تحفة المحتاج بشرح المنهاج ط العلمية

ج / 4 ص -215-        كتاب الجزية
تطلق على العقد وعلى المال الملتزم به وعقبها للقتال، لأنه مغيا بها في الآية التي هي كأخذه صلى الله عليه وسلم إياها من أهل نجران وغيرهم الأصل فيها قبل الإجماع من المجازاة، لأنها جزاء عصمتهم منا وسكناهم في دارنا فهي إذلال لهم لتحملهم على الإسلام لا سيما إذا خالطوا أهله وعرفوا محاسنه لا في مقابلة تقريرهم على كفرهم، لأن الله أعز الإسلام وأهله عن ذلك وتنقطع مشروعيتها بنزول عيسى صلى الله على نبينا وعليه وسلم، لأنه لا يبقى لهم حينئذ شبهة بوجه فلم يقبل منهم إلا الإسلام وهذا من شرعنا، لأنه إنما ينزل حاكما به متلقيا له عنه صلى الله عليه وسلم من القرآن والسنة والإجماع أو عن اجتهاده مستمدا من هذه الثلاثة والظاهر أن المذاهب في زمنه لا يعمل منها إلا بما يوافق ما يراه، لأنه لا مجال للاجتهاد مع وجود النص أو اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه لا يخطئ كما هو الصواب المقرر في محله وأركانها عاقد ومعقود له ومكان ومال وصيغة ولأهميتها بدأ بها فقال:
"صورة عقدها" مع الذكور أن يقول لهم الإمام أو نائبه. "أقركم" أو أقررتكم كما بأصله ورجح لاحتمال الأولى الوعد ومن ثم اشترط أن يقصد به الحال مع الاستقبال حتى ينسلخ عن الوعد واعتراضه بأن المضارع عند التجرد عن القرائن يكون للحال وبأن المضارع يأتي للإنشاء كأشهد يرد بأن هذا لا يمنع احتماله الوعد على أن فيه خلافا قويا أنه للاستقبال حقيقة وقد مر في الضمان أو أؤدي المال أو أحضر الشخص ليس ضمانا ولا كفالة وفي الإقرار إن أقر بكذا لغو، لأنه وعد وبه يتأبد ما تقرر إلا أن يوجه إطلاق المتن بأن شدة نظرهم في هذا الباب لحقن الدم اقتضى عدم النظر لاحتماله للوعد عملا بالمشهور أنه للحال أو لهما ومر ثم أعني في الضمان ما يؤيد ذلك ويوضحه فراجعه. "بدار الإسلام" غير الحجاز كذا قاله شارح وظاهره أنه لا بد من ذكر ذلك في العقد والظاهر أنه غير شرط اكتفاء باستثنائه شرعا وإن جهله العاقدان فيما يظهر على أن هذا من أصله قد لا يشترط، فقد نقرهم بها في دار الحرب وحينئذ فصيغة عقده فيما يظهر أقركم في داركم على أن تبذلوا جزية وتأمنوا منا ونأمن منكم. "أو أذنت في إقامتكم بها" أو نحو ذلك. "على أن تبذلوا" أي تعطوا. "جزية" في كل حول قال الجرجاني ويقول: أول الحول أو آخره ويظهر أنه غير شرط. "وتنقادوا لحكم الإسلام" أي لكل حكم من أحكامه غير نحو العبادات مما لا يرونه كالزنا والسرقة لا كشرب المسكر ونكاح المجوس للمحارم ومن عدم التظاهر بما يبيحونه وبهذا الالتزام فسروا الصغار في الآية ووجب التعرض لهذا مع كونه من مقتضيات العقد، لأنه مع الجزية عوض عن تقريرهم فكان كالثمن في البيع والأجرة في الإجارة. قال الماوردي وأن لا يجتمعوا على قتالنا كما أمنوا منا ويرد وإن نقله الإمام عن الأئمة بأن هذا داخل في الانقياد ولا يرد عليه صحة قول الكافر أقررني بكذا إلخ فقال الإمام: أقررتك

 

ج / 4 ص -216-        لأنه إنما أراد صورة عقدها الأصلي من الموجب، أما النساء فيكفي فيهن الانقياد لحكم الإسلام إذ لا جزية عليهن وظاهر كلامهم أن ما ذكر صريح وأنه لا كناية هنا لفظا ولو قيل: إن كنايات الأمان إذا ذكر معها على أن تبذلوا إلخ تكون كناية هنا لم يبعد، "والأصح اشتراط ذكر قدرها" أي الجزية كالثمن والأجرة وسيأتي أقلها. "لا كف اللسان" منهم. "عن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ودينه" بسوء فلا يشترط ذكره، لأنه داخل في الانقياد "ولا يصح العقد" للجزية معلقا ولا. "مؤقتا على المذهب"، لأنه بدل عن الإسلام في العصمة وهو لا يؤقت فلا يكفي أقركم ما شاء الله أو ما أقركم الله وإنما قاله صلى الله عليه وسلم لانتظاره الوحي وهو متعذر الآن أو ما شئت أو ما شاء فلان بخلاف ما شئتم، لأنها لازمة من جهتنا جائزة من جهتهم بخلاف الهدنة "ويشترط لفظ قبول" من كل منهم لما أوجبه العاقد ولو بنحو رضيت وبإشارة أخرس مفهمة وبكناية ومنها الكتابة وكذا يشترط هنا سائر ما مر في البيع من نحو اتصال القبول بالإيجاب والتوافق فيهما على الأوجه وأفهم اشتراط القبول أنه لو دخل حربي دارنا، ثم علمناه لم يلزمه شيء بخلاف من سكن دارا مدة غصبا، لأن عماد الجزية القبول ولو فسد عقدها من الإمام أو نائبه لزم لكل سنة دينار، لأنه أقلها بخلاف ما لو بطل كأن صدر من الآحاد فإنه لا يلزم شيء وبهذا يعلم أن لنا ما يفرق فيه بين الباطل والفاسد غير الأربعة المشهورة، "ولو وجد كافر بدارنا فقال: دخلت لسماع كلام الله تعالى" أو لأسلم أو لأبذل جزية. "أو" دخلت. "رسولا" ولو بما فيه مضرة لنا. "أو" دخلت. "بأمان مسلم" يصح أمانه. "صدق" وحلف ندبا إن اتهم تغليبا لحقن الدم نعم إن أسر لم يصدق في ذلك إلا ببينة وفي الأولى يمكن من الإقامة وحضور مجالس العلم قدرا تقضي العادة بإزالة الشبهة فيه ولا يزاد على أربعة أشهر، "وفي دعوى الأمان وجه" أنه لا يصدق إلا ببينة لسهولتها وردوه بأن الظاهر من حال الحربي أنه لا يدخل إلا به أو بنحوه. "ويشترط لعقدها الإمام أو نائبه" العام أو في عقدها، لأنها من المصالح العظام فاختصت بمن له النظر العام. "وعليه" أي أحدهما. "الإجابة إذا طلبو" ها للأمر به في خبر مسلم ومن ثم لم يشترط هنا مصلحة بخلاف الهدنة. "إلا" أسيرا أو. "جاسوسا" منهم وهو صاحب سر الشر بخلاف الناموس فإنه صاحب سر الخير. "نخافه" فلا تجب إجابتهما بل لا يقبل من الثاني للضرر ومن ثم لو ظهر له أن طلبها مكيدة منهم لم يجبهم. "ولا تعقد إلا لليهود والنصارى" وصابئة وسامرة لم يعلم أنهم يخالفونهم في أصل ديتهم سواء العرب والعجم، لأنهم أهل الكتاب في آيتها. "والمجوس"، لأنه صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس هجر وقال: "سنوا بهم سنة أهل الكتاب". رواه البخاري، ولأن لهم شبهة كتاب. "وأولاد من تهود أو تنصر قبل النسخ" أو معه ولو بعد التبديل وإن لم يجتنبوا المبدل تغليبا لحقن الدم وبه فارق عدم حل مناكحتهم وذبيحتهم مع أن الأصل في الإبضاع والميتات التحريم بخلاف ولد من تهود بعد بعثة عيسى بناء على أنها ناسخة أو تنصر بعد بعثة نبينا صلى الله عليه وسلم، وكأنهم إنما اكتفوا بالبعثة وإن كان النسخ قد يتأخر عنها، لأنها مظنته وسببه وقضية عبارته أن الضار دخول كل من الأبوين بعد النسخ لا أحدهما وهو متجه خلافا للبلقيني لعقدها لمن أحد أبويه وثني كما يأتي، "أو

 

ج / 4 ص -217-        شككنا في وقته" أي دخول الأبوين هل هو قبل النسخ أو بعده تغليبا للحقن أيضا وبه حكمت الصحابة رضوان الله عليهم في نصارى العرب قيل لا معنى لإطلاقه اليهود والنصارى وتقييده أولادهم ولو عكس كان أولى، ثم إنه يوهم أن من تهود أو تنصر قبل النسخ عقد لأولاده مطلقا ليس كذلك إنما يعقد لهم إن لم ينتقلوا عن دين آبائهم بعد البعثة. ا هـ. ويرد بأنه ذكر أولا الأصل وهم اليهود والنصارى الأصليون الذين ليس لهم انتقال، ثم لما ذكر الانتقال عبر فيه بالأولاد المراد بهم الفروع وإن سفلوا، لأن الغالب أن الانتقال إنما يكون عند طرو البعثة وذلك قد انقطع فلم يبق إلا أولاد المنتقلين فذكرهم ثانيا فاندفع زعم أن العكس أولى، وأما زعم إيهام ما ذكر فغير صحيح أيضا، لأن الكلام في أولاد لم يحصل منهم انتقال وإلا لم يكن للنظر إلى آبائهم وجه "وكذا زاعم التمسك بصحف إبراهيم وزبور داود صلى الله" على نبينا و "عليهما وسلم" وصحف شيث وهو ابن آدم لصلبه صلى الله عليه وسلم، لأنها تسمى كتبا فاندرجت في قوله تعالى: {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [آل عمران: 100]، "ومن أحد أبويه كتابي" ولو الأم اختار الكتابي أم لم يختر شيئا، وفارق كون شرط حل نكاحها اختيارها الكتابي بأن ما هنا أوسع وما وقع في شرح المنهج مما يوهم أن اختيار ذلك قيد هنا أيضا غير مراد وإنما المراد أنه قيد لتسميته كتابيا لا لتقريره. "والآخر وثني على المذهب" تغليبا لذلك أيضا نعم إن بلغ ابن وثني من كتابية ودان بدين أبيه لم يقر جزما ومنه يؤخذ أن محل عقدها لمن بلغ من أولاد نصراني توثن من نصرانية أو وثنية تغليبا لما ثبت لهم من شبهة التنصر إذا لم يختر دين الوثني ويقبل قولهم أنهم ممن تعقد لهم الجزية، لأنه لا يعرف غالبا إلا من جهتهم وينبغي ندب تحليفهم وأفهم كلامه أنها لا تعقد لغير من ذكر كعابد وثن أو شمس أو ملك وأصحاب الطبائع والفلاسفة والمعطلين والدهريين وغيرهم كما مر في النكاح، "ولا جزية على امرأة" إجماعا وخلاف ابن حزم لا يعتد به. "وخنثى" لاحتمال أنوثته فلو بذلاها أعلما أنها ليست عليهم فإن رغبا بها فهي هبة فلو بان ذكرا أخذ منه لما مضى وفارق ما مر في حربي لم يعلم به إلا بعد مدة بأن هذا غير ملتزم فليس أهلا للضمان بخلاف الخنثى فإنه ملتزم لحكمنا وإنما أسقطنا عنه الجزية لاحتمال أنوثته فلما بانت ذكورته عومل بقضيتها وظاهر أن المأخوذ منه دينار لكل سنة وقول أبي زرعة أخذا من كلام شيخه البلقيني لعل صورته أن تعقد له الجزية حال خنوثته يرد بأن هذا لا يحتاج إليه لما تقرر أنها أجرة وهي تجب وإن لم يقع عقد بل لا يصح، لأنها لو عقدت له كذلك تبين بذكورته صحة العقد ولم يقع خلاف في اللزوم، لأن العبرة في العقود بما في نفس الأمر. "ومن فيه رق" ولو مبعضا لنقصه ولا على سيده بسببه وخبر لا جزية على العبد لا أصل له. "وصبي ومجنون" لعدم التزامهما. "فإن تقطع جنونه قليلا كساعة من شهر" ونحو يوم من سنة. "لزمته" ويظهر ضبطه بأن تكون أوقات الجنون في السنة لو لفقت لم تقابل بأجرة غالبا وقد يؤخذ هذا من قولهم. "أو تقطع كثيرا كيوم ويوم فالأصح تلفيق الإفاقة" إن أمكن. "فإذا بلغت" أيام الإفاقة. "سنة وجبت" الجزية لسكناه سنة بدارنا وهو كامل فإن لم يمكن أجري عليه حكم الجنون في الكل على

 

ج / 4 ص -218-        الأوجه وكذا لو قلت إفاقته بحيث لم يقابل مجموعها بأجرة وطرو جنون أثناء الحول كطرو موت أثناءه، "ولو بلغ ابن ذمي" أو أفاق أو عتق قن ذمي أو مسلم. "ولم يبذل جزية ألحق بمأمنه" ولا يغتال، لأنه كان في أمان أبيه أو سيده تبعا. "فإن بذلها" ولو سفيها. "عقد له" عقد جديد لاستقلاله حينئذ. "وقيل عليه كجزية أبيه" ويكتفى بعقد أبيه، لأنه لما تبعه في أصل الأمان تبعه في أصل الذمة وصححه جمع، لأن أحدا من الأئمة لم يستأنف لمن بلغوا عقدا، وعلى الأول فيظهر أنه إذا مضت عليهم مدة بلا عقد لزمهم لما مضى أجرة المثل لسكناهم بدارنا المغلب فيها معنى الأجرة وهي هنا أقل الجزية فيما يظهر أيضا وعلى الثاني فيظهر أن أباه لو كان غنيا وهو فقير أو عكسه اعتبر في قدرها حاله لا حال أبيه لكن ظاهر كلامهم يخالفه. "والمذهب وجوبها على زمن وشيخ هرم" لا رأي لهما. "وأعمى وراهب وأجير"، لأنها أجرة فلم يفارق المعذور فيها غيره، أما من له رأي فتلزمه جزما "وفقير عجز عن كسب" أصلا أو لم يفضل به عن قوت يومه وليلته آخر الحول ما يدفعه فيها وذلك لما مر. "فإذا تمت سنة وهو معسر ففي ذمته" تبقى حولا فأكثر. "حتى يوسر" كسائر الديون، "ويمنع كل كافر من استيطان الحجاز" يعني الإقامة به ولو من غير استيطان كما أفهمه قوله بعد: وقيل له الإقامة إلخ وأفهم كلامهم أن له شراء أرض فيه لم يقم بها وهو متجه وإن قيل: الصواب منعه، لأن ما حرم استعماله حرم اتخاذه ويرد بأن هذا ليس من ذاك كما هو واضح إذ لا يجر اتخاذ هذا إلى استعماله قطعا وإنما منع من الحجاز، لأن من وصاياه صلى الله عليه وسلم عند موته "أخرجوا المشركين من جزيرة العرب" متفق عليه وفي رواية للبيهقي آخر ما تكلم به صلى الله عليه وسلم "أخرجوا اليهود من الحجاز" وفي أخرى "أخرجوا يهود الحجاز وأهل نجران من جزيرة العرب" قال الشافعي ليس المراد جميعها بل الحجاز منها، لأن عمر رضي الله عنه أجلاهم منه وأقرهم باليمن مع أنه منها إذ هي طولا من عدن إلى ريق العراق وعرضا من جدة وما والاها من ساحل البحر إلى الشام وعكس ذلك في القاموس وأيد بأن المشاهدة قاضية بخلاف الأول أي وإن نقله الرافعي عن الأصمعي وتبعوه سميت بذلك لإحاطة بحر الحبشة وبحر فارس ودجلة والفرات بها. "وهو" أي الحجاز سمي بذلك، لأنه حجز بين نجد وتهامة. "مكة والمدينة واليمامة" مدينة على أربع مراحل من مكة ومرحلتين من الطائف وقال شراح البخاري: بينها وبين الطائف مرحلة واحدة سميت باسم الزرقاء التي كانت تنظر من مسيرة ثلاثة أيام.
تنبيه: ما ذكروه من أن اليمامة على مرحلتين أو مرحلة من الطائف خلاف المشهور اليوم أن اليمامة اسم لبلد مسيلمة الكذاب التي تنبأ فيها وجهز إليه أبو بكر رضي الله عنه زمن خلافته الجم الغفير من الصحابة فكان بها قتله والوقعة المشهورة وهذه على نحو عشرين مرحلة من مكة، لأنها في أقصى بلاد نجد وبها قبور الصحابة مشهورة تزار ويتبرك بها وبين التحديدين بون بائن، ثم رأيت في القاموس كالنهاية ما يؤخذ منه أن اليمامة اسم لبلاد متعددة وحينئذ فكأن الأئمة أرادوا أن أولها منتهى الحجاز وما بينه وبين الطائف مرحلتان أو مرحلة دون ما عداه من بقية تلك البلاد وهو بلد مسيلمة وغيرها وعلى هذا فلا مخالفة

 

ج / 4 ص -219-        بين كلام الأئمة وما هو المشهور وعبارة القاموس واليمامة القصد كاليمام وجارية زرقاء كانت تبصر الراكب من مسيرة ثلاثة أيام وبلاد الجو منسوبة إليها سميت باسمها أكثر نخيلا من سائر الحجاز وبها تنبأ مسيلمة الكذاب وهي دون المدينة في وسط الشرق عن مكة على ستة عشر مرحلة من البصرة ومن الكوفة نحوها وبين في الجو أنه موضع بالحجاز في ديار أشجع وبين في أشجع أنه من غطفان أبو قبيلة فإن قلت ظاهر كلام القاموس أن تلك البلاد كلها من الحجاز قلت لا نظر إليه في ذلك على أنه عرف الحجاز بأنه مكة والمدينة والطائف ومخاليفها فلم يجعل اليمامة منه أصلا إلا إن أريد أنها من مخاليف الطائف فيؤيد ما ذكرته وهو أنا لا نعتبر من البلاد المسماة باليمامة لا المنسوبة للطائف وهي ما على مرحلتين أو مرحلة منها دون ما عدا تلك البلاد فتأمل ذلك فإنه مهم.
"وقرأها" أي الثلاث كالطائف وجدة وكخيبر و الينبع وما أحاط بذلك من مفاوزه وجباله وغيرها. "وقيل له الإقامة في طرقه الممتدة" بين هذه البلاد، لأنها لم تعتد فيها نعم التي بحرم مكة يمنعون منها قطعا كما يعلم من كلامه الآتي، لأن الحرمة للبقعة وفي غيره لخوف اختلاطهم بأهله ولا يمنعون ركوب بحر خارج الحرم بخلاف جزائره المسكونة أي وغيرها وإنما قيدوا بها للغالب قال القاضي ولا يمكنون من المقام في المراكب أكثر من ثلاثة أيام كالبر قال ابن الرفعة ولعله أراد إذا أذن الإمام وأقام بموضع واحد وهو ظاهر معلوم مما يأتي، "ولو دخل" كافر الحجاز. "بغير إذن الإمام" أو نائبه. "أخرجه وعزره إن علم أنه ممنوع" منه لتعديه بخلاف ما إذا جهل ذلك فإنه يخرجه ولا يعزره. "فإن استأذن" في دخوله. "أذن له" وجوبا كما اقتضاه صنيعه لكن صرح غيره بأنه جائز فقط. "إن كان دخوله مصلحة للمسلمين كرسالة وحمل ما يحتاج إليه" كثير من طعام وغيره وكإرادة عقد جزية أو هدنة لمصلحة وهنا لا يأخذ منه شيئا في مقابلة دخوله، أما مع عدم المصلحة فيحرم الإذن كما هو ظاهر. "فإن كان" دخوله ولو مرة. "لتجارة ليس فيها كبير حاجة" كعطر. "لم يأذن" أي لم يجز له أن يأذن في دخول الحجاز. "إلا" إن كان ذميا كما نقله البلقيني عن الأصحاب. "وبشرط أخذ شيء منها" أي من متاعها أو من ثمنه فيمهلهم للبيع نظير قولهم في الداخل دارنا للتجارة لو لم يضطر إليها وشرط عليهم شيء منها جاز فإن شرط عليهم عشر الثمن أمهلوا إلى البيع انتهى ويظهر أنهم لا يكلفون بدون ثمن المثل وحينئذ فيؤخذ منهم بدله إن رضوا وإلا فبعض أمتعتهم عوضا عنه ويجتهد في قدره كما كان عمر رضي الله عنه يأخذ من المتجرين منهم إلى المدينة ولا يؤخذ في السنة إلا مرة كالجزية. "ولا يقم" بالحجاز حيث دخله ولو لتجارته ولو المضطر إليها في موضع واحد بعد الإذن له في دخوله. "إلا ثلاثة أيام فأقل" غير يومي الدخول والخروج اقتداء بعمر رضي الله عنه فإن أقام بمحل ثلاثة فأقل، ثم بآخر مثلها وهكذا لم يمنع إن كان بين كل محلين مسافة قصر، "ويمنع" كل كافر. "دخول حرم مكة" ولو لمصلحة عامة لقوله تعالى:
{فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} [التوبة: 28] أي الحرم إجماعا. "فإن كان رسولا" إلى من بالحرم من الإمام أو نائبه. "خرج إليه الإمام أو نائبه ليسمعه" ويخبر الإمام فإن قال: لا أؤديها إلا مشافهة تعين خروج الإمام إليه لذلك،

 

ج / 4 ص -220-        أو مناظرا خرج له من يناظره وحكمة ذلك أنهم لما أخرجوه صلى الله عليه وسلم لكفرهم عوقب جميع الكفار بمنعهم منه مطلقا ولو لضرورة كما في الأم وبه ردوا قول ابن كج يجوز للضرورة كطبيب احتيج إليه وحمله على ما إذا مست الحاجة إليه ولم يمكن إخراج المريض إليه منظر فيه، "فإن مرض فيه" أي الحرم. "نقل وإن خيف موته" بالنقل لظلمه بدخوله ولو بإذن الإمام. "فإن مات" وهو ذمي. "لم يدفن فيه" تطهيرا للحرم عنه "فإن دفن نبش وأخرج"، لأن بقاء جيفته فيه أشد من دخوله له حيا نعم إن تقطع ترك ولأفضلية حرم مكة وتميزه بما لم يشارك فيه لم يلحق به في ذلك وجوبا بل ندبا حرم المدينة وصح أنه صلى الله عليه وسلم أنزلهم مسجده سنة عشر بعد نزول براءة سنة تسع وناظر فيه أهل نجران منهم في أمر المسيح وغيره، "وإن مرض في غيره" أي الحرم. "من الحجاز وعظمت المشقة في نقله" أو خيف نحو زيادة مرضه. "ترك" وجوبا تقديما لأعظم الضررين "وإلا" تعظم فيه. "نقل" وجوبا لحرمة المحل وفي الروضة وأصلها عن الإمام أنه ينقل مطلقا وعن الجمهور أنه لا ينقل مطلقا وعليه جرى مختصروها لكن جرى على تفصيل المتن الحاوي الصغير وغيره وهو أوجه معنى "فإن مات" فيه "وتعذر نقله" منه لنحو خوف تغير. "دفن هناك" للضرورة فإن لم يتعذر نقل، أما الحربي أو المرتد فلا يجري ذلك فيه لجواز إغراء الكلاب على جيفته فإن أذى ريحه غيبت جيفته.

فصل
"أقل الجزية" من غني أو فقير عند قوتنا. "دينار" خالص مضروب فلا يجوز العقد إلا به وإن أخذ قيمته وقت الأخذ. "لكل سنة" للخبر الصحيح "خذ من كل حالم" أي محتلم دينارا أو عدله أي مساوي قيمته وهو بفتح العين ويجوز كسرها وتقويم عمر للدينار باثني عشر درهما، لأنها كانت قيمته إذ ذاك ولا حد لأكثرها، أما عند ضعفنا فيجوز بأقل من دينار إن اقتضته مصلحة ظاهرة وإلا فلا تجب بالعقد وتستقر بانقضاء الزمن بشرط الذب عنهم في جميعه حيث وجب فلو مات أو لم نذب عنهم إلا أثناء السنة وجب القسط كما يأتي، أما الحي فلا يطالب أثناء السنة بالقسط وكان قياس الأجرة أنه يطالب لولا ما طلب هنا من مزيد الرفق بهم لعلهم يسلمون. "ويستحب" وقال ابن الرفعة نقلا عن الإمام يجب. "للإمام" عند قوتنا أخذا مما تقرر "مماكسته" أي طلب زيادة على دينار من رشيد ولو وكيلا حين العقد وإن علم أن أقلها دينار. "حتى" يعقد بأكثر من دينار كدينارين لمتوسط وأربعة لغني ليخرج من خلاف أبي حنيفة فإنه لا يجيزها إلا بذلك بل حيث أمكنته الزيادة بأن علم أو ظن إجابتهم إليها وجبت عليه إلا لمصلحة وحيث علم أو ظن أنهم لا يجيبونه لأكثر من دينار فلا معنى للمماكسة لوجوب قبول الدينار وعدم جواز إجبارهم على أكثر منه حينئذ والمماكسة كما تكون في العقد كما ذكر تكون في الأخذ بل الأصحاب وتبعهم المصنف إنما صدروا بذلك في الأخذ فحينئذ يسن أن يماكسهم ويفاوت بينهم حتى. "يأخذ من" كل. "متوسط" آخر الحول ولو بقوله ما لم يثبت خلافه. "دينارين فأكثر و" من كل

 

ج / 4 ص -221-        "غني" كذلك. "أربعة" من الدنانير فأكثر وقد يشكل على هذا نصه في الأم في سير الواقدي على أنها إذا انعقدت لهم بشيء لا يجوز أخذ زائد عليه وقد يجاب بفرض ذلك أعني جواز المماكسة في الأخذ فيما إذا اعتبر الغني وضده وقت الأخذ لا وقت طروهما ولا وقت العقد وذلك فيما إذا شرط في العقد أن على كل فقير كذا وغني كذا ومتوسط كذا ولم يقيد اعتبار هذه الأحوال بوقت فإن العبرة هنا بوقت الأخذ فعنده يسن له أن يماكس المتوسط حتى يأخذ منه دينارين فأكثر والغني حتى يأخذ منه أربعة فأكثر، لأن هذا العقد لما خلا عن اعتبار تلك الأوصاف عنده كان مفيدا للعصمة فقط وليس مقررا لمال معلوم فسنت المماكسة عند الأخذ بخلاف ما إذا عقد بشيء مخصوص مع التقييد لنحو غناء بوقت العقد فإنه قد تعين بما عقد به من غير اعتبار وصف عند الأخذ فلم تمكن المماكسة حينئذ في الأخذ وتردد الزركشي في ضابطهما ويتجه أنه هنا وفي الضيافة كالنفقة بجامع أنه في مقابلة منفعة تعود إليه لا العاقلة إذ لا مواساة هنا ولا العرف، لأنه مختلف كما يصرح به اختلاف ضابطهما باختلاف الأبواب، أما السفيه فيمتنع عقده أو عقد وليه بأكثر من دينار فإن عقد رشيدا بأكثر، ثم سفه أثناء الحول لزمه ما عقد به فيما يظهر ترجيحه كما لو استأجر بأكثر من أجرة المثل، ثم سفه يؤخذ منه الأكثر كما هو واضح، ثم رأيت قولي الآتي أو حجر عليه بسفه تبعا لشرح المنهج ولو شرط على قوم في عقد الصلح أن على متوسطهم كذا وغنيهم كذا جاز وإن كثر، "ولو عقدت بأكثر" من دينار "ثم علموا جواز دينار لزمهم ما التزموه" كمن غبن في الشراء "فإن أبوا" من بذل الزيادة. "فالأصح أنهم ناقضون" للعهد بذلك فيختار الإمام فيهم ما يأتي "ولو أسلم ذمي" أو جن "أو مات" أو حجر عليه بسفه أو فلس كانت الجزية اللازمة له كدين آدمي في حكمه فتؤخذ من ماله في غير حجر الفلس ويضارب بها مع الغرماء فيه وإذا وقع ذلك. "بعد" سنة أو. "سنين أخذت جزيتهن من تركته مقدمة على الوصايا" والإرث إن خلف وارثا وإلا فتركته فيء فلا معنى لأخذ الجزية منها، لأنها من جملة الفيء فإن كان غير مستغرق أخذ الإمام من نصيبه بقسطه وسقط الباقي، "ويسوي بينها وبين دين الآدمي على المذهب"، لأنها أجرة فإن لم تف التركة بالكل ضاربهم الإمام بقسط الجزية، "أو" أسلم أو جن أو مات أو حجر عليه بسفه "في خلال سنة فقسط" لما مضى يجب في ماله أو تركته كالأجرة.
تنبيه: ما ذكرته في المحجور عليه بسفه هو ما في شرح المنهج وهو مشكل، لأنه إن أريد بالقسط فيه القسط من المسمى مع أخذ الباقي آخر الحول المسمى أيضا لم يكن لأخذ القسط معنى أو مع أخذ القسط من دينار للباقي ففيه نظر، لأنه لما التزم بالعقد أكثر منه وهو رشيد لم يسغ إسقاط الأكثر نظير الأجرة كما مر آنفا ولا يخرج على الخلاف في عقدها للسفيه بأكثر من دينار خلافا لمن قال به للفرق الواضح بين من هو عند عقدها رشيد ومن هو عنده سفيه، فالحاصل أن أخذ القسط بالمعنى الأخير إنما يتضح على التخريج المذكور وقد علمت ما فيه ولا يأتي هذا في المفلس على ما يأتي فيه، لأن الباقي يؤخذ منه مما عقد به، وإنما المسوغ لأخذ القسط منه أنه الذي خص بيت المال بالقسمة فلم يجز

 

ج / 4 ص -222-        لناظره تأخير قبضه ويصدق في وقت إسلامه بيمينه إذا حضر وادعاه ولو حجر عليه بفلس في خلالها ضارب الإمام مع الغرماء بحصة ما مضى كذا نقله البلقيني عن نص الأم وقال: إنه لم ير من تعرض له ويظهر أنه إن أراد بذلك سقوط ما بعد الحجر كان مبنيا على الضعيف أنه لا جزية على الفقير، أما على الأصح فالجزية مستمرة عليه، وإنما المضاربة للفوز من ماله بحصة ما مضى، ثم رأيت البلقيني قال في محل آخر: قضية كلامهم أنه لا يؤخذ منه القسط حينئذ وهو الجاري على القواعد لكن نص في الأم على الأخذ انتهى فافهم أن التردد إنما هو في الأخذ حينئذ لا في السقوط وهو صريح فيما ذكرته والذي يتجه ما في الأم وكون خلافه هو الجاري على القواعد ممنوع وكيف وتأخير القسمة إلى آخر الحول مضر بالغرماء وفوزهم بالكل مفوت لما وجب فكانت القسمة مع أخذ ما يخص قسط ما مضى هو القياس الجاري على القواعد لما فيه من الجمع بين الحقين.
"وتؤخذ الجزية" ما لم تؤد باسم الزكاة. "بإهانة فيجلس الآخذ ويقوم الذمي ويطأطئ رأسه ويحني ظهره ويضعها في الميزان ويقبض الآخذ لحيته ويضرب" بكفه مفتوحة. "لهزمتيه" بكسر اللام والزاي وهما مجتمع اللحم بين الماضغ والأذن من الجانبين أي كلا منهما ضربة واحدة وبحث الرافعي الاكتفاء بضربة واحدة لأحدهما قال جمع من الشراح: ويقول له يا عدو الله أد حق الله. "وكله" أي ما ذكر. "مستحب وقيل: واجب"، لأن بعض المفسرين فسر الصغار في الآية بهذا. "فعلى الأول له توكيل مسلم" وذمي "بالأداء" لها "وحوالة" بها "عليه" أي المسلم "و" للمسلم "أن يضمنها" عن الذمي وعلى الثاني يمتنع كل ذلك لفوات الإهانة الواجبة حتى في توكيل الذمي، لأن كلا مقصود بالصغار. "قلت هذه الهيئة باطلة" إذ لا أصل لها من السنة ولا فعلها أحد من الخلفاء الراشدين ومن ثم نص في الأم على أخذها بإجمال أي برفق من غير ضرر أحد ولا نيله بكلام قبيح قال: والصغار أن يجري عليهم الأحكام لا أن يضربوا ويؤذوا. "ودعوى استحبابها" فضلا عن وجوبها "أشد خطأ والله أعلم" فيحرم فعلها على الأوجه لما فيها من الإيذاء من غير دليل، وأما استناد الأولين إلى ذلك التفسير فليس في محله إلا لو صح ذلك التفسير عنه صلى الله عليه وسلم أو عن صحابي وكان لا يقال من قبل الرأي وليس كذلك بل هذا يقال من قبله ولذا فسره الإمام الشافعي رضي الله عنه وغيره بغير ذلك وبهذا يندفع ما أشار إليه الشارح من التورك على المصنف في تشنيعه المذكور، "ويستحب" وقيل يجب بناء على ما مر في الأقل. "للإمام" أو نائبه. "إذا أمكنه" شرط الضيافة عليهم لقوتنا مثلا. "أن يشرط عليهم إذا صولحوا في بلدهم" أو بلادنا كما اعتمده الأذرعي وهو أوجه من نقل الزركشي خلافه وأقره. "ضيافة من يمر بهم من المسلمين" ولو غنيا غير مجاهد للاتباع وانقطاع سنده يجبره فعل عمر بقضيته ويظهر أنه لا يدخل عاص بسفره، لأنه ليس من أهل الرخص بل ولا من كان سفره دون ميل، لأنه حينئذ لا يسمى ضيفا وإن ذكر المسلمين قيد في الندب لا الجواز ولو صالحوا عن الضيافة بمال فهو لأهل الفيء خلافا لمن زعم أنه للطارقين وإنما يشرط ذلك حال كونه. "زائدا على أقل جزية" فلا يجوز جعله من الأقل لأن القصد من الجزية التمليك

 

ج / 4 ص -223-        ومن الضيافة الإباحة، "وقيل يجوز منها" أي الجزية التي هي أقل، لأنه ليس عليهم غيرها ويرد بأن هذا كالمماكسة. "وتجعل" الضيافة. "على غني ومتوسط" أي عند نزول الضيف بهم كما هو ظاهر. "لا فقير" فلا يجوز كما هو ظاهر جعلها عليه. "في الأصح"، لأنها تتكرر فيعجز عنها. "ويذكر" العاقد عند اشتراط الضيافة. "عدد الضيفان رجالا وفرسانا" أي ركبانا وآثر الخيل لشرفها وذلك، لأنه أقطع للنزاع وأنفى للغرر فيقول على كل غني أو متوسط جزية كذا وضيافة عشرة مثلا كل يوم أو سنة مثلا خمسة رجالة وخمسة فرسان أو عليكم ضيافة ألف مسلم رجالة كذا وفرسان كذا كل سنة مثلا يتوزعونهم فيما بينهم بحسب تفاوتهم في الجزية واعترض ذكر العدد بأنه بناه في أصل الروضة على ضعيف أنها من الجزية، أما على الأصح أنها زائدة عليها فلا يشترط ذكر عدد وذكر الرجالة والفرسان بأنه لا معنى له إذ لا يتفاوتون إلا بعلف الدابة وقد ذكره بعد ويرد الأول بمنع ما ذكره من البناء بل هو مبني على الأصح أيضا كما جرى عليه مختصر والروضة والثاني بأن الآتي ذكر مجرد العلف والذي هنا ذكر عدد الدواب اللازم لذكر الفرسان وأحد هذين لا يغني عن الآخر كما هو ظاهر. ويشترط فيما إذا قال على كل غني أو متوسط عدد كذا أو عليكم عدد كذا ولم يقل كل يوم أن يبين عدد أيام الضيافة في الحول مع ذكر قدر ومدة الإقامة كما سيذكره، "و" يذكر. "جنس الطعام والأدم" كالبر والسمن وغيرهم بحسب العادة الغالبة في قوتهم وقد يدخل في الطعام الفاكهة والحلوى لكن محل جواز ذكرهما إن غلبا ثم على الأوجه ويظهر أن أجرة الطبيب والخادم مثلهما في ذلك ومن صرح بأن ذلك غير لازم لهم يحمل كلامه على ما إذا سكت عنه أو لم يعتد في محلتهم "وقدرهما و" يذكر أن. "لكل واحد" من الأضياف "كذا" منهما بحسب العرف ويفاوت بينهم في قدر ذلك لا صفته بحسب تفاوت جزيتهم وليس لضيف تكليفهم ذبح نحو دجاجهم ولا غير الغالب قيل لا معنى للواو في ولكل انتهى ويرد بأن لها معنى كما أفاده ما قدرته. "و" يذكر. "علف الدواب" ولا يشترط ذكر جنسه وقدره فيكفي الإطلاق ويحمل على تبن وحشيش بحسب العادة لا على نحو شعير نعم إن ذكر الشعير في وقت اشترط بيان قدره ولا يجب عند عدم تعيين عدد دواب كل علف أكثر من دابة لكل واحد. "و" يذكر. "منزل الضيفان" وكونه يدفع الحر والبرد. "من كنيسة وفاضل مسكن" وبيت فقير ولا يخرجون أهل منزل منه ويشترط عليهم إعلاء أبوابهم ليدخلها المسلمون ركبانا كما شرطه عمر على أهل الشام. "و" يذكر. "مقامهم" أي مدة إقامتهم. "ولا يجاوز ثلاثة أيام" أي لا يندب له ذلك، لأنها غاية الضيافة كما في الأحاديث فإن شرط عليهم أكثر جاز وعن الأصحاب أنه يشترط تزويد الضيف كفاية يوم وليلة ولو امتنع قليل منهم أجبروا أو كلهم أو أكثرهم فناقضون وله حمل ما أتوا به ولا يطالبهم بعوض إن لم يمر بهم ضيف ولا بطعام ما بعد اليوم الحاضر ولو لم يأتوا بطعام اليوم لم يطالبهم به في الغد كذا أطلقوه وقضيته: سقوطه مطلقا وفيه نظر، وإنما يتجه إن شرط عليهم أيام معلومة فلا يحسب هذا منها، أما لو شرط على كلهم أو بعضهم ضيافة عشرة مثلا كل يوم ففوت ضيافة القادمين في بعض الأيام فيحتمل أن يقال يؤخذ بدلها لأهل

 

ج / 4 ص -224-        الفيء ويحتمل سقوطها والأقرب الأول وإلا لم يكن لاشتراط الضيافة في هذه الصورة كبير جدوى، "ولو قال قوم" عرب أو عجم. "نؤدي الجزية باسم صدقة لا جزية" وقد عرفوا حكمها. "فللإمام إجابتهم إذا رأى" ذلك "ويضعف عليهم الزكاة" اقتداء بفعل عمر رضي الله تعالى عنه ذلك مع من تنصر من العرب قبل بعثته صلى الله عليه وسلم وهم بنو تغلب وتنوخ وبهراء وقالوا لا نؤدي إلا كالمسلمين فأبى فأرادوا اللحوق بالروم فصالحهم على تضعيف الصدقة عليهم وقال هؤلاء حمقى أبوا الاسم ورضوا بالمعنى. "فمن خمسة أبعرة شاتان و" من. "خمسة وعشرين" بعيرا. "بنتا مخاض" ومن ست وثلاثين بنتا لبون وهكذا. "و" من. "عشرين دينارا دينار و" من. "مائتي درهم" فضة. "عشرة وخمس المعشرات" المسقية بلا مؤنة وإلا فعشرها لما مر عن عمر رضي الله عنه ويجوز غير تضعيفها كتربيعها على ما يراه بل لو لم يف التضعيف بقدر دينار لكل واحد وجبت الزيادة إلى بلوغ ذلك يقينا كما أنه لو زاد جاز النقص عنه إلى بلوغ ذلك يقينا أيضا قال البلقيني إن أراد تضعيف الزكاة مطلقا وردت زكاة الفطر ولم أر من ذكرها أو فيما ذكره وردت زكاة التجارة والمعدن والركاز ففي الأم والمختصر تضعيفا أو مطلق المال الزكوي اقتضى عدم الأخذ من المعلوفة وهو بعيد ولم أره انتهى والذي يتجه التضعيف إلا في زكاة الفطر وهو ظاهر وإلا في المعلوفة، لأنها ليست زكوية الآن ولا عبرة بالجنس وإلا لوجبت فيما دون النصاب الآتي. "ولو وجبت بنتا مخاض مع جبران" كما في ست وثلاثين عند فقد بنتي اللبون. "لم يضعف الجبران في الأصح" فيأخذ مع كل بنت مخاض شاتين أو عشرين درهما، لأنه لو ضعف أخذ الضعف علينا فيما إذا رددناه إليهم والخيرة فيه هنا للإمام دون المالك نص عليه. "ولو كان" المال الزكوي. "بعض نصاب" كعشرين شاة. "لم يجب قسطه في الأظهر" إذ لا يجب فيه شيء على المسلم ومن ثم يجب القسط في الخلطة الموجبة للزكاة لا يقال يلزم عليه بقاء موسر منهم بلا جزية، لأنا نقول لا نظر هنا للأشخاص بل لمجموع الحاصل هل يفي برؤسهم أو لا كما تقرر. "ثم المأخوذ جزية" حقيقة فيصرف مصرفها كما أفهمه قول عمر السابق ورضوا بالمعنى. "فلا تؤخذ من مال من لا جزية عليه" ولو زاد المجموع على أقل الجزية فسألوا إسقاط الزيادة وإعادة اسم الجزية أجيبوا.

فصل في جملة من أحكام عقد الذمة
"يلزمنا" عند إطلاق العقد فعند الشرط أولى "الكف عنهم" نفسا، ومالا، وعرضا، واختصاصا، وعما معهم كخمر، وخنزير لم يظهروه لخبر أبي داود: "ألا من ظلم معاهدا، أو انتقصه، أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة" "وضمان ما نتلفه عليهم نفسا، ومالا"، ورد ما نأخذه من اختصاصاتهم كالمسلم، لأن ذلك هو فائدة الجزية كما أفادته آيتها "ودفع أهل الحرب"، والذمة، والإسلام وآثر الأولين، لأنهم الذين يتعرضون لهم غالبا "عنهم" إن كانوا بدارنا، لأنه يلزمنا الذب عنها، فإن كانوا بدار الحرب لم يلزمنا الدفع عنهم إلا إن شرطوه علينا أو انفردوا بجوارنا، وألحق بدارنا دار حرب فيها

 

ج / 4 ص -225-        مسلم، فإن أريد أنه يلزمنا دفع المسلم عنهم، أو أنه لا يمكن الدفع عن المسلم إلا بالدفع عنهم فقريب، أو دفع الحربيين عنهم بخصوصهم فبعيد جدا، والظاهر أنه غير مراد "وقيل: إن انفردوا لم يلزمنا الدفع عنهم" كما لا يلزمهم الذب عنا، والأصح أنه يلزمنا الدفع عنهم مطلقا حيث أمكن، لأنهم تحت قبضتنا كأهل الإسلام أما عند شرط أن لا نذب عنهم، فإن كانوا معنا، أو بمحل إذا قصدوهم مروا علينا فسد العقد لتضمنه تمكين الكفار منا، وإلا فلا، "ونمنعهم" وجوبا "إحداث كنيسة"، وبيعة، وصومعة للتعبد، ولو مع غيره كنزول المارة "في بلد أحدثناه" كالبصرة، والقاهرة "أو أسلم أهله" حال كونهم مستقلين، ومتغلبين "عليه" بأن كان من غير قتال، ولا صلح كاليمن، وقول شارح، والمدينة فيه نظر، لأنها من الحجاز، وهم لا يمكنون من سكناه مطلقا كما مر، وذلك لخبر ابن عدي: "لا تبنى كنيسة في الإسلام، ولا يجدد ما خرب منها"، وجاء معناه عن عمر وابن عباس رضي الله عنهم، ولا مخالف لهما ويهدم وجوبا ما أحدثوه، وإن لم يشرط عليهم هدمه، والصلح على تمكينهم منه باطل، وما وجد من ذلك، ولم يعلم أحد أنه بعد الإحداث، أو الإسلام، أو الفتح يبقى لاحتمال أنه كان ببرية أو قرية، واتصل به العمران، وكذا يقال: فيما يأتي في الصلح، ومر في القاهرة ما له تعلق بذلك مع الجواب عنه، أما ما بني من ذلك لنزول المارة فقط، ولو منهم فيجوز كما جزم به صاحب الشامل، وغيره "وما فتح عنوة" كمصر على ما مر، وبلاد المغرب "لا يحدثونها فيه" أي: لا يجوز تمكينهم من ذلك، ويجب هدم ما أحدثوه فيه، لأن المسلمين ملكوها بالاستيلاء "ولا يقرون على كنيسة كانت فيه" حال الفتح يقينا "في الأصح" لذلك قال الزركشي وعليه فلا يجوز تقرير الكنائس بمصر، والعراق، لأنهما فتحا عنوة انتهى، ومر الجواب عنه في مصر، والمنهدمة، ولو بفعلنا أي: قبل الفتح فيما يظهر لا يقرون عليها قطعا، "أو" فتح "صلحا بشرط الأرض لنا، وشرط إسكانهم" بخراج "وإبقاء الكنائس"، ونحوها "لهم جاز"، لأن الصلح إذا جاز بشرط كل البلد لهم فبعضها أولى، ولهم حينئذ ترميمها، وقضية قوله: وإبقاء منع الإحداث، وهو كذلك، وليس منه إعادتها، وترميمها، ولو بآلة جديدة، ونحو تطيينها، وتنويرها من داخل، وخارج، وقضيته أيضا منع شرط الإحداث، وبه صرح الماوردي، ونقلا عن الروياني، وغيره جوازه، وأقراه، وحمله الزركشي على ما إذا دعت إليه ضرورة قال: وإلا فلا وجه له، ورد بأن الأوجه إطلاق الجواز "وإن أطلق" شرط الأرض لنا، وسكت عن نحو الكنائس "فالأصح المنع" من إبقائها، وإحداثها فتهدم كلها، لأن الإطلاق يقتضي صيرورة جميع الأرض لنا، ولا يلزم من بقائهم بقاء محل عبادتهم فقد يسلمون، وقد يخفون عبادتهم "أو" بشرط أن تكون الأرض لهم، ويؤدون خراجها "قررت" كنائسهم، ونحوها "ولهم الإحداث في الأصح"، لأن الأرض لهم.
تنبيه: ما فتح من ديار الحربيين بشرط مما ذكر لو استولوا عليه بعد كبيت المقدس كان عمر رضي الله عنه فتحه صلحا على أن الأرض لنا، وأبقى لهم الكنائس، ثم استولوا عليه ففتحه صلاح الدين بن أيوب كذلك، ثم فتح بشرط يخالف ذلك فهل العبرة بالشرط الأول، لأنه بالفتح الأول صار دار إسلام فلا يعود دار كفر كما هو ظاهر من صرائح

 

ج / 4 ص -226-        كلامهم، ومر في فصل الأمان ما له تعلق بذلك، أو بالشرط الثاني، لأن الأول نسخ به، وإن لم تصر دار كفر كل محتمل لكن الوجه هو الأول، وعجيب ممن أفتى بما يوافق الثاني، ومعنى لهم هنا، وفي نظائره الموهمة حل ذلك لهم، واستحقاقهم له عدم المنع منه فقط، لأنه من جملة المعاصي في حقهم أيضا، لأنهم مكلفون بالفروع، ولم ينكر عليهم كالكفر الأعظم لمصلحتهم بتمكينهم من دارنا بالجزية ليسلموا، أو يأمنوا، ومن هنا غلط الزركشي، وغيره جمعا توهموا من تقرير الأصحاب لهم في هذا الباب على معاص أنهم غير مكلفين بها شرعا، وهو غفلة فاحشة منهم إذ فرق بين لا يمنعون، ولهم ذلك، إذ عدم المنع أعم من الإذن الصريح في الإباحة شرعا، ولم يقل بها أحد بل صرح القاضي أبو الطيب أن ما يخالف شرعنا لا يجوز إطلاق التقرير عليه، وإنما جاء الشرع بترك التعرض لهم، والفرق أن التقرير يوجب فوات الدعوة بخلاف ترك التعرض لهم، لأنه مجرد تأخير المعاقبة إلى الآخرة انتهى، ولكون ذلك معصية حتى في حقهم أيضا أفتى السبكي بأنه لا يجوز لحاكم الإذن لهم فيه، ولا لمسلم إعانتهم عليه، ولا إيجار نفسه للعمل فيه، فإن رفع إلينا فسخناه، ثم اختار لنفسه المنع من تمكينهم من كل ترميم، وإعادة مطلقا، وانتصر له ولده، ولا يجوز دخول كنائسهم المستحقة الإبقاء إلا بإذنهم ما لم يكن فيها صورة معظمة.
تتمة: ما فتح عنوة، أو على أنه لنا للإمام رده عليهم بخراج معين يؤدونه كل سنة، وتؤخذ الجزية معه، لأنه أجرة لا تسقط بإسلامهم، ومن ثم أخذ من أرض نحو صبي، ولهم الإيجار لا نحو البيع، ولا يشترط بيان المدة بل يكون مؤبدا كما مر في أرض العراق، والأراضي التي عليها خراج لا يعرف أصله يحكم بحل أخذه لاحتمال أنه وضع بحق كما تقرر، أو على أنه لهم بخراج معلوم كل سنة يفي بالجزية عن كل حالم منهم صح، وأجريت عليهم أحكامها فيؤخذ، وإن لم يزرعوا، ويسقط بإسلامهم فإن اشتراها، أو استأجرها مسلم صح والخراج على البائع، والمؤجر.
"ويمنعون" وإن لم يشرط منعهم في عقد الذمة على المعتمد "وجوبا، وقيل: ندبا من رفع بناء" لهم، ولو لخوف سراق يقصدونهم فقط على الأوجه "على بناء جار مسلم"، وإن كان في غاية القصر، وقدر على تعليته من غير مشقة نعم بحث البلقيني تقييده بما إذا اعتيد مثله للسكنى، وإلا لم يكلف الذمي النقص عن أقل المعتاد، وإن عجز المسلم عن تتميم بنائه، وذلك لحق الله تعالى، وتعظيما لدينه فلا يباح برضا الجار، أما جار ذمي فلا منع وإن اختلفت ملتهما على الأوجه، وخرج برفع شراؤه لدار عالية لم تستحق الهدم فلا يمنع إلا من الإشراف منها كصبيانهم فيمنع من طلوع سطحها إلا بعد تحجيره كما قاله الماوردي، وغيره، ونازع فيه الأذرعي بأنه زيادة تعلية إن كان بنحو بناء، ويجاب بأنه لمصلحتنا فلم ينظر فيه لذلك، وله استئجارها أيضا، وسكناها لكن يأتي ما تقرر عن الماوردي هنا أيضا كما هو ظاهر، وتردد الزركشي في بقاء روشنها، لأن التعلية من حقوق الملك، والروشن لحق الإسلام، وقد زال وقضية كلامهم بقاؤه، لأنه يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء، ولا نسلم أن التعلية من حقوق الملك لا غير، بل هي من حقوق الإسلام أيضا كما صرحوا به بقولهم:

 

ج / 4 ص -227-        لو رضي الجار بها لم تجز، لأن الحق لله تعالى على أنها أولى بالمنع من الروشن ألا ترى أن المسلم لو أذن في إخراج روشن في هواء ملكه جاز، ولا كذلك التعلية والأوجه أن الجار هنا أربعون من كل جانب كما في الوصية، وقول الجرجاني المراد أهل محلته لا كل أهل البلد فيه نظر، وإن استظهره الزركشي، وغيره، لأنه قد لا يعلو على أهل محلته، ويعلو على ملاصقه من محلة أخرى نعم إن شرط مع الضبط بذلك بعده عن بناء المسلم من سائر الجوانب عرفا بحيث صار لا ينسب إليه لم يبعد اعتماده حينئذ ", والأصح المنع من المساواة" أيضا تمييزا بينهما "و" الأصح "أنهم لو كانوا بمحلة منفصلة" عن المسلمين كطرف متقطع عن العمارة بأن كان داخل السور مثلا، وليس بحارتهم مسلم يشرفون عليه لبعد ما بين البناءين فاندفع استشكال تصوير الانفصال مع عده من البلد "لم يمنعوا" من رفع البناء، إذ لا ضرر هنا بوجه، ولو لاصقت أبنيتهم دورا لبلد من جانب جاز الرفع من بقية الجوانب أي: حيث لا إشراف منه، وأفتى أبو زرعة بمنع بروزهم في نحو النيل على جار مسلم لإضرارهم له بالاطلاع على عورته، ونحو ذلك كالإعلاء قال: بل قياس منع المساواة ثم منعها هنا انتهى وإنما يتجه إن جاز ذلك في أصله أما إذا منع من هذا حتى المسلم كما مر في إحياء الموات فلا وجه لذكره هنا نعم يتصور في نهر حادث مملوكة حافاته، ولو رفع على بناء المسلم لم يسقط الهدنة بتعلية المسلم، وكذا بيعه لمسلم على الأوجه أخذا من قولهم في مواضع من الصلح، والعارية يثبت للمشتري ما كان لبائعه، ويتردد النظر فيما لو أسلم قبل الهدم، والذي يتجه إبقاؤه ترغيبا في الإسلام كما يسقط عنه الرجم بإسلامه، ثم رأيت شيخنا قال فيما باعه لمسلم، أو أسلم الظاهر أخذا من كلام ابن الرفعة، وغيره أن ذلك يمنع من الهدم قال الأذرعي وحكمت أيام قضائي على يهودي بهدم بناء أعلاه، وبالنقص عن المساواة لجاره المسلم فأسلم فأقررته على بنائه انتهى فما قالاه في الإسلام يوافق ما ذكرته وما قاله شيخنا في البيع لمسلم يخالف ما ذكرته، والأوجه ما ذكرته لما علمت أنه الموافق لكلامهم.
"ويمنع الذمي" أي: الذكر المكلف، ومثله معاهد، ومستأمن كما هو ظاهر "ركوب خيل" لما فيها من العز والفخر لا في محلة انفردوا فيها غير دارنا على ما رجحه الزركشي كالأذرعي، واعترض، ويوجه بأن العز ينافي الذلة المضروبة عليهم في سائر الأمكنة، والأزمنة إلا أن يقال: لا نظر لذلك مع كونهم بغير دارنا إذ لا عز فيه بالنسبة لنا، وألحق بها تعليم من لم يرج إسلامه علوم الشرع، وآلاتها إلا نحو علوم العربية على أن بعضهم عمم المنع، لأن في ذلك تسليطا لهم على عوامنا "لا" براذين خسيسة كما قاله الجويني، وغيره قال الزركشي وهو حسن، وعبارة أصل الروضة، واستثنى الجويني البراذين الخسيسة، وسكت عليه ففهم منه في الروض اعتماده فجزم به لكن قال الزركشي وغيره: الجمهور على أنه لا فرق ولا من ركوب نفيسة زمن قتال استعنا بهم فيه كما بحثه الأذرعي، ولا ركوب "حمير" نفيسة "وبغال نفيسة" لخستهما، ولا عبرة بطرو عزة البغال في بعض البلدان على أنهم يفارقون من اعتاد ركوبها من الأعيان بهيئة ركوبهم التي فيها غاية التحقير والإذلال كما قاله،

 

ج / 4 ص -228-        "ويركب" ها عرضا بأن يجعل رجليه من جانب واحد، وبحث الشيخان تخسيسه بسفر قريب في البلدان "بإكاف"، أو برذعة، وقد يشملها "وركاب خشب لا حديد"، أو رصاص "ولا سرج" لكتاب عمر بذلك، وليتميزوا عنا بما يحقرهم، ومن ثم كان ذلك واجبا، وبحث الأذرعي منعه من الركوب مطلقا في مواطن زحمتنا لما فيه من الإهانة، ويمنعون من حمل السلاح، وتختم، ولو بفضة، واستخدام مملوك فاره كتركي، ومن خدمة الأمراء كما ذكرهما ابن الصلاح واستحسنه في الأولى الزركشي، ومثلها الثانية، بل أولى قال ابن كج وغير الذكر البالغ أي: العاقل لا يلزم بصغار مما مر، ويأتي كالجزية، وعليه يستثنى نحو الغيار لضرورة التمييز "ويلجأ" وجوبا عند ازدحام المسلمين بطريق "إلى أضيق الطرق" لأمره صلى الله عليه وسلم بذلك لكن بحيث لا يتأذى بنحو وقوع في وهدة، أو صدمة جدار قال الماوردي، ولا يمشون إلا أفرادا متفرقين.
تنبيه: قضية تعبيرهم بالوجوب أخذا من الخبر أنه يحرم على المسلم عند اجتماعهما في طريق أن يؤثره بواسعه، وفي عمومه نظر، والذي يتجه أن محله إن قصد بذلك تعظيمه، أو عد تعظيما له عرفا، وإلا فلا وجه للحرمة لا يقال هذا من حقوق الإسلام فلا يسقط برضا المسلم كالتعلية، لأنا نقول الفرق واضح بأن ذاك ضرره يدوم وهذا بالقيدين اللذين ذكرتهما لا ضرر فيه، ولئن سلم فهو ينقضي سريعا.
"ولا يوقر، ولا يصدر في مجلس" به مسلم أي: يحرم علينا ذلك إهانة له، وتحرم موادته أي: الميل إليه لا من حيث وصف الكفر، وإلا كانت كفرا بالقلب، ولو نحو أب، وابن، واضطرار محبتهما للتكسب في الخروج عنها مدخل أي مدخل، وتكره بالظاهر، ولو بالمهاداة على الأوجه إن لم يرج إسلامه، أو يكن لنحو رحم، أو جوار فيما يظهر أخذا من كلامهم في مواضع كعيادته، وتعزيته، وتعليمه القرآن أو نحوه، وعلى هذا التفصيل يحمل اختلاف كلام الشيخين، وألحق بالكافر في ذلك كل فاسق، وفي عمومه نظر والذي يتجه حمل الحرمة على ميل مع إيناس له أخذا من قولهم يحرم الجلوس مع الفساق إيناسا لهم "ويؤمر" وجوبا عند اختلاطهم بنا، وإن دخل دارنا لرسالة، أو تجارة، وإن قصرت مدة اختلاطه بنا كما اقتضاه إطلاقهم "بالغيار" بكسر المعجمة، وهو تغيير اللباس كأن يخيط فوق أعلى ثيابه كما يفيده كلامه الآتي بموضع لا يعتاد الخياطة عليه كالكتف ما يخالف لونها ويكفي عنه نحو منديل معه كما قالاه، واستبعده ابن الرفعة، والعمامة المعتادة لهم اليوم، والأولى باليهود الأصفر، وبالنصارى الأزرق، وبالمجوس الأسود، وبالسامرة الأحمر، لأن هذا هو المعتاد في كل بعد الأزمنة الأولى فلا يرد كون الأصفر كان زي الأنصار رضي الله عنهم على ما حكي، والملائكة يوم بدر، وكأنهم إنما آثروهم به لغلبة الصفرة في ألوانهم الناشئة عن زيادة فساد القلب كما في حديث: "ولا أفسد من قلب اليهود"، ولو أرادوا التمييز بغير المعتاد منعوا خوف الاشتباه، وتؤمر ذمية خرجت بتخالف خفيها، وألحق بها الخنثى "والزنار" بضم الزاي "فوق الثياب"، وهو خيط غليظ فيه ألوان يشد بالوسط نعم المرأة، وألحق بها الخنثى تشده تحت إزارها لكن تظهر بعضه، وإلا لم يكن له فائدة، وقول الشيخ

 

ج / 4 ص -229-        أبي حامد تجعله فوقه مبالغة في التمييز يرد بأن فيه تشبيها بما يختص عادة بالرجال، وهو حرام، وبفرض عدم حرمته ففيه إزراء قبيح بالمرأة فلم تؤمر به، ويمنع إبداله بنحو منطقة، أو منديل، والجمع بينهما تأكيد، ومبالغة في الشهرة، وهو المنقول عن عمر رضي الله عنه فللإمام الأمر بأحدهما فقط، وإن نوزع فيه، ولا يمنعون من نحو ديباج، أو طيلسان، ونازع فيه الأذرعي بالتختم السابق، ويرد بأن محذور التختم من الخيلاء يتأتى مع تمييزه عنا بما مر بخلاف محذور التطيلس من محاكاة عظمائنا، فإنه ينتفي بتمييزه عنا بذلك، "وإذا دخل حماما فيه مسلمون" أو مسلم "أو تجرد" في غيره "عن ثيابه"، وثم مسلم "جعل في عنقه"، أو نحوه "خاتم" أي طوق "حديد، أو رصاص" بفتح الراء، وكسرها من لحن العامة "ونحوه" بالرفع أي: الخاتم كجلجل، وبالكسر أي الحديد، أو الرصاص كنحاس وجوبا ليتميز، وتمنع الذمية من حمام به مسلمة فلا يتأتى ذلك فيها، "ويمنع" وجوبا، وإن لم يشرط عليه من التسمية بمحمد، وأحمد، والخلفاء الأربعة، والحسنين رضي الله عنهم على ما قاله بعض أصحابنا قال الأذرعي، ولا أدري من أين له ذلك، والمنع من محمد، وأحمد يحتمل عندي خشية السخرية به وقد يعترض بأنهم يسمون بموسى، وعيسى، وسائر أسماء الأنبياء دائما من غير نكير مع عداوة بعضهم لبعض الأنبياء نعم روي أن عمر رضي الله عنه كتب على نصارى الشام أن لا يكنوا بكنى المسلمين. ا هـ. قال غيره، وما ذكره من الجواز في غير محمد، وأحمد ظاهر، وأما ما يشعر برفعة المسمى فيمنعون منه كما قاله العراقي، وأشعر به كلام الماوردي. ويمنع "من إسماعه المسلمين شركا" كثالث ثلاثة "و" يمنع من "قولهم" القبيح، ويصح نصبه عطفا على شركا "في عزير، والمسيح" صلى الله على نبينا، وعليهما، وسلم أنهما ابنا الله، والقرآن أنه ليس من الله تعالى "ومن" ابتذال مسلم في مهنة بأجرة أو لا، وإرسال نحو الضفائر، لأنه شعار الأشراف غالبا، ومن "إظهار" منكر بيننا "نحو خمر، وخنزير، وناقوس"، وهو ما يضرب به النصارى لأوقات الصلاة "وعيد"، ونحو لطم، ونوح، وقراءة نحو توراة، وإنجيل، ولو بكنائسهم، لأن في ذلك مفاسد كإظهار شعار الكفر فإن انتفى الإظهار فلا منع، وتراق خمر لهم أظهرت، ويتلف ناقوس لهم أظهر، ومر ضابط الإظهار في الغصب، ويحدون لنحو زنا، أو سرقة لا خمر لما مر في نكاح المشرك "ولو شرطت" عليهم "هذه الأمور" التي يمنعون منها أي: شرط عليهم الامتناع منها، أو إن فعلوا كانوا ناقضين "فخالفوا" ذلك مع تدينهم بها "لم ينتقض العهد"، إذ ليس فيها كبير ضرر علينا لكن يبالغ في تعزيرهم حتى يمتنعوا منها، "ولو قاتلونا" بلا شبهة لما مر في البغاة كأن صال عليه مسلم فقتله دفعا، وقتالهم لنحو ذميين يلزمنا الذب عنهم قتال لنا في المعنى كما هو ظاهر فله حكمه "أو امتنعوا" تغلبا "من" بذل "الجزية" التي عقد بها لغير عجز وإن كانت أكثر من دينار كما مر "أو من إجراء حكم الإسلام" عليهم "انتقض" عهد الممتنع، وإن لم يشرط عليه ذلك لإتيانه بنقيض عهد الذمة من كل وجه أما الموسر الممتنع بغير نحو قتال فتؤخذ منه قهرا، ولا انتقاض، وكذا الممتنع من الأخير "ولو زنى ذمي بمسلمة"، وألحق به اللواط بمسلم "أو أصابها بنكاح" أي: بصورته مع علمه بإسلامها فيهما "أو دل أهل الحرب على عورة" أي: خلل

 

ج / 4 ص -230-        "للمسلمين" كضعف "أو فتن مسلما عن دينه"، أو دعاه للكفر "أو طعن في الإسلام، أو القرآن، أو ذكر" جهرا الله تعالى، أو "رسول الله صلى الله عليه وسلم"، أو القرآن، أو نبيا "بسوء" مما لا يتدينون به، أو قتل مسلما عمدا، أو قذفه "فالأصح أنه إن شرط انتقاض العهد بها انتقض" لمخالفة الشرط "وإلا" بشرط ذلك، أو شك هل شرط، أو لا على الأوجه "فلا" ينتقض، لأنها لا تخل بمقصود العقد، وصحح في أصل الروضة أن لا نقض مطلقا، وضعف، وسواء انتقض أم لا يقام عليه موجب فعله من حد، أو تعزير فلو رجم، وقلنا بالانتقاض صار ماله فيئا، أما ما يتدين به كزعمهم أن القرآن ليس من عند الله، أو أن الله ثالث ثلاثة "قول المحشي قوله: من رقه غير كامل" ليس في نسخ الشرح التي بأيدينا. ا هـ. فلا نقض به مطلقا قطعا، "ومن انتقض عهده بقتال جاز"، بل وجب "دفعه، وقتاله"، ولا يبلغ المأمن لعظم جنايته، ومن ثم جاز قتله، وإن أمكن دفعه بغيره فيما يظهر من كلامهم، ويظهر أيضا أن محله في كامل ففي غيره يدفع بالأخف، لأنه إذا اندفع به كان مالا للمسلمين ففي عدم المبادرة إلى قتله مصلحة لهم فلا تفوت عليهم "أو بغيره" أي: القتال "لم يجب إبلاغه مأمنه في الأظهر، بل يختار الإمام" فيه إن لم يطلب تجديد عقد الذمة، وإلا وجبت إجابته "قتلا، ورقا" الواو هنا، وبعد بمعنى أو، وآثرها، لأنها أجود في التقسيم عند غير واحد من المحققين "ومنا، وفداء"، لأنه حربي لإبطاله أمانه به فارق من دخل بأمان نحو صبي اعتقده أمانا قيل: ما قالاه هنا ينافي قولهما في الهدنة من دخل دارنا بأمان، أو هدنة لا يغتال، وإن انتقض عهده بل يبلغ المأمن مع أن حق الذمي آكد، ولم يظهر بينهما فرق. ا هـ. وقد يظهر بينهما فرق بأن يقال: جناية الذمي أفحش لكونه خالطنا خلطة ألحقته بأهل الدار فغلظ عليه أكثر، "فإن أسلم" المنتقض عهده "قبل الاختيار امتنع الرق"، والقتل كما هو معلوم، والفداء كما يعلم من امتناع الرق فلا يردان عليه بخلاف الأسير، لأنه لم يحصل في يد الإمام بالقهر، وله أمان متقدم فخف أمره، "وإذا بطل أمان رجال" الحاصل بجزية، أو غيرها "لم يبطل أمان" ذراريهم من نحو "نسائهم، والصبيان في الأصح"، إذ لا جناية منهم تناقض أمانهم، وإنما تبعوا في العقد لا النقض تغليبا للعصمة فيهما، ولو طلبوا دار الحرب أجيب النساء لا الصبيان، إذ لا اختيار لهم، "وإذا اختار ذمي نبذ العهد، واللحوق بدار الحرب بلغ المأمن" أي: المحل الذي هو أقرب بلادهم من دارنا مما يأمن فيه على نفسه، وماله، لأنه لم يظهر منه خيانة.

باب الهدنة
من الهدون، وهو السكون، لأن بها تسكن الفتنة، إذ هي لغة المصالحة، وشرعا مصالحة الحربيين على ترك القتال المدة الآتية بعوض، أو غيره، وتسمى موادعة، ومسالمة، ومعاهدة، ومهادنة، وأصلها قبل الإجماع أول سورة براءة، ومهادنته صلى الله عليه وسلم قريشا عام الحديبية، وهي السبب لفتح مكة، لأن أهلها لما خالطوا المسلمين، وسمعوا القرآن أسلم منهم أكثر ممن أسلم قبل، وهي جائزة لا واجبة أي: أصالة، وإلا فالوجه وجوبها إذا ترتب على تركها إلحاق ضرر بنا لا يتدارك كما يعلم مما يأتي.

 

ج / 4 ص -231-        "عقدها" لجميع الكفار، أو "لكفار إقليم" كالهند "يختص بالإمام" ومثله مطاع بإقليم لا يصله حكم الإمام كما هو قياس نظائره "ونائبه فيها" وحدها، أو مع غيرها، ولو بطريق العموم لما فيها من الخطر، ووجوب رعاية مصلحتنا "و" عقدها "لبلدة"، أو أكثر من إقليم لا كله وفاقا للفوراني، وخلافا للعمراني "يجوز لوالي الإقليم أيضا" أي: كما يجوز للإمام، أو نائبه لاطلاعه على مصلحة، وبحث البلقيني جوازها مع بلدة مجاورة لإقليمه إذا رأى المصلحة فيها لأهل إقليمه، لأنها حينئذ من متعلقات إقليمه، وتعين استئذان الإمام إن أمكن انتهى، وإنما يتجه هذا التعين حيث تردد في وجه المصلحة "وإنما يعقدها لمصلحة" لما فيها من ترك القتال، ولا يكفي انتفاء المفسدة قال تعالى: {فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ} [محمد: 35]، والمصلحة "كضعفنا بقلة عدد، وأهبة"، لأنه الحامل على المهادنة عام الحديبية "أو" عطف على ضعف "رجاء إسلام، أو بذل جزية"، أو إعانتهم لنا، أو كفهم عن الإعانة علينا، أو بعد دارهم، وإن كنا أقوياء في الكل للاتباع في الأول "فإن لم يكن" بنا ضعف كما بأصله، ورأى الإمام المصلحة فيها "جازت أربعة أشهر"، ولو بلا عوض للآية السابقة "لا سنة"، لأنها مدة الجزية فلا يجوز تقريرهم فيها بدون جزية "وكذا دونها"، وفوق أربعة أشهر "في الأظهر" للآية أيضا نعم لا يتقيد عقدها لنحو نساء، ومال بمدة "ولضعف" بنا "تجوز عشر سنين" فما دونها بحسب الحاجة "فقط"، لأنها مدة مهادنة قريش، ومتى احتيج لأقل من العشر لم تجز الزيادة عليه، وجوز جمع متقدمون الزيادة على العشر إن احتيج إليها في عقود متعددة بشرط أن لا يزيد كل عقد على عشر، وهو قياس كلامهم في الوقف، وغيره لكن نازع فيه الأذرعي بأنه غريب، ويوجه بأن المعنى المقتضي لمنع ما زاد على العشر من كونها المنصوص عليها مع عدم دراية ما يقع بعدها موجود مع التعدد ففيه مخالفة للنص، إذ الأصل منع الزيادة عليه، وبه فارق نظائره نعم إن انقضت المدة والحاجة باقية استؤنف عقد آخر، وهكذا، ولو زال نحو خوف أثناء المدة وجب إبقاؤها، ويجتهد الإمام عند طلبهم لها، ولا ضرر، ويفعل الأصلح وجوبا، ولو دخل دارنا بأمان لسماع كلام الله تعالى فتكرر سماعه له بحيث ظن عناده أخرج، ولا يمهل أربعة أشهر، "ومتى زاد" العقد "على الجائز" من أربعة أشهر، أو عشر سنين مثلا "فقولا تفريق الصفقة" فيصح في الجائز، ويبطل فيما زاد عليه، ويشكل عليه أن نحو ناظر الوقف لو زاد على المدة الجائزة بلا عذر بطل في الكل إلا أن يفرق بأن المغلب هنا النظر لحقن الدماء، وللمصلحة التي اقتضت جواز الهدنة على خلاف الأصل فروعي ذلك ما أمكن "وإطلاق العقد" عن ذكر المدة في غير نحو النساء لما مر "يفسده" لاقتضائه التأييد الممتنع، ويفرق بين هذا، وتنزيل الأمان المطلق على أربعة أشهر بأن المفسدة هنا أخطر لتشبثهم بعقد يشبه عقد الجزية "وكذا شرط فاسد" اقترن بالعقد فيفسده أيضا "على الصحيح بأن" أي: كأن "شرط" فيه "منع فك أسرانا" منهم "أو ترك ما" استولوا عليه "لنا" الصادق بأحدنا، بل الذي يظهر أن ما للذمي كذلك "لهم" الصادق بأحدهم بل الذي يظهر أيضا أن شرط تركه لذمي، أو مسلم كذلك، أو رد مسلم أسير أفلت منهم، أو سكناهم الحجاز، أو إظهارهم الخمر بدارنا، أو

 

ج / 4 ص -232-        أن نبعث لهم من جاءنا منهم لا التخلية بينهم وبينه، ويأتي شرط رد مسلمة تأتينا منهم "أو" فعلت "لتعقد لهم ذمة بدون دينار" لكل واحد "أو" لأجل أن "يدفع"، ويجوز جره عطفا على دون "مال" منا، وهل مثله الاختصاص قضية نظائره نعم إلا أن يفرق "إليهم" لمنافاة ذلك كله لعزة الإسلام نعم إن اضطررنا لبذل مال لفداء أسرى يعذبونهم، أو لإحاطتهم بنا، وخوف استئصالنا وجب بذله، ولا يملكونه لفساد العقد حينئذ وقولهم: يسن فك الأسرى محله في غير المعذبين إذا أمن قتلهم، وقال شارح الندب للآحاد، والوجوب على الإمام، وفيه نظر، ومر قبيل فصل يكره غزو ما يعلم منه أن محل ذلك إن لم يتوقع خلاصهم منهم بقتال، ولو على ندور، وإلا وجب عينا على كل من توقعه، وقدر عليه، وإن لم يعذبوهم فالحاصل أن من عجزنا عن خلاصه إن عذب لزم الإمام من بيت المال فداؤه، وإلا سن، وهل يجب على كل موسر بما مر في شراء الماء في التيمم فداء المعذب، لأنه أولى من شراء الماء، أو لا، لأن هذا إنما يخاطب به الإمام فقط، أو يفرق بين قلة الفداء، وكثرته عرفا كل محتمل، والأقرب الأول حيث غلب على ظنه خلاصه بما يبذله فيه فاضلا عما تقرر، ويفرق بين ما تقرر من إيجاب خلاصه بقتال مطلقا بخلافه بالمال بأن في القتال عزا للإسلام بخلاف بذل المال فلم يجب إلا عند الضرورة، "وتصح الهدنة على أن ينقضها الإمام"، أو مسلم ذكر معين عدل ذو رأي في الحرب يعرف مصلحتنا في فعلها، وتركها "متى شاء"، وتحرم عليه مشيئته أكثر من أربعة أشهر عند قوتنا، أو أكثر من عشر سنين عند ضعفنا، وخرج بذلك ما شاء الله أو ما أقركم الله، وAإنما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلمه به بالوحي، ولإمام تولى بعد عاقدها نقضها إن كانت فاسدة بنص، أو إجماع "ومتى" فسدت بلغوا مأمنهم وجوبا، وأنذرناهم قبل أن نقاتلهم إن لم يكونوا بدارهم، وإلا قلنا قتالهم بلا إنذار ومتى "صحت وجب" علينا "الكف" لأذانا، أو أذى الذميين الذين ببلادنا فيما يظهر بخلاف أذى الحربيين، وبعض أهل الهدنة "عنهم"، وفاء بالعهد، إذ القصد كف من تحت أيدينا عنهم لا حفظهم بخلاف أهل الذمة "حتى تنقضي" مدتها، أو ينقضها من علقت بمشيئته، والإمام، أو نائبه بطريقه كما يعلم مما يأتي "أو ينقضوها" هم، ونقضها منهم يحصل "بتصريح" منهم بنقضها "أو" بنحو "قتالنا، أو مكاتبة أهل الحرب بعورة لنا، أو قتل مسلم"، أو ذمي بدارنا أي: عمدا كما هو ظاهر، أو فعل شيء مما اختلف في نقض عقد الذمة به مما مر، وغيره لعدم تأكدها ببذل جزية، أو إيواء عين للكفار، أو أخذ مالنا، وإن جهلوا أن ذلك ناقض لقوله تعالى: {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ} [التوبة: 12] "وإذا انتقضت" بغير قتال "جازت الإغارة عليهم" نهارا "وبياتهم" أي: الإغارة عليهم ليلا إن كانوا ببلادهم، ومر قبيل الباب ما له تعلق بذلك، فإن كانوا ببلادنا بلغوا مأمنهم أي: محلا يأمنون فيه منا، ومن أهل عهدنا، ولو بطرف بلادنا فيما يظهر، ومن جعله دارا لحرب أراد باعتبار الغالب، ومن له مأمنان يتخير الإمام، ولا يلزمه إبلاغ مسكنه منهما على الأوجه، وأفهم قوله: وإذا إلى آخره أنه يضم لما بعد حتى، ويصلوا مأمنهم "ولو نقض بعضهم الهدنة، ولم ينكر الباقون" عليه "بقول، ولا فعل" بل استمروا على مساكنتهم، وسكتوا "انتقض فيهم أيضا" لإشعار سكوتهم برضاهم بالنقض،

 

ج / 4 ص -233-        ولا يتأتى ذلك في عقد الجزية لقوته "فإن أنكروا" عليهم "باعتزالهم، أو بإعلام الإمام"، أو نائبه "ببقائهم على العهد فلا" نقض في حقهم لقوله تعالى: {أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ} [الأعراف: 165]، ثم ينذر المعلمين بالتميز عنهم، فإن أبوا فناقضون أيضا، "ولو خاف" الإمام، أو نائبه "خيانتهم" بشيء مما ينقض إظهاره بأن ظهرت أمارة بذلك "فله نبذ عهدهم إليهم" لقوله تعالى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً} [الأنفال: 58] الآية فإن لم تظهر أمارة حرم النقض، لأن عقدها لازم، وبعد النبذ ينتقض عهدهم لا بنفس الخوف، وهذا مراد من اشترط في النقض حكم الحاكم به "و" بعد النقض، واستيفاء ما وجب عليهم من الحقوق "ببلغهم المأمن" وجوبا، وفاء بالعهد، "ولا ينبذ عقد الذمة بتهمة" بفتح الهاء، لأنه آكد لتأبيده، ومقابلته بمال، ولأنهم في قبضتنا غالبا، "ولا يجوز شرط رد مسلمة تأتينا منهم" مسلمة، أو كافرة ثم تسلم لقوله تعالى: {فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: 10]، ولخوف الفتنة عليها لنقص عقلها، ووقوع ذلك في صلح الحديبية نسخه ما في الممتحنة لنزولها بعد، ويجوز شرط رد كافرة، ومسلم، فإن شرط رد من جاءنا مسلما منهم صح، ولم يجز به رد مسلمة احتياطا لأمرها لخطره "فإن شرط" رد المسلمة "فسد الشرط"، لأنه أحل حراما "وكذا العقد في الأصح" لاقترانه بشرط فاسد قيل: ما عبر عنه بالأصح هنا هو بعض ما عبر عنه بالصحيح فيما مر فكرر، وناقض انتهى، ويجاب بأنه لا يرد ذلك إلا لو كان ما مر صيغة عموم، وليس كذلك، وإنما هو مطلق، وهذا تقييد له فلا تكرار، ولا تناقض، ووجه قوته هنا صحة الخبر به كما تقرر فكان مستثنى من ذاك، وسره أن فيه إشعارا بتمام عزة الإسلام، واستغناء أهله كما يرشد إليه قوله صلى الله عليه وسلم: "من جاءنا منكم رددناه، ومن جاءكم منا فسحقا سحقا" "وإن شرط" بالبناء للمفعول أي شرطوا علينا، أو الفاعل أي: شرط لهم الإمام "رد من جاء" منهم إلينا أي: التخلية بينهم، وبينه "أو لم يذكر رد"، ولا عدمه "فجاءت امرأة" مسلمة "لم يجب" علينا لأجل ارتفاع نكاحها بإسلامها قبل، وطء، أو بعده، وإن حلنا بينه، وبينها "دفع مهر إلى زوجها في الأظهر"، لأن البضع غير متقوم فلا يشمله الأمان وقوله تعالى: {وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا} [الممتحنة: 10] لا يدل على وجوب خصوص مهر المثل، ويوجه بأنه لا يمكن الأخذ بظاهره لشموله جميع ما أنفقه الشخص من المهر، وغيره، ولا نعلم قائلا بوجوب ذلك، ولا حمله على المسمى، لأنه غير بدل البضع الواجب في الفرقة في نحو ذلك، ولا مهر المثل، لأن المقابل لم يقل به فتعين أن الأمر لندب تطييب خاطره بأي شيء كان، وهذا مع ما فيه، أو أوضح من الجواب بأنها، وإن كانت ظاهرة في وجوب غرم المهر محتملة لندبه الصادق بعدم الوجوب الموافق للأصل، ورجحوه على الوجوب لما قام عندهم في ذلك انتهى فإن قلت ما ذكرته من أن حملها على وجوب الكل يخالف الإجماع، وعلى المسمى يخالف القاعدة، وعلى مهر المثل يخالف ما يقوله المقابل يمكن أنه الذي قام عندهم قلت يمكن ذلك بلا شك، "و" عند شرط ما ذكر من الرد "لا يرد صبي، ومجنون" أنثى، أو ذكر، وصفا الإسلام أم لا امرأة، وخنثى أسلما أي: لا يجوز ردهم، ولو للأب، أو نحوه لضعفهم، فإن كمل أحدهما، واختارهم مكناه منهم، ومحل قولهم تسن الحيلولة بين صبي أسلم، وأبويه فيمن هم بدارنا، لأنا ندفع عنه
،

 

ج / 4 ص -234-        "وكذا" لا يرد لهم "عبد" بالغ عاقل، أو أمة، ولو مستولدة جاء إلينا مسلما، ثم إن أسلم بعد الهجرة، أو قبل الهدنة عتق، أو بعدهما، وأعتقه سيده فواضح، وإلا باعه الإمام لمسلم، أو دفع لسيده قيمته من المصالح، وأعتقه عن المسلمين، والولاء لهم "وحر" كذلك "لا عشيرة له"، أو له عشيرة، ولا تحميه فلا يجوز رد أحدهما "على المذهب" لئلا يفتنوه "ويرد" عند شرط الرد لا عند الإطلاق، إذ لا يجب فيه رد مطلقا "من" أي: حر ذكر بالغ عاقل، ولو مسلما "له عشيرة" تحميه وقد "طلبته"، أو واحد منها، ولو بوكيله كما هو ظاهر "إليها"، لأنه صلى الله عليه وسلم رد أبا جندل على أبيه سهيل بن عمرو كذا استدلوا به، ورد بأن هذا، وإن جرى في الحديبية إلا أنه قبل عقد الهدنة معهم رواه البخاري "لا إلى غيرها" أي: عشيرته الطالبة له فلا يرد، ولو بإذنهم فيما يظهر، فإليها متعلق بكل من الفعلين "إلا أن يقدر المطلوب على قهر الطالب، والهرب منه" فيرد إليه، وعليه حملوا رده صلى الله عليه وسلم أبا بصير لما جاء في طلبه رجلان فقتل أحدهما، وهرب منه الآخر "ومعنى الرد" هنا "أن يخلي بينه، وبين طالبه" كما في الوديعة، ونحوها "ولا يجبر على الرجوع" مع طالبه لحرمة إجبار المسلم على إقامته بدار الحرب "ولا يلزمه" أي: المطلوب "الرجوع" مع طالبه، بل يجوز له إن خشي فتنة، وذلك، لأنه لم يلتزمه إذا العاقد غيره، ولهذا لم ينكر صلى الله عليه وسلم على أبي بصير امتناعه، ولا قتله لطالبه، بل سره ذلك، ومن ثم سن أن يقال له سرا لا ترجع، وإن رجعت فاهرب متى قدرت "و" جاز "له قتل الطالب" كما فعل أبو بصير "ولنا التعريض له به" كما عرض عمر لأبي جندل رضي الله عنهما بذلك لما طلبه أبوه بقوله: اصبر أبا جندل، فإنما هم مشركون، وإنما دم أحدهم دم كلب رواه أحمد، والبيهقي "لا التصريح"، لأنهم في أمان نعم من جاءنا مسلما بعد الهدنة يجوز له التصريح للمطلوب بقتل طالبه، لأنه لم يتناوله الشرط، "ولو شرط" عليهم "أن يردوا من جاءهم مرتدا منا لزمهم الوفاء" به حرا كان، أو ذكرا، أو ضده عملا بالتزامهم "فإن أبوا فقد نقضوا" العهد لمخالفتهم الشرط، والأوجه أن الرد هنا أيضا بمعنى التخلية "والأظهر جواز شرط أن لا يردوا" من جاءهم مرتدا منا من الرجال، والنساء على المعتمد، لأنه صلى الله عليه وسلم شرط في صلح الحديبية: "من جاءنا منكم رددناه، ومن جاءكم منا فسحقا سحقا"، وحينئذ لا يلزمهم الرد وكذا إن أطلق العقد على الأصح عندهم، وإن خالف فيه الماوردي، واعتمده الزركشي.
فرع: يجوز شراء أولاد المعاهدين منهم لا سبيهم، ومر ما فيه في رابع شروط البيع، وأفتى أبو زرعة بأنه لا يصح صلح من بأيديهم أسير حتى يشرط عليهم إطلاقه، إذ لا سبيل إلى إبقائه بأيديهم، بل يجب عينا على كل أحد السعي في خلاصه منهم، ولو بمقاتلتهم، وتردد فيما إذا كان بيد غيرهم، وهم قادرون على تخليصه، والذي يتجه صحة عقد الصلح في الأولى إن اضطررنا إليه، وفي الثانية، وأنه يجب أن يشرط عليهم رده، فإن أبوا انتقض عهدهم.