تحفة المحتاج بشرح المنهاج ط العلمية

ج / 4 ص -323-        كتاب النذر
بالمعجمة. عقب الأيمان به لأن كلا يعقد لتأكيد الملتزم؛ ولأن في بعض أنواعه كفارة كاليمين وهو لغة الوعد بخير أو شر وشرعا الوعد بخير بالتزام القربة الآتية على الوجه الآتي فلا يحصل بالنية وحدها لكن يتأكد له إمضاء ما نواه للذم الشديد لمن نوى فعل خير ولم يفعله، والأصل فيه الكتاب والسنة، والأصح أنه في اللجاج الآتي مكروه وعليه يحمل ما أطلقه المجموع وغيره هنا قال: لصحة النهي عنه وأنه لا يأتي بخير إنما يستخرج به من البخيل وفي القربة المنجزة أو المعلقة مندوب وعلى المنجزة يحمل قوله فيه في مبطلات الصلاة: إنه مناجاة لله تعالى تشبه الدعاء فلم تبطل الصلاة به ومما يؤيد أيضا أنه قربة بقسميه أنه وسيلة لطاعة، ووسيلة الطاعة طاعة كما أن وسيلة المعصية معصية، ومن ثم أثيب عليه ثواب الواجب كما قاله القاضي وقوله تعالى:
{وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ} [البقرة: 270] أي: يجازي عليه على أن جمعا أطلقوا أنه قربة وحملوا النهي على من ظن من نفسه أنه لا يفي بالنذر، أو اعتقد أن له تأثيرا ما وقد يوجه بأن اللجاج وسيلة لطاعة أيضا وهي الكفارة أو ما التزمه ويؤيده ما يأتي أن الملتزم بالنذرين قربة وإنما يفترقان في أن المعلق به في نذر اللجاج غير محبوب للنفس وفي أحد نوعي نذر التبرر محبوب لها وقد يجاب بأن نذر اللجاج لا يتصور فيه قصد التقرب فلم يكن وسيلة لقربة من هذه الحيثية. وأركانه ناذر ومنذور وصيغة وشرط الناذر إسلام، واختيار، ونفوذ تصرفه فيما ينذره فيصح نذر سكران لا كافر لعدم أهليته للقربة وغير مكلف ومكره لرفع القلم عنهم ومحجور فلس أو سفه في قربة مالية عينية، وكذا القن فيصح نذره المال في ذمته، ولو بغير إذن سيده بخلاف الضمان؛ لأن المغلب هنا حق الله تعالى، ومن ثم اختص بالقرب وزيد إمكان الفعل فلا يصح نذرهم صوما لا يطيقه ولا بعيد عن مكة حجا هذه السنة كما يأتي أوائل الفصل، والصيغة لفظ أو كتابة أو إشارة أخرس تدل أو تشعر بالالتزام مع النية في الكتابة وكذا إشارة لم يفهمها كل أحد لا النية وحدها كسائر العقود ومن الأول نذرت لله أو لك أو علي لك كذا أو لهذا ومثله انتذرت أو أنذرت من عامي لغته ذلك كما يعلم مما قدمته في زوجتك بفتح التاء، إذ المعتمد الذي صرح به البغوي من اضطراب طويل في نذرت لك، وإن لم يذكر معها الله أنها صريحة ومما يصرح بذلك ويوضحه قول محصول الفخر الرازي لا شك أن نحو نذرت، وبعت صيغ أخبار لغة وقد تستعمل له شرعا أيضا إنما النزاع في أنها حيث تستعمل لإحداث الأحكام كانت إخبارات أو إنشاءات، والأقرب الثاني لوجوه وساقها وقد حكما في نذرت لله لأفعلن كذا ولم ينو يمينا ولا نذرا وجهين وجزم في الأنوار بما بحثه الرافعي أنه نذر أي: نذر تبرر، وزعم شارح أن مخاطبة المخلوق بنحو نذرت لك تبطل صراحتها عجيب مع قولهم: إن علي لك كذا أو إن شفى الله

 

ج / 4 ص -324-        مريضي فعلي لك كذا صريحان في النذر مع أن فيهما مخاطبة مخلوق، وزعم أنه لا التزام في نحو نذرت ممنوع نعم إن نوى به الإخبار عن نذر سابق عرف أخذا مما مر في الطلاق فواضح أو اليمين في نذرت لأفعلن فيمين.
تنبيه: قولهم: علي لك كذا صريح في النذر ينافيه أنه صريح في الإقرار إلا أن يقال لا مانع من أنه صريح فيهما وينصرف لأحدهما بقرينة ونظيره ما مر في لفظ السلف أنه صريح في السلم والقرض لكن المميز ثم نفس الصيغة بخلافه هنا.
"هو ضربان نذر لجاج" بفتح اللام وهو التمادي في الخصومة ويسمى نذر ويمين اللجاج والغضب والغلق بفتح المعجمة واللام وهو أن يمنع نفسه أو غيرها من شيء أو يحث عليه أو يحقق خبرا غضبا بالتزام قربة "كإن كلمته" أو إن لم أكلمه أو إن لم يكن الأمر كما قلته "فلله علي" أو فعلي "عتق أو صوم" أو عتق وصوم وحج "وفيه" عند وجود المعلق عليه "كفارة يمين" لخبر مسلم: "كفارة النذر كفارة يمين" ولا كفارة في نذر التبرر قطعا فتعين حمله على نذر اللجاج ولقول كثيرين من الصحابة رضي الله عنهم به ولا مخالف له ومن ثم أطال البلقيني في الانتصار له "وفي قول ما التزم" لخبر من نذر وسمى فعليه ما سمى، "وفي قول: أيهما شاء"؛ لأنه يشبه النذر من حيث إنه التزم قربة واليمين من حيث إن مقصوده مقصود اليمين ولا سبيل للجمع بين موجبيهما ولا لتعطيلهما فوجب التخيير "قلت: الثالث أظهر ورجحه العراقيون والله أعلم" لما قلنا، أما إذا التزم غير قربة كلا آكل الخبز فيلزمه كفارة يمين بلا نزاع ومنه ما يعتاد على ألسنة الناس العتق يلزمني أو يلزمني عتق عبدي فلان أو والعتق لا أفعل أو لأفعلن كذا فإن لم ينو التعليق فلغو وإن نواه تخير كما نص عليه في بعض ذلك ثم إن اختار العتق وعتق المعين أجزأه مطلقا أو الكفارة وأراد عتقه عنها اعتبر فيه صفة الإجزاء، ولو قال إن فعلت كذا فعبدي حر ففعله عتق قطعا كما في المجموع خلافا لما وقع للزركشي؛ لأن هذا محض تعليق ليس فيه التزام بنحو علي وقوله العتق أو عتق قني فلان يلزمني أو والعتق ما فعلت كذا لغو؛ لأنه لا تعليق فيه ولا التزام، والعتق لا يحلف به إلا على أحد ذينك وهما هنا غير متصورين، "ولو قال إن دخلت" الدار مثلا "فعلي كفارة يمين أو" فعلي كفارة "نذر لزمه" في الصورتين "كفارة بالدخول" تغليبا لحكم اليمين في الأولى ولخبر مسلم في الثانية، أما إذا قال فعلي يمين فلغو؛ لأنه لم يأت بصيغة نذر ولا حلف وليست اليمين مما يلتزم في الذمة أو فعلي نذر تخير بين قربة ما من القرب وكفارة يمين ولأجل هذا تعين جر نذر في المتن عطفا على يمين وامتنع رفعه لمخالفته ما تقرر إذ تعين الكفارة عند الرفع وهم، وإنما الذي فيه حينئذ ما مر من التخيير، وهو المعتمد وأنه لا يصح ولا يلزمه شيء وهو ما اقتضاه نص البويطي ويؤيد ما تقرر في فعلي نذر أنه لو أتي به في نذر التبرر كإن شفى الله مريضي فعلي نذر لزمه قربة من القرب والتعيين إليه ذكره البلقيني، "ونذر تبرر" سمي به؛ لأنه لطلب البر أو التقرب إلى الله تعالى "بأن يلتزم قربة" أو صفتها المطلوبة فيها كما يأتي آخر الباب "إن حدثت نعمة" تقتضي سجود الشكر كما يرشد إليه تعبيرهم بالحدوث "أو ذهبت نقمة" تقتضي ذلك أيضا، ومر بيانهما في

 

ج / 4 ص -325-        بابها هذا ما نقله الإمام عن والده وطائفة من الأصحاب لكنه رجح قول القاضي: أنهما لا يتقيدان بذلك ويوافقه ضبط الصيمري لذلك بكل ما يجوز أي: من غير كراهة أن يدعى الله تعالى به وهذا هو الأوجه، ومن ثم اعتمده ابن الرفعة وغيره وبه صرح القفال حيث قال لو قالت لزوجها: إن جامعتني فعلي عتق عبد فإن قالته على سبيل المنع فلجاج أو الشكر لله حيث يرزقها الاستمتاع بزوجها لزمها الوفاء ا هـ. والحاصل أن الفرق بين نذري اللجاج والتبرر أن الأول فيه تعليق بمرغوب عنه والثاني بمرغوب فيه، ومن ثم ضبط بأن يعلق بما يقصد حصوله فنحو إن رأيت فلانا فعلي صوم يحتمل النذرين ويتخصص أحدهما بالقصد، وكذا قول امرأة لآخر إن تزوجتني فعلي أن أبرئك من مهري وسائر حقوقي فهو تبرر إن أرادت الشكر على تزوجه.
تنبيه: علم من هذا الحاصل أن من قال لبائعه: إن جئتني بمثل عوضي فعلي أن أقيلك أو أفسخ البيع لزمه أحدهما إن ندب لندمه، وكان يحب إحضار مثل عوضه وإلا كان لجاجا وعلى ذلك يحمل اختلاف جمع متأخرين فيه وقد صرحوا في التعليق بالمباح بأنه يحتمل النذرين ولا شك أن إحضار العوض كذلك، ثم رأيت بعضهم أشار إليه بقوله إن علقه بطلبها المرغوب له مع الندم فنذر تبرر وإلا فلجاج ا هـ ملخصا لكن فيه نظر يعرف مما قررته وحينئذ فينبغي الاكتفاء بندبها وحده وإن استوى عنده الرغبة في إحضار العوض وعدمه ومحبته لإحضاره وإن لم تندب لما تقرر أن المباح يتصور فيه النذران وفي الروضة عن فتاوى الغزالي في إن خرج المبيع مستحقا فعلي لك كذا أنه لغو ووجه بأن الهبة وإن كانت قربة لكنها على هذا الوجه ليست قربة ولا محرمة فكانت مباحة ويوجه بأنه جعلها في مقابلة الاستحقاق المكروه له دائما وهي في مقابلة العوض غير قربة فلم يمكن اللجاج نظرا لعدم القربة، ولا التبرر نظرا لكراهة المعلق عليه فاندفع ما قيل أي فرق بين هذا وقوله فعلي أن أصلي ركعتين وبما قررته علم أن هذا لا يشكل على ما ذكرته في مسألة الإقالة لوضوح الفرق بين الاستحقاق الذي هو دائما مكروه له وإحضار العوض المحبوب له تارة والمكروه له أخرى فإذا جعله شرطا لمندوب هو الإقالة للنادم وإن لم يطلبها تعين فيه ما ذكرته من التفصيل، وأفتى أبو زرعة فيمن نزل لآخر عن إقطاعه فنذر له إن وقع اسمه بدله أن يعطيه كذا بأنه نذر قربة ومجازاة فيلزمه، وفرق بينه وبين مسألة الغزالي بما يقرب مما ذكرته وإذا قلنا بلزوم نذر الإقالة فقيدها بمدة فالقياس تقيد اللزوم بها فإن أخر عنها لغير نحو نسيان وإكراه فالقياس كما يعلم مما مر في تعاليق الطلاق إلغاء النذر مطلقا، ويحتمل الفرق بين المعذور بأي عذر وجد وبين غيره وعليه لا يقبل قوله في العذر الذي ليس نحو نسيان؛ لأنه يمكن إقامة البينة عليه "كإن شفي مريضي فلله علي أو فعلي كذا" أو ألزمت نفسي كذا أو فكذا لازم لي أو واجب علي ونحو ذلك من كل ما فيه التزام وما يصرح به كلامه من صحة إن شفي مريضي فلله علي ألف أو فعلي ألف أو لله علي ألف، ولم يذكر شيئا ولا نواه غير مراد له لجزمه في الروضة بالبطلان مع ذكره صحة لله علي أو علي التصدق أو التصدق بشيء ويجزيه أدنى متمول والفرق أنه في تلك لم يعين مصرفا ولا ما يدل عليه من ذكر مسكين أو تصدق أو

 

ج / 4 ص -326-        نحو ذلك، فكان الإبهام فيها من سائر الوجوه بخلاف هذه؛ لأن التصدق ينصرف للمساكين غالبا ويؤخذ منه صحة نذر التصدق بألف ويعين ألفا مما يريده وعلى هذا التفصيل يحمل ما وقع للأذرعي مما يوهم الصحة حتى في الأولى وابن المقري مما هو ظاهر في البطلان حتى في نذر التصدق بألف غفلة عن أن تصوير أصله لصورة البطلان بما إذا لم يذكر التصدق والصحة بما إذا ذكر ألفا أو شيئا مجرد تصوير إذ الفارق إنما هو ذكر التصدق وحذفه كما تقرر نعم بحث بعضهم أن ذكر لله حيث لم ينو مجرد الإخلاص يغني عن ذكر التصدق فيصرف للفقراء، وفيه نظر لما مر أول الوصية من الفرق بينهما وبين الوقف ومما يرد عليه إفتاء القفال في لله علي أن أعطي الفقراء درهما ولم يرد الصدقة أو هذا درهما وأراد الهبة بأنه لغو لكن نظر فيه الأذرعي بأنه لا يفهم منه إلا الصدقة ويجاب عن الهبة بأن مراده بها مقابل الصدقة، لقول الماوردي في إن هلك فلان فلله علي أن أهب مالي لزيد إن كان فلان من أعداء الله وزيد ممن يقصد بهبته الثواب لا التواصل والمحبة انعقد نذره وإلا فلا، ولو كرر إن شفي مريضي فعلي كذا تكرر إلا إن أراد التأكيد كذا ذكره بعضهم وفيه نظر، وقياس ما مر في الطلاق من الفرق بين تكرير الظهار واليمين الغموس وتكرير اليمين في غيرهما بأن الأولين حق آدمي بخلاف الثالث أن ما هنا كالثالث فلا يتكرر إلا إن نوى الاستئناف فإن قلت ما وجه كون هذا ليس حق آدمي مع أن الواجب به يصرف للآدمي قلت المراد بكونه حق آدمي وعدمه أن فيه إضرارا به أولا ولا إضرار هنا ولا نظر لما يجب به فإن كلا من الثلاثة الأول فيه كفارة ومع استوائهن فيه فرقوا بما مر فعلمنا أن المراد ما ذكرناه فتأمله. ويجوز إبدال كافر أو مبتدع بمسلم أو سني لا درهم بدينار ولا موسر بفقير لأنهما مقصودان، ومن ثم لو عين شيئا أو مكانا للصدقة تعين "فيلزمه ذلك" أي: ما التزمه "إذا حصل المعلق عليه" لخبر البخاري: "من نذر أن يطيع الله فليطعه" وظاهر كلامه أنه يلزمه الفور بأدائه عقب وجود المعلق عليه وهو كذلك خلافا لقضية ما يأتي عن ابن عبد السلام ثم رأيت بعضهم جزم به فقال في إن شفي مريضي فعلي أن أعتق هذا فشفي له مطالبته ويجبر عليه فورا. ا هـ. وفي نحو إن شفي فعبدي حر لا يطالب بشيء؛ لأنه بمجرد الشفاء يعتق من غير احتياج لإعتاق بخلاف فعلي أن أعتقه ويظهر أن المراد بالشفاء زوال العلة من أصلها وأنه لا بد فيه من قول عدلي طب أخذا مما مر في المرض المخوف أو معرفة المريض، ولو بالتجربة وإنه لا يضر بقاء آثاره من ضعف الحركة ونحوه وأفتى البغوي في إن شفي فعلي أن أعتق هذا بعد موتي بأنه يلزم قال غيره: الظاهر أن معنى لزومه منع بيعه بعد الشفاء وأنه يجب على الوصي فالقاضي إعتاقه بعد موته أي: عقبه قال: ومقتضى قوله لزم أن التعليق إذا كان في الصحة لا يحسب من الثلث وهو الظاهر كما إذا نذر بدار مستأجرة فلم تنقض إجارتها إلا بعد الموت، وقوله: بعد موته ليس فيه إلا بيان وقت المطالبة بما تحقق لزومه قبل مرضه ا هـ وفيه نظر ظاهر وإنما يتم ما ذكره إن لم يقل بعد موته، وأما مع ذكره فلا ينصرف إلا للوصية فليقتصر به على الثلث وبهذا يندفع قياسه وقوله: ليس فيه إلخ ولا يؤيده ما مر أنه لو علق في الصحة العتق بصفة فوجدت في المرض لا باختياره

 

ج / 4 ص -327-        خرج من رأس المال؛ لأنه هنا لم ينص على المرض ولا وجد فيه باختياره بل هذا يرد عليه؛ لأنه إذا أوجده في المرض باختباره حسب من الثلث فأولى إذا قال في المرض أو بعد الموت وقوله: أعتق بعد موتي لا تنافي بينهما؛ لأن إسناد العتق إليه بمباشرة نائبه له مجاز مشهور فعلمنا به لتشوف الشارع إليه وصونا لكلام المكلف عن الإلغاء ما أمكن وخرج بيلتزم نحو إن شفي مريضي عمرت دار فلان أو مسجد كذا فهو لغو؛ لأنه وعد لا التزام فيه وبه يرد على من نظر في ذلك نعم إن نوى به الالتزام لم يبعد انعقاده، وبحث البلقيني أنه لو نذر نذرا ماليا ثم حجر عليه بسفه لم يتعلق بماله وإن رشد وفرق بينه وبين ما لو علق عتق عبده بصفة ثم حجر عليه ثم وجدت عتق بقوة العتق وفيه نظر ظاهر، ولو شك بعد الشفاء في الملتزم أهو صدقة أو عتق أو صوم أو صلاة فالذي يتجه من احتمالين فيه للبغوي أنه يجتهد وفارق من نسي صلاة من الخمس بتيقن شغل ذمته بالكل فلا يخرج منه إلا بيقين بخلاف ثم فإن اجتهد ولم يظهر له شيء وأيس من ذلك اتجه وجوب الكل؛ لأنه لا يتم خروجه من الواجب عليه يقينا إلا بفعل الكل وما لا يتم الواجب إلا به واجب "وإن لم يعلقه بشيء كلله علي صوم" أو علي صوم أو صدقة لفلان أو أن أعطيه كذا ولم يرد الهبة على ما مر عن القفال "لزمه" ما التزم حالا ولا يشترط قبول المنذور له بل عدم رده كما يأتي "في الأظهر" للخبر السابق وهذا من نذر التبرر إذ هو قسمان معلق وغيره واشتراط الجواهر فيه التصريح بلله ضعيف ويسمى المعلق نذر المجازاة أيضا ولو قال لله علي أضحية أو عند نحو شفاء لله علي عتق لنعمة الشفاء لزمه ذلك جزما تنزيلا للثاني منزلة المجازاة لوقوعه شكرا في مقابلة نعمة الشفاء، وقضية المتن أن المنذور له في قسمي النذر لا يشترط قبوله النذر وهو كذلك نعم الشرط عدم رده وهو المراد بقول الروضة عن القفال في إن شفي مريضي فعلي أن أتصدق على فلان بعشرة لزمته إلا إذا لم يقبل فمراده بعدم القبول الرد لا غير على أنه مفروض كما ترى في ملتزم في الذمة وما فيها لا يملك إلا بقبض صحيح فأثر وبه يبطل النذر من أصله ما لم يرجع ويقبل كالوقف على ما مر فيه بخلاف نذره التصدق بمعين فإنه يزول ملكه عنه بالنذر، ولو لمعين فلا يتأثر بالرد كإعراض الغانم بعد اختياره التملك، ومر في الأضحية الفرق بينه وبين نذر عتق قن معين، فإن قلت هل يجري هنا خلاف الوقف في اشتراط القبول قلت الظاهر لا ويفرق بقوة النذر لقبوله من الغرر، والجهالات أنواعا كثيرة لا تنافي انعقاده بخلاف الوقف وبأنه مع الرد لا تتصور صحته اشترطنا قبوله أم لا بخلاف نذر التصدق بمعين كما تقرر.
فروع: يقع لبعض العوام جعلت هذا للنبي صلى الله عليه وسلم فيصح كما بحث؛ لأنه اشتهر في النذر في عرفهم ويصرف لمصالح الحجرة النبوية بخلاف متى حصل لي كذا أجيء له بكذا فإنه لغو ما لم يقترن به لفظ التزام أو نذر أي: أو نيته ولا نظر إلى أن النذر لا ينعقد بها؛ لأنه لا يلزم من النظر إليها في التوابع النظر إليها في المقاصد ويأتي آخر الباب ما له تعلق بذلك ولا يشترط معرفة الناذر ما نذر به كخمس ما يخرج له من معشر ذكره القاضي ككل ولد أو ثمرة تخرج من أمتي هذه أو شجرتي هذه وكعتق عبد إن ملكته وما في فتاوى ابن الصلاح

 

ج / 4 ص -328-        مما يخالف ذلك ضعفه الأذرعي، والحاصل أنه يشترط في المال المعين لنحو صدقة أو عتق أن يملكه أو يعلقه بملكه ما لم ينو الامتناع منه فهو نذر لجاج وذكر القاضي أنه لا زكاة في الخمس المنذور قال غيره: ومحله إن نذر قبل الاشتداد وبحث صحته للجنين كالوصية له بل أولى؛ لأنه وإن شاركها في قبول التعليق والخطر وصحته بالمجهول والمعدوم لكنه يتميز عنها بأنه لا يشترط فيه القبول بل عدم الرد ومن ثم اتجهت صحته للقن كهي والهبة فيأتي فيه أحكامهما فلا يملك السيد ما بالذمة لا بقبض القن لا للميت إلا لقبر الشيخ الفلاني وأراد به قربة ثم كإسراج ينتفع به أو اطرد عرف بحمل النذر له على ذلك كما يأتي وجعل بعضهم من النذر بالمعدوم المجهول نذرها لزوجها بما سيحدث لها من حقوق الزوجية، والنذر في الصحة بمثل نصيب ابنه بعد موته فيوقف لموته ويخرج النذر من رأس المال؛ لأنه لم يعلقه به وإنما المعلق به معرفة قدر النصيب، ومن ثم لو أراد التعليق بالموت كان كالوقف المعلق به في أنه وصية ووافقه على الأولى بعض المحققين وقاسها على النذر له بثمرة بستانه مدة حياته فإنه يصح كما أفتى به البلقيني وقال في النذر بنصيب ابنه بعد موته إن كان بعد ظرفا لنصيب فالنذر منجز، والمقدار غير معلوم وهو لا يؤثر، أو ظرفا للنذر صح وخرج من الثلث، وجاز الرجوع فيه كوقفت داري بعد موتي على كذا بل أولى؛ لأن النذر يحتمل التعليق دون الوقف ولم يبين حكم ما إذا لم يعرف مراده، والذي يظهر حله عندي على الثاني لأنه المتبادر ويبطل بالتأقيت كنذرت له هذا يوما لمنافاته للالتزام السابق الذي هو موضوع النذر فإن قلت ينافي هذا قول الزركشي الآتي من توقيت النذر بما قبل مرض الموت الصريح في أن التأقيت لا يضر في النذر وكذا في الصورة التي قبله والتي بعده قلت: لا ينافيه؛ لأن التأقيت يكون صريحا وما مثلت به فهذا هو المبطل لما ذكرته وقد يكون ضمنيا كما في صورة الزركشي والتي قبلها والتي بعدها وهو لا يؤثر؛ لأنه لا ينافي الالتزام وإنما يرجع إلى شرط في النذر وهو يعمل فيه بالشروط التي لا تنافي مقتضاه كما في الوصية والوقف الواقع تشبيهه بكل منهما في كلامهم فتأمله، إلا في المنفعة فيأتي في نذرها ما مر في الوصية بها وإلا في نذرت لك بهذا مدة حياتك فيتأبد كالعمرى ويصح بما في ذمة المدين ولو مجهولا له فيبرأ حالا وإن لم يقبل خلافا للجلال البلقيني وليس كبيعه ولا هبته منه؛ لأن النذر لا يتأثر بالغرر بخلاف نحو البيع ولا يتوقف على قبض بخلاف الهبة وكلام الروضة لا ينافي ذلك خلافا لمن زعمه كما هو واضح للمتأمل، وبالتزام عتق قنه فله الطلب والدعوى به وإن لم يلزمه فورا على ما ذكره ابن عبد السلام، وفيه نظر؛ لأنه حق ثابت لا غاية له تنتظر بخلاف المؤجل فليجبر على عتقه فورا ثم رأيت الفقيه إسماعيل الحضرمي خالفه فقال حيث لزم النذر وجب وفاؤه فورا وهو قياس الزكاة وإن أمكن الفرق وعليه فهل يتوقف وجوب الفورية على الطلب كالدين الحال أو يفرق بأن القصد بالنذر التبرر وهو لا يتم إلا بالتعجيل بخلاف الدين كل محتمل وظاهر أن محل الخلاف فيما لم يزل ملكه عنه بالنذر، ويعلم مما مر في الاعتكاف أنه لو قرن النذر بإلا أن يبدو لي ونحوه بطل لمنافاته الالتزام من كل وجه بخلاف علي أن أتصدق بمالي إلا إن احتجته، فلا يلزمه

 

ج / 4 ص -329-        ما دام حيا لتوقع حاجته فإذا مات تصدق بكل ما كان يملكه وقت النذر إلا إن أراد كل ما يكون بيده إلى الموت فيتصدق بالكل قال الزركشي: وهذا أحسن مما يفعل من توقيت النذر بما قبل مرض الموت وأخذ من ذلك بعضهم صحة النذر بماله لفلان قبل مرض موته إلا أن يحدث لي ولد فهو له أو إلا أن يموت قبلي فهو لي, ولو نذر لبعض ورثته بماله قبل مرض موته بيوم ملكه كله من غير مشارك لزوال ملكه عنه إليه قبل مرضه، قال بعضهم وفي نذرت أن أتصدق بهذا على فلان قبل موتي أو مرضى لا يلزمه تعجيله أخذا مما مر عن ابن عبد السلام فيكون ذكره الموت مثلا غاية للحد الذي يؤخر إليه لكن يمتنع تصرفه فيه وإن لم يخرج عن ملكه؛ لتعلق حق المنذور له اللازم به ولا تصح الدعوى به كالدين المؤجل. ولو مات المنذور له قبل الغاية بطل وقد ينازع في ذلك كله أنه لو قال: أنت طالق قبل موتي وقع حالا فقياسه هنا صحته حالا فيملكه المنذور له كما في علي أن أتصدق بهذا على فلان وينعقد معلقا في نحو إذا مرضت فهو نذر له قبل مرضي بيوم وله التصرف هنا قبل حصول المعلق عليه لضعف النذر حينئذ، وأفتى جمع فيمن أرادا أن يتبايعا فاتفقا على أن ينذر كل للآخر بمتاعه ففعلا صح وإن زاد المبتدئ إن نذرت لي بمتاعك وكثيرا ما يفعل ذلك فيما لا يصح بيعه ويصح نذره ويصح تعجيل المنذور المعلق بعد التعليق وقبل وجود الصفة كما مر، ويصح إبراء المنذور له الناذر عما في ذمته وإن لم يملكه حيث جاز له المطالبة به كما يصح إسقاط حق الشفعة وسيأتي أنه لا يصح ممن لا يدري معناه ومحله إن جهله بالكلية بخلاف ما إذا عرف أنه يفيد نوع عطية مثلا ونذر قراءة جزء قرآن أو علم مطلوب كل يوم صحيح ولا حيلة في حله ولا يجوز له تقديم وظيفة يوم عليه فإن فاتت قضى، ولو نذر عمارة هذا المسجد وكان خرابا فعمره غيره فهل نقول بطل نذره لتعذر نفوذه؛ لأنه إنما أشار إليه وهو خراب فلا يتناول خرابه بعد ذلك أو لم يبطل بل يوقف حتى يخرب فيعمره تصحيحا للفظ ما أمكن ؟ كل محتمل والأقرب الأول وتصحيح اللفظ ما أمكن إنما يعدل إليه إن احتمله لفظه وقد تقرر أن لفظه لا يحتمل ذلك؛ لأن الإشارة إنما وقعت للخراب حال النذر لا غير نعم إن نوى عمارته وإن خرب بعد لزمته.
"ولا يصح نذر معصية" لخبر مسلم:
"لا نذر في معصية الله ولا فيما لا يملكه ابن آدم"، وكأن سبب انعقاد نذر عتق المرهون من موسر مع حرمة إعتاقه له وإن نفذ أن الخلاف في عدم الحرمة قوي؛ لأن حق الغير ينجبر بالقيمة والملك للمعتق فأي وجه للحرمة حينئذ فاندفع ما لصاحب التوشيح هنا وبفرضها هي لأمر خارج وهي لا تمنع انعقاد النذر، ومن ثم صح نذر المدين بما يحتاجه لوفاء دينه وإن حرم عليه التصدق به؛ لأنها لأمر خارج، ووهم بعضهم في قوله: لا يصح النذر هنا وأفهم المتن أنه لو نذر أن يصلي في مغصوب لم ينعقد وهو أقرب على ما قاله الزركشي من قول آخرين: ي ينعقد ويصلي في غيره ويؤيده عدم انعقاد نذر صلاة لا سبب لها في وقت مكروه وصلاة في ثوب نجس إلا أن يفرق بأن الحرمة في هذين لذات المنذور أو لازمها بخلافها في الأولى، وقد يوجه ما قاله فيها بأن الحرمة هنا مجمع عليها فألحقت بالذاتي بخلافها في نذر التصدق والعتق المذكورين،

 

ج / 4 ص -330-        وكالمعصية المكروه لذاته أو لازمه كصوم الدهر الآتي، وكنذر ما لا يملك غيره وهو لا يصبر على الإضاقة لا لعارض كصوم يوم الجمعة لما يأتي في شرح قوله صام آخره وهو الجمعة وكنذره لأحد أبويه أو أولاده فقط، وقول جمع: لا يصح؛ لأن الإيثار هنا بغير غرض صحيح مكروه مردود بأنه لأمر عارض هو خشية العقوق من الباقين، قال بعضهم: وإذا صرح الأصحاب بصحة نذر المزوجة لصوم الدهر من غير إذن الزوج لكنها لا تصوم إلا بإذنه مع حرمته فأولى أن يصح بالمكروه ا هـ على أن المكروه هو عدم العدل وهو لا وجود له عند النذر وإن نوى أن لا يعطي الباقين وإنما يوجد بعد بترك إعطاء الباقين مثل الأول، ومن ثم لو أعطاهم مثله فلا كراهة وإن كان قد نوى عدم إعطائهم حال إعطاء الأول فنتج أن الكراهة ليست مقارنة للنذر وإنما توجد بعده فلم يكن لتأثيرها فيه وجه وبهذا اندفع ما أطال به بعضهم للبطلان، ومحل الخلاف حيث لم يسن إيثار بعضهم، أما إذا نذر للفقير أو الصالح أو البار منهم فيصح اتفاقا وقول الروضة في: إن شفى الله مريضي فلله علي أن أتصدق على ولدي لزمه الوفاء ظاهر في صحته على الإطلاق وحمله على ما إذا لم يكن له إلا ولد واحد أو سوى بينهم أو فضله لو صف يقتضيه تكلف.
تنبيه: اختلف مشايخنا في نذر مقترض مالا معينا لمقرضه كل يوم ما دام دينه في ذمته فقال بعضهم: لا يصح لأنه على هذا الوجه الخاص غير قربة بل يتوصل به إلى ربا النسيئة، وقال بعضهم يصح؛ لأنه في مقابلة حدوث نعمة ربح القرض إن اتجر فيه أو اندفاع نقمة المطالبة إن احتاج لبقائه في ذمته لإعسار أو إنفاق؛ ولأنه يسن للمقترض أن يرد زيادة عما اقترضه فإذا التزمها بنذر انعقد ولزمته فهو حينئذ مكافأة إحسان، لا وصلة للربا إذ هو لا يكون إلا في عقد كبيع، ومن ثم لو شرط عليه النذر في عقد القرض كان ربا ا هـ وقد يجمع بحمل الأول على ما إذا قصد أن نذره ذلك في مقابلة الربح الحاصل له والثاني على ما إذا جعله في مقابلة حصول النعمة أو اندفاع النقمة المذكورين ويتردد النظر في حالة الإطلاق والأقرب الصحة؛ لأن إعمال كلام المكلف حيث كان له محمل صحيح خير من إهماله وما مر عن القفال في إن جامعتني والحاصل بعده يؤيد ما ذكرته من الجمع فتأمله.
"ولا" نذر "واجب" عيني كصلاة الظهر أو مخير كأحد خصال كفارة اليمين مبهما بخلاف خصلة معينة منها على ما بحث أو واجب على الكفاية تعين بخلاف إذا لم يتعين فيصح نذره احتيج في أدائه لمال كجهاد وتجهيز ميت أم لا كصلاة جنازة وذلك؛ لأنه لزم عينا بإلزام الشرع قبل النذر فلا معنى لالتزامه، ولو نذر ذو دين حال أن لا يطالب غريمه فإن كان معسرا لغي؛ لأن إنظاره واجب، أو موسرا وفي الصبر عليه فائدة له كرجاء غلو سعر بضاعته لزمه؛ لأن القربة فيه ذاتية حينئذ أو ليس فيه ذلك لغا إذ لا قربة فيه كذلك حينئذ هذا ما يظهر في ذلك، وإن أطلق كثيرون أن الحال يتأجل بالنذر كالوصية وله فيما إذا قيد بأن لا يطالبه أن يحيل عليه وأن يوكل من يطالبه وأن يبيعه لغيره على القول به وأن يطالب ضامنه، ولو أسقط المدين حقه من هذا النذر لم يسقط، ولو نذر أن لا يطالبه مدة فمات قبلها فلوارثه مطالبته كما قاله أبو زرعة وغيره وردوا قول الإسنوي ومن تبعه بخلافه، "ولو نذر على

 

ج / 4 ص -331-        فعل مباح أو تركه" كأكل ونوم من كل ما استوى فعله وتركه أي: في الأصل وإن رجح أحدهما بنية عبادة به كالأكل للتقوي على الطاعة "لم يلزمه" لخبر أبي داود: "لا نذر إلا فيما ابتغي به وجه الله تعالى"، وفي البخاري أنه صلى الله عليه وسلم أمر أبا إسرائيل أن يترك ما نذره من نحو قيام وعدم استظلال، وإنما قال صلى الله عليه وسلم: لمن نذرت أن تضرب على رأسه بالدف حين قدم المدينة: "أوفي بنذرك" لما اقترن به من غاية سرور المسلمين وإغاظة المنافقين بقدومه فكان وسيلة لقربة عامة ولا يبعد فيما هو وسيلة لهذه أنه مندوب للازمه على أن جمعا قالوا بندبه لكل عارض سرور لا سيما النكاح، ومن ثم أمر به فيه في أحاديث وعليه فلا إشكال أصلا "لكن إن خالف لزمه كفارة يمين على المرجح" في المذهب كما بأصله واقتضاه كلام الروضة وأصلها في موضع لكن المعتمد ما صوبه في المجموع وصححه في الروضة كالشرحين أنه لا كفارة فيه مطلقا كالفرض والمعصية والمكروه وخبر: "لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين" ضعيف اتفاقا، "ولو نذر صوم أيام" وأطلق لزمه ثلاثة كما يأتي وإن عين عددها فما عينه وفي الحالين "ندب تعجيلها" مسارعة لبراءة ذمته نعم إن عرض له ما هو أهم كسفر يشق فيه الصوم كان التأخير أولى ذكره الأذرعي أو كان عليه صوم كفارة سبقت النذر سن تقديمها عليه إن كانت على التراخي وإلا وجب ذكره البلقيني "فإن قيد بتفريق أو موالاة وجب" ما قيد به منهما عملا بما التزمه، أما الموالاة فواضح، وأما التفريق فلأن الشارع اعتبره في صوم التمتع فإن نذر عشرة مفرقة فصامها ولاء حسب له منها خمسة "وإلا" يقيد بتفريق ولا موالاة "جاز" كل منهما لكن الموالاة أفضل، "أو" نذر صوم "سنة معينة" كسنة كذا أو سنة من الغد أو من أول شهر أو يوم كذا "صامها وأفطر العيد" الفطر والأضحى "والتشريق" وجوبا لحرمة صومها، والمراد عدم نية صوم ذلك لا تعاطي مفطر خلافا للقفال "وصام رمضان عنه"؛ لأنه لا يقبل غيره "ولا قضاء" لأنها لا تقبل صوما فلم تدخل في نذره "وإن أفطرت لحيض أو نفاس وجب القضاء في الأظهر" وانتصر له البلقيني؛ لقبول زمنهما للصوم في ذاته فوجب القضاء كما لو أفطرت رمضان لأجلهما "قلت الأظهر لا يجب" القضاء "وبه قطع الجمهور، والله أعلم"؛ لأن أيام أحدهما لما لم تقبل الصوم، ولو لعروض ذلك المانع لم يشملها النذر "وإن أفطر يوما" منها "بلا عذر وجب قضاؤه" لتفويته البر باختياره "ولا يجب استئناف سنة" بل له الاقتصار على قضاء ما أفطره؛ لأن التتابع كان للوقت لا لكونه مقصودا في نفسه كما في قضاء رمضان، ومن ثم لو أفطرها كلها لم يجب الولاء في قضائها ويتجه وجوبه من حيث إن ما تعدى بفطره يجب قضاؤه فورا، وخرج بقوله بلا عذر ما أفطره بعذر فلا يجب قضاؤه نعم إن أفطر لعذر مرض أو سفر لزمه القضاء خلافا لما يقتضيه كلام المتن فيهما والروضة وأصلها في المرض وعجيب قول من قال إن المتن وأصله ذكرا وجوب القضاء في المرض وذلك؛ لأن زمنهما يقبل الصوم فشمله النذر بخلاف نحو الحيض فإن قلت: فما محل قوله بلا عذر حينئذ؛ لأن الأعذار الأول ذكر أن لا قضاء فيها فلم يبق إلا عذر السفر والمرض وهما يجب القضاء بهما قلت لا تنحصر الأعذار فيما ذكر بل منها الجنون والإغماء فلا قضاء فيهما كما أفهمه كلامه والضابط

 

ج / 4 ص -332-        المعلوم مما ذكر أن كل ما قبل الصوم عن النذر فأفطره يقضيه وما لا فلا "فإن شرط التتابع" في نذر السنة المعينة، ولو في نيته كما قاله الماوردي "وجب" بفطره يوما، ولو لعذر سفر ومرض أخذا مما مر في الكفارة وإن كانت قضية سياق المتن فرضه في عدم العذر الاستئناف "في الأصح"؛ لأن التتابع صار مقصودا، "أو" نذر صوم سنة "غير معينة وشرط التتابع" في نذره، ولو بالنية "وجب" التتابع وفاء بما التزمه "ولا يقطعه صوم رمضان عن فرضه و" لا "فطر العيد والتشريق" لاستثناء ذلك شرعا ومن ثم لم يدخل في المعينة كما مر وخرج بعن فرضه صومه عن نذر أو قضاء أو تطوع فإنه باطل وينقطع به التتابع "ويقضيها" أي: رمضان والعيد والتشريق؛ لأنه التزم صوم سنة ولم يصمها "تباعا" أي متوالية "متصلة بآخر السنة" عملا بشرطه التتابع وفارقت المعينة بأن المعين في العقد لا يبدل بغيره والمطلق إذا عين قد يبدل، ألا ترى أن المبيع المعين لا يبدل لعيب ظهر به بخلاف ما في الذمة هذا إن أطلق، فإن نوى ما يقبل الصوم من سنة متتابعة لم يلزمه القضاء قطعا وإن نوى عدد أيام سنة لزمه القضاء قطعا ويحمل مطلقها على الهلالية "ولا يقطعه حيض" ونفاس لتعذر الاحتراز عنهما "وفي قضائه القولان" السابقان في المعينة، وقضيته ترجيح عدم القضاء وجزم به غيره ونازع في ذلك البلقيني وأطال لظهور الفرق بين المعينة وغيرها مما مر وسبقه ابن الرفعة لبعض ذلك فقال: الأشبه قضاء زمن الحيض كما في رمضان بل أولى قال الزركشي ومثله النفاس "وإن لم يشرطه" أي: التتابع "لم يجب" لعدم التزامه فيصوم سنة هلالية أو ثلثمائة وستين يوما، "أو" نذر صوم "يوم الاثنين أبدا لم يقض أثاني رمضان" الأربعة؛ لأن النذر لا يشملها لسبق وجوبها، وحذفه نون أثاني صوبه في المجموع ووقع له في الروضة ولغيره إثباتها وهو لغة قليلة خلافا لمن أنكره وزعم أن حذفها للتبعية؛ لحذفها من المفرد أو للإصافة مردود بأن التبعية لذلك لم؛ تعهد وبأن أثانين ليس جمع مذكر سالما ولا ملحقا به بل حذفها وإثباتها مطلقا لغتان والحذف أكثر استعمالا "وكذا" الاثنين الخامس من رمضان و "العيد والتشريق في الأظهر" إن صادفت يوم الاثنين قياسا على أثاني رمضان، وكون هذا قد يتفق وقد لا لا أثر له بعد أن تعلم العلة السابقة وهي سبق وجوبها وليس مثلها يوم الشك لقبوله لصوم النذر وغيره كما مر "فلو لزمه صوم شهرين تباعا لكفارة" أو نذر "صامهما ويقضي أثانيهما"؛ لأنه أدخل على نفسه صوم الشهرين "وفي قول لا يقضي إن سبقت الكفارة" أي موجبها أو سبق نذر الشهرين المتتابعين "النذر" للأثاني بأن لزمه صوم الشهرين أولا ثم نذر صوم الاثنين؛ لأن الأثاني الواقعة فيها حينئذ مستثناة بقرينة الحال كما لا يقضي أثاني رمضان "قلت ذا القول أظهر والله أعلم" وانتصر للأول جمع محققون وأطالوا في الانتصار له وفرق بينه وبين أثاني رمضان بأنه لا صنع له فيه بخلاف الكفارة "وتقضي" المرأة "زمن حيض ونفاس" وقع في الأثاني، والناذر زمن نحو مرض وقع فيها "في الأظهر"؛ لأنه لم يتحقق وقوعه فيه فلم يخرج عن نذرها، وقضية كلام الروضة وأصلها والمجموع وغيرها أنه لا قضاء فيهما واعتمده جمع متأخرون وأجاب بعضهم عن سكوته هنا على ما في أصله بأنه للعلم بضعفه مما قدمه في نظيره، فإن قلت على ما في المنهاج هل يمكن

 

ج / 4 ص -333-        فرق بين ما هنا وثم ؟ قلت نعم؛ لأن وقوع الحيض في يوم الاثنين بعينه غير متيقن بالنسبة لها إذ قد يلزم حيضها زمنا ليس منه يوم الاثنين بخلاف نحو يوم العيد فكان هذا كالمستثنى بخلاف ذاك، "أو" نذر "يوما بعينه" أي: صومه "لم يصم قبله" فإن فعل أثم ولم يصح كتقديم الصلاة على وقتها ولا يجوز تأخيره عنه بلا عذر فإن فعل صح وكان قضاء، ولو نذر صوم خميس ولم يعين كفاه أي خميس كان وإذا مضى خميس أي: يمكنه صومه أخذا مما مر في الصوم استقر في ذمته حتى لو مات فدى عنه، "أو" نذر "يوما من أسبوع" بمعنى جمعة "ثم نسيه صام آخره وهو الجمعة فإن لم يكن" المنذور "هو" أي: يوم الجمعة "وقع قضاء" وإن كان فقد وفى بما التزمه وهذا صريح في صحة نذر المكروه لا لذاته ولا لازمه كما مر إذ المكروه إفراده بالصوم لا نفس صومه وبه فارق عدم نذر صوم الدهر إذا كره، وفي أن أول الأسبوع السبت وهو صريح خبر مسلم وإن تكلم فيه الحفاظ كابن المديني والبخاري وجعلوه من كلام كعب وأن أبا هريرة إنما سمعه منه فاشتبه ذلك على بعض الرواة فرفعه، ونقل البيهقي أنه مخالف لما عليه أهل السنة والجماعة إن أول بدء الخلق في الأحد لا السبت ودل له خبر: "خلق الله الأرض يوم الأحد" إسناده صالح ومن ثم كان الأكثرون على أن أوله الأحد وجرى عليه المصنف في تحريره وغيره وعليه فيصوم السبت لكن الذي اعتمده كالرافعي الأول "ومن" نذر إتمام كل نافلة دخل فيها لزمه الوفاء بذلك؛ لأنه قربة، ومن ثم لو "شرع في صوم نفل" بأن نوى، ولو قبل الزوال وإن نازع فيه البلقيني "فنذر إتمامه لزمه على الصحيح"؛ لأن صومه صحيح فصح التزامه بالنذر ولزمه الإتمام "وإن نذر بعض يوم لم ينعقد"؛ لأنه ليس بقربة "وقيل يلزمه يوم"؛ لأن صوم بعض اليوم لا يمكن شرعا فلزمه يوم كامل ويجري ذلك في نذر بعض ركعة "أو" نذر "يوم قدوم زيد فالأظهر انعقاده"؛ لإمكان الوفاء به بأن يعلمه قبل فينويه ليلا ونيته حينئذ واجبة "فإن قدم ليلا أو في يوم عيد" أو تشريق "أو في رمضان" أو حيض أو نفاس "فلا شيء عليه"؛ لأنه قيد باليوم ولم يوجد القدوم في زمن قابل للصوم نعم يسن في الأولى صوم صبيحة ذلك الليل خروجا من خلاف من أوجبه قال الرافعي: أو يوم آخر شكرا لله تعالى "أو" قدم "نهارا" قابلا للصوم "وهو مفطر أو صائم قضاء أو نذرا وجب يوم آخر عن هذا" أي: نذره لقدومه كما لو نذر صوم يوم معين ففاته وخرج بقضاء وما بعده ما لو صامه عن القدوم بأن ظن قدومه فيه أي: بإحدى الطرق السابقة فيما لو تحدث برؤية رمضان ليلا فنوى كما هـ و ظاهر فبيت النية ليلته فيصح ولا شيء عليه؛ لأنه بناه على أصل صحيح "أو" قدم، ولو قبل الزوال "وهو صائم نفلا فكذلك" يلزمه صوم يوم آخر عن نذره؛ لأنه لم يأت بالواجب عليه بالنذر "وقيل يجب تتميمه" بقصد كونه عن النذر "ويكفيه" عن نذره بناء على أنه لا يجب إلا من وقت القدوم والأصح أنه بقدومه يتبين وجوبه من أول النهار لتعذر تبعيضه، وبه يفرق بين هذا وما لو نذر اعتكاف يوم قدومه فإن الصواب في المجموع ونقله عن النص واتفاق الأصحاب أنه لا يلزمه إلا من حين القدوم، ولا يلزمه قضاء ما مضى منه أي لإمكان تبعيضه فلم يجب غير بقية يوم قدومه، "ولو قال: إن قدم زيد فلله علي صوم اليوم التالي ليوم قدومه" من تلوته

 

ج / 4 ص -334-        وتليته تبعته وتركته فهو ضد والتلو بالكسر ما يتلو الشيء والمراد بالتالي هنا التابع من غير فاصل "وإن قدم عمرو فلله علي صوم أول خميس بعده" أي يوم قدومه "فقدما" معا أو مرتبا "في الأربعاء" بتثليث الباء والمد "وجب صوم يوم الخميس عن أول النذرين" لسبقه "ويقضي الآخر" لتعذر الإتيان به في وقته نعم يصح مع الإثم صوم الخميس عن النذر الثاني ويقضي يوما آخر عن النذر الأول وفي المجموع، لو قال إن قدم فعلي أن أصوم أمس يوم قدومه لم يصح نذره على المذهب ووقع لشارح أنه قال عنه: صح نذره على المذهب وغلط فيه ونظير ما ذكر ما لو قال إن شفى الله مريضي فعلي عتق هذا ثم قال إن قدم غائبي فعلي عتقه فحصل الشفاء والقدوم لكن في هذه آراء، رأى القاضي كما فهمه في التوسط عنه عدم انعقاد النذر الثاني ويعتق عن الأول ورأى العبادي الانعقاد ويعتق عن السابق كما نقله القاضي عنه ولا يوجب الأخير شيئا فإن وقعا معا أقرع بينهما وثمرة الإقراع أن أي نذر خرجت القرعة له أعتقه عنه ورأى البغوي أنه موقوف فإن وجدت الأولى عتق عنها وإلا فعن الثانية والذي يتجه ترجيحه هو الأخير؛ لأن النذر يقبل التعليق حتى بالمعدوم وحينئذ فإذا علق بالقدوم لم يمكن إلغاؤه؛ لاحتمال عدم العتق عن الأول، والعتق يحتاط له ولا صحته الآن لمعارضة نذره الأول له وهو أولى بسبقه فوجب العمل بقضيته ما أمكن وإذا تعارضا لزم القول بوقفه وقف تبين فإن وجد الأول عتق عنه مطلقا وإلا عتق عن الثاني فإن قلت: صحة بيع المعلق عتقه بدخول مثلا ووقفه تؤيد صحة نذر الثاني حتى يترتب عليه ما ذكر عن العبادي قلت: يفرق بأن الدخول المعلق به أولا لا التزام فيه فجاز الرجوع عنه بنحو البيع بخلاف النذر هنا فإنه تعلق بالأول وهو لا يجوز الرجوع عنه، ولا إبطاله وصحة نذر الثاني يلزمها ذلك بخلاف القول بالوقف فتعين؛ لأن فيه وفاء بكل من الأول والثاني في الجملة فتأمله. قيل ويؤخذ من صحة النذر الثاني صحة بيعه قبل وجود الصفة ا هـ وفيه نظر؛ لأن النذر الثاني وإن قلنا بصحته لا يبطل العتق المستحق من أصله بخلاف البيع.

فصل في نذر النسك والصدقة والصلاة وغيرها
إذا "نذر المشي إلى بيت الله تعالى" وقيده بكونه الحرام أو نواه أو نوى ما يختص به كالطواف فيما يظهر، ومن ثم كان ذكر بقعة من الحرم كدار أبي جهل كذكر البيت الحرام في جميع ما يأتي فيه "أو إتيانه" أو الذهاب إليه مثلا "فالمذهب وجوب إتيانه بحج أو عمرة" أو بهما وإن نفى ذلك في نذره ويفرق بينه وبين نذر التضحية بهذه الشاة على أن لا يفرق لحمها فإنه يلغو النذر من أصله بأن النذر والشرط هنا تضادا في معين واحد من كل وجه؛ لاقتضاء الأول خروجها عن ملكه بمجرد النذر، والثاني بقاءها على ملكه بعد النذر بخلافهما ثم فإنهما لم يتواردا على شيء واحد كذلك؛ لأن الإتيان غير النسك فلم يضاد نفيه ذات الإتيان بل لازمه، والنسك؛ لشدة تشبثه ولزومه كما يعرف مما مر في بابه لا يتأثر بمثل هذه المضادة لضعفها ثم رأيت شيخنا أشار لذلك في شرح الروض وفرق في شرح البهجة بأن

 

 

ج / 4 ص -335-        التضحية مالية، وإتيان الحرم بدنية وهي أضيق وفيه نظر لأنهم ألحقوا الحج بالمالية في كثير من أحكامها وذلك؛ لأنه لا قربة في إتيان الحرم إلا بذلك فلزم حملا للنذر على المعهود الشرعي، ومن ثم لو نذر إتيان مسجد المدينة أو بيت المقدس لم يلزمه شيء كسائر المساجد؛ أما إذا ذكر البيت ولم يقيده بذلك ولا نواه فيلغو نذره؛ لأن المساجد كلها بيوت الله تعالى وبحث البلقيني أن من نذر إتيان مسجد البيت الحرام وهو داخل الحرم لا يلزمه شيء؛ لأنه حينئذ بالنسبة إليه كبقية المساجد وله احتمال آخر والذي يتجه أنه يلزمه النسك هنا أيضا؛ لأن ذكر البيت الحرام أو جزء من الحرم في النذر صار موضوعا شرعا على التزام حج أو عمرة ومن بالحرم يصح نذره لهما فيلزمه هنا أحدهما وإن نذر ذلك وهو في الكعبة أو المسجد حولها "فإن نذر الإتيان لم يلزمه مشي"؛ لأنه لا يقتضيه فله الركوب، "وإن نذر المشي" إلى الحرم أو جزء منه "أو" نذر "أن يحج أو يعتمر ماشيا فالأظهر وجوب المشي" من المكان الآتي بيانه إلى الفساد أو الفوات أو فراغ التحللين وإن بقي عليه رمي بعدهما أو فراغ جميع أركان العمرة وله الركوب في حوائجه خلال النسك وإنما لزمه المشي في ذلك؛ لأنه التزم جعله وصفا للعبادة كما لو نذر أن يصلي قائما، وكون الركوب أفضل لا ينافي ذلك لأن المشي قربة مقصودة في نفسها وهذا هو الشرط في النذر، وأما انتفاء وجود أفضل من الملتزم فغير شرط اتفاقا فاندفع ما للشارح هنا وعجيب ممن زعم التنافي بين كون المشي مقصودا وكونه مفضولا وفي خبر ضعيف على ما فيه: "من حج مكة ماشيا حتى يرجع إليها كتب الله له بكل خطوة سبعمائة حسنة من حسنات الحرم الحسنة بمائة ألف حسنة" ومع كون الركوب أفضل لا يجزئ عن المشي فيلزم به دم تمتع كعكسه؛ لأنهما جنسان متغايران فلم يجز أحدهما عن الآخر كذهب عن فضة وعكسه ويفرق بين هذا ونذر الصلاة قاعدا فإنه يجزئه القيام بأن القيام أو القعود من أجزاء الصلاة الملتزمة فأجزأ الفاضل عن المفضول؛ لأنه وقع تبعا والمشي والركوب خارجان عن ماهية الحج وسببان متغايران إليه مقصودان فلم يجز أحدهما عن الآخر وأيضا فالقيام قعود وزيادة كما صرحوا به فوجد المنذور هنا بزيادة ولا كذلك في الركوب والذهب مثلا نعم يشكل على ذلك قولهم لو نذر شاة أجزأه بدلها بدنة؛ لأنها أفضل وقد يفرق بأن الشارع جعل بعض البدنة مجزيا عن الشاة حتى في نحو الدماء الواجبة فإجزاء كلها أولى بخلاف الذهب عن الفضة وعكسه فإنه لم يعهد في نحو الزكاة فلم يجز أحدهما عن الآخر. ولو أفسد نسكه أو فاته لم يلزمه فيه مشي بل في قضائه؛ لأنه الواقع عن نذره "فإن كان قال أحج" أو أعتمر "ماشيا" أو عكسه "ف" يلزمه المشي "من حيث يحرم" من الميقات أو قبله وكذا من حيث عن له بعده فيما إذا جاوزه غير مريد نسكا ثم عن له فإن جاوزه مريدا غير محرم راكبا، فينبغي لزوم دمين للمجاوزة والركوب تنزيلا لما وجب فعله منزلة فعله ثم رأيت كلام البلقيني الآتي وهو صريح فيما ذكرته "ولو قال: أمشي إلى بيت الله" بقيده السابق "ف" يلزمه المشي مع النسك "من دويرة أهله في الأصح"؛ لأن قضية لفظه أن يخرج من بيته ماشيا "وإذا أوجبنا المشي" كما هو المعتمد "فركب لعذر" يبيح ترك القيام في الصلاة "أجزأه" نسكه عن نذره لما صح أنه صلى الله عليه وسلم أمر من عجز عنه

 

ج / 4 ص -336-        بالركوب "وعليه دم" كدم التمتع "في الأظهر" لما صح أنه صلى الله عليه وسلم أمر أخت عقبة بن عامر أن تركب وتهدي هديا وحملوه على أنها عجزت كما هو الغالب وقيد البلقيني وجوب الدم بما إذا ركب بعد الإحرام مطلقا أو قبله وبعد مجاوزة الميقات مسيئا وإلا فلا إذ لا خلل في النسك يوجب دما وفارق ذلك ما لو نذر الصلاة قائما فقعد لعجز بأنه لم يعهد جبرها بمال "أو" ركب "بلا عذر أجزأه على المشهور" وإن عصى كترك الإحرام من الميقات "وعليه دم" على المشهور أيضا كدم التمتع؛ لأنه إذا وجب مع العذر فمع عدمه أولى ولو نذر الحفا لم يلزمه؛ لأنه ليس بقربة وبحث الإسنوي لزومه فيما يسن فيه كعند دخول مكة "ومن نذر حجا أو عمرة لزمه فعله بنفسه" إن كان صحيحا ويخرج عن نذره الحج بالإفراد والتمتع والقران كما في الروضة والمجموع ويجوز له كل من الثلاثة ولا دم من حيث النذر كما بينته مع البسط فيه في الفتاوى "فإن كان معضوبا استناب" ولو بمال كما في حجة الإسلام فيأتي في استنابته ونائبه ما ذكروه فيهما في الحج من التفصيل فلا يستنيب من على دون مرحلتين من مكة، ولا عين من عليه حجة الإسلام أو نحوها "ويستحب تعجيله في أول سني الإمكان" مبادرة لبراءة الذمة فإن خشي نحو عضب أو تلف مال لزمته المبادرة "فإن تمكن" لتوفر شروط الوجوب السابقة فيه فيما يظهر ويحتمل أن المراد بالتمكن قدرته على الحج عادة وإن لم يلزمه كمشي قوي فوق مرحلتين ثم رأيت عبارة البحر صريحة في هذا الاحتمال، وهي لو قال إن شفى الله مريضي فلله علي أن أحج فشفي وجب عليه الحج ولا يعتبر في وجوبه وجود الزاد والراحلة، وهل يعتبر وجودهما في أدائه ظاهر المذهب أنه يعتبر وقيل لا يعتبران أيضا؛ لأنه كان قادرا على استثناء ذلك في نذره انتهت، فلم يجعل وجودهما شرطا في لزومه لذمته وإنما جعلهما شرط لمباشرته بنفسه أي:؛ لأنه يحتاط له أكثر كما يعلم مما مر فيه ثم رأيت المجموع ذكر الاتفاق على أن الشروط معتبرة في الاستقرار والأداء معا وهو صريح فيما ذكرته أولا، وأن كلام البحر مقالة "فأخر فمات حج" عنه "من ماله" لاستقراره عليه بتمكنه منه في حياته بخلاف ما إذا لم يتمكن، "وإن نذر الحج" أو العمرة "عامه" أو عاما بعده معينا "وأمكنه لزمه" في ذلك العام إن لم يكن عليه حج إسلام أو قضاء أو عمرته تفريعا على الأصح أن زمن العبادة يتعين بالتعيين فيمتنع تقديمه عليه؛ أما إذا لم يعين العام فيلزمه في أي عام شاء وأما إذا عينه ولم يتمكن من فعله فيه كأن لم يبق من سنة عينها ما يمكن الذهاب فيه، ولو بأن كان يقطع أكثر من مرحلة في بعض الأيام فيما يظهر أخذا مما مر في الحج للنسك فلا ينعقد نذره، ولو حج عن النذر وعليه حجة الإسلام وقع عنها "فإن" تمكن من الحج ولكن "منعه" منه "مرض" أو خطأ طريق أو وقت أو نسيان لأحدهما أو للنسك بعد الإحرام في الكل أي: بعد تمكنه منه فيما يظهر "وجب القضاء" لاستقراره بتمكنه منه بخلاف ما إذا لم يتمكن بأن عرض له بعض ذلك قبل تمكنه منه؛ لأن المنذور نسك في ذلك العام ولم يقدر عليه ونازع البلقيني وأطال في إيجاب القضاء مطلقا "أو" منعه قبل الإحرام أو بعده "عدو" أو سلطان أو رب دين ولم يمكنه الوفاء حتى مضى إمكان الحج تلك السنة "فلا" يلزمه القضاء "في الأظهر" كما في نسك الإسلام إذا صد عنه في

 

ج / 4 ص -337-        أول سني الإمكان وفارق نحو المرض بجواز التحلل به من غير شرط بخلاف نحو المرض، "أو" نذر "صلاة أو صوما في وقت" يصحان فيه "فمنعه مرض أو عدو" كأسير يخاف إن لم يأكل قتل وكأن يكرهه على التلبس بمنافي الصلاة جميع وقتها "وجب القضاء" لوجوبها مع العجز بخلاف الحج شرطه الاستطاعة، وبقولنا: كأسير يخاف يندفع استشكال الزركشي تصور المنع من الصوم بأنه لا قدرة على المنع من نيته، والأكل للإكراه لا يفطر وبقولنا كأن يكرهه إلى آخره يعلم الجواب عن قوله: إنه يصلي كيف أمكن في الوقت المعين ثم يجب القضاء؛ لأن ذلك عذر نادر كما في الواجب بالشرع ا هـ فهم لم يسكتوا عن هذا إلا لكون الغرض ما ذكرناه فإن انتفى تعين ما ذكره ووقع لهما في الاعتكاف أنها لا تتعين في الوقت المعين بالنذر والمعتمد ما هنا من التعين نعم لا يتعين وقت مكروه عين لصلاة لا تنعقد فيه؛ لأنه معصية، "أو" نذر "هديا" لنعم أو غيره مما يصح التصدق به حتى نحو دهن نجس وعينه في نذره أو بعده كذا وقع في شرح المنهج وفيه نظر؛ لأن التعيين بعد النذر إنما يكون في المطلق وسيأتي أن المطلق ينصرف لما يجزي أضحية فلا يصح تعيين غيره وبما قررته في معنى هديا اندفع اعتراضه بأنه لو قال بدله: شيئا كان أولى "لزمه حمله" إن كان مما يحمل ولم يكن بمحله أزيد قيمة كما في الصورة الآتية "إلى مكة" أي حرمها إذ إطلاقها عليه سائغ أي: إلى ما عينه منه إن عين وإلا فإليه نفسه؛ لأنه محل الهدي قال تعالى: {هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة:95] أو التصدق به "على من" هو مقيم أو مستوطن "بها" من الفقراء والمساكين السابقين في قسم الصدقات ويجب التعميم في المحصورين بأن سهل عدهم على الآحاد ويجوز في غيرهم الاقتصار على ثلاثة ويجب عند إطلاق الهدي كونه مجزيا في الأضحية؛ لأن الأصح أن النذر يسلك به مسلك الواجب الشرعي غالبا وعليه إطعامه ومؤنة حمله إليها فإن لم يكن له مال بيع بعضه لذلك سواء أقال أهدي هذا أم جعلته هديا أم هديا للكعبة ثم إذا حصل الهدي في الحرم إن كان حيوانا يجزي أضحية وجب ذبحه وتفرقته عليهم ويتعين الحرم لذبحه أو لا يجزي أعطاه لهم حيا فإن ذبحه فرقه وغرم ما نقص بالذبح. ولو نوى غير التصدق كالصرف لستر الكعبة أو طيبها تعين صرفه فيما نواه، وأطلق شارح في الشمع أنه يشعل فيها، وفي الزيت أنه يجعل في مصابيحها ويتعين حمله على ما لو أضاف النذر إليها واحتيج لذلك فيها وإلا بيع وصرف لمصالحها كما هو ظاهر، ولو عسر التصدق بعينه كلؤلؤ باعه وفرق ثمنه عليهم ثم إن استوت قيمته ببلده والحرم تخير في بيعه فيما شاء منهما وإلا لزمه بيعه في الأزيد قيمة وإن كان بين بلده والحرم فيما يظهر، أما ما لا يمكن حمله أو يعسر كعقار ورحى فيباع ويفرق عليهم ثمنه، وتلف المعين في يده لا يضمنه أي: إلا إن قصر كما هو ظاهر وظاهر كلامهم أن المتولي لجميع ذلك هو الناذر وأنه ليس لقاضي مكة نزعه منه وهو ظاهر ويظهر ترجيح أنه ليس له إمساكه بقيمته؛ لأنه متهم في محاباة نفسه؛ ولاتحاد القابض والمقبض وأفتى بعضهم في إن قضى الله حاجتي فعلي للكعبة كذا بأن يتعين لمصالحها ولا يصرف لفقراء الحرم كما دل عليه كلام المهذب وصرح به جمع متأخرون وخبر مسلم: "لولا قومك حديثو عهد بكفر لأنفقت كنز

 

ج / 4 ص -338-        الكعبة في سبيل الله"، المراد بسبيل الله فيه إنفاقه في مصالحها "أو" نذر "التصدق" أو الأضحية وكذا النحر إن ذكر التصدق به أو نواه بالنسبة لغير الحرم "على أهل بلد"، ولو غير مكة "معين لزمه" وتعين للمساكين المسلمين منهم وفاء بالملتزم وقياس ما مر في قسم الصدقات أنه يعمم به المحصورين وله تخصيص ثلاثة به في غير المحصورين، "أو" نذر "صوما" أو نحوه "في بلد"، ولو مكة "لم يتعين" فيلزمه الصوم ويفعله في أي محل شاء؛ لأنه قربة فيه في محل بخصوصه ولا نظر لزيادة ثوابه فيها ولذا لم يجب صوم الدم فيها بل لم يجز في بعضه "وكذا صلاة" ومثلها الاعتكاف كما مر نذرها ببلد أو مسجد لا يتعين لذلك نعم لو عين المسجد للفرض لزمه، وله فعله في مسجد غيره وإن لم يكن أكثر جماعة فيما يظهر خلافا لمن قيد به لأنا إنما أوجبنا المسجد؛ لأنه قربة مقصودة في الفرض من حيث كونه مسجدا فليجزئ كل مسجد لذلك ويظهر أن ما يسن فيه من النوافل كالفرض "إلا المسجد الحرام" فيتعين للصلاة بالنذر لعظيم فضله وتعلق النسك به وصح أن الصلاة فيه بمائة ألف صلاة، بل استنبطت من الأخبار كما بينته في حاشية مناسك المصنف أنها فيه بمائة ألف ألف ألف صلاة في غير مسجد المدينة والأقصى وبه يتضح الفرق بينها وبين الصوم، والمراد به الكعبة والمسجد حولها مع ما زيد فيه وقيل جميع الحرم "وفي قول" إلا المسجد الحرام "ومسجد المدينة والأقصى" لمشاركتهما له في بعض الخصوصيات للخبر الصحيح: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد"، وبينت معناه في كتابي الجوهر المنظم في زيارة القبر المكرم "قلت الأظهر تعينهما كالمسجد الحرام والله أعلم" ونازع فيه البلقيني نقلا ودليلا بما فيه نظر ظاهر ويقوم مسجد مكة مقامهما ومسجد المدينة مقام الأقصى ولا عكس فيهما ثم تلك المضاعفة إنما هي في الفضل فقط لا في الحسبان عن منذور أو قضاء إجماعا وبحث الزركشي تعين مسجد قباء لصحة الخبر أن ركعتين فيه كعمرة، "أو" نذر "صوما مطلقا" بأن لم يقيده بعدد لفظا ولا نية "فيوم"؛ لأنه أقل ما يتصور فيه فهو المتيقن وإن وصفه بطويلا أو كثيرا أو حينا أو دهرا وقد يجب اليوم الواحد استقلالا في جزاء الصيد والبلوغ والإفاقة قبيل فجر آخر يوم من رمضان "أو" نذر "أياما فثلاثة" منها يجب صومها لأنها أقل الجمع، ومر وجوب التبييت في كل صوم واجب ويظهر في الأيام ذلك أيضا واعتماد شارح قول الإسنوي في التمهيد يلزمه صوم الدهر بعيد، ويلزمهما أنه لو نذر التصدق بالدراهم وماله كله دراهم أن يتصدق بجميعها وكلامهم في الإقرار يرده، أو أن يشيع الجنائز أو يعود المرضى لزمه عيادة كل مريض وتشييع كل جنازة وهو بعيد وقياس كلامهم المذكور أنه لا يلزمه إلا ثلاثة، "أو" نذر "صدقة ف" يجزئه التصدق وإن قال بمال عظيم "بما" أي: بأي شيء "كان" وإن قل مما يتمول إذ لا يكفي غيره لإطلاق الاسم؛ لأن أحد الشركاء في الخلطة قد تجيء حصته كذلك.
فروع: لو نذر التصدق بجميع ماله لزمه إلا بساتر عورته وإن كان عليه دين مستغرق من غير حجر كما بينته في كتابي قرة العين ببيان أن التبرع لا يبطله الدين، ومر أنه لو نذر التصدق بمال بعينه زال عن ملكه بمجرد النذر فلو قال علي أن أتصدق بعشرين دينارا

 

ج / 4 ص -339-        وعينها على فلان أو إن شفي مريضي فعلي ذلك فشفي ملكها وإن لم يقبضها، ولا قبلها لفظا بل وإن رد كما مر فله التصرف فيها وينعقد حول زكاتها من حين النذر، وكذا إن لم يعينها ولم يردها المنذور له فتصير دينا له عليه ويثبت لها أحكام الديون من زكاة وغيرها كالاستبدال عنها وكذا الإبراء منها وقول ابن العماد: لا يصح الإبراء منها كما لو انحصر مستحقو الزكاة وملكوها ليس لهم الإبراء مردود، وقد قال ابن الرفعة القياس جواز الاعتياض والإبراء في الزكاة وإنما منع منهما التعبد وظاهر كلام الإمام جوازهما فيها ففي النذر أولى، وكذا له الدعوى والمطالبة بها خلافا للزركشي والحلف لو نكل الناذر ويورث عنه كما في مستحقي الزكاة إذا انحصروا قال الإسنوي: وإنما لم يجبر المستحق هنا على القبول بخلافه في الزكاة؛ لأن الناذر هو الذي كلف نفسه، والزكاة أوجبها الشارع ابتداء فالامتناع منها يؤدي إلى تعطيل أحد أركان الإسلام ا هـ وفرق أيضا بأن مستحقي الزكاة ملكوها بخلاف مستحقي النذر وفيه نظر بل لا يصح إطلاقه لما تقرر من أنهم ملكوه أيضا بتفصيله المذكور، وأفتى بعضهم فيمن نذر لآخر بالسكنى بملكه مدة معلومة فمات المنذور له لم تستحق ورثته شيئا لعدم شمول لفظ النذر لهم، أو الناذر لم يبطل حق المنذور له ووافقه جمع على الشق الأول فقالوا لو استأجر دارا فنذر لفلان كل سنة بكذا ما دامت تحت يده ثم مات المنذور له لم تستحق ورثته ذلك وخالف بعضهم؛ لأن النذر حق قد ثبت للمورث فليثبت للوارث، وإذا ورث وارث الموصى له الميت قبل القبول فوارث المنذور له أولى؛ لأن النذر ألزم من الوصية، ولو مات الناذر في مسألة الإجارة لم يستحق المنذور له فضلا عن ورثته شيئا؛ لأن الناذر قيد بما دامت الدار تحت يده وبموته زال كونها تحت يده فبطل النذر كما لو كان حيا وعادت لمالكها، وأفتى بعضهم في مدين مات وله تركة فضمنه بعض أولاده فنذر المستحق أنه لا يطالبه مدة معلومة بأنه لا يصح النذر؛ لأنه يؤدي إلى تأخير براءة ذمة الميت وهو غير جائز، وفيه نظر لا سيما إن قلنا بأن الميت برئ بمجرد الضمان على ما اقتضاه ظاهر حديث أبي قتادة المار مع الكلام عليه آخر الجنائز، ولو كان له في دار نصف فنذر لفلان بنصفها نزل على الحصر كالوصية بجامع القربة فيصح النذر بجميع نصفه، وقال الأذرعي التنزيل على نصيبه في الوصية ونحوها من القرب ظاهر من حيث المعنى لا اللفظ ا هـ، ولو سأل عامي دائنه أن يلقنه صيغة رهن داره بدينه فلقنه صيغة النذر بها له ثم ادعى بها عليه فقال إنما رهنتها وأنا جاهل بما لقنه لي قبل بيمينه إن خفي عليه ذلك لعدم مخالطته للفقهاء أخذا من قول ابن عبد السلام في قواعده لو نطق العربي بكلمات غريبة لا يعرف معناها شرعا كأنت طالق للسنة كان لغوا إذ لا شعور له بمدلول اللفظ حتى يقصده به وكثيرا ما يخالع الجهال بين أغبياء لا يعرفون مدلول لفظ الخلع ويحكمون بصحته للجهل بهذه القاعدة ا هـ. وبحثه الأذرعي في العمرى والرقبى لعدم استحضاره لذلك وجرى عليه الزركشي وغيره، وفي نحو إن شفي مريضي فعلي عتق هذا هـ ل يصح نحو بيعه قبل الشفاء ؟ اختلف فيه المتأخرون والأوجه كما علم مما مر أوائل الباب وقبيل الفصل عدم الصحة لتعلق النذر الملتزم به نعم إن بان عدم الشفاء كأن مات فالذي

 

ج / 4 ص -340-        يتجه تبين صحة البيع أخذا مما مر قبيل الفصل؛ لأن العبرة بما في نفس الأمر وحينئذ فمعنى عدم الصحة الذي ذكرته عدمها الآن نظير ما مر قبيل الفصل وبهذا يجمع بين كلام المتأخرين المتنافي في نحو ذلك، ولو نذر التصدق بعشرين دينارا مثلا في ذمته ولم يعين المتصدق عليه لزم الإمام مطالبته فقد قال الرافعي: لو علم الإمام من رجل أنه لا يؤدي الزكاة الباطنة بنفسه فهل له أن يقول له إما أن تفرق بنفسك وإما أن تدفع إلي حتى أفرق وجهان يجريان في المطالبة بالنذور والكفارات زاد المصنف الأصح وجوب هذا القول إزالة للمنكر ونظر فيه ابن الرفعة بأنه لا يجب الوفاء بهذين فورا ثم حملهما على كفارة عصى بسببها ونذر صرح فيه بالفور، ومر في هذا مزيد فراجعه.
"أو" نذر "صلاة فركعتان" تجزيانه حملا على ذلك ويجب فعلهما بتسليمة واحدة أو صلاتين وجب التسليم في كل ركعتين، "وفي قول ركعة" حملا على جائزه ولا يكفيه سجدة تلاوة أو شكر "فعلى الأول يجب القيام فيهما مع القدرة"؛ لأنهما ألحقا بواجب الشرع "والثاني لا" إلحاقا بجائزه، "أو" نذر "عتقا" عبارة أصله إعتاقا كالتنبيه قيل: وعجيب تغييرها مع قوله في تحريره إنكاره جهل لكنه أحسن ا هـ ويجاب بأن في تغييرها الرد على المنكر فكان أهم من ارتكاب الأحسن "فعلى الأول" تجب "رقبة كفارة" وهي رقبة مؤمنة سليمة من عيب يخل بالعمل "وعلى الثاني رقبة" وإن لم تجز كمعيبة وكافرة حملا على جائزه "قلت الثاني هنا أظهر والله أعلم"؛ لأن الأصل براءة الذمة فاكتفي بما يقع عليه الاسم ولتشوف الشارع إلى العتق مع كونه غرامة سومح فيه وخرج عن قاعدة السلوك بالنذر مسلك واجب الشرع، "أو" نذر "عتق كافرة معيبة أجزأه كاملة"؛ لأنها أفضل مع اتحاد الجنس "فإن عين ناقصة" بنحو كفر أو عيب كعلي عتق هذا أو هذا الكافر "تعينت" ولم يجز إبدالها ولو بخير منها لتعلق النذر بعينها وإن لم يزل ملكه عنها به، "أو" نذر "صلاة قائما لم تجز قاعدا"؛ لأنه دون ما التزم "بخلاف عكسه" بأن نذرها قاعدا فله القيام؛ لأنه أفضل مع اتحاد الجنس ولا يلزمه وإن قدر على المعتمد "أو" نذر "طول قراءة الصلاة" المكتوبة أو غيرها أو تطويل نحو ركوعها أو القيام في نافلة أو نحو تثليث وضوء، "أو" نذر "سورة معينة" يقرؤها في صلاته، ولو نفلا "أو" نذر "الجماعة" فيما تشرع فيه من فرض أو نفل "لزمه" ذلك؛ لأنه قربة مقصودة وتقييدهما هذه الثلاثة بالفرض إنما هو للخلاف، ومن ثم أخذ منه تغليط من أخذ منه تقييد الحكم بذلك
تنبيه: لم أر ضابطا للتطويل الملتزم بالنذر هنا فيحتمل أن يضبط بالعرف وفيه نظر؛ لأنه أمر نسبي فلا يضبطه العرف والذي يظهر أنه يجزئه أدنى زيادة على ما يسن لإمام غير محصورين الاقتصار عليه، وأما قول البلقيني محل وجوب التطويل إذا لم يكن إماما في مكان لا تنحصر جماعته وإلا لم يلزمه التطويل لكراهته فهو وإن كان فيه إشارة لما ذكرته إلا أن كراهة أدنى زيادة على ما يسن لإمام غير المحصورين الاقتصار عليه ممنوعة وحينئذ فيسقط ما بحثه.

 

ج / 4 ص -341-        "والصحيح انعقاد النذر بكل قربة لا تجب ابتداء كعيادة" لمريض تسن عيادته "وتشييع جنازة والسلام" أي: ابتدائه حيث شرع وكذا جوابه ما لم يتعين لما مر في فرض الكفاية قال: وحذفت قول المحرر على الغير لإيهامه الاحتراز عن سلامه على نفسه عند دخوله بيتا خاليا ولا يصح فإنهما سواء انتهى ونازعه الأذرعي بأن سلامه على نفسه لا يفهم من نذر السلام قال: فيتجه أنه لا يجب إلا بنية أو بقرينة تدل عليه وكتشميت العاطس وزيارة القادم وتعجيل مؤقتة أول وقتها؛ لأن الشارع رغب فيها فكانت كالعبادات الذاتية ومنها التزوج فيصح نذره، حيث سن له كما مر في بابه ومنها التصدق على ميت أو قبره إن لم يرد تمليكه واطرد العرف بأن ما يحصل له يقسم على نحو فقراء هناك فإن لم يكن عرف هناك بطل قال السبكي: والأقرب عندي في الكعبة والحجرة الشريفة والمساجد الثلاثة أن من خرج من ماله عن شيء لها واقتضى العرف صرفه في جهة من جهاتها صرف إليها واختصت به ا هـ فإن لم يقتض العرف شيئا فالذي يتجه أنه يرجع في تعيين المصرف لرأي ناظرها، وظاهر أن الحكم كذلك في النذر إلى مسجد غيرها خلافا لما يوهمه كلامه، ومنها إسراج نحو شمع أو زيت بمسجد أو غيره كمقبرة إن كان ثم من ينتفع به، ولو على نذور فيجب الوفاء به وإلا فلا وخرج بلا تجب ابتداء ما وجب جنسه شرعا كصلاة وصدقة وصوم وحج وعتق فيجب بالنذر قطعا والواجب العيني والمخير وما على الكفاية إذا تعين كما مر ولا بد في الضابط من زيادة أن لا يبطل رخصة الشرع؛ ليخرج نذر عدم الفطر في السفر من رمضان ونذر الإتمام فيه إذا كان الأفضل الفطر والقصر فإنه لا ينعقد.