تحفة المحتاج بشرح المنهاج ط العلمية

ج / 4 ص -181-        كتاب السير
جمع سيرة وهي الطريقة، والمقصود منها هنا أصالة الجهاد، وإن جزم الزركشي بأن وجوبه وجوب الوسائل لا المقاصد، إذ المقصود منه الهداية، ومن ثم لو أمكنت بإقامة الدليل كانت أولى منه، وقوله: الهداية لا يرد عليه أنهم لو بذلوا الجزية لزم قبولها، لأن هذا خاص بمن يقبل منه على أن هدايتهم لا سيما على العموم بمجرد إقامة الدليل نادرة جدا، بل محال عادة فلم ينظروا إليها وكأن الجهاد مقصود لا وسيلة، كما هو ظاهر كلامهم وترجمه بذلك لاشتماله على الجهاد، وما يتعلق به الملتقى تفصيل أحكامه من سيرته صلى الله عليه وسلم في غزواته. وهي سبع وعشرون غزوة قاتل في ثمان منها بنفسه: بدر وأحد والمريسيع والخندق وقريظة وخيبر وحنين والطائف، وبعث صلى الله عليه وسلم سبعا وأربعين سرية، وهي: من مائة إلى خمسمائة فما زاد منسر بنون فسين مهملة إلى ثمانمائة، فما زاد جيش إلى أربعة آلاف، فما زاد جحفل، والخميس الجيش العظيم وفرقة السرية سمي بعثا، والكتيبة ما اجتمع ولم ينتشر وكان أول بعوثه صلى الله عليه وسلم على رأس سبعة أشهر في رمضان، وقيل: في شهر ربيع الأول سنة ثنتين من الهجرة. والأصل فيه الآيات الكثيرة والأحاديث الصحيحة الشهيرة، وأخذ منها ابن أبي عصرون أنه أفضل الأعمال بعد الإيمان، واختاره الأذرعي وذكر أحاديث صحيحة مصرحة بذلك أولها الأكثرون بحملها على خصوص السائل أو المخاطب أو الزمن.
"كان الجهاد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم" قبل الهجرة ممتنعا، لأن الذي أمر به صلى الله عليه وسلم أول الأمر هو التبليغ والإنذار والصبر على أذى الكفار تألفا لهم، ثم بعدها أذن الله تعالى للمسلمين في القتال بعد أن نهى عنه في نيف وسبعين آية إذا ابتدأهم الكفار به فقال:
{وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} [البقرة: 190] وصح عن الزهري أول آية نزلت في الإذن فيه: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} [الحج: 39]، أي: أذن لهم في القتال بدليل يقاتلون، ثم أباح الابتداء به في غير الأشهر الحرم بقوله: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ} [التوبة: 5] الآية، ثم في السنة الثامنة بعد الفتح أمر به على الإطلاق بقوله: {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً} [التوبة: 41] {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} [التوبة: 36]، وهذه هي آية السيف، وقيل: التي قبلها، وقيل: هما إذا تقرر ذلك فهو من حين الهجرة كان "فرض كفاية"، لكن على التفصيل المذكور إجماعا بالنسبة لفرضيته، ولأنه تعالى فاضل بين المجاهدين والقاعدين، ووعد كلا الحسنى بقوله: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ} [النساء: 95] الآية، والعاصي لا يوعد بها ولا يفاضل بين مأجور ومأزور.
تنبيه: ما حملت عليه إطلاقه هو الوجه الذي دل عليه النقل، وأما ما اقتضاه صنيع شيخنا في شرح منهجه أنه من حين الهجرة كان يجب كل سنة فبعيد مخالف لكلامهم.

 

ج / 4 ص -182-        "وقيل: فرض عين" لقوله تعالى: {إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً} [التوبة: 39]، والقاعدون في الآية كانوا حراسا، وردوه بأن ذلك الوعيد لمن عينه صلى الله عليه وسلم لتعين الإجابة حينئذ أو عند قلة المسلمين، وبأنه لو تعين مطلقا لتعطل المعاش، "وأما بعده فللكفار" الحربيين "حالان أحدهما يكونون" أي كونهم "ببلادهم" مستقرين فيها غير قاصدين شيئا "ف" الجهاد حينئذ "فرض كفاية" إجماعا، كما نقله القاضي عبد الوهاب ويحصل إما بتشحين الثغور، وهي محال الخوف التي تلي بلادهم بمكافئين لهم، لو قصدوها مع إحكام الحصون والخنادق، وتقليد ذلك للأمراء المؤتمنين المشهورين بالشجاعة والنصح للمسلمين، وإما بأن يدخل الإمام أو نائبه بشرطه دارهم بالجيوش لقتالهم. وظاهر أنه إن أمكن بعثها في جميع نواحي بلادهم وجب، وأقله مرة في كل سنة فإذا زاد فهو أفضل، هذا ما صرح به كثيرون ولا ينافيه كلام غيرهم، لأنه محمول عليه وصريحه الاكتفاء بالأول وحده، ونوزع فيه بأنه يؤدي إلى عدم وجوب قتالهم على الدوام وهو باطل إجماعا، ويرد بأن الثغور إذا شحنت كما ذكر كان في ذلك إخماد لشوكتهم وإظهار لقهرهم بعجزهم عن الظفر بشيء منا، ولا يلزم عليه ما ذكر لما يأتي أنه إذا احتيج إلى قتالهم أكثر من مرة وجب، فكذا إذا اكتفينا هنا بتحصين الثغور واحتيج لقتالهم وجب، وأما ادعاء إيجاب الجهاد كل سنة مرة مع تحصين الثغور فهو وإن أفهمته عبارات لكنه إنما يتجه حيث لا عذر في تركه مرة في السنة، ثم رأيت عبارة شرح المهذب وعبارة الأذرعي في باب الإحصار صريحتين في الوجوب كل سنة مرة مطلقا، زاد الأول إلا أن تدعو حاجة إلى التأخير أكثر من سنة، والثاني أن ذلك متفق عليه. ومما يؤيد ذلك قول الأصوليين الجهاد دعوة قهرية فتجب إقامته بحسب الإمكان حتى لا يبقى إلا مسلم أو مسالم، ولا يختص بمرة في السنة ولا يعطل إذا أمكنت الزيادة وهو ضعيف، وإن اختاره الإمام ثم وجه الأول بأن تجهيز الجيوش لا يتأتى غالبا في السنة أكثر من مرة، ومحل الخلاف إذا لم تدع الحاجة إلى أكثر من مرة وإلا وجب، وشرطه كالمرة أن لا يكون بنا ضعف أو نحوه كرجاء إسلامهم، وإلا أخر حينئذ، ويسن أن يبدأ بقتال من يلونا إلا أن يكون الخوف من غيرهم أكثر فتجب البداءة بهم، وأن يكثره ما استطاع ويثاب على الكل ثواب فرض الكفاية، وحكم فرض الكفاية الذي هو مهم يقصد حصوله من غير نظر بالذات لفاعله، أنه "إذا فعله من فيهم كفاية" وإن لم يكونوا من أهل فرضه كذوي صبا أو جنون أو أنوثة إلا في مسائل كصلاة الجماعة على ما مر فيها، "سقط الحرج" عنه إن كان من أهله و "عن الباقين" رخصة وتخفيفا عليهم، ومن ثم كان القائم به أفضل من القائم بفرض العين كما نقله الشيخ أبو علي عن المحققين وأقر في الروضة الإمام عليه، وأفهم السقوط أنه يخاطب به الكل وهو الأصح، وأنه إذا تركه الكل أثم أهل فرضه كلهم، وإن جهلوا أي وقد قصروا في جهلهم به أخذا من قولهم: لتقصيرهم كما لو تأخر تجهيز ميت بقرية أي: ممن تقضي العادة بتعهده، فإنه يأثم وإن جهل موته لتقصيرهم بعدم البحث عنه، ولما كان شأن فروض الكفاية مهما لكثرتها وخفائها ذكر منها جملة في أبوابها ثم استطرد هنا جملة أخرى منه فقال: "ومن فروض الكفاية القيام بإقامة الحجج" العلمية والبراهين

 

ج / 4 ص -183-        القاطعة في الدين على إثبات الصانع سبحانه، وما يجب له من الصفات ويستحيل عليه منها والنبوات وصدق الرسل وما أرسلوا به من الأمور الضرورية والنظرية. "وحل المشكلات في الدين" لتندفع الشبهات وتصفو الاعتقادات عن تمويهات المبتدعين ومعضلات الملحدين ولا يحصل كمال ذلك إلا بإتقان قواعد علم الكلام المبنية على الحكميات والإلهيات، ومن ثم قال الإمام لو بقي الناس على ما كانوا عليه في صفوة الإسلام لما أوجبنا التشاغل به، وربما نهينا عنه أي: كما جاء عن الأئمة كالشافعي، بل جعله أقبح مما عدا الشرك، فأما الآن وقد ثارت البدع ولا سبيل إلى تركها تلتطم فلا بد من إعداد ما يدعى به إلى الملك الحق وتحل به الشبهة، فصار الاشتغال بأدلة المعقول وحل الشبهة من فروض الكفايات، وأما من استراب في أصل من أصول الاعتقاد فيلزمه السعي في إزالته حتى تستقيم عقيدته ا هـ. وأقره في الروضة وتبعه الغزالي فقال: الحق أنه لا يطلق ذمه ولا مدحه ففيه منفعة ومضرة، فباعتبار منفعته وقت الانتفاع حلال أو مندوب أو واجب، وباعتبار مضرته وقت الإضرار حرام. ويجب على من لم يرزق قلبا سليما أن يتعلم أدوية أمراض القلب من كبر وعجب ورياء ونحوها، كما يجب لكن كفاية تعلم علم الطب. "و" القيام "بعلوم الشرع كتفسير وحديث والفروع" الفقهية زائدا على ما لا بد منه، "بحيث يصلح للقضاء" والإفتاء بأن يكون مجتهدا مطلقا وما يتوقف عليه ذلك من علوم العربية وأصول الفقه وعلم الحساب المضطر إليه في المواريث والإقرارات والوصايا وغير ذلك مما يأتي في باب القضاء، فتجب الإحاطة بذلك كله لشدة الحاجة إلى ذلك، وبما تقرر علم أن بحيث إلخ متعلق بعلوم خلافا لما يوهمه كلام شارح، وتعريف الفروع للتفنن، أو لأنها لم تشتهر مرادا بها الفقهيات لا مع التعريف دون سابقيها. وبحث الفخر الرازي أنه لا يحصل فرض الكفاية في اللغة والنحو إلا بمعرفة جمع يبلغون حد التواتر، وعلله بأن القرآن متواتر ومعرفته متوقفة على معرفة اللغة فلا بد أن تثبت بالتواتر حتى يحصل الوثوق بقولهم فيما سبيله القطع ويرد بأن كتبها متواترة وتواتر الكتب معتد به كما صرحوا به فينبغي حصول فرضهما بمعرفة الآحاد كما اقتضاه إطلاقهم لتمكنهم من إثبات ما نوزع فيه من تلك الأصول بالقطع المستند لما في كتب ذلك الفن، ولا يكفي في إقليم مفت وقاض واحد لعسر مراجعته، بل لا بد من تعددهما بحيث لا يزيد ما بين كل مفتيين على مسافة القصر وقاضيين على مسافة العدوى لكثرة الخصومات، أما ما يحتاج إليه في فرض عيني أو في فعل آخر أراد مباشرته ولو بوكيله، فتعلم ظواهر أحكامه غير النادرة فرض عين، وعليه حمل الخبر الحسن: "التفقه في الدين حق على كل مسلم"، ونقل ابن الصلاح عن الفراوي أنه تحرم الإقامة ببلد لا مفتي به وفيه نظر وقضية ما مر من اعتبار مسافة القصر بين كل مفتيين أن الحرمة خاصة ببلد بينه وبين المفتي أكثر من مسافة القصر وبتسليم عمومه ينبغي زوال الحرمة بأن يكون بالبلد من يعرف الأحكام الظاهرة غير النادرة، لما تقرر أنها التي يحب تعلمها عينا بفرض الاحتياج إليها، ويجبر الحاكم وجوبا أهل كل بلد تركوا تعلم ذلك عليه، قال الماوردي وغيره: وإنما يتوجه فرض الكفاية في العلم على كل مكلف حر ذكر غير بليد

 

ج / 4 ص -184-        مكفي ولو فاسقا، لكن لا يسقط به، إذ لا تقبل فتواه ويسقط بالعبد والمرأة على أحد وجهين وإن لم يدخلا ا هـ ووقع في الروضة عنه ما يقتضي خلاف ما ذكر في مسألة الوجهين وأوجههما ما ذكر من السقوط وبقوله: غير بليد مع قول المصنف كابن الصلاح: أن الاجتهاد المطلق انقطع من نحو ثلثمائة سنة، يعلم أنه لا إثم على الناس اليوم بتعطيل هذا الفرض، وهو بلوغ درجة الاجتهاد المطلق، لأن الناس كلهم صاروا بلداء بالنسبة إليها قبل الفروع إن عطف على تفسير اقتضى بقاء شيء من علوم الشرع لم يذكره أو على علوم اقتضى أنه من غير علوم الشرع وكلاهما فاسد ا هـ. ويرده ما قدمناه في الخطبة أن علوم الشرع قد يراد بها تلك الثلاثة فقط، وهي عرفهم في باب الوصية ونحوها، وقد يراد بها هي وآلاتها وهي عرفهم في مواضع أخر منها هذا، لما صرحوا به أن الكل فرض كفاية، فحينئذ هو معطوف على تفسير، ولا فساد فيه خلافا لمن وهم فيه، ثم رأيت شارحا أشار لشيء من ذلك، "و" منها إجماعا على قادر أمن على نفسه وعضوه وماله وإن قل كما شمله كلامهم، بل وعرضه أخذا من جعلهم إياه عذرا في الجمعة مع كونها فرض عين إلا أن يفرق بأن لها شبه بدل وهو الظهر، وإن كانت صلاة مستقلة على حيالها، ثم رأيت بعضهم جزم بأن العرض كالمال وعلى غيره بأن لم يخف مفسدة عليه أكثر من مفسدة المنكر الواقع، ويحرم مع الخوف على الغير ويسن مع الخوف على النفس، والنهي عن الإلقاء باليد إلى التهلكة مخصوص بغير الجهاد ونحوه كمكره على فعل حرام غير زنا وقتل ولو فعل مكفر وأمن أيضا أن المنكر عليه لا يقطع نفقته وهو محتاج إليها، ولا يزيد عنادا ولا ينتقل لما هو أفحش منه بأن لم يغلب على ظنه شيء من ذلك، وإن ظن أنه لا يمتثل كما في الروضة وإن نوزع بنقل الإجماع على خلافه وإن ارتكب مثل ما ارتكب أو أقبح منه "الأمر" باليد فاللسان فالقلب، سواء الفاسق وغيره "بالمعروف" أي: الواجب "والنهي عن المنكر" أي: المحرم، لكن محله في واجب أو حرام مجمع عليه أو في اعتقاد الفاعل بالنسبة لغير الزوج إذ له شافعيا منع زوجته الحنفية من شرب النبيذ مطلقا والقاضي، إذ العبرة باعتقاده كما يأتي، ومقلد من لا يجوز تقليده لكونه مما ينقض فيه قضاء القاضي. ويجب الإنكار على معتقد التحريم وإن اعتقد المنكر إباحته، لأنه يعتقد أنه حرام بالنسبة لفاعله باعتبار عقيدته فلا إشكال في ذلك، خلافا لمن زعمه، وليس لعامي يجهل حكم ما رآه أن ينكره حتى يخبره عالم بأنه مجمع عليه أو في اعتقاد الفاعل، ولا لعالم أن ينكر مختلفا فيه حتى يعلم من الفاعل أنه حال ارتكابه معتقد لتحريمه كما هو ظاهر، لاحتمال أنه حينئذ قلد من يرى حله أو جهل حرمته، أما من ارتكب ما يرى إباحته بتقليد صحيح فلا يجوز الإنكار عليه، لكن لو ندب للخروج من الخلاف برفق فلا بأس، وإنما حد الشافعي حنفيا شرب نبيذا يرى إباحته لضعف أدلته، ولأن العبرة بعد الرفع للقاضي باعتقاده فقط، ولم يراع ذلك في ذمي رفع إليه لمصلحة تألفه لقبول الجزية، والكلام في غير المحتسب، أما هو فينكر وجوبا على من أخل بشيء من الشعائر الظاهرة ولو سنة كصلاة العيد والأذان، ويلزمه الأمر بهما، ولكن لو احتيج إنكار ذلك لقتال لم يفعله إلا على أنه فرض كفاية، وبهذا يجمع بين متفرقات

 

ج / 4 ص -185-        كلماتهم وليس لأحد البحث والتجسس واقتحام الدور بالظنون، نعم إن غلب على ظنه وقوع معصية، ولو بقرينة ظاهرة كإخبار ثقة جاز له، بل وجب عليه التجسس إن فات تداركها كالقتل والزنا وإلا فلا، ولو توقف الإنكار على الرفع للسلطان لم يجب لما فيه من هتك وتغريم المال قاله ابن القشيري وله احتمال بوجوبه إذا لم ينزجر إلا به وهو الأوجه، ثم رأيت كلام الروضة وغيرها صريحا فيه.
تنبيه: ظاهر كلامهم أن الأمر والنهي بالقلب من فروض الكفاية وفيه نظر ظاهر، بل الوجه أنه فرض عين، لأن المراد منهما به الكراهة والإنكار به، وهذا لا يتصور فيه أن يكون إلا فرض عين فتأمله فإنه مهم نفيس.
"وإحياء الكعبة كل سنة بالزيارة" بالحج والعمرة لا يغني أحدهما عن الآخر، ولا الصلاة والاعتكاف والطواف عن أحدهما، لأنهما القصد الأعظم من بناء البيت وفي الأول إحياء تلك المشاعر.
تنبيه: ما ذكر من تعينهما هو ما جرى عليه جمع متأخرون، وصريح عبارة الروضة تعين الحج وأنه لا يكفي غيره ولو العمرة وحدها، وصريح عبارة أصلها الاكتفاء بها، بل وبنحو الصلاة فنقل شارح عن الروضة وأصلها تعين الحج والعمرة، وغيره عن أصلها تعينهما غير مطابق لما فيهما إلا بتأويل فتأمله، ويتصور وقوع النسك غير فرض كفاية ممن لا يخاطب به كالأرقاء والصبيان والمجانين، لكن الأوجه أنه مع ذلك يسقط به كما مر فرض الكفاية، كما تسقط صلاة الجنازة عن المكلفين بفعل الصبي، ويفرق بينه وبين عدم سقوط فرض السلام عن المكلفين برد غيرهم بأن القصد منه التأمين وليس الصبي من أهله، وهنا القصد ظهور الشعار وهو حاصل، ولأن الواجب المتعين قد يسقط بالمندوب كالجلوس بين السجدتين بجلسة الاستراحة، والأوجه أنه لا بد في القائمين بذلك من عدد يحصل بهم الشعار عرفا وإن كانوا من أهل مكة، ويفرق بينه وبين أجزاء واحد في صلاة الجنازة بأن القصد ثم الدعاء والشفاعة، وهما حاصلان به وهنا الإحياء وإظهار ذلك الشعار الأعظم، فاشترط فيه عدد يظهر به ذلك.
"ودفع ضرر" المعصوم من "المسلمين" وأهل الذمة والأمان على القادرين، وهم من عنده زيادة على كفاية سنة لهم ولممونهم كما في الروضة، وإن قال البلقيني: لا يقوله أحد، لأن الفرض في المحتاج لا في المضطر كما يعلم من قول الروضة وغيرها في الأطعمة يجب على غير مضطر إطعام مضطر حالا وإن كان المالك يحتاجه بعد "ككسوة عار" ما يستر عورته أو يقي بدنه من مضر كما هو ظاهر، "وإطعام جائع إذا لم يندفع" ذلك الضرر "بزكاة و"، سهم المصالح من "بيت مال" لعدم شيء فيه أو لمنع متوليه ولو ظلما ونذر وكفارة ووقف ووصية صيانة للنفوس، ومنه يؤخذ أنه لو سئل قادر في دفع ضرر لم يجز له الامتناع وإن كان هناك قادر آخر، وهو متجه لئلا يؤدي إلى التواكل بخلاف المفتي له الامتناع إذا كان ثم غيره، ويفرق بأن النفوس مجبولة على محبة العلم وإفادته، فالتواكل فيه

 

ج / 4 ص -186-        بعيد جدا بخلاف المال، فإن قلت: فرقوا بين هذا ونظيره في أولياء النكاح والشهود بأن اللزوم هنا فيه حرج ومشقة لكثرة الوقائع بخلافه ثم، وهذا يفهم خلاف ما تقرر في الإطعام. قلت: الفرق صحيح ولا يفهم ذلك، لأن المسائل العلمية تقتضي مزيد تفحص وتطلب ومن شأنه المشقة، بخلاف إعطاء المحتاج لا مشقة فيه إلا بالنسبة لشح النفوس المجبول عليه أكثرها، وذلك غير منظور إليه، وإلا لم يوجبوا عليه شيئا أصلا، وقضية تعبيره بالضرر أن الواجب مد الضرورة دون الزيادة التي تلزم القريب وهو كذلك، كما اقتضاه تخريجهما ذلك على مضطر وجد ميتة. وأما اعتراض اقتصار الروضة على ستر العورة بأن الوجه اعتبار ستر البدن بما يليق بالشتاء والصيف فيجاب عنه بأن المدار هنا على الضرورة، وثم على المصاحبة بالمعروف، فلم يجب هنا إلا ما يحصل بتركه تضرر يخشى منه مبيح تيمم للقاعدة المقررة: أن ما وجب للضرورة يتقدر بقدرها، ويلحق بالطعام والكسوة ما في معناهما كأجرة طبيب وثمن أدوية وخادم منقطع، كما هو ظاهر.
تنبيه: سيأتي أن المالك لا يلزمه بذل طعامه للمضطر إلا ببدله، وحينئذ قد يشكل بما هنا فليحمل ذاك على غير غني تلزمه المواساة حتى يجامع كلامهم هذا أو يفرق بأن غرض إحياء النفوس ثم أوجب حمل الناس على البذل، بأن لا يكلفوه مجانا مطلقا، بل مع التزام العوض وإلا لامتنعوا من البدل وإن عصوا، فيؤدي إلى أعظم المفسدتين رهنا لا فوات للنفس فلا موجب لمسامحتهم في ترك المواساة، وهذا هو الوجه كما هو ظاهر، فالحاصل أنه يجب البذل هنا بلا بدل لا مطلقا، بل مما زاد على كفاية السنة، وثم يجب البذل مما لم يحتجه حالا ولو على فقير، لكن بالبدل، ومما يندفع به ضرر المسلمين والذميين فك أسرائهم بتفصيله الآتي في الهدنة وعمارة نحو سور البلد، وكفاية القائمين بحفظها فمؤنة ذلك على بيت المال ثم على القادرين المذكورين خلافا لمن حدهم بأنهم من يجدون بعدما على كل مما خصه بالتوزيع على عددهم ما يبقى معه يسارهم ولو تعذر استيعابهم خص به الوالي من شاء منهم.
"وتحمل الشهادة" على أهل له حضر إليه المشهود عليه أو طلبه إن عذر بنحو قضاء أو عذر جمعة أي: ولم يعذر المطلوب، ولو بنحو عذر جمعة أيضا فيما يظهر، "وأداؤها" على من تحملها إن كان أكثر من نصاب وإلا فهو فرض عين على ما يأتي، "والحرف والصنائع" كالتجارة والحجامة لتوقف قيام الدين على قيام الدنيا وقيامها على ذينك، وتغايرهما الذي اقتضاه العطف على خلاف ما في الصحاح يكفي فيه أن الحرفة أعم عرفا، لأنها تشمل ما يستدعي عملا وغيره كأن يتخذ صناعا يعملون عنده، والصنعة تختص بالأول.
تنبيه: صرحوا بكراهة فعل بعض الحرف كالحجامة مع تصريحهم هنا بفرضيتها وهو مشكل، وقد يجاب عنه بأن الحيثية مختلفة، ومع ذلك فيه ما فيه، لأنا إذا نهينا الناس عن فعل الحجامة مثلا من أي حيثية كان يلزم تركهم لها فلا مخلص إلا اعتماد أن المكروه أكل كسبها للحر لا فعلها فتأمله.

 

ج / 4 ص -187-        "وما يتم به المعاش" عطف مرادف، لأنه لا يخرج عن ذينك.
تنبيه: لا يحتاج في هذه لأمر الناس بها، لأن فطرهم مجبولة عليها، لكن لو تمالئوا على ترك واحدة منها أثموا وقوتلوا كما هو قياس بقية فروض الكفاية.
"وجواب سلام" مسنون وإن كرهت صيغته ولو مع رسول أو في كتاب، لكن هنا يكفي جوابه كتابة، ويجب فيها إن لم يرد لفظا الفور فيما يظهر، ويحتمل خلافه. ويسن الرد على المبلغ والبداءة به، فيقول: وعليك وعليه السلام للخبر المشهور فيه من مسلم مميز غير متحلل به من الصلاة "على جماعة" أي: اثنين فأكثر مكلفين أو سكارى لهم نوع تمييز سمعوه، أما وجوبه فإجماع ولا يؤثر فيه إسقاط المسلم لحقه، لأن الحق لله تعالى وفي الأذكار: يسن أن يحلله بنحو أبرأته من حقي فإنه يسقط به حق الآدمي، وأما كونه على الكفاية فلخبر أبي داود ولم يضعفه: يجزئ عن الجماعة إذا مروا أن يسلم أحدهم، ويجزئ عن الجلوس أن يرد أحدهم فيه يسقط الفرض عن الباقين ويختص بالثواب فإن ردوا كلهم ولو مرتبا أثيبوا ثواب الفرض كالمصلين على الجنازة. ولو ردت امرأة عن رجل أجزأ إن شرع السلام عليها، وإلا فلا، أو صبي أو من لم يسمع منهم لم يسقط بخلاف نظيره في الجنازة، لأن القصد ثم الدعاء وهو منه أقرب للإجابة، وهنا إلا من وهو ليس من أهله، وقضيته أنه يجزئ تشميت الصبي عن جمع، لأن القصد التبرك والدعاء كصلاة الجنازة. ولو سلم جمع مترتبون على واحد فرد مرة قاصدا جميعهم وكذا لو أطلق على الأوجه إجزاء ما لم يحصل فصل ضار. ودخل في قولي: مسنون سلام امرأة على امرأة أو نحو محرم أو سيد أو زوج، وكذا على أجنبي وهي عجوز لا تشتهى، ويلزمها في هذه الصور رد سلام الرجل، أما مشتهاة ليس معها امرأة أخرى فيحرم عليها رد سلام أجنبي ومثله ابتداؤه، ويكره له رد سلامها ومثله ابتداؤه أيضا، والفرق أن ردها وابتداءها يطمعه فيها أكثر بخلاف ابتدائه ورده، والخنثى مع الرجل كامرأة ومع المرأة كرجل في النظر، فكذا هنا. ولو سلم على جمع نسوة وجب رد إحداهن، إذ لا يخشى فتنة حينئذ، ومن ثم حلت الخلوة بامرأتين، والظاهر أن الأمرد هنا كالرجل ابتداء وردا. وسلام ذمي فيجب رده بعليك كما اقتضاه كلام الروضة، لكن قال البلقيني والأذرعي والزركشي: إنه يسن ولا يجب، وسلام صبي أو مجنون مميز فيجب رده أيضا، وكذا سكران مميز لم يعص بسكره. وقول المجموع: لا يجب رد سلام مجنون أو سكران يحمل على غير المميز، وزعم أن الجنون والسكر ينافيان التمييز غفلة عما صرحوا به من عدم التنافي، أما المتعدي ففاسق، وأما غير المميز فليس فيه أهلية للخطاب كالمجنون، والملحق بالمكلف إنما هو المتعدي، فإن قلت: قضية هذا وجوب الرد عليه، وإن لم يميز كالصلاة، قلت: فائدة الوجوب في نحو الصلاة من انعقاد السبب في حقه حتى يلزمه القضاء منتفية هنا، لأن الرد لا يقضى كما صرحوا به فاندفع ما للشارح هنا، نعم لو قيل: فائدته الإثم وإن لم يسمع تغليظا عليه لم يبعد. ولعله مراد ذلك الشارح، وخرج به السلام على قاضي الحاجة ومن معه، فلا يجب رده كما يأتي، وإنما يجزئ الرد إن اتصل بالسلام كاتصال قبول البيع بإيجابه، وخرج بغير

 

ج / 4 ص -188-        متحلل إلخ سلام التحلل من الصلاة، إذا نوى الحاضر عنده فلا يلزمه رده على الأوجه، ويفرق بينه وبين سلام التلاقي بأن القصد به الأمن وهو لا يحصل إلا بالرد، وهنا التحلل من الصلاة مع قصد الحاضر به لتعود عليه بركته، وذلك حاصل وإن لم يرد، وإنما حنث به الحالف على ترك الكلام والسلام، لأن المدار فيهما على صدق الاسم لا غير، ولا رد سلام فاسق أو مبتدع زجرا له أو لغيره، وإن شرع سلامه، وخرج بجماعة الواحد فالرد فرض عين عليه. ولا بد في الابتداء والرد من رفع الصوت بقدر ما يحصل به السماع بالفعل ولو في ثقيل السمع، نعم إن مر عليه سريعا بحيث لم يبلغه صوته فالذي يظهر أنه يلزمه الرفع وسعه دون العدو خلفه، وظاهر أنه لا بد من سماع جميع الصيغة ابتداء وردا، والفرق بينه وبين إجابة مؤذن سمع بعضه ظاهر، ومر أنه لو بلغه رسول سلام الغير، قال: وعليك وعليه السلام، لأن الفصل ليس بأجنبي وحيث زالت الفورية فلا قضاء، خلافا لما يوهمه كلام الروياني، ويجب في الرد على الأصم الجمع بين اللفظ والإشارة بنحو اليد، ولا يلزمه الرد إلا إن جمع له المسلم عليه بين اللفظ والإشارة، ويغني عن الإشارة في الأول كما بحثه الأذرعي العلم بأن الأخرس فهم بقرينة الحال، والنظر إلى فمه الرد عليه، وتكفي إشارة الأخرس ابتداء وردا، وصيغته ابتداء وجوابا: عليك السلام وعكسه، ويجوز تنكير لفظه وإن حذف التنوين فيما يظهر، وإنما لم يجز في سلام الصلاة حتى عند الرافعي كما هو ظاهر، لأنه ليس في معنى الوارد بوجه، وجزم غير واحد بأنه يجزئ سلاما عليكم، وكذا سلام الله، قيل: لا سلامي وفيه نظر، بل الأوجه إجزاء عليك وعكسه كما بحث. والأفضل في الرد واو قبله، وتضر في الابتداء كالاقتصار في أحدهما على أحد جزأي الجملة إلا وعليك رد السلام الذمي، وإن نوى إضمار الآخر خلافا لما يوهمه كلام الجواهر ويسن عليكم في الواحد نظرا لمن معه من الملائكة، وزيادة ورحمة الله وبركاته ومغفرته، ولا تجب وإن أتى المسلم بها، ويظهر إجزاء سلمت عليك وأنا مسلم عليك ونحو ذلك أخذا مما مر أنه يجزئ في صلاة التشهد: صلى الله على محمد، والصلاة على محمد ونحوهما، "ويسن" عينا للواحد وكفاية للجماعة كالتسمية للأكل وتشميت العاطس وجوابه "ابتداؤه" به عند إقباله أو انصرافه على مسلم للخبر الحسن: "إن أولى الناس بالله من بدأهم بالسلام"، وفارق الرد بأن الإيحاش والإخافة في ترك الرد أعظم منهما في ترك الابتداء. وأفتى القاضي بأن الابتداء أفضل كإبراء المعسر أفضل من إنظاره، ويؤخذ من قوله: ابتداؤه أنه لو أتى به بعد تكلم لم يعتد به، نعم يحتمل في تكلم سهوا أو جهلا وعذر به أنه لا يفوت الابتداء به فيجب جوابه، أما الذمي فيحرم ابتداؤه بالسلام، ولو أرسل سلامه لغائب يشرع له السلام عليه بصيغة مما مر، كقل له: فلان يقول السلام عليك لا بنحو سلم لي عليه على ما قيل، والذي في الأذكار خلافه وعبارته: أو أرسل رسولا، وقال: سلم لي على فلان، لزم الرسول أن يبلغه بنحو: فلان يسلم عليك كما في الأذكار أيضا. فإنه أمانة ويجب أداؤها ومنه يؤخذ أن محله ما إذا رضي بتحمل تلك الأمانة، أما لو ردها فلا، وكذا إن سكت أخذا من قولهم: لا ينسب لساكت قول وكما لو جعلت بين يديه وديعة فسكت، ويحتمل التفصيل بين أن تظهر منه

 

ج / 4 ص -189-        قرينة تدل على الرضا وعدمه، ثم رأيت بعضهم قال: قالوا يجب على الموصى به تبليغه ومحله إن قبل الوصية بلفظ يدل على التحمل لتعليلهم بأنه أمانة، إذ تكليفه الوجوب بمجرد الوصية بعيد، وإذا قلنا بالوجوب فالظاهر أنه لا يلزمه قصده، بل إذا اجتمع به وذكر بلغه انتهى. وما ذكره آخرا فيه نظر، بل الذي يتجه أنه يلزمه قصد محله حيث لا مشقة شديدة عرفا عليه، لأن أداء الأمانة ما أمكن واجب، فإن قلت: الواجب في الوديعة التخلية لا الرد. قلت: محله إذا علم المالك بها، وإلا وجب إعلامه بقصده إلى محله أو إرسال خبرها له مع من يثق به فكذا هنا، ومن ثم قالوا في الأمانة الشرعية كثوب طيرته الريح إلى داره يلزمه فورا إن عرف مالكه إعلامه به، "إلا على" نحو "قاضي حاجة" بول أو غائط أو جماع للنهي عنه في سنن ابن ماجه، ولأن مكالمته بعيدة عن الأدب، "و" شارب و "آكل" في فمه اللقمة لشغله عن الرد، "و" كائن في "حمام" لاشتغاله بالاغتسال، ولأنه مأوى الشياطين. وقضية الأولى ندبه على غير المشتغل بشيء ولو داخله، والثانية عدم ندبه على من فيه ولو بمسلخة وهو قضية كراهة الصلاة فيه إلا أن يفرق، ثم رأيت الزركشي وغيره رجحوا أنه يسلم على من بمسلخة ويوجه بأن كونه محل الشياطين لا يقتضي ترك السلام عليه ألا ترى أن السوق محلهم، ويسن السلام على من فيه ويلزمهم الرد. وإلا على فاسق، بل يسن تركه على مجاهر بفسقه ومرتكب ذنب عظيم لم يتب منه ومبتدع إلا لعذر أو خوف مفسدة، وإلا على مصل وساجد وملب ومؤذن ومقيم وناعس وخطيب ومستمعه ومستغرق القلب بدعاء إن شق عليه الرد أكثر من مشقة الآكل كما يقتضيه كلام الأذكار، ومتخاصمين بين يدي قاض "ولا جواب" يجب "عليهم"، إلا مستمع الخطيب فإنه يجب عليه وذلك لوضعه السلام في غير محله، بل يكره لقاضي حاجة ونحوه كالمجامع ويسن للآكل، نعم يسن السلام عليه بعد البلع وقبل وضع اللقمة بالفم ويلزمه الرد، ولمن بالحمام وملب ونحوهما باللفظ ولمصل ومؤذن بالإشارة، وإلا فبعد الفراغ أي إن قرب الفصل، ويحرم على من سلم عليه نحو حربي أو مرتد، ورجح المصنف ندبه على القارئ وإن اشتغل بالتدبر ووجوب الرد عليه، ويتجه أخذا مما مر في الدعاء أن الكلام في متدبر لم يستغرق التدبر قلبه، وإلا وقد شق عليه ذلك لم يسن ابتداء ولا جواب، لأنه الآن بمنزلة غير المميز، بل ينبغي فيمن استغرقه هم كذلك أن يكون حكمه ذلك. ويسن عند التلاقي سلام صغير على كبير، وماش على واقف أو مضطجع، وراكب عليهم، وقليلين على كثيرين، لأن نحو الماشي يخاف من نحو الراكب، ولزيادة مرتبة نحو الكبير على نحو الصغير، وظاهر قولهم حيث لم يسن الابتداء لا يجب الرد إلا ما استثني أنه لا يجب الرد هنا في ابتداء من لم يندب له، ويحتمل وجوبه، لأن عدم السنية هنا لأمر خارج هو مخالفة نوع من الأدب، وخرج بالتلاقي الجالس والواقف والمضطجع فكل من ورد على أحدهم يسلم عليه مطلقا، ولو سلم كل على الآخر فإن ترتبا كان الثاني جوابا أي ما لم يقصد به الابتداء وحده على ما بحثه بعضهم، وإلا لزم كلا الرد.
"تتمة" لا يستحق مبتدئ بنحو صبحك الله بالخير أو قواك الله جوابا، ودعاؤه له في

 

ج / 4 ص -190-        نظيره حسن إلا أن يقصد بإهماله تأديبه، لتركه سنة السلام وحني الظهر مكروه، وقال كثيرون: حرام، للحديث الحسن أنه صلى الله عليه وسلم نهى عنه وعن التزام الغير وتقبيله، وأمر بمصافحته. وأفتى المصنف بكراهة الانحناء بالرأس وتقبيل نحو رأس أو يد أو رجل لا سيما لنحو غني، لحديث: "من تواضع لغني ذهب ثلثا دينه" ويندب ذلك لنحو صلاح أو علم أو شرف، لأن أبا عبيدة قبل يد عمر رضي الله عنهما، ويسن القيام لمن فيه فضيلة ظاهرة من نحو صلاح أو علم أو ولادة أو نسب أو ولاية مصحوبة بصيانة، قال ابن عبد السلام: أو لمن يرجى خيره أو يخشى من شره ولو كافرا خشي منه ضررا عظيما أي لا يحتمل عادة، فيما يظهر ويكون على جهة البر والإكرام لا الرياء والإعظام، ويحرم على الداخل أن يحب قيامهم له، للحديث الحسن "من أحب أن يتمثل الناس له قياما فليتبوأ مقعده من النار". ذكره في الروضة وحمله بعضهم على ما إذا أحب قيامهم واستمراره وهو جالس أو طلبا للتكبر على غيره، وهذا أخف تحريما من الأول إذ هو التمثيل في الخبر كما أشار إليه البيهقي، أما من أحبه جودا منهم عليه لما أنه صار شعارا للمودة فلا حرمة فيه. ولا بأس بتقبيل وجه طفل رحمة ومودة، لخبر البخاري أنه صلى الله عليه وسلم قبل ابنه إبراهيم، وقال وقد قبل الحسن لمن قال لي عشرة من الأولاد ما قبلتهم: "من لا يرحم لا يرحم" ومحرم كذلك، لأن أبا بكر قبل خد عائشة لحمى أصابتها رواه أبو داود، ويسن تقبيل قادم من سفر ومعانقته للاتباع الصحيح في جعفر رضي الله عنه، لما قدم من الحبشة، ويحرم نحو تقبيل الأمرد الحسن غير نحو المحرم ومس شيء من بدنه بلا حائل كما مر، ويسن تشميت العاطس بمهملة ومعجمة، لأن العطاس حركة مزعجة ربما تولد عنه نحو لقوة فناسب أن يدعى له بالرحمة المتضمنة لبقائه على سمته وخلقته والمانعة من شماتة عدوه به إذا حمد بيرحمك الله أو ربك. وإنما سن في السلام ردا وجوابا ضمير الجمع ولو للواحد لأجل الملائكة الذين معه كما مر، ولصغير بنحو: أصلحك الله، أو: بارك فيك، ويكره قبل الحمد، فإن شك قال: يرحم الله من حمده أو يرحمك الله إن حمدته، ويسن تذكيره الحمد للخبر المشهور "من سبق العاطس بالحمد أمن من الشوص" أي: وجع الضرس واللوص أي: وجع الأذن والعلوص وهو وجع البطن، وتكرير التشميت إلى ثلاث ثم بعدها يدعو له بالشفاء، وقيده بعضهم بما إذا علمه مزكوما، وحذفوه لأن الزيادة على الثلاث مع تتابعها عرفا مظنة الزكام ونحوه، يظهر أنها لو لم تتابع كذلك يسن التشميت بتكررها مطلقا ويسن للعاطس وضع شيء على وجهه وخفض صوته ما أمكنه، للحديث الحسن "العطسة الشديدة من الشيطان"، وإجابة مشمته بنحو: يهديكم الله، ولم يجب لأنه لا إخافة بتركه بخلاف رد السلام، وقوله: إن لم يشمت يرحمني الله، ومر أن المصلي يحمد سرا ونحو قاضي الحاجة يحمد في نفسه بلا لفظ، "ولا جهاد على صبي ومجنون"، لعدم تكليفهما، "وامرأة" لخبر البخاري: "جهادكن الحج والعمرة"، ولأنها جبلت على الضعف، ومثلها الخنثى، "ومريض" مرضا يمنعه الركوب أو القتال بأن يحصل له مشقة لا تحتمل عادة، وإن لم تبح التيمم فيما يظهر، ومثله بالأولى الأعمى وكالمريض من له مريض لا متعهد له غيره، وكالأعمى ذو رمد وضعيف بصر لا يمكنه معه اتقاء السلاح،

 

ج / 4 ص -191-        "وذي عرج بين" ولو في رجل وإن قدر على الركوب للآية في الثلاثة، وخرج ببينة يسيرة الذي لا يمنع العدو "وأقطع وأشل" ولو لمعظم أصابع يد واحدة، إذ لا بطش لهما ولا نكاية، ومثلهما فاقد الأنامل، ويفرق بين اعتبار معظم الأصابع هنا لا في العتق عن الكفارة كما مر بأن هذا يقع في نادر من الأزمنة، فيسهل تحمله مع قطع أقلها، وذلك المقصود منه إطاقته للعمل الذي يكفيه غالبا على الدوام وهو لا يتأتى مع قطع بعض الأصابع، وبحث عدم تأثير قطع أصابع الرجلين إذا أمكن معه المشي من غير عرج بين. "وعبد" ولو مبعضا ومكاتبا لنقصه، وإن أمره سيده، والقياس أن مستأجر العين كذلك، وذمي، لأنه بذل الجزية لنذب عنه لا ليذب عنا، نعم يجب عليه بالنسبة لعقاب الآخرة كما مر، "وعادم أهبة قتال" كسلاح ومؤنة نفسه أو ممونه ذهابا أو إيابا، وكذا مركوب. والمقصد مسافة قصر مطلقا أو دونه ولا يطيق المشي قياسا على ما مر في الحج، ويلزمه قبول بذلها من بيت المال دون غيره، ولو طرأ عليه فقد ذلك جاز له الرجوع، ولو من الصف ما لم يفقد السلاح ويمكنه الرمي بحجر مثلا، أو يورث انصرافه فشلا في المسلمين وإلا حرم كذا أطلقوه، ويتجه أن محله إن لم يظن الموت جوعا أو نحوه لو لم ينصرف، "وكل عذر منع وجوب حج منع الجهاد" أي وجوبه، "إلا خوف طريق من كفار" فإنه وإن منع وجوب الحج إن عم لا يمنع وجوب الجهاد، إن أمكنت مقاومتهم كما بحثه الأذرعي، لأنه مبني على المخاوف، "وكذا" خوفها "من لصوص مسلمين" يمنع وجوب الحج إن عم ولا يمنع وجوب الجهاد "على الصحيح" لذلك، "والدين الحال" ولو لذمي وإن كان به رهن وثيق أو كفيل موسر، "يحرم" على من هو في ذمته ولو والدا وهو موسر بأن كان عنده أزيد مما يبقى للمفلس فيما يظهر، قيل: وكذا المعسر ونقل عن الأصحاب وألحق بالمدين وليه، "سفر جهاد وغيره" بالجر وإن قصر رعاية لحق الغير، ومن ثم جاء في مسلم: "القتل في سبيل الله يكفر كل شيء إلا الدين".
تنبيه: يظهر ضبط القصير هنا بما ضبطوه به في التنفل على الدابة وهو ميل أو نحوه، وحينئذ فليتنبه لذلك فإن التساهل يقع فيه كثيرا.
"إلا بإذن غريمه" أو ظن رضاه وهو من أهل الإذن والرضا لرضاه بإسقاط حقه، نعم قال الماوردي والروياني: لا يتعرض للشهادة، بل يقف وسط الصف أو حاشيته حفظا للدين انتهى. وظاهر أن هذا مندوب لا واجب، وإلا إن استناب من يقضيه من مال حاضر، ومثله كما هو قياس نظائره دين ثابت على مليء، وظاهر كلامهم أنه لا أثر لإذن ولي الدائن وهو متجه، إذ لا مصلحة له في ذلك. "والمؤجل لا" يمنع سفرا مطلقا وإن قرب حلوله بشرط وصوله لما يحل له فيه القصر، وهو مؤجل إذ لا مطالبة لمستحقه الآن، نعم له الخروج معه ليطالبه به عند حلوله. "وقيل يمنع سفرا مخوفا" كالجهاد وركوب البحر صيانة لحق الغير، "ويحرم" على حر ومبعض ذكر وأنثى "جهاد" ولو مع عدم سفر، "إلا بإذن أبويه" وإن عليا من سائر الجهات ولو مع وجود الأقرب وإن كانا قنين، لأن برهما فرض عين، ولقوله صلى الله عليه وسلم لمن استأذنه وقد أخبره أنهما له "ففيهما فجاهد" متفق عليه، وصح: "ألك والدة؟"، قال:

 

ج / 4 ص -192-        نعم، قال: "انطلق فأكرمها فإن الجنة تحت رجليها". هذا "إن كانا مسلمين" وإلا لم يجب استئذان الكافر، لاتهامه بمنعه له حمية لدينه وإن كان عدوا للمقاتلين. ويلزم المبعض استئذان سيده أيضا، والقن يحتاج لإذن سيده لا أبويه، ويحرم عليه أيضا بلا إذن سفر مع الخوف وإن قصر مطلقا وطويل ولو مع الأمن. إلا لعذر، كما قال: "لا سفر تعلم فرض عين"، ومثله كل واجب عيني وإن اتسع وقته، لكن الظاهر أن لهما منعه من الخروج لحجة الإسلام قبل خروج قافلة أهل بلده أي: وقته في العادة أو أرادوه، لأنه إلى الآن لم يخاطب بالوجوب، ومن ثم بحث أن لهما منع من أراد حجة الإسلام ولم تجب عليه، وفيه نظر، وقضية ما مر من جواز فعلها عمن لم يخاطب بها في حياته تنزيلا لها منزلة الواجب رعاية لعظيم فضلها جوازه هنا بل أولى، لأنه يسقطها عن ذمته لو استطاع بعد. "وكذا كفاية" من علم شرعي أو آلة له فلا يحتاج إلى إذن الأصل "في الأصح"، إن كان السفر آمنا أو قل خطره، وإلا كخوف أسقط وجوب الحج احتيج لإذنه حينئذ على الأوجه لسقوط الفرض عنه حينئذ، ولم يجد ببلده من يصلح لكمال ما يريده أو رجي بقرينة زيادة فراغ أو إرشاد أستاذ كما يكتفي في سفره الأمن لتجارة بتوقع زيادة أو رواج وإن لم يأذن الأصل، وسواء أخرج وحده أو مع غيره كان ببلده متعددون يصلحون للإفتاء أم لا، وفارق الجهاد لخطره، نعم ينبغي أن يتوقع فيه بلوغ ما قصده، وإلا كبليد لا يتأتى منه ذلك فلا ينبغي أن يجوز له السفر لأجل ذلك، لأنه كالعبث. ويشترط لخروجه ولو للفرض رشده، وأن لا يكون أمرد جميلا إلا إن كان معه نحو محرم يأمن به على نفسه، ولو لزمته نفقة الأصل احتاج لإذنه أو إنابة من يمونه من مال حاضر، وأخذ منه البلقيني أن الفرع لو لزمت الأصل نفقته امتنع سفره إلا بإذن الفرع الأهل أو إنابة كذلك، ثم بحث أنه لو أدى نفقة يوم حل له السفر فيه كالدين المؤجل، وفيه نظر. ويفرق بأن المؤجل التقصير فيه من المستحق لرضاه بذمته مع أنه خصلة واحدة لا يتجدد الضرر به ولا كذلك، ففي الأصل أو الفرع فالأوجه منعه فيهما، وكذا في الزوجة إلا بإذن أو إنابة كما أطلقوه، ولا فرق في المنع من السفر المخوف كبحر أي: وإن غلبت فيه السلامة كما اقتضاه إطلاقهم، ثم رأيت الإمام وغيره صرحوا بذلك وكسلوك بادية مخطرة ولو لعلم أو تجارة، ومنها السفر لحجة استؤجر عليها ذمة أو عينا بين الأصل المسلم وغيره، إذ لا تهمة، "فإن أذن أبواه" أو سيده "والغريم" في الجهاد "ثم" بعد خروجه "رجعوا"، أو كان الأصل كافرا ثم أسلم وصرح بالمنع، "وجب" عليه إن علم ولم يخش خوفا ولا انكسار قلوب المسلمين برجوعه ولم يكن خرج بجعل "الرجوع" كما لو خرج بلا إذن "إن لم يحضر الصف" وإلا حرم إلا على العبد، بل يستحب، وذلك لأن طرو المانع كابتدائه، فإن لم يمكنه الرجوع لنحو خوف على معصوم وأمكنه أن يسافر لمأمن أو يقيم به حتى يرجع مع الجيش أو غيرهم لزمه، ولو حدث عليه دين في السفر لم يمنع استمراره فيه إلا إن صرح الدائن بمنعه، وفارق ما مر في الابتداء بأنه يغتفر في الدوام ما لا يغتفره فيه، ومنه يؤخذ أن حلول المؤجل في الإلغاء كذلك، فلا يحرم عليه استمرار السفر إلا إن صرح له بالمنع، فإن قلت: قضية قولهم لا منع لذي المؤجل المستغرق أجله السفر وغيره،

 

ج / 4 ص -193-        لأنه مضيع لماله أن له السفر، وإن صرح له بالمنع، ويؤيده أيضا قولهم: لو تأجل نحو المهر لم يحبس لقبضه وإن حل، لأنها رضيت بذمته قلت: أما كلامهم الأول فإنما هو في المنع ابتداء، وأما الثاني فيفرق بينه وبين ما هنا بأن مقتضى التأجيل ثم الرضا بتسلمه البضع قبل إقباضه مقابله فعومل به، وأما هنا فليس قضية التأجيل منع المطالبة وطلب الحبس بعد الحلول فمكناه من ذلك، وبهذا يعلم أن الذي دل عليه كلامهم إما الامتناع بالمنع أو عدمه وإما جزم بعضهم بأنه بمجرد الحلول تلزمه الإقامة، ويحرم عليه استمرار السفر بلا إذن كابتداء السفر مع الحلول فبعيد، بل ليس في محله. "فإن" التقى الصفان أو "شرع في القتال" ثم طرأ ذلك وعلمه "حرم الانصراف في الأظهر"، لعموم الأمر بالثبات ولانكسار القلوب بانصرافه، نعم يكون وقوفه آخر الصف ليحرس وينبغي حمله على ما مر "الثاني" من حالي الكفار "يدخلون" أي: دخولهم عمران الإسلام أو خرابه أو جباله كما أفهمه التقسيم، ثم في ذلك يفصل بين القريب مما دخلوه والبعيد منه. فإن دخلوا "بلدة لنا" أو صار بينهم وبينها دون مسافة القصر كان خطبا عظيما، "فيلزم أهلها" عينا "الدفع" لهم "بالممكن" من أي شيء أطاقوه، ثم في ذلك تفصيل: "فإن أمكن تأهب لقتال" بأن لم يهجموا بغتة "وجب الممكن" في دفعهم على كل منهم، "حتى على" من لا يلزمه الجهاد نحو: "فقير" بما يقدر عليه "وولد ومدين وعبد" وامرأة فيها قوة، "بلا إذن" ممن مر، ويغتفر ذلك بهذا الخطر العظيم الذي لا سبيل لإهماله. "وقيل: إن حصلت مقاومة أحرار" منا لهم "اشترط إذن سيده" أي العبد للغنية عنه، والأصح لا لتقوى القلوب، "وإلا" يمكن تأهب لهجومهم بغتة "فمن قصد" منا "دفع عن نفسه بالممكن" وجوبا، "إن علم أنه إن أخذ قتل"، وإن كان ممن لا جهاد عليه، لامتناع الاستسلام لكافر. "وإن جوز الأسر والقتل فله" أن يدفع "أن ويستسلم" إن ظن أنه إن امتنع منه قتل، لأن ترك الاستسلام حينئذ تعجيل للقتل.
تنبيه: ما ذكر في المتن من قسمي التمكن وعدمه بقيده، وهو إن ظن إلخ هو ما في الروضة وعبارتها يتعين على أهلها الدفع بما أمكنهم. وللدفع مرتبتان: إحداهما: أن يحتمل الحال اجتماعهم أو تأهبهم للحزب فعل كل ذلك بما يقدر عليه. ثانيتهما: أن يغشاهم الكفار ولا يتمكنوا من اجتماع وتأهب، فمن وقف عليه كافر أو كفار وعلم أنه يقتل إن أخذ فعليه أن يدفع عن نفسه بما أمكن، ثم قال: وإن كان يجوز أن يقتل وأن يؤسر، ولو امتنع من الاستسلام لقتل جاز أن يستسلم، فإن المكافحة والحالة هذه استعجال للقتل. والأسر يحتمل الخلاص انتهت ملخصة. ويستفاد منها في الحالة الثانية أن من علم أي: ظن كما هو ظاهر أن من أخذ قتل عينا امتنع عليه الاستسلام، وكذا إن جوز الأسر والقتل ولم يعلم أنه يقتل إن امتنع عن الاستسلام، لأنه حينئذ ذل ديني من غير خوف على النفس بخلاف ما إذا علم ذلك لعلة الروضة المذكورة. وعجيب من شيخنا مع جريانه على حاصل ما ذكر في شرح منهجه وإن لم يخل عن إيهام أنه لم ينبه في شرح الروض على ما أخل به من عبارة الروضة المذكورة، كما يعلم بالوقوف عليهما. ويلزم الدفع امرأة علمت وقوع فاحشة بها الآن بما أمكنها وإن أدى إلى قتلها، لأنها لا تباح بخوف القتل، قالا: فإن أمنت ذلك حالا لا بعد

 

ج / 4 ص -194-        الأسر احتمل جواز استسلامها، ثم تدفع إذا أريد منها ذلك.
"ومن هو دون مسافة القصر من البلد" وإن لم يكن من أهل الجهاد "كأهلها" في تعين وجوب القتال وخروجه بلا إذن من مر، إن وجد زادا أو يلزمه مشي أطاقه وإن كان في أهلها كفاية، لأنهم في حكمهم. "ومن" هم "على المسافة" المذكورة فما فوقها "يلزمهم" إن وجدوا زادا وسلاحا ومركوبا وإن أطاقوا المشي "الموافقة" لأهل ذلك المحل في الدفع "بقدر الكفاية إن لم يكف أهلها ومن يليهم" دفعا عنهم وإنقاذا لهم، وأفهم قوله: بقدر الكفاية. أنه لا يلزم الكل الخروج، بل يكفي في سقوط الحرج عنهم خروج قوم منهم فيهم كفاية، "قيل" تجب الموافقة على من بمسافة القصر فما فوقها "وإن كفوا" أي: أهل البلد ومن يليهم في الدفع لمعظم الخطب وردوه، بأنه يؤدي إلى الإيجاب على جميع الأمة، وفيه أشد الحرج من غير حاجة، لكن قيل: هذا الوجه لا يوجب ذلك، بل يوجب الموافقة على الأقرب فالأقرب بلا ضبط حتى يصل الخبر بأنهم قد كفوا، "ولو أسروا مسلما فالأصح وجوب النهوض إليهم" فورا على كل قادر ولو نحو قن بغير إذن نظير ما مر خلافا لبعضهم، "لخلاصه إن توقعناه" ولو على ندور فيما يظهر وجوب عين كدخولهم دارنا، بل أولى، لأن حرمة المسلم أعظم، ويسن للإمام، بل وكل موسر كما هو ظاهر ويأتي في الهدنة مزيد لذلك عند العجز عن خلاصه مفاداته بالمال، فمن قال لكافر: أطلق أسيرك وعلي كذا فأطلقه لزمه، ولا يرجع به على الأسير إلا إن أذن له في مفاداته فيرجع عليه وإن لم يشرط له الرجوع على ما مر قبيل الشركة.

فصل في مكروهات ومحرمات ومندوبات في الغزو وما يتبعها.
"يكره غزو" وهو لغة: الطلب، لأن الغازي يطلب إعلاء كلمة الله تعالى. "بغير إذن الإمام أو نائبه"، لأن أحدهما أعرف منه بالحاجة الداعية للقتال ولم يحرم لحل التغرير بالنفس في الجهاد وبحث الزركشي وغيره كالأذرعي أنه ليس لمرتزق استقلال بذلك، لأنه بمنزلة أجير لغرض مهم يرسل إليه والبلقيني أنه لا كراهة إن فوت الاستئذان المقصود أو عطل الإمام الغزو أو ظن أنه لا يأذن له أي ولم يخش منه فتنة كما هو ظاهر، "ويسن" للإمام أو نائبه منع مخذل ومرجف من الخروج وحضور الصف وإخراجه منه ما لم يخش فتنة ويظهر وجوب ذلك عليه فيمن علم منه ذلك وأن وجوده مضر لغيره. "وإذا بعث سرية" ومر بيانها أول الباب وذكرها مثال. "أن يؤمر عليهم" من يوثق بدينه وخبرته ويأمرهم بطاعة الله، ثم الأمير ويوصيه بهم فإن أمر نحو فاسق حرم فيما يظهر أخذا من تحريمهم عليه توليته نحو الأذان. "ويأخذ البيعة" عليهم وهي بفتح الموحدة اليمين بالله تعالى. "بالثبات" على الجهاد وعدم الفرار للاتباع فيهما كما صح عنه صلى الله عليه وسلم ومن ثم أوجب جمع التأمير، لأنه استمر عليه عمله صلى الله عليه وسلم وعمل الخلفاء بعده ويسن التأمير لجمع قصدوا سفرا وتجب طاعة الأمير فيما يتعلق بما هم فيه وذكرت له أحكاما أخر في حاشية الإيضاح، "وله" أي الإمام أو نائبه. "الاستعانة بكفار" ولو حربيين وخبر مسلم:
"إنا لا نستعين بمشرك" لا يقتضي المنع، بل

 

ج / 4 ص -195-        أن الأولى أن لا يفعل كقوله: "ليس منا من استنجى من الريح" على أنه صلى الله عليه وسلم إنما قال ذلك لطالب إعانة به تفرس فيه الرغبة في الإسلام فرده فصدق ظنه. "تؤمن خيانتهم" كأن يعرف حسن رأيهم فينا وبه بعلم أنه لا بد أن يخالفوا العدو في معتقدهم. "ويكونون حيث لو انضمت فرقتا الكفر قاومناهم" لا من ضررهم حينئذ ويشترط في جواز الإعانة بهم الاحتياج إليهم ولو لنحو خدمة أو قتال لقلتنا ولا ينافي هذا اشتراط مقاومتنا للفرقتين قال المصنف، لأن المراد قلة المستعان بهم حتى لا تظهر كثرة العدو بهم وأجاب البلقيني بأن العدو إذا كان مائتين ونحن مائة وخمسون ففينا قلة بالنسبة لاستواء العددين فإذا استعنا بخمسين فقد استوى العددان ولو انحاز الخمسون إليهم أمكنتنا مقاومتهم لعدم زيادتهم على الضعف ويؤخذ منه أن الضابط أن يكونوا بحيث لو انضموا إليهم لم يزيدوا على ضعفنا ونفعل بالمستعان بهم الأصلح من أفرادهم وتفريقهم في الجيش. "وبعبيد بإذن السادة" ونساء بإذن الأزواج ومدين وفرع بإذن دائن وأصل. "ومراهقين أقوياء" بإذن الأولياء والأصول ولو نساء أهل الذمة وصبيانهم، لأن لهم نفعا ولو بسقي الماء وحراسة الأمتعة ومن ثم جاز بمميز ولو غير قوي لا مجنون، لأنه لا يهتدي لنفع ولكون ما هنا فيه تمرين على الشجاعة والعبادة فارق امتناع السفر بالصبي في البحر على ما مر والموصى بمنفعته لبيت المال والمكاتب كتابة صحيحة لا يحتاج لإذن سيدهما على ما قاله البلقيني، لأن لهما السفر بغير إذنه وقد ينظر فيه بأن هذا سفر مخوف وهو يتوقف على الإذن فيهما، ثم رأيت شيخنا توقف في المكاتب وكان ينبغي له التوقف في الآخر لما ذكرته، "وله" أي الإمام أو نائبه. "بذل الأهبة والسلاح من بيت المال ومن ماله" لينال ثواب الإعانة وكذا للآحاد ذلك نعم إن بذل ليكون الغزو للباذل لم يجز ومعنى الخبر المتفق عليه "من جهز غازيا فقد غزا" أي كتب له مثل ثواب المغازي. "ولا يصح" من إمام أو غيره. "استئجار مسلم" مكلف ولو قنا ومعذورا بناء على الأصح أنه لو دخل الكفار بلدنا تعين عليهما عينا أو ذمة وبحث أن غير المكلف كذلك وفيه نظر. "لجهاد" كما قدمه في الإجارة لتعينه عليه فيما مر قبيل الفصل، ولأنه لا يصح التزامه في الذمة وإنما صح التزام من لم يحج الحج، لأنه يمكن وقوعه عن الغير والتزام حائض لخدمة مسجد في ذمتها، لأنه ليس من الأمور المهمة العامة النفع التي يخاطب بها كل أحد بخلاف الجهاد فوقع من المباشر عن نفسه دون غيره وما يأخذه المرتزق من الفيء والمتطوع من الزكاة إعانة لا أجرة لوقوع غزوهم لهم ومن أكره على الغزو لا أجرة له إن تعين عليه، وإلا استحقها من خروجه إلى حضوره الوقعة نعم المكره الغير المكلف ينبغي استحقاقه الأجرة مطلقا، لأنه لا يتعين عليه وإن حضر، ثم رأيتهم صرحوا في القن المكره بأنه يستحق هنا الأجرة مطلقا وإن قلنا يتعين عليه إذا دخلوا بلادنا وهو صريح فيما ذكرته ونحو الذمي المكره أو المستأجر بمجهول إذا قاتل استحق أجرة المثل وإلا فللذهاب فقط من خمس الخمس ولمن عينه إمام أو نائبه إجبارا لتجهيز ميت أجرة في التركة، ثم في بيت المال، ثم تسقط، "ويصح استئجار ذمي" ومعاهد ومستأمن بل وحربي لجهاد. "للإمام" حيث تجوز الاستعانة به من خمس الخمس دون غيره لأنه لا يقع

 

ج / 4 ص -196-        عنه واغتفرت جهالة العمل للضرورة، و لأنه يحتمل في معاقدة الكفار ما لا يحتمل في معاقدة المسلمين فإن لم يخرج ولو لنحو صلح فسخت واسترد منه ما أخذه وإن خرج ودخل دار الحرب وكان ترك القتال بغير اختيار فلا ولو استؤجرت عين كافر فأسلم فقضية قولهم لو استؤجرت طاهر لخدمة مسجد فحاضت انفسخت الإجارة الانفساخ هنا إلا أن يفرق بأن الطارئ ثم يمنع مباشرة العمل فتعذر ويلزم من تعذره الانفساخ والطارئ هنا ليس كذلك فلا ضرورة إلى الحكم بالانفساخ. "قيل ولغيره" من المسلمين استئجار الذمي كالأذان والأصح لا لاحتياج الجهاد إلى مزيد نظر واجتهاد، ولأن الأجير هنا كافر قد يغدر وبحث الزركشي أن الإمام لو أذن له فيه جاز قطعا، "ويكره" تنزيها "لغاز قتل قريب"، لأن فيه نوعا من قطع الرحم. "و" قتل قريب. "محرم أشد" كراهة، لأنه صلى الله عليه وسلم منع أبا بكر من قتل ابنه عبد الرحمن رضي الله عنهما يوم أحد. "قلت إلا أن يسمعه" يعني يعلمه ولو بغير سماع. "يسب" أي يذكر بسوء. "الله تعالى" أو نبيا من الأنبياء. "أو رسوله" محمدا "صلى الله عليه وسلم" أو الإسلام أو المسلمين أخذا مما يأتي. "والله أعلم" فلا كراهة حينئذ تقديما لحق الله تعالى ولحق أنبيائه، "ويحرم قتل صبي ومجنون وامرأة" وإن لم يكن لها كتاب على الأوجه خلافا لمن قيدها بذلك. "وخنثى مشكل" ومن به رق إلا إذا قاتلوا كما بأصله أو سبوا من مر كذا أطلقوه وينبغي تخصيصه بالمميز بل لو قيل بالمكلف كالنساء لم يبعد، ثم رأيت شارحا فرض ذلك في المرأة وغيره ألحق بها الخنثى وهو ظاهر ومحل قتلهم إن لم ينهزموا وإلا لم نتبعهم أو تتترس بهم الكفار وإن أمكن دفعهم بغير القتل للنهي الصحيح في المرأة والصبي نعم للمضطر قتل هؤلاء لا كلهم، "ويحل قتل" ذكر "راهب" وهو عابد النصارى وسوقة. "وأجير"، لأن فيهم رأيا وقتالا. "وشيخ وأعمى وزمن لا قتال فيهم ولا رأي في الأظهر" لعموم قوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] نعم الرسل لا يجوز قتلهم كما استمر عليه عمله صلى الله عليه وسلم وعمل الخلفاء الراشدين، أما ذو قتال أو رأي من الشيخ ومن بعده فيقتل قطعا وإذا جاز قتل هؤلاء. "فيسترقون" أي يضرب الإمام عليهم الرق إن شاء لما سيذكره أن الكامل يخير فيه بين الأربعة الآتية، وأما قول الأذرعي يتعين استرقاقهم فبعيد جدا بخلاف ما إذا قلنا بعدم حل قتلهم فإنهم يرقون بنفس الأسر. "وتسبى نساؤهم" وصبيانهم. "و" تغنم. "أموالهم" لإهدارهم، "ويجوز حصار الكفار في البلاد والقلاع" وغيرها "وإرسال الماء عليهم" وقطعه عنهم. "ورميهم بنار ومنجنيق" وغيرهما وإن كان فيهم نساء وصبيان ولو قدرنا عليهم بدون ذلك كما قاله البندنيجي وإن قال الزركشي الظاهر خلافه وذلك لقوله تعالى: {وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ} [التوبة: 5]، ولأنه صلى الله عليه وسلم حصر أهل الطائف ورماهم بالمنجنيق، رواه البيهقي وغيره، نعم لو تحصن حربيون بمحل من حرم مكة لم يجز حصارهم ولا قتالهم بما يعم تعظيما للحرم، وظاهر أن محله حيث لم يضطر لذلك. "وتبييتهم" أي الإغارة عليهم ليلا. "في غفلة" للاتباع رواه الشيخان وقال عن نسائهم وذراريهم لما سئل عنهم هو منهم وبحث الزركشي كالبلقيني كراهته حيث لا حاجة إليه، لأنه لا يؤمن من قتل مسلم يظن أنه كافر ولا يقاتل من علمنا أنه لم تبلغه الدعوة بهذا ولا

 

ج / 4 ص -197-        بغيره حتى يعرض عليه الإسلام وإلا ضمن خلافا لمن قال: إن عرضه عليه مستحب، أما من بلغته فله قتله ولو بما يعم وسبي تابعيه إلى أن يسلم ويلتزم الجزية إن كان من أهلها. "وإن كان فيهم مسلم" واحد فأكثر. "أسير أو تاجر جاز ذلك" أي إحصارهم وقتلهم بما يعم وتبييتهم في غفلة وإن علم قتل المسلم بذلك لكن يجب توقيه ما أمكن. "على المذهب" لئلا يعطلوا الجهاد علينا بحبس مسلم عندهم نعم يكره ذلك حيث لم يضطر إليه كأن لم يحصل الفتح إلا به تحرزا من إيذاء المسلم ما أمكن مثله في ذلك الذمي ولا ضمان هنا في قتله، لأن الفرض أنه لم تعلم عينه، "ولو التحم حرب فتترسوا بنساء" وخناثى. "وصبيان" ومجانين وعبيد منهم. "جاز رميهم" إذا اضطررنا إليه للضرورة. "وإن دفعوا بهم عن أنفسهم" التحم حرب أو لا. "ولم تدع ضرورة إلى رميهم فالأظهر تركهم" وجوبا لئلا يؤدي إلى قتلهم من غير ضرورة لكن المعتمد ما في الروضة من الجواز أي مع الكراهة وهو قياس ما مر في قتلهم بما يعم قال في البحر: ويشترط أن يقصد بذلك التوصل إلى رجالهم. "وإن تترسوا بمسلمين" أو ذميين. "فإن لم تدع ضرورة إلى رميهم تركناهم" وجوبا صيانة لهم ولكون حرمتهم لأجل حرمة الدين والعهد فارقوا نحو الذرية على المعتمد، لأن حرمتهم لحفظ حق الغانمين لا غير. "وإلا" بأن تترسوا بهم في حال التحام الحرب واضطررنا لرميهم بأن كنا لو انكففنا عنهم ظفروا بنا أو عظمت نكايتهم فينا. "جاز رميهم في الأصح" ويتوقون بحسب الإمكان، لأن مفسدة الكف عنهم أعظم ويحتمل هلاك طائفة للدفع عن بيضة الإسلام، وقضية التعليل وجوب الرمي إلا أن يجاب بأن الجواز لما وقع الخلاف فيه وكان للمقابل قوة، لأن غايته أن نخاف على أنفسنا ودم المسلم لا يباح بالخوف بدليل صورة الإكراه راعيناه فقلنا بالجواز فقط ومع الجواز أو الوجوب يضمن المسلم ونحو الذمي بالدية أو القيمة والكفارة إن علم وأمكن توقيه، "ويحرم الانصراف" على من هو من أهل فرض الجهاد الآن لا غيره ممن مر. "عن الصف" بعد التلاقي وإن غلب على ظنه أنه إذا ثبت قتل لقوله تعالى: {فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ} [الأنفال: 15] وصح أنه صلى الله عليه وسلم عد الفرار من الزحف من السبع الموبقات وخرج بالصف ما لو لقي مسلم كافرين فطلبهما أو طلباه فلا يحرم عليه الفرار، لأن فرض الثبات، إنما هو في الجماعة وقضيته: أن لمسلمين لقيا أربعة الفرار، لأن المسلمين ليسا جماعة ويحتمل أن مرادهم بالجماعة هنا ما مر في صلاتها فيدخل المسلمان فيما ذكر ولأهل بلد قصدوا التحصن منهم، لأن الإثم إنما هو فيمن فر بعد اللقاء ولو ذهب سلاحه وأمكنه الرمي بالحجارة لم يجز له الانصراف على تناقض فيه وكذا من مات فرسه وأمكنه القتال راجلا وجزم بعضهم بأنه إذا غلب ظن الهلاك بالثبات من غير نكاية فيهم وجب الفرار وقد يؤيده ما يأتي. "إذا لم يزد عدد الكفار على مثلينا" للآية وهو أمر بلفظ الخبر، وإلا وقع الخلف في خبره تعالى وحكمة وجوب مصابرة الضعف أن المسلم يقاتل على إحدى الحسنيين الشهادة أو الفوز بالغنيمة مع الأجر والكافر يقاتل على الفوز بالدنيا فقط أما إذا زادوا على المثلين فيجوز الانصراف مطلقا وحرم جمع مجتهدون الانصراف مطلقا إذا بلغ المسلمون اثني عشر ألفا، للخبر لن يغلب

 

ج / 4 ص -198-        اثنا عشر ألفا من قلة وبه خصت الآية ويجاب بأن المراد من الحديث أن الغالب على هذا العدد الظفر فلا تعرض فيه لحرمة فرار ولا لعدمها كما هو واضح. {إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ} أي منتقلا عن محله ليكمن أو لأرفع منه أو أصون عن نحو شمس أو ريح أو عطش. {أَوْ مُتَحَيِّزاً} أي ذاهبا. {إِلَى فِئَةٍ} من المسلمين وإن قلت. "يستنجد بها" على العدو وهي قريبة بأن يكون بحيث يدرك غوثها المتحيز عنهما عند الاستغاثة للآية ولا يلزم تحقيق قصده بالرجوع للقتال، لأن الجهاد لا يجب قضاؤه والكلام فيمن تحرف أو تحيز بقصد ذلك، ثم طرأ له عدم العود، أما جعله وسيلة لذلك فشديد الإثم إذ لا تمكن مخادعة الله في العزائم. "ويجوز" التحيز. "إلى فئة بعيدة" حيث لا أقرب منهم أي تطيعه في ظنه كما هو ظاهر. "في الأصح" لإطلاق الآية وإن انقضى القتال قبل عوده أو مجيئهم اكتفاء باجتماعهم في دار الحرب ولو حصل بتحيزه كسر قلوب الجيش امتنع على ما اعتمده الأذرعي وغيره ولا يشترط لحله استشعاره عجزا محوجا إلى الاستنجاد وقال جمع: يشترط واعتمده ابن الرفعة. "ولا يشارك" متحرف لمحل بعيد على الأوجه ومن أطلق أنه يشارك، لأنه كان في مصلحتنا وخاطر بنفسه أكثر من الثبات في الصف يحمل كلامه على القريب الذي لم يغب عن الصف غيبة لا يضطر إليها لأجل التحرف، لأن ما ذكر من التعليل إنما يتأتى فيه فقط كما هو ظاهر ولا. "متحيز إلى" فئة. "بعيدة الجيش فيما غنم بعد مفارقته ويشارك متحيز إلى" فئة. "قريبة في الأصح" لبقاء نصرته ويصدق بيمينه أنه قصد التحرف أو التحيز وإن لم يعد إلا بعد انقضاء القتال على الأوجه ومن أرسل جاسوسا شارك فيما غنم في غيبته مطلقا، لأنه مع كونه في مصلحتهم خاطر بنفسه أكثر من بقائه. "فإن زادوا على مثلينا جاز الانصراف" مطلقا للآية. "إلا أنه يحرم انصراف مائة بطل عن مائتين وواحد ضعفاء" ويجوز انصراف مائة ضعفاء عن مائة وتسعة وتسعين أبطالا. "في الأصح" اعتبارا بالمعنى لجواز استنباط معنى من النص يخصصه، لأنهم يقاومونهم لو ثبتوا لهم، وإنما يراعى العدد عند تقارب الأوصاف ومن ثم لم يختص الخلاف بزيادة الواحد ونقصه ولا براكب وماش بل الضابط كما قاله الزركشي كالبلقيني أن يكون في المسلمين من القوة ما يغلب على الظن أنهم يقاومون الزائد على مثليهم ويرجون الظفر بهم أو من الضعف ما لا يقاومونهم وإذا جاز الانصراف فإن غلب الهلاك بلا نكاية وجب أو بها استحب، "وتجوز" أي تباح "المبارزة" كما وقعت ببدر وغيرها وبحث البلقيني امتناعها على مدين وذي أصل رجعا عن إذنهما وقن لم يؤذن له في خصوصها. "فإن طلبها كافر استحب الخروج إليه" لما في تركها حينئذ من استهتارهم بنا. "وإنما تحسن" أي تباح أو تسن المبارزة. "ممن جرب نفسه" فعرف قوته وجراءته. "وبإذن الإمام" أو أمير الجيش، لأنه أعرف بالمصلحة من غيره فإن اختل شرط من ذلك كرهت ابتداء وإجابة وجازت بلا إذنه لجواز التغرير بالنفس في الجهاد وحرمها الماوردي على من يؤدي قتله لهزيمة المسلمين واعتمده البلقيني، ثم أبدى احتمالا بكراهتها مع ذلك والأوجه مدركا الأول هذا أعني ما نقل عن الماوردي ما ذكره شارح والذي في شرح الروض لشيخنا قال الماوردي ويعتبر في الاستحباب أن لا يدخل

 

ج / 4 ص -199-        بقتله ضرر علينا كهزيمة تحصل لنا لكونه كبيرنا ا هـ وفيه أيضا قال البلقيني وغيره: وأن لا يكون عبدا ولا فرعا مأذونا لهما في الجهاد من غير تصريح بالإذن في المبادرة وإلا فتكره لهما ابتداء وإجابة مثلهما فيما يظهر المدين. ا هـ. وهذا لا يخالف ما مر آنفا عن البلقيني كما هو واضح، "ويجوز إتلاف بنائهم وشجرهم لحاجة القتال والظفر بهم" للاتباع في نخل بني النضير النازل فيه أول الحشر لما زعموه فسادا رواه الشيخان وفي كروم أهل الطائف رواه البيهقي وأوجب جمع ذلك إذا توقف الظفر عليه. "وكذا" يجوز إتلافها. "إن لم يرج حصولها لنا" إغاظة وإضعافا لهم. "فإن رجي" أي ظن حصولها لنا. "ندب الترك" وكره الفعل حفظا لحق الغانمين. "ويحرم إتلاف الحيوان" المحترم بغير ذبح يجوز أكله رعاية لحرمة روحه ومن ثم منع مالكه من إجاعته وتعطيشه بخلاف نحو الشجر. "إلا ما يقاتلون عليه" فيجوز إتلافه. "لدفعهم أو ظفر بهم" قياسا على ما مر في ذراريهم بل أولى، "أو غنمناه وخفنا رجوعه إليهم وضرره" فيجوز إتلافه أيضا دفعا لهذه المفسدة، أما خوف رجوعه فقط فلا يجوز إتلافه بل يذبح للأكل، وأما غير المحترم كخنزير فيجوز بل يسن إتلافه مطلقا إلا إن كان فيه عدو فيجب.

فصل في حكم الأسر وأموال الحربيين
"نساء الكفار" غير المرتدات وإن لم يكن لهن كتاب فيما يظهر من كلامهم خلافا للماوردي أو كن حاملات بمسلم ومثلهن الخناثى. "وصبيانهم" ومجانينهم حالة الأسر وإن تقطع جنونهم. "إذا أسروا رقوا" بنفس الأسر فخمسهم لأهل الخمس وباقيهم للغانمين. "وكذا العبيد" ولو مسلمين يرقون بالأسر أي يدام عليهم حكم الرق المنتقل إلينا فيخمسون أيضا وكالعبد فيما ذكر المبعض تغليبا لحقن الدم كذا أطلقوه وظاهر أن محله بالنسبة لبعضه القن، وأما بعضه الحر فيظهر أنه يتخير فيه بين الرق والمن والفداء وقد أطلقوا أنه يجوز رقاق بعض شخص فيأتي في باقيه بناء على عدم السراية إليه ما قررته من من وفداء ولإمام قتل امرأة وقن قتلا مسلما كذا ذكره شارح وفيه وقفة، لأن الحربي لا قود عليه مع ما فيه من تفويتهم على الغانمين وقد يجاب بأن المصلحة في هذه الصورة الخاصة قد تظهر للإمام في قتلهما تنفيرا لهم عن قتل المسلم ما أمكن وحينئذ فقتلهم ليس قودا، "ويجتهد الإمام" أو أمير الجيش. "في" الذكور. "الأحرار الكاملين" أي المكلفين إذا أسروا. "ويفعل" وجوبا. "الأحظ للمسلمين" باجتهاده لا بتشهيه. "من قتل" بضرب العنق لا غير للاتباع. "ومن" عليهم بتخلية سبيلهم من غير مقابل. "وفداء بأسرى" منا أو من الذميين على الأوجه ولو واحدا في مقابلة جمع منا أو منهم. "أو مال" فيخمس وجوبا أو بنحو سلاحنا ويفادي سلاحهم بأسرانا على الأوجه لا بمال إلا إن ظهرت فيه المصلحة ظهورا تاما من غير ريبة فيما يظهر ويفرق بينه وبين منع بيع السلاح لهم مطلقا بأن ذلك فيه إعانتهم ابتداء من الآحاد فلم ينظر فيه لمصلحة وهذا أمر في الدوام يتعلق بالإمام فجاز أن ينظر فيه إلى المصلحة. "واسترقاق" ولو لنحو وثني وعربي وبعض شخص فيسري لكله

 

ج / 4 ص -200-        على ما بحثه الزركشي أخذا من السراية في أحرمت بنصف حجة وأوقعت نصف طلقة وفيه نظر ظاهر بحثا وأخذا لوضوح الفرق بإمكان التبعيض هنا فلا ضرورة للسراية بخلافه ثم فتخمس رقابهم أيضا. "فإن خفي" عليه. "الأحظ" حالا. "حبسهم" وجوبا. "حتى يظهر له" الصواب فيفعله. "وقيل لا يسترق وثني" كما لا يقر بجزية ويرد بوضوح الفرق. "وكذا عربي في قول" لخبر فيه لكنه ضعيف بل واه بل روى البخاري أنه صلى الله عليه وسلم سبى قبائل من العرب كهوازن وبني المصطلق وضرب عليهم الرق ومن قتل أسيرا غير كامل لزمته قيمته أو كاملا قبل التخير فيه عزر فقط.
تنبيه: لم يتعرضوا فيما علمت إلى أن الإمام لو اختار خصلة له الرجوع عنها أو لا ولا إلى أن اختياره هل يتوقف على لفظ أو لا والذي يظهر لي في ذلك تفصيل لا بد منه، أما الأول فهو أنه لو اختار خصلة ظهر له بالاجتهاد أنها الأحظ، ثم ظهر له به أن الأحظ غيره فإن كانت رقا لم يجز له الرجوع عنها مطلقا، لأن الغانمين وأهل الخمس ملكوا بمجرد ضربه الرق فلم يملك إبطاله عليه أو قتلا جاز له الرجوع عنه تغليبا لحقن الدماء ما أمكن وإذا جاز رجوع مقر بنحو الزنا بمجرد تشهيه وسقط عنه القتل بذلك فهاهنا أولى، لأن هذا محض حق الله تعالى وذاك فيه شائبة حق آدمي أو فداء أو منا لم يعمل بالثاني لاستلزامه نقض الاجتهاد بالاجتهاد من غير موجب وكما لو اجتهد الحاكم وحكم لا ينقض حكمه باجتهاد ثان نعم إن كان اختياره أحدهما لسبب، ثم زال ذلك السبب وتعينت المصلحة في الثاني عمل بقضيته وليس هذا نقض اجتهاد باجتهاد بل بما يشبه النص لزوال موجب الأول بالكلية، وأما الثاني فهو أن الاسترقاق لا بد فيه من لفظ يدل عليه ولا يكفي فيه مجرد الفعل كالاستخدام، لأنه لا يستلزمه وكذا الفداء نعم يكفي فيه لفظ ملتزم البدل مع قبض الإمام له من غير لفظ بخلاف الخصلتين الأخريين لحصولهما بمجرد الفعل، "ولو أسلم أسير" كامل أو بذل الجزية قبل أن يختار الإمام فيه شيئا "عصم دمه" للحديث الآتي ولم يذكرها وماله، لأنه لا يعصمه إذا اختار الإمام رقه ولا صغار ولده للعلم بإسلامهم تبعا له وإن كانوا بدار الحرب أو أرقاء والأصل المسلم قنا من كلامه الآتي إذ التقييد فيه يقبل بالظفر لإفادة عموم العصمة، ثم بخلافها هنا لما ذكر في المال وأما صغار أولاده فالملحظ في الصورتين واحد كما يعلم أيضا من كلامه السابق في اللقيط وزعم المخالفة بين ما هنا وثم وإن عموم ذلك مقيد بهذا فلا يتبعونه في إسلامهم بعد الظفر ولا يعصمون به عن الرق ليس في محله لتصريحهم بتبعيتهم له قبل الظفر فبعده كذلك إذ لا دخل للظفر بل وضرب الرق عليه في منع التبعية بوجه وقد صرحوا في مبحث التفريق بين الأمة وولدها بأن الصغير وأصله القنين إذا أسلم الأصل تبعه الصغير فأولى إذا كان الأصل هو القن وحده وصرحوا أيضا بأن من أسلم بعدما استرقت زوجته الحامل يحكم بإسلام الحمل ولم يبطل رقه وبأن اختلاف الدار لا يمنع الحكم بالتبعية في الإسلام فكونه في قبضة الإمام أولى وبأن الإسلام لا يوقف ويلزم من قال بعدم التبعية عند الرق وقفه قبل الاختيار فإن اختار الرق فلا تبعية أو غيره تبع وفي الروضة لو أسر أمه أو بنته البالغة

 

 

ج / 4 ص -201-        رقت بنفس الأسر، ثم قال: وألحق ابن الحداد الولد الصغير بالأم وهو هفوة عند الأصحاب، لأن المسلم يتبعه ولده الصغير في الإسلام فلا يتصور سبيه. ا هـ. فلم يفرق في تبعية المسلم بين الحر والقن ولذا لم يعترضوا هذا الإطلاق مع اعتراضهم لنفيه تصور سبيه بصور يتصور فيها سبيه، وأما قول الحليمي لو سباه ذمي ولم يحكم بإسلامه، ثم سبي أبواه، ثم أسلما لا يحكم بإسلامه فضعيف قال الأذرعي وعلى قياسه لو لم يسبيا، ثم أسلما بدار الحرب أو خرجا منها بأنفسهما، ثم أسلما لم يصر مسلما بإسلامهما لانفراده عنهما قبل ذلك وما أظن الأصحاب يوافقونه على ذلك. ا هـ. قال غيره: وهو كما قال. ا هـ. أي بل خالفوه صريحا فيما قاسه الأذرعي على كلامه لقولهم الآتي في المتن وإسلام كافر قبل ظفر به إلخ وإذا تبعوه في الإسلام وهم أحرار لم يرقوا لامتناع طرو الرق على من قارن إسلامه حريته ومن ثم أجمعوا على أن الحر المسلم لا يسبى ولا يسترق أو أرقاء لم ينقض رقهم ومن ثم لو ملك حربي صغيرا، ثم حكم بإسلامه تبعا لأصله جاز سبيه واسترقاقه. "وبقي الخيار في الباقي" أي باقي الخصال السابقة أو بعد أن اختار المن أو الفداء أو الرق تعين ومحل جواز المفاداة مع إرادة الإقامة في دار الكفر إن كان له ثم عشيرة يأمن معها على نفسه ودينه. "وفي قول يتعين الرق" بنفس الإسلام كالذرية بجامع حرمة القتل وفرق الأول بأنه لم يخبر في الذرية في الأصل بخلافه، "وإسلام كافر" مكلف "قبل ظفر به" أي قبل وضع أيدينا عليه. "يعصم دمه" أي نفسه عن كل ما مر. "وماله" جميعه بدارنا ودارهم لما مر في الخبر المتفق عليه: "فإذا قالوها" أي الشهادة: "عصموا مني دماءهم وأموالهم"، وبه ردوا قول القاضي لا بد أن ينضم لقولها الإقرار بأحكامها وإلا لم يرتفع السيف. "وصغار" ومجانين. "ولده" الأحرار وإن سفلوا ولو كان الأقرب حيا كافرا عن الاسترقاق، لأنهم يتبعونه في الإسلام ومن ثم كان الحمل كمنفصل والبالغ العاقل الحر كمستقل. "لا زوجته على المذهب" ولو حاملا منه فلا يعصمها عن الاسترقاق لاستقلالها وإنما عصم عتيقه عن الإرقاق وامتنع إرقاق كافر أعتقه مسلم والتحق بدار الحرب، لأن الولاء بعد ثبوته واستقراره لا يمكن رفعه بحال بخلاف النكاح. "فإذا استرقت" أي حكم برقها بأن أسرت إذ هي ترق بنفس الأسر. "انقطع نكاحه في الحال" ولو بعد وطء لزوال ملكها عن نفسها فملك الزوج عنها أولى ولحرمة ابتداء ودوام نكاح الأمة الكافرة على المسلم. "وقيل إن كان" أسرها. "بعد دخول انتظرت العدة فلعلها تعتق فيها" فيدوم النكاح كالردة ويرد بأن الرق نقص ذاتي ينافي النكاح فأشبه الرضاع، "ويجوز إرقاق زوجة ذمي" بمعنى أنها ترق بنفس الأسر وينقطع نكاحه إذا كانت حربية حادثة بعد عقد الذمة أو خارجة عن طاعتنا حين عقدها. "وكذا عتيقه" الصغير والكبير والعاقل والمجنون. "في الأصح" إذا لحق بدار الحرب يجوز استرقاقه لجوازه في سيده لو لحق بها فهو أولى. "لا عتيق مسلم" حال الأسر وإن كان كافرا قبله فلا يجوز إرقاقه إذا حارب لما مر أن الولاء بعد ثبوته لا يرتفع. "و" لا. "زوجته" الحربية فلا يجوز إرقاقها أيضا. "على المذهب" والمعتمد فيها الجواز كزوجة حربي أسلم، "وإذا سبي زوجان أو أحدهما انفسخ النكاح" بينهما. "إن كانا حرين" وإن كان الزوج مسلما بناء على

 

ج / 4 ص -202-        المعتمد السابق لما في خبر مسلم أنهم لما امتنعوا يوم أوطاس من وطء المسبيات المتزوجات نزل {وَالْمُحْصَنَاتُ} [النساء: 24] أي والمتزوجات من النساء {إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24] فحرم الله تعالى المتزوجات إلا المسبيات ومحله في سبي زوج صغير أو مجنون أو مكلف اختار الإمام رقه فإن من عليه أو فادى به استمر نكاحه وخرج بحرين ما لو كان أحدهما حرا فقط وقد سبيا أو الحر وحده وأرقه الإمام فيهما إذا كان زوجا كاملا فينفسخ النكاح لحدوث الرق بخلاف ما لو سبي الرقيق وحده لعدم حدوثه كما لو كانا رقيقين. "قيل أو رقيقين" فينفسخ أيضا، لأنه حدث سبي يوجب الاسترقاق فكان كحدوث الرق والأصح المنع سواء أسبيا أم أحدهما وسواء أسلما أو أحدهما أم لا، لأن الرق موجود وإنما انتقل من شخص إلى آخر وهو لا يؤثر كالبيع، "وإذا أرق" الحربي "وعليه دين" لمسلم أو ذمي أو معاهد أو مستأمن. "لم يسقط"، لأن له ذمة أو لحربي سقط كما لو رق وله دين على حربي وألحق به هنا المعاهد والمستأمن والفرق أنه وإن كان غير ملتزم للأحكام كما مر في السرقة لكن تأمينه اقتضى أنه يطالب بحقه مطلقا ولا يطالب بما عليه لحربي وفيه نظر والوجه عدم الفرق بخلافه على ذمي أو مسلم بل يبقى بذمة المدين فيطالبه به سيده ما لم يعتق على ما بحث قياسا على ودائعه وفيه نظر لظهور الفرق بين العين بفرض تسليم ما ذكر فيها وما في الذمة على أنا إن قلنا بملك السيد للدين فلا وجه للتقييد بالعتق أو بعدم ملكه له فلا وجه للمطالبة والذي يتجه في أعيان ماله أن السيد لا يملكها ولا يطالب بها، لأن ملكه لرقبته لا يستلزم ملكه لماله بل القياس أنها ملك لبيت المال كالمال الضائع وأما دينه فقضية تنزيلهم ما في الذمم منزلة أعيان الأموال في نحو الزكاة والحج وغيرهما أنه مثلها هنا أيضا نعم يتردد النظر فيما إذا أعتق ولم يأخذهما الإمام هل يكون أحق بهما، لأن الزوال إنما كان لأصل دوام الرق وقد بان خلافه أو لا حق له فيهما، لأن الرق بمنزلة الموت في بعض الأحكام فينتقل به لبيت المال مستقرا كل محتمل، ثم رأيتهم صرحوا في الإقرار بأنه لو أقر بعين أو دين لحربي، ثم استرق لم يكن المقر به لسيده وهو صريح فيما ذكرته أولا وذكرت ثم عقب ذلك أنه يوقف فإن عتق فله وإن مات قنا فهو فيء فإن قلت كيف يتصور مطالبة السيد على القول بها وهو لا يملك جميعه، لأنه غنيمة مخمسة قلت يتصور ملكه لكله بأن يسبيه ذمي كما يأتي، ولو كان الدين للسابي سقط بناء على أن من ملك قن غيره وله عليه دين سقط وفيه تناقض للشيخين ومحل السقوط فيما يختص بالسابي دون ما يقابل الخمس، لأنه ملك لغيره وإذا لم يسقط. "فيقضى من ماله إن غنم بعد إرقاقه" تقديما له على الغنيمة كالوصية وإن حكم بزوال ملكه بالرق كما يقضى دين المرتد إن حكم بزوال ملكه بالردة أما إذا لم يكن له مال فيبقى في ذمته إلى عتقه، وأما إذا غنم قبل إرقاقه أو معه فلا يقضى منه، لأن الغانمين ملكوه أو تعلق حقهم بعينه فكان أقوى، "ولو اقترض حربي من حربي" أو غيره. "أو اشترى منه" شيئا أو كان له عليه دين معاوضة غير ذلك. "ثم أسلما" أو أحدهما. "أو قبلا" أو أحدهما. "جزية" أو أمانا معا أو مرتبا ولم يمتنع منه وهما حربيان قاصدا الاستيلاء عليه. "دام الحق" الذي يصح طلبه

 

ج / 4 ص -203-        لالتزامه بعقد صحيح بخلاف نحو خمر وخنزير "ولو أتلف" حربي. "عليه" أي الحربي شيئا أو غصبه منه في حال الحرابة. "فأسلما" أو أسلم المتلف. "فلا ضمان في الأصح"، لأنه لم يلتزم شيئا بعقد حتى يستدام حكمه، ولأن الحربي لو أتلف مال مسلم أو ذمي لم يضمنه فأولى مال الحربي ولو استأجر مسلم مال حربي أو نفسه لم تبطل برقه أو قهر حربي دائنه أو سيده أو عتيقه أو زوجه ملكه وكذا بعضه فيعتق عليه "والمال" أو الاختصاص "المأخوذ" أي الذي أخذه مسلمون "من أهل الحرب" وليس لمسلم وإلا لم يزل ملكه بأخذهم له قهرا منه فعلى من وصل إليه ولو بشراء رده إليه. "قهرا" لهم حتى سلموه أو جلوا عنه "غنيمة" كما مر مبسوطا في بابها وأعاده هنا توطئة لقوله. "وكذا ما أخذه واحد" مسلم "أو جمع" مسلمون. "من دار الحرب" أو من أهله ولو ببلادنا حيث لا أمان لهم. "سرقة" أو اختلاسا أو سوما. "أو وجد كهيئة اللقطة" مما يظن أنه لكافر فأخذ فالكل غنيمة مخمسة أيضا. "في الأصح" لأن تعزيره بنفسه قائم مقام القتال ومن ثم لما أخذه سوما، ثم هرب أو جحده اختص به ويوجه بأنه لما لم يكن فيه تعزير لم يكن في معنى الغنيمة فإن كان المأخوذ ذكرا كاملا تخير الإمام فيه، أما ما أخذه ذمي أو ذميون كذلك فإنه مملوك كله لآخذه. "فإن أمكن كونه" أي الملتقط. "لمسلم" ثم تاجر أو مقاتل مثلا ويظهر أن إمكان كونه لذمي كذلك. "وجب تعريفه" سنة ما لم يكن حقيرا فدونها كلقطة دار الإسلام خلافا لما رجحه البلقيني أنه يكفي بلوغ التعريف إلى من ثم من المسلمين وبعد التعريف يكون غنيمة.
فرع: كثر اختلاف الناس وتأليفهم في السراري والأرقاء المجلوبين وحاصل معتمد مذهبنا فيهم أن من لم يعلم كونه من غنيمة لم تخمس يحل شراؤه وسائر التصرفات فيه لاحتمال أن آسره البائع له أولا حربي أو ذمي فإنه لا يخمس عليه وهذا كثير لا نادر فإن تحقق إن آخذه مسلم بنحو سرقة أو اختلاس لم يجز شراؤه إلا على الضعيف أنه لا يخمس عليه فقول جمع متقدمين تظاهر الكتاب والسنة والإجماع على منع وطء السراري المجلوبة من الروم والهند والترك إلا أن ينصب من يقسم الغنائم ولا حيف يتعين حمله على ما علم أن الغانم له المسلمون وأنه لم يسبق من أميرهم قبل الاغتنام من أخذ شيئا فهو له لجوازه عند الأئمة الثلاثة وفي قول للشافعي بل زعم التاج الفزاري أنه لا يلزم الإمام قسمة الغنائم ولا تخميسها وله أن يحرم بعض الغانمين لكن رده المصنف وغيره بأنه مخالف للإجماع وطريق من وقع بيده غنيمة لم تخمس ردها لمستحق علم وإلا فللقاضي كالمال الضائع أي الذي لم يقع اليأس من صاحبه وإلا كان ملك بيت المال فلمن له فيه حق الظفر به على المعتمد ومن ثم كان المعتمد كما مر أن من وصل له شيء يستحقه حل له أخذه وإن ظلم الباقون نعم الورع لمريد التسري أن يشتري ثانيا من وكيل بيت المال، لأن الغالب عدم التخميس واليأس من معرفة مالكها فتكون ملكا لبيت المال.
"وللغانمين" ولو أغنياء وبغير إذن الإمام سواء من له سهم أو رضخ إلا الذمي كما اعتمده البلقيني. "التبسط" أي التوسع. "في الغنيمة" قبل القسمة واختيار التملك على سبيل الإباحة لا الملك فهو مقصور على انتفاعه كالضيف لا يتصرف فيما قدم إليه إلا بالأكل،

 

ج / 4 ص -204-        نعم له أن يضيف به من له التبسط وإقراضه بمثله منه بل وبيع المطعوم بمثليه ولا ربا فيه، لأنه ليس بيعا حقيقيا وإنما هو كتناول الضيفان لقمة بلقمتين فأكثر ومطالبته بذلك من المغنم فقط ما لم يدخلا دار الإسلام ويؤخذ منه أنه بعد الطلب يجبر على الدفع إليه من المغنم وفائدته: أنه يصير أحق به ولا يقبل منه ملكه، لأن غير المملوك لا يقابل بمملوك. "بأخذ" ما يحتاجه لا أكثر منه وإلا أثم وضمنه كما لو أكل فوق الشبع سواء أخذ. "القوت وما يصلح به" كزيت وسمن. "ولحم وشحم" لنفسه لا لنحو طيره. "و" كل. "طعام يعتاد أكله عموما" أي على العموم كما بأصله لفعل الصحابة رضي الله عنهم لذلك رواه البخاري، ولأن دار الحرب مظنة لعزة الطعام فيها وخرج بالقوت وما بعد غيره كمركوب وملبوس نعم إن اضطر لسلاح يقاتل به أو نحو فرس يقاتل عليها أخذه بلا أجرة، ثم رده وبعموم ما يندر الاحتياج إليه كسكر وفانيد ودواء فلا يأخذ شيئا من ذلك فإن احتاجه فبالقيمة أو يحبسه من سهمه. "وعلف" ضبطه شارح بفتح اللام وشارح بسكونها فعلى الأول هو معطوف على القوت وتبنا وما بعده أحوال منه بتقدير الوصفية وعلى الثاني معطوف على أخذ وتبنا وما بعده معموله. "الدواب" التي يحتاجها للحرب أو الحمل وإن تعددت دون الزينة ونحوها. "تبنا وشعيرا ونحوهما" كفول، لأن الحاجة تمس إليه كمؤنة نفسه. "وذبح" حيوان. "مأكول للحمه" أي لأكل ما يقصد أكله منه ولو غير لحم ككرش وشحم وجلد وإن تيسر بسوق للحاجة إليه أيضا نعم ينبغي في خيل لحرب المحتاج إليها فيها منع ذبحها بدون اضطرار، لأن من شأنه إضعافنا ونازع البلقيني في ذبح المأكول بأن قضية خبر البخاري منعه وهو أصاب الناس الجوع فأصبنا إبلا وغنما وكان صلى الله عليه وسلم في أخريات الناس فعجلوا وذبحوا ونصبوا القدور فأمر صلى الله عليه وسلم بالقدور فأكفئت، ثم قسم فعدل عشرا من الغنم ببعير ويرد بأن هذه واقعة فعلية محتملة أنهم ذبحوا زائدا على الحاجة فأنبهم صلى الله عليه وسلم بذلك ويدل له قول الراوي عجلوا وذبحوا وحينئذ فلا دليل فيها ويجب رد جلده الذي لا يؤكل معه عادة إلى المغنم وكذا ما اتخذه منه كسقاء وحذاء وإن زادت قيمته بالصنعة لوقوعها هدرا بل إن نقص بها أو استعمله لزمه النقص أو الأجرة أما إذا ذبحه لأجل جلده الذي لا يؤكل فلا يجوز وإن احتاجه لنحو خف ومداس. "والصحيح جواز الفاكهة" رطبها ويابسها والحلوى كما قاله صاحب المهذب وظاهره أنه لا فرق بين ما من السكر وغيره لكن ينافيه ما مر في الفانيد إذ هو عسل السكر المسمى بالمرسل كما مر في الربا إلا أن يفرق بأن تناول الحلوى غالب والفانيد نادر كما هو الواقع وذلك، لأن ذلك قد يحتاج إليه لاشتهائه طبعا وقد صح أن الصحابة كانوا يأخذون العسل أي الذي من النحل إذ هو المراد منه حيث أطلق والعنب. "و" الصحيح أنه. "لا تجب قيمة المذبوح" لأجل نحو لحمه كما لا تجب قيمة الطعام. "و" الصحيح. "أنه لا يختص الجواز بمحتاج إلى طعام وعلف" بفتح اللام بل يجوز أخذ ما يحتاج إليه منهما إلى وصول دار الإسلام وإن كانا معه لورود الرخصة بذلك من غير تفصيل نعم إن قل الطعام وازدحموا عليه آثر الإمام به ذوي الحاجات وله التزود لمسافة بين يديه كذا عبروا به وظاهره أنه لا يتزود لما خلفه في

 

ج / 4 ص -205-        رجوعه منه إلى دارنا والذي يتجه أن له ذلك أيضا وأن التعبير بذلك مجرد تصوير أو للغالب. "و" الصحيح. "أنه لا يجوز ذلك لمن لحق الجيش بعد الحرب والحيازة"، لأنه أجنبي عنهم كغير الضيف مع الضيف وقضية عبارته كأصله والروضة جوازه لمن لحق بعد الحرب وقبل الحيازة أو معها وقضية العزيز وتبعه الحاوي أنه لا يستحق وعلى الأول يفرق بينه وبين عدم استحقاقه للغنيمة بأن التبسط أمر تافه فسومح فيه ما لم يسامح فيها، ثم رأيت شيخنا فرق بذلك. "و" الصحيح. "أن من رجع إلى دار الإسلام" ووجد حاجته بلا عزة وهي ما في قبضتنا وإن سكنها أهل ذمة أو عهد. "ومعه بقية لزمه ردها إلى المغنم" أي محل اجتماع الغنائم قبل قسمتها وفي الصحاح أن المغنم يأتي بمعنى الغنيمة وتصح إرادته هنا، لأنها المال المغنوم فاتضح صنيع من فسره بالمحل ومن فسره بالمال وذلك لتعلق حق الجميع به وقد زالت الحاجة إليه، أما بعد قسمتها فيرد للإمام ليقسمه إن أمكن وإلا رده للمصالح. "وموضع التبسط دارهم" أي الحربيين، لأنها محل العزة أي من شأنها ذلك فلا ينافي حله ولو مع وجوده، ثم للبيع فإذا رجعوا لدارنا وتمكنوا من الشراء أمسكوا وخرج بدارهم دارنا لكن اعتمد البلقيني قول القاضي لو كان الجهاد بدارنا ولم يتيسر شراء طعام جاز التبسط. "وكذا" في غير دارهم كخراب دارنا. "ما لم يصل عمران الإسلام" وهو ما يجدون فيه الطعام والعلف لا مطلق عمرانه. "في الأصح" لبقاء الحاجة إليه والوصول لنحو أهل هدنة في دارهم ولم يمتنعوا من مبايعة من مر بهم كهو لعمراننا.
تنبيه قوله: وموضع التبسط إلخ معلوم من قوله وأن من رجع إلخ فالتصريح به إيضاح وقد يقال ليس معلوما منه من كل وجه بل يستفاد من هذا ما لم يستفد من ذاك، لأن مفاد ذاك أن الوصول لدار الإسلام موجب لرد ما بقي ومن هذا أن وصولهم لدار الإسلام مانع من الأخذ أي إن تمكنوا من الشراء ولم يكن الجهاد بها فهما حكمان مختلفان فوجب التصريح بهما لذلك.
"ولغانم حر رشيد ولو" هو. "محجور عليه بفلس الإعراض عن الغنيمة" بقوله أسقطت حقي منها لا وهبت مريدا به التمليك. "قبل القسمة" واختيار التملك، لأنه به يحقق الإخلاص المقصود من الجهاد لتكون كلمة الله هي العليا والمفلس لا يلزمه الاكتساب باختيار التملك وخرج بحر القن فلا يصح إعراضه وإن كان رشيدا أو مكاتبا بل لا بد من إذن سيده على الأوجه نعم يصح إعراض مبعض وقع في نوبته وإلا ففيما يخص حريته فقط وليس لسيد إعراض عن مكاتبه وقنه المأذون إذا أحاطت به الديون كما بحثه الأذرعي وإن نظر غيره في الثانية ويفرق بينه وبين المفلس بأن تصرفه عن نفسه فصح إعراضه بخلاف المأذون وبرشيد صبي ومجنون وسفيه كسكران لم يتعد فلا يصح إعراضهم نعم يجوز ممن كمل قبل القسمة، وإنما صح عفو السفيه عن القود، لأنه الواجب عينا فلا مال بوجه وهنا ثبت له اختيار التملك وهو حق مالي فامتنع منه إسقاطه، لأنه لا أهلية فيه لذلك فاندفع اعتماد جمع متأخرين وتبعهم شيخنا في منهجه في صحة إعراضه زاعمين أن ما ذكراه مبني على ضعيف أما بعد القسمة وقبولها فيمتنع لاستقرار الملك وكذا بعد اختيار

 

ج / 4 ص -206-        التملك، "والأصح جوازه" أي الإعراض لمن ذكر. "بعد فرز الخمس" وقبل قسمة الأخماس الأربعة، لأن إفرازه لا يتعين به حق كل منهم. "و" الأصح. "جوازه لجميعهم" لما مر في جواز إعراض بعضهم ويصرف مصرف الخمس. "و" الأصح. "بطلانه من ذوي القربى" وإن انحصروا في واحد، لأنهم لا يستحقونه بعمل فهو كالإرث وخصهم، لأن بقية مستحقي الخمس جهات عامة لا يتصور فيها إعراض. "و" من. "سالب"، لأنه يملك السلب قهرا. "والمعرض" عن حقه. "كمن لم يحضر" فيضم نصيبه للغنيمة ويقسم بين الباقين وأهل الخمس كذا عبر به غير واحد وهو موهم والمراد أن إعراضه إن كان قبل القسمة بالكلية أخذ أهل الخمس خمسهم وقسمت الأخماس الأربعة على الباقين ففائدة الإعراض عادت إليهم فقط، لأن أهل الخمس لا يزيد ولا ينقص خمسهم بإعراض بعض الغانمين ولا بعدمه وإنما المختلف الأربعة فإنها كانت تقسم على خمسة مثلا فصارت إذا كان المعرض واحدا تقسم على أربعة أو بعدها فإن أخذ كل حصته وأفرزت حصة آخر له فأعرض عنها ردت على أهل الأخماس الأربعة لا غير لما تقرر أن أهل الخمس أخذوا خمس الكل الغير المختلف بالإعراض وعدمه فإن قلت لو أعرض الكل فاز أهل الخمس به فلم لم يقسم حق المعرض أخماسا بينهم وبين الغانمين تنزيلا له منزلة غنيمة أخرى؟ قلت يوجه ذلك بأنه ما بقي من الغانمين أحد فهو الأحق، لأنه من الجنس بخلاف ما إذا فقد الكل، لأنه للضرورة حينئذ ونظيره فقد بعض أصناف الزكاة تنقل حصته إلى صنفه أو بعضه إن وجد وإلا فلصنف آخر فتأمله ويؤخذ من التشبيه أنه لا أثر لرجوعه عن الإعراض مطلقا وهو متجه كموصى له رد الوصية بعد الموت وقبل القبول فليس له الرجوع فيها كما مر، وأما بحث شارح عود حقه برجوعه قبل القسمة لا بعدها تنزيلا لإعراضه منزلة الهبة وللقسمة منزلة القبض وكما لو أعرض مالك كسرة عنها له العود لأخذها فبعيد وقياسه غير صحيح، لأن الإعراض هنا ليس هبة ولا منزلا منزلتها، لأن المعرض عنه هنا حق تملك لا عين ومن ثم جاز من نحو مفلس كما مر، ولأن الإعراض عن الكسرة يصيرها مباحة لا مملوكة ولا مستحقة للغير فجاز للمعرض أخذها والإعراض عنها ينقل الحق للغير فلم يجز له الرجوع فيه، "ومن مات" من الغانمين ولم يعرض "فحقه لوارثه" كسائر الحقوق فله طلبه والإعراض عنه. "ولا تملك" الغنيمة. "إلا بقسمة" مع الرضا بها باللفظ لا بالاستيلاء وإلا لامتنع الإعراض وتخصيص كل طائفة بنوع منها. "ولهم" أي الغانمين. "التملك قبلها" باللفظ بأن يقول كل بعد الحيازة وقبل القسمة: اخترت ملك نصيبي فيملك بذلك أيضا. "وقيل يملكون" بمجرد الحيازة لزوال ملك الكفار بالاستيلاء. "وقيل" الملك موقوف فحينئذ. "إن سلمت" الغنيمة. "إلى القسمة بأن ملكهم" على الإشاعة "وإلا" بأن تلفت أو أعرضوا عنها. "فلا"، لأن الاستيلاء لا يتحقق إلا بالقسمة. "ويملك العقار بالاستيلاء" مع القسمة وقبولها أو اختيار التملك بدليل قوله. "كالمنقول"، لأن الذي قدمه فيه هو ما ذكر أو أراد بيملك يختص أي يختصون به بمجرد الاستيلاء كما يختصون بالمنقول. "ولو كان فيها كلب أو كلاب تنفع" لصيد أو حراسة. "وأراده بعضهم" أي الغانمين أو أهل الخمس. "ولم ينازع" فيه "أعطيه" إذ لا

 

ج / 4 ص -207-        ضرر فيه على غيره "وإلا" بأن نوزع فيه. "قسمت" عددا. "إن أمكن وإلا" يمكن قسمها عددا. "أقرع" بينهم قطعا للنزاع أما ما لا نفع فيه فلا يجوز اقتناؤه واستشكل الرافعي قولهم هنا عددا فقال: مر في الوصية أنه تعتبر قيمتها عند من يرى لها قيمة وينظر إلى منافعها فيمكن أن يقال بمثله هنا. ا هـ. وقد يفرق بأن حق المشاركين ثم من الورثة أو بقية الموصى لهم آكد من حق بقية الغانمين هنا فسومح هنا بما لم يسامح به ثم، ثم رأيت شيخنا فرق بما يئول لذلك، "والصحيح أن سواد العراق" من إضافة الجنس إلى بعضه إذ السواد أزيد من العراق بخمسة وثلاثين فرسخا، لأن مساحة العراق مائة وخمسة وعشرون فرسخا في عرض ثمانين والسواد مائة وستون في ذلك العرض وجملة سواد العراق بالتكسير عشرة آلاف فرسخ قاله الماوردي كذا ذكره شارح وهو غير صحيح إذ حاصل ضرب طول العراق في عرضه عشرة آلاف وطول السواد في عرضه اثنا عشر ألفا وثمانمائة فالتفاوت بينهما ألفان وثمانمائة وهو حاصل ضرب الخمسة والثلاثين لزائدة في طول السواد في ثمانين التي هي العرض وحينئذ فصواب العبارة وجملة العراق سمي سوادا لكثرة زرعه وشجرة والخضرة ترى من البعد سوادا وعراقا فالاستواء أرضه وخلوها عن الجبال والأودية إذ أصل العراق الاستواء، "فتح" في زمن عمر رضي الله عنه. "عنوة" بفتح أوله أي قهرا لما صح عنه أنه قسمه في جملة الغنائم ولو كان صلحا لم يقسمه. "وقسم" بينهم كما تقرر. "ثم" بعد ملكهم له بالقسمة واستمالة عمر رضي الله عنه قلوبهم. "بذلوه" له أي الغانمون وذووا القربى، وأما أهل أخماس الخمس الأربعة فالإمام لا يحتاج في وقف حقهم إلى بذل، لأن له أن يعمل في ذلك بما فيه المصلحة لأهله. "ووقف" ما عدا مساكنه وأبنيته أي وقفه عمر. "على المسلمين" وأجره لأهله إجارة مؤبدة للمصلحة الكلية بخراج معلوم يؤدونه كل سنة فجريب الشعير درهمان والبر أربعة والشجر وقصب السكر ستة والنخل ثمانية وقيل عشرة والعنب عشرة والزيتون اثنا عشر وجملة مساحة الجريب ثلاثة آلاف وستمائة ذراع والباعث له على وقفه خوف اشتغال الغانمين بفلاحته عن الجهاد وقيل: لئلا يختصوهم وذريتهم به عن بقية المسلمين. "وخراجه" زرعا أو غرسا. "أجرة" منجمة. "تؤدى كل سنة" مثلا "لمصالح المسلمين" يقدم الأهم فالأهم فعلى هذا يمتنع بيع شيء مما عدا أبنيته ومساكنه وقيل لم يقفه بل باعه لأهله بثمن منجم على ممر الزمان للمصلحة أيضا وهو الخراج، لأن الناس لم يزالوا يبيعونه من غير إنكار ورد بأن عمر أنكر على من اشترى شيئا منه وأبطل شراءه ونازع في ذلك البلقيني بأنه لم يصح عنه إجارة ولا بيع، وإنما أقرها في أيدي أهلها بخراج ضربه عليهم وابن عبد السلام بأن الحكم بالوقف على ذي اليد من غير بينة ولا إقرار لا يوافق قواعدنا إذ اليد لا تزال شرعا بمجرد خبر صحيح ويرد الأول بأن إبقاءها بأيديهم بالخراج في معنى الإجارة بل هو إجارة بناء على جواز المعاطاة والثاني بأن محل ذلك في يد لم يعلم أصل وضعها فهذه هي التي لا تنزع بخبر صحيح من غير بينة ولا إقرار أما ما علم أصل وضع اليد عليه وأنها غير يد ملك لكونه لا يملك فيعمل بذلك من سائر الأيدي بعدها ألا ترى أن الخلاف في ملك مكة لأهلها وعدمه استند لغير بينة

 

ج / 4 ص -208-        ولا إقرار من ذي اليد وليس ملحظه إلا ما قررته من العلم بأصل الوضع عند كل من المجتهدين بما ظهر له من الدليل بل مما يتعجب منه أنه أفتى بهدم ما بالقرافة من الأبنية مستندا في ذلك لما ورد أن عمر وقفها على موتى المسلمين. "وهو" أي السواد. "من" أول. "عبادان" بتشديد الموحدة. "إلى" آخر. "حديثة الموصل" بفتح أوليهما. "طولا ومن" أول "القادسية" ومن عذيبها وهو بضم أوله وفتح ثانيه المعجم قريب من الكوفة "إلى" آخر "حلوان" بضم المهملة "عرضا" بإجماع المؤرخين. "قلت الصحيح أن البصرة" بتثليث أوله والفتح أفصح وتسمى قبة الإسلام وخزانة العرب "وإن كانت داخلة في حد السواد فليس لها حكمه"، لأنها كانت سبخة أحياها عثمان بن أبي العاص وعتبة بن غزوان في زمن عمر رضي الله عنهم سنة سبعة عشر بعد فتح العراق. "إلا في موضع غربي دجلتها" بفتح أوله وكسرها ويسمى نهر الصراة. "وموضع شرقيها" أي الدجلة ويسمى الفرات وعكس ذلك شارحان والأشهر بل المعروف ما قررناه. "و" الصحيح. "أن ما في السواد من الدور والمساكن يجوز بيعه"، لأنه لم يدخل في وقفه كما مر. "والله أعلم" ومحله في البناء دون الأرض لشمول الوقف لها ومن ثم قال الزركشي كالأذرعي يشبه أن محل جواز بيع البناء ما إذا كانت الآلة من غير أجزاء الأرض الموقوفة وإلا امتنع وعليه حمل ما نقله البلقيني عن النص من أن الموجود منها حال الفتح وقف لا يجوز بيعه ا هـ وهو بعيد والذي يتجه حمله على أنه مبني على الضعيف أن عمر وقف حتى الأبنية وليس لمن بيده أرض من السواد تناول ثمر أشجارها لما مر أنها في أيديهم بالإجارة فيصرفه أو ثمنه الإمام لمصالح المسلمين، "وفتحت مكة صلحا" كما دل عليه قوله تعالى: {وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الفتح: 22] أي أهل مكة {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ} [الفتح: 40] {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ} [الفتح: 40] أي المهاجرين من مكة فأضاف الدور إليهم والخبر الصحيح: "من دخل المسجد فهو آمن ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن ألقى سلاحه فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن" واستثناء أفراد أمر بقتلهم يدل على عموم الأمان للباقي ولم يسلب صلى الله عليه وسلم أحدا ولا قسم عقارا ولا منقولا ولو فتحت عنوة لكان الأمر بخلاف ذلك، وإنما دخلها صلى الله عليه وسلم متأهبا للقتال خوفا من غدرهم ونقضهم للصلح الذي وقع بينه وبين أبي سفيان رضي الله عنه قبل دخولها وفي البويطي أن أسفلها فتحه خالد عنوة وأعلاها فتحه الزبير رضي الله عنهما ودخل صلى الله عليه وسلم من جهته فصار الحكم له وبهذا تجتمع الأخبار التي ظاهرها التعارض وأما ما في فتح الباري أنه صح منه صلى الله عليه وسلم الأمر بالقتال حيث قال: "أترون إلى أوباش قريش وأتباعهم احصدوهم حصدا حتى توافوني بالصفا" فجاءه أبو سفيان فقال: أبيحت خضراء قريش فقال صلى الله عليه وسلم: "من أغلق بابه فهو آمن" وأن هذا حجة الأكثرين القائلين بالعنوة كوقوع القتال من خالد وكتصريحه صلى الله عليه وسلم بأنها أحلت له ساعة من نهار ونهيه عن التأسي به في ذلك وإن تركه القسمة لا يستلزم عدم العنوة فقد يمن عليهم بدورهم بعد الفتح عنوة وإن قوله صلى الله عليه وسلم: "من دخل المسجد فهو آمن" إلخ لا يكون صلحا إلا إذا كفوا عن القتال وظاهر الأحاديث الصحيحة أن قريشا لم يلتزموا ذلك، لأنهم استعدوا للحرب فيجاب

 

ج / 4 ص -209-        عنه وإن سكت عليه تلامذته وغيرهم، أما عن الأول فبان صريح قوله حتى توافوني بالصفا أن أمره إنما كان لخالد ومن معه الداخلين من أسفلها وقد بين موسى بن عقبة وغيره أنه أمرهم أن لا يقاتلوا إلا من قاتلهم فالأمر بالقتل فيما ذكر محمول على هذا التفصيل أي احصدوهم إن قاتلوكم ولا مانع أنه كرر قوله من أغلق بابه فهو آمن، وأما عن الثاني فهو أن وقوع القتال من خالد إنما كان لمن قاتله كما أمر صلى الله عليه وسلم وبه صرح أئمة السير وبغرض أنه باجتهاد منه فلا عبرة به مع رأيه صلى الله عليه وسلم وأما عن الثالث فبأن حلها له لا يستلزم وقوع القتال منه لمن لم يقاتله وكم أحل له صلى الله عليه وسلم أشياء لم يفعلها كما يعرف ذلك بسير خصائصه صلى الله عليه وسلم، وأما عن الرابع فهو أنا لم نجعل عدم القسمة دليلا مستقلا بل مقويا على أن لك أن تجعله مستقلا بأن تقول الأصل في عدم القسمة أنه دليل على الصلح حتى يقوم دليل على خلافه فعدمها ظاهر في الصلح وإن لم يستلزمه وما نحن فيه يكتفى فيه بالظاهر، وأما عن الخامس فهو أن أكابرهم كفوا عن القتال ولم يقع إلا من أخلاطهم في غير الجهة التي دخل منها صلى الله عليه وسلم وقد تقرر أنه لا عبرة بها ولا بمن بها، لأنهم كانوا أخلاطا لا يعبأ بهم كما أطبق عليه أئمة السير وبفرض تأهب قريش للقتال فهو لا يقتضي رد الصلح، لأنه لخوف بادرة تقع من شواذ ذلك الجيش الحافل لا سيما وقد سمعوا قول سعد سيد الخزرج وحامل رايتهم بمر الظهران لأبي سفيان اليوم يوم الملحمة أي القتل وإن كان صلى الله عليه وسلم قال كذب سعد وأخذ الراية منه وأعطاها لولده قيس أو لعلي أو للزبير رضي الله عنهم فإن قلت يؤيد العنوة قوله صلى الله عليه وسلم ثاني يوم الفتح في خطبته لأهل مكة: "اذهبوا فأنتم الطلقاء" قلت لا يؤيده، لأن معناه فأنتم الذين أطلقهم الله بواسطة تركهم للقتال من أن يضرب عليهم أسر أو استرقاق وحينئذ فهو دليل للصلح لا للعنوة. "فدورها وأرضها المحياة ملك تباع" كما دلت عليه الأخبار ولم يزل الناس يتبايعونها نعم الأولى عدم بيعها وإجارتها خروجا من خلاف من منعهما في الأرض، أما البناء فلا خلاف في حل بيعه وإجارته، وأما خبره مكة لا تباع رباعها ولا تؤجر دورها فضعيف خلافا للحاكم قيل: قوله فدورها إلخ يقتضي ترتب كونها ملكا على الصلح وليس كذلك، لأن قضيته أنها وقف، لأنها فيء وهو وقف، إما بنفس حصوله أو إيقافه وكونها غير ملك على العنوة وليس كذلك أيضا، لأن المفتوح عنوة غنيمة مخمسة والصواب أنه صلى الله عليه وسلم أقر الدور بيد أهلها على الملك الذي كانوا عليه ولا نظر في ذلك إلى أنها فتحت صلحا أو عنوة. ا هـ. ويرد بما يأتي أن من أنواع الصلح أن يقع على أن كل البلد لهم وهذا هو الواقع كما يشير إليه قول المعترض والصواب إلخ فيترتب على هذا الصلح أن أرضها ودورها ملك لأهلها يتصرفون فيه كيف شاءوا ولا يترتب ذلك على العنوة، لأنها إذا كانت غنيمة يكون خمس خمسها للمصالح وثلاثة أخماس خمسها لجهات عامة فلا يتمكن البقية من التصرف فيها كذلك فصح التفريع في كلامه على الصلح لا على العنوة وبان أنه لا اعتراض عليه ومصر فتحت عنوة وقيل صلحا وهو مقتضى نص الأم في الوصية وحمله الأولون على أن المفتوح صلحا هي نفسها لا غير، وإنما بقيت الكنائس بها لقوة القول بأنها وجميع إقليمها فتحت صلحا، قيل ولاحتمال أنها كانت خارجة

 

ج / 4 ص -210-        عنها، ثم اتصلت فيه نظر، لأن الكنائس موجودة بها وبإقليمها فلا يتصور حينئذ إلا القول بأن الكل صلح إلا أن يجاب بأنهم راعوا في إبقائهم قوة الخلاف كما تقرر ودمشق عنوة عند السبكي ومنقول الرافعي عن الروياني أن مدن الشام صلح وأرضها عنوة وبسطت الكلام على ذلك كأكثر بلاد الإسلام بما لا يستغنى عن مراجعته في إفتاء فيه أبلغ الرد على ظالم أراد إبطال أوقاف مصر محتجا بأنها فتحت عنوة.

فصل في أمان الكفار
الذي هو قسيم الجزية والهدنة وقسم من مطلق الأمن لهم المنحصر في هذه الثلاثة، لأنه إن تعلق بمحصور فالأول أو بغيره لا إلى غاية فالثاني أو إليها فالثالث وأصله قوله تعالى:
{وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} [التوبة: 6] الآية وقوله صلى الله عليه وسلم: "ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم فمن أخفر مسلما" أي نقض عهده "فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين" رواه الشيخان والذمة العهد والأمان والحرمة والحق وكل صحيح هنا وقد تطلق على الذات والنفس اللتين هما محلها في نحو في ذمته كذا وبرئت ذمته منه وعلى المعنى الذي يصلح للإلزام والالتزام كما مر.
"يصح من كل مسلم مكلف" وسكران. "مختار" ولو أمة لكافر وسفيها وفاسقا وهرما لقوله في الخبر "يسعى أدناهم"، ولأن عمر رضي الله عنه أجاز أمان عبد على جميع الجيش لا كافرا لاتهامه وصبيا ومجنونا ومكرها كسائر العقود نعم من جهل فساد أمان أولئك يعرف ليبلغ مأمنه "أمان حربي" ولو قنا وامرأة لا أسيرا إلا من آسره ما بقي بيده ومن الإمام. "وعدد محصور" من الحربيين كالمائة. "فقط" أي دون غير المحصور كأهل بلد كبير، لأن هذه هدنة وهي لا تجوز لغير الإمام ولو أمن مائة ألف منا مائة ألف منهم وظهر بذلك سد باب الجهاد أو بعضه بطل الكل إن وقع ذلك معا، وإلا فما ظهر الخلل به فقط. "ولا يصح أمان أسر لمن هو معهم" ولا لغيرهم. "في الأصح"، لأنه مقهور معهم فهو كالمكره، ولأنه غير آمن منهم والمراد بمن معهم كما في التنبيه وغيره المقيد أو المحبوس فلو أطلق أمنوه على أن لا يخرج من دارهم صح أمانه كالتاجر، ورد الإسنوي له بأن الأصح أنه لا فرق مردود بأن الأصح هو الفرق وعليه قال الماوردي إنما يكون مؤمنه آمنا بدارهم لا غير إلا أن يصرح بالأمان في غيرها، "ويصح" الأمان "بكل لفظ يفيد مقصوده" صريح كأجرتك أو أمنتك أو لا بأس أو لا خوف أو لا فزع عليك أو كناية بنية ككن كيف شئت أو أنت على ما تحب. "وبكتابة" مع النية، لأنها كناية. "ورسالة" بلفظ صريح أو كناية مع النية ولو مع كافر وصبي موثوق بخبره على الأوجه توسعة في حقن الدم. "ويشترط" لصحة الأمان. "علم الكافر بالأمان" كسائر العقود فإن لم يعلمه جازت المبادرة بقتله ولو من مؤمنه ونازع فيه البلقيني. "فإن رده" كقوله ما قبلت أمانك أو لا آمنك. "بطل وكذا إن لم يقبل" بأن سكت. "في الأصح"، لأنه عقد كالهبة وأطال البلقيني وغيره في ترجيح المقابل. "وتكفي" كتابة أو. "إشارة" أو أمارة كتركه القتال أو طلبه الإجارة. "مفهمة للقبول" أو

 

 

ج / 4 ص -211-        الإيجاب، ثم هي كناية من ناطق مطلقا وكذا أخرس إن اختص بفهمها فطنون وذلك لبناء الباب على التوسعة ومن ثم جاز تعليقه بالغرر كأن جاء زيد فأنت آمن، أما غير المفهمة فلغو "ويجب أن لا تزيد مدته" في الذكر المحقق. "على أربعة أشهر" سواء أكان المؤمن الإمام أم غيره للآية. "وفي قول يجوز ما لم تبلغ" المدة. "سنة" فإن بلغتها امتنع قطعا لئلا تترك الجزية ومن ثم جاز في المرأة والخنثى من غير تقييد فإن زاد على الجائز بطل في الزائد فقط تفريقا للصفقة هذا إن لم يكن بنا ضعف وإلا كان الزائد للضعف المنوط بنظر الإمام كهو في الهدنة ولو أطلق الأمان حمل على الأربعة الأشهر وبلغ بعدها المأمن بخلاف الهدنة، لأن بابها أضيق. "ولا يجوز" ولا ينفذ ولو من إمام. "أمان يضر" بفتح أوله. "المسلمين كجاسوس" وطليعة كفار لخبر: "لا ضرر ولا ضرار" في الإسلام ولا يستحق تبليغ المأمن، لأن دخول مثله خيانة، أما ما لا يضر فيجوز وإن لم تظهر فيه مصلحة خلافا للقاضي وإن تبعه البلقيني، ثم قال: هذا في أمان الآحاد، أما أمان الإمام فشرطه المصلحة، "وليس للإمام" فضلا عن غيره. "نبذ الأمان" الصادر منه أو من غيره كما هو ظاهر. "إن لم يخف خيانة"، لأنه لازم من جهتنا أما مع خوفها فينبذه الإمام والمؤمن بكسر الميم، أما المؤمن بفتحها فله نبذه متى شاء ويظهر أنه حيث بطل أمانه وجب تبليغه المأمن، ثم رأيتهم صرحوا به. "ولا يدخل في الأمان ماله وأهله" أي فرعه غير المكلف وزوجته الموجودان. "بدار الحرب"، لأن القصد تأمين ذاته من قتل ورق دون غيره فيغنم ماله وتسبى ذراريه ثم نعم إن شرط دخول ماله وأهله ثم على الإمام أو نائبه دخلوا. "وكذا ما معه" بدار الإسلام. "ومنهما" ومثلها ما معه لغيره فلا يدخل ذلك كله. "في الأصح" لما ذكر. "إلا بشرط" نعم ثيابه ومركوبه وآلة استعماله ونفقة مدة أمانة الضروريات لا تحتاج لشرط وفي الروضة في موضع آخر دخول ما معه بلا شرط وهو ما عليه الجمهور وجمع بحمل هذا على ما إذا كان المؤمن الإمام أو نائبه والأول على ما إذا كان المؤمن غيرهما ويفرق بأن ما يكون منهما في الدار التي فيها ذاته تكون التبعية فيه أقوى مما ليس بتلك الدار ومن ثم لو انعكس ما تقرر بأن أمن وهو بدارهم دخل أهله وماله بها ولو بلا شرط إن أمنه الإمام أو نائبه وإلا لم يدخل أهله وما لا يحتاجه من ماله إلا بشرط فإن كانا بدارنا دخلا إن شرط الإمام لا غيره.
تنبيه: يبقى أمان ماله وأهله عندنا وإن نقض ما بقي حيا وله دخول دارنا لأخذه ولو متكررا لكن إن لم يتمكن من أخذ الكل دفعة وإلا جاز قتله وأسره.
"والمسلم بدار كفر" أي حرب ويظهر أن دار الإسلام التي استولوا عليها كذلك. "إن أمكنه إظهار دينه" لشرفه أو شرف قومه وأمن فتنة في دينه ولم يرج ظهور الإسلام هناك بمقامه. "استحب له الهجرة" إلى دار الإسلام لئلا يكثر سوادهم وربما كادوه ولم تجب لقدرته على إظهار دينه ولم تحرم، لأن من شأن المسلم بينهم القهر والعجز ومن ثم لو رجا ظهور الإسلام بمقامه ثم كان مقامه أفضل أو قدر على الامتناع والاعتزال ثم ولم يرج نصرة المسلمين بالهجرة كان مقامه واجبا، لأن محله دار إسلام فلو هاجر لصار دار حرب، ثم إن قدر على قتالهم ودعائهم للإسلام لزمه وإلا فلا.

 

ج / 4 ص -212-        تنبيه: يؤخذ من قولهم، لأن محله دار إسلام أن كل محل قدر أهله فيه على الامتناع من الحربيين صار دار إسلام وحينئذ الظاهر أنه يتعذر عوده دار كفر وإن استولوا عليه كما صرح به الخبر الصحيح: "الإسلام يعلو ولا يعلى عليه" فقولهم لصار دار حرب المراد به صيرورته كذلك صورة لا حكما وإلا لزم أن ما استولوا عليه من دار الإسلام يصير دار حرب ولا أظن أصحابنا يسمحون بذلك بل يلزم عليه فساد وهو أنهم لو استولوا على دار إسلام في ملك أهله، ثم فتحناها عنوة ملكناها على ملاكها وهو في غاية البعد، ثم رأيت الرافعي وغيره ذكروا نقلا عن الأصحاب أن دار الإسلام ثلاثة أقسام: قسم يسكنه المسلمون، وقسم فتحوه وأقروا أهله عليه بجزية ملكوه أو لا، وقسم كانوا يسكنونه، ثم غلب عليه الكفار قال الرافعي وعدهم القسم الثاني يبين أنه يكفي في كونها دار إسلام كونها تحت استيلاء الإمام وإن لم يكن فيها مسلم قال: وأما عدهم الثالث فقد يوجد في كلامهم ما يشعر بأن الاستيلاء القديم يكفي لاستمرار الحكم ورأيت لبعض المتأخرين أن محله إذا لم يمنعوا المسلمين منها وإلا فهي دار كفر انتهى وما ذكره عن بعض المتأخرين بعيد نقلا ومدركا كما هو واضح وحينئذ فكلامهم صريح فيما ذكرته أن ما حكم بأنه دار إسلام لا يصير بعد ذلك دار كفر مطلقا. "وإلا" يمكنه إظهار دينه أو خاف فتنة في دينه. "وجبت" الهجرة. "إن أطاقها" وأثم بالإقامة ولو امرأة وإن لم تجد محرما لكن إن أمنت على نفسها أو كان خوف الطريق دون خوف الإقامة كما هو ظاهر فإن لم يطقها فمعذور، وذلك لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} [النساء: 97] الآية وللخبر الصحيح: "لا تنقطع الهجرة ما قوتل الكفار" وخبر: "لا هجرة بعد الفتح" أي من مكة، لأنها صارت دار إسلام إلى يوم القيامة واستثني من في إقامته مصلحة للمسلمين أخذا مما جاء أن العباس رضي الله عنه أسلم قبل بدر واستمر مخفيا إسلامه إلى فتح مكة يكتب بأخبارهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكان يحب القدوم عليه فيكتب له إن مقامك بمكة خير والاستدلال بذلك يتوقف على ثبوت إسلامه قبل الهجرة وأنه صلى الله عليه وسلم كتب إليه ذلك ولم يثبت ذلك على أن الكتابة المذكورة لا يلزم منها إسلام ولا عدمه وبفرض ذلك كله فهو كان آمنا غير خائف من فتنة ومن هو كذلك لا تلزمه الهجرة فلا دليل في ذلك أصلا، ثم رأيت شيخ الإسلام الحافظ في الإصابة قال في ترجمته: حضر بيعة العقبة مع الأنصار قبل أن يسلم وشهد بدرا مع المشركين مكرها فافتدى نفسه وعقيلا ورجع إلى مكة فيقال: إنه أسلم وكتم قومه ذلك فكان يكتب الأخبار إليه صلى الله عليه وسلم، ثم هاجر قبل الفتح بقليل انتهى وهو صريح فيما ذكرته. وذكر صاحب المعتمد أن الهجرة كما تجب هنا تجب من بلد إسلام أظهر بها حقا أي واجبا ولم يقبل منه ولا قدر على إظهاره ويوافقه قول البغوي في تفسير سورة العنكبوت يجب على كل من كان ببلد تعمل فيه المعاصي ولا يمكنه تغييرها الهجرة إلى حيث تتهيأ له العبادة لقوله تعالى: {فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 68] نقل ذلك جمع من الشراح وغيرهم منهم الأذرعي والزركشي وأقروه وينازع فيه ما مر في الوليمة أن من بجواره آلات لهو لا يلزمه الانتقال وعلله السبكي بأن في مفارقة داره ضررا عليه ولا فعل منه فإن قلت: ذاك

 

ج / 4 ص -213-        مع النقلة يصدق عليه أنه في بلد المعصية فلم يلزمه بخلاف هذا فإنه بالنقلة يفارق بلد المعصية بالكلية قلت: قضية هذا بل صريحه أن ذاك يلزمه الانتقال من البلد وهذا لم يلزموه به، لأنه إذا لم تلزمه من الجوار فأولى البلد على أن قضية كلام السبكي المذكور: أنه لا نظر لبلد ولا لجوار بل للمشقة وهي في التحول من البلد أشق وبفرض اعتماد ذلك فيجب تقييده بما إذا لم تكن في إقامته مصلحة للمسلمين أخذا من نظيره في الهجرة من دار الكفر بالأولى، ثم رأيت البلقيني صرح به، وبأن شرط ذلك أيضا أن يقدر على الانتقال لبلد سالمة من ذلك وأن تكون عنده المؤن المعتبرة في الحج، والحاصل: أن الذي يتعين اعتماده في ذلك أن شرط وجوب الانتقال بهذه الشروط المذكورة أن تظهر المعاصي المجمع عليها في ذلك المحل بحيث لا يستحيي أهله كلهم من ذلك لتركهم إزالتها مع القدرة، لأن الإقامة حينئذ معهم تعد إعانة وتقريرا لهم على المعاصي، "ولو قدر أسير على هرب لزمه" وإن أمكنه إظهار دينه كما صححه الإمام واقتضى كلام الزركشي اعتماده تخليصا لنفسه من رق الأسر لكن الذي جزم به القمولي ومن تبعه وقال الزركشي إنه قياس ما مر في الهجرة أنه إنما يلزمه ذلك إن لم يمكنه إظهار دينه ولك أن تقول إن أطلقوه من الأسر بأن أباحوا له ما شاء من مكث عندهم وعدمه تعين الثاني ولا تعين الأول كما هو ظاهر من تعليله المذكور. "ولو أطلقوه بلا شرط فله اغتيالهم" قتلا وسبيا وأخذا للمال، لأنهم لم يستأمنوه وليس المراد هنا حقيقة الغيلة وهي أن يخدعه فيذهب به لمحل خال، ثم يقتله. "أو" أطلقوه. "على أنهم في أمانه" أو عكسه. "حرم" عليه اغتيالهم، لأن الأمان من أحد الجانبين متعذر نعم إن قالوا أمناك ولا أمان لنا عليك أي ولا أمان يجب لنا عليك جاز له اغتيالهم. "فإن تبعه قوم" أو واحد منهم بعد خروجه. "فليدفعهم" وجوبا إن حاربوه وكانوا مثليه فأقل وإلا فندبا كذا قيل ويرده ما مر أن الثبات للضعف إنما يجب في الصف. "ولو بقتلهم" ابتداء ولا يراعى فيهم ترتيب الصائل لانتقاض أمانهم بذلك على المعتمد كذا قيل أيضا وهو واضح إن سلم انتقاض أمانهم بذلك سواء أرادوا مجرد رده أم نحو قتله وفي عمومه نظر ومن ثم صرح جمع بأنه يراعى فيهم ترتيب الصائل وهو مبني على عدم انتقاض أمانهم ذلك وهو متجه إن لم يريدوا نحو قتله فليحمل هذا على إرادة مجرد الرد والأول على إرادة نحو القتل، لأن الذمي إذا انتقض عهده بقتالنا فالمؤمن أولى. "ولو شرطوا" عليه. "أن لا يخرج من دارهم لم يجز" له. "الوفاء" بهذا الشرط بل يلزمه الخروج حيث أمكنه فرارا بدينه من الفتن وبنفسه من الذل ما لم يمكنه إظهار دينه فلا يلزمه الخروج على ما مر بل يسن ولو حلفوه على ذلك بطلاق أو غيره مكرها على الحلف فيمينه لغو وإلا حنث وإن كان حين الحلف محبوسا ومن الإكراه أن يقولوا له لا نتركك حتى تحلف أنك لا تخرج بل هنا إكراه ثان شرعي على الخروج لوجوبه كما تقرر، "ولو عاقد الإمام علجا" هو الكافر الغليظ الشديد سمي بذلك لدفعه عن نفسه ومنه العلاج لدفعه الداء. "يدل" هـ. "على" نحو بلد أو. "قلعة" بإسكان اللام وفتحها معينة أو مبهمة من قلاع محصورة على الأوجه أي على أصل طريقها أو أسهل أو أرفق طريقيها. "وله منها جارية" مثلا ولو حرة مبهمة ويعينها

 

ج / 4 ص -214-        الإمام. "جاز" وإن كان الجعل مجهولا غير مملوك للحاجة مع أن الحرة ترق بالأسر ويستحق بالدلالة ولو من غير كلفة كأن يكون تحتها فيقول له هي هذه للحاجة أيضا وبه فارق ما مر في الإجارة والجعالة، أما المسلم فقال جمع: لا تجوز هذه المعاقدة معه، لأن فيها أنواعا من الغرر واحتملت مع الكافر، لأنه أعرف بقلاعهم وطرقهم وقال آخرون: لا فرق ورجحه الأذرعي والبلقيني وغيرهما وقضية كلام الشيخين في الغنيمة اعتماده وعليه فيعطاها إن وجدت حية وإن أسلمت فلو ماتت بعد الظفر فله قيمتها وخرج بقوله منها قوله مما عندي فلا يصح للجهل بالجعل بلا حاجة. "فإن فتحت" عنوة. "بدلالته" وفاتحها معاقده ولو في مرة أخرى وفيها الأمة المعينة أو المبهمة ولم تسلم أصلا أو أسلمت معه أو بعده لا عكسه كما يأتي. "أعطيها" وإن لم يوجد سواها وإن تعلق بها حق لازم من معاملتهم مع بعضهم كما هو ظاهر إذ لا اعتداد بمعاملتهم في مثل ذلك وذلك، لأنه استحقها بالشرط قبل الظفر. "أو" فتحها معاقده. "بغيرها" أي دلالته أو غير معاقده ولو بدلالته. "فلا" شيء له. "في الأصح" لفقد الشرط وهو دلالته وصوب البلقيني الاستحقاق ويتجه اعتماده إن كان الفاتح بدلالته نائبا عمن دله. "وإن لم تفتح فلا شيء" له لتعلق جعالته بدلالته مع فتحها فالجعل مقيد به حقيقة وإن لم يجر لفظه. "وقيل: إن لم يعلق الجعل بالفتح فله أجرة المثل" لوجود الدلالة ويرده ما تقرر هذا إذا كان الجعل فيها، وإلا لم يشترط في استحقاقه فتحها اتفاقا على ما قاله الماوردي وغيره. "فإن" فتحها معاقده بدلالته. "ولم يكن فيها جارية" أصلا أو بالوصف المشروط. "أو ماتت قبل العقد فلا شيء له" لفقد المشروط. "أو" ماتت. "بعد الظفر وقبل التسليم" إليه. "وجب بدل"، لأنها حصلت في قبضة الإمام فالتلف من ضمانه. "أو" ماتت. "قبل ظفر فلا" شيء له. "في الأظهر" كما لو لم تكن فيها إذ الميتة ومثلها الهاربة غير مقدور عليها. "وإن أسلمت" المعينة الحرة كذا قيد به شارح، والثاني غير قيد بل لا فرق وزعم أن الحرة إذا أسلمت قبل الظفر لا يعطي قيمتها مردود وكذا الأول إذ إسلام الجواري كلهن في المبهمة كذلك فيما يظهر سواء أكان إسلامها قبل العقد أم بعده قبل الظفر وبعده هذا كله إن لم يسلم وإلا أعطيها ما لم يكن إسلامه بعدها لانتقال حقه لبدلها قاله الإمام والماوردي وغيرهما بناء على منع تملك الكافر للمسلم وإن نازع فيه البلقيني. "فالمذهب وجوب بدل"، لأن إسلامها يمنع رقها واستيلاء عليها فيعطي البدل من أخماس الغنيمة الأربعة فإن لم تكن غنيمة فالذي يظهر وجوبه من بيت المال. "وهو" أي البدل. "أجرة مثل وقيل قيمتها" وهو المعتمد كما في الروضة وأصلها عن الجمهور قالا ومحل الخلاف المعينة، أما المبهمة إذا مات كل من فيها وأوجبنا البدل فيجوز أن يقال يرجع بأجرة المثل قطعا لتعذر تقويم المجهول ويجوز أن يقال يسلم إليه قيمة من تسلم إليه قبل الموت انتهى والأوجه الأول ورجح بعضهم الثاني قال: فيعين له واحدة ويعطيه قيمتها كما يعينها له لو كن أحياء وخرج بعنوة ما لو فتحت صلحا بدلالته ودخلت في الأمان فإن امتنع من قبول بدلها وهم من تسليمها نبذ الصلح وبلغوا المأمن فإن رضوا بتسليمها ببدلها أعطوه من محل الرضخ.