تحفة المحتاج بشرح المنهاج ط العلمية

ج / 4 ص -165-        كتاب الصيال
هو الاستطالة والوثوب على الغير "وضمان الولاة"، ومن متعلقهم ذكر الختان وضمان الدابة، إذ الولي يختن ومن مع الدابة ولي عليها، والأصل فيه قوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] وذكر اعتدوا للمقابلة وإشارة إلى أفضلية الاستسلام الآتية، والمثلية من حيث الجنس دون الأفراد، لما يأتي وللخبر الصحيح: "انصر أخاك ظالما أو مظلوما"، وفسر نصر الظالم بكفه عن ظلمه ولو بدفعه عنه. "وله" أي الشخص المعصوم وكذا غيره بالنسبة للدفع عن غير المعصوم فيما يظهر، وكذا عن نفسه إن كان الصائل غير معصوم أيضا فيما يظهر أيضا أخذا مما مر أوائل الجراح: أن غير المعصوم معصوم على مثله، "دفع كل صائل" مكلف وغيره عند غلبة ظن صياله "على" معصوم له أو لغيره من "نفس أو طرف" أو منفعة "أو بضع" أو نحو قبلة محرمة. "أو مال" وإن لم يتمول على ما اقتضاه إطلاقهم كحبة بر، ويؤيده أن الاختصاص هنا كالمال مع قولهم: قليل المال خير من كثير الاختصاص، ويحتمل تقييد نحو الضرب بالمتمول على أنه استشكل عدم تقدير المال هنا مع أداء الدفع إلى القتل بتقديره في القطع بالسرقة وقطع الطريق مع أنه قد لا يؤدي إليه، وجوابه أن ذينك قدر حدهما فقدر مقابله، وهذا لم يقدر حده فلم يقدر مقابله، وكان حكمة عدم التقدير هنا أنه لا ضابط للصيال بخلاف ذينك، وذلك لما في الحديث الصحيح أن من قتل دون دمه أو ماله أو أهله فهو شهيد، ويلزم منه أن له القتل والقتال وإذا صيل على الكل قدم النفس أي: وما يسري إليها كالجرح فالبضع فالمال الخطير فالحقير إلا أن يكون لذي الخطير غيره أو على صبي بلواط وامرأة بزنا، قيل: يقدم الأول إذ لا يتصور إباحته، وقيل: الثاني للإجماع على وجوب الحد فيه، وهذا هو الذي يميل إليه كلامهم، ولو قيل: إن كانت المرأة في مظنة الحمل قدم الدفع عنها، لأن خشية اختلاط الأنساب أغلظ في نظر الشارع من غيرها وإلا قدم الدفع عنه لم يبعد. "فإن قتله" بالدفع على التدريج الآتي "فلا ضمان" بشيء وإن كان صائلا على نحو مال الغير خلافا لأبي حامد، لأنه مأمور بدفعه، وذلك لا يجامع الضمان أي: غالبا لما يأتي في الجرة، نعم يحرم دفع المضطر لماء أو طعام ويلزم صاحب المال تمكينه والمكره على إتلاف مال الغير، بل يلزم مالكه أن يقي روحه أي: مثلا بماله وتوقف الأذرعي في مال الغير إذا كان حيوانا، ويجاب بأن حرمة الآدمي أعظم منه، وحق الغير ثابت في البدل في الذمة، نعم لو قيل: إن عد المكره به حقيرا محتملا عرفا في جنب قتل الحيوان لم يجز قتله حينئذ لم يبعد "ولا يجب الدفع عن مال" غير ذي روح لنفسه من حيث كونه مالا، لأنه يباح بالإباحة، نعم يجب الدفع عن مال نفسه إذا تعلق به حق للغير كرهن وإجارة، وأما ذو الروح فيجب دفع مالكه وغيره عن نحو إتلافه لتأكد حقه، وبحث

 

ج / 4 ص -166-        الأذرعي أن الإمام ونوابه يلزمهم الدفع عن أموال رعاياهم، وقيدت بتلك الحيثية ردا لما توهم من منافاة هذا لما يأتي أن إنكار المنكر واجب، وبيانه أن نفي الوجوب هنا من حيث المال، وإثباته ثم من حيث إنكار المنكر، وكلام الغزالي صريح في ذلك، "ويجب" إن لم يخف على نحو نفسه أو عضوه أو منفعته الدفع "عن بضع" ولو لأجنبية مهدرة، إذ لا سبيل لإباحته وهل يجب عن نحو القبلة؟ فيه نظر، ولا يبعد وجوبه، لأنه لا يباح بالإباحة ثم رأيت التصريح بذلك ومر أن الزنا لا يباح بالإكراه فيحرم عليها الاستسلام لمن صال عليها ليزني بها مثلا وإن خافت على نفسها. "وكذا نفس قصدها كافر" محترم أو مهدر فيجب الدفع عنها، لأن الاستسلام له ذل ديني وقضيته اشتراط إسلام المصول عليه، ووجوب الدفع عن الذمي إنما يخاطب به الإمام لا الآحاد لاحترامه، ويوجه بأن الكافر ممنوع من قتل المسلم المهدر "أو بهيمة"، لأنها تذبح لاستيفاء المهجة فكيف يستسلم لها؟ "لا مسلم" محترم ولو غير مكلف فلا يجب دفعه "في الأظهر"، بل يسن الاستسلام له للخبر الصحيح: "كن خير ابني آدم"، ومن ثم استسلم عثمان رضي الله عنه بقوله لأرقائه وكانوا أربعمائة: من ألقى سلاحه فهو حر وقوله تعالى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195]، محله في غير قتل يؤدي إلى شهادة من غير ذل ديني كما هنا. وكأنهم إنما لم يعتبروا الاستسلام في القن بناء على شمول ما مر من وجوب الدفع له تغليبا لشائبة المال المقتضية لإلغاء النظر للاستسلام، إذ هو إنما يكون من مستقل، أما غير المحترم كزان محصن وتارك صلاة وقاطع تحتم قتله فكالكافر. وبحث الأذرعي وجوب الدفع عن العضو عند ظن السلامة وعن نفس ظن بقتلها مفاسد في الحريم والمال، "والدفع عن غيره" مما مر بأنواعه "كهو عن نفسه" جوازا ووجوبا ما لم يخش على نفسه، نعم لو صال كافر على كافر لم يلزم المسلم دفعه عنه وإن لزمه دفعه عن نفسه، ولو صيل على ما بيده كوديعة لزمه الدفع عنه، لأنه التزم حفظه، بل جزم الغزالي بوجوبه عن مال الغير مطلقا إن أمكنه من غير مشقة بدن أو خسران مال أو نقص جاه، قال وهو أولى من وجوب رد السلام ووجوب أداء شهادة يعلمها ولو تركها ضاع المال المشهود به، ويجاب بمنع الأولوية إذ ترك الرد والأداء يورث عادة ضغائن مع عدم المشقة فيهما بوجه بخلاف ما هنا، "وقيل: يجب" الدفع عن الغير إذا كان آدميا محترما ولم يخش على نفس "قطعا"، لأن له الإيثار بحق نفسه دون حق غيره، واختاره جمع لخبر أحمد: "من أذل عنده مسلم فلم ينصره وهو يقدر أن ينصره أذله الله على رءوس الخلائق يوم القيامة"، ومحل الخلاف في غير النبي فيجب الدفع عنه قطعا وفي غير الإمام ونوابه، لوجوب ذلك عليهم قطعا. وبحث البلقيني عدم سقوط الوجوب بالخوف على نفسه في قتال الحربيين والمرتدين، قال الإمام: ولا يختص الخلاف بالصائل، بل من أقدم على محرم فهل للآحاد منعه حتى بالقتل؟ قال الأصوليون: لا. وقال الفقهاء: نعم. قال الرافعي: وهو المنقول حتى قالوا لمن علم شرب خمر أو ضرب طنبور في بيت شخص: أن يهجم عليه ويزيل ذلك فإن أبوا قاتلهم، فإن قتلهم فلا ضمان عليه ويثاب على ذلك. وظاهر أن محل ذلك ما لم يخش فتنة من وال

 

ج / 4 ص -167-        جائر، لأن التغرير بالنفس والتعرض لعقوبة ولاة الجور ممنوع، "ولو سقطت جرة" مثلا من علو على إنسان "ولم تندفع عنه إلا بكسرها" هذا قيد للخلاف فكسرها "ضمنها في الأصح"، وإن كان كسرها واجبا عليه لو لم تندفع عنه إلا به، إذ لا اختيار لها يحال عليه بخلاف البهيمة فصار كمضطر لطعام يأكله ويضمنه، لأنه لمصلحة نفسه، وبحث البلقيني ومن تبعه أن صاحبها لو وضعها بمحل يضمن كروشن أو مائلة أو على وجه يغلب على الظن سقوطها لم يضمنها كاسرها قطعا، لأن واضعها هو الذي أتلفها، ولو حالت بهيمة بينه وبين طعامه لم تكن صائلة عليه، لأنها لم تقصده فلا يلزمه دفعها ويضمنها، وفارق ما مر فيما لو عم الجراد الطريق لا يضمنه المحرم، لأنه حق لله تعالى فسومح فيه.
"ويدفع الصائل" المعصوم على شيء مما مر، ومنه أن يدخل دار غيره بغير إذنه ولا ظن رضاه، "بالأخف" فالأخف باعتبار غلبة ظن المصول عليه، ويجوز هنا العض ويظهر أنه بعد الضرب وقبل قطع العضو، وعليه يحمل قولهم: يجوز العض إن تعين للدفع، "فإن أمكن" الدفع "بكلام" يزجره به "أو استغاثة" بمعجمة ومثلثة "حرم الضرب". وظاهره استواء الزجر والاستغاثة وهو متجه إن لم يترتب على الاستغاثة إلحاق ضرر به أقوى من الزجر كإمساك حاكم جائر له، وإلا وجب الترتيب بينهما وعليه يحمل إطلاق من أوجبه وواضح أنا وإن أوجبناه فهو بالنسبة لغير الضمان لما علم مما مر أنه لا ضمان بمثل ذلك كالإمساك للقاتل، "أو يضرب بيده حرم سوط أو بسوط حرم عصا أو بقطع عضو حرم قتل"، لأنه جوز للضرورة ولا ضرورة للأغلظ مع إمكان الأسهل، ومتى انتقل لمرتبة مع الاكتفاء بدونها ضمن، نعم لمن رأى مولجا في أجنبية قتله وإن اندفع بدونه على ما قاله الماوردي والروياني، لأنه في كل لحظة مواقع لا يستدرك بالأناة، وفي قتله هذا وجهان: أحدهما قيل دفع فيختص بالرجل ولو بكرا، والثاني حد فيقتل المحصن منهما ويجلد غيره والأظهر قتل الرجل مطلقا انتهى. والذي في الأم يقتل المحصن منهما باطنا كما مر أول التعزير، وأما غيره فالذي يتجه فيه أنه لا يقتله إلا إن أدى الدفع بغيره إلى مضي زمن وهو متلبس بالفاحشة، ولو لم يجد المصول عليه إلا سيفا جاز له الدفع به وإن كان يندفع بالعصا، إذ لا تقصير منه في عدم استصحابها ولذلك من أحسن الدفع بطرف السيف من غير جرح يضمن به بخلاف من لا يحسن ولو التحم القتال بينهما خرج الأمر عن الضبط سيما لو كان الصائلون جماعة، إذ رعاية الترتيب حينئذ تؤدي إلى إهلاكه، أما المهدر كزان محصن وتارك صلاة بشرطه، فلا تجب مراعاة هذا الترتيب فيه، "فإن" صال محترم على نفسه و "أمكن" هـ "هرب" أو تحصن منه بشيء وظن النجاة به وإن لم يتيقنها "فالمذهب وجوبه وتحريم قتال"، لأنه مأمور بتخليص نفسه بالأهون فالأهون، فإن لم يهرب وقتله لزمه القود على الأوجه خلافا للبغوي، ولو صيل على ماله ولم يمكنه الهرب به لم يلزمه كما بحثه الأذرعي أن يهرب ويدعه له أو على بضعه ثبت إن أمن على نفسه بناء على وجوب الدفع عنه، كذا قيل والذي يتجه وجوب الهرب هنا، إن أمكن أيضا. ومحل قولهم: يجب الدفع عنه إن تعين طريقا بأن لم يمكنه هرب ونحوه، ولو صال عليه مرتد أو حربي لم يجب هرب،

 

ج / 4 ص -168-        بل لا يجوز حيث حرم الفرار، وقضية المتن أنه لو أمكنه الهرب لم يحرم عليه الزجر بالكلام وهو متجه إن كان غير شتم وإلا وجب وعليه يحمل قول شيخنا في منهجه كهرب فزجر، "ولو عضت يده" مثلا "خلصها" بفك لحي فضرب فم فسل يد فعض ففقء عين فقلع لحي فعصر خصية فشق بطن ومتى انتقل لمرتبة مع إمكان أخف منها ضمن نظير ما مر، وقد أشار إلى هذا الترتيب بقوله "بالأسهل من فك لحييه" أي: رفع أحدهما عن الآخر من غير جرح ولا كسر "وضرب شدقيه" ولا يلزمه تقديم الإنذار بالقول. "فإن عجز" عن واحد منهما، بل أو لم يعجز كما اقتضاه كلام الشافعي وكثيرين، قال الأذرعي والوجه الجزم به إذا ظن أنه لو رتب أفسدها العاض قبل تخليصها من فيه فبادر "فسلها" المعصوم أو الحربي "فندرت" بالنون "أسنانه" أي سقطت "فهدر"، لما في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قضى في ذلك بعدم الدية والعاض المظلوم كالظالم، لأن العض لا يجوز بحال، أما غير المعصوم الملتزم فيضمن على ما قاله البلقيني وغيره وهو بعيد، لأن العاض مع ذلك مقصر لما تقرر أن العض لا يجوز بحال إلا فيما مر، فإن قلت يؤيده ما علم مما مر أنه ليس للمهدر دفع الصائل عليه المقتضي أنه يضمنه قلت: ممنوع، لأن ذاك يجوز قتله من حيث ذاته، وحرمته إنما هي لنحو الافتيات على الإمام بخلاف العض غير المتعين للدفع لا يتصور إباحته، ثم رأيت بعض شراح الإرشاد ذكر نحو ذلك. قيل: قضية المتن التخيير بين الفك والضرب وليس كذلك، بل الفك مقدم، لأنه أسهل انتهى، وليس في محله، لأنه لم يخير بين الشيئين، بل أوجب الأسهل منهما وهو الفك كما تقرر، ولو تنازعا في أنه أمكنه الدفع بشيء فعدل لا غلظ منه صدق المعضوض كما جزم به في البحر. قال الأذرعي: وليكن الحكم كذلك في كل صائل انتهى. نعم إن اختلفا في أصل الصيال لم يقبل قول نحو القاتل إلا ببينة أو قرينة ظاهرة كدخوله عليه بالسيف مسلولا وإشرافه على حرمه.
"ومن نظر" بضم أوله "إلى" واحدة من "حرمه" بضم ففتح ثم هاء أي زوجاته وإمائه ومحارمه ولو إماء، وكذا ولده الأمرد الحسن ولو غير متجرد، وكذا إليه في حال كشف عورته، وقيل مطلقا واختير، ومثله خنثى مشكل أو محرم للناظر مكشوفها "في داره" الجائز له الانتفاع بها ولو بنحو إعارة وإن كان الناظر المعير كما رجحه الأذرعي وغيره، وكداره بيته من نحو خان أو رباط كما هو ظاهر دون نحو مسجد وشارع ومغصوب "من كوة أو ثقب" بفتح المثلثة صغير كل منهما "عمدا"، ولم يكن للناظر شبهة في النظر، ولو امرأة أي: لرجل مطلقا أو امرأة أي: لرجل مطلقا أو امرأة متجردة أخذا مما تقرر في الرجل أو المحرم المنظور إليه ومراهقا إلا مميزا ولم يكن الناظر إليه حالة تجرده أحد أصوله كما لا يحد بقذفه ولا يقتل بقتله. فإن قلت: تلك معصية انقضت فاقتضت حرمة الأصل أن لا يؤخذ منه حدها، وهنا معصية النظر باقية فلم لم يرم دفعا له عنها، قلت: الدفع بهذا التقدير من باب الأمر بالمعروف ولا نزاع في جوازه أو وجوبه على الفرع، وإنما الكلام هنا في الرمي المخصوص، وقياس ما ذكر أن الفرع لا يفعله، لأن الشارع جعله كالحد بالنسبة لهذه المعصية الخاصة، وقد صرحوا

 

ج / 4 ص -169-        بأن الأجنبي هنا لا يرمي بخلافه في الأمر بالمعروف "فرماه" أي: ذو الحرم، ولو غير صاحب الدار، أو رمته المنظور إليها كما بحث الأول البلقيني والثاني غيره في حال نظره لا إن ولي "بخفيف كحصاة" أو ثقيل لم يجد غيره "فأعماه أو أصاب قرب عينه" مما يخطئ إليه منه غالبا ولم يقصد الرمي لذلك المحل ابتداء "فجرحه فمات فهدر"، وإن أمكن زجره بالكلام لخبر الصحيحين: "من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم فقد حل لهم أن يفقئوا عينه". وفي رواية صحيحه: "ففقئوا عينه فلا دية له ولا قصاص"، وصح خبر: "لو أن امرأ اطلع عليك بغير إذنك ففقأت عينه ما كان عليك من حرج"، ولا نظر لكون المراهق غير مكلف، لأن الرمي لدفع مفسدة النظر، وهي حاصلة به لما أمر أنه في النظر كالبالغ، ومن ثم من يرى أنه ليس مثله فيه لا يجوز رميه هنا وفارق من له نحو محرم بأن هذا شبهته في المحل المنظور، والمراهق لا شبهة له في ذلك على أن هذا من خطاب الوضع، ومن ثم دفع صبي صال لكنه هنا لا يتقيد بالمراهق كما هو ظاهر، وإنما يجوز له رميه "بشرط عدم" حل النظر بخلافه لنحو خطبة بشرطه وعدم شبهة كما مر، بأن لا يكون ثم نحو متاع أو "زوجة" أو أمة ولو مجردتين. "ومحرم" مستور ما بين سرتها وركبتها والواو بمعنى أو "للناظر"، وإلا لم يحز رميه لعذره حينئذ، ويكفي على الأوجه كون المحل مسكن أحد من ذكر، وإن كان ليس فيه حيث لم يعلم ذلك، لأن الشبهة موجودة حينئذ. "قيل و" بشرط عدم "استتار الحرم"، وإلا بأن استترن أو كن في منعطف لا يراهن الناظر لم يجز رميه، والأصح لا فرق لعموم الأخبار وحسما لمادة النظر، ومر أن نحو الرجل لا بد أن يكون متجردا وحينئذ فهل تجرده في منعطف لا يراه منه الناظر يبيح رميه اكتفاء بالنظر بالقوة كما في المرأة أو يفرق؟ محل نظر وعدم الفرق أقرب إلى كلامهم "قيل و" بشرط "إنذار قبل رميه" تقديما للأخف كما مر والأصح عدم وجوبه للأحاديث السابقة، نعم بحث الإمام أن ما يوثق بكونه دافعا كتخويف أو زعقة مزعجة لا خلاف في وجوبه، واستحسناه حيث لم يخف مبادرة الصائل ولا ينافي ما هنا قولهم: لا يجوز له دفع من دخل داره تعديا قبل إنذاره، لأن ما هنا منصوص عليه وذاك مجتهد فيه فأجري على القياس، ويفرق أيضا بأن النظر هنا يخفى ويؤدي إلى مفاسد فأباح الشارع تعطيل آلة النظر منه أو ما قرب منها مبالغة في زجره لعظم حرمته، وقضية هذه الإباحة لا تتوقف على إنذار، وأما الدخول فليس فيه ذلك، فكان صائلا فأعطي حكمه، وخرج بنظر الأعمى ونحوه ومسترق السمع فلا يجوز رميهما لفوات الاطلاع على العورات الذي يعظم ضرره وبالكوة وما معها النظر من باب مفتوح ولو بفعل الناظر إن تمكن رب الدار من إغلاقه كما هو ظاهر أو كوة أو ثقب بأن ينسب صاحبهما التفريط، لأن تفريطه بذلك صيره غير محترم فلم يجز له الرمي قبل الإنذار، نعم النظر من نحو سطح ولو للناظر أو منارة كهو من كوة ضيقة، إذ لا تفريط من ذي الدار حينئذ ويعمد النظر خطأ أو اتفاقا فلا يجوز رميه إن علم الرامي ذلك، نعم يصدق في أن الناظر تعمد، لأن الاطلاع حصل، والقصد أمر باطن قال الشيخان: وهذا ذهاب إلى جواز الرمي من غير تحقق القصد وفي كلام الإمام ما يدل على المنع حتى يتبين الحال

 

ج / 4 ص -170-        وهو حسن انتهى. والذي يتجه الأول حيث ظن منه التعمد كما دل عليه الخبر، وكلامهم تحكيما لقرينة الاطلاع، لأن القصد أمر باطن لا يطلع عليه، فلو توقف الرمي على علمه لم يرم أحد وعظمت المفسدة باطلاع الفساق على العورات وبالخفيف الثقيل الذي وجد غيره كحجر ونشاب فيضمن حتى بالقود، وقضية المتن تخييره بين رمي العين وقربها، لكن قال الأذرعي وغيره: المنقول أنه لا يقصد غيرها إذا أمكنه إصابتها، وأنه إذا أصاب غيرها البعيد بحيث لا يخطئ منها إليه ضمن وإلا فلا، وهو كذلك خلافا للبغوي نعم إن لم يمكن قصدها ولا ما قرب منها أو لم يندفع به جاز رمي عضو آخر على أحد وجهين رجح، ولو لم يندفع بالخفيف استغاث عليه، فإن فقد مغيث سن أن ينشده بالله تعالى فإن أبى دفعه ولو بالسلاح وإن قتله. "ولو عزر" من غير إسراف "ولي" محجوره وألحق بوليه كما مر في حل الضرب وما يترتب عليه مما يأتي كافله كأمه "ووال" من رفع إليه ولم يعاند، "وزوج" زوجته الحرة لنحو نشوز، "ومعلم" المتعلم منه الحر بماله دخل في الهلاك وإن ندر "فمضمون" تعزيرهم ضمان شبه العمد على العاقلة إن أدى إلى هلاك أو نحوه، لتبين مجاوزته للحد المشروع بخلاف ضرب دابة من مستأجرها أو رائضها إذا اعتيد، لأنهما لا يستغنيان عنه، والآدمي يغني عنه فيه القول، أما ما لا دخل له في ذلك كصفعة خفيفة وحبس أو نفي فلا ضمان به، وأما قن أذن سيده لمعلمه أو لزوجها في ضربها فلا يضمن به كما إذا أقر كامل بموجب تعزير وطلبه بنفسه من الوالي، قاله البلقيني وقيده غيره بما إذا عين له نوعه وقدره، وكأنه أخذه من تنظير الإمام فيما ذكر في إذن السيد بأن الإذن في الضرب ليس كهو في القتل ومن قول ابن الصباغ واستحسنه الأذرعي، عندي أنه إن أذن في تأديبه أو تضمنه إذنه اشترطت السلامة كما تشترط في الضرب الشرعي أي: فإذا حمل الإذن الشرعي على ما يقتضي السلامة فكذا إذن السيد المطلق بخلاف ما إذا عين فإنه لا تقصير بوجه حينئذ. أما معاند بأن توجه عليه حق وامتنع من أدائه مع القدرة عليه ولا طريق للتوصل لماله إلا عقابه فيعاقب حتى يؤدي أو يموت على ما قاله السبكي وأطال فيه. وأما إذا أسرف وظهر منه القتل فإنه يلزمه القود إن لم يكن والدا أو الدية المغلظة في ماله، وتسمية كل ذلك تعزيرا هو الأشهر، وقيل ما عدا فعل الإمام يسمى تأديبا.
"ولو حد" أي: الإمام أو نائبه ويصح بناؤه للمفعول وهما المرادان أيضا ولو في نحو مرض أو شديد حر وبرد كما مر، "مقدرا" لا مفهوم له إذ الحد لا يكون إلا كذلك ويصح أن يحترز به عن حد الشرب، فإن تخيير الإمام فيه بين الأربعين والثمانين صيره غير مقدر بالنسبة لإرادته وإن كان مقدرا، لأن كلا من الأربعين والثمانين منصوص عليه كما مر "فمات فلا ضمان" إجماعا، ولأن الحق قتله "ولو ضرب شارب" للخمر الحد "بنعال وثياب" فمات "فلا ضمان على الصحيح" بناء على جواز ذلك، وهو الأصح كما مر "وكذا أربعون سوطا" ضربها فمات لا يضمن "على المشهور" لصحة الخبر، كما مر بتقديره بذلك، وأجمعت الصحابة عليه ومحل الخلاف إن منعناه بالسياط، وإلا وهو الأصح لم يضمن قطعا، وذكر هذا مع دخوله في قوله: ولو حد مقدرا لبيان الخلاف فيه، ويظهر جريان هذا

 

ج / 4 ص -171-        الخلاف في حد القذف وجلد الزنا بجامع أن الآلة المحدود بها لم يجمعوا على تقديرها بشيء معين في الكل. "أو" حد شارب "أكثر" من أربعين بنحو نعل أو سوط، "وجب قسطه بالعدد"، ففي أحد وأربعين جزء من أحد وأربعين جزءا من الدية، وفي ثمانين نصفها، وتسعين خمسة أتساعها، لوقوع الضرب بظاهر البدن، فيقرب تماثله فيسقط العدد عليه، وبهذا يندفع ما يأتي في توجيه قوله: "وفي قول نصف دية" لموته من مضمون وغيره، وبحث البلقيني أن محل ذلك إن ضربه الزائد وبقي ألم الأول وإلا ضمن ديته كلها قطعا، قيل: الجزء الحادي والأربعون ما طرأ إلا بعد ضعف البدن، فكيف يساوي الأول وهو قد صادف بدنا صحيحا؟ ويجاب بأن هذا تفاوت سهل فتسامحوا فيه وبأن الضعف نشأ من مستحق فلم ينظر إليه. "ويجريان" أي: القولان "في قاذف جلد أحدا وثمانين" سوطا فمات ففي الأظهر يجب جزء من أحد وثمانين جزءا، وفي قول نصف دية وكذا في بكر زنى جلد مائة وعشرا "واستقل" وهو الحر والمكاتب البالغ العاقل ولو سفيها "قطع سلعة" بكسر السين ما يخرج بين الجلد واللحم من الحمصة إلى البطيخة فيه بنفسه أو مأذونه إزالة لشينها من غير ضرر كالفصد، ومثلها في جميع ما يأتي العضو المتآكل "إلا مخوفة" من حيث قطعها "لا خطر في تركها" أصلا، بل في قطعها ولو احتمالا فيما يظهر، "أو" في كل من قطعها وتركها خطر، لكن "الخطر في قطعها أكثر" منه في تركها، فيمتنع القطع في هاتين الصورتين، لأنه يؤدي إلى الهلاك بخلاف ما إذا استويا، وإن نازع فيه البلقيني، أو كان الترك أخطر، أو الخطر فيه فقط أو لم يكن في القطع خطر وجهل حال الترك فيما يظهر أو لا خطر في واحد منهما، فيجوز قطعها، لأن فيه غرضا من غير أدائه إلى الهلاك وبحث البلقيني وجوبه إذا قال الأطباء: إن عدمه يؤدي إلى الهلاك قال الأذرعي: ويظهر الاكتفاء بواحد أي عدل رواية، وأنه يكفي علم الولي فيما يأتي أي: وعلم صاحب السلعة إن كان فيهما أهلية ذلك، "ولأب وجد" لأب وإن علا، وألحق بهما السيد في قنه والأم إذا كانت قيمة ولم تقيد بذلك في التعزير، لأنه أسهل "قطعها من صبي ومجنون مع الخطر" في كل، لكن "إن زاد خطر الترك" على القطع لصونهما ماله فبدنه أولى، بخلاف ما إذا انحصر الخطر في القطع أو زاد خطره اتفاقا أو استويا، وفارقا المستقل بأنه يغتفر للإنسان فيما يتعلق بنفسه ما لا يغتفر له فيما يتعلق بغيره، "لا" قطعها مع خطر فيه "لسلطان" ونوابه ووصي، فلا يجوز إذ ليس لهم شفقة الأب والجد "وله" أي: الأصل الأب والجد "ولسلطان" ونوابه والوصي "قطعها" إذا كان "بلا خطر" فيه أصلا، وإن لم يكن في الترك خطر لعدم الضرر، وليس للأجنبي وأب لا ولاية له ذلك بحال، فإن فعله فسرى للنفس اقتص من الأجنبي، وبحث الزركشي في الأب والجد اشتراط عدم العداوة الظاهرة نظير ما مر في ولاية النكاح، وفيه نظر، إما أولا فإنما يتوهم ذلك حيث اعتمد معرفة نفسه أما إذا شهد به خبيران فلا وجه للتقييد بذلك، وأما ثانيا فالفرق واضح، لأن الأب لعداوته قد يتساهل في الكفء ولا كذلك فيما يؤدي للتلف، فالوجه ما أطلقوه هنا، "و" لمن ذكر "فصد وحجامة" ونحوهما من كل علاج سليم عادة، أشار به طبيب لنفعه له "فلو مات" المولى "بجائز من هذا" الذي هو قطع السلعة أو الفصد أو

 

ج / 4 ص -172-        الحجامة، ومثلها ما في معناها "فلا ضمان" بدية ولا كفارة "في الأصح"، لئلا يمتنع من ذلك فيتضرر المولى، نعم صرح الغزالي وغيره بحرمة تثقيب أذن الصبي أو الصبية، لأنه إيلام لم تدع إليه حاجة، قال الغزالي إلا أن يثبت فيه من جهة النقل رخصة ولم تبلغنا. وكأنه أشار بذلك إلى رد ما قيل مما جرى عليه قاضي خان من الحنفية في فتاويه أنه لا بأس به، لأنهم كانوا يفعلونه جاهلية ولم ينكر عليهم صلى الله عليه وسلم وفي الرعاية للحنابلة يجوز في الصبية لغرض الزينة ويكره في الصبي وأما ما في الحديث الصحيح: أن النساء أخذن ما في آذانهن وألقينه في حجر بلال، والنبي صلى الله عليه وسلم يراهن فليس فيه دليل للجواز، لأن التثقيب سبق قبل ذلك فلم يلزم من سكوته عليه حله، وزعم أن تأخير البيان عن وقت الحاجة ممتنع لا يجدي هنا، لأنه ليس فيه تأخير ذلك إلا لو سئل عن حكم التثقيب أو رأى من يفعله أو بلغه ذلك فهذا هو وقت الحاجة، وأما شيء وقع وانقضى ولم يعلم هل فعل بعد أو لا فلا حاجة ماسة لبيانه، نعم خبر الطبراني بسند رجاله ثقات عن ابن عباس: أنه عد من السنة في الصبي يوم السابع أن تثقب آذانه. صريح في الجواز في الصبي، فالصبية أولى، لأن قول الصحابي من السنة كذا في حكم المرفوع وبهذا يتأيد ما ذكر عن قاضي خان والرعاية من حيث مطلق الحل، ثم رأيت الزركشي استدل للجواز بما في حديث أم زرع في الصحيح، وهو قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة: "كنت لك كأبي زرع لأم زرع" مع قولها: أناس أي: ملأ من حلي أذني انتهى. وفيه نظر يتلقى مما ذكرناه في حديث النساء، إذ بفرض دلالة الحديث على أن أذنيها كانتا مخرقتين وأنه صلى الله عليه وسلم ملأهما حليا هو محتمل إذ لم يدر من خرقهما، وقد تقرر أن وجود الحلي فيهما لا يدل على حل ذلك التخريق السابق، ويظهر في خرق الأنف بحلقة تعمل فيه من فضة أو ذهب أنه حرام مطلقا، لأنه لا زينة في ذلك يغتفر لأجلها إلا عند فرقة قليلة ولا عبرة بها مع العرف العام بخلاف ما في الآذان فإنه زينة للنساء في كل محل والحاصل أن الذي يتمشى على القواعد حرمة ذلك في الصبي مطلقا، لأنه لا حاجة فيه يغتفر لأجلها ذلك التعذيب، ولا نظر لما يتوهم أنه زينة في حقه ما دام صغيرا، لأن الحق أنه لا زينة فيه بالنسبة إليه وبفرضه هو عرف خاص، وهو لا يعتد به لا في الصبية لما عرف أنه زينة مطلوبة في حقهن قديما وحديثا، وقد جوز صلى الله عليه وسلم اللعب لهن للمصلحة، فكذا هذا، وأيضا جوز الأئمة لوليها صرف مالها فيما يتعلق بزينتها لبسا وغيره مما يدعو الأزواج إلى خطبتها وإن ترتب عليه فوات مال لا في مقابل تقديما لمصلحتها المذكورة، فكذا هنا ينبغي أن يغتفر هذا التعذيب، لأجل ذلك على أنه تعذيب سهل محتمل وتبرأ منه سريعا، فلم يكن في تجويزه لتلك المصلحة مفسدة بوجه فتأمل ذلك فإنه مهم، "ولو فعل سلطان" إمام أو نائبه أو غيرهما ولو أبا "بصبي" أو مجنون "ما منع" منه فمات "فدية مغلظة في ماله"، لتعديه لا قود لشبهة الإصلاح إلا إذا كان الخوف في القطع أكثر، والقاطع غير أب على ما قطع به الماوردي، "وما وجب بخطأ إمام" أو نوابه "في حد" أو تعزير "وحكم" في نفس أو نحوها "فعلى عاقلته" كغيره، "وفي قول في بيت المال" إن لم يظهر منه تقصير، لأن خطأه يكثر لكثرة الوقائع بخلاف غيره، والكفارة في ماله قطعا وكذا خطؤه في المال "ولو حده

 

ج / 4 ص -173-        بشاهدين" فمات منه "فبانا" غير مقبولي الشهادة، كأن بانا "عبدين أو ذميين أو مراهقين" أو فاسقين أو امرأتين أو بان أحدهما كذلك "فإن قصر في اختبارهما" بأن تركه بالكلية كما قاله الإمام "فالضمان عليه" قود أو غيره إن تعمد وإلا فعلى عاقلته وبتفسير الإمام هذا يندفع تنظير الأذرعي في القود بأنه يدرأ بالشبهة إذ مالك وغيره يقبلهما، ثم رأيت البلقيني صرح به فقال: ليس صورة البينة التي لم يبحث عنها شبهة "وإلا" يقصر في اختبارهما، بل بحث عنه "فالقولان"، أظهرهما: أن الضمان على عاقلته، والثاني في بيت المال "فإن ضمنا عاقلة أو بيت مال فلا رجوع" لأحدهما "على العبدين والذميين في الأصح"، لزعمهما الصدق. والمتعدي هو الإمام بعدم بحثه عنهما. وكذا المراهقان والفاسقان غير المتجاهرين بخلافهما فيرجع عليهما على المنقول المعتمد، لأن الحكم بشهادتهما يشعر بتدليس وتغرير منهما حتى قبلا، لأن الفرض أنه لم يقصر في البحث عنهما، "ومن" عالج كأن "حجم أو فصد بإذن" معتبر ممن جاز له تولي ذلك فحصل تلف "لم يضمن"، وإلا لما تولى أحد ذلك، وذكر ابن سريج أنه لو سرى من فعل الطبيب هلاك وهو من أهل الحذق في صنعته لم يضمن إجماعا وإلا ضمن قود أو غيره لتغريره قاله الزركشي وغيره، وفي هذا رد لإفتاء ابن الصلاح بأن شرط عدم ضمانه أن يعين له المريض الدواء، وإلا لم يتناول إذنه ما يكون سبيلا للإتلاف، لأن مطلق الإذن تقيده القرينة بغير المتلف، ويجاب بحمل كلامه على غير الحاذق ويظهر أنه الذي اتفق أهل فنه على إحاطته به بحيث يكون خطؤه فيه نادرا جدا، وكالطبيب فيما ذكر الجرائحي، بل هو من أفراده كالكحال، "وقتل جلاد وضربه بأمر الإمام كمباشرة الإمام إن جهل ظلمه" كأن اعتقد الإمام تحريمه والجلاد حله "وخطأه" فيضمن الإمام لا الجلاد، لأنه آلته ولئلا يرغب الناس عنه، نعم يسن له أن يكفر في القتل، ونقل الأذرعي عن صاحب الوافي وأقره أن مثل ذلك ما لو اعتقد وجوب طاعة الإمام في المعصية، لأنه مما يخفى انتهى، وبتسليمه فهو إنما يكون شبهة في دفع القود لا المال، وحينئذ فالذي يتجه وجوبه عليه وليس على الإمام شيء إلا إن أكرهه، كما في قوله: "وإلا" بأن علم ظلمه أو خطأه كأن اعتقدا حرمته أو اعتقدها الجلاد وحده وقتله امتثالا لأمر الإمام "فالقصاص والضمان على الجلاد" وحده، "إن لم يكن إكراه" من جهة الإمام لتعديه، فإن أكرهه ضمنا المال وقتلا.
"ويجب" قطع سرة المولود بعد ولادته بعد نحو ربطها لتوقف إمساك الطعام عليه، والمخاطب هنا الولي أي إن حضر وإلا فمن علم به عينا تارة وكفاية أخرى كإرضاعه، لأنه واجب فوري لا يقبل التأخير، فإن فرط فلم يحكم القطع أو نحو الربط ضمن، وكذا الولي وهذا كله ظاهر وإن لم أره، ويجب أيضا "ختان" المرأة والرجل حيث لم يولدا مختونين لقوله تعالى:
{أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً} [النحل: 123]. ومنها الختان: اختتن وهو ابن ثمانين سنة. وصح مائة وعشرون لكن الأول أصح. وقد يجمع بأن الأول حسب من حين النبوة، والثاني من حين الولادة. بالقدوم اسم موضع وقيل: آلة للنجار، وروى أبو داود: "ألق عنك شعر الكفر واختتن"، خرج الأول لدليل فبقي الثاني على حقيقته ودلالة الاقتران ضعيفة كما

 

ج / 4 ص -174-        حقق في الأصول، وقيل: واجب على الرجال سنة للنساء، ونقل عن أكثر العلماء ثم كيفيته في "المرأة بجزء" أي: بقطع جزء يقع عليه الاسم "من اللحمة" الموجودة "بأعلى الفرج"، فوق ثقبة البول تشبه عرف الديك ويسمى البظر بموحدة مفتوحة فمعجمة ساكنة قال المصنف: وتقليله أفضل لخبر أبي داود وغيره أنه صلى الله عليه وسلم قال للخاتنة: "أشمي ولا تنهكي فإنه أحظى للمرأة وأحب للبعل". أي: لزيادته في لذة الجماع. وفي رواية: "أسرى للوجه" أي أكثر لمائه ودمه "و" في "الرجل بقطع" جميع "ما يغطي حشفته"، حتى تنكشف كلها وبه يعلم أن غرلته لو تقلصت حتى انكشف جميع الحشفة فإن أمكن قطع شيء مما يجب قطعه في الختان منها دون غيرها وجب ولا نظر لذلك التقلص، لأنه قد يزول فتستر الحشفة وإلا سقط الوجوب كما لو ولد مختونا. وقد كثر اختلاف الرواة والحفاظ وأهل السير في ولادته صلى الله عليه وسلم مختونا، لأنه جاء أنه ولد مختونا كثلاثة عشر نبيا، وأن جبريل ختنه حين طهر قلبه، وأن عبد المطلب ختنه يوم سابعه، لكن لم يصح في ذلك شيء على ما قاله غير واحد من الحفاظ، ولم ينظروا لقول الحاكم أن الذي تواترت به الرواية أنه ولد مختونا، وممن أطال في رده الذهبي ولا لتصحيح الضياء حديث ولادته مختونا، لأنه ثبت عندهم ضعفه، والأوجه في ذلك الجمع بأنه يحتمل أنه كان هناك نوع تقلص في الحشفة فنظر بعض الرواة للصورة فسماه ختانا وبعضهم للحقيقة فسماه غير ختان، وقد قال بعض المحققين من الحفاظ: الأشبه بالصواب أنه لم يولد مختونا، وإنما يجب الختان في حي "بعد البلوغ" والعقل، إذ لا تكليف قبلهما فيجب بعدهما فورا إلا إن خيف عليه منه فيؤخر حتى يغلب على الظن سلامته منه، ويأمره به حينئذ الإمام، فإن امتنع أجبره ولا يضمنه إن مات إلا أن يفعله به في شدة حر أو برد فيلزمه نصف ضمانه، ولو بلغ مجنونا لم يجب ختانه، وأفهم ذكره الرجل والمرأة أنه لا يجب ختان الخنثى المشكل، بل لا يجوز لامتناع الجرح مع الإشكال، وقيل: يختن فرجاه بعد بلوغه ورجحه ابن الرفعة، فعليه يتولاه هو إن أحسنه، أو يشتري أمة تحسنه، فإن عجز تولاه رجل أو امرأة للضرورة، ويؤخذ منه أن البالغ لا يجوز لغير حليلته ختانه إلا إن عجز عن زوجة أو شراء أمة تحسنه، وقياسه أنه لو كان ثم أمة تحسن مداواة علة بفرجه لم يجز له توليته لغيرها إلا إن عجز عن شرائها ومن له ذكران عاملان يختنان فإن تميز الأصلي منهما فهو فقط فإن شك فكالخنثى، ويفرق بينه وبين ما مر آخر السرقة بأنه لا تعدي هنا، فلم يناسبه التغليظ بخلافه ثم "ويندب تعجيله في سابعه" أي سابع يوم ولادته للخبر الصحيح: أنه صلى الله عليه وسلم ختن الحسنين رضي الله عنهما يوم سابعهما. وبه يرد قول جمع: لا يجوز فيه، لأنه لا يطيقه ويكره قبل السابع فإن أخر عنه ففي الأربعين وإلا ففي السنة السابعة، لأنها وقت أمره بالصلاة، وفي وجه حرمته قبل عشر سنين، ورد بخرقة للإجماع ولا يحسب من السبع يوم ولادته، لأنه كلما أخر كان أخف إيلاما، وبه فارق العقيقة، لأنها بر فندب الإسراع به قال ابن الحاج المالكي: ويسن إظهار ختان الذكور وإخفاء ختان الإناث، كذا نقله جمع منا عنه وسكتوا عليه وفيه نظر، لأن مثل هذا إنما يثبت بدليل ورد عنه صلى الله عليه وسلم فإن أريد أن ذلك أمر استحساني لم يناسبه الجزم بسنيته، وظاهر كلامهم

 

ج / 4 ص -175-        في الولائم أن الإظهار سنة فيهما إلا أن يقال: لا يلزم من ندب وليمة الختان إظهاره في المرأة "فإن ضعف عن احتماله" في السابع "أخر" وجوبا إلى أن يحتمله، "ومن ختنه في سن" أي: حال يحتمله وهو ولي ولو قيما فلا ضمان، أو وهو أجنبي قتل لتعديه، وإن قصد إقامة الشعار كما اقتضاه إطلاقهم وهو متجه خلافا للزركشي، لأن ظن ذلك لا يبيح له الإقدام بوجه فلا شبهة، وليس كقطع يد سارق بغير إذن الإمام، لإهدارها بالنسبة لكل أحد مع تعدي السارق بخلافه هنا، نعم إن ظن الجواز وعذر بجهله، فالقياس أنه لا قود عليه، وكذا خاتن بإذن أجنبي ظنه وليا فيما يظهر فيهما أو في حال "لا يحتمله" لنحو ضعف أو شدة حر أو برد فمات "لزمه القصاص"، لتعديه بالجرح المهلك. نعم إن ظن أنه يحتمله لم يلزمه قصاص على الأوجه لعدم تعديه. "إلا والدا" وإن علا لما مر أنه لا يقتل بولده، نعم عليه الدية مغلظة في ماله، لأنه عمد محض وكذا مسلم في كافر وحر لقن، لما مر أنه لا يقتل به أيضا "فإن احتمله وختنه ولي" ولو وصيا أو قيما "فلا ضمان في الأصح" لإحسانه بتقديمه، لأنه أسهل عليه ما دام صغيرا بخلاف الأجنبي لتعديه كما مر، فإن قلت: قولهم هنا، لأنه أسهل ينافي ما مر آنفا أنه كلما أخر كان أخف إيلاما، قلت: لا منافاة، لأن المفضل عليه هنا بعد البلوغ ولا شك أنه قبله أسهل منه بعده، وثم حسبان يوم الولادة، ولا شك أنه مع عدمه أخف منه مع حسبانه. "وأجرته" وبقية مؤنة "في مال المختون" فإن لم يكن له مال فعلى من عليه مؤنته كالسيد.

فصل في حكم إتلاف الدواب
"من كان مع" غير طير، إذ لا ضمان بإتلافه مطلقا، لأنه لا يدخل تحت اليد أي: ما لم يرسل المعلم على ما صار إتلافه له طبعا فيما يظهر، ويؤيده قولهم: يضمن بتسييب ما علمت ضراوته ليلا ونهارا، وأفتى البلقيني في نحل قتل جملا بأنه هدر لتقصير صاحبه دون صاحب النحل، إذ لا يمكنه ضبطه فإن قلت شرب النحل للعسل طبع له، فهل قياس ما تقرر ضمانه بإرساله عليه فشربه؟ قلت الظاهر هنا عدم الضمان، لأن من شأن النحل أن لا يهتدي للإرسال على شيء ولا يقدر على ضبطه ولا نظر لإرساله، لأنه ضروري لأجل الرعي، وحينئذ لو شرب عسل الغير ثم مج عسلا فهل هو لصاحب العسل؟ يحتمل أن يقال لا أخذا من جعلهم شربه للعسل المتنجس حيلة مطهرة له، إذ هو صريح في استحالة ما شربه وإن نزل منه فورا ويلزم من استحالته أن هذا غير ما شربه فكان لمالكه لا لمالك هذا، وأيضا فقد مر زوال ملك المغصوب منه باختلاطه بما لا يتميز عنه، وهذا موجود هنا فزال به الملك ولا بدل هنا لما تقرر أنه غير مضمون، وأن يقال: نعم، والاستحالة إنما توجب تغير الوصف دون تغير الذات كما علم مما مر في النجاسة. والخلط إنما يزول به الملك إن كان ممن يضمن حتى ينتقل البدل لذمته، وهنا لا ضمان فلا مزيل للملك على أنا لم نتيقن هنا خلطا لاحتمال أن لا عسل في جوف النحل غير هذا، بل هو الأصل، وأن يقال: إن قصر الزمن بحيث تحيل العادة أن النازل منه غير الأول فهو لمالكه، وإلا فهو

 

ج / 4 ص -176-        لمالكها، لأن نزوله منها سبب ظاهر في ملك مالكها، ولعل هذا هو الأقرب. "دابة أو دواب" في الطريق مثلا مقطورة أو غيرها سائقا أو قائدا أو راكبا مثلا، سواء أكانت يده عليها بحق أم غيره ولو غير مكلف، كما يعلم مما لا يأتي في مركبه وقنا أذن سيده أم لا، كما شمله كلامه فيتعلق متلفها برقبته فقط، ويفرق بين هذا ولقطة أقرها بيده فتلفت فإنها تتعلق برقبته، وبقية أموال السيد بأنه مقصر ثم يتركها بيده المنزلة منزلة يد المالك بعد علمه بها، ولا كذلك هنا لا يقال: القن لا يد له، لأنا نقول: ليس المراد باليد هنا التي تقتضي ملكا بل التي تقتضي ضمانا، وهو بهذا المعنى له يد كما هو ظاهر، "ضمن إتلافها" بجزء من أجزائها "نفسا" على العاقلة "ومالا" في ماله "ليلا ونهارا"، لأن فعلها منسوب إليه وعليه حفظها وتعهدها فإن كان معها سائق وقائد أو عليها راكبان ضمنا نصفين أو هما أو أحدهما، وراكب ضمن وحده، لأن اليد له، وخرج بقوله مع دابة ما لو انفلتت بعد إحكام نحو ربطها وأتلفت شيئا، فإنه لا يضمن كما سيذكره، ويستثنى من إطلاقه ما لو نخسها غير من معها، فضمان إتلافها على الناخس ولو رموحا بطبعها على الأوجه ما لم يأذن له من معها، فعليه ولو كانت ذاهبة فردها آخر تعلق ضمان ما أتلفته بعد الرد به، كذا أطلقه بعضهم، وينبغي تقييده بما إذا كان رده بنحو ضربها نظير النخس فيما ذكر. أما إذا أشار إليها فارتدت فيحتمل أن لا ضمان إذ لا إلجاء حينئذ، وما لو غلبته فاستقبلها آخر فردها كما ذكر، فإن الراد يضمن ما أتلفته في انصرافها وما لو سقط هو أو مركوبه ميتا على شيء فأتلفه فلا يضمنه، كما لو انتفخ ميت فانكسر به قارورة بخلاف طفل سقط عليها، لأن له فعلا، وألحق الزركشي بسقوطه بالموت سقوطه بنحو مرض أو ريح شديد وفيه نظر والفرق ظاهر وما لو كان راكبها يقدر على ضبطها فاتفق أنها غلبته لنحو قطع عنان وثيق وأتلفت شيئا فلا يضمنه على ما أخذ من كلامهم لعدم تقصيره، ومن ثم لو كانت لغيره ولم يأذن له ضمن، لكن الذي اقتضاه كلام الشيخين واعتمده البلقيني وغيره الضمان نظير ما مر في الاصطدام، بخلاف ما مر في غلبة السفينتين لراكبهما، لأن ضبط الدابة ممكن باللجام وعلى الأول فيفرق بأن ما هنا أخف لاحتياج الناس إليه غالبا بخلاف خصوص الاصطدام لندرته وإنبائه غالبا عن عدم إحسان الركوب، وما لو أركب أجنبي بغير إذن الولي صبيا أو مجنونا دابة لا يضبطها مثلهما، فإنه يضمن متلفها، وما لو كان مع دواب راع فتفرقت لنحو هيجان ريح وظلمة لا لنحو نوم وأفسدت زرعا فلا يضمنه، كما لو ند بعيره أو انفلتت دابته من يده وأفسدت شيئا، لكن هذا يخرج بقوله مع دابة فلا يصح إيراده عليه، خلافا لمن زعمه وما لو ربطها بطريق متسع بإذن الإمام أو نائبه كما لو خفر فيه لمصلحة نفسه وخرج بقولنا في الطريق مثلا من دخل دارا بها كلب عقور فعقره أو دابة فرفسته فلا يضمنه صاحبهما إن علم بهما، وإن أذن له في دخولها بخلاف ما إذا جهل فإن أذن له في الدخول ضمنه وإلا فلا، وبخلاف الخارج منهما عن لدار ولو بجانب بابها، لأنه ظاهر يمكن الاحتراز عنه، ومحله كما يعلم مما يأتي فيما ليس تحت يده أو تحتها ولم يعرف بالضراوة أو ربطه وخرج به أيضا ربطها بموات أو ملكه فلا يضمن به متلفها اتفاقا ولو أجره دارا إلا بيتا معينا فأدخل دابته فيه وتركه مفتوحا

 

ج / 4 ص -177-        فخرجت وأتلفت مالا للمكتري لم يضمنه، كما مر في الغصب بقيده قيل يرد على قوله: نفسا ومالا صيد الحرم وشجره وصيد الإحرام فإنه يضمنهما، ويرد بأنهما لا يخرجان عنهما. وأفتى ابن عجيل في دابة نطحت أخرى بالضمان إن كان النطح طبعها وعرفه صاحبها أي: وقد أرسلها أو قصر في ربطها أخذا مما يأتي في الضارية، لكن ظاهر إطلاقهم ثم إنه لا فرق بين أن يعلم واضع اليد عليها ضراوتها أو لا، نعم تعليلهم له بقولهم إذ مثل هذه إلى آخر ما يأتي يرشد إلى تقييده، والكلام في غير ما بيده وإلا ضمن مطلقا كما علم مما مر، وصرح العبادي فيمن ربط دابة بشارع فربط آخر أخرى بجانبها فعضت إحداهما الأخرى بأن العاض إن كان هو الثانية ضمن صاحبها أو الأولى فلا إلا أن يحضر صاحبها فقط، ولم يمنعها مع قدرته فيضمنها ولو اكترى من ينقل متاعه على دابته، وعادتها الضراوة بشيء من أعضائها ولم يعلمه بها فأتلفت شيئا مع الأجير فالدعوى عليه، لأنها بيده، لكن المالك غره بعدم إعلامه بها فيرجع بما ضمنه عليه فإن أنكر الأجير إتلافها حلف على البت، لأن فعل الدابة منسوب لمن هي بيده، ولو ربط فرسه في خان فقال لصغير: خذ من هذا التبن واعلفها ففعل فرفسته فمات وهو حاضر ولم يحذره منها وكانت رموحا ضمنه على عاقلته، "ولو بالت أو راثت بطريق فتلف به نفس أو مال فلا ضمان"، وإلا لامتنع الناس من المرور ولا سبيل إليه هذا ما مشيا عليه هنا، وهو احتمال للإمام، والمنقول عن نص الأم والأصحاب ما جريا عليه في غير هذا الباب، وجزم به في المجموع من الضمان حيث لم يتعمد المار المشي عليه، لأن الارتفاق بالطريق مشروط بسلامة العاقبة، قال الأذرعي: وما هنا لا ينكر اتجاهه، لكن المذهب نقل انتهى، ويؤيد الاتجاه قاعدة أن ما بالباب مقدم على غيره، لأن الاعتناء بتحرير ما فيه أكثر ومن المقرر أنهما لا يعترض عليهما بمخالفتهما لما عليه الأكثرون لما أشرت إليه في شرح الخطبة، "ويحترز" المار بطريق "عما لا يعتاد" فيها "كركض شديد في وحل" أو في مجمع الناس، "فإن خالف ضمن ما تولد منه"، لتعديه كما لو ساق الإبل غير مقطورة أو البقر والغنم في السوق أو ركب فيه ما لا يركب مثله إلا في صحراء، وإن لم يكن ركض، أما الركض المعتاد فلا يضمن ما تولد منه كذا قالاه كالإمام، وفرعه الأذرعي على ما مر عنه في المتن فعلى مقابله المنقول يضمن به أيضا، "ومن حمل حطبا على ظهره أو بهيمة" وهو معها، وسيأتي حكم ما لو أرسلها "فحك بناء فسقط ضمنه" ليلا ونهارا، لوجود التلف بفعله أو فعل دابته المنسوب إليه، نعم إن كان المستحق الهدم ولم يتلف من الآلة شيء فلا ضمان، ومثله البلقيني ببناء بني مائلا، أو ثم مال وأضر بالمارة فيهما ومر في الجنايات ما يرد الثاني، "وإن دخل" حامل الحطب "سوقا فتلف به نفس أو مال" مستقبلا كان أو مستدبرا "ضمن" هـ "إن كان زحام" أو لم يجد منعطفا لضيق كما اقتضاه كلام الإمام والغزالي واعتمده الزركشي لتقصيره بفعل ما لا يعتاد، "وإن لم يكن" زحام أو حدث وقد توسط السوق كما بحث "وتمزق" به "ثوب" مثلا "فلا" يضمنه إذا كان لابسه مستقبل البهيمة، لأن عليه الاحتراز منها "إلا ثوب" أو متاع أو بدن "أعمى" أو معصوب العين "ومستدبر البهيمة فيجب تنبيهه"، أي: من ذكر فإن لم يفعل ضمن الكل، إلا

 

ج / 4 ص -178-        إذا كان من صاحب الثوب أو المتاع فعل كأن وطئ هو أو بهيمته ثوبه أو مداسه فجذبه صاحبه ولو مع زحام فالنصف، لأنه بفعلهما وبه يعلم أنه لا ضمان على الواطئ إلا فيما علم أن لفعله تأثيرا فيه مع فعل اللابس، فإن تمحض فعل أحدهما فالحكم له وحده، ولو علم تأثير أحدهما وشك في تأثير الآخر اعتبر الأول فقط فيما يظهر، ويحتمل تحكيم القرينة القوية في ذلك، وقد يدل له كلامهما: وإن نبهه فلم يتنبه فلا وكعدم التنبيه الأصم. وإن لم يعلم أنه أصم، لأن الضمان لا يختلف بالعلم وعدمه. "وإنما يضمنه" أي: ما ذكر الحامل أو من مع البهيمة، "إذا لم يقصر صاحب المال، فإن قصر بأن وضعه بطريق" ولو واسعا وإن أذن الإمام كما اقتضاه إطلاقهم، لأن الملحظ هنا تعريضه متاعه للضياع وهو موجود، "أو عرضه للدابة" ولو بغير طريق "فلا" يضمنه، لأنه المضيع لماله. وأفتى القفال بأن مثله ما لو مر إنسان بحمار الحطب يريد التقدم عليه فمزق ثوبه فلا يضمنه سائقه، لأنه المقصر بمروره عليه، قال: وكذا لو وضع حطب بطريق واسع فمر به إنسان فتمزق به ثوبه، "وإن كانت الدابة وحدها" وقد أرسلها في الصحراء على الأصح في الروضة، وقال الرافعي إنه الوجه، "فأتلفت زرعا أو غيره نهارا لم يضمن صاحبها" أي: من يده عليها بحق كوديع أو أجير أو غيره كغصب، وإن نازع البلقيني في نحو الوديع بأن عليه أن لا يرسلها إلا بحافظ، ويرد بأن هذا عليه من جهة حفظها لا من جهة إتلافها، بل العادة محكمة فيه كالمالك، "أو ليلا ضمن" للحديث الصحيح بذلك الموافق للعادة الغالبة في حفظ نحو الزرع نهارا والدابة ليلا، ومن ثم لو جرت عادة بلد بعكس ذلك انعكس الحكم أو بحفظها فيهما ضمن فيهما كما بحثه البلقيني، وقياسه أنها لو جرت بعدمه فيهما لم يضمن فيهما، أما لو أرسلها في البلد فيضمن مطلقا خلافا لما اقتضاه كلامهما في الدعاوى لمخالفته العادة، وقضيته أن العادة لو اطردت به أدير الحكم عليها أيضا كالصحراء إلا أن يفرق بغلبة ضرر المرسلة بالبلد فلم تقو فيها العادة على عدم الضمان، ويؤيده قول الرافعي: إن الدابة في البلد تراقب ولا ترسل وحدها، وحينئذ فيحمل تعليلهم بها على أن الغالب في سائر البلاد عدم إرسالها بالبلد، فلم ينظر لعادة مخالفة لها بخلاف الصحراء، فإن العادة لم تستقر فيها بشيء على العموم، فأناطوا الحكم في كل محل بعادة أهله، واستثنى من عدم الضمان نهارا المذكور في المتن ما إذا توسطت المراعي المزارع فأرسلها بلا راع فإنه يضمن ما أفسدته ليلا أو نهارا، لأن العادة حينئذ أنها لا ترسل بلا راع، ومن ثم لو اعتيد إرسالها بدونه فلا ضمان كما صرحوا به وحينئذ فلا استثناء، لأن المدار في كل على ما اعتيد فيه، ولا ينافي هذا ما قدمته في البلد، لأن العادة مختلفة غالبا هنا لا ثم، وما لو تكاثرت فعجز أصحاب الزروع عن ردها فيضمن أصحابها كما رجحه البلقيني لمخالفته للعادة، وما لو ربط دابة بطريق فيضمن متلفها نهارا، وإن اتسع الطريق ما لم يأذن له الإمام في الواسع وما لو أرسلها في موضع مغصوب فانتشرت منه لغيره وأفسدته فيضمنه مرسلها ولو نهارا كما بحثه البلقيني أخذا من كلام القاضي. وإذا أخرجها عن ملكه فضاعت أو رمى عنها متاعا حمل عليها تعديا لا في نحو مفازة فلا ضمان عليه على الأوجه إن خشي من بقائها بملكه إتلافها لشيء

 

ج / 4 ص -179-        وإن قل، بخلاف ما إذا لم يخش ذلك ولم يسيبها مالكها به فيحتمل حينئذ الضمان، لأنها حينئذ كثوب طيرته الريح إلى داره فيلزمه حفظها وإعلامه بها فورا، ويحتمل عدمه، والفرق أن للدابة اختيارا بخلاف الثوب، وكلامهم في الأمانة الشرعية أقرب إلى الأول وهنا أقرب إلى الثاني والأول أوجه، فإن قلت: يفرق أيضا بأن له هنا غرضا صحيحا في تفريغ ملكه، قلت: ينجبر ذلك بأن على مالكها أجرة محلها كما مر في الوديعة أن وجوب قبولها لا يمنع أخذ أجرة حرزه ونحوه، ثم رأيت شارحا أشار إلى الأول بتقييد إخراجها عن ملكه بما إذا أتلفت شيئا ا هـ. وظاهر أن خشية الإتلاف مع العجز عن حفظها كالإتلاف. ثم رأيت في الروضة وغيرها أن المالك حيث سيبها لم يضمن بإخراجها وإلا ضمنت، لأن المالك لما لم يقصر لزم ردها إليه إن وجد وإلا فالحاكم، وظاهر تقييد هذا بما قدمته أن الفرض أنه لم يخش من بقائها بملكه إتلافها لشيء، "إلا أن لا يفرط في ربطها" بأن أحكمه وأغلق الباب واحتاط على العادة فخرجت ليلا لنحو حلها أو فتح لص للباب لعدم تقصيره. وكذا لو خلاها بمحل بعيد لم يعتد ردها منه للمنزل كما نقله البلقيني واعتمده، ويؤيده قولهم: لو بعد المرعى عن المزارع وفرض انتشار البهائم إلى أطرافها فلا ضمان على مرسلها إليه لما أتلفته مطلقا لانتفاء تقصيره، "أو" فرط مالك ما أتلفته كأن عرضه أو وضعه بطريقها أو "حضر صاحب الزرع" مثلا "وتهاون في دفعها" عنه لتفريطه، نعم إن حف محله بالمزارع ولزم من إخراجها منه دخولها لها لزمه إبقاؤها بمحله، ويضمن صاحبها ما أتلفته أي قبل تمكنه من نحو ربط فمها فيما يظهر، وإلا فهو المتلف لماله ولو كان الذي بجانبه زرع مالكها، فهل له إخراجها إليه؟ فيه تردد ويتجه أنه لا يخرجها إليه، لأنه لا ضرر عليه في إبقائها بمحله لما تقرر أن مالكها يضمن متلفها، وأفهم قوله: وتهاون أن له تنفيرها عن زرعه بقدر الحاجة بحيث يأمن من عودها، فإن زاد ولو داخل ملكه ضمن ما لم يكن مالكها سيبها كما مر ", وكذا إن كان الزرع في محوط له باب تركه مفتوحا في الأصح"، لأنه مقصر بعدم غلقه، "وهرة تتلف طيرا أو طعاما إن عهد ذلك منها" مرتين أو ثلاثا على الخلاف الآتي في تعلم الجارحة فيما يظهر، ثم رأيت شارحا اعتمده وشيخنا اعتمد الاكتفاء بمرة، وقال: إنه قضية كلامهما، وكأنه أخذه من العادة في الحيض وما قست عليه أنسب بما هنا كما لا يخفى. "ضمن مالكها" يعني من يؤويها ما دام مكن لم يملكها مؤويا لها أي قاصدا إيواءها بخلاف ما إذا أعرض عنها فيما يظهر "في الأصح ليلا ونهارا" إن أرسلها أو قصر في ربطها، إذ مثل هذه ينبغي أن يربط ويكف شره ليلا ونهارا، فعدم إحكام ربطه تقصير ومن ثم كان مثلها في ذلك كل حيوان عرف بالإضرار، وإن لم يملك فيضمن ذو جمل أو كلب عقور ما يتلفه إن أرسله أو قصر في ربطه، وإنما لم يضمن من دعاه لداره وببابها نحو كلب عقور مربوط لم يعلمه به فافترسه لتقصير المدعو بعدم دفعه بنحو عصا مع ظهوره وعدم تقصير ذي اليد بربطه بخلاف مدعو لدار بها بئر مغطاة أو محلها مظلم أو المدعو به نحو عمى، لأن الداعي حينئذ هو المقصر بعد إعلام المدعو بها، إذ لا حيلة له حينئذ في الخلاص منها، "وإلا" يعهد ذلك منها "فلا" يضمن "في الأصح"، لأن العادة حفظ الطعام عنها لا ربطها، ولا

 

ج / 4 ص -180-        يجوز قتل التي عهد منها ذلك إلا حالة عدوها فقط أي: إن لم يمكن دفعها بدون القتل كالصائل كما دل عليه كلام الشيخين، وجوزه القاضي مطلقا كالفواسق الخمس، وردوه بأن ضراوتها عارضة. ومحل الخلاف في غير الحامل، إذ لا جناية من حملها كذا قيل وفيه نظر، ويلزم قائله أن الدابة الحامل لو صالت على إنسان لا يدفعها وهو بعيد جدا، فالوجه جواز الدفع، بل وجوبه، ولا نظر للحمل، وإن قلنا: إنه يعلم، لأنا لم نتيقن حياته وتيقنا إضرارها لو لم يدفعها فروعي. والله أعلم.