر مكلف وطئ في نكاح صحيح فلم يؤثر نقص الموطوءة كعكسه لوجود المقصود، وهو التغييب حال كمال المحكوم عليه بالإحصان منهما، "و" حد المكلف ومثله السكران "البكر" وهو غير المحصن السابق "الحر" الذكر والمرأة "مائة جلدة" للآية سمي بذلك لوصوله إلى الجلد "وتغريب عام" أي سنة هلالية وآثره، لأنها قد تطلق على الجدب وذلك لخبر مسلم به وعطف بالواو لإفادة أنه لا ترتيب بينهما، وإن كان تقديم الجلد أولى فيعتد بتقديم التغريب وتأخر الجلد، وإن نازع فيه الأذرعي وعبر بالتغريب لإفادة أنه لا بد من تغريب الحاكم فلو غرب نفسه لم يكف إذ لا تنكيل فيه وابتداء العام من ابتداء السفر ويصدق في أنه مضى عليه عام حيث لا بينة ويحلف ندبا إن اتهم لبناء حق الله تعالى على المسامحة وتغرب معتدة وأخذ منه تغريب المدين ومستأجر العين وفي الأخير نظر ويفرق بأن معظم الحق فيها لله تعالى وفيه الحق متمحض للآدمي ويؤيده أن القاضي لا يعدى عليه ثم رأيت شيخنا رجح أنه لا يغرب إن تعذر عمله في الغربة كما لا يحبس لغريمه إن تعذر عمله في الحبس ويوجه تغريب المدين، وإن كان الدين حالا بأنه إن كان له مال قضى منه وإلا لم تفد إقامته عند الدائن فلم يمنع حقه توجه التغريب إليه، وإنما يجوز التغريب "إلى مسافة القصر" من محل زناه "فما فوقها" مما يراه الإمام بشرط أمن الطريق والمقصد على الأوجه، وأن لا يكون بالبلد طاعون لحرمة دخوله ذلك اقتداء بالخلفاء الراشدين ولأن ما دونها في حكم الحضر "وإذا عين الإمام جهة فليس له طلب غيرها في الأصح"، لأنه قد يكون له غرض فيه فلا يحصل الزجر المقصود ويلزم بالإقامة فيما غرب إليه حتى يكون كالحبس له على المعتمد من تناقض في الروضة وجمع شيخنا بما يلزم عليه انتفاء فائدة التغريب إذ تجويز انتقاله لغير بلده ودون مرحلتين منها يجعله كالمتنزه في الأرض، وهو مناف للمقصود من تغريبه وأخذ من قولهم كالحبس أن له منعه من نحو استمتاع بالحليلة

 

ج / 4 ص -123-        وشم الرياحين وفي عمومه نظر لتصريحهم بأن له استصحاب أمة يتسرى بها دون أهله وعشيرته وقضية كلامهما أنه لا يمكن من حمل مال زائد على نفقته، وهو متجه خلافا للماوردي والروياني ولا يقيد إلا إن خيف من رجوعه ولم تفد فيه المراقبة أو من تعرضه لإفساده النساء مثلا وأخذ منه بعض المتأخرين أن كل من تعرض لإفساد النساء أو الغلمان أي ولم ينزجر إلا بحبسه حبس قال وهي مسألة نفيسة وإذا رجع قبل المدة أعيد لما يراه الإمام واستأنفها إذ لا يتم التنكيل إلا بموالاة مدة التغريب "ويغرب غريب" له وطن "من بلد الزنا إلى غير بلده" أي وطنه ولو حلة بدوي إذ لا يتم الإيحاش إلا بذلك ومن ثم وجب بعد ما غرب إليه عن وطنه مسافة القصر "فإن عاد" المغرب "إلى بلده" الأصلي أو الذي غرب منه أو إلى دون المسافة منه "منع في الأصح" معاملة له بنقيض قصده وقياس ما مر أنه يستأنف السنة ثم رأيت ذلك مصرحا به أما غريب لا وطن له كأن زنى من هاجر لدارنا عقب وصولها فيمهل حتى يتوطن محلا ثم يغرب منه وفارق - خلافا لابن الرفعة وغيره -: تغريب مسافر زنى لغير مقصده وإن فاته الحج مثلا على المعتمد خلافا للبلقيني، لأن القصد تنكيله وإيحاشه ولا يتم إلا بذلك - بأن هذا له وطن فالإيحاش حاصل ببعده عنه وذاك لا وطن له فاستوت الأماكن كلها بالنسبة إليه فتعين إمهاله ليألف ثم يغرب ليتم الإيحاش واحتمال أنه قد لا يتوطن بلدا فيؤدي إلى سقوط الحد بعيد جدا فلا يلتفت إليه كاحتمال الموت ونحوه ولو زنى فيما غرب له غرب لغيره البعيد عن وطنه ومحل زناه ودخل فيه بقية الأول "ولا تغرب امرأة وحدها في الأصح بل مع زوج أو محرم" أو نسوة ثقات عند أمن الطريق والمقصد بل أو واحدة ثقة أو ممسوح كذلك أو عبدها الثقة إن كانت هي ثقة أيضا بأن حسنت توبتها لما مر في الحج أن السفر الواجب يكفي فيه ذلك وذلك لحرمة سفرها وحدها كما مر ثم بتفصيله ووجوب السفر عليها لا يلحقها بالمسافرة للهجرة حتى يلزمها السفر ولو وحدها ويفرق بأن تلك تخشى على نفسها أو بضعها لو أقامت وهذه ليست كذلك فانتظرت من يجوز لها السفر معه ولا يلزم نحو المحرم السفر معها إلا برضاه "ولو بأجرة" طلبها منها فتلزمها كأجرة الجلاد فإن أعسرت ففي بيت المال فإن تعذر أخر التغريب حتى توسر كأمن الطريق ومثلها في ذلك كله أمرد حسن فلا يغرب إلا مع محرم أو سيد.
تنبيه: أطلقوا في الحر أن مؤنة تغريبه عليه سواء مؤن السفر والإقامة وأما الرقيق فأطلق بعضهم فيه أنها على السيد وقال شارح مؤن تغريبه في بيت المال وإلا فعلى السيد ومؤن الإقامة على السيد ولعله لحظ الفرق بأن ذلك واجب على القن أصالة، وهو في حكم المعسر والمعسر مؤنه في بيت المال أولا فقدم على السيد بخلاف الحر فإنه يتصور فيه اليسار وغيره ففصل فيه كما تقرر ويوجه فرقه بين مؤنة التغريب ومؤنة الإقامة بأن الثانية لحق الملك فلزمته مطلقا بخلاف الأولى. وفصل بعض الأصحاب بين أن يكون المغرب المالك فهي عليه أو السلطان فهي في بيت المال.
"فإن امتنع" حتى بالأجرة "لم يجبر في الأصح"، لأن في إجباره تعذيب من لم يذنب،

 

ج / 4 ص -124-        "و" حد "العبد" يعني من فيه رق، وإن قل سواء الكافر وغيره "خمسون وتغريب نصف سنة" على النصف من الحر لآية: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] أي غير الرجم، لأنه لا ينصف ولا مبالاة بضرر السيد كما يقتل بنحو ردته ولا بكون الكافر لم يلتزم الجزية كما في المرأة الذمية ومخالفة جمع فيه مردودة بقولهم للكافر حد عبده الكافر وبأنه تابع لسيده ويأتي هنا جميع فروع التغريب السابقة وغيرها ومنه خروج نحو محرم مع الأمة والعبد الأمرد "وفي قول" يغرب "سنة" لتعلقه بالطبع فلا يختلفان فيه كمدة الإيلاء "و" في "قول لا يغرب" لتفويت حق السيد، "ويثبت" الزنا "ببينة" فصلت بذكر المزني بها وكيفية الإدخال ومكانه ووقته كأشهد أنه أدخل حشفته أو قدرها في فرج فلانة بمحل كذا وقت كذا على سبيل الزنا قال الزركشي أو زنا يوجب الحد إذا عرف أحكامه وفيه نظر، لأنه قد يرى ما لا يراه الحاكم من إهمال بعض الشروط أو بعض كيفيته وقد ينسى بعضها فالوجه وجوب التفصيل مطلقا ولو من عالم موافق وسيذكر في الشهادات أنها أربع لقوله تعالى: {فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء: 15]، وعن جمع أنه لو شهد أربعة بزناه بأربع نسوة لكن اقتصر كل منهم على أنه رآه يزني بواحدة منهن حد، لأنه استفيد من مجموع الشهادات الأربع ثبوت زناه بأربعة وليس كما زعموه، لأن كلا شهد بزنا غير ما شهد به الآخر فلم يثبت بهم موجب الحد بل يحد كل منهم، لأنه قاذف "أو إقرار" حقيقي مفصل نظير ما تقرر في الشهادة، ولو بإشارة أخرس إن فهمها كل أحد للأحاديث الصحيحة أنه صلى الله عليه وسلم رجم ماعزا والغامدية بإقرارهما وخرج بالحقيقي اليمين المردودة بعد نكول الخصم فلا يثبت بها زنا لكن تسقط حد القاذف ويكفي الإقرار حال كونه "مرة" ولا يشترط تكرره أربعا خلافا لأبي حنيفة رضي الله عنه، لأنه صلى الله عليه وسلم علق الرجم بمطلق الاعتراف حيث قال: "واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها"، وترديده صلى الله عليه وسلم على ماعز أربعا، لأنه شك في أمره ولهذا قال: "أبك جنون؟" فاستثبت فيه ولهذا لم يكرر إقرار الغامدية وعلم من كلامه السابق في اللعان ثبوته أيضا عليها بلعانه دونها والآتي في القضاء أن القاضي لا يحكم فيه بعلمه نعم للسيد استيفاؤه من قنه بعلمه لمصلحة تأديبه، "ولو أقر" به "ثم رجع" عنه قبل الشروع في الحد أو بعده بنحو كذبت أو رجعت أو ما زنيت، وإن قال بعده كذبت في رجوعي أو كنت فاخذت فظننته زنا، وإن شهد حاله بكذبه فيما يظهر بخلاف ما أقررت، لأنه مجرد تكذيب للبينة الشاهدة به "سقط" الحد، لأنه صلى الله عليه وسلم عرض لماعز بالرجوع فلولا أنه يفيد لما عرض له به بل لما قالوا له إنه عند رجمه طلب الرد إليه فلم يسمعوا قال: "هلا تركتموه لعله يتوب" أي يرجع، إذ التوبة لا تسقط الحد هنا مطلقا فيتوب الله عليه ومن ثم سن له الرجوع وأفهم قوله: سقط أي عنه بقاء الإقرار بالنسبة لغيره كحد قاذفه فلا يجب برجوعه بل يستصحب حكم إقراره فيه من عدم حده لثبوت عدم إحصانه ولو وجد إقرار وبينة اعتبر الأسبق ما لم يحكم بالبينة وحدها ولو متأخرة فلا يقبل الرجوع وكالزنا في قبول الرجوع عنه كل حد لله تعالى كشرب وسرقة بالنسبة للقطع وأفهم كلامه أنه إذا ثبت بالبينة لا يتطرق إليه رجوع، وهو كذلك لكنه

 

ج / 4 ص -125-        يتطرق إليه السقوط بغيره كدعوى زوجية وملك أمة كما يأتي في السرقة وظن كونها حليلة ونحو ذلك وكإسلام ذمي بعد ثبوت زناه ببينة فإنه يسقط حده.
"ولو قال" المقر اتركوني أو "لا تحدوني أو هرب" قبل حده أو في أثنائه "فلا" يكون رجوعا "في الأصح"، لأنه لم يصرح به نعم يخلى وجوبا حالا فإن صرح فذاك وإلا أقيم عليه للخبر السابق: "هلا تركتموه" فإن لم يخل لم يضمن، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يوجب عليهم شيئا ولو أقر زان بنحو بلوغ أو إحصان ثم رجع وقال أنا صبي أو بكر فهل يقبل محل نظر وعدم القبول أقرب وليس في معنى ما مر لأنه ثم رفع السبب بالكلية بخلافه هنا ولو ادعى المقر أن إماما استوفى منه الحد قبل، وإن لم ير له ببدنه أثر كما أفهمه ما مر آخر البغاة وعلى قاتل الراجع دية لا قود لشبهة الخلاف في سقوط الحد بالرجوع، "و" مما يسقط الحد الثابت بالبينة أيضا ما "لو شهد أربعة" من الرجال "بزناها وأربع" من النسوة أو رجلان أو رجل وامرأتان أنها "عذراء" بمعجمة أي بكر سميت بذلك لتعذر وطئها وصعوبته، وإنما "لم تحد، هي" لشبهة بقاء العذرة الظاهرة في أنها لم تزن وبه يعلم أنه لا يحد الزاني بها أيضا "ولا قاذفها" ولا الشهود عليها لاحتمال عود البكارة لترك المبالغة في الإيلاج ومن ثم قال القاضي لو قصر الزمن بحيث لا يمكن عود البكارة فيه حد قاذفها وبحث البلقيني وغيره أن محله إن لم تكن غوراء يمكن غيبة الحشفة فيها مع بقاء بكارتها وإلا حدت لثبوت الزنا وعدم وجود ما ينافيه ولو شهدوا بالرتق أو بالقرن فكالشهادة بأنها عذراء وأولى ولو أقامت أربعة أنه أكرهها على الزنا وطلبت المهر وشهد أربع أنها بكر وجب المهر إذ لا يسقط بالشبهة لا الحد لسقوطه بها "ولو عين شاهد" من الأربعة "زاوية" أو زمنا مثلا "لزناه و" عين "الباقون غيرها" أو غير ذلك الزمن لذلك الزنا "لم يثبت" للتناقض المانع من تمام العدد بزنية واحدة فيحد القاذف والشهود "ويستوفيه" أي الحد "الإمام أو نائبه من حر" للاتباع ويشترط عدم قصده لصارف كظلم وليس منه حده بظن شرب فبان زنا لقصده الحد في الجملة "ومبعض" لتعلق الحد بجملته وليس للسيد إلا بعضها وقن كله أو بعضه موقوف أو لبيت المال وموصى بعتقه زنى بعد موت موص وهو يخرج من الثلث بناء على أن أكسابه له، وهو الأصح وقن محجور لا ولي له وقن مسلم لكافر واستيفاء الإمام من مبعض هو مالك بعضه رجح الزركشي فيه أنه بطريق الحكم إلا الملك فيها يقابله لاستحالة تبعيضه استيفاء فكذا في الحكم وفيه نظر، لأن الاستيفاء أمر حسي فأمكنت الاستحالة فيه ولا كذلك الحكم فلا قياس ثم رأيت في تكملة التدريب التصريح بما ذكرته ويستوفيه من الإمام بعض نوابه.
"ويستحب حضور" جمع من المسلمين ثبت بإقرار أو ببينة على الأوجه لقوله تعالى:
{وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 2] وحضور "الإمام" مطلقا أيضا "وشهوده" أي الزنا إقامة الحد خروجا من خلاف من أوجبه لنا أنه صلى الله عليه وسلم رجم غير واحد ولم يحضر ولا أمر بحضور واحد معين وندب حضور الشهود والجمع مطلقا، هو مقتضى إطلاقهم لكن بحث أن حضور البينة يكفي عن حضور غيرهم، وهو متجه إن أريد أصل السنة لا كمالها،

 

ج / 4 ص -126-        ويندب للبينة البداءة بالرجم فإن كان بالإقرار بدأ الإمام. "ويحد الرقيق" للزنا وغيره كقطع أو قتل أو حد خمر أو قذف "سيده" ولو أنثى إن علم شروطه وكيفيته، وإن لم يأذن له الإمام لخبر مسلم "إذا زنت أمة أحدكم فليحدها" وخبر أبي داود والنسائي: "أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم، نعم المحجور يقيمه وليه"، ولو قيما وبحث ابن عبد السلام أنه لو كان بين السيد وقنه عداوة ظاهرة لم يقمه عليه ويؤيده ما مر أن المجبر لا يزوج حينئذ مع عظيم شفقته فالسيد أولى واستشكله الزركشي بأن له حده إذا قذفه وقد يجاب بأن مجرد القذف قد لا يولد عداوة ظاهرة ويسن له بيع أمة زنت ثالثة لخبر فيه ولو زنى ذمي ثم حارب وأرق لم يحده إلا الإمام، لأنه لم يكن مملوكا يوم زناه وبه يفرق بينه وبين من زنى ثم بيع فإن للمشتري حده، لأنه كان مملوكا حال الزنا فحل المشتري محل البائع كما يحل محله في تحليله من إحرامه وعدمه بخلاف الأول لما زنى كان حرا فلم يتول حده إلا الإمام فاندفع استشكال الزركشي تلك بهذه ثم رأيت بعضهم أشار لنحو ما ذكرته وبهذا يتضح الفرق بين ما مر في المبعض. وحد الشركاء للمشترك على قدر ملكهم ويستنيبون في المنكسر وذلك، لأن السيد ثم لو توزع هو والإمام وقع حده في جزء الحرية وهو ممتنع بخلاف توزع الشركاء هنا فإن حد كل يقع في جزئه الرق وغيره المماثل له وقضية إطلاقهم جواز استقلال أحدهم بحده حصته، وإن لم تأذن البقية وعليه فهل يضمنه لو تلف بذلك، لأنه مشروط بسلامة العاقبة كالمعزر أولا لأنه مقدر مأذون فيه كل محتمل ومقتضى فرقهم الآتي قريبا بين حد الإمام وختانه بالنص والاجتهاد الضمان هنا لأن اقتصار كل على حصته أمر مجتهد فيه "أو الإمام" لعموم ولايته ومع ذلك الأولى السيد لثبوت الخبر فيه فلم يراع مخالفه "فإن تنازعا" فيمن يتولاه "فالأصح الإمام" لعموم ولايته "و" الأصح "أن السيد يغربه" كما يجلده، لأن التغريب من جملة الحد المذكور في الخبر "و" الأصح "أن المكاتب" كتابة صحيحة "كحر" فلا يحده إلا الإمام وإن عجز أخذا مما تقرر في ذمي زنى ثم حارب وأرق اعتبارا بحال الزنا "و" الأصح "أن" السيد "الكافر والفاسق والمكاتب" والجاهل العارف بما مر "يحدون عبيدهم" لعموم الخبر الثاني والأصح أن إقامته من السيد إنما هي بطريق الملك لغرض الاستصلاح كالفصد والحجامة ومن ثم حده بعلمه بخلاف القاضي. والمسلم المملوك لكافر يحده الإمام كما مر دون سيده كما نقلاه وأقراه خلافا للأذرعي، لأنه لا يقر ملكه عليه فلا استصلاح منه ونازع كثيرون في المكاتب وبنوا عليه أن من ملك قنا ببعضه الحر لا يحده لأنه ليس حرا كله والمعتمد ما ذكره في المكاتب والمبعض أولى منه، لأن ملكه تام تجب فيه الزكاة وغيرها بخلاف ملك المكاتب "و" الأصح "أن السيد يعزره" لحق الله تعالى كما يحده وكون التعزير غير مضبوط بخلاف الحد لا يؤثر، لأنه مجتهد فيه كالقاضي إما لحق نفسه فيجوز قطعا "و" أنه "يسمع البينة" وتزكيتها "بالعقوبة" المقتضية للحد أو التعزير أي بموجبها لملكه الغاية فالوسيلة أولى وقضيته أنه لا فرق هنا أيضا بين الكافر والمكاتب وغيرهما لكن بحث جمع اختصاص سماعها بالحر العدل العارف بصفات الشهود وشروطهم وأحكام العقوبة زاد بعضهم الذكورة

 

ج / 4 ص -127-        وفيه نظر. "والرجم" الواجب في الزنا يكون "بمدر" أي طين متحجر "و" نحو خشب وعظم والأولى كونه بنحو "حجارة معتدلة" بأن يكون كل منها يملأ الكف نعم يحرم بكبير مذفف لتفويته المقصود من التنكيل وبصغير ليس له كبير تأثير لطول تعذيبه ونازع فيه البلقيني لخبر مسلم في قصة ماعز أنهم رموه بما وجدوه حتى بالجلاميد وهي الحجارة الكبار ويجاب بأنها تصدق بالمعتدل المذكور بل قولهم: فاشتد واشتددنا خلفه حتى أتى عرض الحرة فانتصب لنا فرميناه بجلاميد الحرة حتى سكن فيه دليل على أن تلك الجلاميد لم تكن مذففة وإلا لم يعددوا الرمي بها إلى أن سكن والأولى أن لا يبعد عنه فيخطئه ولا يدنو منه فيؤلمه أي إيلاما يؤدي إلى سرعة التذفيف، وأن يتوقى الوجه إذ جميع بدنه محل للرجم، وأن يخلى والاتقاء بيده وتعرض عليه التوبة لتكون خاتمة أمره ولتستر عورته وجميع بدنها ويؤمر بصلاة دخل وقتها ويجاب لشرب لا أكل ولصلاة ركعتين ويجهز ويدفن في مقابرنا ويعتد بقتله بالسيف لكن فات الواجب "ولا يحفر للرجل" عند رجمه وإن ثبت زناه ببينة وظاهر المتن امتناع الحفر لكنه جرى في شرح مسلم على التخيير، لأنه صح أن ماعزا حفر له وأنه لم يحفر له واختاره البلقيني وجمع بأنه حفر له أولا حفرة صغيرة فهرب منها فاتبعوه حتى قتلوه بالحرة كما مر ولا ينافيه ما في رواية حفر إلى صدره، لأنه قد يطلع منها ويهرب إذ لا يلزم من الحفر ونزوله فيها رد التراب عليه حتى لا يتمكن من الخروج و "الأصح استحبابه للمرأة" بحيث يبلغ صدرها "إن ثبت" زناها "ببينة" أو لعان كما بحثه البلقيني لئلا تنكشف لا إقرار ليمكنها الهرب إن رجعت وثبوت الحفر في الغامدية مع أنها كانت مقرة لبيان الجواز بدليل أنه لم يحفر للجهنية وكانت مقرة أيضا، "ولا يؤخر الرجم لمرض" يرجى برؤه "وحر وبرد مفرطين"، لأن نفسه مستوفاة بكل تقدير "وقيل يؤخر" أي ندبا "إن ثبت بإقرار"، لأنه بسبيل من الرجوع ويرد بأن الأصل عدمه أما ما لا يرجى برؤه فلا يؤخر له قطعا على نزاع فيه وكذا لو ارتد أو تحتم قتله في المحاربة نعم يؤخر لوضع الحمل والفطام كما قدمه في الجراح ولزوال جنون طرأ بعد الإقرار "ويؤخر الجلد لمرض" أو نحو جرح يرجى برؤه منه أو لكونها حاملا، لأن القصد الردع لا القتل "فإن لم يرج برؤه جلد" إذ لا غاية تنتظر "لا بسوط" لئلا يهلك "بل" بنحو نعال وتوقف البلقيني فيما ألمها فوق ألم العثكال وأطراف ثياب و "بعثكال" بكسر العين أشهر من فتحها وبالمثلثة أي عرجون "عليه مائة غصن" وهي الشماريخ فيضرب به الحر مرة لخبر أبي داود بذلك "فإن كان" عليه "خمسون" غصنا "ضرب به مرتين" لتكميل المائة وعلى هذا القياس فيه وفي القن "وتمسه الأغصان" جميعا "أو ينكبس بعضها على بعض ليناله بعض الألم" لئلا تتعطل حكمة الجلد من الزجر وبه فارق الاكتفاء في الأيمان بضرب لا يؤلم على تناقض فيه، لأن مبناها على العرف وغير المؤلم يسمى ضربا عرفا أما إذا لم تمسه ولم ينكبس بعضها على بعض أو شك في ذلك فلا يكفي "فإن برأ" بفتح الراء وكسرها بعد ضربه بذلك "أجزأه" وفارق معضوبا حج عنه ثم شفي بأن الحدود مبنية على الدرء أو قبله حد كالأصحاء قطعا أو في أثنائه اعتد بما مضى وحد الباقي كالأصحاء "ولا

 

ج / 4 ص -128-        جلد في حر وبرد مفرطين" بل يؤخر مع الحبس لوقت الاعتدال ولو ليلا وكذا قطع السرقة بخلاف القود وحد القذف لأنهما حق آدمي واستثنى الماوردي والروياني من ببلد لا ينفك حره أو برده فلا يؤخر ولا ينقل لمعتدلة لتأخر الحد والمشقة ويقابل إفراط الزمن بتخفيف الضرب ليسلم من القتل "وإذا جلد الإمام" وأو نائبه "في مرض أو حر أو برد" أو نضو خلق لا يحتمل السياط "فلا ضمان على النص" لحصول التلف من واجب أقيم عليه، وإنما ضمن من ختن في ذلك بالدية لثبوت قدر الجلد بالنص والختان بالاجتهاد فكان مشروطا بسلامة العاقبة كالتعزير واستشكل الزركشي ما ذكر في النضو وقال الظاهر وجوب الضمان لأن جلد مثله بالعثكال لا بالسياط "فيقتضي" هذا النص "أن التأخير مستحب"، وهو كذلك عند الإمام لكنه صحح في الروضة وجوبه وعليه لا ضمان أيضا واعتمده الأذرعي ونقله عن جمع ويؤيده قول ابن المنذر أجمعوا على أن المريض لا يجلد حتى يصح وصوب البلقيني حمل الأول على ما إذا كان الجلد في ذلك لا يهلك غالبا ولا كثيرا والوجوب على خلافه.