تحفة المحتاج بشرح المنهاج ط العلمية

ج / 4 ص -401-        كتاب الشهادات
جمع شهادة وهي اصطلاحا إخبار الشخص بحق على غيره بلفظ خاص والأصل فيها قبل الإجماع قوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] وهو أمر ندب إرشادي وخبر الصحيحين: "ليس لك إلا شاهداك أو يمينه"، وخبر: "أكرموا الشهود فإن الله تعالى يدفع بهم الحقوق ويستخرج بهم الباطل" ضعيف بل قال الذهبي: إنه منكر وأركانها شاهد ومشهود له، وعليه، وبه، وصيغة وكلها تعلم من كلامه إلا الصيغة وهي لفظ أشهد لا غير كما يأتي.
"شرط الشاهد" أوصاف تضمنها قوله "مسلم حر مكلف عدل ذو مروءة غير متهم" ناطق رشيد متيقظ فلا تقبل شهادة أضداد هؤلاء ككافر ولو على مثله؛ لأنه أخس الفساق وخبر: "لا تقبل شهادة أهل دين على غير دينهم إلا المسلمون فإنهم عدول على أنفسهم وعلى غيرهم" ضعيف وقوله تعالى:
{أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة: 106] أي: من غير عشيرتكم أو منسوخ بقوله: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] ولا من فيه رق لنقصه ومن ثم لم يتأهل لولاية مطلقا ولا صبي ومجنون إجماعا ولا فاسق لهذه الآية وقوله: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ} وهو ليس بعدل ولا مرضي واختار جمع منهم الأذرعي والغزي وآخرون قول بعض المالكية أنه إذا فقدت العدالة وعم الفسق قضى الحاكم بشهادة الأمثل فالأمثل للضرورة ورده ابن عبد السلام بأن مصلحته يعارضها مفسدة المشهود عليه ولأحمد رواية اختارها بعض أئمة مذهبه أنه يكفي ظاهر الإسلام ما لم يعلم فسقه ولا غير ذي مروءة؛ لأنه لا حياء له ومن لا حياء له يقول ما شاء للخبر الصحيح: "إذا لم تستح فاصنع ما شئت"، ويأتي تفسير المروءة ولا متهم لقوله تعالى: {وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا} [البقرة: 282] والريبة حاصلة بالمتهم ولا أخرس وإن فهم إشارته كل أحد؛ لأنها لا تخلو عن احتمال، ولا محجور عليه بسفه لنقصه واعترض ذكره بأنه إما ناقص عقل أو فاسق فما مر يغني عنه ويرد بأن نقص عقله لا يؤدي إلى تسميته مجنونا ولا مغفل ولا أصم في مسموع ولا أعمى في مبصر كما يأتي ومن التيقظ ضبط ألفاظ المشهود عليه بحروفها من غير زيادة فيها ولا نقص ومن ثم يظهر أنه لا تجوز الشهادة بالمعنى ولا تقاس بالرواية لضيقها؛ ولأن المدار هنا على عقيدة الحاكم لا الشاهد فقد يحذف أو يغير ما لا يؤثر عند نفسه ويؤثر عند الحاكم نعم لا يبعد جواز التعبير بأحد الرديفين عن الآخر حيث لا إيهام كما يشير لذلك قولهم لو قال شاهد وكله، أو قال قال وكلته وقال الآخر: فوض إليه، أو أنابه قبل، أو قال واحد قال وكلت وقال الآخر: قال فوضت إليه لم يقبلا؛ لأن كلا أسند إليه لفظا مغايرا للآخر، وكان الغرض أنهما اتفقا على اتحاد اللفظ الصادر منه وإلا فلا مانع أن كلا سمع ما ذكره في مرة ويجري ذلك في قول أحدهما قال القاضي ثبت عندي طلاق فلانة، والآخر قال ثبت عندي طلاق هذه فلا

 

ج / 4 ص -402-        يكفي بخلاف قول واحد ثبت عنده طلاق فلانة وآخر ثبت عنده طلاق هذه وهي تلك فإنه يكفي اتفاقا، ثم رأيت شيخنا كالغزي قال في تلفيق الشهادة ولو شهد واحد بإقراره بأنه وكله في كذا وآخر بإقراره بأنه أذن له في التصرف فيه أو سلطه عليه أو فوضه إليه انتفت الشهادة؛ لأن النقل بالمعنى كالنقل باللفظ بخلاف ما لو شهدا كذلك في العقد أو شهد واحد بأنه قال وكلتك في كذا وآخر بأنه قال سلطتك عليه أو فوضته إليك أو شهد واحد باستيفاء الدين، والآخر بالإبراء منه فلا يلفقان. ا هـ. فقوله النقل بالمعنى كالنقل باللفظ يتعين حمله على ما ذكرته من أنه يجوز التعبير عن المسموع بمرادفه المساوي له من كل وجه لا غير، ويؤيد قولي وكأن الغرض إلى آخره قولهم لو شهد له واحد ببيع، وآخر بالإقرار به لم يلفقا فلو رجع أحدهما وشهد بما شهد به الآخر قبل؛ لأنه يجوز أن يحضر الأمرين فتعليلهم هذا صريح فيما ذكرته فتأمله ويؤخذ مما يأتي في المتنقبة أن محل قبوله هنا إن كان مشهورا بكونه من أهل الديانة والمعرفة ولو شهد له واحد بألف وآخر بألفين ثبت الألف وله الحلف مع الشاهد بالألف الزائدة وبهذا يظهر اعتماد قول العبادي لو شهد واحد بأنه وكله ببيع هذا، وآخر بأنه وكله ببيع هذا وهذه لفقتا فيه وأن استغراب الهروي له غير واضح ولو أخبر عدل الشاهد بمضاد شهادته ففي حل تركها إن ظن صدقه وجهان رجح بعضهم المنع وبعضهم الجواز والذي يتجه أنه لا يكتفى بالظن؛ لأن الشهادة اختصت بمزيد احتياط بل لا بد من الاعتقاد فإن اعتقد صدقه جاز وإلا فلا وعليه يحمل جزم بعضهم بأنه لو أخبر الحاكم برجوع الشاهد فإن ظن صدق المخبر أي: اعتقده توقف عن الحكم وإلا فلا ومن شهد بإقرار مع علمه باطنا بما يخالفه لزمه أن يخبر به.
"وشرط العدالة اجتناب" كل كبيرة من أنواع "الكبائر"؛ لأن مرتكب الكبيرة فاسق وهي وما في معناها كل جريمة تؤذن بقلة اكتراث مرتكبها بالدين ورقة الديانة وهذا لشموله أيضا لصغائر الخسة وللإصرار على صغيرة الآتي أشمل من حدها بما يوجب الحد؛ لأن أكثرها لا حد فيه أو بما فيه وعيد شديد بنص الكتاب أو السنة؛ لأن كثيرا مما عدوه كبائر ليس فيه ذلك كالظهار وأكل لحم الخنزير وكثيرا مما عدوه صغائر فيه ذلك كالغيبة كما بينت ذلك كله مع تعدادها على وجه مبسوط بحيث زادت على الأربعمائة ومع أدلة كل وما قيل فيه وبحث حمل ما نقل من الإجماع على أن الغيبة كبيرة وما ورد فيها من الوعيد الشديد على غير الفاسق بخلافه فإن ذكره بما لم يعلن به صغيرة وفي كتابي الزواجر عن اقتراف الكبائر "و" اجتناب "الإصرار على صغيرة" أو صغائر من نوع واحد أو أنواع بأن لا تغلب طاعاته صغائره فمتى ارتكب كبيرة بطلت عدالته مطلقا أو صغيرة أو صغائر داوم عليها أو لا خلافا لمن فرق، فإن غلبت طاعاته صغائره فهو عدل ومتى استويا أو غلبت صغائره فهو فاسق ويظهر ضبط الغلبة بالنسبة لتعداد صور هذه وصور هذه من غير نظر إلى تعدد ثواب الحسنة؛ لأن ذلك أمر أخروي لا تعلق له بما نحن فيه، ثم رأيت بعضهم ضبط ذلك بالعرف ونص المختصر ضبطه بالأظهر من حال الشخص وهما صريحان فيما ذكرته ويجري ذلك في المروءة والمخل بها بناء على اعتبار الغلبة، ثم كما هنا فإن غلبت أفرادها

 

ج / 4 ص -403-        لم تؤثر وإلا ردت شهادته وصرح بعضهم بأن كل صغيرة تاب عنها لا تدخل في العد وهو حسن؛ لأن التوبة الصحيحة تذهب أثرها بالكلية قيل عطف الإصرار من عطف الخاص على العام لما تقرر أنه ليس المراد مطلقه بل مع غلبة الصغائر، أو مساواتها للطاعات وهذا حينئذ كبيرة. ا هـ. وفيه نظر؛ لأن الإصرار لا يصير الصغيرة كبيرة حقيقة وإنما يلحقها بها في الحكم فالعطف صحيح من غير احتياج إلى تأويل ولا ينافي هذا قول كثيرين كابن عباس رضي الله عنهما ونسب للمحققين كالأشعري وابن فورك والأستاذ أبي إسحاق ليس في الذنوب صغيرة قال العمراني؛ لأنهم إنما كرهوا تسمية معصية الله صغيرة إجلالا له مع اتفاقهم على أن بعض الذنوب يقدح في العدالة، وبعضها لا يقدح فيها وإنما الخلاف في التسمية والإطلاق.
تنبيه: ينبغي أن يكون من الكبائر ترك تعلم ما يتوقف عليه صحة ما هو فرض عين عليه لكن من المسائل الظاهرة لا الخفية نعم مر أنه لو اعتقد أن كل أفعال نحو الصلاة أو الوضوء فرض أو بعضها فرض ولم يقصد بفرض معين النفلية صح وحينئذ فهل ترك تعلم ما ذكر كبيرة أيضا أو لا ؟ للنظر فيه مجال والوجه أنه غير كبيرة لصحة عباداته مع تركه، وأما إفتاء شيخنا بأن من لم يعرف بعض أركان أو شروط نحو الوضوء أو الصلاة لا تقبل شهادته فيتعين حمله على غير هذين القسمين لئلا يلزم على ذلك تفسيق العوام وعدم قبول شهادة أحد منهم وهو خلاف الإجماع الفعلي بل صرح أئمتنا بقبول الشهادة العامة كما يعلم مما يأتي قبيل شهادة الحسبة على أن كثيرين من المتفقهة يجهلون كثيرا من شروط نحو الوضوء.
"ويحرم اللعب بالنرد على الصحيح" لخبر مسلم:
"من لعب بالنردشير فكأنما غمس يده في لحم خنزير ودمه"، وفي رواية لأبي داود "فقد عصى الله ورسوله" وهو صغيرة وفارق الشطرنج بأن معتمده الحساب الدقيق والفكر الصحيح ففيه تصحيح الفكر، ونوع من التدبير ومعتمد النرد الحزر والتخمين المؤدي إلى غاية من السفاهة والحمق. قال الرافعي: وتبعوه ما حاصله ويقاس بهما كل ما في معناهما من أنواع اللهو فكل ما معتمده الحساب والفكر كالمنقلة حفر أو خطوط ينقل منها وإليها حصى بالحساب لا يحرم ومحله في المنقلة إن لم يكن حسابهما تبعا لما يخرجه الطاب الآتي وإلا حرمت، وكل ما معتمده التخمين يحرم ومن القسم الثاني كما رجحه السبكي والزركشي وغيرهما الطاب عصى صغار ترمى وينظر للونها ليرتب عليه مقتضاه الذي اصطلحوا عليه ومن زعم أنه يحتاج إلى فكر فلم يعرف حقيقته بوجه إذ ليس فيه غير ما ذكرناه ومن ذلك أيضا الكنجفة وهي أوراق فيها صور ويجوز اللعب بالخاتم وبالحمام إن خليا عن مال والثاني عما عرف لأهله من خلعهم جلباب الحياء والمروءة والتعصب وإلا ردت شهادتهم ويقاس بهم ما كثر، واشتهر من أنواع حذقت من الجري، وحمل الأحمال الثقيلة، والنطاح بنحو الكباش، وغير ذلك من أنواع السفه واللهو، "ويكره" اللعب "بشطرنج" بفتح أوله وكسره معجما ومهملا؛ لأنه يلهي عن الذكر والصلاة في أوقاتها الفاضلة بل كثيرا ما يستغرق فيه لاعبه حتى يخرج به عن

 

ج / 4 ص -404-        وقتها، وهو حينئذ فاسق غير معذور بنسيانه كما ذكره الأصحاب، واستشكله الشيخان بما جوابه في الأم ولفظه فإن قيل فهو لا يترك وقتها للعب إلا وهو ناس قيل فلا يعود للعب الذي يورث النسيان فإن عاد له وقد جربه أنه يورثه ذلك فذلك استخفاف. ا هـ. وحاصله أن الغفلة نشأت من تعاطيه للفعل الذي من شأنه أن يلهي عن ذلك فكان كالمتعمد لتفويته ويجري ذلك في كل لهو ولعب مكروه مشغل للنفس ومؤثر فيها تأثيرا يستولي عليها حتى تشتغل به عن مصالحها الأخروية. قال بعضهم: بل يمكن أن يقال بذلك في شغل النفس بكل مباح؛ لأنه كما يجب تعاطي مقدمات الواجب يجب تعاطي مقدمات ترك مفوتاته والكلام فيمن جرب من نفسه أن اشتغاله بذلك المباح يلهيه حتى يفوت به الوقت فاندفع ما قيل شغل النفس بالمباح يفجؤها ولا قدرة على دفعه وعلى هذه الحالة أو ما ينشأ عنه وفيه من السبب وغيره من المعاصي يحمل ما جاء في ذمه من الأحاديث والآثار الكثيرة ومن ثم قال بتحريمه الأئمة الثلاثة لكن قال الحفاظ: لم يثبت منها حديث من طريق صحيح ولا حسن وقد لعبه جماعة من أكابر الصحابة ومن لا يحصى من التابعين ومن بعدهم وممن كان يلعبه غبا سعيد بن جبير رضي الله عنه ونازع البلقيني في كراهته بأن قول الشافعي لا أحبه لا يقتضيها وقيدها الغزالي بما إذا لم يواظب عليه وإلا حرم والمعتمد أنه لا فرق نعم محلها إن لعب مع معتقد حله وإلا حرم كما رجحه السبكي والأذرعي والزركشي وغيرهم وهو ظاهر؛ لأنه يعينه على معصية حتى في ظن الشافعي؛ لأنا نعتقد أنه يلزمه العمل باعتقاد إمامه وإنما اعتبر القاضي اعتقاد نفسه دون الخصم؛ لأنه ملزم على أنه لو نظر لاعتقاده الخصم تعطل القضاء ولأنه أعني الشافعي يلزمه الإنكار عليه لما مر أن من فعل ما يعتقد حرمته يجب الإنكار عليه ولو ممن يعتقد إباحته وبهذا يندفع ما وقع لبعضهم من النزاع في ذلك. "فإن شرط فيه مال من الجانبين فقمار محرم" إجماعا بخلافه من أحدهما ليبذله إن غلب ويمسكه إن غلب فإنه ليس بقمار وإنما هو عقد مسابقة فاسدة؛ لأنه على غير آلة قتال، ومع كونه ليس قمارا هو محرم من جهة أن فيه تعاطي عقد فاسد وهو صغيرة لكن أخذ المال كبيرة، وعبر بقمار محرم احترازا عن اعتراض الإمام على إطلاقهم التحريم بأن المحرم وهو ما اقترن بالشطرنج لا هو فإنه لا يتغير بذلك وترد الشهادة به إن اقترن به أخذ مال أو فحش أو داوم عليه. قال الماوردي: أو لعبه على الطريق قال غيره أو كان فيه صورة حيوان ومن ثم قال بعضهم يحرم اللعب بكل ما في آلته صورة محرمة.
"ويباح" بل قال في مناسكه يندب "الحداء وسماعه" واستماعه؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أقر فاعله بل قال لأنجشة عبد له أسود حدا بأمهات المؤمنين
"يا أنجشة رويدك رفقا بالقوارير" أي: النساء رواه الشيخان وذلك أن الإبل إذا سمعته زاد سيرها وأتعبت راكبها، والنساء يضعفن عن ذلك فشبهن بالزجاج الذي يسرع انكساره، واستدل للندب بأخبار صحيحة وبأن فيه تنشيطها للسير، وتنشيط النفوس وإيقاظ النوام. ا هـ. ويتعين الجزم به إذا كان السير قربة أو الاستيقاظ كذلك؛ لأن وسيلة القربة قربة اتفاقا، ثم رأيت ما يأتي قريبا عن الأذرعي وهو موافق لما ذكرته وهو بضم أوله وكسره وبالدال المهملة وبالمد ما يقال خلف الإبل من رجز

 

ج / 4 ص -405-        وغيره وهذا أولى من تفسيره بأنه تحسين الصوت الشجي بالشعر الجائز "ويكره الغناء" بكسر أوله وبالمد "بلا آلة وسماعه" يعني استماعه لا مجرد سماعه بلا قصد لما صح عن ابن مسعود ومثله لا يقال من قبل الرأي فيكون في حكم المرفوع "أنه ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل" وجاء مرفوعا من طرق كثيرة بينتها في كتابي كف الرعاع عن محرمات اللهو والسماع دعاني إليه أني رأيت تهافت كثيرين على كتاب لبعض من أدركناهم من صوفية الوقت تبع فيه خراف ابن حزم وأباطيل ابن طاهر وكذبه الشنيع في تحليل الأوتار وغيرها ولم ينظر لكونه مذموم السيرة مردود القول عند الأئمة، ومن ثم بالغوا في تسفيهه وتضليله سيما الأذرعي في توسطه ووقع بعض ذلك أيضا للكمال الأدفوي في تأليف له في السماع ولغيره وكل ذلك يجب الكف عنه واتباع ما عليه أئمة المذاهب الأربعة وغيرهم لا ما افتراه أولئك عن بعضهم من تحريم سائر الأوتار والمزامير وبعض أنواع الغناء وزعم أنه لا دلالة في خبر ابن مسعود على كراهته؛ لأن بعض المباح كلبس الثياب الجميلة ينبت النفاق في القلب وليس بمكروه يرد بأنا لا نسلم أن هذا ينبت نفاقا أصلا ولئن سلمناه فالنفاق مختلف والنفاق الذي ينبته الغناء من التخنث وما يترتب عليه أقبح وأشنع كما لا يخفى وما نقل منه عن جماعة من الصحابة ومن بعدهم ليس هو بصفة الغناء المعروف في هذه الأزمنة مما اشتمل على التلحينات الأنيقة والنغمات الرقيقة التي تهيج النفوس وشهواتها كما بينه الأذرعي كالقرطبي وبسطته، ثم وقد جزم الشيخان في موضع بأنه معصية وينبغي حمله على ما فيه وصف نحو خمر أو تشبيب بأمرد أو أجنبية ونحو ذلك مما يحمل غالبا على معصية. قال الأذرعي، أما ما اعتيد عند محاولة عمل وحمل ثقيل كحداء الأعراب لإبلهم وغناء النساء لتسكين صغارهم فلا شك في جوازه بل ربما يندب إذا نشط على سير أو رغب في خبر كالحداء في الحج والغزو وعلى نحو هذا يحمل ما جاء عن بعض الصحابة. ا هـ. ومما يحرم اتفاقا سماعه من أمرد أو أجنبية مع خشية فتنة، وقضية قوله بلا آلة حرمته مع الآلة. قال الزركشي: لكن القياس تحريم الآلة فقط وبقاء الغناء على الكراهة. ا هـ. ويؤيده ما مر عن الإمام في الشطرنج مع القمار.
فرع: يسن تحسين الصوت بقراءة القرآن، وأما تلحينه فإن أخرجه إلى حد لا يقول به أحد من القراء حرم وإلا فهو على المعتمد وإطلاق الجمهور كراهة القسم الأول مرادهم بها كراهة التحريم بل قال الماوردي: إن القارئ يفسق بذلك، والمستمع يأثم به؛ لأنه عدل به عن نهجه القويم.
"ويحرم استعمال آلة من شعار الشربة كطنبور" بضم أوله "وعود" ورباب وجنك وسنطير وكمنجة "وصنج" بفتح أوله وهو صفر يجعل عليه أو نار يضرب بها أو قطعتان من صفر تضرب إحداهما بالأخرى وكلاهما حرام "ومزمار عراقي" وسائر أنواع الأوتار والمزامير "واستماعها"؛ لأن اللذة الحاصلة منها تدعو إلى فساد كشرب الخمر لا سيما من قرب عهده بها؛ ولأنها شعار الفسقة، والتشبه بهم حرام وخرج باستماعها سماعها من غير قصد فلا يحرم، وحكاية وجه بحل العود؛ لأنه ينفع من بعض الأمراض مردودة بأن هذا لم

 

ج / 4 ص -406-        يثبت عن أحد ممن يعتد به على أنه إن أريد حله لمن به ذلك المرض ولم ينفعه غيره بقول طبيبين عدلين فليس وجها بل هو المذهب كالتداوي بنجس غير الخمر وعلى هذا يحمل قول الحليمي يباح استماع آلة اللهو إذا نفعت من مرض أي: لمن به ذلك المرض وتعين الشفاء في سماعه وحكاية ابن طاهر عن الشيخ أبي إسحاق الشيرازي أنه كان يسمع العود من جملة كذبه وتهوره كما بينته، ثم "لا يراع" وهو الشبابة سميت بذلك لخلو جوفها ومن ثم قالوا لمن لا قلب له رجل يراع فلا يحرم "في الأصح" لخبر فيها "قلت الأصح تحريمه والله أعلم"؛ لأنه مطرب بانفراده بل قال بعض أهل الموسيقى إنه آلة كاملة جامعة لجميع النغمات إلا يسيرا فحرم كسائر المزامير، والخبر المروي في شبابة الراعي منكر كما قاله أبو داود وبتقدير صحته كما قاله ابن حبان فهو دليل للتحريم؛ لأن ابن عمر سد أذنيه عن سماعها ناقلا له عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم استخبر من نافع هل يسمعها فيستديم سد أذنيه فلما لم يسمعها أخبره فترك سدهما فهو لم يأمره بالإصغاء إليها بدليل قوله له أتسمع ؟ ولم يقل استمع ولقد أطنب خطيب الشام الدولعي وهو ممن نقل عنه في الروضة وأثنى عليه في تحريمها وتقرير أدلته ونسب من قال بحلها إلى الغلط وأنه ليس معدودا من المذهب ونقلت كلامه برمته وكلام غيره ثم فراجعه، ونقل ابن الصلاح أنها إذا جمعت مع الدف حرما بإجماع من يعتد به ورده التاج السبكي وغيره ويوافقه ما مر عن الإمام في الشطرنج مع القمار وعن الزركشي في الغناء مع الآلة وما حكي عن ابن عبد السلام وابن دقيق العيد من أنهما كانا يسمعان ذلك فكذب كما بينته ثم فاحذره، "ويجوز دف" أي: ضربه "واستماعه لعرس"؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أقر جويريات ضربن به حين بنى علي بفاطمة كرم الله وجههما بل قال لمن قالت وفينا نبي يعلم ما في غد، "دعي هذا وقولي بالذي كنت تقولين" أي: من مدح بعض المقتولين ببدر رواه البخاري وصح خبر: "فصل ما بين الحرام والحلال الضرب بالدف" وخبر: "وخبر"أعلنوا هذا النكاح واجعلوه في المساجد واضربوا عليه بالدف"، سنده حسن وتضعيف الترمذي له مردود ومن ثم أخذ البغوي وغيره منه أنه سنة في العرس ونحوه "وختان"؛ لأن عمر رضي الله عنه كان يقره فيه كالنكاح وينكره في غيرهما رواه ابن أبي شيبة "وكذا غيرهما" من كل سرور "في الأصح" لخبر الترمذي وابن حبان أنه صلى الله عليه وسلم لما رجع إلى المدينة من بعض مغازيه قالت له جارية سوداء إني نذرت إن ردك الله سالما أن أضرب بين يديك بالدف فقال لها "إن كنت نذرت أوفي بنذرك" وهذا يشهد لبحث البلقيني أن ضربه لنحو قدوم عالم أو سلطان لا خلاف فيه ويشهد أيضا لندبه بقصد السرور بقدوم نحو عالم لنفع المسلمين إذ المباح لا ينعقد نذره ولا يؤمر بوفائه لكن مر فيه في النذر زيادة لا بد من استحضارها هنا ويباح أو يسن عند من قال بندبه "وإن كان فيه جلاجل" لإطلاق الخبر وادعاء أنه لم يكن بجلاجل يحتاج لإثباته وهي إما نحو حلق تجعل داخله كدف العرب أو صنوج عراض من صفر تجعل في خروق دائرته كدف العجم وبحل هذه جزم الحاوي الصغير وغيره ونازع فيه الأذرعي بأنه أشد إطرابا من الملاهي المتفق على تحريمها، وأطال ونقل عن جمع حرمته ولا فرق بين ضربه من رجل أو امرأة وقول الحليمي

 

ج / 4 ص -407-        يختص حله بالنساء رده السبكي، "ويحرم ضرب الكوبة" بضم أوله ويحرم استماعه أيضا "وهي طبل طويل ضيق الوسط" واسع الطرفين لكن أحدهما الآن أوسع من الآخر الذي لا جلد عليه للخبر الصحيح: "أن الله حرم الخمر والميسر" أي: القمار والكوبة؛ ولأن في ضربها تشبها بالمخنثين فإنه لا يعتادها غيرهم وتفسيرها بذلك هو الصحيح خلافا لمن فسرها بالنرد وقضية كلامه حل ما عداها من الطبول وهو كذلك وإن أطلق العراقيون تحريم الطبول واعتمده الإسنوي فقال: الموجود لأئمة المذهب تحريم الطبول ما عدا الدف "لا الرقص" فلا يحرم ولا يكره؛ لأنه مجرد حركات على استقامة أو اعوجاج؛ ولأنه صلى الله عليه وسلم أقر الحبشة عليه في مسجده يوم عيد رواه الشيخان واستثنى بعضهم أرباب الأحوال فلا يكره لهم وإن قلنا بكراهته التي جرى عليها جمع ورده البلقيني بأنه إن كان باختيارهم فهم كغيرهم وإلا فليسوا مكلفين، ثم اعتمد القول بتحريمه إذا كثر بحيث أسقط المروءة وما ذكره آخرا فيه نظر وأولا واضح جلي يجب طرده في سائر ما يحكى عن الصوفية مما يخالف ظواهر الشرع فلا يحتج به؛ لأنه إن صدر عنهم في حال تكليفهم فهم كغيرهم أو مع غيبتهم لم يكونوا مكلفين به وقد مر في الردة في رد كلام اليافعي ما يجب استحضاره هنا ونقل الإسنوي عن العز بن عبد السلام أنه كان يرقص في السماع يحمل على مجرد القيام والتحرك لغلبة وجد وشهود وارد أو تجل لا يعرفه إلا أهله نفعنا الله بهم آمين، ومن ثم قال الإمام إسماعيل الحضرمي في موقف الشمس لما سئل عن قوم يتحركون في السماع هؤلاء قوم يروحون قلوبهم بالأصوات الحسنة حتى يصيروا روحانيين فهم بالقلوب مع الحق وبالأجساد مع الخلق ومع هذا فلا يؤمن عليهم العدو فلا يرى عليهم فيما فعلوا ولا يقتدى بما قالوا. ا هـ. وعن بعضهم تقبل شهادة الصوفية الذين يرقصون على الدف لاعتقادهم أن ذلك قربة كما تقبل شهادة حنفي شرب النبيذ لاعتقاده إباحته وكذا كل من فعل ما اعتقد إباحته. ا هـ. ورد بأنه خطأ قبيح؛ لأن اعتقاد الحنفي نشأ عن تقليد صحيح ولا كذلك غيره وإنما منشؤه الجهل والتقصير فكان خيالا باطلا لا يلتفت إليه "إلا أن يكون فيه تكسر كفعل المخنث" بكسر النون وهو أشهر وفتحها وهو أفصح فيحرم على الرجال والنساء وإن نازع فيه الإسنوي وغيره وهو من يتخلق بخلق النساء حركة وهيئة وعليه حملت الأحاديث بلعنه، أما من يفعل ذلك خلقة من غير تكلف فلا يأثم به.
"ويباح قول" أي: إنشاء "شعر وإنشاده" واستماعه؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان له شعراء يصغي إليهم كحسان وعبد الله بن رواحة وكعب بن مالك رضي الله عنهم وروى الخطيب في جامعه أنه قرئ عند النبي صلى الله عليه وسلم قرآن وأنشد شعر فقيل يا رسول الله قرآن وشعر في مجلسك قال: "نعم"، وأن أبا بكرة قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أعرابي ينشد الشعر فقلت يا رسول الله القرآن أو الشعر فقال:
"يا أبا بكرة هذا مرة وهذا مرة"، واستنشد من شعر أمية بن أبي الصلت مائة بيت، رواه مسلم أي: لأن أكثر شعره حكم وأمثال وتذكير بالبعث ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: "كاد" أي: "أمية أن يسلم"، وروى البخاري: "إن من الشعر لحكمة" واستحب الماوردي منه ما حذر عن معصية أو حث على خير ويؤيده ما مر من صحة إصداق تعليمه

 

ج / 4 ص -408-        حينئذ "إلا أن يهجو" في شعره معينا غير حربي وإن تأذى قريبه المسلم بخلاف الذمي؛ لأنه معصوم ومقتضى كلام بعضهم إلحاق كل مهدر بالحربي وهو ظاهر في المرتد دون نحو الزاني المحصن وغير متجاهر بفسق وغير مبتدع ببدعته فيحرم وإن صدق أو كان بتعريض كما في الشرح الصغير وترد به شهادته للإيذاء وأثم حاكيه دون منشئه إلا أن يكون هو المذيع له فيكون إثمه أشد. "أو يفحش" بضم أوله وكسر ثالثه أي: يجاوز الحد في الإطراء في المدح ولم يمكن حمله على المبالغة فيحرم أيضا؛ لأنه حينئذ كذب وترد به الشهادة إن أكثر منه وإن قصد إظهار الصنعة لا إيهام الصدق قال ابن عبد السلام في قواعده: ولا تكاد تجد مداحا إلا رذلا ولا هجاء إلا نذلا "أو يعرض بامرأة معينة" بأن يذكر صفاتها من نحو طول وحسن وصدغ وغيرها فيحرم أيضا وترد به شهادته لما فيه من الإيذاء وهتك الستر إذا وصف الأعضاء الباطنة ومحله في غير حليلته، أما هي فإن ذكر منها ما حقه الإخفاء كما يتفق بينهما عند الخلوة حرم كما في شرح مسلم لكن جزما بكراهته وردت شهادته أيضا وإلا فلا؛ لأن كعب بن زهير رضي الله عنه شبب بزوجته بنت عمه سعاد في قصيدته بانت سعاد المشهورة وأنشدها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليه وخرج بالمرأة الأمرد فيحرم وإن لم يعينه على ما قاله الروياني؛ لأنه لا يحل بحال بل يفسق إن ذكر أنه يعشقه لكن اعتبر البغوي وغيره تعيينه أيضا ونازع ابن الرفعة الروياني في إطلاق الفسق بأنه ليس من لازم عشقه أن يكون بشهوة محرمة ولهذا عدوا من الشهداء الميت عشقا وفيه نظر؛ لأن شرطه أن يكتم ويعف. وهذا لم يكتم على أن الزركشي وغيره قيدوا الشهادة بعشق غير الأمرد وبالمعينة غيرها فلا إثم فيه ولا ترد به الشهادة؛ لأن غرض الشاعر تحسين صنعته لا تحقيق المذكور قيد ومحله إن لم يكثر منه لبناء الشيخين الإطلاق على ضعيف ويقع لبعض فسقة الشعراء نصب قرائن تدل على التعيين وهذا لا شك أنه معين، "والمروءة تخلق بخلق أمثاله في زمانه ومكانه"؛ لأن الأمور العرفية تختلف بذلك غالبا بخلاف العدالة فإنها ملكة راسخة في النفس لا تتغير بعروض مناف لها وهذه أحسن العبارات المختلفة في تعريف المروءة لكن المراد بخلق أمثاله المباحة غير المزرية به فلا نظر لخلق القلندرية في حلق اللحى ونحوها "فالأكل في سوق والمشي" فيه "مكشوف الرأس" أو البدن غير العورة أو كشف ذلك فيها وإن لم يمش ممن لا يليق به ذلك وإن كان الأكل ماشيا لتافه ما لم يكن خاليا فيما يظهر يسقطها لخبر الطبراني بسند لين: "الأكل في السوق دناءة" ومثله الشرب إلا إن صدق جوعه أو عطشه قال الأذرعي: أو كان يأكل حيث وجد لتقلله وبراءته من التكلف العادي قال البلقيني: أو أكل داخل حانوت مستترا ونظر فيه غيره وهو الحق فيمن لا يليق به ذلك قلت أو كان صائما مثلا فقصد المبادرة بسنة الفطر لعذره "وقبلة زوجة أو أمة" في نحو فمها لا رأسها أو وضع يده على نحو صدرها "بحضرة الناس" أو أجنبي يسقطها بخلافه بحضرة جواريه أو زوجاته وتوقف البلقيني في تقبيلها بحضرة الناس أو الأجنبيات ليلة جلائها ولا وجه في التوقف في ذلك؛ لأنه لا يفعله إلا من لا خلاق له كما في قوله. "وإكثار حكايات مضحكة" للحاضرين أو فعل خيالات كذلك بأن يصير ذلك

 

ج / 4 ص -409-        عادة له بل جاء في الخبر الصحيح: "من تكلم بالكلمة يضحك بها جلساءه يهوي بها في النار سبعين خريفا"، ما يفيد أنه حرام بل كبيرة لكن يتعين حمله على كلمة في الغير بباطل يضحك بها أعداءه؛ لأن في ذلك من الإيذاء ما يعادل ما في كبائر كثيرة منه وقضية تقييد الإكثار بهذا أنه لا يعتبر فيما قبله وما بعده ونظر فيه ابن النقيب واعتمد البلقيني أنه لا بد من تكرار الكل تكرارا يدل على قلة المبالاة. واستدل له بالنص وتبعه الزركشي فقال ظاهر النص الذي جرى عليه العراقيون وغيرهم أن من وجد ما فيه بعض ما هو خلاف المروءة قبلت شهادته إلا أن يكون الأغلب عليه ذلك فترد شهادته لكن توقف شيخه الأذرعي في إطلاق اعتبار الإكثار في الكل، ثم بحث اعتباره في نحو الأكل بسوق ومد الرجل بحضرة الناس بخلاف نحو قبلة حليلة بحضرة الناس في طريق واعترض بما صح عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قبل أمة خرجت له من السبي كان عتقها إبريق فضة بحضرة الناس ويرد بأنه مجتهد فلا يعترض بفعله على غيره وليس الكلام في الحرمة حتى يستدل بسكوت الباقين عليها بل في سقوط المروءة وسكوتهم لا دخل له فيه على أنه يحتمل أنه إنما فعله ليبين حل التمتع بالمسبية قبل الاستبراء فهي واقعة حال فعلية محتملة فلا دليل فيها أصلا فالأوجه ما فصله الأذرعي "ولبس فقيه قباء وقلنسوة" وهي ما يلبس على الرأس وحده وتاجر ثوب نحو جمال وهذا ثوب نحو قاض ونحو ذلك من كل ما يفعل "حيث" أي: بمحل "لا يعتاد" مثله فيه "وإكباب على لعب الشطرنج" أو فعله بنحو طريق وإن قل كما مر وينبغي أن حضوره فيه هذا التفصيل "أو" على "غناء أو" على "سماعه" أي: استماعه أو اتخاذ امرأة أو أمرد ليغني للناس ولو من غير إكباب "وإدامة رقص" أي: ممن يليق به، أما غيره فيسقطها منه مرة كما هو ظاهر من قوله والأمر إلى آخره ومد الرجل بحضرة من يحتشمه بلا عذر "يسقطها" لمنافاة ذلك كله لها، وبحث الرافعي أن اتخاذ الغناء المباح حرفة لا يسقطها إذا لاق به رده الزركشي بأن الشافعي نص على رد شهادته وجرى عليه الأصحاب؛ لأنها حرفة دنيئة ويعد فاعلها في العرف ممن لا حياء له وبما قررت به كلامه علم أن الواو في عبارته بمعنى أو.
تنبيه: اختلفوا في تعاطي خارم المروءة على أوجه: ثالثها إن تعلقت به شهادة حرم وإلا فلا وهو الأوجه؛ لأنه يحرم عليه التسبب في إسقاط ما تحمله وصار أمانة عنده لغيره.
"والأمر فيه" أي: جميع ما ذكر "يختلف بالأشخاص والأحوال والأماكن"؛ لأن المدار على العرف كما مر فقد يستقبح من شخص وفي حال أو مكان ما لا يستقبح من غيره أو فيه ونازع الزركشي في التعميم المذكور بأنه لا يطهر في نحو القبلة وإكثار الضحك والشطرنج أي: فهذه تسلبها مطلقا وهو ظاهر.
تنبيه: يؤخذ من قولهم؛ لأن المدار إلى آخره أن من دخل بلدا فتزيا بزي أهلها لا تنخرم مروءته به ومحله إن سلم ما إذا تزيا بزي أهل حرفته ولم يعد أهل ذلك المحل أن تزييه بزي غير بلده مزر به مطلقا.

 

ج / 4 ص -410-        "وحرفة دنيئة" بالهمز "كحجامة وكنس ودبغ" وحياكة وحراسة وقيامة حمام وجزارة "ممن لا تليق" هذه "به تسقطها" لإشعارها بقلة مبالاته "فإن اعتادها" أي: لاقت به "وكانت" مباحة سواء أكانت "حرفة أبيه" أم لم تكن كما رجحه في الروضة فذكره هنا؛ لأن الغالب في الولد أن يكون على حرفة أبيه "فلا" تسقطها "في الأصح"؛ لأنه لا يعتبر بذلك، أما ذو حرفة محرمة كمنجم ومصور فلا تقبل شهادتهم مطلقا قال الزركشي: ومما عمت به البلوى التكسب بالشهادة مع أن شركة الأبدان باطلة فيقدح في العدالة لا سيما إذا منعنا أخذ الأجرة على التحمل أو كان يأخذ ولا يكتب فإن نفوس شركائه لا تطيب بذلك قال بعض المتأخرين: وأسلم طريق فيه أن يشتري ورق شركة ويكتب ويقسم على قدر ما لكل من ثمن الورق فإن الشركة لا يشترط فيها التساوي في العمل. ا هـ، "والتهمة" بضم ففتح في الشخص التي مر أنها تمنع الشهادة كما في الخبر الصحيح "أن يجر" بشهادته "إليه" أو إلى من لا تقبل شهادته له "نفعا أو يدفع عنه" أو عمن ذكر بها "ضرا" ويضر حدوثها قبل الحكم لا بعده فلو شهد لأخيه بمال فمات وورثه قبل استيفائه فإن كان بعد الحكم أخذه وإلا فلا وكذا لو شهد بقتل فلان لأخيه الذي له ابن، ثم مات وورثه فإن صار وارثه بعد الحكم لم ينقض أو قبله لم يحكم له "فترد شهادته لعبده" المأذون له في التجارة وغيره خلافا لما يوهمه تقييد أصله بالأول؛ لأن ما يشهد به هو له وقضيته قبوله له بأن شخصا قذفه كما بحثه البلقيني "ومكاتبه"؛ لأنه ملكه وقد يعجز أو يعجزه فيعود له ماله وشريكه بالمشترك لكن إن قال لنا أو بيننا بخلاف ما إذا قال لزيد ولي فيصح لزيد لا له وشرطه تقدم الصحيح كما مر في تفريق الصفقة وأن لا يعود له شيء مما يثبت لزيد كوارثين لم يقبضا فإن ما ثبت لأحدهما يشاركه فيه الآخر ولو اقتسموا أرضا وانفرد كل بحد فتنازع اثنان في حد بينهما لم تقبل شهادة الآخرين على ما أفتى به بعضهم للشركة المتقدمة ودفع ضرر فسخ القسمة لو وقع ويؤخذ منه أن كل من باع عينا لا تقبل شهادته فيها بما يدفع عنه ضرر فسخ البيع فيها لو وقع، "وغريم له ميت" وإن لم تستغرق تركته الديون أو مرتد كما بحثه أبو زرعة "أو عليه حجر فلس"؛ لأنه إذا أثبت له شيئا أثبت لنفسه المطالبة به حتى في المرتد؛ لأن ديونه تقضى من ماله على جميع الأقوال بخلاف غريمه الحي ولو معسرا لم يحجر عليه لتعلق الحق بذمته "و" برضاع بين موليته وخاطبها الذي عضل عنه أو "بما" مراده فيما الذي بأصله "هو وكيل" أو وصي أو قيم "فيه" سواء أشهد به نفسه لموكله أم بشيء يتعلق به كوقوع عقد فيه وغيره؛ لأنه يثبت لنفسه سلطنة التصرف في المشهود به وكذا وديع لمودعه ومرتهن لراهنه لتهمة بقاء يدهما ولو عزل نحو وكيل نفسه قبل الخوض في شيء من المخاصمة قبل أو بعدها فلا وإن طال الفصل وظاهر إطلاقهم أنه لا يعتبر فيها رفع للقاضي ولا كونها مما تقتضي العداوة المسقطة للشهادة وفيه نظر، أما ما ليس وكيلا أو وصيا أو قيما فيه فيقبل ومن حيل شهادة الوكيل ما لو باع فأنكر المشتري الثمن أو اشترى فادعى أجنبي بالمبيع فله أن يشهد لموكله بأن له عليه كذا وبأن هذا ملكه إن جاز له أن يشهد به للبائع ولا يذكر أنه وكيل وصوب الأذرعي حله باطنا؛ لأن فيه توصلا للحق بطريق مباح، ثم توقف فيه

 

ج / 4 ص -411-        لحمله الحاكم على الحكم بما لو عرف حقيقته لم يحكم به ويجاب بأنه لا أثر لذلك؛ لأن القصد وصول المستحق لحقه ويأتي قريبا عن ابن عبد السلام ما يؤيده بل صرح غير واحد بأنه يجب على وكيل طلاق أنكره موكله أن يشهد حسبة أن زوجة هذا مطلقة. ويؤيد الجواز قول أبي زرعة بنظيره فيمن له دين عجز عن إثباته فاقترض من آخر قدره وأحاله به وشهد له ليحلف معه إن صدقه في أن له عليه ذلك الدين ونظير ذلك شهادة حاكم معزول بحكمه بصيغة أشهد أن حاكما جائز الحكم حكم به كما مر، "وببراءة من ضمنه" الشاهد أو نحو أصله أو فرعه أو عبده؛ لأنه يدفع بها الغرم عن نفسه أو عمن لا تقبل شهادته له واحتمال العبارة شهادة الأصيل ببراءة من ضمنه مع كونها مقبولة إذ لا تهمة فيها غير مراد كما يدل عليه السياق نعم قول أصله والضامن للأصيل بالإبراء أو الأداء أصرح "وجراحة مورثه" غير بعضه قبل اندمالها؛ لأنها تفضي للموت الذي هو السبب في انتقاله من المورث إليه وبه فارق قبولها في قوله "ولو شهد لمورث له مريض أو جريح بمال قبل الاندمال قبلت في الأصح" لعدم التهمة كما تقرر؛ لأن الشهادة لا تجر إليه نفعا وكونه إذا ثبت لمورثه ينتقل إليه بعد بسبب آخر لا يؤثر نعم لو مات مورثه قبل الحكم امتنع؛ لأنه الآن شاهد لنفسه كما مر وفي الأنوار لو شهد على مورثه بما يوجب قتله لم يقبل وهو غلط مبني على توهم أن الشاهد هنا يرث وليس كذلك كما مر في الفرائض على أنا وإن قلنا يرث لا يصح ذلك أي: لما عللوا به القبول في مسألة المتن هذه وعدمه فيما قبلها فتأمله. "وترد شهادة عاقلة بفسق شهود قتل" يحملونه كما ذكره في دعوى الدم والقسامة وأعاده هنا كالذي قبله معولا في حذف قيده المذكور على ذكره، ثم للتمثيل به للتهمة فلا تكرار "و" ترد شهادة "غرماء مفلس" حجر عليه "بفسق شهود دين آخر" ظهر عليه؛ لأنهم يدفعون مزاحمته لهم وأخذ منه البلقيني قبول شهادة غريم له رهن يفي بدينه ولا مال للمفلس غيره، أو له مال ويقطع بأن الرهن يوفي الدين المرهون به فتقبل لفقده دفع ضرر المزاحمة وفيه نظر؛ لأن فيها مع ذلك دفعة بتقدير خروج الرهن مستحقا وتبين مال له في الأولى وتقبل شهادة مدين بموت دائنه وإن تضمنت نقل ما عليه لوارثه؛ لأنه خليفته لا بعد موته عن أخ بأن له ابنا مجهولا لنقله ما استحقه الأخ عليه ظاهرا وأخذ منه أن من أثبت وصية له بما تحت يد الوصي فشهد بأنه وصية لآخر لم تقبل؛ لأنه ينقله عمن ثبت له مطالبته به وتقبل من فقير بوصية أو وقف لفقراء، ومحله إن لم يصرح بحصرهم وللوصي إعطاؤه قاله البغوي وخالف ابن أبي الدم حيث انحصروا وإن لم يصرح بحصرهم وهو أوجه لتهمة استحقاقه، "ولو شهد الاثنين بوصية" مثلا "فشهدا" أي: الاثنان المشهود لهما "للشاهدين بوصية من تلك التركة" ولو في عين واحدة ادعى كل نصفها "قبلت الشهادتان في الأصح" لانفصال كل شهادة عن الأخرى مع أصل عدم المواطأة المانع منها عدالتهما وأخذ منه أنه لو كانت عين بيد اثنين فادعاها ثالث فشهد كل للآخر أنه اشترى من المدعي قبل إذ لا يد لكل على ما ادعى به على غيره حتى يدفع بشهادته الضمان عن نفسه بخلاف من ادعى عليه بشيء فشهد به لآخر وكذلك تجوز شهادة بعض القافلة لبعض على القطاع بشرط أن لا يقول أخذ مالنا أو نحوه ويظهر أن

 

ج / 4 ص -412-        مثله أخذ ماله ومالي للتهمة هنا أيضا ويحتمل هنا تفريق الصفقة لانفصال كل عن الأخرى فتقبل لغيره لا له، وعلى الأول يفرق بينه وبين ما مر في الشريك بأنه هنا ذكر موجب العداوة ولو منفصلا بخلافه ثم ولذلك لو كان هناك ذكر موجب عداوة كان كما هنا وشهادة غاصب بعد الرد والتوبة بما غصبه لأجنبي كما في الجواهر وأفهم قوله بعد الرد أنه لا بد من رد العين وبدل منافعها إذ لا توجد التوبة إلا بذلك لمن قدر عليه، وخرج بذلك ما إذا بقي للمغصوب منه شيء عليه؛ لاتهامه بدفع الضمان له عنه كما تقرر ولو اشترى فاسدا شيئا وقبضه لم تقبل منه لغير بائعه إلا إن رده ولم يبق عليه للبائع شيء أو صحيحا، ثم فسخ فادعى آخر ملكه زمن وضع المشتري يده عليه لم يقبل منه به لبائعه لدفعه الضمان عن نفسه وإبقائه الغلة لها، "ولا تقبل" الشهادة "لأصل" للشاهد وإن علا "ولا فرع" له وإن سفل ولو بالرشد أو بالتزكية له خلافا لما نقله ابن الصلاح أو لشاهده؛ لأنه بعضه فكأنه شهد لنفسه والتزكية وإن كانت حقا لله تعالى ففيها إثبات ولاية للفرع وفيها تهمة وقن أحدهما ومكاتبه مثله وقضية إطلاق المتن كالأصحاب أنها لا تقبل لبعض له على بعض له آخر وبه جزم الغزالي لكن جزم ابن عبد السلام وغيره بالقبول؛ لأن الوازع الطبيعي قد يعارض فضعفت التهمة وقد يجاب على الأول بمنع ذلك إذ كثيرا ما يتفاوتون في المحبة، والميل فالتهمة موجودة، وقد تقبل شهادة البعض ضمنا كأن ادعى على بكر شراء شيء من عمرو والمشتري له من زيد صاحب اليد وطالبه بالتسليم فتقبل شهادة ابني زيد أو عمرو له بذلك؛ لأنهما أجنبيان عنه وإن تضمنت الشهادة لأبيهما بالملك وكأن شهد على ابنه بإقراره بنسب مجهول فتقبل مع تضمنها الشهادة لحفيده ولو ادعى الإمام بشيء لبيت المال قبلت شهادة بعضه به؛ لأن الملك ليس للإمام ومثله ناظر وقف، أو وصي ادعى بشيء لجهة الوقف أو للمولى فشهد به بعض المدعي لانتفاء التهمة بخلافها بنفس النظر أو الوصاية ولو شهد لبعضه أو على عدوه أو الفاسق بما يعلمه الحق، والحاكم يجهل ذلك قال ابن عبد السلام: المختار جوازه؛ لأنهم لم يحملوا الحاكم على باطل بل على إيصال الحق لمستحقه فلم يأثم الحاكم لظنه، ولا الخصم لأخذ حقه ولا الشاهد لإعانته قال الأذرعي: بل ظاهر عبارة من جوز ذلك الوجوب "وتقبل" منه "عليهما" إذ لا تهمة ومحله حيث لا عداوة وإلا فوجهان والذي يتجه منهما عدم القبول أخذا مما مر أن الأب لا يلي بنته إذا كان بينهما عداوة ظاهرة، ثم رأيت صاحب الأنوار جزم به "وكذا" تقبل شهادتهما "على أبيهما بطلاق ضرة أمهما" طلاقا بائنا وأمهما تحته "أو قذفها" أي: الضرة المؤدي للعان المؤدي لفراقها "في الأظهر" لضعف تهمة نفع أمهما بذلك إذ له طلاق أمهما متى شاء مع كون ذلك حسبة تلزمهما الشهادة به، أما رجعي فتقبل قطعا هذا كله في شهادة حسبة أو بعد دعوى الضرة فإن ادعاه الأب لعدم نفقة لم تقبل شهادتهما له للتهمة وكذا لو ادعته أمهما ومما تقرر ويأتي من أن التهمة الضعيفة وغير المقصودة لا تؤثر أخذ بعضهم أنه يجوز إثبات الوكالة بشهادة بعض الموكل قال بعضهم أو الوكيل كما أفتى به ابن الصلاح. ا هـ. ومحله في وكيل بغير جعل على أن قضية ما مر من عدم قبول شهادته لبعضه بوصاية لما فيه من إثبات سلطنته ضعفه؛ لأن

 

ج / 4 ص -413-        الوكالة فيها ذلك ولعله أراد بما نقله عن ابن الصلاح قوله لو ادعى الفرع على آخر بدين لموكله فأنكر فشهد به أبو الوكيل قبل وإن كان فيه تصديق ابنه كما تقبل شهادة الأب وابنه في واقعة واحدة. ا هـ. وما قاله في هذه متجه؛ لأن التهمة ضعيفة جدا "وإذا شهد لفرع" أو لأصل له "وأجنبي قبلت للأجنبي في الأظهر" تفريقا للصفقة ومحله كما علم مما مر فيه إن قدم الأجنبي وإلا بطلت فيه أيضا، "قلت وتقبل لكل من الزوجين" من الآخر؛ لأن النكاح يطرأ ويزول فهما كأجير ومستأجر نعم رجح البلقيني أنه لا تقبل شهادته لها بأن فلانا قذفها أي: لأنه تعيير له في الحقيقة ويتجه تقييده بزمن نكاحه وتقبل لكل على الآخر قطعا إلا شهادته بزناها؛ لأنه يشهد بجناية على محل حقه فأشبه الجناية على عبده ولأنها لطخت فراشه وذلك أبلغ في العداوة من نحو الضرب "ولأخ وصديق والله أعلم" لضعف التهمة نعم لا تقبل على بقية الورثة؛ لأن فلانا أخوه؛ لأنها شهادة لنفسه بنسب المشهود له ابتداء لا ضمنا كذا قاله البلقيني زاعما أن ما في الروضة من التصريح بخلافه مردود وليس كما زعم؛ لأن ذلك ضمني والقصد منه إدخال الضرر على نفسه بمشاركته له والضمني في ذلك لا يؤثر نظير ما مر في شهادة البعض به وبه فارق منع قبول شهادتهما لأمهما بالزوجية؛ لأنها شهادة للأصل ابتداء وكأن أبا زرعة أخذ من اغتفار الضمني إفتاءه في تعارض بينتي داخل وخارج انضم إلى هذه بينة أخرى بأن أحد شاهدي الداخل كان باعه له بأن ذلك لا تبطل به شهادته أي؛ لأن القصد من شهادته للداخل إثبات ملكه ابتداء وتضمنها إثبات ملك له قبل لا أثر له ويتعين حمله على صورة لو ثبتت للخارج لا يرجع الداخل بثمنه على البائع الذي هو أحد الشاهدين له بالملك وإلا فهو متهم بدفعه الضمان عن نفسه لو ثبتت للخارج، "ولا تقبل من عدو" على عدوه عداوة دنيوية ظاهرة للخبر الصحيح فيه ولأنه قد ينتقم منه بشهادة باطلة عليه ومن ذلك أن يشهدا على ميت بعين فيقيم الوارث بينة بأنهما عدوان له فلا يقبلان عليه على الأوجه من وجهين في البحر؛ لأنه الخصم في الحقيقة إذ التركة ملكه وبه يرد بحث التاج الفزاري أن ذلك غير قادح وإن أفتى شيخنا بما يوافقه محتجا بأن المشهود عليه بالحقيقة الميت. ا هـ. وليس كما قال على أنه لو قيل لا يقبل عدوا الميت ولا عدوا الوارث عملا بكل من التعليلين المذكورين لكان أظهر وليس هذا إحداث وجه ثالث؛ لأنه لم يخرج عما يقول به كل من الوجهين.
تنبيه: وظاهر كلامهم قبولها من ولد العدو ويوجه بأنه لا يلزم من عداوة الأب عداوة الابن وزعم أنه أبلغ في العداوة من أبيه وأنه ينبغي أن لا تقبل ولو بعد موت أبيه وإن كان الأصح على ما قيل عند المالكية قبوله بعد موته لا في حياته ليس في محله؛ لأن الكلام في ولد عدو لم يعلم وحينئذ يبطل زعم أنه أبلغ في العداوة من أبيه بإطلاقه، أما معلوم الحال من عداوة أو عدمها فحكمه واضح.
"وهو من يبغضه بحيث يتمنى زوال نعمته ويحزن بسروره ويفرح بمصيبته" لشهادة العرف بذلك واعترضه البلقيني بأن البغض دون العداوة؛ لأنه بالقلب وهي بالفعل فكيف يفسر الأغلظ بالأخف ويرد بأنه لم يفسرها بالبغض فقط بل به بقيد ما بعده وهذا مساو

 

ج / 4 ص -414-        لعداوة الظاهر بل أشد منه والأذرعي بأنها إذا انتهت إلى ذلك فسق بها؛ لأنه حينئذ حاسد، والحسد فسق والفاسق مردود الشهادة حتى على صديقه وقد صرح الرافعي بأن المراد العداوة الخالية عن الفسق وقد يجاب بأن بعضهم فرق بأن العداوة أن يتمنى مطلق زوالها، والحسد أن يتمنى زوالها إليه أو أن المراد أن يصل فيها لتلك الحيثية بالقوة لا بالفعل فحينئذ هو لم توجد منه حقيقة الحسد المفسقة بل حقيقة العداوة الغير المفسقة فصح كونه عدوا غير حاسد، وحصر البلقيني العداوة في الفعل ممنوع وإنما الفعل قد يكون دليلا عليها على أن جمعا نقلوا عن الأصحاب أن المراد بها المفسقة فحينئذ لا إشكال قالا وقد تمنع العداوة من الجانبين ومن أحدهما فلو عادى من يريد أن يشهد عليه وبالغ في خصومته فلم يجبه قبلت شهادته عليه.
تنبيه: حاصل كلام الروضة وأصلها أن من قذف آخر لا تقبل شهادة كل منهما على الآخر وإن لم يطلب المقذوف حده وكذا من ادعى على آخر أنه قطع عليه الطريق وأخذ ماله فلا تقبل شهادة أحدهما على الآخر. ا هـ. ويوجه بأن رد القاذف والمدعي ظاهر؛ لأنه نسبه فيهما إلى الفسق وهذه النسبة تقتضي العداوة عرفا وإن صدق، ورد المقذوف والمدعى عليه كذلك؛ لأن نسبته الزنا أو القطع تورث عنده عداوة له تقتضي أنه ينتقم منه بشهادة باطلة عليه وحينئذ يؤخذ من ذلك أن كل من نسب آخر إلى فسق اقتضى وقوع عداوة بينهما فلا يقبل من أحدهما على الآخر نعم يتردد النظر فيمن اغتاب آخر بمفسق تجوز له الغيبة به وإن أثبت السبب المجوز لذلك وقضية ما تقرر في الدعوى بالقطع من أنه لا تقبل شهادة أحدهما على الآخر وإن أثبت المدعي دعواه أنه كما هنا وعليه فيفرق بأن المعنى المجوز للغيبة وهو أن المغتاب هتك عرضه بظلمه للمغتاب فجوز له الشارع الانتقام منه بالغيبة غير المعنى المقتضي للرد وهو أن ذلك الأمر يحمل على الانتقام بشهادة باطلة وذلك جائز وقوعه من كل منهما فلم تقبل شهادة أحدهما على الآخر.
"وتقبل له" حيث لم تصل إلى حسد مفسق لانتفاء التهمة "وكذا" تقبل "عليه في عداوة دين ككافر" شهد عليه مسلم "ومبتدع شهد عليه سني"؛ لأنها لما كانت لأجل الدين انتفت التهمة عنها ومن أبغض فاسقا لفسقه أو قدح فيه بما هو واجب عليه كفلان لا يحسن الفتوى قبلت شهادته عليه، "وتقبل شهادة" كل "مبتدع" هو من خالف في العقائد ما عليه أهل السنة مما كان عليه أهل السنة مما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومن بعدهم والمراد بهم في الأزمنة المتأخرة إماماها أبو الحسن الأشعري وأبو منصور الماتريدي وأتباعهما وقد يطلق على كل مبتدع أمر لم يشهد الشرع بحسنه وليس مرادا هنا "لا نكفره" ببدعته وإن سب الصحابة رضوان الله عليهم كما في الروضة وإن ادعى السبكي والأذرعي أنه غلط أو استحل أموالنا ودماءنا؛ لأنه على حق في زعمه نعم لا تقبل شهادة داعية لبدعته كروايته إلا الخطابية لموافقيهم من غير بيان السبب لاعتقادهم أنه لا يكذب؛ لأن الكذب كفر عندهم وأبو الخطاب الأسدي الكوفي المنسوبون إليه كان يقول بألوهية جعفر الصادق، ثم ادعاها لنفسه ولا ينافي ما تقرر في الاستحلال ما مر من أنه مانع في البغاة لإمكان حمل ذاك على

 

ج / 4 ص -415-        أن منع تنفيذه لخصوص بغيهم احتقارا وردعا لهم عن بغيهم، وأما من نكفره ببدعته كمن يسب عائشة بالزنا وأباها رضي الله عنهما بإنكار صحبته أو ينكر حدوث العالم أو حشر الأجساد أو علم الله تعالى بالمعدوم أو بالجزئيات فلا تقبل شهادته لإهداره، "لا مغفل لا يضبط" أصلا أو غالبا أو على السواء لعدم الثقة بقوله ككثير الغلط والنسيان بخلاف من لا يضبط نادرا؛ لأن أحدا لا يسلم من ذلك ومن بين السبب كالإقرار وزمن التحمل ومكانه بحيث زالت التهمة بذلك قال الإمام: ويجب استفصال شاهد رابه فيه أمر كأكثر العوام ولو عدولا فإن لم يفصل لزمه البحث عن حاله والمعتمد ندب ذلك أي: في مشهوري الديانة والضبط وإلا وجب كما يعلم مما يأتي في المتنقبة "ولا مبادر" بشهادته قبل الدعوى أو بعدها وقبل أن يستشهده المدعي في غير شهادة الحسبة لتهمته حينئذ ومن ثم صح أنه صلى الله عليه وسلم ذمه نعم لو أعادها في المجلس بعد الاستشهاد قبلت وما صح أنه خبر الشهود محمول على ما تسمع فيه شهادة الحسبة كمن شهد ليتيم أو مجنون أو بزكاة أو كفارة أو على من عنده شهادة لمن لا يعلمها فيسن له إعلامه ليستشهد به، ولو قيل بوجوبه إن انحصر الأمر فيه لم يبعد.
تنبيه: قضية إطلاقه رد المبادر أنه لا فرق بين ما يحتاج فيه لجواب الدعوى وما لا فلو طلب من القاضي بيع مال من لا يعبر عن نفسه كمحجور وغائب وأخرس لا إشارة له مفهمة في حاجتهم ولهم بينة بها فالأوجه أنه ينصب من يدعي لهم ذلك ويسأل البينة الأداء ولا يجوز لهم الأداء قبل الطلب وكذا مدعي الوكالة لا بد أن يقول أنا وكيل فلان ولي بينة ويسأله الأداء وإن لم يحتج لحضور الخصم ويأتي قريبا زيادة لذلك.
فرع: لا يقدح فيه جهله بفروض نحو صلاة ووضوء يؤديهما كما مر أول الباب ولا توقفه في المشهود به إن عاد وجزم به فيعيد الشهادة ولا قوله لا شهادة لي في هذا إن قال نسيت أو أمكن حدوث المشهود به بعد قوله وقد اشتهرت ديانته وينبغي قبول دعوى من هذه صفته النسيان حيث احتمل في غير ذلك كأن شهد بعقد بيع وقال لا أعلم كونه للبائع، ثم قال نسيت بل هو له وحيث أدى الشاهد أداء صحيحا لم ينظر لريبة يجدها الحاكم كما بأصله ويندب له استفساره وتفرقة الشهود ولا يلزم الشاهد إجابته عما سأله عنه نعم إن كان به نوع غفلة توقف القاضي وبحث بعضهم أن الأولى استفسار شاهد لم يعلم تثبته لقول الرافعي كالإمام غالب شهادة العامة يشوبها جهل يحوج للاستفسار، والوجه ما أشرت إليه آنفا أنه إن اشتهر ضبطه وديانته لم يلزمه استفساره وإلا لزمه.
"وتقبل شهادة الحسبة" من احتسب بكذا أجرا عند الله اعتده ينوي به وجه الله قبل الاستشهاد ولو بلا دعوى بل لا تسمع في الحدود أي: إلا إن تعلق بها حق آدمي كسرقة قبل رد مالها. قال جمع: ولا في غيرها لعدم الاحتياج إليها وعليه فهل الحكم المترتب عليها باطل؛ لأن المترتب على الباطل باطل أو لا؛ لأن بطلانها أوجب أنها كما لو لم تذكر فكأنه حكم بغير دعوى وهو صحيح كل محتمل والأوجه الثاني وقال البلقيني وغيره

 

ج / 4 ص -416-        تسمع وهو المعتمد؛ لأنه قد يقر فيحصل المقصود بوجه أقوى وكفى بهذا حاجة وقد تناقض في ذلك كلامهما في مواضع "في حقوق الله تعالى" كصلاة، وزكاة، وكفارة، وصوم وحج عن ميت بأن يشهد بتركها وحق لنحو مسجد "وفيما له فيه حق مؤكد" وهو ما لا يتأثر برضا الآدمي بأن يقول حيث لا دعوى أنا أشهد أو عندي شهادة على فلان بكذا وهو ينكر فأحضره لأشهد عليه وإنما تسمع عند الحاجة إليها حالا كأخيها رضاعا وهو يريد أن ينكحها أو أعتقه وهو يريد أن يسترقه، ولا عبرة بقولهما نشهد لئلا يتناكحا بعد ونوزع في اشتراط الحاجة بقول ابن الصلاح تقبل بإعتاق نحو ميت قنه وإن لم يطلبها فيحكم بها وإن لم يحلف إذا لاحظ الحسبة، ويرد بحمل هذا وأمثاله كالمسألة التي نقلها الرافعي عن القفال فيمن باع دارا فقامت بينة حسبة أن أباه وقفها على ما إذا قال والوارث يريد أن يسترقه أو نحو ذلك كقوله وهو منكر ذلك؛ لأنه مع تقدم البيع منه مستلزم لذكر حاجة هي وهو يمنعها من الموقوف عليهم على أن قضية كلام المنازع أنه إنما يرد اشتراط ذكر نحو الاسترقاق بالفعل وهذا أعني عدم اشتراط ذكره بالفعل ظاهر لا كلام فيه وإنما هو في ذكر وهو يريد كذا وهذا لا بد منه. "كطلاق" رجعي أو بائن ولو خلعا لكن بالنسبة له دون المال "وعتق" بأن يشهد به أو بالتعليق مع وجود الصفة أو بالتدبير مع الموت أو بما يستلزمه كالإيلاد بخلافه بمجرد التدبير أو التعليق بصفة أو الكتابة على أحد وجهين رجحه شارح ورجح غيره سماعها وهو الأوجه ويؤيده ما يأتي قريبا عن البغوي والجامع أن المقصود بالشهادة مترقب في كل منهما فإن قلت يؤيد الأول قولهم السابق عند الحاجة إليها حالا قلت ينبغي استثناء نحو هاتين الصورتين كزنى بفلانة، ويذكر شروطه مما لا يمكن فيه ذكر ذلك لضرورة ثبوت الأصل ليترتب عليه ما هو حق لله تعالى بعد فإن قلت هذا بعينه جار في نحو أخيها رضاعا مع عدم قبولها فيه قلت يفرق بين هذا وأمثاله، والزنا وأمثاله بأن اقتصار الشاهد على أخيها رضاعا غير مفيد فائدة يترتب عليها حاجة ناجزة فاحتيج إلى ضم ما يجعله مفيدا نحو وهو يريد نكاحها، ونحو دبره وهو منكر متضمن لذكر وهو يريد أو وارثه بقاءه من جملة تركته ولا تسمع في شراء القريب؛ لأنها شهادة بالملك، والعتق يترتب عليه وفارق ما مر في الخلع بأن الفرقة ثم هي المقصودة والمال تبع والملك هنا هو المقصود والعتق تبع ولو ادعى قنان أن سيدها أعتق أحدهما وقامت به بينة سمعت وإن كانت الدعوى فاسدة لاستغناء بينة الحسبة عن تقدم دعوى. قال بعضهم: ولعل هذا إذا حضر السيد أو غاب غيبة شرعية وإلا فلا بد من حضوره. ا هـ. ويؤخذ من ذلك ترجيح ما قدمته من أن كل ما قبلت فيه شهادة الحسبة ينفذ الحكم فيه بها وإن ترتب على دعوى فاسدة "وعفو عن قصاص"؛ لأنها شهادة بإحياء نفس وهو حق لله تعالى "وبقاء عدة وانقضائها" لما يترتب على الأول من صيانة الفرج عن استباحته بغير حق ولما في الثاني من الصيانة، والتعفف بالنكاح ومثل ذلك تحريم الرضاع والمصاهرة "وحد له" تعالى كحد زنا وقطع طريق وسرقة ومثله إحصان وسفه وجرح بعد الشهادة وتعديل بعد طلب القاضي له ولو في غيبة معدل أو مجروح عرف اسمه ونسبه كما مر فيحجر عليه في الأولى إن كان في عمله

 

ج / 4 ص -417-        وبلوغ وإسلام وكفر ووصية أو وقف لنحو جهة عامة ولو في آخره كعلى ولده، ثم ولد ولده، ثم الفقراء كما أفتى به البغوي وأفتى القاضي بسماع دعوى أجنبي على وصي خان فيحلفه الحاكم إن اتهمه واستحسنه الأذرعي وغيره قالا وإذا كان له تحليفه فله إقامة البينة بل أولى "وكذا النسب على الصحيح"؛ لأن الشرع أكده ومنع قطعه فضاهى الطلاق والعتق وخرج بما مر حق الآدمي المحض كقود وحد قذف وبيع وإقرار.
تنبيه: قد تسمع الشهادة بلا دعوى صحيحة في مسائل أخر كتصرف حاكم في مال تحت ولايته واحتاج لمعرفة نحو قيمته أو ملكه أو يده فله سماع البينة بذلك من غير دعوى اكتفاء بطلبه كما في تعديل الشاهد أو جرحه وكذا في نحو مال محجور شهدا أن وصيه خانه ومال غائب شهدا بفواته إن لم يقبضه الحاكم ونظير ذلك قضاؤه لنحو صبي في عمله بعد الثبوت عنده من غير طلب أحد لحكمه، ومنازعة الغزي في بعض ذلك مردودة وقد يتوقف الشيء على الدعوى لكن لا يحتاج لجواب خصم ولا لحضوره كدعوى توكيل شخص له ولو حاضرا بالبلد فيكفي لإثبات الوكالة تصديق الخصم له وإقامة البينة في غيبته من غير حلف، ولا يلزم الخصم في الأولى التسليم له؛ لأنه لو أنكر التسليم قبل وكدعوى قيم محجور احتاج لبيع عقاره فيثبتها ببينة في غيبته وكالدعوى على ممتنع ومن لا يعبر عن نفسه كمحجور وغائب وميت لا وارث له خاص وإلا لم تسمع إلا في وجه وارث له إن حضروا أو بعضهم واستحقاق وقف بيد الحاكم فإذا أقام بينة بدعواه كفى، ويشترط في سماع الدعوى على من لا يعبر عن نفسه أن يقول ولي بينة تشهد بذلك، أو وأنت تعلمه وكالدعوى بأن فلانا حكم لي بكذا فنفذه لي فلا يحتاج لدعوى في وجه الخصم كما عليه جمع متقدمون، وأكثر المتأخرين وعليه العمل، وقال آخرون: لا بد من حضوره إن كان في حد القرب وعلى الأول لا يحتاج ليمين الاستظهار على الأوجه ومر في الحوالة أن للمحال عليه إقامة بينة ببراءته قبل الحوالة لدفع مطالبة المحتال له وإن كان المحيل بالبلد.
"ومتى حكم بشاهدين فبانا كافرين، أو عبدين أو صبيين" أو بان أحدهما كذلك عند الأداء، أو الحكم والحاكم لا يرى قبولهما "نقضه هو وغيره" كما لو حكم باجتهاد فبان خلاف النص ومعنى النقض هنا إظهار بطلانه وأنه لم يصادف محلا "وكذا فاسقان في الأظهر" لما ذكر ولا أثر لشهادة عدلين بالفسق من غير تاريخ لاحتمال حدوثه بعد الحكم ومر في النكاح أنه لو بان فسق الشاهد عند العقد فباطل على المذهب وهو غير ما هنا إذ المؤثر ثم تبين ذلك عند التحمل فقط وهنا عند الأداء أو قبله بدون مضي مدة الاستبراء أو عند الحكم فلا تكرار ولا تخالف في حكاية الخلاف خلافا لمن زعمه، "ولو شهد كافر" معلن بكفره "أو عبد أو صبي" فردت شهادته "ثم أعادها بعد كماله قبلت" إذ لا تهمة لظهور مانعه "أو" شهد "فاسق" ولو معلنا أو كافر يخفي كفره وتنظير ابن الرفعة فيه رده البلقيني أو عدو أو غير ذي مروءة فرد، ثم "تاب"، ثم أعادها "فلا" تقبل شهادته؛ لأن رده أظهر نحو فسقه الذي كان يخفيه، أو زاد في تعييره بما أعلن به فهو متهم بسعيه في دفع عار ذلك الرد ومن ثم لو لم يضع القاضي لشهادته قبلت بعد التوبة وبحث إسماعيل الحضرمي

 

ج / 4 ص -418-        أنه لو شهد بما لا يطابق الدعوى، ثم أعادها بمطابقها قبل، ويتعين تقييده بمشهور بالديانة اعتيد بنحو سبق لسان أو نسيان "وتقبل شهادته بغيرها" أي: في غير تلك الشهادة التي رد فيها إذ لا تهمة ومثله تائب من الكذب في الرواية كما اختاره في شرح مسلم. "بشرط اختباره بعد التوبة مدة يظن بها" أي: بسبب مضيها خاليا عن مفسق فيها "صدق توبته"؛ لأنها قلبية وهو متهم بظهارها لترويج شهادته وعود ولايته فاعتبر ذلك لتقوى دعواه "وقدرها الأكثرون بسنة"؛ لأن للفصول الأربعة تأثيرا بينا في تهييج النفوس لشهواتها فإذا مضت وهو على حاله أشعر ذلك بحسن سريرته وقد اعتبرها الشارع في نحو العنة، ومدة التغريب في الزنا والأصح أنها تقريب لا تحديد وقد لا يحتاج لها كشاهد بزنا حد لنقص النصاب فتقبل عقب ذلك وكمخفي فسق أقر به ليستوفى منه فتقبل منه حالا أيضا؛ لأنه لم يظهر التوبة عما كان مستورا إلا عن صلاح وكناظر وقف تاب فتعود ولايته حالا كولي النكاح وكقاذف غير المحصن كما قاله الإمام: واعتمده البلقيني لكن قيده غيره بما إذا لم يكن فيه إيذاء وإلا فلا بد من السنة وكمرتد أسلم اختيارا وكان عدلا قبل الردة؛ لأنه لم يبق بعد إسلامه احتمال ولا بد من السنة في التوبة من خارم المروءة كما ذكره الأصحاب وكذا من العداوة كما رجحه ابن الرفعة وإن خالفه البلقيني، "ويشترط في" صحة "توبة معصية قولية" من حيث حق الآدمي "القول" قياسا على التوبة من الردة بالشهادتين، ووجوبهما وإن كانت الردة فعلا كسجود لصنم لكون القولية هي الأصل أو لتضمن ذلك تكذيب الشرع وقضيته كالمتن اشتراط القول في كل معصية قولية كالغيبة وبه صرح الغزالي فيها ونص الأم بقضيته في الكل وهو ظاهر. وإن قيل ظاهر كلام الأكثرين اختصاصه بالقذف وعليه فرق في المطلب بينه وبين غيره بأن ضرره أشد؛ لأنه يكسب عارا وإن لم يثبت فاحتيط بإظهار نقيض ما حصل منه وهو الاعتراف بالكذب جبرا لقلب المقذوف وصونا لما انتهكه من عرضه واشترط جمع متقدمون أنه لا بد في التوبة من كل معصية من الاستغفار أيضا واعتمده البلقيني وأطال في الاستدلال له لكن بما لا يرد عليه عند التأمل المقتضي لحمل تلك الظواهر على الندم وخرج بالقولية الفعلية فلا يشترط فيها قول؛ لأن الحق فيها متمحض إلى الله تعالى فأدير الأمر فيها على الصدق باطنا بخلاف القذف لما تقرر فيه "فيقول القاذف" وإن كان قذفه بصورة الشهادة لكون العدد لم يتم "قذفي باطل وأنا نادم عليه ولا أعود إليه" أو ما كنت محقا في قذفي وقد تبت منه أو نحو ذلك ولا يلزمه أن يتعرض لكذبه؛ لأنه قد يكون صادقا فإن قلت قد تعرض له بقوله قذفي باطل ولذا قيل الأولى قول أصله كالجمهور القذف باطل. قلت: المحذور إلزامه بالتصريح بكذبه لا بالتعريض به وهذا فيه تعريض لا تصريح ألا ترى أنك تقول لمحاورك هذا باطل ولا يجزع ولو قلت له كذبت لحصل له غاية الجزع والحنق وسره أن البطلان قد يكون لاختلال بعض المقدمات فلا ينافي مطلق الصدق بخلاف الكذب، وبهذا يظهر أنه لا اعتراض على المتن، وأن عبارته مساوية لعبارة أصله والجمهور ثم إن اتصل ذلك بالقاضي بإقرار، أو ببينة اشترط أن يقول ذلك بحضرته وإلا فلا على الأوجه قيل في جواز إعلامه به نظر لما فيه من الإيذاء، وإشاعة

 

ج / 4 ص -419-        الفاحشة نعم لا بد أن يقول بحضرة من ذكره بحضرته أولا وليس كالقذف فيما ذكر كما بحثه البلقيني قوله لغيره يا ملعون أو يا خنزير ونحوه فلا يشترط في التوبة منه قول؛ لأن هذا لا يتصور إيهام أنه محق فيه حتى يبطله بخلاف القذف ونازع في اشتراط وأنا نادم وما بعده، "وكذا شهادة الزور" يشترط في صحة التوبة منها قول نحو ما ذكر كشهادتي باطلة، وأنا نادم عليها ولا أعود إليها، ويكفي كذبت فيما قلت ولا أعود إلى مثله، ونازع البلقيني في إلحاقها بالقذف بأن ثبوت الزور بإقراره أو غيره كعلم القاضي وكأن شهد أنه رآه يزني بحلب يوم كذا وثبت أنه ذلك اليوم كان بمصر كاف في ظهور كذبه، ويرد بأن ذلك كله لا يمنع بقاءه على ما شهد به متأولا بخلافه مع اعترافه بكذبه ولا يثبت الزور بالبينة لاحتمال أنها زور نعم يستفاد بها جرح الشاهد فتندفع شهادته؛ لأنه جرح مبهم فوجب التوقف لأجله. "قلت و" المعصية "غير القولية" لا يشترط فيها قول كما مر وإنما "يشترط" في صحة التوبة منها كالقولية أيضا "إقلاع" منها حالا، وإن كان متلبسا بها، أو مصرا على معاودتها "وندم" من حيث المعصية لا لخوف عقاب لو اطلع عليه أو لغرامة مال أو نحو ذلك وزعم أن هذا لا حاجة له؛ لأن التوبة عبادة وهي من حيث هي شرطها الإخلاص مردود بأن فيه تسليما للاحتياج إليه "وعزم أن لا يعود" إليها ما عاش إن تصور منه وإلا كمجبوب بعد زناه لم يشترط فيه العزم على عدم العود له اتفاقا، ويشترط أيضا أن لا يغرغر وأن لا تطلع الشمس من مغربها. قيل: وأن يتأهل للعبادة فلا تصح توبة سكران في سكره، وإن صح إسلامه. ا هـ. وفرقه بينهما بعيد جدا وإن تخيل له معنى قيل وأن يفارق مكان المعصية، ثم صرح بما يفهمه الإقلاع للاعتناء به فقال: "ورد ظلامة آدمي" يعني الخروج منها بأي وجه قدر عليه مالا كانت أو عرضا نحو قود وحد قذف "إن تعلقت به" سواء تمحضت له أم كان فيها مع ذلك حق مؤكد لله تعالى كزكاة وكذا نحو كفارة وجبت فورا "والله أعلم" للخبر الصحيح: "من كانت لأخيه عنده مظلمة في عرض أو مال فليستحله اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، فإن كان له عمل يؤخذ منه بقدر مظلمته وإلا أخذ من سيئات صاحبه"، فحمل عليه وشمل العمل الصوم وبه صرح حديث مسلم فمن استثناه فقد وهم، ثم تحميله للسيئات يظهر من القواعد أنه لا يعاقب إلا على ما سببه معصية، أما من عليه دين لم يعص به وليس له من العمل ما يفي به فإذا أخذ من سيئات الدائن وحمل عليه لم يعاقب به وعليه ففائدة تحميله له تخفيف ما على الدائن لا غير وبهذا إن صح يظهر أن قوله تعالى: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] أي: لا تحمل نفس آثمة إثم نفس أخرى محمول على أنها لا تحمله لتعاقب به، ثم هذا الحديث وحديث: "نفس المؤمن مرهونة بدينه حتى يقضى عنه" ظاهر كلام الأئمة حيث اختلفوا في تأويل ذلك وتخصيصه وأبقوا هذا على ظاهره أن حمل السيئات لا يستثنى منه شيء بخلاف الحبس فإن أفلس لزمه الكسب كما مر فإن تعذر على المالك ووارثه سلمه لقاض ثقة فإن تعذر صرفه فيما شاء من المصالح عند انقطاع خبره بنية الغرم له إذا وجده، فإن أعسر عزم على الأداء إذا أيسر فإن مات قبله انقطع عنه الطلب في الآخرة إن لم يعص بالتزامه. ويرجى من فضل الله تعالى تعويض

 

ج / 4 ص -420-        المستحق، وإذا بلغت الغيبة المغتاب اشترط استحلاله فإن تعذر بموته أو تعسر لغيبته الطويلة استغفر له ولا أثر لتحليل وارث ولا مع جهل المغتاب بما تحلل منه كما في الأذكار وإن لم تبلغه كفى الندم والاستغفار له وكذا يكفي الندم والإقلاع عن الحسد ويسن للزاني ككل من ارتكب معصية لله الستر على نفسه بأن لا يظهرها ليحد أو يعزر لا أن لا يتحدث بها تفكها أو مجاهرة فإن هذا حرام قطعا وكذا يسن لمن أقر بشيء من ذلك الرجوع عن إقراره به ولا يخالف هذا قولهم يسن لمن ظهر عليه حد أي: لله أن يأتي الإمام ليقيمه عليه لفوات الستر؛ لأن المراد بالظهور هنا أن يطلع على زناه مثلا من لا يثبت الزنا بشهادته فيسن له ذلك، أما حد الآدمي أو القود له أو تعزيره فيجب الإقرار به ليستوفى منه ويسن لشاهد الأول الستر ما لم ير المصلحة في الإظهار ومحله إن لم يتعلق بالترك إيجاب حد على الغير وإلا كثلاثة شهدوا بالزنا لزم الرابع الأداء، وأثم بتركه وليس استيفاء نحو القود مزيلا للمعصية بل لا بد معه من التوبة وبه صرح البيهقي وحمل الأحاديث في أن الحدود كفارة على ما إذا تاب وجرى المصنف على خلافه وجمع الزركشي بحمل الثاني على ما إذا سلم نفسه طوعا لله تعالى والأول على خلافه والذي يتجه الجمع بحمل إطلاق السقوط على حق الآدمي، وعدمه على حق الله تعالى فإذا قيد منه ولم يتب عوقب على عدم التوبة، وتصح توبته من ذنب وإن كان مرتكبا لذنوب أخرى ومما تاب منه، ثم عاد إليه ومن مات وله دين لم يستوفه ورثته يكون هو المطالب به في الآخرة على الأصح.
فائدة: قيل يستثنى أربعة كفار لا تقبل توبتهم إبليس، وهاروت، وماروت، وعاقر ناقة صالح قال بعضهم لعل المراد أنهم لا يتوبون. ا هـ. وأقول بل هو على ظاهره في إبليس وليس بصحيح في هاروت وماروت بل الذي دلت عليه قصتهم المسندة خلافا لمن أنكر ذلك أنهم إنما يعذبون في الدنيا فقط، وأنهم في الآخرة يكونون مع الملائكة بعد ردهم إلى صفاتهم.

فصل في بيان قدر النصاب في الشهود المختلف باختلاف المشهود به ومستند الشهادة وما يتبع ذلك
"لا يحكم بشاهد" واحد "إلا" منقطع لما مر أول الصوم "في هلال رمضان" وتوابعه دون شهر نذر صومه "في الأظهر" كما قدمه وأعاده هنا للحصر وأورد عليه صور أكثرها على مرجوح وبعضها من باب الرواية أو نحوها، "ويشترط للزنا" واللواط وإتيان البهيمة ووطء الميتة "أربعة رجال" بالنسبة للحد أو التعزير لقوله تعالى:
{ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 4] ولأنه أقبح الفواحش وإن كان القتل أغلظ منه على الأصح فغلظت الشهادة فيه سترا من الله تعالى على عباده ويشترط تفسيرهم له كرأيناه أدخل مكلفا مختارا حشفته أو قدرها من مقطوعها في فرج هذه أو فلانة ويذكر نسبها بالزنا أو نحوه والذي يتجه ترجيحه أنه لا يشترط ذكر زمان ومكان إلا إن ذكره أحدهم فيجب سؤال الباقين لاحتمال وقوع تناقض يسقط الشهادة ولا يشترط كالمرود في المكحلة لكنه يسن ولا يضر قولهم تعمدنا النظر لأجل الشهادة أما بالنسبة لسقوط حصانته وعدالته ووقوع طلاق علق بزناه فيثبت برجلين

 

ج / 4 ص -421-        لا بغيرهما مما يأتي وقد يشكل عليه ما مر في باب حد القذف أن شهادة دون أربعة بالزنا تفسقهم وتوجب حدهم فكيف يتصور هذا ؟ وقد يجاب بأن صورته أن يقولا نشهد بزناه بقصد سقوط أو وقوع ما ذكر فقولهما بقصد إلى آخره ينفي عنهما الحد والفسق؛ لأنهما صرحا بما ينفي أنه قد يكون قصدهما إلحاق العار به الذي هو موجب حد القذف كما مر ثم مع ما له تعلق بما هنا وكذا مقدمات الزنا ووطء شبهة قصد به النسب أو شهد به حسبة يثبت برجلين أو المال يثبت بهما وبرجل وامرأتين وبشاهد ويمين ولا يحتاج فيه لما مر في الزنا من رأيناه أدخل حشفته إلى آخره، "و" يشترط "للإقرار به اثنان" كغيره "وفي قول أربعة"؛ لأنه يترتب عليه الحد وفرق الأول بأن حده لا يتحتم، "ولمال" عين أو دين أو منفعة "و" لكل ما قصد به المال من "عقد" أو فسخ "مالي" ما عدا الشركة والقراض والكفالة "كبيع وإقالة وحوالة" عطف خاص على عام إذ الأصح أنها بيع "وضمان" ووقف وصلح ورهن وشفعة ومسابقة وعوض خلع ادعاه الزوج أو وارثه "وحق مالي كخيار وأجل" وجناية توجب مالا "رجلان أو رجل وامرأتان" لعموم الأشخاص المستلزم لعموم الأحوال إلا ما خص بدليل في قوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282] مع عموم البلوى بالمداينات ونحوها فوسع في طرق إثباتها والتخيير مراد من الآية إجماعا دون الترتيب الذي هو ظاهرها والخنثى كالمرأة أما الشركة والقراض والكفالة فلا بد فيها من رجلين ما لم يرد في الأولين إثبات حصته من الربح كما بحثه ابن الرفعة، "ولغير ذلك" أي ما ليس بمال ولا يقصد منه المال "من عقوبة لله تعالى" كحد شرب وسرقة وقطع طريق "أو لآدمي" كقود وحد قذف ومنع إرث بأن ادعى بقية الورثة على الزوجة أن الزوج خالعها حتى لا ترث منه "و ما يطلع عليه رجال غالبا كنكاح وطلاق" منجز أو معلق "ورجعة" وعتق "وإسلام وردة وجرح وتعديل وموت وإعسار ووكالة" الوديعة "ووصاية وشهادة على شهادة رجلين" لا رجل وامرأتين لقول الزهري مضت السنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا تجوز شهادة النساء في الحدود ولا في النكاح ولا في الطلاق وهذا حجة عند أبي حنيفة وهو المخالف؛ ولأنه تعالى نص في الطلاق والرجعة والوصاية على الرجلين وصح به الخبر في النكاح وقيس بها ما في معناها من كل ما ليس بمال ولا هو المقصود منه ولا نظر لرجوع الوصاية والوكالة للمال؛ لأن القصد منهما إثبات الولاية لا المال. نعم نقل الشيخان عن الغزالي وأقراه لكن نوزعا فيه، ولو ادعت أنه طلقها عند الوطء وطالبته بالشطر أو بعده وطالبته بالكل أو أن هذا الميت زوجها وطلبت الإرث قبل نحو شاهد ويمين؛ لأن القصد المال كما في مسألتي السرقة وتعليق الطلاق بالغصب فإنه يثبت المال بشاهد ويمين دون السرقة والغصب، والطلاق ألحق به قبول شاهد ويمين بالنسب إلى ميت فيثبت الإرث وإن لم يثبت النسب.
تنبيه: صورة ما ذكر في الوديعة أن يدعي مالكها غصب ذي اليد لها وذو اليد أنها وديعة فلا بد من شاهدين؛ لأن المقصود بالذات إثبات ولاية الحفظ له وعدم الضمان يترتب على ذلك.

 

ج / 4 ص -422-        "وما يختص بمعرفته النساء أو لا يراه رجال غالبا كبكارة" وضدها ورتق وقرن "أو ولادة وحيض" ومرادهما بقولهما في محل تتعذر إقامة البينة عليه تعسرها فإن الدم وإن شوهد يحتمل أنه استحاضة.
تنبيه: إذا ثبتت الولادة بالنساء ثبت النسب والإرث تبعا؛ لأن كلا منهما لازم شرعا للمشهود به ولا ينفك عنه ولأن التابع من جنس المتبوع فإن كلا من ذلك من المال أو الآيل إليه، ويؤخذ من ثبوت الإرث فيما ذكر ثبوت حياة المولود وإن لم يتعرضن لها في شهادتهن بالولادة لتوقف الإرث عليها أعني الحياة فلم يمكن ثبوته قبل ثبوتها أما لو لم يشهدن بالولادة بل بحياة المولود فظاهر أنهن لا يقبلن؛ لأن الحياة من حيث هي مما يطلع عليه الرجال غالبا فإن قلت الأصل عدم الحياة فكيف مع ذلك تثبت الحياة تبعا للولادة قلت لما نظروا للزوم الإرث لها المستلزم للحياة وجب ثبوتها ليثبت الإرث وسره أن ذكر الولادة في الشهادة مع السكوت عليها قرينة ظاهرة في حياة المولود؛ لأن عدالة الشاهد تمنعه من إطلاق الشهادة بالولادة مع موت الولد فالحاصل أن الحياة وإن لم تكن لازما شرعا لكن اللازم الشرعي يتوقف عليها فكان تقديرها ضروريا فعمل به.
"ورضاع" وقدمه في بابه وذكر هنا على جهة التمثيل فلا تكرار ومحله إن كان من الثدي أما شرب اللبن من إناء فلا يقبلن فيه نعم يقبلن في أن هذا لبن فلانة "وعيوب تحت الثياب" التي من النساء من برص وغيره حتى الجراحة كما صوبه في الروضة ورد استثناء البغوي له نظرا إلى أن جنسه يطلع عليه الرجال غالبا وزعم أن الإجماع عليه وأنه صواب مردود "يثبت بما سبق" أي برجلين وبرجل وامرأتين "وبأربع نسوة" وحدهن للحاجة إليهن هنا ولا تثبت برجل ويمين وخرج بتحت الثياب والمراد ما لا يظهر منها غالبا ومن ثم كان التعبير بذلك أولى من تعبير الروضة وغيرها بما تحت الإزار؛ لأنه ما بين السرة والركبة فقط وليس مرادا عيب الوجه واليد من الحرة فلا يثبت حيث لم يقصد به مال إلا برجلين وكذا ما يبدو عند مهنة الأمة إذا قصد به فسخ النكاح مثلا أما إذا قصد به الرد في العيب فيثبت برجل وامرأتين وشاهد ويمين؛ لأن القصد منه حينئذ المال ولو أقامت شاهدا بإقرار زوجها بالدخول كفى حلفها معه ويثبت المهر أو أقامه هو على إقرارها به لم يف الحلف معه؛ لأن قصده ثبوت العدة والرجعة وليسا بمال.
تنبيه: ما ذكر في وجه الحرة ويدها وما يبدو في مهنة الأمة قيل: إنما يتأتى على حل نظره الضعيف أما على المعتمد من حرمته فليثبت بالنساء ا هـ. ولك رده بأنه مخالف لصريح كلامهم لا سيما ما يبدو في مهنة الأمة فإن تخصيصه لا يأتي على قول المصنف إنها كالحرة ولا على قول الرافعي يحل ما عدا ما بين سرتها وركبتها فعلمنا بذلك أنهم أعرضوا عما ذكر ويوجه بأنهم هنا لم ينظروا لحل نظر ولا لحرمته إذ للشاهد النظر للشهادة ولو للفرج كما مر وإنما النظر لما من شأنه أن يسهل اطلاع الرجال عليه غالبا ولا وما ذكر يسهل اطلاعهم عليه كذلك لعدم تحفظ النساء في ستره غالبا فلم يقبلن فيه مطلقا.

 

ج / 4 ص -423-        "وما لا يثبت برجل وامرأتين لا يثبت برجل ويمين" لأنه إذا لم يثبت بالأقوى فالأضعف أولى "وما يثبت بهم" أي برجل وامرأتين وغلبه لشرفه "يثبت برجل ويمين" لخبر مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قضى بهما قال مسلم صح أنه صلى الله عليه وسلم قضى بهما في الحقوق والأموال ثم الأئمة بعده ورواه البيهقي عن نيف وعشرين صحابيا فاندفع قول بعض الحنفية وهو خبر واحد فلا ينسخ القرآن على أن النسخ للحكم وهو ظني فليثبت بمثله. "إلا عيوب النساء ونحوها" فلا يثبت بهما لخطرها نعم يقبلان في عيب فيهن يقتضي المال كما مر، "ولا يثبت شيء بامرأتين ويمين" لضعفهما "وإنما يحلف المدعي بعد شهادة شاهده وتعديله" لأن جانبه إنما يتقوى حينئذ والأصح أن القضاء بهما فإذا رجع الشاهد غرم النصف وإنما لم يشترط تقدم شهادة الرجل على المرأتين لقيامهما مقام الرجل قطعا "ويذكر في حلفه" على استحقاقه للمشهود به "صدق الشاهد" وجوبا قبله أو بعده فيقول والله إن شاهدي لصادق فيما شهد لي به أو لقد شهد بحق وإني أستحقه أو وإني أستحقه وإن شاهدي إلى آخره؛ لأنهما مختلفا الجنس فاعتبر ارتباطهما ليصيرا كالنوع الواحد "فإن ترك الحلف" مع شاهده "وطلب يمين خصمه فله ذلك"؛ لأنه قد يتورع عن اليمين فإن حلف خصمه سقطت الدعوى فليس له الحلف بعد مع شاهد؛ لأن اليمين إليه فلا عذر له في تركها وبه فارق قبول بينته بعد وقضية ذلك أن حقه لا يبطل بمجرد طلبه يمين خصمه لكن الذي رجحاه بطلانه فلا يعود للحلف مع شاهده ولو في مجلس آخر؛ لأنه أسقط حقه من اليمين بطلبه يمين خصمه كما يسقط بردها على خصمه بخلاف البينة الكاملة لا يسقط حقه منها بمجرد طلب يمين خصمه. "فإن نكل" المدعى عليه "فله" أي: المدعي "أن يحلف يمين الرد في الأظهر"؛ لأنه غير التي امتنع عنها؛ لأن تلك لقوة جهته بالشاهد ويقضى بها في المال فقط وهذه لقوتها بنكول الخصم ويقضى بها في كل حق، "ولو كان بيده أمة وولدها" يسترقهما "فقال رجل هذه مستولدتي علقت بهذا" مني "في ملكي وحلف مع شاهد" أقامه "ثبت الاستيلاد" يعني ما فيها من المالية وأما نفس الاستيلاد المقتضي لعتقها بالموت فإنما يثبت بإقراره فتنزع ممن هي في يده وتسلم له؛ لأن أم الولد مال لسيدها. وبحث البلقيني أنه لا بد أن يزيد في دعواه وهي باقية على ملكي على حكم الاستيلاد لجواز بيع المستولدة في صور، ومردود بأنه حيث جاز بيعها ألغي استيلادها فلا يصدق معه قوله مستولدتي "لا نسب الولد وحريته" فلا يثبتان بهما كما علم مما مر. "في الأظهر" فلا ينزع من ذي اليد، وفي ثبوت نسبه من المدعي بالإقرار ما مر في بابه، "ولو كان بيده غلام" يسترقه وذكره مثال "فقال رجل كان لي وأعتقته وحلف مع شاهد فالمذهب انتزاعه ومصيره حرا" بإقراره وإن تضمن استحقاقه الولاء؛ لأنه تابع لدعواه الملك الصالحة حجته لإثباته والعتق إنما ترتب عليه بإقراره وبه فارق ما قبله، "ولو ادعت ورثة" أو بعضهم "مالا" عينا أو دينا أو منفعة "لمورثهم" الذي مات قبل نكوله "وأقاموا شاهدا" بالمال بعد إثباتهم لموته وإرثهم وانحصاره فيهم "وحلف معه بعضهم" على استحقاق مورثه الكل ولا يقتصر على قدر حصته وكذا لو حلفوا كلهم؛ لأنه إنما يثبت بيمينه الملك لمورثه "أخذ نصيبه ولا يشارك فيه" من جهة البقية؛

 

ج / 4 ص -424-        لأن الحجة تمت في حقه وحده وغيره قادر عليها بالحلف ولأن يمين الإنسان لا يعطى بها غيره وبهذين فارق ما لو ادعيا دارا إرثا فصدق المدعى عليه أحدهما في نصيبه وكذب الآخر فإنهما يشتركان فيه وكذا لو أقر بدين الميت فأخذ بعض ورثته قدر حصته ولو بغير دعوى ولا إذن من حاكم فللبقية مشاركته فيه ولو أخذ أحد شركاء في دار أو منفعتها ما يخصه من أجرتها لم يشاركه فيه البقية كما أفهمه التعليل الأول ولو ادعى غريم من غرماء مدين مات على وارثه أنك وضعت يدك من تركته على ما يفي بحقي فأنكر وحلف له أنه لم يضع يده على شيء منها لم تكفه هذه اليمين للبقية بل كل من ادعى عليه منهم بعدها بوضع اليد يحلف له هذا ما أفتى به البلقيني ورد بقولهم لو ادعى حقا على جمع فردوا عليه اليمين أو أقام شاهدا ليحلف معه كفته يمين واحدة، وقولهم لو ثبت إعسار مدين وطلب غرماؤه تحليفه أجيبوا ويكفيه يمين واحدة ولو ثبت إعساره بيمينه فظهر له غريم آخر لم يكن له تحليفه وقد يجاب بأن ما عدا الأخيرة قد لا يرد عليه؛ لأن الدعوى وقعت منهم أو عليهم فوقعت اليمين لجميعهم بخلافه في مسألة البلقيني وأما الأخيرة فالإعسار فيها خصلة واحدة وقد ثبت والظاهر دوامه فلم يجب الثاني للتحليف عليه بخلاف وضع اليد فإنه إذا انتفى باليمين الأولى ليس الظاهر دوامه فوجبت اليمين على نفيه لكل مدع به بعد من الغرماء ويكفي في دعوى دين على ميت حضور بعض ورثته لكن لا يتعدى الحكم لغير الحاضر ولو أقر بدين لميت ثم ادعى أداءه إليه وأنه نسي ذلك حالة إقراره سمعت دعواه لتحليف الوارث كما في الإقرار وتقبل بينته بالأداء رعاية لاحتمال نسيانه كما أخذه بعضهم من قولهم لو قال لا بينة لي ثم أتى ببينة قبلت لاحتمال نسيانه لها وفيه نظر والفرق ظاهر إذ كثيرا ما يكون للإنسان بينة ولا يعلم بها فلا تناقض بخلاف تلك. "ويبطل حق من لم يحلف" من اليمين "بنكوله إن حضر" في البلد وقد شرع في الخصومة أو شعر بها "وهو كامل" حتى لو مات لم يحلف وارثه ولو مع شاهد يقيمه؛ لأنه تلقى الحق عن مورثه وقد بطل حقه بنكوله وخرج بقولي من اليمين البينة فلا يبطل حقه منها فله إقامة شاهد ثان وضمه إلى الأول من غير تجديد شهادته كالدعوى لتصير بينته كاملة كما لو أقام مدع شاهدا ثم مات فلوارثه إقامة آخر وفارق ذلك غير الوارث كباعني وأخي الغائب أو الصبي مورثك بكذا وأقام شاهدا أو حلف معه فإنه إذا قدم الغائب أو كمل الصبي تجب إعادة الدعوى والشهادة مع اليمين أو مع شاهد آخر بأن الدعوى في الإرث لواحد وهو الميت ولهذا تقضى ديونه من المأخوذ وفي غير الإرث الحق لأشخاص فلم تقع البينة والدعوى لغير المدعي من غير إذن ولا ولاية وخرج بقوله بنكوله توقفه عن اليمين فلا يبطل حقه من اليمين حتى لو مات قبل النكول حلف وارثه على الأوجه الذي أفهمه كلام الرافعي أما حاضر لم يشرع أو لم يشعر فكصبي ومجنون في قوله "فإن كان" من لم يحلف "غائبا أو صبيا أو مجنونا فالمذهب أنه لا يقبض نصيبه" بل يوقف الأمر على علمه أو حضوره أو كماله "فإذا زال عذره" بأن علم أو قدم أو بلغ أو أفاق "حلف وأخذ" حصته "بغير إعادة شهادة"، ما دام الشاهد باقيا بحاله واستئناف دعوى؛ لأنهما وجدا أولا من الكامل خلافة عن

 

ج / 4 ص -425-        الميت ومن ثم لو كان ذلك في غير إرث كاشتريت أنا وأخي وهو غائب مثلا أو أوصى لنا بكذا وجبت إعادتهما أما لو تغير حال الشاهد فلا يحلف كما رجحه الأذرعي وغيره؛ لأن الحكم لم يتصل بشهادته إلا في حق الحالف أولا دون غيره وبحث هو ومن تبعه أن محل عدم الإعادة فيما ذكر إذا كان الأول قد ادعى الكل فإن ادعى بقدر حصته فلا بد من الإعادة جزما، "ولا تجوز شهادة على فعل كزنا وغصب" ورضاع "وإتلاف وولادة" وزعم ثبوتها بالسماع محمول على ما إذا أريد بها النسب من جهة الأم "إلا بإبصار" لها ولفاعلها؛ لأنه يصل به إلى اليقين قال تعالى: {إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86] وفي خبر: "على مثلها" أي: الشمس فاشهد نعم يأتي أن ما يتعذر فيه اليقين يكفي فيه الظن كالملك والعدالة والإعسار وقد تقبل من الأعمى بفعل كما يأتي ويجوز تعمد نظر فرج زان وامرأة تلد لأجل الشهادة؛ لأن كلا منهما هتك حرمة نفسه، "وتقبل" الشهادة على الفعل "من أصم" لحصول العلم بالمشاهدة واستفيد من المتن أن الشهادة بقيمة عين لا تسمع إلا ممن رآها وعرف أوصافها جميعا، "والأقوال كعقد" وفسخ وإقرار "يشترط سمعها وإبصار قائلها" حال صدورها منه ولو من وراء نحو زجاج فيما يظهر ثم رأيت غير واحد قالوا تكفي الشهادة عليها من وراء ثوب خفيف يشف على أحد وجهين كما اقتضاه ما صححه الرافعي في نقاب المرأة الرقيق فلا يكفي سماعه من وراء حجاب وإن علم صوته؛ لأن ما أمكن إدراكه بإحدى الحواس لا يجوز أن يعمل فيه بغلبة ظن لجواز اشتباه الأصوات نعم لو علمه ببيت وحده وعلم أن الصوت ممن في البيت جاز له اعتماد صوته وإن لم يره وكذا لو علم اثنين ببيت لا ثالث لهما وسمعهما يتعاقدان وعلم الموجب منهما من القابل لعلمه بمالك المبيع أو نحو ذلك فله الشهادة بما سمعه منهما، "ولا يقبل أعمى" ومن يدرك الأشخاص ولا يميزها في مرئي لانسداد طريق التمييز عليه مع اشتباه الأصوات وإنما جاز له وطء زوجته اعتمادا على صوتها؛ لأنه أخف ومن ثم نص الشافعي رضي الله عنه على حل وطئها اعتمادا على لمس علامة يعرفها فيها وإن لم يسمع صوتها وعلى أن لمن زفت له زوجته أن يعتمد قول امرأة هذه زوجتك ويطأها، وظاهر كلامهم أن له الاعتماد على القرينة القوية أنها زوجته وإن لم يقل له أحد ذلك "إلا أن تكون" شهادته بنحو استفاضة أو ترجمة أو إسماع ولم يحتج لتعيين؛ أو يضع يده على ذكر بفرج فيمسكهما حتى يشهد عليهما بذلك عند قاض؛ لأن هذا أبلغ من الرؤية، أو يكون جالسا بفراش لغيره فيغصبه آخر فيتعلق به حتى يشهد عليه أو "يقر" إنسان لمعروف الاسم والنسب "في أذنه" بنحو طلاق أو مال أولا في أذنه بأن كان يده بيده وهو بصير حال الإقرار ثم عمي "فيتعلق به حتى يشهد عند قاض به على الصحيح" لحصول العلم بأنه المشهود عليه وإن لم يكن في خلوة. "ولو حملها" أي: الشهادة "بصير ثم عمي شهد إن كان المشهود له و" المشهود "عليه معروفي الاسم والنسب" فقال: أشهد أن فلان بن فلان فعل كذا أو أقر به؛ لأنه في هذا كالبصير بخلاف ما إذا لم يعرف ذلك وبحث الأذرعي قبوله إذا شهد على زوجته في حال خلوته بها وكذا على بعضه إذا عرف خلوه به حينئذ للقطع بصدقه حينئذ ولا يخلو عن وقفة،

 

ج / 4 ص -426-        والفرق بينه وبين ما مر في قولنا نعم لو علمه ببيت إلى آخره ظاهر فإن البصير يعلم أنه ليس ثم من يشتبه به بخلاف الأعمى وإن اختلى به "ومن سمع قول شخص أو رأى فعله فإن عرف عينه واسمه ونسبه" أي: أباه وجده "شهد عليه في حضوره إشارة" إليه ولا يكفي مجرد ذكر الاسم والنسب "و" شهد عليه "عند غيبته" المجوزة للدعوى عليه وقد مرت "وموته باسمه ونسبه" معا لحصول التمييز بهما دون أحدهما أما لو لم يعرف اسم جده فيجزئه الاقتصار على ذكر اسمه واسم أبيه إن عرفه القاضي بذلك وإلا فلا كما جمع به في المطلب بين كلامهم الظاهر التنافي في ذلك بل يكفي لقب خاص كسلطان مصر فلان ولو بعد موته قال غيره: وبه يزول الإشكال في الشهادة على عتقاء السلطان والأمراء وغيرهم فإن الشهود لا يعرفون أنسابهم غالبا فيكفي ذكر أسمائهم مع ما يميزهم من أوصافهم وعليه العمل عند الحكام وارتضاه البلقيني وغيره قال شارح وقد اعتمدت شهادة من شهد على فلان المتوفى التاجر بدكان كذا في سوق كذا إلى وقت وفاته وعلم أنه لم يسكنه في ذلك الوقت غيره وحكمت بها.
تنبيه: مهم كثيرا ما يعتمد الشهود في الاسم والنسب قول المشهود عليه ثم يشهد بهما في غيبته وذلك لا يجوز اتفاقا كما قاله ابن أبي الدم وقول المتن الآتي لا بالاسم والنسب ما لم يثبتا صريح فيه ويلزمه أن يكتب فيه أقر مثلا من ذكر أن اسمه ونسبه كذا ولا يجوز فلان بن فلان نعم لو لم يعرفهما إلا بعد التحمل جاز له الجزم بهما ومن طرق معرفتهما أن تقام بهما بينة حسبة لما مر من ثبوته بها لا أن يسمعهما من عدلين قال القفال بل لو سمعه من ألف رجل لم يجز حتى يتكرر ويستفيض عنده وكأنه أراد بذلك مجرد المبالغة وإلا فهذا تواتر مفيد للعلم الضروري الذي لا تحصله الاستفاضة وقد تساهل جهلة الشهود في ذلك حتى عظمت به البلية وأكلت به الأموال فإنهم يجيئون بمن واطئوه فيقر عند قاض بما يرومونه ويذكر اسم ونسب من يريدون أخذ ماله فيسجل الشهود بهما ويحكم به القضاة.
تنبيه ثان: خطأ ابن أبي الدم من يكتب أو يقول وقد شهد على مقر أشهد على إقراره بأن إقراره مشهود به لا عليه فالصواب أن يقول إن أشهده: أشهدني على نفسه بما أقر به وأنا أشهد به عليه فإن لم يشهد قال أقر عندي بكذا فإن سمعه ولم يحضر عنده قال أشهد أني سمعته يقر بكذا ذكره الماوردي وهو استحسان لفظي لصحة المعنى في أشهد على إقراره ومر أوائل خيار النكاح قول المتن أو بينة على إقراره أي: يشهد على إقراره فهو مشهود به وعليه باعتبارين فالصواب أنه لا خطأ في ذلك. ثم رأيت السبكي صوب صحة ذلك قال كما تدل عليه عبارة الشافعي وغيره وقال تعالى:
{وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى مِثْلِهِ} قال ابن أبي الدم ومن حضر عقد بيع أو نكاح شهد بما سمع لا باستحقاق ولا ملك ونقل القمولي عنه أنه يقول حضرت العقد الجاري بينهما أو مجلسه وأشهد به وهو أولى من أشهد أني حضرته ونظر فيه بأنه لا يلزم من الحضور السماع ورد بأن جزمه به مع عدالته يمنعه من الشهادة به بدون سماعه واختلف نقله ونقل غيره عنه في

 

ج / 4 ص -427-        أشهد أني رأيت الهلال ومر أن الراجح القبول ونقل الماوردي وجهين فيما لو سمعه يقر بشيء ثم قال له المقر لا تشهد علي به وبحث بعضهم أن الإقرار إن كان بحق لله كان قوله لا تشهد علي رجوعا عنه أو لغيره لم يلتفت لقوله ا هـ. وفيه نظر والأوجه أنه لا يلتفت له مطلقا وفي قول قديم لا بد في الشهادة من إذن المشهود عليه فيها.
"فإن جهلهما" أي: الاسم والنسب أو أحدهما. "لم يشهد عند موته وغيبته" إذ لا فائدة بخلاف ما إذا حضر وأشار إليه فإن مات أحضر قبل الدفن ليشهد على عينه قال الغزالي وكذا بعده إن لم يتغير واشتدت الحاجة لحضوره واعتمده الزركشي ولم يبال بتضعيف الرافعي له، "ولا يصح تحمل شهادة على منتقبة" بنون ثم تاء من انتقبت للأداء عليها "اعتمادا على صوتها" كما لا يتحمل بصير في ظلمة اعتمادا عليه لاشتباه الأصوات ولا أثر لحائل رقيق كما مر وأفهم قوله اعتمادا أنه لو سمعها فتعلق بها إلى قاض وشهد عليها جاز كالأعمى بشرط أن يكشف نقابها ليعرف القاضي صوتها قال جمع ولا ينعقد نكاح منتقبة إلا إن عرفها الشاهدان اسما ونسبا أو صورة وفيه بسط مهم أشرت إليه في النكاح وذكرته في الفتاوى فراجعه أما لا للأداء عليها كان تحملا أن منتقبة بوقت كذا بمجلس كذا قالت كذا وشهد آخران أن هذه الموصوفة فلانة بنت فلان جاز وثبت الحق بالبينتين، ولو شهد على امرأة باسمها ونسبها فسألهم القاضي أتعرفون عينها أو اعتمدتم صوتها لم يلزمهم إجابته قاله الرافعي ومحله كما علم مما مر في مشهوري الديانة والضبط وإلا لزمه سؤالهم ولزمهم الإجابة كما قاله الأذرعي والزركشي وآخرون "فإن عرفها بعينها أو باسم ونسب جاز" التحمل عليها للأداء ولا يجوز كشف نقابها حينئذ إذ لا حاجة إليه. "ويشهد عند الأداء بما يعلم" مما مر من اسم ونسب وإلا أشار فإن لم يعرف ذلك كشف وجهها وضبط حليتها وكذا يكشفه عند الأداء "ولا يجوز التحمل عليها" أي: المنتقبة "بتعريف عدل أو عدلين على الأشهر" الذي عليه الأكثرون بناء على المذهب أن التسامع لا بد فيه من جمع يؤمن تواطؤهم على الكذب نعم إن قالا نشهد أن هذه فلانة بنت فلان كانا شاهدي أصل وسامعهما شاهد فرع فيشهد على شهادتهما بشرطه "والعمل" من الشهود لا الأصحاب كما قاله البلقيني "على خلافه" وهو الاكتفاء بالتعريف من عدل وجرى عليه جمع متقدمون بل وسع غير واحد في اعتماد قول ولدها الصغير وهي بين نسوة هذه أمي، "ولو قامت بينة على عينه بحق" أو ثبت عليها بوجه آخر كعلم القاضي "فطلب المدعي" من القاضي "التسجيل" بذلك "سجل" له "القاضي" جوازا "بالحلية لا بالاسم والنسب" فلا يجوز التسجيل بهما "ما لم يثبتا" عنده بالبينة ولو على وجه الحسبة أو بعلمه لتعذر التسجيل على الغير فيكتب حضر رجل ذكر أنه فلان بن فلان ومن حليته كذا ويذكر أوصافه الظاهرة لا سيما دقيقها ومر أنه لا يكفي فيهما قول مدع ولا مدعى عليه فإن نسبه لا يثبت بإقراره وإن نازع فيه البلقيني وأطال، "وله الشهادة بالتسامع" الذي لم يعارضه ما هو أقوى منه كإنكار المنسوب إليه أو طعن أحد في انتسابه إليه كذا أطلقوه ويظهر أنه لا بد من طعن لم تقم قرينة على كذب قائله "على نسب" لذكر أو أنثى كائن "من أب أو قبيلة" كهذا ولد

 

ج / 4 ص -428-        فلان أو من قبيلة كذا لتعذر اليقين فيهما إذ مشاهدة الولادة لا تفيد إلا الظن فسومح في ذلك قال الزركشي أو على كونه من بلد كذا المستحق وقفا على أهلها ونحو ذلك "وكذا أم" فيقبل بالتسامع على نسب منها "في الأصح" كالأب وإن تيقن بمشاهدة الولادة "و" كذا "موت على المذهب"؛ لأنه قد يتعذر إثباته بموته في قرية مثلا "لا عتق وولاء و" أصل "وقف" مطلق أو مقيد على جهة أو معين صحيح وكذا فاسد كوقف على النفس أنهي لشافعي فثبت عنده بالاستفاضة فله على ما يأتي من التصحيح إثباته بها على ما اقتضاه إطلاقهم لكن قال أبو زرعة: المدرك يقتضي خلافه؛ لأنا إنما أثبتنا الصحيح بها احتياطا والفاسد ليس كذلك "ونكاح وملك في الأصح" لتيسر مشاهدتها "قلت الأصح عند المحققين والأكثرين في الجميع" وفي نسخة في الوقف والثابت في خطه الأول "الجواز والله أعلم"؛ لأن مدتها إذا طالت عسر إثبات ابتدائها فمست الحاجة إلى إثباتها بالتسامع وصورة الاستفاضة بالملك أن يستفيض أنه ملك فلان من غير إضافة السبب فإن استفاض سببه كالبيع لم يثبت بالتسامع إلا الإرث؛ لأنه ينشأ عن النسب والموت وكل منهما يثبت بالتسامع وخرج بأصل الوقف شروطه وتفاصيله فلا يثبتان به استقلالا ولا تبعا على المنقول على ما قاله الزركشي ردا على من فصل كابن الصلاح ومن تبعه كالإسنوي وغيره لكن ذلك المنقول وهو ما أفتى به المصنف وسبقه إليه ابن سراقة وغيره إنما هو إطلاق فقط وهو يمكن حمله على ذلك التفصيل وهو أن محل عدم القبول إن شهد بالشروط وحدها بخلاف ما إذا شهد بها مع أصل الوقف؛ لأن حاصلها يرجع إلى بيان وصف الوقف وتبيين كيفيته وذلك مسموع كما أفتى به ابن الصلاح وغيره. وإذا لم تثبت التفاصيل قسمت الغلة على أربابها بالسوية فإن كان على مدرسة تعذرت شروطها صرفها الناظر فيما يراه من مصالحها أهم كما مر في الوقف. وبحث البلقيني ثبوت شرط يستفيض غالبا ككونه على حرم مكة قال ومحل الخلاف في غير حدود العقار فهي لا تثبت بذلك كما قاله ابن عبد السلام وإن اقتضى كلام الشيخ أبي حامد خلافه وللسبكي إفتاء طويل حاصله أنه لا يرجع في الحدود إلى ما في المستندات مطلقا؛ لأن كتابها لا يعتمدون فيها غالبا على وجه صحيح صريح بل لا بد من بينة صريحة بأن الحد الفلاني ملك لفلان قال: وشهادة الشهود بأن ملك الدار الفلانية وحيازتها لفلان لا يثبت بها حدودها؛ لأنها ليست نصا في ذلك وإن ذكروا الحدود؛ لأنهم إنما يذكرونها على سبيل الصفة أو التعريف لا غير فلا بد أن يصرحوا بأنهم يشهدون بها وإلا صدق ذو اليد عليها بيمينه قال وكذلك ما يقع في المستندات من أقر مثلا فلان بن فلان بكذا فلا تثبت بذلك بنوة فلان لفلان؛ لأنها لم تقع قصدا صريحة وأطال في هذا أيضا ولما ذكرت ذلك كله عنه بطوله في الفتاوى اعترضته بأن المنقول الذي جرى عليه ابنه التاج ثبوت البنوة ضمنا خلافا لمالك وبعض أصحابنا وقياسها أن الشاهد لو قال أشهد أن الدار المحدودة بكذا أقر بها مثلا فلان كان شهادة بالحدود ضمنا وبالإقرار أصلا ومع ذلك لا يعتد بما في المستندات من ذكر الحدود إلا إن صرح الشاهد بأنه يشهد بها ولو ضمنا كما تقرر أو يشملها الحكم كأن يقول:

 

ج / 4 ص -429-        حكمت بجميع ما فيه ولما بسطت ذلك في الفتاوى قلت: نعم الحق أنه لا يقبل في البنوة والحدود ما مر إلا من شاهد مشهور بمزيد التحري والضبط والمعرفة بحيث يغلب على الظن أنه لم يذكر البنوة والحدود إلا بعد أن استند بهما إلى وجه صحيح يجوز له اعتماده فيهما وكلامهم في مواضع دال على ذلك ومما يثبت بذلك أيضا ولاية قاض واستحقاق زكاة ورضاع وجرح وتعديل وإعسار ورشد وغصب وأن هذا وارث فلان أو لا وارث له غيره قال الرافعي وغيره وإنما تقبل الشهادة بكون المال بيد زيد بالمشاهدة دون الاستفاضة واعترضوا بأن المنصوص أنه تكفي وقال الهروي إنه متفق عليه.
تنبيه: نقل في المتوسط عن الإسنوي عن ابن الصلاح مسألة وقال إنها كثيرة الوقوع وهي أن جماعة شهدوا بأن النظر في الوقف الفلاني لزيد ولم يزيدوا على ذلك ولم يكونوا شهدوا على الواقف أي: لم يدركوه ولا قالوا إن مستندهم الاستفاضة وسئلوا عن مستندهم فلم يبدوه بل صمموا على الشهادة وأجاب ابن الصلاح بأن هذا محمول على استنادهم إلى الاستفاضة والشروط لا تثبت بمثل ذلك كما تقدم قال: وأيضا فإن إهمال السبب مقتضاه لرد الشهادة بالإرث ا هـ. وأنت خبير من قولي الآتي وإذا أطلق الشاهد وظهر للحاكم إلى آخره ومما مر في المنتقبة أنه لا يلزم بيان سبب معرفتها أنه ينبغي جريان ذلك التفصيل بين العارف الضابط وغيره هنا ويفهم من كلام ابن الصلاح أنه بنى إطلاقه المنع على أنه لا يمكن الاستناد فيه إلا إلى الاستفاضة وهذا الحصر ممنوع؛ لأنه قد يستند لتواتر مفيد للعلم الضروري وابن الصلاح لا يسعه أن يمنع ثبوت شروط الوقف بهذا التواتر الأعلى من الاستفاضة وإذا لم ينحصر الأمر في الاستفاضة فلا وجه لرد الشهادة المحتمل استنادها لوجه صحيح لا سيما مع اشتراطنا في الشاهد ما مر وقوله أيضا فإن إهمال السبب إلى آخره لا يلاقي ما نحن فيه؛ لأن إهمال سبب الإرث يؤدي إلى الجهل بالأصل المقصود، وإهمال السبب في مسألتنا لا يؤدي لذلك بل للجهل بطريقه وشتان ما بين الجهلين فتأمل ذلك كله فإنه مهم.
"وشرط التسامع" الذي يجوز الاستناد إليه في الشهادة بما ذكر "سماعه" أي: المشهود به فهو مصدر مضاف للمفعول "من جمع يؤمن تواطؤهم على الكذب" ويحصل الظن القوي بصدقهم وهذا لازم لما قبله خلافا لمن استدرك به ولا يشترط فيهم حرية ولا ذكورة ولا عدالة وقضية تشبيههم لهذا بالتواتر أنه لا يشترط فيهم إسلام وهو محتمل ثم رأيت بعضهم جزم باشتراطه وكأنه لضعف هذا؛ لأنه قد يفيد الظن القوي فقط كما تقرر بخلاف التواتر فإنه يفيد العلم الضروري وبه فارق الاستفاضة فهما مستويان في الطريق مختلفان في الثمرة كما حقق في محله "وقيل يكفي" التسامع "من عدلين" إذا سكن القلب لخبرهما وعلى الأول لا بد من تكرره وطول مدته عرفا كما يعلم مما يأتي وشرط ابن أبي الدم أنه لا يصرح بأن مستنده الاستفاضة ومثلها الاستصحاب ثم اختار وتبعه السبكي وغيره أنه إن ذكره تقوية لعلمه بأن جزم بالشهادة ثم قال مستندي الاستفاضة أو الاستصحاب سمعت شهادته وإلا كأشهد بالاستفاضة بكذا فلا بل كلام الرافعي يقتضي أنه لا يضر ذكرها مطلقا حيث

 

ج / 4 ص -430-        قال في شاهد الجرح: يقول سمعت الناس يقولون فيه كذا لكن الذي صرحوا به هنا أن ذلك لا يكفي؛ لأنه قد يعلم خلاف ما سمع وعليه فيوجه الاكتفاء بذلك في الجرح بأنه مفيد في المقصود منه من عدم ظن العدالة ولا كذلك هنا. وإذا أطلق الشاهد وظهر للحاكم أن مستنده الاستفاضة لم يلجئه إلى بيان مستنده إلا إن كان عاميا على الأوجه؛ لأنه يجهل شروطها، وكيفية أدائها أشهد أن هذا ولد فلان أو وقفه أو عتيقه أو ملكه أو هذه زوجته مثلا لا نحو أعتقه أو وقفه أو تزوجها؛ لأنه صورة كذب لاقتضائه أنه رأى ذلك وشاهده لما مر في الشهادة بالفعل والقول، "ولا تجوز الشهادة على ملك" لعقار أو منقول نقد أو غيره "بمجرد يد؛ لأنها" لا تستلزمه نعم له الشهادة بها "ولا بيد وتصرف في مدة قصيرة" لاحتمال أنه وكيل عن غيره "وتجوز" الشهادة بالملك إذا رآه يتصرف فيه وبالحق كحق إجراء الماء على سطحه أو أرضه أو طرح الثلج في ملكه إذا رآه الشاهد "في" مدة "طويلة" عرفا "في الأصح" حيث لا يعرف له منازع؛ لأن ذلك يغلب على الظن الملك أو الاستحقاق نعم إن انضم للتصرف استفاضة أن الملك له جازت الشهادة به وإن قصرت المدة ولا يكفي قول الشاهد رأينا ذلك سنين ويستثنى من ذلك الرقيق فلا تجوز الشهادة فيه بمجرد اليد والتصرف في المدة الطويلة إلا إن انضم لذلك السماع من ذي اليد والناس أنه له كما في الروضة في اللقيط للاحتياط في الحرية وكثرة استخدام الأحرار. "وشرطه" أي: التصرف المفيد لما ذكر "تصرف ملاك من سكنى وهدم وبناء وبيع" وفسخ وإجارة "ورهن"؛ لأن ذلك هو المغلب لظن الملك والواو بمعنى أو إذ كل واحد منها على حدته كاف قالا ولا يكفي التصرف مرة قال الأذرعي بل ومرتين بل ومرارا في مجلس واحد أو أيام قليلة "وتبنى شهادة الإعسار على قرائن ومخايل" أي: مظان "الضر" بالضم وهو سوء الحال أما بالفتح فهو خلاف النفع "والإضاقة" مصدر أضاق أي: ذهب ماله لتعذر اليقين فيه فاكتفي بما يدل عليه من قرائن أحواله في خلوته وصبره على الضيق والضرر وهذا شرط لاعتماد الشاهد وقدم في الفلس اشتراط خبرته الباطنة وهو شرط لقبول شهادته أو أن ما هنا طريق للخبرة المشترطة ثم.

فصل في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك
وهي أعني الشهادة تطلق على نفس تحملها وعلى نفس أدائها وعلى المشهود به وهو المراد في قوله "تحمل الشهادة" مصدر بمعنى المفعول أي: الإحاطة بما سيطلب منه الشهادة به فيه وكنوا عن تلك الإحاطة بالتحمل إشارة إلى أن الشهادة من أعلى الأمانات التي يحتاج حملها أي: الدخول تحت ورطتها إلى مشقة وكلفة ففيه مجازان لاستعمال التحمل والشهادة في غير معناهما الحقيقي "فرض كفاية في النكاح" لتوقف انعقاده عليه ولو امتنع الكل أثموا ولو طلب من اثنين لم يتعينا إن كان ثم غيرهما أي: بصفة الشهادة قال الأذرعي: وظن إجابة الغير وإلا تعينا "وكذا الإقرار والتصرف المالي" وغيره كطلاق وعتق ورجعة وغيرها إلا لحدود التحمل فيه فرض كفاية "وكتابة" بالرفع عطفا على تحمل،

 

ج / 4 ص -431-        "الصك" في الجملة وهو الكتاب فرض كفاية أيضا "في الأصح" للحاجة إليهما لتمهيد إثبات الحقوق عند التنازع وكتابة الصك لها أثر ظاهر في التذكر وفيها حفظ الحقوق عن الضياع وقيدت بالجملة لما مر أنه لا يلزم القاضي أن يكتب للخصم ما ثبت عنده أو حكم به. ويظهر أن المشهود له أو عليه لو طلب من الشاهدين كتابة ما جرى تعين عليهما لكن بأجرة المثل كالأداء وإلا لم يبق لكون كتابة الصك فرض كفاية أثر ويفرق بينهما وبين القاضي بأن الشهادة عليه تغني عن كتابته ولا كذلك هنا قال ابن أبي الدم: ويسن للشاهد أن يبجل القاضي ويزيد في ألقابه أي: بالحق لا الكذب كما هو الشائع اليوم؛ والدعاء له بنحو أطال الله بقاءك ا هـ وما ذكره آخرا ليس في محله بل هو مكروه مطلقا ولا يلزمه الذهاب للتحمل إن كان غير مقبول الشهادة مطلقا وكذا مقبولها إلا إن عذر المشهود عليه بنحو مرض أو حبس أو كان مخدرة أو دعاه قاض إلى أمر ثبت عنده ليشهده عليه قال الدارمي أو دعا الزوج أربعة إلى الشهادة بزنا زوجته بخلاف دون أربعة وبخلاف دعاء غير الزوج، قال البلقيني نقلا عن جمع: أو لم يكن هناك ممن يقبل غيرهم وقدم هذه في السير إجمالا فلا تكرار، وله طلب أجرة للكتابة وحبس الصك وأخذ أجرة للتحمل وإن تعين عليه إن كان عليه كلفة مشي ونحوه لا للأداء إلا إن كان متذكرا له على وجه لا يرد أي: لتقصير في تحمله لا لعقيدة القاضي مثلا فيما يظهر وقد دعي له من مسافة العدوى فما فوق فيأخذ أجرة مركوبه وإن مشى ونفقة طريقه وكذا من دونها وله كسب عطل عنه فيأخذ قدره نعم له أن يقول لا أذهب معك إلى فوق مسافة العدوى إلا بكذا وإن كثر، "وإذا لم يكن في القضية إلا اثنان" كأن لم يتحمل غيرهما أو قام بالبقية مانع "لزمهما الأداء" لقوله تعالى: {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282] أي: للأداء وقيل له وللتحمل وقوله: {وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} ويجب في الأداء حيث وجب الفور نعم له التأخير لفراغ حمام وأكل ونحوهما "فلو أدى واحد وامتنع الآخر" بلا عذر "وقال" للمدعي "احلف معه عصى" وإن رأى القاضي الحكم بشاهد ويمين؛ لأن من مقاصد الإشهاد التورع عن اليمين وكذا لو امتنع شاهدا نحو وديعة وقالا احلف على الرد "وإن كان" في الواقعة "شهود فالأداء فرض كفاية" عليهم لحصول الغرض ببعضهم فإن شهد منهم اثنان وإلا أثموا كلهم دعاهم مجتمعين أو متفرقين والممتنع أولا أكثرهم إثما؛ لأنه متبوع كما أن المجيب أولا أكثرهم أجرا لذلك "فلو طلب" الأداء "من اثنين" بأعيانهما "لزمهما" وكذا لو طلب من واحد منهم ليحلف معه "في الأصح" لئلا يفضي إلى التواكل وفارق التحمل بأنه حمل أمانة وهذا أداؤها وإنما لم يجب القضاء على من عين له وهناك غيره؛ لأنه أخطر من الأداء ولو علما إباء الباقين لزمهما قطعا "وإن لم يكن" في القضية "إلا واحد لزمه" الأداء إذا دعي له "إن كان فيما يثبت بشاهد ويمين" والقاضي المطلوب إليه يرى الحكم بهما إذ لا عذر له. "وإلا" يكن في ذلك "فلا" يلزمه إذ لا فائدة لأدائه "وقيل لا يلزم الأداء إلا من تحمل قصدا لا اتفاقا" لأنه لم يلتزم، ورد بأنها أمانة حصلت عنده كثوب طيرته الريح إلى داره والأوجه أن النساء فيما يقبلن فيه كالرجال فيما ذكر وإن كان معهن في القضية رجال نعم المخدرة لا تكلف

 

ج / 4 ص -432-        خروجا فيرسل لها من يشهد عليها على الأوجه أيضا ولو دعي لإشهادين واتحد الوقت فإن كان أحدهما أخوف فوتا قدمه وإلا تخير.
"ولوجوب الأداء" ولو عينا "شروط" أحدها "أن يدعى من مسافة العدوى" فأقل ومر بيانها للحاجة إلى الإثبات مع تعذره بالشهادة على الشهادة إذ لا تقبل حينئذ فإن دعي لما فوقها لم يجب للضرر مع إمكان الشهادة على الشهادة وظاهر كلامهم أنه في البلد يلزمه الحضور مطلقا وعبارة الشيخين كالصريحة فيه لكن استثنى منه الماوردي ما إذا لم يعتد المشي ولا مركوب له أو أحضر له مركوب وهو ممن يستنكر الركوب في حقه فلا يلزم الأداء وخرج بيدعى ما إذا لم يطلب فلا يلزمه الأداء إلا في شهادة حسبة فيلزمه فورا إزالة للمنكر "وقيل" أن يدعى من "دون مسافة القصر"؛ لأنه في حكم الحاضر أما من مسافة القصر فلا يجب جزما لكن بحث الأذرعي وجوبه إذا دعاه الحاكم وهو في عمله أو الإمام الأعظم مستدلا بفعل عمر رضي الله عنه واستدلاله إنما يتم في الإمام دون غيره والفرق بينهما ظاهر "و" ثانيها. "أن يكون عدلا فإن دعي ذو فسق مجمع عليه" ظاهر أو خفي لم يجب عليه الأداء؛ لأنه عبث بل يحرم عليه وإن خفي فسقه؛ لأنه يحمل الحاكم على حكم باطل لكن مر عن ابن عبد السلام أوائل الباب وتبعه جمع جوازه وهو متجه إن انحصر خلاص الحق فيه ثم رأيت بعضهم صرح به والماوردي ذكر ما يوافق ابن عبد السلام في الخفي؛ لأن في قبوله خلافا "قيل أو مختلف فيه" كشرب ما لا يسكر من النبيذ "لم يجب" الأداء عليه؛ لأنه يعرض نفسه لرد القاضي له بما يعتقده الشاهد غير قادح والأصح أنه يلزمه وإن اعتقد هو أنه مفسق؛ لأن الحاكم قد يقبله وهو ظاهر في مجتهد أما غيره المعتقد لفسقه الممتنع عليه تقليد غير إمامه بنحو شرط أو عادة من موليه فيظهر أنه لا يلزمه الأداء عنده؛ لأنه حينئذ كالمجمع عليه ولا يلزم العدل الأداء مع فاسق مجمع عليه إلا إذا كان الحق يثبت بشاهد ويمين "و" ثالثها أن يدعى لما يعتقده على أحد الوجهين في الروضة لكن الأوجه مقابله بناء على الأصح أنه يجوز للشاهد أن يشهد بما يعتقده الحاكم دونه كشفعة الجوار؛ لأن العبرة بعقيدة الحاكم لا غير ولذا جاز للشافعي طلبها والأخذ بها عند الحنفي لما مر من نفوذ الحكم بها وبغيرها ظاهرا أو باطنا فلأن يجوز للشاهد تحمل ذلك وأداؤه بالأولى فإن قلت إنما يظهر ذلك إن تحمله اتفاقا لا قصدا إذ كيف يقصد تحمل ما يعتقد فساده قلت قد تقرر أنه لا عبرة هنا باعتقاده ومن ثم لم يجز له الإنكار على متعاطي غير اعتقاده فجاز له حضوره إلا نحو شرب النبيذ مما ضعفت شبهته فيه كما مر في الوليمة. نعم لا يجوز له أن يشهد بصحة أو استحقاق ما يعتقد فساده ولا إن بتسبب في وقوعه إلا إن قلد القائل بذلك. ورابعها "أن لا يكون معذورا بمرض ونحوه" من كل عذر يرخص في ترك الجمعة مما مر ونحوه نعم إنما تعذر امرأة مخدرة دون غيرها كما مر ومر في كون نفي الولد على الفور ما له تعلق بما هنا "فإن كان" معذورا بذلك "أشهد على شهادته" قال الزركشي ظاهره لزوم الإشهاد لكن قال الماوردي مذهب الشافعي أن الواجب الأداء لا الإشهاد على شهادته ثم اختار تفصيلا وقال شيخه الصيمري: لا بأس بالإشهاد وفي

 

ج / 4 ص -433-        المرشد لا يجب إلا أن يخاف ضياع الحق المشهود به ا هـ ملخصا وقوله ظاهره لزوم الإشهاد عليه عجيب مع قول المتن أو بعث والذي يتجه من الخلاف الذي ذكره ما في المرشد لكن إن نزل به ما يخاف موته منه نظير ما مر في الإيصاء الوديعة "أو بعث القاضي من يسمعها" دفعا للمشقة عنه وأفهم اقتصاره على هذه الثلاثة أنه لا يشترط زيادة عليها فيلزمه الأداء عند نحو أمير وقاض فاسق لم تصح توليته إن توقف خلاص الحق عليه ويأتي أول الدعاوى أنه لا يحتاج هنا لدعوى؛ لأن هذا إنما جاز لضرورة توقف خلاص الحق على الأداء عنده فهو بمنزلة إعلام قادر بمعصية ليزيلها وبهذا اتضح ما اقتضاه إطلاقهم أنه لا فرق في نحو الأمير بين الجائر وغيره ولا بين من فوض الإمام إليه الحكم أو الأمر بالمعروف ومن لم يفوض له شيئا من ذلك ويؤيده ما تقرر في قاض فاسق لم تصح توليته وظاهر أن في معنى توقف خلاص الحق عليه ما لو كان المتولي يخلص أيضا لكن برشوة له أو لبعض أتباعه؛ لأنه حينئذ في حكم العدم وعند قاض متعنت أو جائر أي: ما لم يخش منه على نفسه كما هو ظاهر. ولو قال: لي عند فلان شهادة وهو ممتنع من أدائها من غير عذر لم يجبه لاعترافه بفسقه بخلاف ما إذا لم يقل من غير عذر لاحتماله ويتعين على المؤدي لفظ أشهد فلا يكفي مرادفه كأعلم؛ لأنه أبلغ في الظهور ومر أوائل الباب حكم إتيان الشاهد بمرادف ما سمعه ولو عرف الشاهد السبب كالإقرار فهل له أن يشهد بالاستحقاق أو الملك وجهان قال ابن الرفعة قال ابن أبي الدم أشهرهما لا وهو ظاهر نص الأم والمختصر وإن كان فقيها موافقا؛ لأنه قد يظن ما ليس بسبب سببا ولأن وظيفته نقل ما سمعه أو رآه ثم ينظر الحاكم فيه ليرتب عليه حكمه لا ترتيب الأحكام على أسبابها وقال ابن الصباغ كغيره بعد اطلاعه على النص تسمع وهو مقتضى كلام الشيخين ولك أن تجمع بحمل الأول على من لا يوثق بعلمه والثاني على من يوثق بعلمه لكن قولهم يندب للقاضي أن يسأل الشاهد عن جهة الحق إذا لم يثق بكمال عقله وشدة حفظه يقتضي بل يصرح بقبول شهادة غير الموثوق به مع إطلاق الاستحقاق فيتأيد به كلام ابن الصباغ وغيره ومما يصرح به أيضا قول القاضي في فتاويه لو شهدت بينة بأن هذا غير كفء لهذه لم تقبل؛ لأنها شهادة نفي فالطريق أن يشهدوا بأنها حرام عليه إن وقع العقد ا هـ. فتأمل إطلاقه قبول قولهما حرام عليه من غير ذكر السبب لكن يتعين حمله على فقيهين متيقظين موافقين لمذهب الحاكم بحيث لا يتطرق إليهما تهمة ولا جزم بحكم فيه خلاف في الترجيح وكذا يقال في كل ما قلنا فيه بقبول الإطلاق. ويؤيده قول المتن الآتي فإن لم يبين ووثق القاضي بعلمه فلا بأس ولو شهد واحد شهادة صحيحة فقال الآخر أشهد بما أو بمثل ما شهد به لم يكف حتى يقول بمثل ما قاله ويستوفيها لفظا كالأول؛ لأنه موضع أداء لا حكاية قاله الماوردي وغيره واعتمده ابن أبي الدم وابن الرفعة لكن اعترضه الحسباني بأن عمل من أدركهم من العلماء على خلافه ومن ثم قال من بعده والعمل على خلاف ذلك. قال جمع: ولا يكفي أشهد بما وضعت به خطي ولا بمضمونه ونحو ذلك مما فيه إجمال وإبهام ولو من عالم ويوافقه قول ابن عبد السلام واعتمده الأذرعي وغيره ولا يكفي قول القاضي اشهدوا علي بما

 

ج / 4 ص -434-        وضعت به خطي لكن في فتاوى البغوي ما يقتضي أنه يكفي بما تضمنه خطي إذا عرف الشاهد والقاضي ما تضمنه الكتاب ويقاس به بما وضعته به ومن ثم قال غير واحد إن عمل كثيرون على الاكتفاء بذلك في الكل ولا نعم لمن قال له نشهد عليك بما نسب إليك في هذا الكتاب إلا إن قيل ذلك له بعد قراءته عليه وهو يسمعه وكذا المقر نعم إن قال أعلم ما فيه وأنا مقر به كفى ولو قال اشهدوا أو اكتبوا أن له علي كذا لم يشهدوا؛ لأنه ليس إقرارا كما مر بما فيه أوائل الإقرار وإنما هو مجرد أمر بخلاف اشهدوا له علي أني بعت أو أوصيت مثلا على ما ذكره بعضهم ويوجه بأن في إسناده إنشاء العقد الموجب لنفسه صريحا فصح الإشهاد به عليه بخلاف الأول ولا يجوز لمن سمع نحو إقرار أو بيع أن يشهد بما يعلم خلافه وأفتى ابن عبد السلام بجواز الشهادة على المكس أي: من غير أخذ شيء منه إذا قصد ضبط الحقوق لترد لأربابها إن وقع عدل.
تنبيه: يستثنى أي: بناء على ما مر آنفا عن ابن الصباغ وغيره مسائل يجب التفصيل في الشهادة بها كالدعوى منها: أن يقر لغيره بعين ثم يدعيها لا بد أن يصرح كبينته بناقل من جهة المقر له ومنها الشهادة بإكراه أو سرقة أو نظر وقف أو بأنه وارث فلان أو ببراءة مدين مما ادعى به عليه أو بجرح أو رشد أو رضاع أو نكاح أو قتل أو طلاق أو بلوغ بسن بخلافها بمطلق البلوغ أو بوقف فلا بد من بيان مصرفه بخلاف الوصية ويظهر أن محل ذلك في الوقف في غير شاهد الحسبة؛ لأن القصد منها رفع يد المالك فيحفظها القاضي حتى يظهر لها مستحق أو بأن المدعي اشترى ما بيد خصمه من أجنبي فلا بد من التصريح بأنه كان يملكها أو ما يقوم مقامه أو باستحقاق الشفعة أو بأنه عقد زائلا عقله فيبين سبب زواله أو بانقضاء العدة، وشهادة البينة بأن أباه مات والمدعى به في يده أو وهو ساكن فيه كالشهادة بالملك لتضمنها له بخلاف مجرد مات فيه أو كان فيه حتى مات أو مات وهو لابسه؛ لأنها لم تشهد بملك ولا يد ويكفي قول شاهد النكاح أشهد أني حضرت العقد أو حضرته وأشهد به ولو قالا لا شهادة لنا في كذا ثم شهدا في زمن يحتمل وقوع التحمل فيه لم يؤثر وإلا أثر ولو قال لا شهادة لي على فلان ثم قال كنت نسيت قبل على الأوجه إن اشتهرت ديانته كما مر.

فصل في الشهادة على الشهادة
"تقبل الشهادة على الشهادة في غير عقوبة" لله تعالى من حقوق الآدمي، وحقوق الله تعالى كزكاة وحد الحاكم لفلان على نحو زناه وهلال نحو رمضان للحاجة إلى ذلك بخلاف عقوبة لله تعالى كحد زنا وشرب وسرقة وكذا إحصان من ثبت زناه أو ما يتوقف عليه الإحصان لكن بحث البلقيني قبولها فيه إن ثبت زناه بإقراره لإمكان رجوعه ويرد بأنهم لو نظروا لذلك لأجازوها في الزنا المقر به لإمكان الرجوع عنه وليس كذلك فكذا الإحصان وذلك؛ لأن مبناها على الدرء ما أمكن "وفي عقوبة لآدمي" كقود وحد قذف "على المذهب" لبناء حقه على المضايقة "وتحملها" الذي يعتد به إنما يحصل بأحد ثلاثة أمور:

 

ج / 4 ص -435-        إما "بأن يسترعيه" الأصل أي: يلتمس منه رعاية شهادته وضبطها حتى يؤديها عنه؛ لأنها نيابة فاعتبر فيها إذن المنوب عنه أو ما يقوم مقامه مما يأتي نعم لو سمعه يسترعي غيره جاز له الشهادة على شهادته وإن لم يسترعه هو بخصوصه "فيقول أنا شاهد بكذا" فلا يكفي أنا عالم ونحوه "وأشهدك" أو أشهدتك "أو اشهد على شهادتي" أو إذا استشهدت على شهادتي فقد أذنت لك أن تشهد ونحو ذلك "أو" بأن "يسمعه يشهد" بما يريد أن يتحمله عنه "عند قاض" أو محكم. قال البلقيني: أو نحو أمير أي: تجوز الشهادة عنده لما مر فيه. قال: إذ لا يؤدي عنده إلا بعد التحقق فأغناه ذلك عن إذن الأصل له فيه "أو" بأن يبين السبب كأن "يقول" ولو عند غير حاكم "أشهد أن لفلان على فلان ألفا من ثمن مبيع أو غيره" لأن إسناده للسبب يمنع احتمال التساهل فلم يحتج لإذنه أيضا. وهل يتعين هنا أن يسمع منه لفظ أشهد أو يكفي مرادفه بكل محتمل ؟ وقياس ما سبق التعين وعليه يدل المتن وإن أمكن الفرق بأن المدار هنا ليس إلا على تبيين السبب لا غير "وفي هذا" الأخير "وجه" أنه لا بد من إذنه؛ لأنه قد يتوسع في العبارة ولو دعي للأداء لأحجم ويتعين ترجيحه فيما لو دلت القرائن القطعية من حال الشاهد على تساهله وعدم تحريره للعبارة "ولا يكفي سماع قوله لفلان على فلان كذا أو أشهد بكذا أو عندي شهادة بكذا" وإن قال شهادة جازمة لا أتمارى فيها لاحتمال هذه الألفاظ الوعد والتجوز كثيرا "وليبين الفرع عند الأداء جهة التحمل" كأشهد أن فلانا يشهد بكذا وأشهدني أو سمعته يشهد به عند قاض أو يبين سببه ليتحقق القاضي صحة شهادته إذ أكثر الشهود لا يحسنها هنا "فإن لم يبين" جهة التحمل "ووثق القاضي بعلمه" وموافقته له في هذه المسألة فيما يظهر "فلا بأس" إذ لا محذور نعم يسن له استفصاله، "ولا يصح التحمل على شهادة مردود الشهادة" بمانع قام به مطلقا أو بالنسبة لتلك الواقعة لعدم الثقة بقوله ولأن بطلان الأصل يستلزم بطلان الفرع "ولا" يصح "تحمل" الخنثى ما دام إشكاله ولا تحمل "النسوة" ولو على مثلهن في نحو ولادة؛ لأن الشهادة على الشهادة مما يطلع عليه الرجال غالبا وشهادة الفرع إنما تثبت شهادة الأصل لا ما شهد به الأصل ومن ثم لم يصح تحمل فرع واحد عن أصل واحد فيما يثبت بشاهد ويمين وإن أراد المدعي أن يحلف مع الفرع "فإن مات الأصل أو غاب أو مرض لم يمنع شهادة الفرع" لأن ذلك غير نقص بل هو أو نحوه السبب في قبول شهادة الفرع كما سيذكره وإنما قدمه هنا توطئة لقوله "وإن حدث" بالأصل "ردة أو فسق أو عداوة" بينه وبين المشهود عليه أو تكذيب الأصل له كأن قال نسيت التحمل أو لا أعلمه قبل الحكم ولو بعد أداء الفرع "منعت" شهادة الفرع؛ لأن كلا من غير الأخيرة لا يهجم دفعة فيورث ريبة فيما مضى إلى التحمل ولو زالت هذه الأمور اشترط تحمل جديد أما بعد الحكم فلا يؤثر إلا إذا كان قبل استيفاء عقوبة أخذا مما يأتي في الرجوع قال البلقيني "وجنونه كموته على الصحيح" فلا يؤثر؛ لأنه لا يوقع ريبة في الماضي ومثله عمى وخرس وكذا إغماء إن غاب وإلا انتظر زواله لقربه أي: باعتبار ما من شأنه لكن يشكل عليه ما قدمه في ولي النكاح من التفصيل إلا أن يفرق بخلاف نحو المرض لا ينتظر زواله؛ لأنه لا ينافي الشهادة.

 

ج / 4 ص -436-        تنبيه: أطلقوا الجنون هنا وقيدوه في الحضانة كما مر فهل يتأتى هنا ذلك التفصيل أو يؤدى عنه هنا حال الجنون مطلقا كل محتمل والثاني أقرب وعليه فيفرق بينه وبين الإغماء برجاء زواله غالبا خلاف الجنون وبين ما هنا والحضانة بأن الحق ثم ثابت له فلا ينتقل عنه إلا عند تحقق ضياع المحضون، وجنون يوم في سنة لا يضيعه.
"ولو تحمل فرع فاسق أو عبد" أو صبي "فأدى وهو كامل قبلت" شهادته كالأصل إذا تحمل ناقصا ثم أدى كاملا "وتكفي شهادة اثنين على" كل من "الشاهدين" كما لو شهدا على إقرار كل من رجلين فلا يكفي شهادة واحد على هذا وواحد على هذا ولا واحد على واحد في هلال رمضان "وفي قول يشترط لكل رجل أو امرأة اثنان" لأنهما إذا شهدا على أصل كانا كشطر البينة فلا يجوز قيامهما بالشطر الثاني، "وشرط قبولها" أي: شهادة الفرع على الأصل "تعسر" الأصل "أو تعذر الأصل بموت أو عمى" فيما لا يقبل فيه الأعمى "أو مرض" غير إغماء لما مر فيه "يشق" معه "حضوره" مشقة ظاهرة بأن يجوز ترك الجمعة كما قاله الإمام وإن اعترض ومن ثم كانت أعذار الجمعة أعذارا هنا؛ لأن جميعها يقتضي تعسر الحضور قال الشيخان. وكذا سائر الأعذار الخاصة بالأصل فإن عمت الفرع أيضا كالمطر والوحل لم يقبل واعترضه الإسنوي وغيره بأنه قد يتحمل المشقة لنحو صداقة دون الأصل ويرد بأن المحل محل حاجة ومع شمول العذر لهما ينتفي كونه محل حاجة كما هو ظاهر. "أو غيبة لمسافة عدو" يعني لفوقها كما في الروضة وغيرها؛ لأن ما دونه في حكم البلد "وقيل" لمسافة "قصر" لذلك ويرد بمنعه في هذا الباب وإنما اشترطوها في غيبة ولي النكاح؛ لأنه يمكنه التوكيل بلا مشقة بخلاف الأصل هنا ومر في التزكية قبول شهادة أصحاب المسائل بها عن آخرين في البلد وإن قلنا إنها شهادة على شهادة في البلد لمزيد الحاجة لذلك ولو حضر الأصل قبل الحكم تعينت شهادته؛ لأن القدرة عليه تمنع الفرع ويتجه أن الحكم كذلك لو عاده القاضي كما لو برئ من مرضه. وإن فرق ابن أبي الدم ببقاء العذر هنا لا ثم؛ لأنه بحضور القاضي عنده لم يبق هناك عذر حتى يقال إنه باق وليس ما ذكرنا هنا تكرارا مع ما مر آنفا من أن نحو موت الأصل وجنونه وعماه لا يمنع شهادة الفرع؛ لأن ذلك في بيان طريان العذر وهذا في مسوغ الشهادة على الشهادة وإن علم ذاك من هذا كما مرت الإشارة إليه "وأن يسمي" الفرع "الأصول" في شهادته عليهم تسمية تميزهم ليعرف القاضي حالهم ويتمكن الخصم من القدح فيهم وفي وجوب تسمية قاض شهد عليه وجهان وصوب الأذرعي الوجوب في هذه الأزمنة لما غلب على القضاة من الجهل والفسق "ولا يشترط أن يزكيه الفروع" ولا أن يتعرضوا لصدقه فيما شهد به بل لهم إطلاق الشهادة والقاضي يبحث عن عدالته "فإن زكوهم قبل" ذلك منهم إن تأهلوا للتعديل إذ لا تهمة وإنما لم تقبل تزكية أحد شاهدين في واقعة للآخر؛ لأنه قام بأحد شطري الشهادة فلا يقوم بالآخر وتزكية الفرع للأصل من تتمة شهادة الفرع ولذا شرطت على وجه.
تنبيه: تفنن هنا بجمع الأصول والفروع تارة وإفراد كل أخرى.

 

ج / 4 ص -437-        "ولو شهدوا على شهادة عدلين أو عدول ولم يسموهم لم يجز" أي: لم يكف؛ لأنه يسد باب الجرح على الخصم.

فصل في الرجوع عن الشهادة
وشرط جريان أحكامه الآتية أن لا يكون ثم حجة غيره أخذا من قولهم لو شهدا على خصم فأقر بالحق قبل الحكم فالحكم بالإقرار لا بالشهادة لكن مر في الرجوع عن الإقرار بالزنا وقد قامت به بينة تفصيل ينبغي أن يأتي هنا من أن الحكم إن أسند للبينة جرت أحكام الرجوع فيه أو للإقرار فلا إذا "رجعوا" أو من يكمل النصاب به أو مات مورثه الذي شهد له كما مر في مبحث التهمة "عن الشهادة" التي أدوها بين يدي الحاكم "قبل الحكم" بشهادتهم ولو بعد ثبوتها بناء على الأصح السابق أنه ليس بحكم مطلقا خلافا للزركشي الباحث أنه كالرجوع بعد الحكم وإن قلنا إنه ليس بحكم نعم لا يبعد قوله أيضا، قولهم بعد الحكم محله فيما يتوقف على الحكم فأما ما يثبت وإن لم يحكم أي: كرمضان فالظاهر أنه كما بعد الحكم ا هـ. بأن صرحوا بالرجوع ومثله شهادتي باطلة أو لا شهادة لي فيه وفي أبطلتها أو فسختها أو رددتها وجهان ويتجه أنه غير رجوع إذ لا قدرة له على إنشاء إبطالها الذي هو ظاهر كلامه بخلاف ما لو قال هي باطلة أو منقوضة أو مفسوخة؛ لأنه إخبار بأنها لم تقع صحيحة من أصلها وبخلاف ما لو قال أردت بأبطلتها مثلا أنها باطلة في نفسها ثم رأيت من أطلق ترجيح أن ذلك رجوع ويتعين حمله على ما ذكرته آخرا. وقوله للحاكم بعد شهادته عنده: توقف عن الحكم. يوجب توقفه ما لم يقل له احكم؛ لأنه لم يتحقق رجوعه نعم إن كان عاصيا وجب سؤاله عن سبب توقفه كما علم مما مر. "امتنع" الحكم بها لزوال سببه كما لو طرأ مانع من قبول الشهادة قبله إن كان نحو فسق أو عداوة أو صار المال له بموت المشهود له وهو وارثه كما مر لا نحو موت أو جنون أو عمى كما قاله الأذرعي ولأنه لا يدري أصدقوا في الأول أو الثاني ويفسقون ويعزرون إن قالوا تعمدنا ويحدون للقذف إن كانت بزنا وإن ادعوا الغلط وتقبل البينة بعد الحكم بشهادتهما برجوعهما قبله وإن كذباها كما تقبل بفسقهما وقته أو قبله بزمن لا يمكن فيه الاستبراء ولا تقبل بعده برجوعهما من غير تعرض لكونه قبله أو بعده فيما يظهر ثم رأيت أبا زرعة قال في فتاويه ما ملخصه تقبل البينة بالرجوع؛ لأنه إما فاسق أو مخطئ ثم إن كان قبل الحكم امتنع أو بعده فإن كانت بمال غرماه وبقي الحكم ا هـ. فعلم أنه ليس لهما بعد الرجوع وإن ثبت بالبينة وكذباها العود للشهادة مطلقا؛ لأنهما إما فاسقان إن تعمدا أو مخطئان وقد صرحوا بأن المخطئ لا تسمع منه إعادة الشهادة لكن بقيد مر أوائل الباب ويظهر أنه لا يأتي هنا، "أو" رجعوا "بعده" أي: الحكم "وقبل استيفاء مال استوفي" أو قبل العمل بإثر عقد أو حل أو فسخ عمل به؛ لأن الحكم تم وليس هذا مما يسقط بالشبهة "أو" قبل استيفاء "عقوبة" لآدمي كقود وحد قذف أو لله كحد زنا وشرب "فلا" تستوفى؛ لأنها تسقط بالشبهة "أو بعد" أي: بعد استيفائها "لم ينقض" لجواز كذبهم في الرجوع فقط وليس عكس هذا

 

 

ج / 4 ص -438-        أولى منه، والثابت لا ينقض بأمر محتمل وبه يبطل ما قيل: بقاء الحكم بغير سبب خلاف الإجماع قال السبكي وليس للحاكم أن يرجع عن حكمه إن كان بعلمه أو ببينة كما قاله غيره ووجهه أن حكمه إن كان باطن الأمر فيه كظاهره نفذ ظاهرا وباطنا وإلا بأن لم يتبين الحال نفذ ظاهرا فلم يجز له الرجوع إلا إن بين مستنده فيه كما علم مما مر في القضاء، ومحل ذلك في الحكم بالصحة بخلاف الثبوت والحكم بالموجب؛ لأن كلا منهما لا يقتضي صحة الثابت ولا المحكوم به؛ لأن الشيء قد يثبت عنده ثم ينظر في صحته ولأن الحكم بالصحة يتوقف على ثبوت استيفاء شروطها عنده ومنها ثبوت ملك العاقد أو ولايته فحينئذ جاز له بل لزمه أن يرجع عن حكمه بها إن ثبت عنده ما يقتضي رجوعه عنه كعدم ثبوت ملك العاقد ويقبل قوله بان لي فسق الشاهد فينقض حكمه ما لم يتهم وقوله أكرهت على الحكم قبل ولو بغير قرينة على الإكراه ا هـ. وقضية النظائر أنه لا بد منها إلا أن يفرق بأن فخامة منصب القاضي اقتضت ذلك وعليه فمحله في مشهور بالعلم والديانة لا كنت فاسقا أو عدوا للمحكوم عليه مثلا لاتهامه به "فإن كان المستوفى قصاصا" في نفس أو طرف "أو قتل ردة أو رجم زنا أو جلده" أي: الزنا ومثله جلد القذف "ومات" من القود أو الحد ثم رجعوا. "وقالوا" كلهم "تعمدنا" وعلمنا أنه يقتل بشهادتنا أو جهلنا ذلك وهو ممن لا يخفى عليهم أو ظننا أننا نجرح بأسباب فيما يتجه لي وإن بحث الرافعي أنهم مخطئون؛ لأن هذا لا عذر لهم فيه بوجه إلا إن كانت الأسباب أو بعضها ظاهرة لكل أحد وعليه قد يحمل كلام الرافعي أو قال كل منهم تعمدت ولا أعلم حال صاحبي أو اقتصر كل على قوله تعمدت "فعليهم" ما لم يعترف ولي القاتل بحقيقة ما شهد به عليه "قصاص" بشرطه ومنه أن يكون جلد الزنا يقتل غالبا ويتصور بأن يشهدا به في زمن نحو حر ومذهب القاضي يقتضي الاستيفاء فورا وإن أهلك غالبا وعلما ذلك وبهذا يجاب عن تنظير البلقيني فيه كابن الرفعة وأفهم قوله قصاص أنه يراعى فيه المماثلة فيحدون في شهادة الزنا حد القذف ثم يرجمون "أو" للتنويع لا للتخيير لما قدمه أن الواجب أولا القود، والدية بدل عنه لا أحدهما "دية مغلظة" في مالهم موزعة على عدد رءوسهم لنسبة إهلاكه إليهم وخرج بتعمدنا أخطأنا فعليهم دية مخففة في مالهم إلا إن صدقتهم العاقلة أما لو قال أحدهم تعمدت وتعمد صاحبي وقال صاحبه أخطأت أو قال تعمدت وأخطأ صاحبي أو قال أخطأنا فيقتل الأول فقط؛ لأنه أقر بموجبه دون الثاني ولو رجع أحدهما فقط وقال تعمدنا قتل أو تعمدت فلا واعترضه البلقيني بأنه كشريك القاتل بحق ويجاب بمنع ذلك فإن الشاهد الباقي غير حجة فليس قاتلا بحق بل الراجع حينئذ كشريك المخطئ بجامع أن كلا لا قود عليه لقيام الشبهة في فعله لا ذاته كما علم مما مر في الجراح وعلم منه أيضا أن محل هذا ما لم يقل الولي علمت تعمدهم وإلا فالقود عليه وحده، "وعلى القاضي قصاص إن" رجع وحده و "قال تعمدت" لاعترافه بموجبه فإن آل الأمر للدية فكلها مغلظة في ماله؛ لأنه قد يستقل بالمباشرة فيما إذا قضى بعلمه بخلاف ما إذا رجع هو والشهود فإنه يشاركهم كما يأتي على أن الرافعي بحث استواءهما "وإن رجع هو وهم" فعلى الجميع قصاص وإن قالوا "تعمدنا"

 

ج / 4 ص -439-        وعلمنا إلى آخره لنسبة هلاكه إليهم كلهم "فإن قالوا: أخطأنا فعليه نصف دية" مخففة "وعليهم نصف" كذلك توزيعا على المباشرة والسبب "ولو رجع مزك" وحده أو مع من مر "فالأصح أنه يضمن" بالقود أو الدية؛ لأنه بالتزكية يلجئ القاضي للحكم المقتضي للقتل ويفرق بينه وبين ما يأتي في شاهد الإحصان بأن الزنا مع قطع النظر عن الإحصان صالح للإلجاء وإن اختلف الحد والشهادة مع قطع النظر عن التزكية غير صالحة أصلا فكان الملجئ هو التزكية وبه يندفع ما لجمع هنا. ولو رجع الأصل وفرعه اختص الغرم بالفرع؛ لأنه الملجئ كالمزكي "أو" رجع "ولي وحده" دون الشهود "فعليه قصاص أو دية" كاملة؛ لأنه المباشر للقتل وبحث البلقيني أنه لا أثر لرجوعه في قطع الطريق؛ لأن الاستيفاء لا يتوقف عليه بل لا يسقط بعفوه كما مر "أو" رجع الولي "مع الشهود" أو مع القاضي والشهود "فكذلك" لأنه المباشر فهم كالممسك مع القاتل "وقيل هو وهم شركاء" لكن عليه نصف الدية إن وجبت لتعاونهم على القتل.
"ولو شهدا بطلاق بائن" بخلع أو ثلاث ولو لرجعية كما بحثه البلقيني "أو رضاع" محرم "أو لعان وفرق القاضي" بين المشهود عليه وزوجته ويؤخذ منه أن الكلام في حي فلا غرم في شهود ببائن على ميت كما أفهمه كلامهم هذا مع علتهم الآتية إذ لا تفويت فقول البلقيني لم أر من تعرض له أي: صريحا "فرجعا دام الفراق" لما مر أن قولهما في الرجوع محتمل والقضاء لا يرد بمحتمل وبحث البلقيني أنه لا يكفي التفريق بل لا بد من القضاء بالتحريم ويترتب عليه التفريق؛ لأنه قد يقضي به من غير حكم بتحريم كما في النكاح الفاسد ويجاب بما مر أن الأصح أن تصرف القاضي في أمر رفع إليه وطلب منه فصله حكم منه كقسمة مال المفقود ولا شك أن التفريق هنا مثلها فلا يحتاج لما ذكره قبل قوله: دام الفراق غير مستقيم في البائن فإنه لا يدوم فيه ا هـ. وهو فاسد فإن المراد دوامه ما لم يوجد سبب يرفعه والبائن كذلك "وعليهم" حيث لم يصدقهم الزوج ولا شهدوا بعوض خلع يساوي مهر المثل بناء على ما في الروضة عن ابن الحداد وغيره ولا كان الزوج قنا كله؛ لأنه لا ملك له والسيد لا تعلق له ببضع زوجة عبده وإعادة ضمير الجمع على الاثنين سائغ "مهر المثل" ساوى المسمى أو لا؛ لأنه بدل البضع الذي فوتاه عليه فإن كان مجنونا أو غائبا طالب وليه أو وكيله "وفي قول" عليهم "نصفه" فقط "إن كان" الفراق "قبل وطء" لأنه الذي فوتاه وأجيب بأن النظر في الإتلاف لبدل المتلف لا لما قام به على المستحق ولهذا لو أبرأته عنه رجع بكله وخرج بالبائن الرجعي فإن راجع فلا غرم إذ لا تفويت والأوجب كالبائن وتمكنه من الرجعة لا يسقط حقه ألا ترى أن من قدر على دفع متلف ماله فسكت لا يسقط حقه من تغريمه لبدله وبه يجاب عما للبلقيني هنا "ولو شهدا بطلاق وفرق" بينهما "فرجعا فقامت بينة" أو ثبت بحجة أخرى "أنه" لا نكاح بينهما كأن ثبت أنه "كان بينهما رضاع محرم" أو أنها بانت من قبل "فلا غرم" عليهما إذ لم يفوتا عليه شيئا فإن غرما قبل البينة استردا "ولو رجع شهود مال" عين ولو أم ولد شهدا بعتقها أو دين وإن قالوا غلطنا "غرموا" للمحكوم عليه قيمة المتقوم ومثل المثلي بعد غرمه لا قبله،

 

ج / 4 ص -440-        وهل يعتبر فيها وقت الشهادة لأنها السبب أو الحكم؛ لأنه المفوت ؟ حقيقة كل محتمل والأقرب الأول في الشاهد والثاني في الحاكم ولا رجوع في الشهادة بالاستيلاد إلا بعد موت السيد وبالتعليق إلا بعد وجود الصفة "في الأظهر" لأنهم أحالوا بينهم وبين ماله ومن ثم لو فوتوه ببدله كبيع بثمن يعادل المبيع لم يغرموا كما قاله الماوردي واعتمده البلقيني وشذ ابن عبد السلام ومن تبعه في قوله من سعى برجل لسلطان فغرمه شيئا رجع به على الساعي كشاهد رجع وكما لو قال هذا لزيد بل لعمرو ا هـ. والفرق واضح إذ لا إلجاء من الساعي شرعا "ومتى رجعوا كلهم وزع عليهم الغرم" بالسوية إن اتحد نوعهم وإن ترتب رجوعهم أو زادوا على النصاب "أو" رجع "بعضهم وبقي نصاب" كأحد ثلاثة في غير زنا "فلا غرم" لبقاء الحجة "وقيل يغرم قسطه" لأن الحكم مستند للكل "وإن نقص النصاب ولم تزد الشهود عليه" كأن رجع أحد اثنين "فقسط" من النصاب وهو النصف يغرمه الراجع "وإن زاد" عدد الشهود على النصاب كاثنين من ثلاثة "فقسط من النصاب" فعليهما نصف لبقاء نصف الحجة "وقيل من العدد" فعليهما ثلثان لاستوائهم في الإتلاف "وإن شهد رجل وامرأتان" فيما يثبت بهم ثم رجعوا "فعليه نصف وهما نصف" على كل واحدة ربع؛ لأنهما كرجل وأخذ منه أنهم يتوزعون الأجرة كذلك وفيه نظر والفرق واضح فإن مدار الأجرة على التعب وهو يختلف باختلاف الأشخاص ومدار الحكم على الإلجاء وهو وليس كذلك والخنثى كالأنثى "أو" شهد رجل "وأربع في رضاع" ونحوه مما يثبت بمحضهن ثم رجعوا "فعليه ثلث وهن ثلثان" لما تقرر أن كل ثنتين برجل وهن ينفردن بهذه الشهادة فلم يتعين الشطر "فإن رجع هو أو ثنتان" فقط "فلا غرم في الأصح" لبقاء النصاب "وإن شهد هو وأربع" من النساء "بمال" ورجع الكل "فقيل كرضاع" فعليه الثلث أو هو وحده فعليه النصف كما علم من قوله أولا فقسط ويدل له أيضا قوله "والأصح" أنه "هو" عليه "نصف وهن" عليهن "نصف" لأنه النصف وهن وإن كثرن كنصف إذ لا يقبلن منفردات في المال "سواء رجعن معه أو" مر أن هذا لغة "وحدهن" بخلاف الرضاع يثبت بمحضهن "وإن رجع ثنتان إلخ" الأصح" أنه "لا غرم" عليهما لبقاء النصاب ولو شهد رجلان وامرأة ثم رجعوا لزمها الخمس "و" الأصح "أن شهود إحصان" مع شهود زنا "أو" شهود "صفة مع شهود تعليق طلاق وعتق لا يغرمون" إذا رجعوا بعد الرجم ونفوذ الطلاق أو العتق وإن تأخرت شهادتهم عن الزنا والتعليق أما شهود الإحصان فلما مر فيهم أول الفصل رجعوا مع شهود الزنا أو وحدهم وأما شهود الصفة فلأنهم لم يشهدوا بطلاق ولا عتق وإنما أثبتوا صفة فقط هي شرط لا سبب والحكم إنما يضاف للسبب لا للشرط.