تحفة المحتاج بشرح المنهاج ط العلمية

ج / 4 ص -235-        كتاب الصيد
مصدر بمعنى اسم المفعول، وأفرده نظرا للفظه، ويصح بقاؤه على مصدريته، لأن أكثر الأحكام الآتية تتعلق بالفعل، وعطف الذبائح عليه لا ينافي ذلك "الذبائح" جمع ذبيحة، وجمعها، لأنها تكون بسكين، وسهم، وجارحة، وأصلهما الكتاب، والسنة، والإجماع، وأركانهما فاعل، ومفعول به، وفعل، وآلة، وستأتي كلها، وذكر هذا الكتاب، وما بعده هنا هو ما عليه أكثر الأصحاب، لأن في أكثرها نوعا من الجناية، وخالف في الروضة فذكرها آخر ربع العبادات، لأن فيها شوبا تاما منها.
"ذكاة الحيوان" البري "المأكول" المبيحة لحل أكله إنما تحصل "بذبحه في حلق"، وهو أعلى العنق "أو لبة" بفتح أوله، وهي أسفله "إن قدر عليه"، وسيذكر أنها إنما تحصل بقطع كل الحلقوم، والمريء فالذبح هنا بمعنى القطع الآتي، وهي بالمعجمة لغة التطييب، ومنه رائحة ذكية، والتتميم، ومنه فلان ذكي أي: تام الفهم سمي بها شرعا الذبح المبيح، لأنه يطيب أكل الحيوان بإباحته إياه، وبهذا يعلم رد ما قيل تعريفه لها بذلك غير مستقيم، لأنها لغة الذبح فقد عرف الشيء بنفسه أي: المساوي له مفهوما، وماصدقا، ووجه رده منع قوله: أنها لغة الذبح على أنه لو سلم إطلاقها عليه لغة كان المراد بها مطلقه، وهو غير الذبح شرعا، لأنه يعتبر فيه قيد المبيح فلم يعرف الشيء بنفسه على أنه ليس هنا تعريف أصلا، وإنما صواب العبارة أن فيه تحصيل الشيء بنفسه وجوابه ما علم أن مطلق الذكاة غير خصوص الذبح المبيح، ولا شك أن المطلق يحصل بيانه بذكر المقيد، ولا يرد عليه حل الجنين بذبح أمه، وإن أخرج رأسه، وبه حياة مستقرة، أو، وهو ميت، لأن انفصال بعض الولد لا أثر له غالبا، وذلك، لأن الشارع جعل ذبحها ذكاة له، واعترضت تسميته ما في اللبة ذبحا بأنه سيعبر عنه بالنحر ويرد بأنه لا مانع من تسميته ذبحا، ونحرا، وبفرض منعه لا مانع من تسميته به تغليبا "وإلا" يقدر عليه "فبعقر مزهق حيث كان" أي: بأي موضع منه وجد تحصل ذكاته لما يأتي "وشرط ذابح، وصائد"، وعاقر ليحل نحر مذبوحه "حل مناكحته" أي: نكاحنا لأهل ملته لإسلامهم، أو كتابيتهم بشروطهم، وتفاصيلهم السابقة في النكاح لقوله تعالى:
{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5]، أي: ذبائحهم، وإن لم يعتقدوا حلها كالإبل فعلم أن من لم يعلم كونه إسرائيليا، وشك في دخول أول أصوله قبل ما مر، ثم لا تحل ذبيحته، ومن ثم أفتى بعضهم في يهود اليمن بحرمة ذبائحهم للشك فيهم قال: بل نقل الأئمة أن كل أهل اليمن أسلموا. ا هـ. ولا خصوصية ليهود اليمن بذلك، بل كل من شك فيه، وليس إسرائيليا كذلك، ومر قبيل نكاح المشرك ما له تعلق بذلك فخرج نحو مرتد، وصابئ، وسامري خالف في الأصول، ومجوسي، ووثني، ونصارى العرب ويعتبر هذا الشرط من أول الفعل إلى آخره فلو تخلله رد مسلم، أو إسلام مجوسي لم يحل، وسيعلم من كلامه أن شرط الصائد البصر، ومثله جارح

 

ج / 4 ص -236-        نحو الناد الآتي، ولا يرد عليه المحرم، فإن مذبوحه الذي يحرم عليه صيد ميتة، لأنه مباح الذبح في الجملة، وذاك العارض يزول عن قرب، وزعم أنه خارج يحل مناكحته فاسد يلزم عليه عدم حل مذبوحه الأهلي، "وتحل ذكاة" وصيد، وعقر "أمة كتابية"، وإن لم يحل نكاحها، لأن الرق لا تأثير له في منع نحو الذبح بخلاف النكاح لما يلزم عليه من نحو رق الولد، وهذه مستثناة من مفهوم ما قبلها لكن لا بالتأويل الذي ذكرناه، وبه يعلم أنه لا يرد "قول المحشي قوله: في غير الشاة ليس في نسخ الشرح" أيضا أمهات المؤمنين رضي الله عنهن، وأنه لا يحتاج للجواب عنه بحل نكاحهن قبله صلى الله عليه وسلم وهو رأس المؤمنين، وتحرم مذبوحة ملقاة، وقطعة لحم بإناء إلا بمحل يغلب فيه من تحل ذكاته، وإلا إن أخبر من تحل ذبيحته، ولو كافرا بأنه ذبحها، وقضية التقييد بالملقاة أن غيرها يحل مطلقا، ويظهر أن محله إن لم يتمحض نحو المجوس بمحلها، وخرج بالتي في إناء الملقاة فتحرم مطلقا، وعمل بالقرينة في الحل في بعض هذه الصور مع أن الأصل قبل الذبح التحريم، وهو لا يرتفع بالشك، لأن لها دخلا في حل الأموال، ولمشقة العمل بذلك الأصل، "ولو شارك مجوسي"، أو نحوه ممن تحرم ذبيحته "مسلما"، أو كتابيا، ولو احتمالا في غير الملقاة، وقطعة اللحم المذكورين "في ذبح، أو اصطياد" قاتل كأن أمرا سكينا على مذبح شاة، أو قتلا صيدا بسهم، أو كلب واحد "حرم" المذبوح، أو المصيد تغليبا للمحرم، أما اصطياد لا قتل فيه فلا أثر للشركة فيه، "ولو أرسلا كلبين، أو سهمين"، أو أحدهما سهما، والآخر كلبا على صيد "فإن سبق آلة المسلم فقتل" الصيد "أو أنهاه إلى حركة مذبوح حل" كما لو ذبح مسلم شاة فقدها مجوسي، فإن لم ينهه لذلك فأصابته آلة المجوسي فأنهته إليه حرم، وضمنه المجوسي للمسلم بقيمته، وقت إصابة آلته، لأنه أفسد ملكه بجعله ميتة "ولو انعكس" بأن سبق آلة المجوسي فقتل، أو أنهاه لذلك "أو جرحاه معا"، وحصل الهلاك بهما، ولو بأن كان أحدهما مذففا، والآخر غير مذفف لكنه يعين على المذفف على المعتمد "أو جهل" أسبقهما القاتل، أو لم يعلم أيهما قتله "أو" جرحاه "مرتبا، ولم يذفف أحدهما" أي: لم يقتله سريعا "حرم" تغليبا للتحريم، وكذا لو سبق كلب مجوسي فأمسكه فقط فقتله كلب مسلم، لأنه بإمساكه صار مقدورا عليه فلم يحل بقتل كلب المسلم، وإيراد هذه عليه فيه نظر، ويحل ما اصطاده مسلم بكلب مجوسي قطعا، "ويحل ذبح صبي مميز" مسلم، أو كتابي لصحة قصده، وعبادته، وزعم شارح كراهة ذكاته لقصوره عن المكلفين إنما يتجه إن كان في عدم صحة ذبحه خلاف يعتد به، وظاهر كلام المجموع الآتي أنه لا خلاف فيه بالأولى "وكذا غير مميز" يطيق الذبح "ومجنون، وسكران" لا تمييز لهما أصلا فيحل ذبحهم "في الأظهر"، لأن لهم قصدا في الجملة بخلاف النائم نعم يكره خوفا من خطئهم في المذبح، "وتكره ذكاة أعمى" خوفا من ذلك "ويحرم صيده"، وقتله لغير مقدور عليه "برمي" لنحو سهم "و" بنحو "كلب"، وقد دله على نحو الصيد بصير "في الأصح" لعدم صحة قصده، لأنه لا يرى الصيد فصار كاسترسال نحو الجارح بنفسه، أما إذا لم يدله عليه أحد فلا يحل قطعا، وفي البحر أن البصير إذا أحس به في نحو ظلمة فرماه حل إجماعا، وكأن وجهه أن هذا مبصر بالقوة فلا يعد عرفا رميه عبثا بخلاف الأعمى، وإن أخبر وظاهر المتن حل صيد من

 

ج / 4 ص -237-        ذكر قبل الأعمى برمي، أو جارحة، وهو ما صححه في المجموع قال: أما المميز فيحل اصطياده قطعا، ونازع فيه الأذرعي، وأطال، "وتحل ميتة السمك"، والمراد به كل ما في البحر على ما يأتي في الأطعمة وإن طفا، لأنه صلى الله عليه وسلم "أكل من العنبر بالمدينة، وهو الحوت الذي طفا" رواه مسلم "والجراد" للخبر الصحيح: "أحل لنا ميتتان الحوت، والجراد" وإعلاله بوقفه على ابن عمر لا يؤثر، لأن هذه الصيغة من الصحابي في حكم المرفوع، ولا يجب تنقية ما في جوف الجراد، وصغار السمك لعسره، ويسن ذبح سمك كبير يطول بقاؤه، ويظهر أن المراد بذبحه قتله كما يرشد إليه تعليلهم بالإراحة له نعم إن كان في توقف حله على خصوص ذبحه خلاف اتجه تعين خصوصه خروجا من ذلك الخلاف، ويكره ذبح غيره، وكأن وجه الكراهة ما فيه من إيهام توقف حله على ذبحه، وحينئذ فالمراد بها خلاف الأولى، ولو تغيرت سمكة، وتقطعت بجوف أخرى حرمت ونوزع في اعتبار التقطع، ويجاب بأن العلة أنها صارت كالروث، ولا تكون مثله إلا إن تقطعت، وأما مجرد التغير فهو بمنزلة نتن اللحم، أو الطعام، وهو لا يحرمه، "ولو صادهما" أو ذبح السمك "مجوسي" لحل ميتتهما فلم يؤثر فيهما فعله نعم قضية كلام الروضة تحريم جراد قتله المحرم على غيره لكن قال البلقيني المعتمد أنه لا يحرم على غيره. ا هـ. وقد تناقض المجموع في كسر المحرم لبيض صيد لكنه في الحل جعله الصواب، وفي الحرمة جعلها الأشهر، وبه يعلم أن المعتمد الأول، وحينئذ فليكن المعتمد هنا أيضا بجامع أن كلا لا يتوقف حله على ما فعله المحرم فيه، "وكذا" يحل "الدود المتولد من الطعام"، وإن ألقي، وكان تولده منه بعد إلقائه كما هو ظاهر خلافا للزركشي، لأن إلقاءه، وتولده منه حينئذ لا وجه لكونه سببا في تحريمه، ولا نجاسته، إذ غايته أنه كلحم نتن، وقد صرحوا بحل أكله "كخل، وفاكهة"، ومثله نحو التمر، والحب "إذا أكل معه"، ولو حيا يعني إذا لم ينفرد، وآثر ذلك، لأن الغالب في غير المفرد أنه يؤكل معه "في الأصح" لعسر تمييزه عنه أي: إن من شأنه ذلك فبحث أنه إذا سهل فصله كدود نحو التفاح، وسوس نحو الفول حرم فيه نظر كبحث أنه إذا كثر، وغير حرم كميتة لا نفس لها سائلة ويفرق بأن الضرورة هنا آكد، ومن ثم جوزت أكل الحي، والميت هنا لا ثم قال البلقيني ولو نقله، أو نحاه من موضع من الطعام إلى آخر حرم في الأصح، وينبغي حمله على ما إذا فصله عنه، ثم عاد إليه، وإن قلنا فيما لا نفس له سائلة إن ما نشؤه منه إذا انفصل، وعاد لا ينجس، لأن العلة هنا غيرها ثم، أما المنفرد عنه فيحرم، وإن أكل معه لنجاسته إن مات، وإلا فلاستقذاره، ولو وقع في عسل نمل، وطبخ جاز أكله، أو في لحم فلا لسهولة تنقيته كذا جزم به غير واحد، وفيه نظر ظاهر، إذ العلة إن كانت الاستهلاك لم يتضح الفرق مع علمه مما يأتي في نحو الذبابة، أو غيره فغايته أنه ميتة لا دم لها سائل، وهي لا يحل أكلها مع ما ماتت فيه، وإن لم تنجسه نعم أفتى بعضهم بأنه إن تعذر تخليصه، ولم يظن منه ضررا حل أكله معه، أو في حار نحو ذبابة، أو قطعة لحم آدمي، وتهرت، واستهلكت فيه لم يحرم كما يأتي، "ولا يقطع" الشخص "بعض سمكة"، أو جرادة حية أي: يكره له ذلك كما في الروضة، وبحث الأذرعي، وغيره حرمته لما فيه من التعذيب، ويكره أيضا قليها، وشيها حية،

 

ج / 4 ص -238-        وقول أبي حامد يحرم بناه في الروضة على حرمة ابتلاعها حية، والأصح أنه مباح واستشكل بأنه لا يلزم من حل الابتلاع حل القلي لما فيه من التعذيب بالنار، وقضية جواز قلي، وشي الجراد حل حرقه مطلقا لكن قال القاضي يدفع عن نحو زرع بالأخف فالأخف، فإن لم يندفع إلا بالحرق جاز، وكذا نحو القمل. ا هـ. وأوله بعضهم ليوافق ذلك على جوازه بلا كراهة أي: بخلاف حرقه بلا حاجة، فإنه مكروه، ووجه بعضهم الحل بأن حرقه كذكاة غيره، ولا ينافيه تعليل الروضة حل ذلك في السمك بأنه في البر كالمذبوح، لأن الجراد مع كونه بريا مأكولا يجوز قتله بلا ذبح بخلاف سائر حيوان البر المأكول فجاز حرقه، لأنه كقتله بلا ذبح بجامع أن في ذلك تعذيبا، والنهي عن التعذيب بالنار إنما هو فيما لم يؤذن في قتله لأكله بلا ذبح "فإن فعل" أي: قطع بعضها حل أكله، لأن ما أبين من حي كميتته، وإنما حرم المنفصل من الصيد، لأن جميعه لا يحل إلا بمزهق، وقطع البعض ليس كذلك بخلاف السمك، فإنه يحل، وإن مات حتف أنفه "أو بلع" بكسر اللام مع مضغ، أو لا "سمكة"، أو جرادة "حية حل" بلعها "في الأصح"، لأنه ليس فيه أكثر من قتله، وهو جائز، أما الميتة الكبيرة فيحرم بلعها لسهولة تنقية ما في جوفها من النجاسة بخلاف الصغير، وبهذا يعلم ضبط الصغير، والكبير، ولو زالت الحياة بقطع البعض، أو بلعها لتداو حل قطعا، "وإذا رمى" بصير لا غيره "صيدا متوحشا، وبعيرا ند، أو شاة شردت بسهم"، أو غيره من كل محدد يجرح، ولو غير حديد "أو أرسل عليه جارحة فأصاب شيئا من بدنه، ومات في الحال" بأن لم يبق فيه حياة مستقرة، وإلا اشترط ذبحه إن قدر عليه، وسيذكر أنه يكفي جرح يفضي إلى الزهوق، وإن لم يذفف "حل" إجماعا في المستوحش، ولخبر الصحيحين في رمي البعير الناد بالسهم، وقيس بما فيه غيره، ورويا أيضا ما أصبت بقوسك فاذكر اسم الله عليه، وكل، ولإطلاق خبر أبي ثعلبة في الكلاب، ولم يفصل بين محل، ومحل والاعتبار بعدم القدرة عليه حال الإصابة فلو رمى نادا فصار مقدورا عليه قبلها لم يحل إلا إن أصاب مذبحه، أو مقدورا عليه فصار نادا عندها حل، وإن لم يصب مذبحه، ولا يشكل اعتبارها هنا باعتبار حل المناكحة من أول الفعل إلى آخره كما مر لإمكان الفرق بأن القدرة نسبية لاختلافها باختلاف الأشخاص، والأوقات فاعتبرت بالمحل الحقيقي، وهو الإصابة، ولا كذلك حل المناكحة فاعتبر وجوده عند السبب الحقيقي، ومقدمته، أما صيد تأنس فكمقدور عليه لا يحل إلا بذبحه، وبحث الأذرعي اشتراط رمي المالك، أو غيره بقصد حفظه عليه لا تعديا، لأن هذا رخصة يرد بأن حله من حيث هو لا بقيد المالك رخصة فلم يؤثر فيها التعدي على أن ظاهر الحديث، وكلام الأصحاب أنه لا فرق.
"ولو تردى بعير، ونحوه في" نحو "بئر، ولم يمكن قطع حلقومه، ومريئه فكناد" في حله بالرمي لحديث فيه حمل على ذلك، وكذا بإرسال الكلب "قلت الأصح لا يحل" المتردي "بإرسال الكلب" الجارح عليه ", وصححه الروياني" صاحب البحر عبد الواحد أبو المحاسن فخر الإسلام "والشاشي" صاحب الحلية محمد بن أحمد فخر الإسلام تلميذ الشيخ أبي إسحاق والنزاع في أنه لم يصححه لا يلتفت إليه "والله أعلم"، وفارق السهم بأنه تباح به

 

ج / 4 ص -239-        الذكاة مع القدرة بخلاف نحو الكلب "ومتى تيسر" يعني أمكن، ولو بعسر "لحوقه" أي: الصيد، أو الناد "بعدو، أو استعانة" بمهملة، ثم نون، أو بمعجمة ثم مثلثة "بمن يستقبله فمقدور عليه" فلا يحل إلا بذبحه في مذبحة، أما إذا تعذر لحوقه حالا فيحل بأي جرح كان كما مر "ويكفي في" الصيد المتوحش "الناد، والمتردي جرح يفضي إلى الزهوق" كيف كان للحديث الصحيح: "لو طعنت في فخذها لأجزأك" أي: المتردية، أو المتوحشة كما قاله أبو داود، والناد في معنى المتوحش "وقيل يشترط" جرح "مذفف" أي: قاتل حالا نعم إرسال الجارحة لا يشترط فيه تذفيف جزما ولو تردى بعير فوق بعير فنفذ الرمح من الأعلى للأسفل حلا، وإن جهل ذلك كما لو نفذ من صيد إلى آخر، "وإذا أرسل سهما، أو كلبا، أو طائرا على صيد"، أو نحو ناد مما مر "فأصابه، ومات، فإن لم يدرك فيه حياة مستقرة" قبل موته "أو أدركها" قبل موته "وتعذر ذبحه بلا تقصير" منه "بأن سل السكين"، أو اشتغل بطلب المذبح، أو بتوجيه للقبلة، أو، وقع منكسا فاحتاج لقلبه ليقدر على الذبح "فمات قبل إمكان" لذبحه "أو امتنع" منه بقوته أو حال بينه، وبينه حائل كسبع "ومات قبل القدرة عليه حل" لعذره وكذا لو شك هل تمكن من ذبحه، أو لا أي: إحالة على السبب الظاهر، ويستحب فيما إذا لم يدرك فيه حياة مستقرة أن يمر السكين على مذبحه، وتعرف بأمارات كحركة شديدة بعد القطع، أو الجرح، أو تفجر الدم، وتدفقه، أو صوت الحلق، أو بقاء الدم على قوامه، وطبيعته، وتكفي الأولى وحدها، وما يغلب على الظن بقاؤها من الثلاث الأخر، فإن شك فكعدمها، ولا يشترط عدو بعد إصابة سهم، أو كلب، ويفرق بينه، وبين وجوب عدو توقف عليه إدراك الجمعة على خلاف فيه بأنه ثم لم يحصل منه ما يقوم مقام عدوه، وهنا حصل منه ذلك، وهو إرسال الكلب، أو السهم إليه فلم يكلف غيره وأيضا فهذا يكثر حتى في الوقت الواحد فلو كلف العدو في كل مرة لشق مشقة شديدة لا تحتمل بخلافه ثم قيل: قوله: فأصابه، ومات لا يستقيم جعله موردا للتقسيم الذي من جملته ما إذا أدركه، وبه حياة مستقرة. ا هـ. وهو غير سديد، فإنه عطف مات بالواو المصرحة بأنه وجدت إصابة، وموت، وهذا صادق بما إذا تخللهما حياة مستقرة أو لا "وإن مات لتقصيره بأن لا يكون معه سكين"، وهي تذكر، وهو الغالب، وتؤنث سميت بذلك، لأنها تسكن حرارة الحياة، ومدية، لأنها تقطع مدتها "أو غصبت" منه، ولو بعد الرمي "أو نشبت" بفتح فكسر "في الغمد" أي: الغلاف بأن علقت فيه، وعسر إخراجها منه، ولو لعارض بعد إصابته لكن بحث البلقيني فيه، وفي الغصب بعد الرمي أنه غير تقصير "حرم" لتقصيره، وقد يشكل غصب سكينة بإحالة حائل بينه، وبينه كما مر، وقد يفرق بأنه مع الحائل لا يعد قادرا عليه بوجه بخلافه مع عدم السكين ثم رأيت من فرق بأن غصبها عائد إليه، ومنع الحائل عائد للصيد، وهو معنى ما فرقت به، وإلا لم يتضح، "ولو رماه فقده نصفين" يعني قطعتين، ولو متفاوتتين كما يفيده ما ذكره في إبانة العضو، وأفهم تعبيره بالقد أنه لم يبق في أحدهما حياة مستقرة "حلا" لحصول الجرح المذفف "ولو أبان منه عضوا" كيد "بجرح مذفف" أي: قاتل له حالا "حل العضو، والبدن" أي: باقيه لما مر أن محل ذكاته كل البدن "أو" أبانه "بغير مذفف" ولم يزمنه "ثم ذبحه أو جرحه جرحا آخر

 

ج / 4 ص -240-        مذففا حرم العضو"، لأنه أبين من حي "وحل الباقي" لوجود ذكاته بالذبح، أو التذفيف، أما إذا أزمنه فيتعين الذبح "فإن لم يتمكن من ذبحه، ومات بالجرح" الأول "حل الجميع"، لأن الجرح السابق كذبح الجملة "وقيل: يحرم العضو" وهو الأصح كما في الروضة، وغيرها، لأنه أبين من حي، "وذكاة كل حيوان" بري، وحشي، أو إنسي "قدر عليه بقطع كل الحلقوم، وهو مخرج النفس" يعني: مجراه دخولا، وخروجا قال بعضهم: ومنه المستدير الناتئ المتصل بالفم كما يدل عليه كلام أهل اللغة، وتسمى الحرقدة فمتى وقع القطع فيه حل إن لم يتخرم منه شيء كما يدل عليه كلام الأصحاب لا سيما كلام الأنوار بخلاف ما إذا وقع القطع في آخر اللسان، والخارج عنه إلى جهة الفم، ويسمى الحرقد بكسر الحاء، والقاف كما في تكملة الصغاني وهذا وراء الحرقدة السابقة "و" كل "المريء" بالهمز "وهو مجرى الطعام"، والشراب، وهو تحت الحلقوم، لأن الحياة إنما تنعدم حالا بانعدامهما، ويشترط تمحض القطع فلو ذبح بسكين مسموم بسم موح حرم، ووجود الحياة المستقرة عند ابتداء الذبح خاصة قاله الإمام، وهو المعتمد خلافا لمن قال: لا بد من بقائها إلى تمامه، وسيأتي ندب إسراع القطع بقوة، وتحامل ذهابا، وعودا، ومحله إن لم يكن بتأنيه في القطع ينتهي الحيوان قبل تمام قطع المذبح إلى حركة المذبوح، وإلا وجب الإسراع فإن تأنى حينئذ حرم لتقصيره وخرج بالقطع خطف رأس بنحو بندقة، لأنه في معنى الخلق، ويقدر عليه غيره، وقد مر، وبكل ذلك بعضه، وانتهى إلى حركة المذبوح، ثم قطع الباقي فلا يحل فعلم أنه يضر بقاء يسير من أحدهما لا الجلدة التي فوقهما، وفي كلام غير واحد أي: تفريعا على ما قاله الإمام كما هو ظاهر أن من ذبح بكال فقطع بعض الواجب ثم أدركه فورا آخر فأتمه بسكين أخرى قبل رفع الأول يده حل سواء أوجدت الحياة المستقرة عند شروع الثاني أم لا، وفي كلام بعضهم أنه لو رفع يده لنحو اضطرابها فأعادها فورا، وأتم الذبح حل أيضا، ولا ينافي ذلك قولهم لو قطع البعض من تحرم ذكاته كوثني، أو سبع فبقيت الحياة مستقرة فقطع الباقي كله من تحل ذكاته حل، لأن هذا إما مفرع على مقابل كلام الإمام، وإما لكون السابق محرما فأول الذبح من ابتداء الباقي فاشترط الحياة المستقرة عنده، وهذا، أوجه وكذا قول بعضهم لو رفع يده ثم أعادها لم تحل فهو إما مفرع على ذلك، أو يحمل على ما إذا أعادها لا على الفور، ويؤيده إفتاء غير واحد فيما لو انقلبت شفرته فردها حالا أنه يحل، وأيده بعضهم بأن النحر عرفا الطعن في الرقبة فيقع في وسط الحلقوم، وحينئذ يقطع الناحر جانبا، ثم يرجع للآخر فيقطعه، ومر أن الجنين يحل بذبح أمه إذا خرج بعضه، وإن كان فيه حياة مستقرة، "ويستحب قطع الودجين" بفتح الواو، والدال "وهما عرقان في صحفتي العنق" يحيطان بالحلقوم، وقيل: بالمريء، وهما الوريدان، لأنه من الإحسان في الذبح المأمور به، إذ هو أسهل لخروج الروح، "ولو ذبحه من قفاه"، أو من صفحة عنقه "عصى" لما فيه من التعذيب "فإن أسرع" في ذلك "بأن قطع الحلقوم، والمريء، وبه حياة مستقرة"، ولو ظنا بقرينة كما مر "حل"، لأن الذكاة صادفته، وهو حي "وإلا" تكن به حياة مستقرة حينئذ بأن وصل لحركة مذبوح لما انتهى إلى قطع المريء "فلا" يحل، لأنه صار ميتة قبل الذبح، وما اقتضته العبارة من

 

ج / 4 ص -241-        اشتراط وجود الحياة المستقرة عند قطعهما جميعهما غير مراد بل الشرط وجودها عند ابتداء القطع هنا أيضا فحينئذ لا يضر انتهاؤه لحركة مذبوح لما ناله بسبب قطع القفا، لأن أقصى ما وقع التعبد به وجودها عند ابتداء قطع المذبح نعم لو تأنى بحيث ظهر انتهاؤه لحركة مذبوح قبل تمام قطعهما لم يحل لتقصيره، ومن أنه لو شرع في قطعهما مع الشروع في قطع القفا مثلا حتى التقى القطعان حل غير مراد أيضا، بل لا يحل كما لو قارن ذبحه نحو إخراج حشوته، بل أو غيره مما له دخل في الهلاك، وإن لم يكن مذففا، لأنه اجتمع مع المبيح ما يمكن أن يكون له أثر في الإزهاق، والأصل التحريم بخلاف مسألة المتن، لأن التذفيف وجد منفردا حال تحقق الحياة المستقرة، أو ظن وجودها بقرينة نعم لو انتهى لحركة مذبوح بمرض، وإن كان سببه أكل نبات مضر كفى ذبحه، لأنه لم يوجد ما يحال عليه الهلاك، فإن وجد كأن أكل نباتا يؤدي إلى الهلاك، أو انهدم عليه سقف، أو جرحه سبع، أو هرة اشترط وجود الحياة المستقرة فيه عند ابتداء الذبح فعلم أن النبات المؤدي لمجرد المرض لا يؤثر بخلاف المؤدي للهلاك أي: غالبا فيما يظهر، إذ لا يحال الهلاك عليه إلا حينئذ، "وكذا إدخال سكين بأذن ثعلب" مثلا لقطعهما داخل الجلد حفظا لجلده، فإنه حرام للتعذيب، ثم إن ابتدأ قطعهما مع الحياة المستقرة حل، وإلا فلا، "ويسن نحر إبل" أي: طعنها بما له حد في منحرها، وهو الوهدة التي في أسفل عنقها المسمى باللبة للأمر به في سورة الكوثر، وفي الصحيحين، ولأنه أسرع لخروج الروح لطول العنق، ومن ثم بحث ابن الرفعة، وتبعوه أن كل ما طال عنقه كالإوز كالإبل "وذبح بقر، وغنم"، وخيل، وحمار، وحش، وسائر الصيود للاتباع "ويجوز عكسه" أي: ذبح نحو الإبل، ونحر نحو البقر من غير كراهة وقيل: يكره، ونص عليه في الأم قيل إن ظاهر عبارته أن إيجاب قطع الحلقوم، والمريء، وندب قطع الودجين مخصوص بالذبح، وليس كذلك كما في المجموع، وغيره خلافا لقضية كلام البندنيجي. ا هـ. وهو عجيب مع قوله: أول الباب، أو لبة الصريح في شمول الذكاة للنحر أيضا، وقوله: هنا، وذكاة كل حيوان إلخ. يشملهما أيضا فالقول مع ذلك بأن ظاهر عبارته ما ذكر سهو "و" سن "أن يكون البعير قائما"، فإن لم يتيسر فباركا، وأن يكون "معقول ركبة"، وكونها اليسرى للاتباع "و" أن تكون "البقرة، والشاة"، ونحوهما "مضجعة لجنبها الأيسر" لما صح في الشاة، وقيس بها غيرها، ولكون الأيسر أسهل على الذابح، ويسن للأعسر إنابة غيره، ولا يضجعها على يمينها "وتترك رجلها اليمنى" بلا شد لتستريح بتحريكها "وتشد باقي القوائم" لئلا تضطرب فيخطئ المذبح قال في البسيط: ويجب الاحتراز عن حركتها ما أمكن حتى لا تحصل إعانة على الذبح، فإن فرض اضطراب يسير لا يمكن الاحتراز عنه عادة عفي عنه "وإن يحد" بضم أوله آلته "شفرته"، أو غيرها بفتح أوله، وهي السكين العظيمة، وكأنها من شفر المال ذهب لإذهابها للحياة سريعا، وآثرها، لأنها الواردة في خبر مسلم، وهو: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته"، فإن ذبح بكال أجزأ إن لم يحتج القطع لقوة الذابح، وقطع الحلقوم، والمريء قبل انتهائه لحركة مذبوح، وندب إمرار السكين

 

ج / 4 ص -242-        بقوة، وتحامل يسير ذهابا، وإيابا، وسقيها، وسوقها برفق، ويكره حد الآلة، وذبح أخرى قبالتها، وقطع شيء منها، وتحريكها، وسلخها، وكسر عنقها، ونقلها قبل خروج روحها "و" أن "يوجه للقبلة ذبيحته" للاتباع، وهو في الهدي، والأضحية آكد أي: مذبحها لا وجهها ليمكنه هو الاستقبال المندوب له أيضا، ولكون هذا عبادة، ومن ثم سنت له التسمية فارق البول للقبلة، وقول الإحياء يحرم بقارعة الطريق ضعيف، وغاية أمره أنه مكروه كالبول فيها على أن الدم أخف منه "وأن يقول" عند الذبح، وكذا عند رمي الصيد، ولو سمكا، وجرادا، وإرسال الجارحة، ونصب الشبكة، وعند الإصابة "بسم الله" والأفضل بسم الله الرحمن الرحيم، ولا يقال: المقام لا يناسب الرحمة، لأن تحليل ذلك لنا غاية في الرحمة بنا، ومشروعية ذلك في الحيوان رحمة له لما فيه من سهولة خروج روحه، وإنما كره تعمد ترك التسمية، ولم يحرم، لأنه تعالى أباح ذبائح الكتابيين، وهم لا يسمون غالبا، وقد أمر صلى الله عليه وسلم فيما شك أن ذابحه سمى أم لا بأكله فلو كانت التسمية شرطا لما حل عند الشك، والمراد بما لم يذكر اسم الله عليه في الآية ما ذكر عليه اسم الصنم بدليل {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ}، إذ الإجماع منعقد على أن من أكل ذبيحة مسلم لم يسم عليها ليس بفاسق فلا فرق بين جعل الواو للحال، ولغيره ويسن في الأضحية أن يكبر قبل التسمية ثلاثا، وبعدها كذلك، وأن يقول اللهم هذا منك، وإليك فتقبل مني، ويأتي ذلك في كل ذبح هو عبادة كما هو ظاهر "و" أن "يصلي"، ويسلم "على النبي صلى الله عليه وسلم"، لأنه محل يسن فيه ذكر الله تعالى فكان كالأذان، والصلاة، والقول بكراهتها بعيد لا يعول عليه "ولا يقول: بسم الله، واسم محمد" أي: يحرم عليه ذلك للتشريك، لأن من حق الله تعالى أن يجعل الذبح باسمه فقط كما في اليمين باسمه نعم إن أراد أذبح باسم الله، وأتبرك باسم محمد كره فقط كما صوبه الرافعي، ولو قال: بسم الله، ومحمد رسول الله بالرفع فلا بأس وبحث الأذرعي تقييده بالعارف، وإلا فهما سيان عند غيره، ومن ذبح تقربا لله تعالى لدفع شر الجن عنه لم يحرم، أو بقصدهم حرم وكذا يقال: في الذبح للكعبة، أو قدوم السلطان، ولو ذبح مأكولا لغير أكله لم يحرم، وإن أثم بذلك.

فصل في بعض شروط الآلة، والذبح والصيد
"يحل ذبح مقدور عليه، وجرح غيره بكل محدد" بتشديد الدال المفتوحة أي: شيء له حد "بجرح كحديد"، ولو في قلادة كلب أرسله على صيد فجرحه بها، وقد علم الضرب بها، وإلا لم يحل "ونحاس"، ورصاص، والتنظير فيه بعيد، لأن الفرض أن له حدا يجرح "وذهب"، وفضة "وخشب، وقصب، وحجر، وزجاج"، لأن ذلك أوحى لإزهاق الروح قبل تعبيره معكوس فصوابه لا يحل المقدور عليه إلا بالذبح بكل محدد إلخ. ورد بأن الكلام هنا في الآلة، وكون المقدور عليه لا يحل إلا بالذبح قدمه أول الباب، وأقول لو فرض أن هذا لم يتقدم فالإيراد فاسد أيضا، لأن مقابلة ذبح المقدور بجرح غيره الصريح في أن الذبح قيد في الأول دون الثاني يفهم ما، أورده "إلا ظفرا وسنا وسائر العظام" للحديث المتفق عليه:
"ما أنهر الدم، وذكر اسم الله عليه فكلوا ليس السن، والظفر، أما السن فعظم، وأما الظفر فمدى

 

ج / 4 ص -243-        الحبشة"، أي وهم كفار، وقد نهينا عن التشبه بهم أي: لمعنى ذاتي في الآلة التي وقع التشبه بها فلا يقال: مجرد النهي عن التشبه بهم لا يقتضي البطلان بل، ولا الحرمة في نحو النهي عن السدل، واشتمال الصماء، والحكمة في العظم تنجسه بالدم مع أنه زاد الجن، ومن ثم نهى عن الاستنجاء به نعم ناب الكلب، وظفره لا يؤثر كما يأتي فلا يرد على قوله: وجرح غيره، "فلو قتل" بمدية كالة، أو "بمثقل" بفتح القاف المشددة "أو ثقل محدد كبندقة، وسوط، وسهم بلا نصل، ولا حد" أمثلة للأول، ومن أمثلة الثاني القتل بثقل سهم له نصل، أو حد "أو" قتل "بسهم، وبندقة، أو جرحه سهم، وأثر فيه عرض السهم" بضم العين أي: جانبه "في مروره، ومات بهما" أي: الجرح، والتأثير "أو انخنق بأحبولة"، وهي حبال تشد للصيد، ومات "أو أصابه سهم" جرحه، أو لا "فوقع بأرض" عالية كسطح كما يدل له قوله: الآتي فسقط بأرض، وحينئذ فلا اعتراض عليه ولا يحتاج لتصويره بما إذا لم يجرحه السهم "أو جبل، ثم سقط منه" فيهما، ومات "حرم" في الكل لقوله تعالى: {وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ} [المائدة: 3] أي: المقتولة بنحو حجر، أو ضرب، ولأنه في الأربعة الأول مات بلا جرح، وفيما عداها إلا الخنق لا يدرى الموت من الأول المبيح، أو الثاني المحرم فغلب المحرم، "ولو أصابه" السهم "بالهواء"، أو على شجرة فجرحه، وأثر فيه "فسقط بأرض، ومات حل" إن لم يصبه شيء من أغصان الشجرة حال سقوطه عنه، ولا أثر لتأثير الأرض فيه، ولا لتدحرجه عليها من جنب إلى جنب، لأن الوقوع عليها ضروري، ومن ثم لو وقع ببئر بها ماء، أو صدمه جدارها حرم، أما إذا لم يؤثر فيه فلا يحل جرحه أولا، والماء لطيره كالأرض إن أصابه، وهو فيه، وإن كان الرامي بالبر، أو في هوائه، والرامي بسفينة مثلا، فإن كان خارجه ثم وقع فيه، أو بهوائه والرامي بالبر حرم هذا كله حيث لم ينهه السهم لحركة مذبوح، وإلا لم يؤثر شيء مما ذكر، وحيث لم يغمسه السهم، أو ينغمس لثقل جثته في الماء قبل انتهائه لحركة مذبوح، وإلا فهو غريق قاله الأذرعي، ونقل البلقيني عن الزاز عن عامة الأصحاب أنه متى كان الطير في هواء الماء حل، وإن كان الرامي في البر، واعتمده، وحمل الخبر الظاهر في تحريمه على غير طير الماء وطيره الذي ليس بهوائه.
تنبيه: أفتى المصنف بحل رمي الصيد بالبندق، لأنه طريق إلى الاصطياد المباح، وقال ابن عبد السلام ومجلي والماوردي يحرم، لأن فيه تعريض الحيوان للهلاك، ويؤخذ من علتيهما اعتماد ظاهر كلامه في شرح مسلم من حل رمي طير كبير لا يقتله البندق غالبا كالإوز بخلاف صغير قال الأذرعي، وهذا مما لا شك فيه، لأنه يقتلها غالبا، وقتل الحيوان عبثا حرام، والكلام في البندق المعتاد قديما، وهو ما يصنع من الطين أما البندق المعتاد الآن، وهو ما يصنع من الحديد، ويرمى بالنار فيحرم مطلقا، لأنه مخرق مذفف سريعا غالبا، ولو في الكبير نعم إن علم حاذق أنه إنما يصيب نحو جناح كبير فيثبته فقط احتمل الحل.
"ويحل الاصطياد" المستلزم لحل المصاد المدرك ميتا، أو في حكمه "بجوارح السباع، والطير ككلب، وفهد"، ونمر قبلا التعليم، وإن سلم ندوره، وإلا فلا، وعليه يحمل تناقض الروضة، والمجموع "وباز، وشاهين" لقوله تعالى:
{وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ} [المائدة: 4] أي:

 

ج / 4 ص -244-        صيدها، أما الاصطياد بمعنى إثبات الملك على الصيد فيحصل بأي طريق تيسر كما يأتي "بشرط كونها معلمة" للآية "بأن ينزجر جارحة السباع بزجر صاحبه" أي: من هو بيده، ولو غاصبا كما هو ظاهر ثم رأيته منصوصا للشافعي رضي الله عنه أي: يقف بإيقافه، ولو بعد شدة عدوه "ويسترسل بإرساله" أي: يهيج بإغرائه لقوله تعالى: {مُكَلِّبِينَ} [المائدة: 4] أي: مؤتمرين بالأمر منتهين بالنهي، ومن لازم هذا أن ينطلق بإطلاقه فلو انطلق بنفسه لم يحل كما سيذكره "ويمسك الصيد" أي: يحبسه لصاحبه، فإذا جاء تخلى عنه "ولا يأكل منه" بعد إمساكه قبل قتله أو بعده، ولو من نحو جلده لا نحو شعره للنهي الصحيح عن الأكل مما أكلت منه، وكأكله منه مقاتلته دونه، وكذا لو هر في وجه صاحبه عند أخذه الصيد منه كما بحثه ابن الرفعة قال، لأن من شرائط التعليم في الابتداء أن لا يهر في وجه صاحبه. ا هـ. ويتجه أن محله إن كان هره للطمع فيه لا لمجرد عادة، وظاهر كلامهم هنا أنه لا فرق بين أكله عقب إمساكه، أو بعده، وإن طال الفصل، وعليه فيفرق بينه، وبين ما يأتي قريبا بأنه يغتفر بعد ظهور التعليم ما لا يغتفر في ابتدائه، ثم رأيت في كلام شيخنا ما يقتضي استواءهما في التفصيل الآتي، وفي كلام الزركشي ما يؤيد ذلك "ويشترط ترك الأكل في جارحة الطير في الأظهر" كجارحة السباع، وكذا يشترط فيها بقية الشروط حتى انزجارها بزجر صاحبها، ولو بعد العدو كما انتصر له البلقيني لكن نقلا عن الإمام، وأقراه أن هذا لا يشترط، وهو الوجه لإطباق أهل الصيد على استحالة ذلك فيها "ويشترط تكرر هذه الأمور" المعتبرة في التعليم "بحيث يظن" في عادة أهل الخبرة بالجوارح "تأدب الجارحة"، ولا يضبط بعدد، "ولو ظهر كونه معلما" فأرسله صاحبه فلم يسترسل، أو زجره فلم ينزجر، أو استرسل "ثم أكل من لحم صيد"، أو حشوته، أو جلده، أو أذنه، أو عظمه قبل قتله، أو عقبه "لم يحل ذلك الصيد في الأظهر" للنهي السابق، ولأن عدم الأكل شرط في التعليم ابتداء فكذا دواما، والخبر الحسن وإذا أرسلت كلبك المعلم فكل، وإن أكل منه إما في سنده متكلم فيه، أو محمول على ما إذا أطعمه صاحبه منه، أو أكل منه بعد ما قتله، وانصرف بأن طال الفصل عرفا، ومن ثم قال في المجموع إن أكل منه عقب القتل فالقولان، وإلا حل قطعا وخرج بذلك الصيد ما سبقه مما لم يأكل منه فلا يحرم، ومن ثم قال في الشرح الصغير: ولو تكرر منه الأكل، وصار عادة له حرم ما أكل منه آخرا قطعا، وكذا ما أكل منه قبل على الأقوى، ولا يؤثر أكله مما استرسل عليه بنفسه في تعليمه وإذا حرم ما ذكر الصيد "فيشترط تعليم جديد" لفساد التعليم الأول أي: من حين الأكل "ولا أثر للعق الدم"، لأنه لا يسمى أكلا مع عدم قصده، "ومعض الكلب من الصيد نجس" نجاسة مغلظة كغيره مما أصابه بعض أجزاء الكلب مع رطوبة، "والأصح أنه لا يعفى عنه" لندرته "و" الأصح "أنه يكفي غسله بماء" سبعا "وتراب" في إحداهن كغيره "ولا يجب أن يقور، ويطرح"، لأنه لم يرد، وتشرب اللحم بلعابه لا أثر له، لأنه لا نجاسة على الأجواف كما نص عليه.
فرع: يحرم اقتناء كلب ضار، وما لا نفع فيه مطلقا، وكذا ما فيه نفع إلا إن أراد به الصيد حالا ليصطاد به إن تأهل له، أو حفظ نحو زرع، أو دار بعد ملكهما لا قبله، ويجوز

 

ج / 4 ص -245-        تربية جرو لذلك، وكذا اقتناء كبير لتعليمه إن شرع فيه حالا فيما يظهر، وفيما قبل ألا ينقص من أجره كل يوم قيراطان كما صح به الخبر، ونقل أحمد في مسنده أن أصغرهما كأحد قال جماعة من الصحابة، وتتعدد القراريط بتعدد الكلاب.
"ولو تحاملت الجارحة على صيد فقتلته"، أو أنهته لحركة مذبوح "بثقلها"، أو بصدمتها، أو بعضها، أو بقوة إمساكها "حل في الأظهر" لإطلاق قوله تعالى:
{فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 4]، ولأنه يعسر تعليمه أن لا يقتل إلا جرحا، وإنما حرم الميت بعرض السهم، لأنه من سوء الرمي، وتسميتها جوارح باعتبار ما من شأنها، أو الجوارح الكواسب بالباء، ولو مات بجرح مع الثقل حل قطعا، أو فزعا منها، أو بشدة عدوها حرم قطعا.
تنبيه: أنث هنا الجارحة، وذكرها فيما مر نظرا للفظ تارة، وللمعنى أخرى.
"و" يشترط في الذبح قصد العين، أو الجنس بالفعل فحينئذ "لو كان بيده سكين فسقط، وانجرح به صيد"، ومات "أو احتكت به شاة، وهو في يده فانقطع حلقومها، ومريئها" لم تحل لفقد القصد، وإنما لم يشترط في الضمان، لأنه، أوسع "أو استرسل كلب" مثلا "بنفسه فقتل لم يحل"، لأن الإرسال شرط كما في الحديث الصحيح، ولا يؤثر أكله هنا في فساد تعليمه، ويفرق بينه، وبين فساده في المسائل السابقة بأنه ثم عاند صاحبه، ومع المعاندة لم يبق للتعليم أثر فوجب استئنافه، وهنا لم يعانده، فإنه إنما انطلق بنفسه فوقع أكله لضرورة الطبع لا لمعاندة تفسد تعليمه، "وكذا لو استرسل" كلب مثلا بنفسه "فأغراه صاحبه"، أو غيره "فزاد عدوه" لا يحل الصيد "في الأصح" لاجتماع الإغراء المبيح، والاسترسال المحرم فغلب، فإن لم يزد عدوه حرم جزما، ولو زجره فانزجر ثم أغراه فاسترسل حل جزما، ولو أرسله مسلم فزاد عدوه بإغراء نحو مجوسي حل كذا نقلاه عن الجمهور ثم تعقباه بجزم البغوي بالتحريم، واختيار شيخه أبي الطيب له، لأنه قاطع، أو مشارك له، وهو الأوجه مدركا، "وإن أصابه" أي: الصيد "سهم بإعانة ريح" طرأ هبوبها بعد الإرسال، أو قبله كما اقتضاه إطلاقهم، وكأن يقصر عنه لولا الريح "حل" لتعذر الاحتراز عنها فلم يتغير بها حكم الإرسال، وكذا لو أصابه مع انقطاع وتره، أو صدمه بحائط مثلا، لأن أثر الرامي باق مع ذلك بخلاف ما لو وقع بالأرض، ثم ازدلف منها إليه، وقتله، فإنه يحرم لانقطاع حكمه بوقوعه عليها، وخرج بإعانتها تمحض الإصابة بها فلا يحل، "ولو أرسل سهما"، أو كلبا "لاختبار قوته، أو إلى غرض"، أو إلى ما لا يؤكل، أو لا لغرض "فاعترض صيد"، أو كان موجودا "فقتله حرم في الأصح"، لأنه لم يقصد الصيد بوجه، وبه فارق ما في قوله: "ولو رمى صيدا ظنه حجرا" مثلا، أو حيوانا لا يؤكل فأصاب ذلك الصيد لا غيره، لأنه قصد محرما "حل"، ولا أثر لظنه كما لو قطع حلق شاة يظنها ثوبا، أو حيوانا لا يؤكل ولو رمى نحو خنزير، أو حجر ظنه صيدا فأصاب صيدا حل، لأنه قصد مباحا، "أو" رمى "سرب" بكسر أوله أي: قطيع "ظباء"، أو نحو قطا "فأصاب واحدة حل"، لأنه في الأولتين أزهقه بفعله، ولا اعتبار بالقصد، وفي الأخيرة قصده إجمالا، أما بفتحها فهو الإبل، وما يرعى من المال "فإن قصد واحدة" من

 

ج / 4 ص -246-        السرب "فأصاب غيرها" منه، أو من سرب آخر "حل في الأصح"، لأنه قصد الصيد في الجملة، وكذا لو أرسل كلبا على صيد فعدل لغيره، ولو في غير جهة الإرسال كما في السهم، وإن ظهر للكلب بعد إرساله على ما هو ظاهر كلامهم لكن خالفه جمع فيما إذا استدبر المرسل إليه، وقصد آخر، وهو الأوجه لمعاندته للصائد من كل وجه، ومن ثم لو كان عدوله لفوت الأول له لم يؤثر كما لو أمسك صيدا أرسل عليه، ثم عن له آخر، ولو بعد الإرسال فأمسكه، لأن المعتبر أن يرسله على صيد، وقد وجد، "فلو غاب عنه الكلب" مثلا "والصيد" قبل أن يجرحه الكلب "ثم وجده ميتا حرم"، وإن كان الكلب ملطخا بدم "على الصحيح" لاحتمال موته بسبب آخر، والدم من جرح آخر مثلا، والتحريم يحتاط له، لأنه الأصل هنا "وإن جرحه" الكلب، أو أصابه بسهم فجرحه جرحا يمكن إحالة الموت عليه، ولم ينهه لحركة مذبوح "وغاب" عنه "ثم وجده ميتا حرم في الأظهر" لما ذكر، والثاني يحل، ومال إليه في الروضة، وصححه، بل صوبه في المجموع، واختاره في التصحيح، وشرح مسلم قال: وثبت فيه أحاديث صحيحة، ولم يثبت في التحريم شيء، وعلق الشافعي الحل على صحة الحديث واعترضه البلقيني بأن الجمهور على الأول، وبأنه جاء بطرق حسنة ما يقيد تلك الأحاديث المطلقة بأن يعلم أي: أو يظن ظنا قويا فيما يظهر أنه قتله وحده، ولو وجده بماء، أو فيه أثر آخر كصدمة، أو جرح حرم جزما.

فصل فيما يملك به الصيد وما يتبعه
"يملك" لغير نحو محرم، ومرتد، ولمرتد عاد للإسلام "الصيد" الذي يحل اصطياده، وليس عليه أثر ملك بإبطال منعته، ولو حكما مع القصد ويحصل ذلك "بضبطه" أي: الإنسان، ولو غير مكلف نعم إن لم يكن له نوع تمييز، وأمره غيره فهو لذلك الغير، لأنه آلة له محضة "بيده" كسائر المباحات، وإن لم يقصد تملكه كأن أخذه لينظر إليه، فإن قصده لغيره الآذن له ملكه الغير "و" يملكه، وإن لم يضع يده عليه "بجرح مذفف، وبإزمان، و" نحو "كسر جناح"، وقصه بحيث يعجز عن الطيران، والعدو جميعا، أو بحيث يسهل لحوقه، وأخذه، وبعطشه بعد الجرح لا لعدم الماء، بل لعجزه عن وصوله "وبوقوعه" وقوعا لا يقدر معه على الخلاص "في شبكة"، ولو مغصوبة "نصبها" للصيد كما بأصله، وإن غاب طرد إليها أم لا، لأنه يعد بذلك مستوليا عليه بخلاف ما لو لم ينصبها، أو نصبها لا له أما إذا قدر معه على ذلك فلا يملكه ما دام قادرا فمن أخذه ملكه، وبإرسال جارح عليه سبعا كان، أو كلبا، ولو غير معلم له عليه يد، ولو غصبا فأمسكه، وزال امتناعه بأن لم ينفلت منه ولو زجره فضولي فوقف، ثم أغراه كان ما صاده له بخلاف ما لو زاد عدوه بإغرائه من غير وقوف، ويفرق بينه، وبين ما مر آنفا في إغراء المجوسي بناء على الحرمة بأنه يحتاط لها "وبإلجائه إلى مضيق لا يفلت" بضم ثم كسر من أفلتني الشيء، وتفلت مني انفلت "منه" كبيت، أو برج أغلق بابه عليه، ولو مغصوبا، لأنه صار مقدورا عليه، وأفهم قوله: مضيق أنه لا بد من أن يمكنه أخذه منه من غير كلفة، وبتعشيشه في بنائه الذي قصده له كدار، أو برج فيملك بيضه، وفرخه، وكذا هو على المنقول

 

ج / 4 ص -247-        المعتمد، بل حكى جمع القطع به، فإن لم يقصده له لم يملك واحدا من الثلاثة لكنه يصير أحق به، أما ما عليه أثر ملك كوسم، وقص جناح، وخضب، وقرط فهو لقطة، وكذا درة، وجدها بسمكة اصطادها، وهي مثقوبة، وإلا فله قال ابن الرفعة: عن الماوردي إن صادها من بحر الجوهر أي: وإلا فهي لقطة أيضا، وإذا حكم بأنها له لم تنتقل عنه ببيع السمكة جاهلا بها كبيع دار أحياها، وبها كنز جهله، فإنه له هذا حاصل المعتمد في ذلك، وإن أوهمت عبارة غير واحد خلافه، ولو دخل سمك حوضه، ولو مغصوبا فسده بسد منفذه، ومنعه الخروج منه ملكه إن صغر بحيث يمكن تناول ما فيه باليد، وإلا صار أحق به فيحرم على غيره صيده لكنه يملكه، "ولو، وقع صيد في ملكه" اتفاقا، أو بما يحل له الانتفاع به، ولو بعارية كسفينة كبيرة "وصار مقدورا عليه بتوحل، وغيره" صار أحق به فيحرم على غيره أخذه لكنه يملكه، وإنما "لم يملكه" من وقع في نحو ملكه "في الأصح"، لأن مثل هذا لا يقصد به الاصطياد نعم إن قصد بسقي الأرض، ولو مغصوبة توحل الصيد بها فتوحل، وصار لا يقدر على الخلاص منها ملكه على المعتمد من تناقض لهما فيه، ومحله إن كانت مما يقصد بها ذلك عادة، وعلم مما قررته أن الغصب ينافي التحجر لا الملك فتقييده بملكه قيد للتحجر المطوي، أو للخلاف، وأن السفينة إن أعدت للاصطياد بها وأزال الوقوع فيها امتناع الصيد، وصغرت بحيث يسهل أخذه منها ملكه من هي بيده، ولو غاصبا بمجرد وقوعه فيها فيما يظهر "ومتى ملكه لم يزل ملكه بانفلاته"، ومن أخذه لزمه رده له، وإن توحش نعم إن قطع الشبكة هو لا غيره، وانفلت منها صار مباحا، وملكه من أخذه كما صححه في المجموع، وكذا لو أفلته الكلب، ولو بعد إدراك صاحبه، ويوجه بأنه بان بذلك عجزه عنه فلم يتحقق زوال امتناعه، ثم رأيتهم صرحوا بنحو ذلك، ولا أثر لتقطعها بنفسها، ولو ذهب بها، وبقي على امتناعه بأن يعدو، ويمتنع بها فهو على إباحته، وإلا فلصاحبها، ولو سعى خلف صيد فوقف إعياء لم يملكه حتى يأخذه "وكذا لا يزول" ملكه "بإرسال المالك" المطلق التصرف "له في الأصح" كما لو سيب بهيمته، بل لا يجوز ذلك، لأنه يشبه سوائب الجاهلية نعم إن قال عند إرساله: أبحته لمن يأخذه أبيح لآخذه أكله فقط كالضيف إن علم بقول المالك ذلك، وأما بحث شيخنا أن له إطعام غيره فينبغي حمله على ما إذا علم رضا مبيحه بذلك، أو على أن أكل الثاني له إنما استفاده من قول المالك ذلك لكن يشترط على هذا علم الثاني بذلك القول، أو أعتقته لم يبح ذلك، أما غير مطلق التصرف كمكاتب لم يأذن له سيده فلا يزول بإرساله قطعا، ومر أن من أحرم، وبملكه صيد زال ملكه عنه فيلزمه إرساله، واستثنى الزركشي ما إذا خشي على ولد له لم يصد، أو على أم، ولد صاده دونها لحديث الغزالة التي أطلقها النبي صلى الله عليه وسلم لأولادها لما استجارت به في الأولى، وحديث الحمرة التي أخذ فرخاها فجاءت إليه تفرش فأمر بردهما إليها في الثانية، قال: وهما صحيحان فيجب الإفلات حينئذ فيهما أي: إلا أن يراد ذبح الولد المأكول وقوله: صحيحان غير صحيح، فإن حديث الغزالة ضعيف من سائر طرقه، ولعله أخذ في الخادم من اجتماع طرقه قوله: أنه حسن ثم رأيت الحافظ ابن كثير قال: لا أصل له، ومن نسبه للنبي صلى الله عليه وسلم فقد كذب، وغيره رد عليه بأنه ورد

 

ج / 4 ص -248-        في الجملة في عدة أحاديث يتقوى بعضها ببعض، وأما الحمرة، وهي بضم المهملة فميم مشددة، وقد تخفف طائر كالعصفور فحديثها صححه الحاكم، وفيه التعبير بفرخها، وبأنه صلى الله عليه وسلم قال: "رده رده" رحمة لها، وكذا عبر بالفرخ بالإفراد الترمذي وابن ماجه، وفي رواية الطيالسي بيضها قال الدميري، وحكمة الأمر بالرد احتمال إحرام الآخذ، أو أنها لما استجارت به أجارها، أو كان الإرسال في هذه الحالة واجبا. ا هـ. وما قاله آخرا يوافق ما قاله الزركشي قال: ومن معه طير، أو غيره، ولم يجد ما يذبحه به، ولا ما يطعمه إياه يلزمه إرساله أيضا، ويحل إرسال معتاد العود، ويجب على احتمال إرسال ما نهي عن قتله كالخطاف، والهدهد، لأنه لما حرم التعرض له بالاصطياد حرم حبسه كصيد الحرم، ويحرم حبس شيء من الفواسق الخمس على وجه الاقتناء، ويحل حبس ما ينتفع بصوته، أو لونه. ا هـ. ملخصا، وبما ذكره آخرا يقيد احتماله في نحو الخطاف بأن يكون حبسه لا لنحو صوته فرع يزول ملكه بالإعراض عن نحو كسرة خبز من رشيد، وعن سنابل الحصادين، وبرادة الحدادين، ونحو ذلك مما يعرض عنه عادة فيملكه آخذه، وينفذ تصرفه فيه أخذا بظاهر أحوال السلف ومنه يؤخذ أنه لا فرق في ذلك بين ما تتعلق به الزكاة، وغيره مسامحة بذلك لحقارته عادة لكن بحث الزركشي، ومن تبعه التقييد بما لا تتعلق به، لأنها تتعلق بجميع السنابل، والمالك مأمور بجمعها، وإخراج نصيب المستحقين منها، إذ لا يحل له التصرف قبل إخراجها كالشريك في المشترك بغير إذن شريكه فلا يصح إعراضه قال: ولعل الجواز محمول على ما لا زكاة فيه، أو على ما إذا زادت أجرة جمعها على ما يؤخذ منها. ا هـ. ومر في زكاة النبات عن مجلي، وغيره ما له تعلق بذلك فراجعه نعم محل جواز أخذ ذلك كما هو ظاهر ما لم تدل قرينة من المالك على عدم رضاه كأن، وكل من يلقطه له، وبه يعلم أن مال المحجور لا يملك منه شيء بذلك، إذ لا يتصور منه إعراض ثم رأيته في الروضة في اللقطة نقل عن المتولي، وأقره أن محل حل التقاط السنابل إن لم يشق على المالك، وعبارة المتولي، وإن كان المالك يلتقطه، ويثقل عليه التقاط الناس له فلا يحل، وعبارة شيخه القاضي إن كان في وقت لا يبخلون بمثل تلك السنابل حل، وتجعل دلالة الحال كالإذن، أو يبخلون بمثله فلا يحل، وبه يعلم صحة قولي ما لم يدل إلخ.، وعبارة مجلي لو لم تعلم حقيقة قصد المالك فلا يحل، والناس مختلفون في ذلك، وقل أن يوجد منهم من يتركه رغبة أي: فينبغي الاحتياط، ورأيت الأذرعي بحث في سنابل المحجور أنه لا يحل التقاطها كما لو جهل حال المالك، ورضاه المعتبر، وغيره اعترضه بما بحثه البلقيني في عيون مر الظهران أن ما لا يحتفل به ملاكه، ولا يمنعون منه أحدا، أو اطردت عادتهم بذلك حل الشرب منه، وإن كان لمحجور فيه شركة. ا هـ. ويرد بأن المسامحة في مياه العيون أكثر منها في السنابل على أن التحقيق في تلك العيون أن واضعي أيديهم عليها لا يملكون ماءها إلا إن ملكوا منبعها، وهو أصل تلك العيون، وملكه متعذر، لأنه في بطون جبال موات لا يدرى أصله فيكونون حينئذ أحق بتلك المياه لا غير، ثم رأيت البلقيني صرح في السنابل بما صرح به في الماء فقال: كلام الروضة يقتضي إثبات خلاف في السنابل، وليس كذلك، وإن كان الزرع لنحو صغير. ا هـ. قال

 

ج / 4 ص -249-        غيره وهو جيد، ويدل له إطلاق المجموع الآتي على الأثر أن اعتياد الإباحة كاف من غير نظر إلى كونه لمحجور، أو غيره، لأن تكليف، وليه المشاحة له فيما اطردت العادة بالمسامحة به أمر مشق، وبهذا ينظر في تنظير ابن عبد السلام في حل دخول سكة أحد ملاكها محجور. ا هـ. ويحرم أخذ ثمر متساقط إن حوط عليه، وسقط داخل الجدار، وكذا إن لم يحوط عليه، أو سقط خارجه لكن لم تعتد المسامحة بأخذه، وفي المجموع ما سقط خارج الجدار إن لم تعتد إباحته حرم، وإن اعتيدت حل عملا بالعادة المستمرة المغلبة على الظن إباحتهم له كما تحل هدية، أو أوصلها مميز. ا هـ. ومن أخذ جلد ميتة أعرض عنه فدبغه ملكه لزوال ما فيه من الاختصاص الضعيف بالإعراض.
"ولو تحول حمامه" من برجه إلى صحراء، واختلط بمباح محصور حرم الاصطياد منه، ومر بيانه في النكاح أو بمباح دخل برجه، ولم يملكه لكبر البرج صار أحق به، ولو شك في إباحته فالورع تركه، أو "إلى برج غيره" الذي له فيه حمام فوضع يده عليه بأن أخذه "لزمه رده" إن تميز لبقاء ملكه، أما إذا لم يأخذه فهو أمانة شرعية يلزمه الإعلام بها فورا، والتخلية بينها، وبين مالكها، فإن حصل بينهما فرخ، أو بيض فهو لمالك الأنثى "فإن اختلط" حمام أحد البرجين بالآخر، أو حمام كل منهما بالآخر، وتعيين البلقيني لهذا التصوير، وأن المتن فيه نقص عجيب، ومن ثم رده عليه تلميذه أبو زرعة، وغيره "وعسر التمييز لم يصح بيع أحدهما، وهبته"، ونحوهما من سائر التمليكات "شيئا منه"، أو كله "لثالث" لعدم تحقق ملكه لذلك الشيء بخصوصه، وما تقرر من أنه إذا باع الكل لا يصح في شيء منه هو ما رجحه في المطلب "ويجوز" لأحدهما أن يملك ما له "لصاحبه في الأصح"، وإن جهل كل عين ملكه للضرورة "فإن باعاهما" أي: المالكان المختلط لثالث، وكل لا يدري عين ماله "والعدد معلوم لهما" كمائة، ومائتين "والقيمة سواء صح" البيع، ووزع الثمن على أعدادهما، وتحتمل الجهالة في المبيع للضرورة، وكذا يصح لو باعا له بعضه المعين بالجزئية "وإلا" بأن جهلا، أو أحدهما العدد، أو تفاوتت القيمة "فلا" يصح، لأن كلا يجهل ما يستحقه من الثمن، وزعم الإسنوي توزيع الثمن على أعدادهما مع جهل القيمة مردود بأنه متعذر حينئذ نعم إن قال كل: بعتك الحمام الذي لي في هذا بكذا صح لعلم الثمن، وتحتمل جهالة المبيع للضرورة وقوله: لي لا بد منه، وإن حذف من الروضة، وغيرها، ولو وكل أحدهما صاحبه فباع للثالث كذلك، فإن بين ثمن نفسه، وثمن موكله كما هو ظاهر صح أيضا لما ذكر، وما، أو همه كلام شارح من أنه لا يحتاج هنا لبيان الثمن، بل يقتسمانه بعيد للجهل بالثمن حينئذ، لأن الفرض جهل العدد، أو القيمة.
فرع: لو اختلط مثلي حرام كدرهم، أو دهن، أو حب بمثله له جاز له أن يعزل قدر الحرام بنية القسمة، ويتصرف في الباقي، ويسلم الذي عزله لصاحبه إن وجد، وإلا فلناظر بيت المال، واستقل بالقسمة على خلاف المقرر في الشريك للضرورة، إذ الفرض الجهل بالمالك فاندفع ما قيل: يتعين الرفع للقاضي ليقسمه عن المالك، وفي المجموع طريقه أن يصرف قدر الحرام إلى ما يجب صرفه فيه، ويتصرف في الباقي بما أراد، ومن هذا اختلاط، أو خلط نحو

 

ج / 4 ص -250-        دراهم لجماعة، ولم تتميز فطريقه أن يقسم الجميع بينهم على قدر حقوقهم، وزعم العوام أن اختلاط الحلال بالحرام يحرمه باطل، وفيه كالروضة إن حكم هذا كالحمام المختلط، ومراده التشبيه به في طريق التصرف لا في حل الاجتهاد، إذ لا علامة هنا، لأن الفرض أن الكل صار شيئا واحدا لا يمكن التمييز فيه بخلاف الحمام، فإن قلت: هذا ينافي ما مر في الغصب أن مثل هذا الخلط يقتضي ملك الغاصب، ومن ثم أطال في الأنوار في رد هذا بذاك قلت لا ينافيه، لأن ذاك فيما إذا عرف المالك، وهذا فيما إذا جهل كما تقرر، وبفرض استوائهما في معرفته فما هنا إنما هو أن له إفراز قدر الحرام من المختلط أي: بغير الأردإ، وهذا لا ينافي ملكه له، لأنه ملك مقيد بإعطاء البدل كما مر فتأمله، وقد بسطت الكلام عليه في شرح العباب بما لا يستغنى عن مراجعته.
"ولو جرح الصيد اثنان متعاقبان فإن" أزمناه بمجموع جرحيهما فهو للثاني، ولا ضمان على الأول لما يأتي، فإن جرحه ثانيا أيضا، ولم يذفف، وتمكن الثاني من ذبحه ضمن ربع قيمته توزيعا للنصف على جرحيه المهدر أحدهما نظير ما يأتي مع استدراك صاحب التقريب أذفف، فإن أصاب المذبح حل، وعليه ما نقص من قيمته بالذبح، وإلا حرم، وعليه قيمته مجروحا بالجرحين الأولين، وكذا إن لم يذفف، ولم يتمكن الثاني من ذبحه نظير ما يأتي، وإن "ذفف الثاني، أو أزمن دون الأول" أي: لم يوجد منه تذفيف، ولا إزمان "فهو للثاني"، لأنه المؤثر في امتناعه، ولا شيء على الأول، لأنه جرحه، وهو مباح "وإن ذفف الأول ف" هو "له" لذلك لكن على الثاني أرش ما نقص بجرحه من لحمه، وجلده، لأنه جنى على ملك الغير "وإن أزمن" الأول "ف" هو لذلك "ثم إن ذفف الثاني بقطع حلقوم، ومريء فهو حلال، وعليه للأول ما نقص بالذبح"، وهو ما بين قيمته زمنا، ومذبوحا كذبحه شاة غيره متعديا وقول الإمام إنما يظهر التفاوت في مستقر الحياة تعقبه البلقيني بأن الجلد ينقص بالقطع، وإن ذفف لكنه حينئذ إنما يضمن نقص الجلد فقط، ويؤخذ منه صحة كلام الإمام، لأنه إنما تفي في غير مستقر الحياة التفاوت بين قيمته مذبوحا، وزمنا لا مطلق القيمة فلا يرد عليه ما ذكر في الجلد "وإن ذفف لا بقطعهما" أي الحلقوم، والمريء فحرام، لأنه مقدور عليه، وهو لا يحل إلا بذبحه "أو لم يذفف، ومات بالجرحين فحرام" لاجتماع المبيح، والمحرم "ويضمنه الثاني للأول"، لأنه أفسد ملكه أي: يضمن له في التذفيف قيمته مزمنا، وكذا في الجرحين الغير المذففين إن لم يتمكن الأول من ذبحه على ما اقتضاه كلامهم لكن صححا استدراك صاحب التقريب عليهم بأنه ينبغي إذا ساوى سليما عشرة، ومزمنا تسعة، ومذبوحا ثمانية أنه يلزمه ثمانية، ونصف لحصول الزهوق بفعليهما فيوزع الدرهم الفائت بهما عليهما، أما إذا تمكن من ذبحه فتركه فله قدر ما فوته الثاني لا جميع قيمته مزمنا، لأنه بتفريطه جعل فعل نفسه إفسادا ففي هذا المثال تجمع قيمتاه سليما، وزمنا تبلغ تسعة عشر فيقسم عليهما ما فوتاه، وهو عشرة فحصة الأول لو ضمن عشرة أجزاء من تسعة عشر جزءا من عشرة، وحصة الثاني تسعة أجزاء من ذلك فهي اللازمة له، وهذا على الراجح في أصل هذه المسألة، وهو ما لو جنى على مملوك قيمته عشرة جراحة أرشها دينار، ثم جرحه آخر

 

ج / 4 ص -251-        جراحة أرشها دينار، ومات بهما ففيما يلزم الجارحين ستة أوجه للأصحاب وكلامهم في تحريرها طويل متشعب، والذي أطبق عليه العراقيون منها، واعتمده الحاوي الصغير، وفروعه، وغيرهم، وقال ابن الصلاح إنه متعين، لأنه إذا لم يكن بد من مخالفة النظائر، والقواعد لاختصاص الواقعة بما يقطعها عنها فأقل تلك الأوجه محذورا هو هذا أنه يجمع بين قيمتيه فتكون تسعة عشر، ثم يقسم عليه ما فوتاه، وهو عشرة فعلى الأول عشرة أجزاء من تسعة عشر جزءا من عشرة، وعلى الثاني تسعة أجزاء من تسعة عشر جزءا من عشرة "وإن جرحا" هـ "معا، وذففا" هـ بجرحهما "أو أزمنا" هـ به، أو ذففه أحدهما، وأزمنه الآخر، أو احتمل كون الإزمان بهما، أو بأحدهما "ف" هو "لهما"، وإن تفاوت جرحاهما، أو كان أحدهما في المذبح لاشتراكهما في سبب الملك لكن ظاهرا في الأخيرة، ومن ثم ندب لكل أن يستحل الآخر، ولو علم تذفيف أحدهما، وشك في تأثير جرح الآخر سلم النصف للأول، ووقف النصف الآخر، فإن بان الحال، أو اصطلحا فواضح، وإلا قسم بينهما نصفين، ويسن لكل أن يستحل الآخر فيما خصه بالقسمة "وإن ذفف أحدهما، أو أزمن دون الآخر"، وقد جرحا معا "ف" هو "له" لانفراده بسبب الملك، ولا ضمان على الآخر، لأنه جرح مباحا، ويحل المذفف، ولو بغير المذبح "وإن ذفف واحد" لا بذبح شرعي "وأزمن الآخر" فيما إذا ترتبا "وجهل السابق" منهما "حرم على المذهب" تغليبا للمحرم، لأنه الأصل كما مر، فإنه يحتمل سبق التذفيف فيحل، وتأخره فلا إلا بالذبح، ومن ثم لو ذبحه المذفف حل قطعا، والاعتبار في الترتيب، والمعية بالإصابة دون ابتداء الرمي.