تحفة المحتاج بشرح المنهاج ط العلمية

ج / 4 ص -132-        كتاب قطع [السرقة]
قيل لو حذفه كما حذف حد من كتاب الزنا لكان أعم وأخصر لتناوله أحكام نفس السرقة انتهى ويرد بأن القطع هنا واحد لا يختلف باختلاف الفاعل فكان هو المقصود بالذات وما عداه بطريق التبع له فذكر لذلك، والحد ثم متعدد بتعدد فاعله ومختلف في بعض أجزائه وهو التغريب فحذف لئلا يتوهم التخصيص ببعضها فهما صنيعان لكل ملحظ، فإن قلت قال الزركشي عبر في التنبيه بحد السرقة وهو أحسن لأن الحد لا ينحصر في القطع قلت إنما يصح هذا بناء على الضعيف أن الحسم من تتمة الحد أو على أن من سرق خامسة أو ولا أربع له أو ولا تكليف يكون تعزيره الذي ذكروه حدا، له والوجه خلافه لأن الحد مقدر شرعا والتعزير بخلافه وما هنا غير مقدر فتعذر كونه حدا، ونص الإمام على أن تعزير الصبي أي المميز والقاضي على أن تعزير المجنون الذي له نوع تمييز حد له فيه تجوز ظاهر كما هو واضح.
"السرقة" هي بفتح فكسر أو بفتح أو كسر فسكون لغة أخذ الشيء خفية، وشرعا أخذ مال خفية من حرز مثله بشروطه الآتية والأصل فيها الكتاب والسنة والإجماع ولما شكك الملحد المعري بقوله:
يد بخمس مئين عسجد وديت
ما بالها قطعت في ربع دينار،
أجابه القاضي عبد الوهاب المالكي بجواب بديع مختصر وهو قوله:
وقاية النفس أغلاها وأرخصها
وقاية المال فافهم حكمة الباري
أي لو وديت بالقليل لكثرت الجنايات على الأطراف المؤدية لإزهاق النفوس لسهولة الغرم في مقابلتها ولو لم يقطع إلا في الكثير لكثرت الجنايات على الأموال، وأجاب ابن الجوزي بأنها لما كانت أمينة كانت ثمينة فلما خانت هانت، وأركان السرقة الموجبة للقطع سرقة، كذا وقع في عباراتهم وهو صحيح إذ المراد بالسرقة الثانية مطلق الأخذ خفية وبالأولى الأخذ خفية من حرز، وسارق ومسروق ولطول الكلام فيه بدأ به فقال:
"يشترط لوجوبه في المسروق" أمور "كونه ربع دينار" أي مثقال ذهبا مضروبا كما في الخبر المتفق عليه وشذ من قطع بأقل منه وخبر:
"لعن الله السارق يسرق البيضة أو الحبل فتقطع يده" إما أريد بالبيضة فيه بيضة الحديد وبالحبل ما يساوي ربعا أو الجنس أو أن من شأن السرقة أن صاحبها يتدرج من القليل إلى الكثير حتى تقطع يده "خالصا" وإن تحصل من مغشوش بخلاف الربع المغشوش لأنه ليس ربع دينار حقيقة "أو" كونه فضة كان أو غيرها يساوي "قيمته" بالذهب المضروب الخالص حال الإخراج من الحرز فإن لم تعرف قيمته بالدنانير قوم بالدراهم ثم هي بالدنانير فإن لم يكن بمحل السرقة دنانير انتقل لأقرب محل إليها فيه ذلك كما هو قياس نظائره، ولو اختلفت قيمة نقدين

 

ج / 4 ص -133-        خالصين اعتبر أدناهما كما قاله الدارمي لوجود الاسم أي ومعه لا نظر لدرء الحد بالشبهة لأن شرطها أن تكون قوية ولا قوة لها مع صدق الاسم بأنه أخذ ما يساوي نصابا ويفرق بينه وبين ما لو شهدت بينة بأنه نصاب وأخرى بأنه دونه فلا قطع بأن هنا تعارضا أوجب إلغاءهما في الزائد على الأقل فلم يوجد الاسم، بخلافه في مسألتنا وبينه وبين ما مر فيما لو نقص نصاب الزكاة في بعض الموازين الظاهر جريانه هنا أيضا بأن الوزن أمر حسي والتقويم أمر اجتهادي واختلاف الحسي أقوى فأثر دون اختلاف الاجتهادي وأما قول الماوردي إن كان ثم أغلب اعتبر وإلا فوجهان فيرد وإن قال الزركشي أنه الأحسن، بأن الغلبة لا دخل لها هنا مع النظر إلى ما مر من صدق الاسم وبأنه مع الاستواء لم يرجح شيئا فتعين ما أطلقه الدارمي ولا بد من قطع المقوم بأن يقول قيمته كذا قطعا وإن كان مستند شهادته الظن، وبه فارق شاهدي القتل فإن مستند شهادتهما المعاينة فلم يحتج للقطع منهما وإن استوى البابان في أن الشهادة في كل إنما تفيد الظن لا القطع فاندفع ما للبلقيني هنا وهل وجوب ذكر القطع بالقيمة يختص بما هنا رعاية للحد الواجب الاحتياط له أو يعم كل شهادة بقيمة لما تقرر من الفرق كل محتمل والثاني أقرب لتصريح الشيخين نقلا عن الإمام بأن التقويم تارة ينشأ عن الاجتهاد وتارة ينشأ عن القطع أي فإذا قال قيمته كذا احتمل أنه عن الاجتهاد وهو لا يكفي فوجب التصريح بما يدفع هذا الاحتمال وأن لا يتعارض بينتان وإلا أخذ بالأقل وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم وكان الدينار إذ ذاك اثني عشر درهما، "ولو سرق ربعا" ذهبا "سبيكة" فاندفع اعتراضه بأن سبيكة مؤنث فلا يصح كونه نعتا لربع "لا يساوي ربعا مضروبا فلا قطع" به "في الأصح" لأن الدينار المذكور في الخبر اسم للمضروب أو خاتما ذهبا تبلغ قيمته الربع لا وزنه فكذلك كما في الروضة، وزعم الإسنوي أنه غلط فاحش هو الغلط كما قاله البلقيني لأن الوزن لا بد منه وهل يعتبر معه في غير المضروب كالقراضة والتبر والحلي أن تبلغ قيمته ربع دينار مضروب الأصح، نعم خلافا لما يوهمه كلام غير واحد كالسبيكة، وتقويم الذهب السبيكة بالذهب المضروب الذي صرح به المتن لا محذور فيه خلافا لما زعمه فأوجب تقويمها بالدراهم ثم هي بالمضروب، "ولو سرق دنانير ظنها فلوسا" مثلا "لا تساوي ربعا قطع" لوجود سرقة الربع مع قصد أصل السرقة ولا عبرة بالظن ومن ثم لو سرق فلوسا لا تساوي ربعا لم يقطع وإن ظنها دنانير وكذا ما ظنه له لأنه لم يقصد أصل السرقة "وكذا ثوب رث" بالمثلثة "في جيبه تمام ربع جهله في الأصح" لما مر وكونه هنا جهل جنس المسروق لا يؤثر لما تقرر أنه قصد أصل السرقة فلم يفترق الحال بين الجهل بالجنس هنا وبالصفة "ولو أخرج نصابا من حرز مرتين" بأن تممه في المرة الثانية "فإن تخلل" بينهما "علم المالك" بذلك "وإعادة الحرز" بنحو إصلاح نقب وغلق باب من المالك أو نائبه دون غيرهما كما اقتضته عبارة الروضة وإن لم يكن كالأول حيث وجد الإحراز كما هو ظاهر "فالإخراج الثاني سرقة أخرى" لاستقلال كل حينئذ فلا قطع به كالأول "وإلا" يتخلل علم المالك ولا إعادته الحرز أو تخلل

 

ج / 4 ص -134-        أحدهما فقط، خلافا للبلقيني ومن تبعه في هذه "قطع في الأصح" اشتهر هتك الحرز أم لا لبقاء الحرز بالنسبة إليه لهتكه له، فانبنى فعله على فعله ويوجه ذكر هذه هنا بأن فيها بيانا لأن النصاب الذي الكلام فيه تارة يكون إخراجه على مرتين أو أكثر كإخراجه مرة وتارة لا، فاندفع اعتراض الرافعي الوجيز في ذكرها هنا مع اتباعه له في المحرر بأنه لا تعلق لها بالنصاب وسيأتي لهذه ما يشابهها مع الفرق بينهما، "ولو ثقب وعاء حنطة ونحوها" كجيب أو كم أو أسفل غرفة "فانصب" منه "نصاب" أي مقوم به على التدريج "قطع" به "في الأصح" لأنه هتك الحرز وفوت المال فعد سارقا، وزعم ضعف السبب يبطله إلحاقه بالمباشرة في القود وغيره كما مر أما لو انصب دفعة فيقطع قطعا، "ولو اشتركا" أي اثنان "في إخراج نصابين" من حرز "قطعا" لأن كلا منهما سرق نصابا توزيعا للمسروق عليهما بالسوية وبحث القمولي أن محله إن أطاق كل حمل مساوي نصاب وإلا قطع مطيق حمل مساويه فقط وأشار الزركشي إلى اعتماده ونظر فيه غيره بصدق الاشتراك مع ذلك وهو الأليق بإطلاقهم وعلتهم السابقة "وألا" يبلغ نصابين "فلا" قطع على واحد منهما توزيعا للمسروق كذلك، وبحث الأذرعي والزركشي أن محله فيما إذا بلغ نصابا إذا استقل كل وإلا فإن كان أحدهما غير مكلف فهو آلة له فيقطع المكلف فقط ويؤخذ من كونه آلة له أنه أمره أو أذن له. "ولو سرق" مسلم أو غيره "خمرا" ولو محترمة "وخنزيرا وكلبا" ولو مقتنى "وجلد ميتة بلا دبغ فلا قطع" لأنه ليس بمال وإطلاق السرقة عليه لغة صحيح كما مر بخلاف ما إذا دبغ أو تخللت الخمر ولو بفعله في الحرز "فإن بلغ إناء الخمر نصابا" ولم يقصد بإخراجه إراقتها وقد دخل بقصد سرقته "قطع" به "على الصحيح" لأنه أخذه من حرزه ولا شبهة كإناء بول وحكى جمع القطع فيه بالقطع وكان الفرق أن استحقاق الأول للكسر إزالة للمنكر بشرطه السابق في الغصب صيره غير معتد به بخلاف الثاني، ويؤيده أن الخمر لو كانت محترمة أو أريقت في الحرز قطع قطعا أما لو قصد بإخراجه تيسر إفسادها وإن دخل بقصد سرقته أو دخل بقصد إفساده وإن أخرجه بقصد سرقته فلا قطع. "ولا قطع في" سرقة "طنبور ونحوه" من آلات اللهو وكل آلة معصية كصليب وكتاب لا يحل الانتفاع به كالخمر "وقيل إن بلغ مكسره" أو نحو جلده "نصابا" ولم يقصد بدخوله أو بإخراجه تيسر إفساده "قطع قلت الثاني أصح والله أعلم" لسرقته نصابا من حرزه ولا شبهة له فيه ولو كانت لذمي قطع قطعا.
الشرط "الثاني: كونه" أي المسروق الذي هو نصاب "ملكا لغيره" أي السارق فلا قطع بما له فيه ملك وإن تعلق به نحو رهن واستحقاق ولو على قول ضعيف أي ما لم يعارضه ما هو أقوى منه لما يأتي في مسألة الوصية وذلك كمبيع بزمن خيار سرقه بائع أو مشتر وموقوف وموهوب قبل قبض سرقه موقوف عليه أو متهب "فلو ملكه بإرث أو غيره" كهبة وإن لم يقبضه "قبل إخراجه من الحرز" أو بعده وقبل الرفع للحاكم فلا يفيد بعده ولو قبل الثبوت كما اقتضاه كلامهم لأن القطع إنما يتوقف على الدعوى وقد وجدت، ثم رأيت صاحب البيان صرح بذلك "أو نقص فيه عن نصاب بأكل وغيره"

 

ج / 4 ص -135-        كإحراق، "لم يقطع" المخرج لملكه له المانع من الدعوى بالمسروق المتوقف عليها القطع، ولخبر أبي داود أنه صلى الله عليه وسلم لما أمر بقطع سارق رداء صفوان قال أنا أبيعه وأهبه ثمنه فقال صلى الله عليه وسلم: "هلا كان هذا قبل أن تأتيني به"، ولنقصه، ووجه ذكر هذه هنا مع أنها أنسب بالشرط الأول مشاركتها لما قبلها في النظر لحالة الإخراج كذا قيل وأحسن منه أنه أشار بذلك إلى أن سبب النقص قد يكون مملكا كالازدراد أخذا مما مر في غاصب بر ولحم جعلهما هريسة، "وكذا" لا قطع "لو ادعى" السارق "ملكه" للمسروق قبل الإخراج أو بعده أو للمسروق منه المجهول أو للحرز أو ملك من له في ماله شبهة كأبيه أو سيده أو أقر المسروق منه بأنه ملكه وإن كذبه "على النص" لاحتماله وإن قامت بينة بل أو حجة قطعية بكذبه على ما اقتضاه إطلاقهم لكن يعارضه تقييدهم بالمجهول فيما مر الصريح في أنه لا نظر لدعواه ملك معروف الحرية فكذا هنا إلا أن يفرق بإمكان طرو ملكه لذلك ولو في لحظة بخلاف معروف الحرية فكان شبهة دارئة للقطع كدعواه زوجية أو ملك المزني بها خلافا لما نقلاه عن الإمام بل نقل الماوردي اتفاقهم على سقوط الحد بذلك وعلى الضعيف فرق بجريان التخفيف في الأموال دون الأبضاع، ولو أنكر السرقة الثابتة بالبينة قطع لأنه مكذب للبينة صريحا بخلاف دعوى الملك "ولو سرقا" شيئا يبلغ نصابين "وادعاه أحدهما له" أو لصاحبه وأنه أذن له "أو لهما وكذبه الآخر لم يقطع المدعي" لاحتمال صدقه "وقطع الآخر في الأصح" لأنه مقر بسرقة نصاب لا شبهة له فيه أما إذا صدقه فلا يقطع كالمدعي وكذا إن لم يصدقه ولا كذبه أو قال لا أدري لاحتمال ما يقوله صاحبه "وإن سرق من حرز شريكه مشتركا" بينهما "فلا يقطع" عليه "في الأظهر وإن قل نصيبه" لأن له في كل جزء حقا شائعا فأشبه وطء أمة مشتركة وخرج بمشتركا سرقة ما يخص الشريك فيقطع به على ما جزم به القفال والأوجه جزم الماوردي بأنه إن اتحد حرزهما لم يقطع أي ما لم يدخل بقصد سرقة غير المشترك أخذا مما يأتي قبيل قول المتن أو أجنبي المغصوب وإلا قطع ولا يقطع بسرقة ما قبل هبته ولم يقبضه كما مر بخلاف ما أوصى له به بعد الموت وقبل القبول لأن العقد لم يتم فضعفت الشبهة واعترض جمع وأطالوا في أنه لا فرق بينهما بل الثاني أولى لأن الخلاف في ملكه بالموت من غير قبول أقوى منه في الأول وقد يجاب بأن الهبة بعد العقد الصحيح لا تتوقف إلا على القبض بخلاف الوصية بعد الإيجاب الصحيح والموت تتوقف على القبول وعدم وجود دين يبطلها فضعف سبب الملك هنا جدا فإنه معرض للإبطال ولو بحدوث دين بخلافه ثم والخلاف الأقوى إنما هو عند تحقق عدم الدين فتأمله لتعلم به اتجاه ما لمحوه مما خفي على من شنع عليهم.
الشرط "الثالث: عدم الشبهة" له "فيه" للخبر الصحيح:
"ادرءوا الحدود بالشبهات"، وفي رواية صحيحة: "عن المسلمين" أي وذكرهم ليس بقيد كما مرت نظائره ما استطعتم "فلا قطع بسرقة مال أصل" للسارق وإن علا "وفرع" له وإن سفل لشبهة استحقاق النفقة في الجملة وبحث البلقيني أنه لو نذر إعتاق قنه غير المميز فسرقه أصله أو فرعه قطع

 

ج / 4 ص -136-        لانتفاء شبهة استحقاق النفقة عنه بامتناع تصرف الناذر فيه مطلقا وبه فارق المستولدة وولدها لأن له إيجارهما قيل وفيه نظر ا هـ ولا وجه للنظر مع علم السارق بالنذر وأنه يمتنع به عليه التصرف فيه، "و" لا قطع بسرقة من فيه رق ولو مبعضا ومكاتبا مال "سيد" أو أصله أو فرعه أو نحوهما من كل من لا يقطع السيد بسرقة ماله إجماعا ولشبهة استحقاق النفقة ولأن يده كيد سيده ولو ادعى القن أو القريب أن المسروق أو حرزه ملك أحد ممن ذكر لم يقطع وإن كذبه كما لو ظن أنه ملك لمن ذكر أو سرق سيده ما ملكه ببعضه الحر فكذلك للشبهة، "والأظهر قطع أحد الزوجين بالآخر" أي بسرقة ماله المحرز عنه لعموم الأدلة وشبهة استحقاقها النفقة والكسوة في ماله لا أثر لها لأنها مقدرة محدودة وبه فارقت المبعض والقن وأيضا فالفرض أنه ليس لها عنده شيء منهما ومن ثم لو كان لها عنده شيء منهما حين السرقة فأخذته بقصد الاستيفاء لم تقطع كدائن سرق مال مدينه بقصد ذلك سواء جنس دينه وغيره إن حل وجحد الغريم أو ماطل لأنه حينئذ مأذون له في أخذه شرعا وبه يعلم أنه لا بد من وجود شروط الظفر ولو قيل قصد الاستيفاء وحده كاف لم يبعد لأنه يعد شبهة وإن لم يبح الأخذ نظير شبه كثيرة ذكروها وإن لم توجد شروط الظفر كما اقتضاه إطلاقهم ولا يقطع بسرقة طعام في زمن قحط لم يقدر عليه ولو بثمن غال، "ومن سرق مال بيت المال" وهو مسلم "إن أفرز لطائفة ليس هو منهم قطع" إذ لا شبهة وظاهر كلامهم أنه لا فرق بين علمه بأنه أفرز لهم وأن لا والذي يتجه أنه متى لم يعلم الإفراز وكان له فيه حق لا يقطع لأن له فيه حينئذ شبهة باعتبار ظنه "وإلا" يفرز "فالأصح أنه إن كان له حق في المسروق كمال مصالح" ولو غنيا "وكصدقة" أي زكاة أفرزت "وهو فقير" أي مستحق لها بوصف فقر أو غيره وآثر الأول لغلبته على مستحقها "فلا" يقطع للشبهة وإن لم يجر فيها ظفر كما يأتي "وإلا" يكن له فيه حق كغني أخذ مال صدقة وليس غارما لإصلاح ذات البين ولا غازيا "قطع" لانتفاء الشبهة بخلاف أخذه مال المصالح لأنها قد تصرف لما ينتفع به كعمارة المساجد ومن ثم يقطع الذمي بمال بيت المال مطلقا لأنه لا ينتفع به إلا تبعا لنا والإنفاق عليه منه عند الحاجة مضمون عليه، وما وقع في اللقيط من عدم ضمانه حمل على صغير لا مال له واعترض هذا التفصيل بأن المعتمد الذي دل عليه كلام الشيخين في غير هذا الكتاب وكلام غيرهما أنه لا قطع بسرقة مسلم مال بيت المال مطلقا لأن له فيه حقا في الجملة إلا إن أفرز لمن ليس هو منهم ويمكن حمل المتن عليه بجعل قوله إن كان له حق في المسلم وقوله وإلا في الذمي وقوله وهو فقير للغالب فلا مفهوم له وقول شارح أن الذمي يقطع بلا خلاف يرده حكاية غيره للخلاف فيه ولو في بعض أحواله وحينئذ فيفيد المتن أن المسلم مع عدم الإفراز لا يقطع مطلقا، وإيهامه تخصيص ذلك ببعض أموال بيت المال غير مراد كما أن إيهامه أن مال الصدقة بسائر أنواعها من أموال بيت المال غير مراد أيضا وإن لم ينبه عليه أحد من الشراح فيما علمت، وقد تؤول عبارته بجعله من باب ذكر النظير وإن لم يصدق عليه المقسم فيرتفع هذا الإيهام من أصله، "والمذهب قطعه بباب مسجد وجذعه" ونحو منبره

 

ج / 4 ص -137-        وسقفه وسواريه وقناديله التي للزينة وتآزيره أي التي للزينة أو التحصين لأن ذلك معد لتحصينه وعمارته وأبهته لا لانتفاع الناس به ويؤخذ منه أن الكلام في غير منبر الخطيب لأنه ليس لتحصين المسجد ولا لزينته بل لانتفاع الناس بسماعهم الخطيب عليه لأنهم ينتفعون به حينئذ ما لم ينتفعوا به لو خطب على الأرض ويقطع بسرقة ستر الكعبة إن أحرز بالخياطة عليها "لا" بنحو "حصره وقناديل تسرج" فيه لأنه معد لانتفاع المسلمين به فكان كمال بيت المال ومن ثم قطع بها الذمي مطلقا وكذا من لم توقف عليه بأن خصه بطائفة ليس هو منهم، وجواز دخول غيرهم الذي أفتى به ابن الصلاح إنما هو بطريق التبعية مع عدم شمول لفظ الواقف لهم وتردد الزركشي في سرقة مصحف موقوف للقراءة فيه في المسجد والأوجه عدم القطع ولو غير قارئ لشبهة الانتفاع به بالاستماع للقارئ فيه كقناديل الإسراج "والأصح قطعه بموقوف" على غيره ممن ليس نحو أصله ولا فرعه ولا مشاركة له في صفة من صفاته المعتبرة في الوقف إذ لا شبهة له فيه حينئذ ومن ثم لا قطع بسرقة موقوف على جهة عامة كبكرة بئر مسبلة لمن ينتفع بها وإن سرقه ذمي على ما قاله الروياني وعلله بأنه تبع لنا وينافيه ما مر في مال بيت المال إلا أن يفرق بأن شمول لفظ الواقف له هنا صيره من أحد الموقوف عليهم وإن سلمنا أنه بطريق التبعية فكانت الشبهة هنا قوية جدا أما غلة الموقوف المذكور فيقطع بها قطعا لأنها ملك الموقوف عليه اتفاقا بخلاف الموقوف وظاهر كلامهم قطع البطن الثانية في وقف الترتيب لأنهم حال السرقة ليسوا من الموقوف عليهم باعتبار الاستحقاق ويحتمل خلافه لشبهة صحة صدق أنهم من الموقوف عليهم، "وأم ولد سرقها" من حرز حال كونها معذورة كأن كانت "نائمة أو مجنونة" أو مكرهة أو أعجمية تعتقد وجوب الطاعة أو عمياء لأنها مضمونة بالقيمة كالقن بخلاف عاقلة متيقظة مختارة بصيرة لقدرتها على الامتناع ويجري خلافها في ولدها الصغير التابع لها ونحو منذور عتقه لا في نحو قن صغير أو نحو نائم بل يقطع به قطعا إذا كان محرزا ولا قطع بسرقة مكاتب ومبعض قطعا لما فيه من مظنة الحرية وقد يستشكل بأم الولد بل الحرية فيها أقوى منها في المكاتب لعوده في الرق بأدنى سبب بخلافها، ويجاب بأن استقلاله بالتصرف صير فيه شبها بالحرية أقوى مما فيها لأنه مستقبل مترقب وقد لا يقع.
"الرابع: كونه محرزا" إجماعا وإنما يتحقق الإحراز "بملاحظة" للمسروق من قوي متيقظ "أو حصانة موضعه" وحدها أو مع ما قبلها كما يعلم مما يأتي فأو مانعة خلو فقط لأن الشرع أطلق الحرز ولم يبينه ولا ضبطته اللغة فرجع فيه إلى العرف وهو يختلف باختلاف الأموال والأحوال والأوقات واشترط لأن غير المحرز مضيع فمالكه هو المقصر، قيل الثوب بنومه عليه محرز مع انتفائهما ويرد بأن النوم عليه المانع غالبا لأخذه منزل منزلة ملاحظته وما هو حرز لنوع حرز لما دونه من ذلك النوع أو تابعه كما يعلم مما يأتي في الإصطبل "فإن كان بصحراء أو مسجد" أو شارع أو سكة منسدة أو نحوها وكل منها لا حصانة له "اشترط" في الإحراز "دوام لحاظ" بكسر اللام إلا في الفترات العارضة عادة،

 

ج / 4 ص -138-        فلو تغفله وأخذ فيها قطع وبحث البلقيني اشتراط رؤية السارق للملاحظ لأنه لا يمتنع من غير تغفله إلا حينئذ، "وإن كان بحصن كفى لحاظ معتاد" ولا يشترط دوامه عملا بالعرف وظاهر صنيعهم اختلاف اللحاظ هنا وثم خلافا لمن ظن اتحادهما أخذا مما مر في استثناء الفترات وذلك لاشتراط الدوام ثم إلا في تلك الفترات القليلة جدا التي لا يخلو عنها أحد عادة لا هنا بل يكفي لحاظه في بعض الأزمنة دون بعض وإن لم يكن دواما عرفا "وإصطبل حرز دواب" ولو نفيسة إن اتصل بالعمران وأغلق وإلا فمع اللحاظ كما يعلم من كلامه الآتي في الماشية "لا آنية وثياب" ولو خسيسة عملا بالعرف ولأن إخراج الدواب مما يظهر ويبعد الاجتراء عليه بخلاف نحو الثياب واستثنى البلقيني ما اعتيد وضعه به نحو السطل وآلات الدواب كسرج وبرذعة ورحل وراوية وثياب غلام عملا بالعرف ومنه يؤخذ تقييد ذلك بالخسيسة "وعرصة" نحو خان و "دار وصفتها" لغير نحو السكان "حرز آنية" خسيسة "وثياب بذلة لا" آنية أو ثياب نفيسة ونحو "حلي ونقد" بل حرزها البيوت المحصنة ولو من نحو خان وسوق عملا بالعرف فيهما "ولو نام بصحراء" أي موات أو مملوك غير مغصوب "أو مسجد" أو شارع "على ثوب أو توسد متاعا" يعد التوسد له محرزا له لا ما فيه نحو نقد إلا إن شده بوسطه كما يأتي وبحث تقييده بشده تحت الثياب أي بأن يكون الخيط المشدود به تحتها بخلافه فوقها لسهولة قطعه حينئذ "فمحرز" إن حفظ به لو كان متيقظا للعرف وكذا إذا أخذ عمامته أو خاتمه أو مداسه من رأسه أو إصبعه الغير المتخلخل فيه وكان في غير الأنملة العليا أو رجله أو كيس نقد شده بوسطه ونازع البلقيني في التقييد بشد الوسط في الأخير فقط بأن المدرك انتباه النائم بالأخذ وهو مستوفي الكل وبأن إطلاقهم الخاتم يشمل ما فيه فص ثمين ويرد بأن العرف يعد النائم على كيس نحو نقد مفرطا دون النائم وفي إصبعه خاتم بفص ثمين، وأيضا فالانتباه بأخذ الخاتم أسرع منه بأخذ ما تحت الرأس وظاهر في نحو سوار المرأة أو خلخالها أنه لا يحرز بجعله في يدها أو رجلها إلا إن عسر إخراجه بحيث يوقظ النائم غالبا أخذا مما ذكروه في الخاتم في الإصبع "فلو انقلب" بنفسه أو بفعل السارق "فزال عنه" ثم أخذه "فلا" قطع عليه لزوال الحرز قبل أخذه وفارق قلب السارق نحو نقب الحرز بأنه هنا رفعه بإزالته من أصله بخلافه ثم، وأما قول الجويني وابن القطان لو وجد جملا صاحبه نائم عليه فألقاه عنه وهو نائم وأخذ الجمل قطع فقد خالفهما البغوي فقال لا قطع لأنه رفع الحرز ولم يهتكه وما قاله أوجه لما تقرر من فرقهم بين هتك الحرز ورفعه من أصله ويؤخذ منه أنه لو أسكره فغاب فأخذ ما معه لم يقطع لأنه لا حرز حينئذ، "وثوب ومتاع وضعه بقربه" بحيث يراه السارق ويمتنع إلا بتغفله "بصحراء" أو مسجد أو شارع "إن لاحظه" لحاظا دائما كما مر "محرز" بخلاف وضعه بعيدا عنه بحيث لا ينسب إليه فإنه مضيع له ومع قربه منه لا بد من انتفاء ازدحام الطارقين وإلا اشترط كثرة الملاحظين بحيث يعادلونهم ويجري ذلك في زحمة على دكان نحو خباز "وإلا" يلاحظه كأن نام أو ولاه ظهره أو ذهل عنه "فلا" إحراز لأنه يعد مضيعا حينئذ، ولو أذن

 

ج / 4 ص -139-        للناس في دخول نحو داره لشراء قطع من دخل سارقا لا مشتريا وإن لم يأذن قطع كل داخل وهذا أبين مما ذكره أولا بقوله فإن كان بصحراء إلخ فمن ثم صرح به إيضاحا. "وشرط الملاحظ قدرته على منع سارق بقوة أو استعانة" فإن ضعف بحيث لا يبالي السارق به وبعد محله عن الغوث فلا إحراز بخلاف ما إذا بالى به ومن ثم لو لاحظ متاعه ولا غوث فإن تغفله أضعف منه وأخذه قطع أو أقوى فلا "ودار" حصينة كما علم من قوله أو حصانة موضعه لكنه لا يتأتى اشتراطه كما علم مما مر مع وجود قوي متيقظ "منفصلة عن العمارة إن كان بها قوي يقظان حرز مع فتح الباب وإغلاقه" لاقتضاء العرف ذلك "وإلا" يكن بها أحد أو كان بها ضعيف وبعدت عن الغوث أو قوي لكنه نائم "فلا" حرز ولو مع إغلاق الباب هذا ما جريا عليه هنا والمعتمد ما جريا عليه في الروضة وغيرها واعتمدوه وحاصله مع زيادة عليه أنها حرز بملاحظ قوي بها يقظان مع فتحه وإغلاقه ونائم مع إغلاقه، أو رده ونومه خلفه بحيث يصيبه وينتبه به لو فتح أو أمامه بحيث ينتبه بصرير فتحه أو فيه ولو مع فتحه بحيث يعد محرزا به ويظهر فيمن بدار كبيرة مشتملة على محال لا يسمع من بأحدها من يدخل الآخر أنه لا يحرز به إلا ما هو فيه وأن من ببابها لا يحرز به ظهرها إلا إن كان يشعر بمن يصعد إليها منه بحيث يراه وينزجر به "و" دار "متصلة" بالعمارة أي بدور مسكونة وإن لم تحط العمارة بجوانبها كما اقتضاه إطلاقهم ويفرق بينه وبين ما يأتي في الماشية بأن الغالب في دور البلد كثرة الطروق والملاحظة لها بخلاف أبنية الماشية "حرز مع إغلاقه وحافظ" بها "ولو" هو "نائم" ضعيف ولو ليلا ولو زمن خوف ورجح الأذرعي في الضعيف أنه كالعدم ويرد بأن الإحراز الأعظم وجد بغلق الباب واشتراط النائم إنما هو ليستغيث بالجيران فكفى الضعيف لذلك على أن البلقيني أطال في عدم اشتراط شيء مع الغلق نعم ينبغي تقييد الخوف بما إذا كان السارق يندفع حينئذ باستغاثة الجيران كما هو ظاهر مما مر في شرط الملاحظ "ومع فتحه" أي الباب "ونومه" أي الحافظ هي بالنسبة لما فيها من الأمتعة "غير حرز ليلا" لأنه ضائع ما لم يكن النائم بالباب أو بقربه كما هو ظاهر أخذا مما مر آنفا بالأولى "وكذا نهارا في الأصح" لذلك ونظر الجيران والطارقين لا يفيد بمفرده في هذا بخلافه في أمتعة بأطراف الدكاكين لوقوع نظرهم عليها بخلاف أمتعة الدار وزمن الخوف هي غير حرز قطعا كما لو كان الباب بمنعطف لا يمر به الجيران، أما بالنسبة لها نفسها وأبوابها المنصوبة وحلقها المسمرة ونحو سقفها ورخامها فهي حرز مطلقا "وكذا" تكون غير حرز أيضا "إذا كان بها يقظان" لكن "تغفله سارق في الأصح" لذلك لتقصيره بعدم المراقبة مع الفتح، ومن ثم لو بالغ في الملاحظة فانتهز السارق الفرصة وأخذ قطع قطعا "فإن دخلت الدار" المتصلة عن حافظ بها "فالمذهب أنها حرز نهارا" وألحق به ما بعد الغروب إلى انقطاع الطارق أي كثرته عادة كما هو ظاهر "زمن أمن وإغلاقه" أي معه ما لم يوضع مفتاحه بشق قريب منه لأنه مضيع له "فإن فقد شرط" من هذه الثلاثة بأن فتح أو الزمن زمن نهب أو ليل وألحق به ما بعد الفجر إلى الإسفار "فلا" يكون حرزا، "وخيمة بصحراء إن لم تشد أطنابها وترخى" بالرفع

 

ج / 4 ص -140-        عطف لجملة على جملة في حيز النفي ونظيره قراءة قنبل: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ} بإثبات الياء ويصبر "بالجزم قالوا من موصولة وتسكين يصبر للعطف على المعنى لأن من الموصولة بمعنى من الشرطية في العموم والإبهام ولذا دخلت الفاء في حيزها فكذا هنا لم بمعنى لا في النفي فكان ترخى عطفا على المعنى لا على اللفظ ويصح تخريجه على ما في قول قيس بن زهير العبسي:
ألم يأتيك والأنباء تنمى
من أن حرف العلة حذف للجازم ثم أشبعت الحركة فتولد حرف العلة، لا يقال يغتفر في الشعر ما لا يغتفر في غيره لأنا نقول ظاهر كلامهم أن هذا ليس مما يختص بالشعر لأنهم جعلوا هذا مقابلا للقول بأن ذلك ضرورة ويؤيد ذلك بل يصرح به تصريحهم بأنه يجوز في يتقي إثبات الياء وإن قلنا من شرطية لأن الجازم حذف الياء وهذه الموجودة إشباع فقط وإذا خرجت الآية على هذا فأولى المتن. وقيل أثبت حرف العلة رجوعا إلى الأصل من الجزم بالسكون ويصح تخريج المتن على هذا أيضا "أذيالها" بأن انتفيا معا "فهي وما فيها كمتاع" موضوع "بصحراء" فيشترط في إحرازها دوام لحاظ من قوي أو بين العمارات فهي كمتاع بسوق فيشترط لحاظ معتاد "وإلا" بأن وجدا معا "فحرز" بالنسبة لما فيها "بشرط حافظ قوي فيها" أو بقربها "ولو"
a هو "نائم" نعم اليقظان لا يشترط قربه بل ملاحظته ورؤية السارق له بحيث ينزجر به قاله البلقيني وهو أصوب مما وقع للزركشي وغيره في فهم عبارة الروضة وإذا نام بالباب أو بقربه بحيث ينتبه بالدخول منه لم يشترط إسباله للعرف فإن ضعف من فيها اشترط أن يلحقه غوث من يتقوى به ولو نحاه السارق عنها فكما مر فيما لو نحاه عما نام عليه أما بالنسبة لنفسها فيكفي مع اللحاظ وإن نام ولو بقربها شد أطنابها وإن لم ترخ أذيالها، قيل وما اقتضاه المتن أن فقد أحد هذين يجعلها كالمتاع بالصحراء غير مراد ا هـ ورد بأنه لا يقتضي ذلك نعم قوله وإلا يشمل وجود أحدهما، ولا يرد أيضا لأن فيه تفصيلا هو أنه إن كان الإرخاء وحده لم يكف مطلقا أي إلا مع دوام لحاظ الحارس كما هو ظاهر مما مر أو الشد كفى مع الحارس وإن نام بالنسبة لها فقط كما تقرر، والمفهوم الذي فيه تفصيل لا يرد "وماشية" نعم أو غيرها "بأبنية" ولو من نحو حشيش بحسب العادة "مغلقة" أبوابها "متصلة بالعمارة محرزة بلا حافظ" نهارا زمن أمن أخذا مما مر في دار متصلة بالعمارة وإن فرق بأنه يتسامح في الماشية أكثر من غيرها وذلك للعرف هذا إن أحاطت بها العمارة من جوانبها كلها وإلا فكما في قوله كما بحثه الزركشي كالأذرعي "و" بأبنية مغلقة "ببرية يشترط" في إحرازها "حافظ ولو" هو "نائم" وخرج بالمغلقة فيهما المفتوحة فيشترط حافظ يقظ قوي أو يلحقه الغوث نعم يكفي نومه بالباب نظير ما مر ونحو الإبل بالمراح المعقولة محرزة بنائم عندها لأن في حل عقلها ما يوقظه فإن لم تعقل اشترطت يقظته أو ما يوقظه عند أخذها من نحو كلب أو جرس "وإبل" وغيرها من الماشية "بصحراء" ترعى فيها مثلا وألحق بها المحال المتسعة بين العمران

 

ج / 4 ص -141-        "محرزة بحافظ يراها" جميعها وإن لم يبلغها صوته على ما في الشرح الصغير ونقله ابن الرفعة عن الأكثرين اكتفاء بالنظر لإمكان العدو إليها أما ما لم يره منها فغير محرز كما إذا تشاغل عنها بنوم أو غيره ولم تكن مقيدة أو معقولة نعم يكفي طروق المارة للمرعى "ومقطورة" وغير مقطورة تساق في العمران يشترط في إحرازها رؤية سائقها أو راكب آخرها لجميعها وتقاد "يشترط التفات قائدها" أو راكب أولها "إليها كل ساعة" بأن لا يطول زمن عرفا بين رؤيتين فيما يظهر "بحيث يراها" جميعها وإلا فما يراه فقط ويكفي عن التفاته مروره بالناس في نحو سوق ولو ركب غير الأول والآخر فهو سائق لما أمامه قائد لما خلفه "و" يشترط مع ذلك في إبل وبغال أن تكون مقطورة لأنها لا تسير إلا كذلك غالبا و "أن لا يزيد قطار" منهما "على تسعة" للعرف فما زاد كغير المقطورة فيشترط في إحرازهما ما مر وزعم ابن الصلاح أن الصواب سبعة بتقديم السين وأن الأول تصحيف رده الأذرعي بأن ذاك هو المنقول لكن استحسن الرافعي وصحح المصنف قول السرخسي لا يتقيد في الصحراء بعدد وفي العمران يتقيد بالعرف وهو من سبعة إلى عشرة وقال جمع متأخرون الأشبه الرجوع في كل مكان إلى عرفه "وغير مقطورة" منها تساق أو تقاد "ليست محرزة" بغير ملاحظ "في الأصح" لأنها لا تسير كذلك غالبا ومن ثم اشترط في إحراز غير الإبل والبغال نظرها.
تنبيه: للبنها ونحو صوفها أو متاع عليها حكمها في الإحراز أو عدمه كما في الروضة وغيرها وظاهره بل صريحه أن الضرع وحده ليس حرزا للبن وإنما حرزه حرزها وبه يعلم ضعف الوجه القائل بأنه لو حلب من اثنين فأكثر حتى بلغ نصابا لم يقطع لأنها سرقات من أحراز لأن كل ضرع حرز للبنه ومحل الأول إن كانت كلها لواحد أو مشتركة وإلا لم يقطع إلا بنصاب لمالك واحد إذ الوجه أن من سرق من حرز واحد عينين كل لمالك ومجموعهما نصاب لا يقطع لأن دعوى كل بدون نصاب، ويؤيده ما يأتي في القاطع أن شرط النصاب لجمع اشتراكهم فيه واتحاد الحرز.
"وكفن" من مال الميت أو غيره ولو بيت المال ولو غير مشروع في قبر ببيت محرز ذلك البيت بما مر فيه وعين الزركشي كسر الراء ويمكن توجيهه بأنه لا يلزم من كون البيت محرزا بالنسبة لنفسه كونه محرزا بالنسبة لما فيه لما مر من اختلافهما ففتحها يوهم أنه بإحرازه في نفسه يكون محرزا بالنسبة لما فيه بخلاف كسرها فإنه لا يوهم ذلك "محرز" ذلك الكفن فيقطع سارقه سواء أجرد الميت في قبره أم خارجه لخبر البيهقي: "من نبش قطعناه" وفي تاريخ البخاري أن ابن الزبير رضي الله عنهما قطع نباشا "وكذا" إن كان وهو مشروع في قبر أو بوجه الأرض وجعل عليه أحجار لتعذر الحفر لا مطلقا "بمقبرة بطرف العمارة" فيكون محرزا "في الأصح" بخلاف غير المشروع كأن زاد على خمسة أو كفن به حربي كما هو ظاهر "لا" إن كان "بمضيعة" ولا ملاحظ فلا يكون محرزا "في الأصح"، للعرف فيهما مع انقطاع الشركة فيه إذا كان من بيت المال يصرفه للميت، فإن حفت بالعمارة وندر تخلف الطارقين عنها في زمن يتأتى فيه النبش أو كان بها جرس كانت حرزا

 

ج / 4 ص -142-        ولو لغير مشروع جزما ولو سرقه حافظ البيت أو المقبرة أو بعض الورثة أو نحو فرع أحدهم لم يقطع، وبحث أنه لو بلي الميت كان الملك فيه لله تعالى فيكون سرقته كسرقة مال بيت المال وإنما يتجه إن كفن من بيت المال وإلا فهو ملك لمالكه أولا من وارث أو أجنبي، ولو غولي فيه بحيث لم يخل مثله بلا حارس لم يكن محرزا إلا بحارس وبحث الأذرعي أن ما بالفساقي أي التي بالمقابر غير محرز وعلله بأن اللص لا يلقى عناء في نبشها بخلاف القبر المحكم على العادة وإنما يحتاج لهذا إن قلنا بإجزاء الدفن فيها أما إذا قلنا بما مر عن السبكي أنه لا يجزئ فلا فرق بين أن يلقى ذلك وأن لا، على أن منها ما يحكم أكثر من القبر.

فصل في فروع تتعلق بالسرقة
من حيث بيان حقيقتها بذكر ضدها وبالسارق من جهة منعها لقطعه وعدمه والحرز من جهة اختلافه باختلاف الأشخاص والأحوال.
"يقطع مؤجر الحرز" المالك له أو المستحق لمنفعته بسرقته منه مال المستأجر إذ لا شبهة لانتقال المنافع التي منها الإحراز للمستأجر إذ الغرض صحة الإجارة وبه فارق عدم حده بوطء أمته المزوجة لدوام قيام الشبهة في المحل وأفهم التعليل أن محل ذلك إن استحق الإحراز به وإلا كأن استعمله فيما نهي عنه أو في أضر مما استأجر له كأن استأجر أرضا للزراعة فآوى فيها مواشيه أي بخلاف إدخال مواشي نحو الحرث على الأوجه لتوقف الزراعة عليها فكانت كالمأذون فيها لم يقطع، ويقطع بسرقته منه في مدة الإجارة وإن ثبت له الفسخ وبعد مدتها كما يصرح به تشبيه ابن الرفعة بقطع المعير قاله شيخنا وفيه كما قال الأذرعي وغيره نظر ا هـ. والحق أن المعير فيه تفصيل يأتي ومنه أنه يقطع بعد الرجوع فقط قول المحشي قوله يحمل إلخ ليس في نسخ الشرح وكذا قوله أو رجع يفيده الآتي ا هـ من هامش وهذا مثله إلا أن يفرق بأن المعير مقصر بعدم إعلامه بالرجوع ولذا لم يضمن المستعير المنافع حينئذ بخلاف المؤجر بعد المدة "وكذا معيره" يقطع إذا سرق منه مال المستعير المستعمل للحرز فيما أذن له فيه وإن دخل بنية الرجوع "في الأصح" إذ لا شبهة أيضا لاستحقاقه منفعته وإن جاز للمعير الرجوع ومن ثم لو رجع وعلم المستعير برجوعه واستعمله أو امتنع من الرد تعديا لم يقطع، وطره لجيب قميص أعاره وأخذ ما فيه يقطع به قطعا إذ لا شبهة هنا بوجه وألحق به الأذرعي نقب الجدار "ولو غصب حرزا لم يقطع مالكه" بسرقة ما أحرزه الغاصب فيه لخبر: "ليس لعرق ظالم حق"، وكالغاصب هنا من وضع ماله بحرز غيره من غير علمه ورضاه على الأوجه خلافا للحناطي وتعليله بأن الحرز يرجع إلى صون المتاع وهو موجود هنا ممنوع بل لا بد في ذلك الصون أن يكون بحق كما يصرح به كلامهم "وكذا" لا يقطع "أجنبي" بسرقة مال الغاصب منه "في الأصح" لأن الإحراز من المنافع والغاصب لا يستحقها "ولو غصب" أو سرق اختصاصا كما هو ظاهر أو "مالا" ولو فلسا وإن نازع فيه البلقيني "وأحرزه بحرزه فسرق المالك منه مال الغاصب" أو السارق فلا قطع عليه في الأصح لأن له دخول الحرز وهتكه لأخذ ماله

 

ج / 4 ص -143-        أو اختصاصه فلم يكن حرزا بالنسبة إليه ولم يفترق الحال بين المتميز عن ماله والمخلوط به ولا ينافي هذا قطع دائن سرق مال مدينه لا بقصد الاستيفاء بشرطه لأنه محرز بحق والدائن مقصر بعدم مطالبته أو نيته الأخذ للاستيفاء على ما مر ومن ثم قطع راهن ومؤجر ومعير ومودع ومالك مال قراض بسرقته مع مال نفسه نصابا آخر دخل بقصد سرقته أي أو اختلف حرزهما أخذا مما مر في مسألة الشريك فقولهم لا يقطع مشتر وفر الثمن بأخذ نصاب مع المبيع محله إن دخل لا لسرقته وقد اتحد حرزهما "أو" سرق "أجنبي" منه المال "المغصوب" أو المسروق "فلا قطع" عليه "في الأصح" وإن أخذه لا بنية الرد على المالك لأن المالك لم يرض بإحرازه فيه فكأنه غير محرز، وقد يؤخذ منه أن كل ما تعدى بوضع اليد عليه كالمبيع فاسدا ليس كالمغصوب من حيث إن مالك هذا لا يقال أنه لم يرض بإحرازه وإن كان مثله في الضمان.
"و" الركن الثاني: السرقة ومر أنها أخذ المال خفية من حرز مثله فحينئذ "لا يقطع مختلس ومنتهب وجاحد وديعة" أو عارية مثلا لخبر الترمذي بذلك والأولان يأخذان المال عيانا وأولهما يتعمد الهرب وثانيهما القوة فيسهل دفعهما بنحو السلطان بخلاف السارق لا يتأتى منعه فقطع زجرا له، وأما حديث المخزومية التي كانت تستعير المتاع وتجحده فقطعها النبي صلى الله عليه وسلم فالقطع فيه ليس للجحد وإنما ذكر لأنها عرفت به، بل لسرقة كما بينه أكثر الرواة بل في الصحيحين التصريح به وهو أن قريشا أهمهم شأنها لما سرقت قيل تفسير المنتهب يشمل قاطع الطريق فلا بد من لفظ يخرجه ويجاب بأن قاطع الطريق له شروط يتميز بها كما يأتي فلم يشمله هذا الإطلاق "ولو نقب" في ليلة "وعاد في" ليلة "أخرى فسرق" من ذلك النقب "قطع في الأصح" كما لو نقب أول الليل وسرق آخره إبقاء للحرز بالنسبة إليه أما إذا أعيد الحرز أو سرق عقب النقب فيقطع قطعا "قلت هذا إذا لم يعلم المالك النقب ولم يظهر للطارقين وإلا" بأن علم أو ظهر لهم "فلا يقطع قطعا" وقيل فيه خلاف "والله أعلم" لانتهاك الحرز فصار كما لو نقب وأخرج غيره وفارق إخراج نصاب من حرز دفعتين بأنه ثم متمم لأخذه الأول الذي هتك به الحرز فوقع الأخذ الثاني تابعا فلم يقطعه عن متبوعه إلا قاطع قوي وهو العلم والإعادة السابقان دون أحدهما ودون مجرد الظهور لأنه يؤكد الهتك الواقع فلا يصلح قاطعا له وهنا مبتدئ سرقة مستقلة لم يسبقها هتك الحرز بأخذ شيء منه لكنها مترتبة على فعله المركب من جزأين مقصودين لا تبعية بينهما، نقب سابق وإخراج لاحق وإنما يتركب منهما إن لم يقع بينهما فاصل أجنبي عنهما وإن ضعف فكفى تخلل علم المالك أو الظهور فتأمله فإن الفرق بمجرد أنه ثم متمم وهنا مبتدئ فرق صوري لولا ما انطوى عليه من المعنى الظاهر الذي قررته وفي بعض النسخ وإلا فيقطع قطعا وهو غلط، "ولو نقب واحد وأخرج غيره" ولو بأمره ما لم يكن غير مميز أو أعجميا يعتقد وجوب الطاعة بخلاف نحو قرد معلم لأن له اختيارا وإدراكا وإنما ضمن إنسانا أرسله عليه لأن الضمان يجب بالسبب بخلاف القطع "فلا قطع" على واحد منهما لأن الأول لم يسرق والثاني أخذ من غير حرز نعم إن ساوى ما أخرجه

 

ج / 4 ص -144-        بالنقب من آلات الجدار نصابا قطع الناقب كما نص عليه وإن لم يقصد سرقة الآلة لأن الجدار حرز لآلة البناء، ومعنى قولهم أولا لم يسرق أي شيئا من داخل الحرز أو كان بإزاء النقب ملاحظ يقظان فتغفله المخرج قطع أيضا "ولو تعاونا في النقب" ولو بأن أخرج هذا لبنات وهذا لبنات "وانفرد أحدهما بالإخراج أو وضعه ناقب بقرب النقب وأخرجه آخر" ناقب أيضا إذ المقسم أنهما تعاونا في النقب فلا اعتراض عليه لا سيما مع قوله قبله وأخرج غيره فلا قطع ثم رأيت البلقيني صرح بنحو ذلك وقال سبب توهم الاعتراض تحويله الكلام من أحدهما إلى الناقب لكن الفاضل لا يخفى عليه ذلك "قطع المخرج" فيهما لأنه السارق "ولو" تعاونا في النقب ثم أخذه أحدهما و "وضعه بوسط نقبه" أو ثلثه مثلا "فأخذه خارج وهو يساوي نصابين" أو أكثر "لم يقطعا في الأظهر" لأن كلا منهما لم يخرجه من تمام الحرز وكذا لو ناوله الداخل للخارج فيه بخلاف ما لو وضعه أو ناوله له خارجه فإن الداخل يقطع لأنه الذي أخرجه من تمام الحرز، "ولو رماه إلى خارج حرز" من نقب أو باب أو فوق جدار ولو إلى حرز آخر لغير المالك أو إلى نحو نار فأحرقته علم بها أم لا على الأوجه "أو وضعه بماء جار" إلى جهة مخرجه فأخرجه منه أو راكدا وجار إلى غير جهة مخرجه وحركه حتى أخرجه منه وإن كان المحرك خارج الحرز كما هو ظاهر بخلاف ما إذا لم يحركه وإنما طرأ عليه نحو سيل أو حركه غيره فإن الغير هو الذي يقطع، وما إذا رمى حجرا لنحو ثمر فسقط في ماء وخرج لأنه لم يستول عليه "أو" وضعه على "ظهر دابة سائرة" إلى جهة مخرجه أو سيرها حتى أخرجته منه وحذف هذه من أصله لفهمها مما ذكره بالأولى "أو عرضه لريح هابة" حالة التعريض فلا أثر لهبوبها بعده "فأخرجته" منه "قطع" وإن لم يأخذه أو أخذه آخر قبل أن يقع على الأرض لأن الإخراج في الجميع بفعله ومنسوب إليه، قيل تنكيره الحرز مخالفا لأصله غير جيد لإيهامه أنه لو أخرج نقدا من صندوقه للبيت فتلف أو أخذه غيره أنه يقطع وليس كذلك ا هـ وليس في محله لأن البيت إن كان حرزا للنقد فهو لم يخرجه إلى خارج حرز ولا الحرز، أو غير حرز صدق أنه أخرجه إلى خارج حرز أو الحرز، فلم يفترق الحال بين التعريف والتنكير فإن قلت التنكير يفيد أنه لا بد من إخراجه إلى مضيعة ليست حرزا لشيء بخلاف التعريف قلت ممنوع لأن أل في الحرز للعهد الشرعي فتساويا، ومر أنه لو أتلف نصابا فأكثر في الحرز لم يقطع ما لم يتحصل مما على بدنه من نحو طيب نصاب على ما بحثه البلقيني مخالفا فيه الشيخين أو يبلع جوهرة فيه فتخرج منه خارجه وبلغت قيمتها حالة الإخراج ربع دينار "أو" وضعه بظهر دابة "واقفة فمشت بوضعه" ومثله كما هو ظاهر ما لو مشت لإشارته بنحو حشيش "فلا" قطع "في الأصح" لأنه إذا لم يسقها مشت باختيارها قال البلقيني ومحله إن لم يستول عليها والباب مفتوح فإن استولى عليها وهو مغلق ففتحه لها قطع لأنها لما خرجت بحمله وقد استولى عليها ففتحه ينسب الإخراج إليه قال وقضية هذا أنها لو كانت تحت يده بحق فخرجت وهو معها أنه يقطع لأن فعلها منسوب إليه ولذا ضمن متلفها ا هـ ويرده ما مر أن الضمان يكفي فيه مجرد السبب بخلاف القطع

 

ج / 4 ص -145-        فتوقف على تسييرها حقيقة لا حكما، "ولا يضمن حر" ومكاتب كتابة صحيحة ومبعض "بيد ولا يقطع سارقه" وإن صغر وخبر قطعه صلى الله عليه وسلم لمن يسرق الصبيان ويبيعهم ضعيف أو محمول على الأرقاء وحكمهم أن من أخذ غير مميز من حرزه كفناء دار سيده الذي ليس بمطروق يقطع وإن تبعه ثم أخذه خارج الحرز لم يقطع إلا إن دعاه كبهيمة تساق أو تقاد وقضيته أن الإشارة إليه بمأكول ليست كدعائه نظير ما مر في البهيمة، ويحتمل الفرق بأنها أقوى إدراكا منه لتناولها مصلحها وكفها عن ضارها بخلافه، ومميز به نحو نوم أو أكرهه حتى تبعه كغير المميز فإن خدعه فتبعه مختارا لم يقطع كما لو حمله وهو قوي قادر على الامتناع، "ولو سرق" حرا ولو "صغيرا" أو مجنونا أو نائما "بقلادة" أو حلي يليق به ويبلغ نصابا أو معه مال آخر "فكذا" لا يقطع سارقه وإن أخذه من حرز "في الأصح" لأن للحر يدا على ما معه فهو محرز ولهذا لا يضمن سارقه ما عليه ويحكم على ما بيده أنه ملكه كذا قالوه وقضيته أنه لو نزع منه المال قطع لإخراجه من حرزه، ومحله كما صرح به الماوردي والروياني إن نزعها منه خفية أو مجاهرة ولم يمكنه منعه من النزع، وقول الأذرعي عن الزبيلي محل الخلاف إن نزعها منه أي والأصح منه لا قطع وإلا فلا قطع قطعا يحمل على ما إذا نزعها منه مجاهرة وأمكنه منعه أما إذا لم يلق به ومثله ما لو كانت ملكا لغير الصبي فإن أخذه من حرز مثلها قطع قطعا أو من حرز يليق بالصبي دونها فلا قطعا، وأما إذا سرق ما عليه أو ما على قن دونه فإن كان بحرزه كفناء الدار قطع وإلا فلا، وقلادة كلب بحرز دواب يقطع بها إن لاقت به أخذها وحدها أو مع كلب، "ولو نام عبد" ولو صغيرا فيما يظهر خلافا لمن قيده بالبالغ العاقل أو بالمميز وإن أمكن توجيهه بأن البعير لا يحرز به مع النوم إلا إن كان فيه قوة على الإحراز لو استيقظ، ويرد بأن هذا إنما يظهر مع اليقظة وأما مع النوم فلا فرق وإنما سبب الإحراز وجودهما بين أهل القافلة كمتاع بين سوقة يلاحظونه فاستوى الصغير وغيره ومن ثم جعلوا النائم من جملة المسروق "على بعير" عليه أمتعة أو لا "فقاده وأخرجه عن القافلة" إلى مضيعة "قطع" في الأصح لأنه أخرجهما من حرزهما بخلاف ما لو أخرجه إلى قافلة أو بلد كذا أطلقوه، ويتعين حمله على قافلة أو بلد متصلة بالأولى بخلاف ما لو كان بينهما مضيعة فإنه بإخراجه إليها أخرجه من تمام حرزه فلا يفيده إحرازه بعد "أو" نام "حر" أو مكاتب كتابة صحيحة أو مبعض على بعير فقاده وأخرجه عن القافلة سواء أكان الحر مميزا أو بالغا أو غيرهما خلافا لمن قيد بذلك هنا أيضا لما مر أن له يدا على ما معه "فلا" قطع "في الأصح" لأنه بيده وخرج بنام ما لو كان العبد مستيقظا وهو قادر على الامتناع فلا قطع لأنه بمنزلة الحر حينئذ، "ولو نقله من بيت مغلق إلى صحن دار" مشتملة على ذلك البيت "بابها مفتوح" بفتح غيره "قطع" لأنه أخرجه من حرزه إلى محل الضياع بخلاف ما لو كان هو الفاتح لأنه كالمغلق في حقه فلم يخرجه من تمام الحرز كما في قوله "وإلا" بأن كان الأول مفتوحا والثاني مغلقا أو كانا مفتوحين ولا ملاحظ أو مغلقين ففتحهما "فلا" يقطع لانتفاء الحرز في الثانية أو تمامه في الأولى والثالثة كما لو رماه من دار المالك إلى

 

ج / 4 ص -146-        أخرى له، وبقولهم أو تمامه يعلم أن ما هنا لا يخالف ما مر أن الصحن ليس حرزا لنحو نقد وحلي ومن ثم قالوا لو أخرج نقدا من صندوق مغلق إلى بيت مغلق لم يقطع كما مر مع أن البيت ليس حرزا للنقد بإطلاقه "وقيل إن كانا مغلقين قطع" لأنه أخرجه من حرز ويرد بمنع ما علل به "وبيت" نحو "خان" ورباط ومدرسة من كل ما تعدد ساكنو بيوته "وصحنه كبيت" وصحن "دار" لواحد "في الأصح فيقطع" في الحال الأول دون الأحوال الثلاثة بعده والفرق بأن صحن الخان ليس حرزا لصاحب البيت بل هو مشترك بين السكان فكان كسكة مشتركة بين أهلها بخلاف صحن الدار فيقطع بكل حال يرد - وإن أخذ بقضيته كثيرون واعتمده جمع متأخرون - بأن اعتياد سكان نحو الخان وضع حقير الأمتعة بصحنه يلحقه بصحن الدار لا السكة كما هو واضح، نعم لو سرق أحد السكان ما في الصحن لم يقطع لأنه ليس محرزا عنه وإن كان له بواب أو ما في حجرة مغلقة قطع لإحرازه عنه وكما مر فيما لو نقله من بيت مغلق إلى صحن دار بابها مفتوح.

فصل في شروط الركن الثالث وهو السارق الذي يقطع
وهي التكليف وعلم التحريم وعدم الشبهة والإذن والتزام الأحكام والاختيار وفيما يثبت السرقة ويقطع بها وما يتعلق بذلك.
"لا يقطع صبي ومجنون" وجاهل بحرمة السرقة وقد عذر بل أو لم يعذر حيث أمكن جهله على احتمال لأن الحد يدرأ بالشبهة الممكنة "ومكره" لرفع القلم عنهم، وحربي ومن أذن له المالك وذو شبهة مما مر لعذرهم، نعم يعزر المميز وألحق به كل من سقط عنه القطع لشبهة، ولا يقطع مكره بالكسر أيضا لما مر أن التسبب لا يقتضي حدا، ومن ثم لو كان المكره بالفتح غير مميز أو أعجميا يعتقد الطاعة كان آلة للمكره فيقطع فقط، "ويقطع مسلم وذمي" ولو سكران "بمال مسلم وذمي" إجماعا في مسلم بمسلم ولعصمة الذمي والتزامه الأحكام وإن لم يرض بحكمنا وكذا في الزنا ويفرق بين هذا وعدم قتل المسلم به بأن ملحظ القود المماثلة ولم توجد وملحظ السرقة الأخذ خفية بشروطه وقد وجد "وفي معاهد" ومستأمن "أقوال أحسنها إن شرط قطعه بسرقة قطع" لالتزامه "وإلا" يشرط ذلك "فلا" يقطع لعدم التزامه "قلت الأظهر عند الجمهور لا قطع" بسرقته مال مسلم أو غيره مطلقا كما لا يحد إن زنى "والله أعلم" لأنه لم يلتزم الأحكام فأشبه الحربي نعم يطالب قطعا برد ما سرقه أو بدله ولا يقطع أيضا مسلم أو ذمي بسرقتهما ماله لاستحالة قطعهما بماله دون قطعه بما لهما، "وتثبت السرقة بيمين المدعي المردودة" فيقطع "في الأصح" لأنها كالإقرار والمنقول المعتمد لا قطع كما لا يثبت بها حد الزنا وحمل شارح المتن على ثبوتها بالنسبة للمال وهم لأن ثبوته لا خلاف فيه "وبإقرار السارق" بعد الدعوى عليه إن فصله بما يأتي في الشهادة بها وإن لم يتكرر كسائر الحقوق، وبحث الأذرعي قبول المطلق من فقيه موافق للقاضي في مذهبه ويرد بأن كثيرا من مسائل الشبهة والحرز وقع فيه خلاف بين أئمة المذهب الواحد فالوجه اشتراط التفصيل مطلقا نظير ما

 

ج / 4 ص -147-        قدمته في الزنا، أما إقراره قبل الدعوى عليه فلا يقطع به حتى يدعي المالك ويثبت المال أخذا من قولهم لو شهدا بسرقة مال غائب أو حاضر حسبة قبلا لكن لا قطع حتى يدعي المالك بماله ثم تعاد الشهادة لثبوت المال لأنه لا يثبت بشهادة الحسبة لا للقطع لأنه يثبت بها وإنما انتظر لتوقع ظهور مسقط ولم يظهر فعلم أن شرط القطع دعوى المالك أو وليه أو وكيله بالمال ثم ثبوت السرقة بشروطها ومر عن صاحب البيان قبيل الثالث ما له تعلق بذلك "والمذهب قبول رجوعه" عن الإقرار بالسرقة كالزنا لكن بالنسبة للقطع فقط، "ومن أقر بعقوبة لله تعالى" أي بموجبها كزنا وسرقة وشرب مسكر ولو بعد دعوى "فالصحيح أن للقاضي" أي يجوز له كما في الروضة وأصلها لكن أشار في شرح مسلم إلى نقل الإجماع على ندبه وحكاه في البحر عن الأصحاب وقضية تخصيصهم القاضي بالجواز حرمته على غيره وهو محتمل ويحتمل أن غير القاضي أولى منه بالجواز لامتناع التلقين عليه "أن يعرض له" إن كان جاهلا بوجوب الحد وقد عذر على ما في العزيز ولكن توقف فيه الأذرعي ويؤيد توقفه أن له التعريض لمن علم أن له الرجوع فكذا لمن علم أن عليه الحد "بالرجوع" عن الإقرار وإن علم جوازه فيقول لعلك قبلت فأخذت أخذت من غير حرز غصبت انتهبت لم تعلم أن ما شربته مسكر لأنه صلى الله عليه وسلم عرض به لماعز وقال لمن أقر عنده بالسرقة: "ما أخالك سرقت" قال: بلى، فأعاد عليه مرتين أو ثلاثا فأمر به فقطع، رواه أبو داود وغيره ويؤخذ منه أنه يندب تكرير التعريض ثلاثا بناء على ندبه وأفهم قوله بالرجوع أنه لا يعرض له بالإنكار لأن فيه حملا على الكذب كذا قيل وفيه نظر لما مر في الزنا أن إنكاره بعد الإقرار كالرجوع عنه ثم رأيتهم صرحوا بأن له التعريض بالإنكار وبالرجوع ويجاب عما علل به بأن تشوف الشارع إلى درء الحدود ألغى النظر إلى تضمن الإنكار للكذب على أنه ليس صريحا فيه فخف أمره، وقوله أقر أن له قبل الإقرار ولا بينة حمله بالتعريض على الإنكار أي ما لم يخش أن ذلك يحمله على إنكار المال أيضا على الأوجه وأنه لا يجوز التعريض إذ ثبت بالبينة وقوله لله أن حق الآدمي لا يجوز التعريض بالرجوع عنه وإن لم يفد الرجوع فيه شيئا ويوجه بأن فيه حملا على محرم إذ هو كتعاطي العقد الفاسد "و" قطعوا بأنه "لا يقول" له "ارجع" عنه أو اجحده فيأثم به لأنه أمر بالكذب وله أن يعرض للشهود بالتوقف في حد الله تعالى إن رأى المصلحة في الستر وإلا فلا وبه يعلم أنه لا يجوز له التعريض ولا لهم التوقف إن ترتب على ذلك ضياع المسروق أو حد الغير.
"و" يشترط للقطع أيضا كما مر طلب من المالك أو وكيله للمال فعليه "لو أقر بلا دعوى" أو بعد دعوى وكيل الغائب الشاملة وكالته لهذه من غير شعور للمالك بها أو شهد بها حسبة "أنه سرق مال زيد الغائب" أو مال غير مكلف وألحق به السفيه "لم يقطع في الحال بل" يحبس و "ينتظر حضوره" وكماله ومطالبته "في الأصح" لأنه ربما يقر له بالإباحة والملك فإنه يسقط القطع وإن كذبه كما مر، أما بعد دعوى عن موكل علم ذلك فلا انتظار لعدم احتمال الإباحة هنا، ونحو الصبي يمكن أن يملكه عقب البلوغ والرشد

 

ج / 4 ص -148-        وقبل الرفع للقاضي فيسقط القطع أيضا ولا يشكل حبسه هنا بعدمه فيما لو أقر بمال لغائب لأن له المطالبة بالقطع في الجملة لا بمال الغائب، ومن ثم لو مات عن نحو طفل حبس، لأن له بل عليه المطالبة به حينئذ كما يأتي قبيل القسمة ووجوب قبضه عين الغائب إنما هو فيما إذا عرضها عليه من هي تحت يده كما يأتي ثم "أو" أقر "أنه أكره أمة غائب على زنا" أو زنى بها "حد في الحال في الأصح"، لأنه لا يتوقف على طلب ولا يباح بالإباحة ومن ثم توقف المهر على حضوره، لأنه يسقط بالإسقاط واحتمال كونها وقفت عليه لا يؤثر لضعف الشبهة فيه، ومن ثم جريا في موضع على الحد بوطء الموقوفة عليه. نعم يحتمل أنه نذر له بها وكأنهم لم يراعوه لنذوره.
"ويثبت" القطع "بشهادة رجلين" كسائر العقوبات غير الزنا "فلو" ادعى المالك أو وكيله ثم "شهد رجل وامرأتان" أو رجل وحلف معه "ثبت المال ولا قطع" كما يثبت بذلك الغصب المعلق به طلاق أو عتق دونهما إن كان التعليق قبل ثبوت الغصب وإلا وقعا بخلاف ما لو شهدوا قبل الدعوى فإنه لا يثبت شيء لعدم قبول شهادة الحسبة في المال كما مر. "ويشترط" للقطع "ذكر الشاهد" هو للجنس أي كل من شاهديه "شروط السرقة" السابقة إذ قد يظنان ما ليس بسرقة سرقة فيبينان المسروق منه والمسروق وإن لم يذكرا أنه نصاب لأن النظر فيه وفي قيمته للحاكم بهما أو بغيرهما، ولا أنه ملك لغير السارق بل للمالك إثباته بغيرهما، ووقع في هذه والتي قبلها لبعضهم ما يخالف ذلك فاحذره وكونها من حرز بتعيينه أو وصفه ويقولان لا نعلم له فيه شبهة وغير ذلك كاتفاق الشاهدين ويشيران للسارق إن حضر وإلا ذكرا اسمه ونسبه واستشكل بأن البينة لا تسمع على غائب في حد الله تعالى ويجاب بتصويره بغائب متعذر أو متوار بعد الدعوى عليه، "ولو اختلف شاهدان" فيما بينهما "كقوله" أي أحدهما "سرق" هذه العين أو ثوبا أبيض أو "بكرة و" قول "الآخر" سرق هذه مشيرا لأخرى أو ثوبا أسود أو "عشية فباطلة" للتناقض فلا يترتب عليها قطع. نعم للمسروق منه أن يحلف مع أحدهما في الأولى ومع كل منهما في الثانية إن وافقت شهادة كل دعواه والحق في زعمه ويأخذ المال، ولو شهد واحد بكيس وآخر بكيسين ثبت واحد وقطع إن بلغ نصابا وله الحلف مع الذي زاد ويأخذه، أو اثنان أنه سرق هذه بكرة وآخران أنه سرقها عشية تعارضتا ولم يحكم بواحدة منهما فإن لم يتواردا على شيء واحد ثبتتا وقطع إذ لا تعارض "وعلى السارق رد ما سرق"، وإن قطع للخبر الحسن: "على اليد ما أخذت حتى تؤديه" ولأن القطع لله تعالى والغرم للآدمي فلم يسقط أحدهما الآخر، ومن ثم لم يسقط الضمان والقطع عنه برده المال للحرز "فإن تلف ضمنه" كمنافعه بمثله في المثلي وأقصى قيمة في المتقوم، "وتقطع يمينه" أي السارق الذي له أربع إذ هو الذي يتأتى فيه الترتيب الآتي إجماعا ولو شلاء إن أمن نزف الدم ولأن البطش بها أقوى فكان البداءة بها أردع، وإنما لم يقطع ذكر الزاني، لأنه ليس له مثله وبه يفوت النسل المطلوب بقاؤه، وقاطعها في غير القن هو الإمام أو نائبه فلو فوضه السارق لم يقع الموقع كذا نقله شارح عن الرافعي وهو مشكل بما يأتي من سقوطها بنحو آفة المصرح بوقوع فعله

 

ج / 4 ص -149-        الموقع، وإن لم يفوضه إليه الإمام ثم رأيت كلام الرافعي ليس نصا في ذلك وإنما هو عموم فقط وهو أن التوكيد في استيفاء الحد ممتنع ولا يقع الموقع فليحمل على غير هذا لما صرحوا به فيما يأتي أن القطع تعلق بعين اليمين فأجزأ سقوطها على أي وجه كان "فإن سرق ثانيا بعد قطعها" واندمل القطع الأول وفارق توالي قطعهما في الحرابة، لأنهما ثم حد واحد "فرجله اليسرى" هي التي تقطع "و" إن سرق "ثالثا" قطعت "يده اليسرى و" إن سرق "رابعا" قطعت "رجله اليمنى" لخبر الشافعي بذلك وله شواهد وصح ما ذكر في الثالثة عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما من غير مخالف وحكمة قطع اليد والرجل أنهما آلة السرقة بالأخذ والنقل، وقطع ما ذكر في الثانية والرابعة أن السرقة مرتين تعدل الحرابة شرعا وهما يقطعان في مرة منها كما يأتي، أما قبل قطعها فسيأتي هذا كله حيث لا زائدة وشبهها على معصمه وإلا قطعت أصلية إن تميزت وأمكن استيفاؤها بدون الزائدة وإلا قطعتا، كذا أطلقه شيخنا هنا في شرح الروض لكنه قدم فيه في الوضوء في أصلية وزائدة لم تتميز أنه تقطع إحداهما وهو الأوجه ولك أن تقول لا تخالف بين عبارتيه، لأن قوله هنا وإلا، معناه وإلا يمكن استيفاؤها بدون الزائدة وحينئذ فمتى أمكن استيفاء الأصلية وحدها أو إحداهما إن لم تتميز الأصلية قطعت وعليه يحمل ما في الوضوء وإلا قطعتا وعليه يحمل ما هنا فلا نظر لتميز وعدمه بل لإمكان قطع واحدة وعدمه، نعم في قوله كغيره ثم، فإن لم تتميز الزائدة عن الأصلية بأن كانتا أصليتين أو إحداهما ولم تتميز غموض إذ كيف يعلم مع عدم التميز أنهما أصليتان تارة أو إحداهما فقط تارة أخرى؟ وقد يجاب بتصور ذلك بأن يخلقا معا أو مرتبا ويستويا فيحكم على كل من الأوليين بالأصالة وعلى إحدى الأخريين بالأصالة فقط، وليس مجرد التقدم مقتضيا للأصالة فإن لم يكن له إلا زائدة قطعت وإن فقدت أصابعها، وتقطع إحدى أصليتين في سرقة والأخرى في أخرى كزائدة صارت بعد قطع الأصلية أصلية بأن صارت عاملة فتقطع في سرقة أخرى وتعرف الزيادة بنحو فحش قصر ونقص أصبع وضعف بطش "وبعد ذلك" أي قطع الأربع إذا سرق أو سرق أولا ولا أربع له "يعزر" لأنه لم يرد فيه شيء وخبر قتله منكر، ولو صح لكان منسوخا أو محمولا على أنه قتله بزنا أو استحلال كما قاله الأئمة أما إذا لم يكن له الأربع فيقطع في الأولى ما يؤخذ في الثانية بل الرابعة بأن لم يكن له إلا رجل يمنى، لأنه لما لم يوجد ما قبلها تعلق الحق بها، "ويغمس" ندبا "محل قطعه بزيت" خص كأنه لكونه أبلغ "أو دهن" آخر "مغلى" بضم الميم لصحة الأمر به ولأنه يسد أفواه العروق فينحسم الدم واقتصر جمع على الحسم بالنار وخير الشاشي بينهما واعتبر الماوردي عادة المقطوع الغالبة فللحضري نحو الزيت وللبدوي الحسم بالنار ثم "قيل هو" أي الحسم "تتمة للحد" فيلزم الإمام فعله هنا لا في القود لأن فيه مزيد إيلام يحمل المقطوع على تركه "والأصح أنه حق المقطوع"، لأنه تداو يدفع الهلاك بنزف الدم ومن ثم لم يجبر على فعله "فمؤنته عليه" هنا وكذا على الأول ما لم يجعله الإمام من بيت المال كأجرة الجلاد "وللإمام إهماله" ما لم يؤد تركه لتلفه لتعذر فعله من المقطوع بنحو إغماء كما بحثه البلقيني وجزم به

 

ج / 4 ص -150-        الزركشي وهو ظاهر وعليه إن تركه الإمام لزم كل من علم به وقدر عليه أن يفعله به كما هو ظاهر، "وتقطع اليد من كوع" للاتباع رواه الدارقطني وقال به أبو بكر وعمر رضي الله عنهما وفعله علي كرم الله وجهه ولأن الاعتماد على الكف ومن ثم وجبت الدية فيه "و" تقطع "الرجل من مفصل القدم" وهو الكعب كما فعله عمر رضي الله عنه "ومن سرق مرارا بلا قطع" لم يلزمه إلا حد واحد على المعتمد وإنما "كفت يمينه" عن الكل لاتحاد السبب فتداخلت لوجود الحكمة وهي الزجر وكما لو زنى بكرا أو شرب مرارا، وإنما تعددت فدية نحو لبس المحرم، لأن فيها حقا لآدمي باعتبار غالب مصرفها ولا كذلك هنا ولو سرق بعد قطع اليمنى مرارا كفى قطع الرجل عن الكل وهكذا على قياس ما ذكر، ويكفي قطع اليمين أو غيرها مما يجب قطعه "وإن نقصت أربع أصابع قلت وكذا" تجزئ و "لو ذهبت الخمس" الأصابع منها "والله أعلم" لإطلاق اسم اليد عليها حينئذ مع وجود الزجر بما حصل له من الإيلام والتنكيل ومن ثم أجزأت وإن سقط بعض كفها أيضا "وتقطع يد" أو رجل "زائدة أصبعا" فأكثر "في الأصح" لشمول اسم اليد لها وفارق القود بأن مقصوده المساواة، "ولو سرق فسقطت يمينه بآفة" أو ظلما أو قودا أو شلت وخشي من قطعها نزف الدم "سقط القطع" ولم تقطع رجله لتعلق الحق بعينها فسقط بفواتها "أو" سقطت "يساره" بذلك مع بقاء اليمين "فلا" يسقط القطع "على المذهب" لبقاء محل القطع وإنما سقط بقطع الجلاد لها غلطا لوجود القطع والإيلام بعلة السرقة.

باب قاطع الطريق
سمي بذلك لمنعه المرور فيها ببروزه لأخذ مال أو قتل أو إرهاب مكابرة اعتمادا على القوة مع عدم الغوث كما يعلم مما يأتي، والأصل فيه قوله تعالى:
{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المائدة: 33]، الآية إذ الفقهاء وجمهور المفسرين وغيرهم على أنها نزلت فيه بدليل {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [المائدة: 34]، فإن الإسلام لا يتقيد بقدرة وبدفع القتل وغيره "هو مسلم" لا حربي وهو واضح، لأنه غير ملتزم لأحكامنا فلا يضمن نفسا ولا مالا ومثله في عدم كونه قاطعا المعاهد والمستأمن، ولا ذمي على ما اقتضاه كلام الشيخين وابن الرفعة عملا بمقتضى سبب نزول الآية لكن أطال المتأخرون في رده وأن المنصوص المعتمد أنه كالمسلم فيما يأتي ومثله المرتد، وقد يوجه الأول بأن لهذين أحكاما أشد من أحكام القطاع كانتقاض عهد الأول على ما يأتي المقتضي لاستباحة ماله ودمه وكقتل الثاني ويصير ماله فيئا لنا، وضمانه للنفس والمال "مكلف" أو سكران مختار، ولو قنا وامرأة فلا عقوبة على صبي ومجنون ومكره وإن ضمنوا النفس والمال "له شوكة" أي قوة وقدرة ولو واحدا يغلب جمعا أو يساويهم، وقد تعرض للنفس أو البضع أو المال مجاهرا "لا مختلسون يتعرضون لآخر قافلة" مثلا "يعتمدون الهرب" لانتفاء الشوكة فحكمهم قودا وضمانا كغيرهم والفرق أن ذا الشوكة يعز دفعه بغير السلطان فغلظت عقوبته ردعا له بخلاف نحو المختلس، "والذين يغلبون شرذمة بقوتهم قطاع في حقهم" لاعتمادهم على

 

ج / 4 ص -151-        الشوكة بالنسبة إليهم "لا لقافلة عظيمة" إذ لا قوة لهم بالنسبة إليهم فالشوكة أمر نسبي فلو وجدت بالنسبة لجمع يقاومونهم لكن استسلموا لهم حتى أخذوهم لم يكونوا قطاعا، لأنهم مضيعون فلم يصدر ما فعله أولئك عن شوكتهم بل عن تفريط الآخرين كذا أطلقوه لكن بحث فيه الشيخان بأن مجرد العدد والعدة لا تحصل الشوكة بل لا بد معه من اتفاق الكلمة ومطاع وعزم على القتال وهذا شأن القطاع لا القوافل غالبا فليسوا مضيعين ولا ينبغي أن يخرج قاصدوهم عن كونهم قطاعا انتهى واعتمده جمع وعليه فالشوكة يكفي فيها فرض المقاومة بتقدير اجتماع الكلمة وما مر معه ثم رأيت البلقيني صرح به فإنه اعترض قولهما عن تصحيح الإمام وجزم الغزالي لو نالت كل من الأخرى فقطاع، بأن الذي ظهر له من كلام الشافعي وأصحابه أنه متى كان احتمال غلبة القطاع غير نادر في حقهم كفى في إثبات عقوبة القاطع في حقهم غلبوا أم غلبوا لحصول إخافة السبيل بهم "وحيث يلحق غوث" يمنع شوكتهم لو استغاثوا "ليسوا" وفي نسخة ليس فالضمير للمذكور وهو ذو الشوكة ولكونه في معنى الجمع راعاه في قوله "بقطاع" بل منتهبون "وفقد الغوث يكون للبعد" عن العمران أو السلطان "أو لضعف" بأهل العمران أو بالسلطان أو بغيرهما كأن دخل جمع دارا وشهروا السلاح ومنعوا أهلها من الاستغاثة فهم قطاع في حقهم وإن كانوا بحضرة السلطان وقوته "وقد يغلبون والحالة هذه" أي وقد ضعف السلطان أو بعد هو أو أعوانه "في بلد" لعدم من يقاومهم من أهلها "فهم قطاع" كالذين بالصحراء وأولى لعظم جراءتهم، "ولو علم الإمام قوما يخيفون الطريق" أو واحدا "ولم يأخذوا مالا" نصابا "ولا" قتلوا "نفسا عزرهم" وجوبا ما لم ير المصلحة في تركه كما يؤخذ مما يأتي في التعزير "بحبس وغيره" ردعا لهم عن هذه الورطة العظيمة وبالحبس فسر النفي في الآية ومن ثم كان أولى من غيره فلا يتعين وله جمع غيره معه كما اقتضاه المتن ويرجع في قدره وقدر غيره وجنسه لرأي الإمام والأولى أن يستديمه إلى أن تظهر توبته وأن يكون بغير بلده وأفهم قوله علم أن له الحكم بعلمه هنا لما فيه من حق الآدمي "وإذا أخذ القاطع نصاب السرقة" ولو لجمع اشتركوا فيه واتحد حرزه وتعتبر قيمة محل الأخذ بفرض أن لا قطاع ثم إن كان محل بيع وإلا فأقرب محل بيع إليه من حرزه كأن يكون معه أو بقربه ملاحظ بشرطه السابق من قوته أو قدرته على الاستغاثة فإن قلت القوة والقدرة تمنع قطع الطريق لما مر أنه حيث لحق غوث لو استغيث لم يكونوا قطاعا قلت ممنوع، لأنا لا نعتبرهما في الحالة الراهنة بل بتقدير كونه سارقا ولا يلزم من وجودهما بهذا التقدير منعهما لوصف قطعه للطريق، لأن أدنى قوة أو استغاثة تمنع وصف السرقة ولا يمنع هنا وصف قطع الطريق إلا قوة أو استغاثة تقاوم شوكته من غير شبهة مع بقية شروطها السابقة، ويثبت ذلك برجلين لا بغيرهما إلا بالنسبة للمال وطلب المالك نظير ما مر في السرقة "قطع يده اليمنى" للمال كالسرقة "ورجله اليسرى" للمحاربة ومع ذلك هو حد واحد وخولف بينهما لئلا تفوت المنفعة كلها من جانب واحد ولو فقدت إحداهما ولو قبل أخذ المال ولو لشللها وعدم أمن نزف الدم اكتفى بالأخرى ولو عكس ذلك بأن قطع يده اليسرى ورجله اليمنى أساء

 

ج / 4 ص -152-        واعتد به لصدق الآية به بخلاف ما لو قطع مع يمناه رجله اليمنى فيلزمه قودها بشرطه وإلا فديتها، فتقطع رجله اليسرى أي بعد الاندمال كما هو ظاهر مما مر وأما القول بأن قضية ذلك إجزاء قطع اليد اليسرى أول سرقة، لأن تقديم اليمنى عليها بالاجتهاد ولا قائل به من أصحابنا فيرد بأن في هذه نصا على اليمنى وهو القراءة الشاذة السابق أنها بمنزلة الخبر الصحيح بخلاف ما نحن فيه على أنهم صرحوا بوقوع اليسرى حد الدهشة أو نحوها "فإن" فقدتا قبل الأخذ أو "عاد" ثانيا بعد قطعهما إلى أخذ المال "فيسراه ويمناه" يقطعان للآية، "وإن قتل" قتلا يوجب القود وإن كان القتل بجرح مات منه بعد أيام قبل الظفر به والتوبة "قتل حتما"، لأن المحاربة تفيد زيادة ولا زيادة هنا إلا التحتم فلا يسقط بعفو مستحق القود ويستوفيه الإمام لأنه حق الله تعالى، قال البندنيجي وإنما يتحتم إن قتل لأخذ المال واعتمده البلقيني وعندي فيه وقفة "وإن قتل" قتلا يوجب القود "وأخذ مالا" نصابا كما قالاه وإن نازع فيه البلقيني "قتل" بلا قطع "ثم" غسل ثم كفن ثم صلي عليه ثم "صلب" مكفنا معترضا على نحو خشبة ولا يقدم الصلب على القتل، لأنه زيادة تعذيب وقياس اشتراط النصاب هنا في الصلب اشتراط بقية شروط السرقة واعتماد الزركشي قطع الماوردي بأنه لا يشترط هنا الحرز رد بأن الماوردي لا يشترط هنا النصاب فأولى الحرز "ثلاثا" من الأيام بلياليها وجوبا ليشتهر الحال ويتم النكال وحذف التاء لحذف المعدود سائغ "ثم ينزل" إن لم يخف تغيره قبلها وإلا أنزل حينئذ "وقيل يبقى" وجوبا "حتى" يتهرى و "يسيل صديده" تغليظا عليه ومحل قتله وصلبه محل محاربته إلا أن لا يمر به من ينزجر به فأقرب محل إليه ويظهر أن هذا مندوب لا واجب "وفي قول يصلب" حيا "قليلا ثم ينزل فيقتل"، لأن الصلب عقوبة فيفعل به حيا واعترض قوله قليلا بأنه زيادة لم تحك عن هذا القول فإن أريد به ثلاثة أيام كان أحد أوجه ثلاثة مفرعة على هذا القول لا أنه من جملته ويجاب بأن من حفظ حجة على من لم يحفظ فإذا حفظا أن قليلا من جملة هذا القول قدما، ثم الذي يظهر أن المراد به أدنى زمن ينزجر به عرفا غيره، وأفهم ترتيبه الصلب على القتل أنه يسقط بموته حتف أنفه وبقتله لغير هذه الجهة كقود في غير المحاربة لسقوط التابع بسقوط متبوعه وبما تقرر فسر ابن عباس رضي الله عنهما الآية فإنه جعل أو فيها للتنويع دون التخيير حيث قال المعنى أن يقتلوا إن قتلوا أو يصلبوا مع ذلك إن قتلوا وأخذوا المال أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف إن أخذوه فقط أو ينفوا إن أرعبوا ولم يأخذوه وهذا منه إما توقيف وهو الأقرب أو لغة وكلاهما من مثله حجة لا سيما وهو ترجمان القرآن، "ومن أعانهم وكثر جمعهم" ولم يزد على ذلك "عزر بحبس وتغريب وغيرهما" كسائر المعاصي وعبر أصله بأو ولا خلاف بل المدار على رأي الإمام نظير ما مر فيمن أخافوا الطريق "وقيل: يتعين التغريب إلى حيث يراه" الإمام وما تقتضيه المصلحة "وقتل القاطع" المتحتم "يغلب فيه معنى القصاص"، لأن الأصل فيما اجتمع فيه حق الله وحق الآدمي تغليب حق الآدمي لبنائه على الضيق "وفي قول الحد" إذ لا يصح العفو عنه ويستقل الإمام باستيفائه "فعلى الأول" الأصح تلزمه الكفارة، و "لا يقتل بولده وذمي" وقن للأصالة أو

 

ج / 4 ص -153-        لعدم الكفاءة بل تلزمه الدية أو القيمة "و" على الأول أيضا "لو مات" القاتل بلا قتل "فدية" للمقتول في ماله إن كان حرا وإلا فقيمته "و" عليه أيضا "لو قتل جمعا" معا "قتل بواحد وللباقين ديات" فإن قتلهم مرتبا قتل بالأول "و" عليه أيضا "لو عفا وليه بمال وجب وسقط القصاص ويقتل حدا" كما لو وجب قود على مرتد فعفا عنه وليه، ونازع فيه البلقيني بأن المنصوص وعليه الجمهور أنه لا يصح عفوه على القولين بمال ولا بغيره وأطال فيه "و" عليه أيضا لو تاب قبل القدرة عليه لم يسقط القتل و "لو قتل بمثقل أو بقطع عضو فعل به مثله" ونازع فيه البلقيني بأن الذي يقتضيه النص أنه يقتل بالسيف عليهما "و" يختص التحتم بالقتل والصلب دون غيرهما فحينئذ "لو جرح" جرحا فيه قود كقطع يد "فاندمل" أو قتل عقبه "لم يتحتم قصاص" فيه في ذلك الجرح "في الأظهر" بل يتخير المجروح بين القود والعفو على مال أو غيره، لأن التحتم تغليظ لحق الله تعالى فاختص بالنفس كالكفارة أما إذا سرى إلى النفس فيتحتم القتل كما مر، "وتسقط عقوبات تخص القاطع" من تحتم قتل وصلب وقطع رجل وكذا يد وعبارته تشملها، لأن المختص به القاطع اجتماع قطعهما فهما عقوبة واحدة وهي إذا سقط بعضها سقط كلها "بتوبة" عن قطع الطريق "قبل القدرة عليه" وإن لم يصلح عمله للآية بخلاف ما لا يخصه كالقود وضمان المال "لا بعدها" وإن صلح عمله "على المذهب" لمفهوم الآية وإلا لم يكن لقبل فيها فائدة، والفرق أنها قبلها لا تهمة فيها وبعدها فيها تهمة دفع الحد ولو ادعى بعد الظفر به سبق توبة قبله وظهرت أمارة صدقه فوجهان والذي يتجه منهما عدم تصديقه للتهمة ولا نظر لأمارة يكذبها فعله نعم إن أقام بها بينة قبل.
تنبيه: وقع للبيضاوي في تفسيره أن القتل قصاصا يسقط بالتوبة وجوبه لا جوازه وهو عجيب وأعجب منه سكوت شيخنا عليه في حاشيته مع ظهور فساده لأن التوبة كما تقرر لا دخل لها في القصاص أصلا إذ لا يتصور له بقيد كونه قصاصا حالتا وجوب وجواز لأنا إن نظرنا إلى الولي فطلبه جائز له لا واجب مطلقا أو للإمام فإن طلبه منه الولي وجب وإلا لم يجب من حيث كونه قصاصا وإن جاز أو وجب من حيث كونه حدا، فتأمله وأوله بعضهم بما لا يوافق قواعد مذهب البيضاوي فاحذره فإن السبر قاض بأنه لا يجزم بحكم على غير مذهبه من غير عزوه لقائله.
"ولا تسقط سائر الحدود" المختصة بالله تعالى كحد زنا وسرقة وشرب مسكر "بها" أي بالتوبة قبل الرفع وبعده ولو في قاطع الطريق "في الأظهر" لأنه صلى الله عليه وسلم حد من ظهرت توبته بل من أخبر عنها بها بعد قتلها وأطال جمع في الانتصار لمقابله بالآيات والأحاديث الدالة على أن التوبة ترفع الذنوب من أصلها، نعم تارك الصلاة يسقط حده بها عليهما وكذا ذمي زنى ثم أسلم والخلاف في الظاهر، أما فيما بينه وبين الله تعالى فحيث صحت توبته سقط بها سائر الحدود قطعا ومن حد في الدنيا لم يعاقب في الآخرة على ذلك الذنب بل على الإصرار عليه إن لم يتب.

 

ج / 4 ص -154-        فصل في اجتماع عقوبات على شخص واحد
"من لزمه قصاص" في النفس، "وقطع" لطرف قصاصا "وحد قذف" وتعزير لأربعة "وطالبوه" عزر وإن تأخر ثم "جلد" للقذف "ثم قطع ثم قتل" تقديما للأخف فالأخف لأنه أقرب إلى استيفاء الكل "ويبادر بقتله بعد قطعه" بلا مهلة بينهما فتجب الموالاة، لأن الغرض أن المستحق مطالب والنفس مستوفاة "لا قطعه بعد جلده" فلا تجوز المبادرة به "إن غاب مستحق قتله"، لأنه قد يهلك بالموالاة فيفوت قود النفس "وكذا إن حضر وقال عجلوا القطع" وأنا أبادر بعده بالقتل وخيف موته بالموالاة بين الجلد والقطع "في الأصح" لأنه قد يهلك بالموالاة فيفوت القتل قودا مع أن له مصلحة هي سقوط العقاب عنه به في الآخرة، وأيضا فربما عفا مستحق القتل فتكون الموالاة سببا لفوات النفس فاتجه عدم نظرهم لرضاه بالتقديم، أما لو لم يخف موته بالموالاة فيعجل جزما وأما لو كان به مرض مخوف يخشى منه موته بالجلد إن لم يبادر بالقطع فيبادر به وجوبا، وخرج بطالبوه ما لو طالبه بعضهم فله أحوال فحينئذ "إذا أخر مستحق النفس حقه" وطالب الآخران "جلد فإذا برأ" بفتح الراء وكسرها "قطع" ولا يوالي بينهما خوف الموت فيفوت قود النفس "ولو أخر مستحق طرف" وطالب الآخران "جلد وعلى مستحق النفس الصبر حتى يستوفي الطرف" لئلا يفوت حقه واحتمال تأخير مستحق الطرف لا إلى غاية فيفوت القتل لا نظر إليه لأن مبنى القود على الدرء والإسقاط ما أمكن فاندفع استحسان جبره على القود والعفو والإذن لمستحق النفس بالتقدم فإن أبي مكن الحاكم مستحق النفس "فإن بادر" مستحق النفس "فقتل" فقد استوفى حقه ولكنه يعزر لتعديه وحينئذ "فلمستحق الطرف دية" في تركة المقتول لفوات محل الاستيفاء "ولو أخر مستحق الجلد" حقه وطالب الآخران "فالقياس صبر الآخرين" وجوبا حتى يستوفي حقه وإن تقدم استحقاقهما لئلا يفوت حقه باستيفائهما أو استيفاء أحدهما ولو قطع نحو أنملة لأن الجرح عظيم الخطر وربما أدى إلى الزهوق فاندفع ما للبلقيني هنا "ولو اجتمع حدود لله تعالى" كأن زنى بكرا وسرق وشرب وارتد "قدم" وجوبا "الأخف" منها "فالأخف" حفظا لمحل القتل كحد الشرب ثم بعد برئه منه الجلد ثم بعد برئه القطع فالقتل وتوقف ابن الرفعة في تقديم قطع السرقة على التغريب ويتجه تقدم التغريب، لأنه الأخف ولا يخشى منه هلاك ثم رأيت شارحا رجح عكسه واعتمده شيخنا في شرح منهجه ولو اجتمع قطع سرقة وقطع محاربة قطعت يده اليمنى لهما ثم رجله للمحاربة أو قتل زنا وقتل ردة قال الماوردي والروياني رجم لأنه أكثر نكالا وقال القاضي يقتل للردة إذ فسادها أشد وجمع بينهما بأن الإمام يفعل ما يراه مصلحة ولو اجتمعاهما وقتل قطع الطريق قدم وإن قلنا أنه حد، لأنه حق آدمي، "أو" اجتمع "عقوبات" لله تعالى أو للآدمي واستوت خفة أو غلظا قدم الأسبق فالأسبق وإلا فبالقرعة أو عقوبات "لله تعالى ولآدميين" كأن كان مع هذه حد قذف وكأن شرب وزنى وقذف وقطع وقتل "قدم" حق الآدمي إن لم يفوت حق الله تعالى أو كانا قتلا فيقدم "حد

 

ج / 4 ص -155-        قذف" وقطع "على" حد "زنا" لأن حق الآدمي مبني على المضايقة ومن ثم قدم ولو أغلظ كما قال "وإلا صح تقديمه" أي حد القذف وكذا القطع "على حد الشرب و" الأصح "أن القصاص قتلا وقطعا يقدم على" حد "الزنا" إن كان رجما بالنسبة للقتل لا القطع كما تقرر تقديما لحق الآدمي بخلاف جلد الزنا وتغريبه وحد الشرب فإنهما يقدمان على القتل لئلا يفوتا وفي تحرير محل الخلاف هنا تناف وقع بين الزركشي وغيره لا حاجة بنا إليه ولو اجتمع مع الحدود تعزير قدم عليها كلها كما علم مما مر، لأنه أخف وحق آدمي.