تحفة المحتاج بشرح المنهاج ط العلمية

ج / 4 ص -129-        كتاب حد [القذف]
من حد منع لمنعه من الفاحشة أو قدر، لأن الله تعالى قدره فلا تجوز الزيادة عليه.
"القذف"، هو هنا الرمي بالزنا في معرض التعيير لا الشهادة، وهو لرجل أو امرأة من أكبر الكبائر، وإن أوجب التعزير لا الحد فيما يظهر ويحتمل خلافه وإنما وجب الحد به دون الرمي بالكفر لقدرة هذا على نفي ما رمي به بأن يجدد كلمة الإسلام ومرت تفاصيل القذف في اللعان.
"شرط حد القاذف" الالتزام وعدم إذن المقذوف وفرعيته للقاذف فلا يحد حربي وقاذف أذن له، وإن أثم ولا أصل، وإن علا كما يأتي و "التكليف" فلا يحد صبي ومجنون لرفع القلم عنهما "إلا السكران" فإنه يحد، وإن كان غير مكلف تغليظا عليه كما مر "والاختيار" فلا يحد مكره عليه لرفع القلم عنه أيضا مع عدم التعيير وبه فارق قتله إذا قتل لوجود الجناية منه حقيقة ويجب التلفظ به لداعية الإكراه وكذا مكرهه وفارق مكره القاتل بأنه آلته إذ يمكنه أخذ يده فيقتل بها دون لسانه فيقذف به وكذا لا يحد جاهل بتحريمه لقرب إسلامه أو بعده عن عالمي ذلك "ويعزر" القاذف "المميز" الصبي أو المجنون زجرا له وتأديبا ومن ثم سقط بالبلوغ والإفاقة "ولا يحد أصل" أب أو أم، وإن علا "بقذف الولد" ومن ورثه الولد "وإن سفل" كما لا يقتل به ولكنه يعزر للإيذاء ويفرق بينه وبين عدم حبسه بدينه بأن الحبس عقوبة قد تدوم مع عدم الإثم فلم يلق بحال الأصل على أن الرافعي صرح بأنه حيث عزر إنما هو لحق الله دون الولد وعليه فلا إشكال ولم يقل هنا ولا له وقاله في القود لئلا يرد ما لو كان لزوجة ولده ولد آخر من غيره فإن له الاستيفاء، لأن بعض الورثة يستوفيه جميعه بخلاف القود لو قال لولده أو ولد غيره يا ولد الزنا كان قاذفا لأمه فيحد لها بشرطه، وإذا وجب حد القذف "فالحر" حالة القذف "حده ثمانون" جلدة للآية فدخل فيه ما لو قذف ذمي ثم حارب وأرق فيجلد ثمانين اعتبارا بحالة القذف "والرقيق" حالة القذف أيضا ولو مبعضا ومكاتبا وأم ولده حده "أربعون" جلدة إجماعا وبه خصت الآية على أن منع الشهادة فيها للقذف مصرح بأنها في الأحرار وتغليبا لحق الله تعالى وإلا فما يجب للآدمي لا يخالف فيه القن الحر وإن غلب حق الآدمي في توقف استيفائه على طلبه اتفاقا وسقوطه بعفوه ولو على مال لكن لا يثبت المال وكذا بثبوت زنا المقذوف ببينة أو إقرار أو يمين مردودة أو بلعان ومن قذف غيره ولم يسمعه إلا الله والحفظة لم يكن كبيرة موجبة للحد لخلوه عن مفسدة الإيذاء ولا يعاقب في الآخرة إلا عقاب كذب لا ضرر فيه قاله ابن عبد السلام وقد يؤخذ منه أنه لو كان صادقا بأن شاهد زناه لم يعاقب، وهو محتمل، "و" شرط "المقذوف" ليحد قاذفه "الإحصان" للآية "وسبق في اللعان" بيان شروطه وشروط المقذوف، نعم لا

 

ج / 4 ص -130-        يجب على الحاكم البحث عن إحصان المقذوف بل يقيم الحد على القاذف لظاهر الإحصان تغليظا عليه لعصيانه بالقذف، ولأن البحث عنه يؤدي إلى إظهار الفاحشة المأمور بسترها بخلاف البحث عن عدالة الشهود فإنه يجب عليه ليحكم بشهادتهم لانتفاء المعنيين فيه كذا نقله الرافعي عن الأصحاب، "ولو شهد" عند قاض رجال أحرار مسلمون "دون أربعة بالزنا حدوا" حد القذف "في الأظهر" لما في البخاري أن عمر رضي الله عنه حد الثلاثة الذين شهدوا بزنا المغيرة بن شعبة رضي الله عنه ولم يخالفه أحد ولئلا تتخذ صورة الشهادة ذريعة للوقيعة في أعراض الناس ولهم تحليفه أنه لم يزن فإن نكل لم يحدوا إن حلفوا وكذا لو كان الزوج رابعهم لتهمته في شهادته بزناها أما لو شهدوا لا عند قاض فقذفة قطعا ولا يحد شاهد جرح بزنا، وإن انفرد، لأن ذلك فرض كفاية عليه ويندب لشهود الزنا فعل ما يظنونه مصلحة من ستر أو شهادة ويظهر أن العبرة في المصلحة بحال المشهود عليه دون حال الشاهد ويحتمل اعتبار حاله أيضا "وكذا لو شهد أربع نسوة و" أربع "عبيد و" أربع "كفرة" أهل ذمة أو أكثر في الكل فيحدون "على المذهب"، لأنهم ليسوا من أهل الشهادة فتمحضت شهادتهم للقذف ومحله إن كانوا بصفة الشهود ظاهرا وإلا لم يصغ إليهم فيكونون قذفة قطعا ولا تقبل إعادتها من الأولين إذا تموا لبقاء التهمة كفاسق رد فتاب بخلاف نحو الكفرة والعبيد لظهور نقصهم فلا تهمة، "ولو شهد واحد على إقراره" بالزنا "فلا حد" كما قال له أقررت بالزنا قاصدا به قذفه وتعييره بل أولى.
تنبيه: قد يستشكل ما تقرر المعلوم منه إن حد دون الأربعة للقذف اللازم منه الفسق بأنه كيف تجوز فضلا عن أن تطلب من أحد الأربعة الشهادة بالزنا مع احتمال أن البقية لا يشهدون فيترتب عليه الفسق والحد ولا حيلة مسقطة لهما عنه بفرض عدم شهادة البقية ولا أصل هنا نستصحبه بل الأصل عدم شهادتهم وإن وثق كل من الأربعة بالبقية بأنه يشهد بعده ومما يزيد الإشكال أنه قد يترتب على عدم شهادتهم حد قاذفه فحينئذ يتعارض خشية الشاهد الحد والفسق بامتناع غيره وحد الغير إن لم يشهد وأشكل من ذلك أنه لو علق الطلاق بزناها وعلم به اثنان فإن شهدا به يترتب عليهما الحد والفسق، وإن لم يشهدا صارا مقرين للزوج على وطئها زنا لكن يحتمل في هذه أنهما يشهدان وجوبا ولا شيء عليهما، لأن قصدهما إيقاع الطلاق يمنع عنهما توهم القذف بصورة الشهادة وقد يجاب عن ذلك بأنه مر أن للشاهد أن يحلف المشهود عليه أنه ما زنى فإذا كان الشاهد متحققا لزناه فهو في أمن من الحد لأنه إذا طلب منه اليمين بأنه ما زنى يمتنع منها نظرا للغالب على الناس من امتناعهم من اليمين الغموس فسوغ له النظر إلى هذا الغالب الشهادة بل قد تلزمه لأمنه حينئذ من لحوق ضرر به فتأمل ذلك فإنه مهم.
"ولو تقاذفا فليس تقاصا"، فلكل واحد الحد على الآخر، لأن شرط التقاص اتحاد الجنس والصفة، وهو متعذر هنا لاختلاف تأثير الحدين باختلاف البدنين غالبا نعم لمن

 

ج / 4 ص -131-        سب أن يرد على سابه بقدر سبه مما لا كذب فيه ولا قذف كيا ظالم يا أحمق لخبر أبي داود أن زينب لما سبت عائشة رضي الله عنهما قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: "سبيها"، ولأن أحدا لا يكاد ينفك عن ذلك ولا يحل له أن يتجاوز لنحو أبيه وبانتصاره ليستوفي يبقى على الأول إثم الابتداء والإثم لحق الله تعالى كذا قاله غير واحد وظاهره إن لم يجعل والإثم هو السابق أنه يبقى عليه إثمان والذي يتجه أنه لا يبقى عليه إلا الثاني فقط كما قالوه فيمن قتل فقتل قودا وإذا وقع الاستيفاء بالسب المماثل فأي ابتداء يبقى على الأول للثاني حتى يكون عليه إثمه وإنما الذي عليه الإثم المتعلق بحق الله تعالى فإذا مات ولم يتب عوقب عليه إن لم يعف عنه "ولو استقل المقذوف بالاستيفاء" للحد ولو بإذن الإمام أو القاذف "لم يقع الموقع" فإن مات به قتل المقذوف ما لم يكن بإذن القاذف كما، هو ظاهر، وإن لم يمت لم يجلد حتى يبرأ من ألم الأول، وإنما لم يقع لاختلاف إيلام الجلدات مع عدم أمن الحيف ومن ثم اعتد بقتله للزاني المحصن لا بجلده نعم لسيد قذفه قنه أن يحده وكذا لمن قذف وتعذر عليه الرفع للسلطان أن يستوفيه إذا أمكنه من غير مجاوزة للمشروع والله أعلم.