تحفة المحتاج بشرح المنهاج ط العلمية

ج / 4 ص -252-        كتاب الأضحية
"هي" بكسر الهمزة وضمها مع تخفيف الياء وتشديدها ما يذبح من النعم تقربا إلى الله تعالى في الزمن الآتي ويقال ضحية وأضحاة بفتح أول كل وكسره سميت بأول أزمنة فعلها وهو وقت الضحى والأصل في مشروعيتها الكتاب والسنة وإجماع الأمة وروى الترمذي والحاكم وهو صحيح لكن على نزاع فيه خبر:
"ما عمل به ابن آدم يوم النحر من عمل أحب إلى الله تعالى من إراقة لدم إنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأطلاقها وإن الدم ليقع من الله بمكانه قبل أن يقع على الأرض فطيبوا بها نفسا" والخبر المذكور في الرافعي وغيره "عظموا ضحاياكم فإنها على الصراط مطاياكم" قال ابن الصلاح غير ثابت ثم مذهبنا أن التضحية "سنة" في حقنا لحر أو مبعض مسلم مكلف رشيد نعم للولي الأب أو الجد لا غير التضحية عن موليه من مال نفسه كما يأتي قادر بأن فضل عن حاجة ممونه ما مر في صدقة التطوع ولو مسافرا وبدويا وحاجا بمنى وإن أهدى خلافا لمن شذ مؤكدة لخبر الترمذي: "أمرت بالنحر وهو سنة لكم" والدارقطني: "كتب علي النحر وليس بواجب عليكم"، وصح خبر: "ليس في المال حق سوى الزكاة" وجاء بإسناد حسن أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا لا يضحيان مخافة أن يرى الناس وجوبها ويوافقه تفويضها في خبر مسلم إلى إرادة المضحي والواجب لا يقال فيه ذلك ثم إن تعدد أهل البيت كانت سنة كفاية فتجزئ من واحد رشيد منهم لما صح عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه كنا نضحي بالشاة الواحدة يذبحها الرجل عنه وعن أهل بيته وإلا فسنة عين ويكره تركها للخلاف في وجوبها ومن ثم كانت أفضل من صدقة التطوع وبحث البلقيني أخذا من زكاة الفطر أن ندبها لا يتعلق بمن كان حملا أول وقتها وإن انفصل عقب دخوله ثم رأيته احتج أيضا بقول الأصحاب لا يضحى عما في البطن كما لا تخرج عنه الفطرة ا هـ وكأنه لم ينظر إلى احتمال أن مرادهم ما دام مجننا لأن التشبيه بزكاة الفطر يرد ذاك قيل قوله هي سنة غير مستقيم، لأن الأضحية غير التضحية كما تقرر ويرد بأن ذكر الأضحية في الترجمة دال على أن المراد منها ما يعم الأمرين فأعاد الضمير على أحدهما لظهوره من قرينة السياق ففيه نوع استخدام.
تنبيه: لم يبينوا المراد بأهل البيت هنا لكنهم بينوهم في الوقف فقالوا لو قال وقفت على أهل بيتي فهم أقاربه الرجال والنساء فيحتمل أن المراد هنا ذلك أيضا ويوافقه ما مر أن أهل البيت إن تعددوا كانت سنة كفاية وإلا فسنة عين ومعنى كونها سنة كفاية مع كونها تسن لكل منهم سقوط الطلب بفعل الغير لا حصول الثواب لمن لم يفعل كصلاة الجنازة وفي تصريحهم بندبها لكل واحد من أهل البيت ما يمنع أن المراد بهم المحاجير ويحتمل أن المراد بأهل البيت هنا ما يجمعهم نفقة منفق واحد ولو تبرعا ويفرق بين ما هنا والوقف

 

ج / 4 ص -253-        بأن مداره على المتبادر من الألفاظ غالبا حتى يحمل عليه لفظ الواقف وإن لم يقصده وهنا على من هو من أهل المواساة إذ الأضحية كذلك ومن هو في نفقة غيره ليس من أهل المواساة غالبا وقول أبي أيوب يذبحها الرجل عنه وعن أهل بيته يحتمل كلا من المعنيين ويحتمل أن المراد به ظاهره وهم الساكنون بدار واحد بأن اتحدت مرافقها وإن لم يكن بينهم قرابة وبه جزم بعضهم لكنه بعيد ولذلك تتمة في شرح العباب فراجعها فإنها مهمة.
"لا تجب إلا بالتزام" كسائر المندوبات وصرح به لئلا يتوهم أن المراد بالسنة الطريقة وإن كان بعيدا هنا قيل إن أراد مطلق الالتزام ورد عليه التزمت الأضحية أو هي لازمة لي وإن اشتريت هذه الشاة فلله علي أن أجعلها أضحية ولا وجوب فيها أو خصوص النذر ورد جعلت هذه أضحية أو هذه أضحية فإنها تجب فيهما إلحاقا لهما بالتحرير والوقف. ا هـ. ويجاب باختيار الثاني ولا يرد ذلك للعلم بهما من قوله الآتي وكذا لو قال جعلتها أضحية والأول ويمنع إيراد تلك الثلاثة بأن الذي يتجه في الأولين أنهما كنايتا نذر وفي الثالث أنها لا تصير أضحية بالشراء بل بالجعل بعده فيلزمه إن قصد الشكر على حصول نعمة الملك وإلا كان نذر لجاج فاندفع إطلاق قوله ولا وجوب فيها "ويسن لمريدها" غير المحرم ولا يقوم نذره بلا إرادة لها مقام إرادته لها لأنه قد يخل بالواجب "أن لا يزيل شعره" ولو بنحو عانته وإبطه "ولا ظفره" ولا غيرهما من سائر أجزاء البدن حتى الدم كما صرحوا في الطلاق قاله الإسنوي لكن غلطه البلقيني بأنه لا يصلح لعده من الأجزاء هنا وإنما المراد تبقية الأجزاء الظاهرة نحو جلدة لا يضر قطعها ولا حاجة له فيه "في عشر ذي الحجة حتى يضحي" للأمر بالإمساك عن ذلك في خبر مسلم وحكمته شمول المغفرة والعتق من النار لجميعه لا التشبه بالمحرمين وإلا لكره نحو الطيب والمخيط فإن فعل كره وقيل حرم وعليه أحمد وغيره ما لم يحتج وإلا فقد يجب كقطع يد سارق وختان بالغ وقد يستحب كختان صبي أو كتنظيف لمريد إحرام أو حضور جمعة على ما بحثه الزركشي لكن ينافيه إفتاء غير واحد بأن الصائم إذا أراد أن يحرم أو يحضر الجمعة لا يسن له التطيب رعاية للصوم فكذا هنا رعاية شمول المغفرة أولى وقد يباح كقلع سن وجعة وسلعة واعترض الإسنوي التمثيل بختان الصبي بأنها تحرم من ماله وأجاب بتصورها بأن يكون من أهل البيت أو بأن يشركه بالغ معه ثم رده بأن الأخبار وعبارات الأئمة إنما دلت على الكراهة في حق مريد التضحية وهذا لم يردها وخالفه غيره فبحث ندب ذلك لمولى أرادها عنه وليه من مال الولي وقياسه الندب في مسألتي الإسنوي لوقوعها فيهما عن الصبي ويضم على الأوجه لعشر ذي الحجة ما بعده من أيام التشريق إلى أن يضحي ولو فاتت أيام التشريق إن شرع القضاء بأن أخر الناذر التضحية بمعين فإنه يلزمه ذبحها قضاء ولو تعددت أضحيته انتفت الكراهة بالأول على الأوجه أيضا بناء على الأصح عند الأصوليين أن الحكم المعلق على معنى كلي يكفي فيه أدنى المراتب لتحقيق المسمى فيه وقضيته أنه لو نواها متعددة لم تنتف بالأول والذي يتجه أنه لا فرق ويوجه بأن القصد شمول المغفرة وقد وجد "وأن

 

ج / 4 ص -254-        يذبحها بنفسه" إن أحسن للاتباع نعم الأفضل للخنثى وللأنثى أن يوكلا "وألا" يرد الذبح بنفسه "فيشهدها" ندبا لما في الخبر الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم أمر فاطمة رضي الله عنها بذلك وأن تقول: إن صلاتي ونسكي إلى وأنا من المسلمين ووعدها بأنه يغفر لها بأول قطرة من دمها كل ذنب عملته وأن هذا لعموم المسلمين وأفهم المتن صحة الاستنابة فيها وسيأتي ويسن لغير الإمام أن يضحي في بيته بمشهد أهله وله إذا ضحى عن المسلمين أن يذبح بنفسه في المصلى عقب الصلاة ويخليها للناس للاتباع، "ولا تصح" التضحية "إلا من إبل وبقر" أهلية عراب أو جواميس دون بقر وحش "وغنم" للاتباع وكالزكاة فلا يكفي متولد بين واحد من هذه وغيرها بخلاف متولد بين نوعين منها على الأوجه ويعتبر على الأوجه أيضا سنة بأعلاهما سنا كسنتين في متولد بين ضأن ومعز أو بقر ويظهر أنه لا يجزئ إلا عن واحد لأنه المتيقن، "وشرط إبل أن يطعن" بضم العين "في السنة السادسة" ويعبر عنه بتمام الخامسة إذ من لازمه الطعن فيما يليها "و" شرط "بقر ومعز" أن يطعن "في" السنة "الثالثة" ويعبر عنه بتمام الثانية لذلك وكل من هذه الثلاثة تسمى ثنية ومسنة "و" شرط "ضأن" أن يطعن "في" السنة "الثانية" ويعبر عنه بتمام السنة لذلك أيضا هذا إن لم يجذع قبلها وإلا كفى كما في خبر أحمد وغيره وفي خبر مسلم ما حاصله أن جذعة الضأن لا تذبح إلا إن عجز عن المسنة وتأوله الجمهور بحمله على الندب أي يسن لكم أن لا تذبحوا إلا مسنة فإن نجزتم فجذعة ضأن وفي هذا التأويل نظر ظاهر لمنافاته لقولهم الأتي ثم ضأن ثم معز والمسنة في الخبر تشمل الثلاثة السابقة كما في شرح مسلم عن العلماء، "ويجوز ذكر وأنثى" إجماعا لكن الذكر ولو بلون مفضول فيما يظهر أفضل، لأن لحمه أطيب إلا إذا كثر نزوانه فأنثى لم تلد أفضل منه ويجزئ خنثى إذ لا يخلو عنهما والذكر أفضل منه لاحتمال أنوثته وهو أفضل من الأنثى لاحتمال ذكورته "وخصى" للاتباع ولأن لحمه أطيب والخصيتان غير مقصودتين بالأكل عادة بل حرم غير واحد أكلهما بخلاف الإذن، "و" يجزئ "البعير والبقرة" الذكر والأنثى منهما أي كل منهما "عن سبعة" من البيوت هنا ومن الدماء وإن اختلفت أسبابها كتحلل المحصر لخبر مسلم به وإن أراد بعضهم مجرد لحم ثم يقتسمون اللحم بناء على أنها إفراز وهو ما صححه في المجموع وعلى أنها بيع تمتنع القسمة لما مر أن بيع اللحم الرطب بمثله لا يجوز فمن طرقه أن يبيع أحد الشريكين لصاحبه حصته بدراهم ولا تجزئ في الصيد البدنة عن سبعة ظباء، لأن القصد المماثلة وظاهر كلامهم إجزاؤها عن سبع شياه في سبع أشجار ويوجه بأنه لا مماثلة فيه وخرج بسبعة ما لو ذبحها ثمانية ظنوا أنهم سبعة فلا تجزئ عن أحد منهم، "و" تجزئ "الشاة" الضائنة والماعزة "عن واحد" فقط اتفاقا لا عن أكثر بل لو ذبحا عنهما شاتين مشاعتين بينهما لم يجز، لأن كلا لم يذبح شاة كاملة وخبر اللهم هذا عن محمد وأمة محمد محمول على التشريك في الثواب وهو جائز ومن ثم قالوا له أن يشرك غيره في ثواب أضحيته وظاهره حصول الثواب لمن أشركه وهو ظاهر إن كان ميتا قياسا على التصدق عنه ويفرق بينه وبين ما يأتي في الأضحية الكاملة عنه بأنه يغتفر هنا لكونه مجرد إشراك في

 

ج / 4 ص -255-        ثواب ما لا يغتفر ثم رأيت ما يؤيد ذلك وهو ما مر في معنى كونها سنة كفاية الموافق لما بحثه بعضهم أن الثواب فيمن ضحى عنه وعن أهل بيته للمضحي خاصة لأنه الفاعل كالقائم بفرض الكفاية "وأفضلها" عند الانفراد فلا ينافي قوله الآتي سبع شياه إلخ "بعير" لأنه أكثر لحما من البقرة "ثم بقرة" لأنها أكثرها لحما مما بعدها "ثم ضأن"، لأن لحمه أطيب "ثم معز" احتاج لثم، لأن بعده مراتب أخرى تعلم من كلامه وهي شرك من بدنة ثم من بقرة "وسبع شياه" لا أقل كما اقتضاه كلامهم وإن أوهم تعليلهم بتعدد إراقة الدم خلافه ويوجه بأن سبع البعير يقاوم شاة فلا يقاومه مع الزيادة عليه إلا السبع "أفضل من بعير" ومن بقرة وإن كان كل من هذين أكثر لحما من السبع، لأن لحمهن أطيب مع تعدد إراقة الدم "وشاة أفضل من مشاركة في بعير" للانفراد بإراقة الدم مع طيب اللحم وبه يعلم اتجاه ما اقتضاه المتن أنها أفضل من الشرك وإن كان أكثر البعير وقد صرح صاحب الوافي بنحو ذلك وهو ظاهر خلافا لمن نظر فيه والحاصل أن لحم الإبل والبقر لما تقاربا في الرداءة اعتبرت الأفضلية فيهما بمظنة أكثرية اللحم والضأن والمعز لما تقاربا في الأطيبية اعتبرت الأفضلية فيهما بالأطيبية لا بكثرة اللحم ومن ثم فضلت السبع البعير الأكثر لحما وقدمت أكثرية اللحم على أطيبيته، لأن القصد إغناء الفقراء فاتجه بما ذكرته كلامهم وأنه لا اعتراض عليه وأنه لا يرد عليه قول الرافعي قد يؤدي التعارض في مثل هذا إلى التساوي فتأمله ومما يؤيد ذلك قولهم كثرة الثمن هنا أفضل من كثرة العدد بخلاف العتق، لأن القصد هنا طيب اللحم وثم تخليص الرقبة من الرق فعلم أن الأكمل من كل منها الأسمن فسمينة أفضل من هزيلتين وإن كانتا بلون أفضل أو ذكرين فيما يظهر وكثرة لحم غير رديء ولا خشن أفضل من كثرة الشحم وأفضلها البيضاء لأنه صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين والأملح الأبيض وقيل ما بياضه أكثر من سواده فالصفراء فالعفراء وهي ما لم يصف بياضها فالحمراء فالبلقاء فالسوداء قال الماوردي والأفضل لمن يضحي بعد أن يفرقه في أيام الذبح ورده المصنف بأنه خلاف السنة فإنه صلى الله عليه وسلم نحر مائة بدنة في يوم واحد مسارعة للخيرات.
"وشرطها" أي الأضحية لتجزئ حيث لم يلتزمها ناقصة "سلامة" وقت الذبح حيث لم يتقدمه إيجاب وإلا فوقت خروجها عن ملكه "من عيب ينقص" بالتخفيف كيشكر في الأفصح كما مر "لحما" حالا كقطع فلقة كبيرة من نحو فخذ أو مآلا كعرج بين لأنه ينقص رعيها فتنهزل والقصد هنا اللحم فاعتبر ضبطها بما لا ينقصه كما اعتبرت في عيب المبيع بما لا ينقص المالية لأنها المقصودة ثم ويلحق باللحم ما في معناه من كل مأكول فلا يجزئ مقطوع بعض ألية أو أذن كما يأتي ولا يردان عليه، لأن اللحم قد يطلق في بعض الأبواب على كل مأكول كما في قولهم يحرم بيع اللحم بالحيوان أما لو التزمها ناقصة كأن نذر الأضحية بمعيبة أو صغيرة أو قال جعلتها أضحية فإنه يلزمه ذبحها ولا تجزئ ضحية وإن اختص ذبحها بوقت الأضحية وجرت مجراها في الصرف وأفهم قولنا وإلا إلخ أنه لو نذر التضحية بهذا وهو سليم ثم حدث به عيب ضحى به وثبتت له أحكام التضحية، وأفهم

 

ج / 4 ص -256-        المتن عدم إجزاء التضحية بالحامل وهو ما في المجموع عن الأصحاب، لأن الحمل ينقص لحمها كما صرحوا به في عيب المبيع والصداق ومخالفة ابن الرفعة فيه ردوها بأن المنقول الأول وقوله: إن نقص اللحم ينجبر بالجنين ردوه أيضا بأنه قد لا يكون فيه جبر أصلا كالعلقة وبأن زيادة اللحم لا تجبر عيبا كعرجاء أو جرباء سمينة وإنما عدوها كاملة في الزكاة، لأن القصد فيها النسل دون طيب اللحم والجمع بين قول الأصحاب ذلك ونقل البلقيني عنهم كالنص الإجزاء بحمل الأول على ما إذا حصل بالحمل عيب فاحش والثاني على ما إذا لم يحصل به ذلك يرده ما تقرر أن الحمل نفسه عيب وأن العيب لا يجبر وإن قل قبل وقضية الضابط أيضا أن قريبة العهد بالولادة لا تجزئ أيضا لنقص لحمها بل هي أسوأ حالا من الحامل ولهذا لا تؤخذ في الزكاة على وجه مع اتفاقهم أخذ الحامل ا هـ وفيه نظر والذي يتجه خلافه ويفرق بينهما وبين الحامل بأن الحمل يفسد الجوف ويصير اللحم رديئا كما صرحوا به وبالولادة زال هذا المحذور وأما ما ذكر عن كلامهم في الزكاة فهو لمعنى يختص بها لا يأتي مثله هنا فإنها إن أخذت بولدها ضر المالك أو بدونه ضرها وولدها "فلا يجزئ عجفاء" وهي التي ذهب مخها من الهزال بحيث لا يرغب في لحمها غالب طالبي اللحم في الرخاء للخبر الصحيح "أربع لا تجزئ في الأضاحي العوراء البين عورها والمريضة البين مرضها والعرجاء البين عرجها والكسيرة"، وفي رواية: "العجفاء التي لا تنقى" أي من النقي بكسر النون وإسكان القاف وهو المخ "ومجنونة" أي تولاء إذ حقيقة الجنون ذهاب العقل وذلك للنهي عنها ولأنها تترك الرعي أي الإكثار منه فتهزل وظاهر المتن وغيره كالخبر أنها لا تجزئ ولو سمينة لأنها مع ذلك تسمى معينة "ومقطوعة بعض" ضرع أو ألية أو ذنب أو بعض "أذن" أبين وإن قل حتى لو لم يلح للناظر من بعد لذهاب جزء مأكول ولما في خبر الترمذي أنه صلى الله عليه وسلم أمر باستشراف العين والأذن أي بتأملهما لئلا يكون فيهما نقص وعيب وقيل بذبح واسع العينين طويل الأذنين ونهى عن المقابلة أي مقطوع مقدم أذنها والمدابرة أي مقطوعة جانبها والشرقاء أي مثقوبتها والخرقاء أي مشقوقتها وأفهم المتن عدم إجزاء مقطوعة كل الأذن وكذا فاقدتها بخلاف فاقدة الألية، لأن المعز لا ألية له والضرع، لأن الذكر لا ضرع له والأذن عضو لازم غالبا وألحقا الذنب بالألية واعترضا بتصريح جمع بأنه كالأذن بل فقده أندر من فقد الأذن ويتردد النظر فيما يعتاد من قطع طرف الألية لتكبر فيحتمل إلحاقه ببعض الأذن ويؤيده قولهم وإن قل ويحتمل أنه إن قل جدا لم يؤثر كما يصرح به قولهم المخصص لعموم قولهم وإن قل لا يضر قطع فلقة يسيرة من عضو كبير وهذا أوجه ثم رأيت بعضهم بحث ذلك فقال ينبغي أن لا يضر قطع ما اعتيد من قطع بعض أليتها في صغرها لتعظم وتحسن كما لا يضر خصاء الفحل ا هـ. لكن في إطلاقه مخالفة لكلامهم كما علم مما قررته فتعين ما قيدته به وتردد الزركشي في شلل الأذن ثم بحث تخريجه على أكل اليد الشلاء وفيها وجهان قال فإن أكلت جاز وإلا فلا ا هـ وفيه نظر لاختلاف مدرك الإجزاء هنا والأكل كما في اليد الشلاء تؤكل وتمنع الإجزاء والذي يتجه أن شلل الأذن كجربها فإن

 

ج / 4 ص -257-        منع هذا فأولى الشلل وإلا فلا "وذات عرج" بين بأن يوجب تخلفها عن الماشية في المرعى الطيب وإذا ضر ولو عند اضطرابها عند الذبح فكسر العضو وفقده أولى وإن نازع ابن الرفعة في الأولوية "و" ذات "عور" فالعمياء أولى بين بأن يذهب ضوء إحدى عينيها ولو ببياض عمه أو أكثره كما نقله البلقيني واعتمده نعم لا يضر ضعف البصر ولا عدمه ليلا "و" ذات "مرض" بين وهو ما يظهر بسببه الهزال "و" ذات "جرب بين" للخبر السابق فيهن وعطف الأخيرة على ما قبلها من عطف الخاص على العام إذ الجرب مرض وسواء أنقصت بهذه العيوب أم لا "ولا يضر يسيرها" أي الأربع لأنه لا يؤثر كفقد قطعة يسيرة من عضو كبير كفخذ "ولا فقد قرن" وكسره إذ لا يتعلق به كبير غرض وإن كانت القرناء أفضل للخبر فيه نعم إن أثر انكساره في اللحم ضر كما علم من قوله وشرطها إلخ ولا تجزئ فاقدة جميع الأسنان ونقل الإمام عن المحققين الإجزاء حمل على ما إذا لم يكن لمرض ولم يؤثر في الاعتلاف ونقص اللحم وهو بعيد لأنه لا يؤثر بلا شك كما قاله الرافعي بخلاف فقد معظمها فإنه لا يضر إن لم يؤثر في ذلك "وكذا شق أذن وخرقها وثقبها" تأكيد لترادفهما "في الأصح" إن لم يذهب منها شيء لبقاء لحمها بحاله بخلاف ما إذا ذهب بذلك شيء وإن قل وعليه يحمل خبر الترمذي السابق أو يحمل على التنزيه لمفهوم خبر أربع السابق أي بناء على الاعتداد بمفهوم العدد أن ما سواها يجزئ "قلت الصحيح المنصوص يضر يسير الجرب والله أعلم" لأنه يفسد اللحم والودك وألحق به البثور والقروح وبه يتضح ما قدمناه في الشلل.
"ويدخل وقتها" أي التضحية "إذا ارتفعت الشمس كرمح يوم النحر" وهو عاشر الحجة "ثم مضي قدر ركعتين وخطبتين خفيفتين" راجع لكل من الركعتين والخطبتين عملا بقاعدة الشافعي السابقة في الوقت أو أن التثنية نظرا للفظين السابقين وإن كان كل منهما مثنى في نفسه كما في:
{هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا} [الحج: 19] إذ يجوز اختصما أيضا اتفاقا فاندفع اعتراضه بأنه قيد في الخطبتين مع أنه قيد في الركعتين أيضا وضابطه أن يشتمل على أقل مجزئ من ذلك فإن ذبح قبل ذلك لم يجزئ وكان تطوعا كما في الخبر المتفق عليه أو بعده أجزأ وإن لم يذبح الإمام خلافا لما وقع في البويطي نعم إن وقفوا بعرفة في الثامن غلطا وذبحوا في التاسع ثم بان ذلك أجزأهم تبعا للحج ذكره في المجموع عن الدارمي كذا ذكره شارح وهو غلط فاحش فإن الحج لا يجزئ في الثامن إجماعا فأي تبع في ذلك والذي في المجموع ليس في ذلك بل في الوقوف في العاشر فإن الأيام تحسب على حساب وقوفهم فيذبحون بعد مضي أيام التشريق وقد حررت ذلك في حاشية الإيضاح مع فروع نفيسة لا يستغنى عن مراجعتها "ويبقى" وقت التضحية وإن كره الذبح ليلا إلا لحاجة أو مصلحة "حتى تغرب" الشمس "آخر" أيام "التشريق" للخبر الصحيح: "عرفة كلها موقف وأيام منى كلها منحر"، وفي رواية: "في كل أيام التشريق ذبح" وهي ثلاثة أيام بعد يوم النحر وقال الأئمة الثلاثة يومان بعده "قلت ارتفاع الشمس فضيلة والشرط طلوعها ثم" عقبه "مضي قدر" أقل مجزئ خلافا لما زعمه شارح من "الركعتين

 

ج / 4 ص -258-        والخطبتين والله أعلم" بناء على أن وقت العيد يدخل بالطلوع وهو الأصح كما مر وصوب الأذرعي ومن تبعه ما في المحرر نقلا ودليلا وليس كما قالوا بل نازع البلقيني في أن ارتفاع الشمس فضيلة بأن تعجيل النحر مطلوب عند الشافعي فيسن تعجيل الصلاة عقب الطلوع وفيه نظر والمعتمد ندب تأخير ذلك حتى ترتفع كرمح خروجا من الخلاف، "ومن نذر" واحدة من النعم مملوكة له "معينة" وإن لم تجز أضحية كمعيبة وفصيل لا كظبية وألحقت بالأضحية في تعين زمنها لا بالصدقة المنذورة، لأن شبهها بالأضحية أقوى لا سيما وإراقة الدم في هذا الزمن أكمل فلا يرد كونها شبيهة بالأضحية وليست بأضحية "فقال لله علي" أو علي وإن لم يقل لله كما يعلم من كلامه في النذر "أن أضحي بهذه" أو جعلتها أضحية أو هذه أو هي أضحية أو هدي زال ملكه عنها بمجرد التعيين كما لو نذر التصدق بمال بعينه وإن نازع فيه البلقيني "ولزمه ذبحها" وإن كانت مجزئة فحدث فيها ما يمنع الإجزاء كما مر "في هذا الوقت" السابق أداء وهو أول وقت يلقاه بعد النذر لأنه التزمها أضحية فتعين لذبحها وقت الأضحية وإنما لم يجب الفور في أصل النذور والكفارات لأنها مرسلة في الذمة وما هنا في عين وهي لا تقبل تأخيرا كما لا تقبل تأجيلا ويشكل عليه أنه لو قال علي أن أضحي بشاة مثلا كانت كذلك إلا أن يجاب بأن التعيين هنا هو الغالب فألحق به ما في الذمة بخلافه في تلك الأبواب وخرج بقوله قال نية ذلك فهي لغو كنية النذر وأفهم أنه مع ذلك القول لا يحتاج لنية بل لا عبرة بنية خلافه لأنه صريح وحينئذ فما يقع فيه كثير من العامة أنهم يشترون أضحيتهم من أوائل السنة وكل من سألهم عنها يقولون هذه أضحية جاهلين بما يترتب على ذلك بل وقاصدين الإخبار عما أضمروه وظاهر كلامهم أنهم مع ذلك تترتب عليهم تلك الأحكام مشكل وفي التوسط في هذا هدي ظاهر كلام الشيخين أنه صريح في إنشاء جعله هديا وهو بالإقرار أشبه إلا أن ينوى به الإنشاء ا هـ. ويرد بأنه نظير هذا حر أو مبيع منك بألف فكما أن كلا من هذين صريح في بابه فكذلك ذاك ثم رأيت بعضهم قال وفي ذلك حرج شديد وكلام الأذرعي يفهم قبول إرادته أنه سيتطوع بالأضحية بها ويؤيده قولهم يسن أن يقول بسم الله هذه عقيقة فلان مع تصريحهم بحل الأكل منها ا هـ. ويرد ما قاله أولا بما مر في رد كلام الأذرعي وثانيا بأن ما ذكره لم يرد وإنما السنة ما يأتي اللهم هذه عقيقة فلان وهذا صريح في الدعاء فليس مما نحن فيه وبفرض أنهم ذكروا ذلك لا شاهد فيه أيضا، لأن ذكره بعد البسملة صريح في أنه لم يرد به لا التبرك فعلم أن هذا قرينة لفظية صارفة ولا كذلك في هذه أضحية وأفهم قولنا أداء أنه متى فات ذلك الوقت لزمه ذبحها بعده قضاء وهو كذلك فيصرفه مصرفها، "فإن تلفت" أو ضلت أو سرقت أو تعيبت بعيب يمنع الإجزاء "قبله" أي وقت الأضحية بغير تفريط أو فيه قبل تمكنه من ذبحها وبغير تفريط أيضا "فلا شيء عليه" فلا يلزمه بدلها لزوال ملكه عنها بالالتزام فهي كوديعة عنده وإنما لم يزل الملك في علي أن أعتق هذا إلا بالعتق وإن لم يجز نحو بيعه قبله لأنه لا يمكن أن يملك نفسه وبالعتق لا ينتقل الملك فيه لأحد بل يزول عن اختصاص الآدمي به ومن ثم لو أتلفه الناذر لم يضمنه ومالكو الأضحية بعد ذبحها باقون، ومن ثم

 

ج / 4 ص -259-        لو أتلفها ضمنها ولو ضلت بلا تقصير لم يلزمه طلبها إلا إن لم يكن له مؤنة أي لها كبير وقع عرفا فيما يظهر وتأخيره الذبح بعد دخول وقته بلا عذر فتلفت تقصير فيضمنها أو فضلت غير تقصير كذا في الروضة واستشكل بأن الضلال كالتلف كما يأتي وقد يفرق بأن الضلال أخف لبقاء العين معه فلا يتحقق التقصير فيه إلا بمضي الوقت بخلاف التلف ولو اشترى شاة وجعلها أضحية ثم وجد بها عيبا قديما امتنع ردها وتعين الأرش لزوال ملكه عنها كما مر وهو للمضحي ولو زال عيبها لم تصر أضحية، لأن السلامة إنما وجدت بعد زوال ملكه عنها فهو كما لو أعتق أعمى عن كفارته فأبصر بخلاف ما لو كمل من التزم عتقه قبل إعتاقه فإنه يجزئ عتقه عن الكفارة ولو عيب معينة ابتداء صرفها مصرفها وضحى بسليمة أو تعيبت فضحية ولا شيء عليه ولو عين سليما عن نذره ثم عيبه أو تعيب أو تلف أو قول المحشي وله تملكه. ا هـ. الذي في نسخ الشرح وله اقتناء. ا هـ. ضل أبدله بسليم وله اقتناء تلك المعيبة والضالة لانفكاكها عن الاختصاص وعودها لملكه من غير إنشاء تملك خلافا لما يوهمه كلام جمع، "فإن أتلفها" أو قصر حتى تلفت أو ضلت أي وقد فات الوقت وأيس منها فيما يظهر وبه يجمع بين هذا وما مر آنفا أو سرقت "لزمه" أكثر الأمرين من قيمتها يوم تلفها أو نحوه ومثلها يوم النحر لأنه بالتزامه ذلك التزم النحر وتفرقة اللحم ففيما إذا تساويا أو زادت القيمة يلزمه "أن يشتري بقيمتها" يوم نحو الإتلاف "مثلها" جنسا ونوعا وسنا "و" أن "يذبحها فيه" أي الوقت لتعديه ويصير المشتري متعينا للأضحية إن اشتراه بعين القيمة أو في الذمة لكن بنيته كونه عنها وإلا فيجعله بعد الشراء بدلا عنها وقضية كلامهم تعين الشراء بالقيمة فلو كان عنده مثلها لم يجز إخراجه عنها وهو بعيد والذي يظهر إجزاؤه وظاهر كلامهم تمكينه من الشراء وإن خان بإتلاف ونحوه ويوجه بأن الشارع جعل له ولاية الذبح والتفرقة المستدعية لبقاء ولايته حتى على البدل وليست العدالة شرطا هنا حتى تنتقل الولاية للحاكم بخلافه في نحو وصي خان فاندفع توقف الأذرعي في ذلك وبحثه أن الحاكم هو المشتري وفيما إذا زاد المثل يحصل مثلها لحصول ذينك الملتزمين بكل من هذين ولو كانت قيمتها يوم الإتلاف أكثر فرخص الغنم وفضل عن مثلها شيء اشترى كريمة أو شاتين فأكثر فإن لم يجد كريمة ولم توجد شاة ولو بأي صفة كانت بالفاضل أخذ به شقصا بأن يشارك في ذبيحة أخرى وإن لم يجز فإن لم يجده أخذ به لحما على الأوجه فإن لم يجده تصدق بالدراهم على فقير أو أكثر ولا يؤخرها لوجوده فيما يظهر ولو أتلفها أجنبي أخذ منه الناذر قيمتها أو ذبحها في وقتها ولم يتعرض للحمها أخذ منه أرش ذبحها واشترى بها أو به مثل الأولى ثم دونها ثم شقصا ثم أخرج دراهم كما تقرر ولو أتلف اللحم أو فرقه وتعذر استرداده ضمن قيمتها عند ذبحها لا الأكثر من قيمتها وقيمة اللحم ولا أرش الذبح وقيمة اللحم وهذا جار في كل من ذبح شاة إنسان مثلا بغير إذنه ثم أتلف اللحم، "وإن نذر في ذمته" أضحية كعلي أضحية "ثم عين" المنذور بنحو عينت هذه الشاة لنذري ويلزمه تعيين سليمة إلا أن يلتزم معيبة تعين وزال ملكه عنها بمجرد التعيين "لزمه ذبحه فيه" أي الوقت لأنه التزم أضحية في الذمة وهي مؤقتة ومختلفة باختلاف أشخاصها فكان في التعيين غرض أي غرض وبهذا فارقت ما لو

 

ج / 4 ص -260-        قال: عينت هذه الدراهم عما في ذمتي من زكاة أو نذر لم تتعين أي لأنه لا غرض في تعيينها وهذا أوضح من فرق الروضة بأن تعيين كل من الدراهم وما في الذمة ضعيف إلا أن يقال سبب ضعف تعيينها عدم تعلق غرض به فيرجع للأول أما إذا التزم معيبة ثم عين معيبة فلا تتعين بل له أن يذبح سليمة وهو الأفضل فعلم أن المعيب يثبت في الذمة وأما قولهما عن التهذيب لو ذبح المعيبة المعينة للتضحية قبل يوم النحر تصدق بلحمها ولا يأكل منه شيئا وعليه قيمتها يتصدق بها ولا يشتري بها أخرى، لأن المعيب لا يثبت في الذمة محمول على أنه أراد أن بدل المعيب لا يثبت في الذمة، "فإن تلفت" المعينة ولو "قبله" أي الوقت "بقي الأصل عليه" كما كان "في الأصح" لبطلان التعيين بالتلف إذ بقي في الذمة لا يتعين إلا بقبض صحيح وتقييد شارح التلف هنا بغير تقصير غير صحيح بل لا فرق هنا كما هو واضح.
فرع: عين عما بذمته من هدي أو أضحية تعين كما علم مما مر ومما يصرح به قولهم إنه بالتعيين يخرج عن ملكه وقولهم إن الضال هو الأصل الذي تعين أولا وبه يعلم أن الأرجح من خلاف أطلقاه وكذا المجموع أنه لو ذبح غير المعين مع وجوده كاملا لم يجزه وإنما أجزأ في نظيره من كفارة يمين عين عبدا عنها فإنه وإن تعين يجزئ عتق غيره مع وجوده كاملا لأنه لا يزول الملك عنه بالتعيين كما مر فقول الأذرعي هذا مشكل جوابه ظاهر كما هو واضح.
"ويشترط النية" هنا لأنها عبادة وكونها "عند الذبح"، لأن الأصل اقترانها بأول الفعل هذا "إن لم يسبق" إفراز أو "تعيين" وإلا فسيأتي "وكذا" تشترط النية عند الذبح "إن قال جعلتها أضحية في الأصح" من تناقض فيه ولا يكتفي عنها بما سبق من الجعل، لأن الذبح قربة في نفسه فاحتاج إليها وفارقت المنذورة الآتية بأن صيغة الجعل لجريان الخلاف في أصل اللزوم بها منحطة عن النذر فاحتاجت لمقولها وهو النية عند الذبح نعم لو اقترنت بالجعل كفت عنها عند الذبح كما يكفي اقترانها بإفراز أو تعيين ما يضحي به في مندوبة وواجبة معينة عن نذر في ذمته كما تجوز في الزكاة عند الإفراز وبعده وقبل الدفع وكل هذا أفهمه قوله إن لم. إلخ وقد يفهم أيضا أن المعينة ابتداء بنذر لا تجب فيها نية عند الذبح وهو كذلك بل لا تجب لها نية أصلا ولو عين عما في ذمته بنذر لم يحتج لنية عند الذبح ويفرق بينه وبين ما مر في المعينة عما في ذمته بأن ذاك في مجرد التعيين بالجعل وهذا في التعيين بالنذر وهو أقوى منه بالجعل.
تنبيه: ما قررت به عبارته من أن وكذا عطف على المثبت هو ظاهر العبارة وزعم أن ظاهرها العطف على المنفي ليوافق قول الإمام والغزالي وجرى عليه في المجموع في موضع أن التعيين بالجعل كهو بالنذر تكلف ليس في محله، لأن الذي في المجموع في موضعين ونقله عن الأكثرين كالروضة ما قدمته من الفرق بينهما.
تنبيه ثان: أطبقوا في الأضحية والهدي على أن النية فيهما حيث وجبت أو ندبت

 

ج / 4 ص -261-        تكون عند الذبح ويجوز تقديمها عليه لا تأخيرها عنه وذكر في المجموع عن الروياني وغيره في مبحث دماء النسك وأقرهم وتبعه السبكي وغيره أن النية فيها عند التفرقة وعليه يجوز تقديمها عليها كالزكاة ولا تنافي بين البابين لإمكان الفرق بأن المقصود من الأضحية - والهدي مثلها - إراقة الدم لأنها فداء عن النفس فكان وقت الإراقة هو الذبح فتعين قرن النية بها أصالة ومن دماء النسك جبر الخلل وهو إنما يحصل بإرفاق المساكين والمحصل لذلك هو التفرقة فتعين قرن النية بها أصالة فإن قلت لم جاز في كل التقديم عما تعين دون التأخير فمات لأنا عهدنا في العبادات تقديم النية على فعلها ولم نعهد فيها تأخيرها عن فعلها وسره أن المقدم يمكن استصحابه إلى الفعل فكان الفعل كالمتصل به بخلاف المؤخر عن الفعل فإنه انقطعت نسبته إليه فلم يمكن انعطافه عليه ومما يؤيد ما فرقت به أولا قولهم في مبحث الدماء عند اشتراط مقارنة النية للتفرقة ما يتفرع عليه وهو لو ذبح الدم فسرق أو غصب مثلا ولو بلا تقصير من الذابح قبل التفرقة لزمه إما إعادة الذبح والتصدق به وهو الأفضل وإما شراء بدله لحما والتصدق به أي لأن النية المشترط مقارنتها للتفرقة لما وجدت عندها مع سبق صورة الذبح حصل المقصود الذي هو إرفاق المساكين كما تقرر نعم يتجه أنها حيث وجدت عند التفرقة لا بد من فقد الصارف عند الذبح ويفرق بينه وبين بعض صور الأضحية التي لا تجب لها نية عند الذبح فإن الصارف لا يؤثر فيها بأنه وجد هنا من التعيين ما يدفعه فلم يؤثر بخلافه ثم فإن الدم من حيث هو لم يوجد له ما يعينه فأثر الصارف فيه فتأمل ذلك كله فإنه مع كونه مهما أي مهم كما علمت لم يتعرضوا لشيء منه.
"وإن وكل بالذبح نوى عند إعطاء الوكيل" المسلم على ما بحثه الزركشي ما يضحي به وإن لم يعلم أنه أضحية "أو" عند "ذبحه" ولو كافرا كتابيا كوكيل تفرقة الزكاة ويفرق بين ذبح الكافر وأخذه حيث اكتفي بمقارنة النية للأول دون الثاني بأن النية في الأول قارنت المقصود فوقعت في محلها بخلافها في الثاني فإنها تقدمت عليه مع مقارنة مانع لها وهو الكفر فإن إعطاءها للكافر مقدمة للذبح وهي ضعيفة وقد قارنها كفر الآخذ الذي ليس من أهل النية فلم يعتد بتقدمها حينئذ وليس كاقترانها بالعزل لأنه لم يقارنه مانع وأفهم المتن أنه لا يصح تفويض النية للوكيل وليس على إطلاقه بل له تفويضها لمسلم مميز وكيل في الذبح أو غيره لا كافر ولا نحو مجنون وسكران لأنهم ليسوا من أهلها ويكره استنابة كافر وصبي وذبح أجنبي لواجب نحو أضحية أو هدي معين ابتداء أو عما في الذمة بنذر في وقته لا يمنعه من وقوعه موقعه لأنه مستحق الصرف لهذه الجهة من غير نية له، "وله" أي المضحي عن نفسه ما لم يرتد إذ لا يجوز لكافر الأكل منها مطلقا ويؤخذ منه أن الفقير والمهدى إليه لا يطعمه منها ويوجه بأن القصد منها إرفاق المسلمين بأكلها فلم يجز لهم تمكين غيرهم منه "الأكل من أضحية تطوع" وهديه بل يسن وقيل يجب لقوله تعالى:
{فَكُلُوا مِنْهَا} [البقرة: 58، الحج: 28-36] وللاتباع رواه الشيخان أما الواجبة فلا يجوز الأكل منها سواء المعينة ابتداء أو عما في الذمة وبحث الرافعي الجواز في الأولى سبقه إليه

 

ج / 4 ص -262-        الماوردي، لكن بالغ الشاشي في رده بل هي أولى ولا يجوز الأكل من نذر المجازاة قطعا لأنه كجزاء الصيد وغيره من جبران الحج "و" له "إطعام الأغنياء" المسلمين منه نيئا ومطبوخا لقوله تعالى: {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج: 36] قال مالك أحسن ما سمعت أن القانع السائل والمعتر الزائر والمشهور أنه المتعرض للسؤال "لا تمليكهم" شيئا منها للبيع كما قيد به في الوجيز والبيع مثال ومن ثم عبر جمع بأنه لا يجوز أن يملكهم شيئا منها ليتصرفوا فيه بالبيع ونحوه بل يرسل إليهم على سبيل الهدية فلا يتصرفون فيه بنحو بيع وهبة بل بنحو أكل وتصدق وضيافة لغني أو فقير مسلم، لأن غايته أنه كالمضحي واعتماد جمع أنهم يملكونه ويتصرفون فيه بما شاءوا ضعيف وإن أطالوا في الاستدلال له نعم يملكون ما أعطاه الإمام لهم من ضحية بيت المال كما بحثه البلقيني "ويأكل ثلثا" أي يسن لمن ضحى لنفسه أن لا يزيد في الأكل عليه ثم الأكمل كما يأتي أن لا يأكل منها إلا لقما يسيرة تبركا بها للاتباع ودونه أكل ثلث والتصدق بثلثين ودونه أكل ثلث والتصدق بثلث وإهداء ثلث قياسا على هدي التطوع الوارد فيه: فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير، أي الشديد الفقر "وفي قول" قديم يأكل "نصفا" أي يسن أن لا يزيد عليه ويتصدق بالباقي، "والأصح وجوب تصدق" أي إعطاء ولو من غير لفظ مملك كما كادوا أن يطبقوا عليه حيث أطلقوا هنا التصدق وعبروا في الكفارة بأنه لا بد فيها من التمليك وأما ما في المجموع عن الإمام وغيره أنهما قاسا هذا عليها وأقرهما فالظاهر أخذا من كلام الأذرعي أنه مقالة ويفرق بأن المقصود من التضحية مجرد الثواب فكفى فيه مجرد الإعطاء لأنه يحصله ومن الكفارة تدارك الجناية بالإطعام فأشبه البدل والبدلية تستدعي تمليك البدل موجب ولو على فقير واحد "ببعضها" مما ينطلق عليه الاسم قال ابن الرفعة عقب هذا قال في الحاوي وهو ما يخرج عن القدر التافه إلى ما جرى في العرف أن يتصدق به فيها من القليل الذي يؤدي الاجتهاد إليه ا هـ. وذلك لأنها شرعت رفقا للفقير وبه يتجه من حيث المعنى بحث الزركشي أنه لا بد من لحم يشبعه وهو المقدر في نفقة الزوج المعسر لأنه أقل واجب لكن ينافيه قول المجموع لو اقتصر على التصدق بأدنى جزء كفاه بلا خلاف نعم يتعين تقييد بغير التافه جدا أخذا من كلام الماوردي ويجب أن يملكه نيئا طريا لا قديدا ولا يجزئ ما لا يسمى لحما مما يأتي في الأيمان كما هو ظاهر ومنه جلد ونحو كبد وكرش إذ ليس طيبها كطيبه وكذا ولد بل له أكل كله وإن انفصل قبل ذبحها وتردد البلقيني في الشحم وقياس ذلك أنه لا يجزئ وللفقير التصرف فيه ببيع وغيره أي لمسلم كما علم مما مر ويأتي ولو أكل الكل أو أهداه غرم قيمة ما يلزم التصدق به ولا يصرف شيء منها لكافر على النص ولا لقن إلا لمبعض في نوبته ومكاتب أي كتابة صحيحة فيما يظهر "والأفضل" أن يتصدق "بكلها" لأنه أقرب للتقوى "إلا لقما يتبرك بأكلها" للآية والاتباع ومنه يؤخذ أن الأفضل الكبد لخبر البيهقي أنه صلى الله عليه وسلم كان يأكل من كبد أضحيته، وإذا تصدق بالبعض وأكل الباقي أثيب على التضحية بالكل والتصدق بما تصدق به ويجوز ادخار لحمها ولو في زمن الغلاء والنهي عنه منسوخ "ويتصدق بجلدها" ونحو قرنها أي المتطوع بها وهو

 

ج / 4 ص -263-        الأفضل للاتباع "أو ينتفع به" أو يعيره لغيره ويحرم عليه وعلى نحو وارثه بيعه كسائر أجزائها وإجارته وإعطاؤه أجرة للذابح بل هي عليه للخبر الصحيح "من باع جلد أضحيته فلا أضحية له"، ولزوال ملكه عنها بالذبح فلا تورث عنه لكن بحث السبكي أن لورثته ولاية القسمة والنفقة كهو ويؤيده قول العلماء له الأكل والإهداء كمورثه أما الواجبة فيلزمه التصدق بنحو جلدها، "وولد الواجبة" المنفصل كما أشعر به التعبير بولد ويذبح ويوافقه قولهما في الوقف إن الحمل قبل انفصاله لا يسمى ولدا "يذبح" وجوبا سواء المعينة ابتداء أو عما في الذمة علقت به قبل النذر أم معه أم بعده لأنه تبع لها فإن ماتت بقي أضحية كما لا يرتفع تدبير ولد مدبرة بموتها "وله أكل كله" إذا ذبحه معها لأنه جزء منها وبه يعلم بناء هذا على جواز الأكل منها وقد مر أن المعتمد حرمته مطلقا فيحرم من ولدها كذلك كما أفاده كلام المجموع واعتمده وقال الأذرعي ويجب تنزيل كلام الروضة والشرحين عليه لكن انتصر بعضهم لهذه الثلاثة والمتن بأن التصدق إنما يجب بما يقع عليه اسم الأضحية والولد ليس كذلك ولزوم ذبحه معها لكونه كجنينها وبأنه يجوز للموقوف عليه أكل الولد ولا يكون وقفا فكذلك الولد هنا ا هـ. وليس بصحيح وما ذكره من الحصر إنما هو في المتطوع بها والكلام هنا في الواجبة وهي قد زال ملكه عنها وعن جميع أجزائها التي يقع عليها اسم الأضحية وغيرها ويفرق بينه وبين ولد الموقوفة بأن القصد بالوقف انتفاع الموقوف عليه بفوائد الموقوف والولد من جملتها وبالنذر رفق الفقراء بأكل جميع أجزائها ومنها الولد فلا جامع بينهما وعلم من المتن بالأولى حكم جنينها إذا ذبحت فمات بموتها أو ذبح فمن حرم أكل الولد حرم هذا بالأولى ومن أباحه أباح هذا لما مر أنه بناء على حل أكلها فإن قلت كيف يلائم هذا ما مر أن الحمل عيب يمنع الإجزاء قلت لم يقولوا هنا إن الحامل وقعت أضحية وإنما الذي دل عليه كلامهم أن الحامل إذا عينت بنذر تعينت ولا يلزم من ذلك وقوعها أضحية كما لو عينت به معيبة بعيب آخر على أنهم لو صرحوا بوقوعها أضحية تعين حمله على ما إذا حملت بعد النذر ووضعت قبل الذبح نعم يشكل على ذلك قول جمع له أكل جميع ولد المتطوع بها سواء أذبحها معه أم دونه لوجوده ببطنها ميتا ويتصدق بقدر الواجب منها فليتعين تفريع هذا على الضعيف أنه تجوز التضحية بحامل ثم رأيت شيخنا ذكر ما مر إلى قولي على أنهم ولا يجوز الأكل قطعا من ولد واجبة في دم من دماء النسك، "و" له يكره "شرب فاضل لبنها" أي الواجبة ومثلها بالأولى المندوبة عن ولدها وهو ما لا يضره فقده ضررا لا يحتمل كمنعه نموه كأمثاله فيما يظهر كما أن له ركوبها لكن لحاجة بأن عجز عن المشي ولم يجد غيرها بأجرة وجدها ولا أثر لقدرته على الاستعارة لما فيها من المنة والضمان وإركابها لمحتاج بلا أجرة لكن يضمن المضحي نقصها بذلك إلا إن حصل في يد مستعير فهو الذي يضمنه على المنقول الذي اعتمده ابن الرفعة والقمولي وغيرهما، لأن معيره يضمن النقص باستعماله كما تقرر فكذا هو وبهذا يعلم الفرق بين ما هنا والتفصيل السابق في المستعير أنه لا يضمن ما تلف بالاستعمال المأذون فيه بخلاف غيره ويندفع قياس الإسنوي لهذا على المستعير من نحو

 

ج / 4 ص -264-        مستأجر فإنه لا يضمن ووجه اندفاعه أن معيره ثم ملك المنفعة فنزل منزلته لأنه فرعه بخلاف معيره هنا وما أحسن قول الأذرعي بعد ذكره بعض ذلك فلا يصح ما ذكره الإسنوي تفسقها وقياسا وفارق اللبن الولد بأنه يضرها حبسه ويخلف لو جمع لفسد فسومح فيه وإن خرج عن ملكه ويحرم عليه نحو بيعه ويسن له التصدق به وله جز صوفها إن أضر بها والانتفاع به.
"ولا تضحية لرقيق" بسائر أنواعه لعدم ملكه ومن ثم كان المبعض فيما يملكه كالحر "فإن أذن سيده" له ولو عن نفسه "وقعت له" أي السيد لأنه نائب عنه وإلغاء لقوله عن نفسك لعدم إمكانه وأخذ بقاعدة إذا بطل الخصوص بقي العموم إذ إذنه متضمن لنية وقوعها عمن تصلح له ولا صالح لها غيره فانحصر الوقوع فيه وبه يجاب عما يقال كيف تقع عنه من غير نية منه ولا من العبد نيابة عنه ثم رأيت شارحا أجاب بما ذكرته ثم قال ويحتمل أن المراد أنه أذن له ونواه عن نفسه أو فوض النية له فنوى عنه ا هـ. وظاهر كلامهم خلاف هذا، "ولا يضحي مكاتب بلا إذن" من السيد لأنها تبرع وهو ممنوع منه لحق السيد فإن أذن له فيها وقعت للمكاتب "ولا تضحية" تجوز ولا يقع "عن الغير" الحي "بغير إذنه" لأنها عبادة والأصل منعها عن الغير إلا لدليل وذبح الأجنبي للمعينة بالنذر لا يمنع وقوعها عن التعيين فتقع الموقع لما مر أنه لا يشترط لها نية ويفرق صاحبها لحمها ولا ترد عليه، لأن هذا منه لا يسمى تضحية وللولي الأب فالجد لا غير لأنه لا يستقل بتمليكه فتضعف ولايته عنه في هذا التضحية من ماله عن محجوره كما له إخراج الفطرة من ماله عنه ولا ترد عليه هذه أيضا لأنه قائم مقامه ومر أنه يجوز إشراك غيره في ثواب أضحيته بما فيه وأنه لو ضحى واحد من أهل البيت أجزأ عنهم من غير نية منهم وأن للإمام الذبح عن المسلمين من بيت المال إن اتسع ولا ترد هذه أيضا عليه، لأن الإشراك في الثواب ليس أضحية عن الغير وبعض أهل البيت والإمام جعلهما الشارح قائمين مقام الكل وحيث امتنعت عن الغير فإن كانت معينة وقعت عن المضحي وإلا فلا أما بإذنه فتجزئ كما علم من قوله السابق وإن وكل بالذبح. إلخ كذا قاله شارح وليس بصحيح لإيهامه أن إذنه للغير مقيد بما مر أن الوكيل إنما يذبح ملك الآذن وأنه الناوي ما لم يفوض إليه بشرطه والظاهر أنه لا يشترط هنا الأول أخذا مما يأتي في الميت أنه لا يشترط أن يعطيه مالا ومما مر أنه لو قال لغيره اشتر لي كذا بكذا ولم يعطه شيئا فاشتراه له به وقع للموكل وكان الثمن قرضا له فيرد بدله وحينئذ فقياس هذا أنه يكفي هنا صح عني ويكون ذلك متضمنا لاقتراضه منه ما يجزئ أضحية أي أقل مجزئ فيما يظهر لأنه المحقق ولإذنه له في ذبحها عنه بالنية منه ويأتي في وصي الميت إذا لم يعين له مالا احتمالان والذي يظهر أنهما لا يأتيان هنا، لأن كلا من تبرع الوصي وكون الوصية في الثلث أمر معهود في الميت لوصول الصدقة إليه إجماعا ولأن الشارع جعل له الثلث يتدارك به ما فرط أو يجوز به الثواب ولا كذلك الحي الآذن فيهما، "ولا" تجوز ولا تقع أضحية "عن ميت إن لم يوص بها" لما مر ويفرق بينهما وبين الصدقة بأنها تشبه الفداء عن النفس فتوقفت على الإذن

 

ج / 4 ص -265-        بخلاف الصدقة ومن ثم لم يفعلها وارث ولا أجنبي وإن وجبت بخلاف نحو حج وزكاة وكفارة، لأن هذه لا فداء فيها فأشبهت الديون ولا كذلك التضحية وألحق العتق بغيرها مع أنه فداء أيضا لتشوف الشارع إليه أما إذا أوصى بها فتصح لما صح عن علي كرم الله وجهه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يضحي عنه كل سنة وكأنهم لم ينظروا لضعف سنده لانجباره ويجب على مضح عن ميت بإذنه سواء وارثه وغيره من مال عينه سواء ماله ومال مأذونه فيما يظهر فإن لم يعين له مالا يضحي منه احتمل صحة تبرع الوصي عنه بالذبح من مال نفسه واحتمل أن يقال إنها في ثلثه حتى يستوفيه التصدق بجميعها لأنه نائبه في التفرقة لا على نفسه وممونه لاتحاد القابض والمقبض ويؤخذ من قولهم: إنه نائبه في التفرقة أنه لا تصرف هنا للوارث غير الوصي في شيء منها ويفرق بين هذا وما مر عن السبكي بأن المورث عزله هنا بتفويض ذلك لغيره بخلافه ثم ويتجه أخذا من هذا أن للوصي إطعام الوارث منها ومر أن للولي الأب فالجد التضحية عن موليه وعليه فلا يقدر انتقال الملك فيها للمولي كما هو ظاهر وإن اقتضى التقدير نظائر لذلك أما أولا فلأن أقرب النظائر إليها العقيقة عنه وهي لا تقدير فيها كما يصرح به كلامهم وأما ثانيا فلأنه يلزم عليه منع المقصود منها من الأكل والتصدق كسائر أموال المحجور وحينئذ فهل للولي إطعام المولي الظاهر نعم.

فصل في العقيقة
وهي لغة شعر رأس المولود حين ولادته وشرعا ما يذبح عند حلق شعره تسمية لها باسم مقارنها كما هو عادتهم في مثل ذلك وأنكر أحمد هذا، لأن العقيقة الذبح نفسه وصوبه ابن عبد البر، لأن عق لغة قطع والأصل فيها الخبر الصحيح
"الغلام مرتهن بعقيقته" أي فمع تركها لا ينمو نمو أمثاله قال أحمد رضي الله عنه أو لا يشفع لأبويه قال الخطابي وهذا أحسن ما قيل فيه واستبعده غيره وهذا لا بعد فيه لأنه لا مدخل للرأي في ذلك فاللائق بجلالة أحمد وإحاطته بالسنة أنه لم يقله إلا بعد أن ثبت عنده توقيف فيه لا سيما نقله الحليمي عن جمع متقدمين على أحمد وشرعت إظهارا للبشر ونشرا للنسب وكره الشافعي تسميتها عقيقة أي لأنه صلى الله عليه وسلم كان يكره الفأل القبيح بل تسمى نسيكة أو ذبيحة ولم تجب لخبر أبي داود "من أحب أن ينسك عن ولده فليفعل" والقول بوجوبها وبأنها بدعة إفراط كما قاله الشافعي رضي الله عنه وذبحها أفضل من التصدق بقيمتها وظاهر كلام المتن والأصحاب أنه لو نوى بشاة الأضحية والعقيقة لم تحصل واحدة منهما وهو ظاهر، لأن كلا منهما سنة مقصودة ولأن القصد بالأضحية الضيافة العامة ومن العقيقة الضيافة الخاصة ولأنهما يختلفان في مسائل كما يأتي وبهذا يتضح الرد على من زعم حصولهما وقاسه على غسل الجمعة والجنابة على أنهم صرحوا بأن مبنى الطهارات على التداخل فلا يقاس بها غيرها.
"يسن" سنة مؤكدة "أن يعق عن" الولد بعد تمام انفصاله وإن مات بعده على المعتمد

 

ج / 4 ص -266-        في المجموع خلافا لمن اعتمد مقابله لا سيما الأذرعي لا قبله فيما يظهر من كلامهم لكن ينبغي حصول أصل السنة به، لأن المدار على علم وجوده وقد وجدوا والعاق هو من تلزمه نفقته بتقدير فقره من مال نفسه لا الولد بشرط يسار العاق أي بأن يكون ممن تلزمه زكاة الفطر فيما يظهر قبل مضي مدة أكثر النفاس وإلا لم تشرع له وفي مشروعيتها للولد حينئذ بعد بلوغه احتمالان في شرح العباب وأن ظاهر إطلاقهم سنها لمن لم يعق عنه بعد بلوغه الأول لأنه حينئذ مستقل فلا ينتفي الندب في حقه بانتفائه في حق أصله وخبر أنه صلى الله عليه وسلم عق عن نفسه بعد النبوة قال في المجموع باطل وكأنه قلد في ذلك إنكار البيهقي وغيره له وليس الأمر كما قالوا في كل طرقه فقد رواه أحمد والبزار والطبراني من طرق قال الحافظ الهيثمي في أحدها أن رجاله رجال الصحيح إلا واحدا وهو ثقة. ا هـ. وعقه صلى الله عليه وسلم عن الحسنين لأنهما كانا في نفقته لإعسار أبويهما أو معنى عق إذن لأبيهما أو إعطاء ما عق به وممن تلزمه النفقة الأمهات في ولد زنا ولا يلزم من ندبها إظهارها المنافي لإخفائه والولد القن ينبغي لأصله الحر العق عنه وإن لم تلزمه نفقته لأنه لعارض دون السيد لأنها خاصة بالأصول والأفضل أن يعق عن "غلام" أي ذكر "بشاتين" ويسن تساويهما "و" يسن أن يعق عن "جارية" أي أنثى ومثلها الخنثى على الأوجه فإن قلت ما فائدة الخلاف إذا الشاة تجزئ حتى عن الذكر قلت فائدته أن الاقتصار فيه على شاة هل يكون خلاف الأكمل كالذكر أو لا كالأنثى وإنما رجحنا هذا، لأن الحكم على ذابح واحدة عنه بأنه خالف الأكمل مع الشك بعيد وأما قول البيان يذبح عنه شاتين فينبغي حمله على أن الأفضل له ذلك فيه لاحتمال ذكورته وإن كان لو اقتصر على واحدة لا يحكم عليه بأنه خالف الأكمل لأنا لم نتحقق سبب هذه المخالفة "بشاة" للخبر الصحيح بذلك ولكونها فداء عن النفس أشبهت الدية في كون الأنثى على النصف من الذكر وتجزئ شاة أو شرك من إبل أو بقر عن الذكر لأنه صلى الله عليه وسلم عق عن كل من الحسنين رضي الله عنهما بشاة وآثر الشاة تبركا بلفظ الوارد وإلا فالأفضل هنا نظير ما مر من سبع شياه ثم الإبل ثم البقر ثم الضأن ثم المعز ثم شرك في بدنة ثم بقرة "وسنها" وجنسها "وسلامتها" عن العيوب والنية "والأكل والتصدق" والإهداء والادخار وقدر المأكول وامتناع نحو البيع وغير ذلك مما مر "كالأضحية" لأنها شبيهة بها في الندب "و" لكونها فداء عن النفس قد تفارقها في أحكام قليلة جدا منها أن ما يهدى منها للغني يملكه ويتصرف فيه بما شاء لأنها ليست ضيافة عامة بخلاف الأضحية ومنها أنه "يسن طبخها" لأنه السنة كما رواه البيهقي عن عائشة نعم الأفضل إعطاء رجلها أي إلى أصل الفخذ فيما يظهر والأفضل اليمين كما هو ظاهر أيضا للقابلة نيئة للخبر الصحيح به هذا إن لم تنذر وإلا وجب التصدق ببعضها نيئا كما بحثه الأذرعي نظير ما مر في الأضحية وقضية التنظير وجوب التصدق بكلها نيئة فإن لم نقل به فليجب بكلها مطبوخة فلم يصح ما بحثه ثم رأيت الزركشي قال الظاهر أنه يجب التصدق بلحمها نيئا كالأضحية وشيخنا نظر فيه ثم قال بل الظاهر أنه يسلك بها مسلكها بدون النذر ا هـ.

 

ج / 4 ص -267-        فأما التنظير في كلام الزركشي فهو محتمل وأما ما قاله الشيخ فإن أراد بمسلكها مسلك الأضحية الغير المنذورة كأن عين بحث الأذرعي وقد علمت رده أو مسلك العقيقة الغير المنذورة لم يفد النذر شيئا فالأوجه ما ذكرته لأنها تميزت عن الأضحية بإجزاء المطبوخة وإن شاركتها في وجوب التصدق بالبعض والنذر لا بد له من تأثير وهو إنما يظهر في وجوب التصدق بالكل فإن قلت لم أثر في هذا دون وجوب كونه نيئا قلت، لأن هذا وصف تابع لا يترتب عليه كبير أمر بخلاف التصدق بالكل فاكتفى به ثم رأيت المسألة في المجموع وعبارته وتعين الشاة إذا عينت للعقيقة كما ذكرنا في الأضحية سواء لا فرق بينهما انتهت فأفاد أن التعين هنا يحصل بالنذر والجعل ونحوه هذه عقيقة وأنه يجري هنا جميع أحكام الواجبة ثم ومنه التصدق بالجميع بل وإنه يجب كونه نيئا وبه يتأيد ما مر عن الزركشي وينتفي التنظير فيه وإرسالها مع مرقها على وجه التصدق للفقراء أفضل من دعائهم إليها والأفضل ذبحها عند طلوع الشمس وأن يقول عند ذبحها بسم الله والله أكبر اللهم لك وإليك اللهم هذه عقيقة فلان لخبر البيهقي به وأن يطبخها بحلو تفاؤلا بحلاوة أخلاق الولد "ولا يكسر عظم" تفاؤلا بسلامة أعضاء المولود فإن فعل لم يكره لكنه خلاف الأولى، "وأن تذبح يوم سابع ولادته" فيحسب يومها كما مر في الختان مع الفرق بينهما ولا تحسب الليلة بل اليوم الذي يليها "و" أن "يسمى فيه" للخبر الصحيح بهما وإن مات قبله بل تسن تسمية سقط نفخت فيه الروح فإن لم يعلم أذكر أو أنثى سمي بما يصلح لهما كهند وطلحة ووردت أخبار صحيحة بتسميته يوم الولادة وحملها البخاري على من لم يرد العق يوم السابع وظاهر كلام أئمتنا ندبها يومه وإن لم يرد العق وكأنهم رأوا أن إخباره صح وفيه ما فيه، يسن تحسين الأسماء وأحبها عبد الله وعبد الرحمن ولا يكره اسم نبي أو ملك بل جاء في التسمية بمحمد فضائل عليه ومن ثم قال الشافعي في تسمية ولده محمدا سميته بأحب الأسماء إلي وكأن بعضهم أخذ منه قوله معنى خبر مسلم: "أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن" إنها أحبية مخصوصة لا مطلقة لأنهم كانوا يسمون عبد الدار وعبد العزى فكأنه قيل لهم أحب الأسماء المضافة للعبودية هذان لا مطلقا لأن أحبها إليه كذلك محمد وأحمد إذ لا يختار لنبيه صلى الله عليه وسلم إلا الأفضل ا هـ. وهو تأويل بعيد مخالف لما درجوا عليه وما علل به لا ينتج له ما قاله، لأن من أسمائه صلى الله عليه وسلم عبد الله كما في سورة الجن ولأن المفضول قد يؤثر لحكمة هي هنا الإشارة إلي حيازته لمقام الحمد وموافقته للمحمود من أسمائه تعالى كما مر ويؤيد ذلك أنه صلى الله عليه وسلم سمى ولده إبراهيم دون واحد من تلك الأربعة لإحياء اسم أبيه إبراهيم ولا حجة له في كلام الشافعي، لأن عدوله عن الأفضل لنكتة لا تقتضي أن ما عدل إليه هو الأفضل مطلقا ومعنى كونه أحب الأسماء إليه أي بعد ذينك فتأمله ولا تغتر بمن اعتمده غير مبال لمخالفته لصريح كلامهم ويكره قبيح كشهاب وحرب ومرة وما يتطير بنفيه كيسار ونافع وبركة ومبارك ويحرم ملك الملوك، لأن ذلك ليس لغير الله تعالى وكذا عبد النبي أو الكعبة أو الدار أو علي أو الحسين لإيهام التشريك، ومنه

 

ج / 4 ص -268-        يؤخذ حرمة التسمية بجار الله ورفيق الله ونحوهما لإيهامه المحذور أيضا وحرمة قول بعض العامة إذا حمل ثقيلا الحملة على الله قال الأذرعي نقلا عن بعض الأصحاب ومثله قاضي القضاة وأفظع منه حاكم الحكام ا هـ. وما ذكره عن بعض الأصحاب يرده تجويز القاضي أبي الطيب الأول واستدلاله بتجويزهم الثاني لكن فيه نظر بالنسبة للأول بل الذي عليه الماوردي وغيره تحريمه وزعم القاضي أن المراد ملك ملوك الأرض بعيد، لأن اللفظ صريح في خلافه وأما الثاني فحله محتمل ثم أطبق العلماء وغيرهم عليه ويفرق بأن هذا أشهر في المخلوقين فقط بخلاف الأول وحاكم الحكام يتردد النظر فيه وإلحاقة بقاضي القضاة فيما ذكرناه أقرب ولا نسلم أن أفظعيته إن سلمت تقتضي تحريمه لأنه مع ذلك محتمل لا صريح بخلاف ملك الملوك ولما تسمى به وزير كان الماوردي أقرب الناس عنده فاستفتى عنه فأفتى بحرمته ثم هجره فسأل عنه وزاد في تقريبه وقال لو كان يحابي أحدا لحاباني وقال الحليمي قال الحاكم في حديث: "لا تقولوا الطبيب وقولوا الرفيق فإنما الطبيب الله"، ووجهه بأنه رفيق بالعليل والطبيب العالم بحقيقة الداء والدواء والقادر على الشفاء ا هـ. والأوجه حله إلا إن صح الحديث الذي ذكره بل مع صحته لا يبعد أن النهي للتنزيه لتجويزهم التسمية والوصف بغير لفظ الله والرحمن بل ظاهر هذا عدم الكراهة أيضا فإن سلمت اطردت في كل ما أشبه الطبيب في أنه لا يتبادر منه إلا الله وحده ولا بأس باللقب الحسن إلا ما توسع فيه الناس حتى سموا السفلة بفلان الدين ومن ثم قيل إنها الغصة التي لا تساغ ويكره كراهة شديدة نحو ست الناس أو العرب أو القضاة أو العلماء لأنه من أقبح الكذب ولا تعرف الست إلا في العدد ومرادهم سيدة ويحرم التكني بأبي القاسم مطلقا كما مر في الخطبة بما فيه مما ينبغي مجيئه هنا وأن الحرمة خاصة بالواضع أولا "و" أن "يحلق رأسه" كله ولو أنثى فيه للخبر الصحيح به وفيه منافع طيبة له ويكره تلطيخه بدم من الذبيحة لأنه فعل الجاهلية وكان القياس حرمته لولا رواية به صحيحة كما في المجموع أو ضعيفة كما قاله غيره قال بها بعض المجتهدين وبحث الحرمة مخالف للمنقول فلا يعول عليه لو لم تظهر له علة فكيف وقد ظهرت ويكره القزع وهو حلق بعض الرأس من محل أو محال خلافا لمن فرق واستدل بما لا يدل له ويسن لطخه بالمخلوق والزعفران وأن يكون الحلق "بعد ذبحها" كما أشار إليه الخبر ونازع فيه البلقيني بما لا يصح وغاية الأمر أن في المسألة قولين "و" سن بعد الحلق في الذكر والأنثى أن "يتصدق بزنته ذهبا أو فضة" للخبر الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم أمر فاطمة أن تزن شعر الحسنين رضي الله عنهما وتتصدق بوزنه فضة وألحق بها الذهب بالأولى ومن ثم كان أفضل نعم صح عن ابن عباس سبعة من السنة في الصبي يوم السابع وذكر منها ويتصدق بوزن شعره ذهبا أو فضة وقول الصحابي من السنة في حكم المرفوع إلا أن يكون ابن عباس أخذه من قياس الأولى المذكور.
فرع: ذكروا هنا في اللحية ونحوها خصالا مكروهة منها نتفها وحلقها وكذا

 

ج / 4 ص -269-        الحاجبان ولا ينافيه قول الحليمي لا يحل ذلك لإمكان حمله على أن المراد نفي الحل المستوي الطرفين والنص على ما يوافقه إن كان بلفظ لا يحل يحمل على ذلك أو يحرم كان خلاف المعتمد وصح عند ابن حبان: "كان صلى الله عليه وسلم يأخذ من طول لحيته وعرضها" وكأنه مستند ابن عمر رضي الله عنهما في كونه كان يقبض لحيته ويزيل ما زاد لكن ثبت في الصحيحين الأمر بتوفير اللحية أي بعدم أخذ شيء منها وهذا مقدم لأنه أصح على أنه يمكن حمل الأول على أنه لبيان أن الأمر بالتوفير للندب وهذا أقرب من حمله على ما إذا زاد انتشارها وكبرها على المعهود، لأن ظاهر كلام أئمتنا كراهة الأخذ منها مطلقا وادعاء أنه حينئذ يشوه الخلقة ممنوع وإنما المشوه تركه تعهدها بالغسل والدهن وبحث الأذرعي كراهة حلق ما فوق الحلقوم من الشعر وقال غيره إنه مباح.
"و" يسن أن "يؤذن في أذنه اليمنى" ثم يقام في اليسرى "حين يولد" للخبر الحسن أنه صلى الله عليه وسلم أذن في أذن الحسين حين ولد وحكمته أن الشيطان ينخسه حينئذ فشرع الأذان والإقامة لأنه يدبر عند سماعهما وروى ابن السني خبر: "من ولد له مولود فأذن في أذنه اليمنى وأقام الصلاة في أذنه اليسرى لم تضره أم الصبيان" وهي التابعة من الجن وقيل مرض يلحقهم في الصغر ويسن أن يقرأ في أذنه اليمنى فيما يظهر: {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} ويزيد في الذكر التسمية وورد أنه صلى الله عليه وسلم قرأ في أذن مولود الإخلاص فيسن ذلك أيضا، "و" أن "يحنك بتمر" بأن يمضغه ويدلك به حنكه ويفتحه حتى يصل بعضه لجوفه للخبر الصحيح فيه فإن فقد تمر فحلو لم تمسه النار نظير فطر الصائم كذا قاله شارح وهو إنما يتأتى على قول الروياني أن الحلو مقدم على الماء لكنه ضعيف ثم ومع ذلك الأوجه هنا ما ذكر ويفرق بأن الشارع جعله بعد التمر ثم الماء فإدخال واسطة بينهما فيه استدراك على النص وهنا لم يرد بعد التمر شيء فألحقنا به ما في معناه نعم قياس ذاك أن الرطب هنا أفضل من التمر كهو ثم والأنثى كالذكر هنا على الأوجه خلافا للبلقيني وينبغي أن يكون المحنك من أهل الصلاح ليحصل للمولود بركة مخالطة ريقه لجوفه ويسن تهنئة الوالد أي ونحوه كالأخ أخذا مما مر في التعزية عند الولادة يبارك الله لك في الموهوب لك وشكرت الواهب وبلغ أشده ورزقت بره ويسن الرد عليه بنحو جزاك الله خيرا وفي ذكرهم الواهب نظر إلا أن يكون صح به حديث ولم نره ثم رأيته في المجموع قال قال أصحابنا ويستحب أن يهنأ بما جاء عن الحسن رضي الله عنه أنه علم إنسانا التهنئة فقال قل بارك الله لك. إلخ ا هـ. فإطباق الأصحاب على سن ذلك مصرح بأن المراد الحسن بن علي كرم الله وجههما لا البصري لأن الظاهر أن هذا لا يقال من قبل الرأي فهو حجة من الصحابي لا التابعي وحينئذ اتضح منه جواز استعمال الواهب وأنه من الأسماء التوقيفية ولم يستحضر بعضهم ذلك فأنكره ببادئ رأيه وأما قول الأذرعي الظاهر أنه البصري فيرد بأنه يلزم عليه تخطئة الأصحاب كلهم، لأن ما يجيء عن التابعي لا تثبت به سنة وينبغي امتداد زمنها ثلاثا بعد العلم كالتعزية أيضا.

 

ج / 4 ص -270-        خاتمة: المعتمد من مذهبنا الموافق للأحاديث الصحيحة كما بينه في المجموع وادعاء نسخها لم يثبت ما يدل له وإن سلم أن أكثر العلماء عليه أن العتيرة بفتح المهملة وكسر الفوقية وهي ما يذبح في العشر الأول من رجب والفرع بفتح الفاء والراء وبالعين المهملة وهي أول نتاج البهيمة يذبح رجاء بركتها وكثرة نسلها مندوبتان، لأن القصد بهما ليس إلا التقرب إلى الله بالتصدق بلحمهما على المحتاجين فلا تثبت لهما أحكام الأضحية كما هو ظاهر.