تحفة المحتاج بشرح المنهاج ط العلمية

ج / 4 ص -441-        كتاب الدعوى
وهي لغة: الطلب والتمني ومنه قوله تعالى:
{وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ} [يس: 57] وجمعها دعاوى بفتح الواو وكسرها كفتاوى وشرعا قيل: إخبار عن سابق حق أو باطل للمخبر على غيره بمجلس الحكم وقيل: إخبار عن وجوب حق للمخبر على غيره عند حاكم ليلزمه به وهو الأشهر وكأنهم إنما لم يذكروا المحكم هنا مع ذكرهم له فيما بعد؛ لأن التعريف للدعوى حيث أطلقت وهي لا يتبادر منها إلا ذلك "والبينات" جمع بينة وهم الشهود؛ لأن بهم يتبين الحق وجمعوا لاختلاف أنواعهم كما مر والدعوى حقيقتها لا تختلف والأصل فيها قوله تعالى: {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ} [النور: 48] الآية وخبر الصحيحين: "لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه"، وفي رواية سندها حسن: "البينة على المدعي واليمين على من أنكر"، ومعناه توقف استحقاق المدعي على البينة لضعف جانبه بادعائه خلاف الأصل وبراءة المدعى عليه على اليمين لقوة جانبه بأصل براءته ولما كان مدار الخصومة على خمسة الدعوى والجواب واليمين والنكول والبينة ذكرها كذلك.
"تشترط الدعوى عند قاض" أو محكم أو سيد "في" غير مال مما لا تسمع فيه شهادة الحسبة سواء أكان في غير عقوبة كنكاح ورجعة وإيلاء وظهار وعيب نكاح أو بيع أو في "عقوبة" لآدمي "كقصاص وحد قذف" ولا يجوز للمستحق الاستقلال به لعظم خطره أما عقوبة لله تعالى فهي وإن توقفت على القاضي أيضا لكن لا تسمع فيها الدعوى؛ لأنها ليست حقا للمدعي نعم لقاذف أريد حده الدعوى على المقذوف وطلب حلفه على أنه لم يزن ليسقط الحد عنه إن نكل وما يوجب تعزيرا لحق الله تعالى تسمع الدعوى فيه إن تعلق بمصلحة عامة كطرح حجارة بطريق ومر أنه يجب الأداء عند نحو وزير وقضيته صحة الدعوى عنده كذا قيل وفيه نظر؛ لأن الذي مر أنه لا يلزمه الأداء عنده إلا إذا توقف استيفاء الحق عليه وحينئذ فالأداء لهذه الضرورة لا يستدعي توقفه على دعوى وبهذا يرد إيراد شارح لهذا وجواب آخر عنه وقضية قوله يشترط أنه لو استوفاه بدون قاض لم يقع الموقع وهو كذلك إلا في صور مرت في استيفاء القصاص وكل ما تقبل فيه شهادة الحسبة لا يحتاج فيه لدعوى بل لا تسمع على ما مر ومنه قتل من لا وارث له أو قذفه إذ الحق فيه للمسلمين وقتل قاطع الطريق الذي لم يتب قبل القدرة عليه؛ لأنه لا يتوقف على طلب وخرج بالعقوبة وما معها المال؛ لأن لمالكه ونحوه أخذه ظفرا من غير دعوى كما قال "وإن استحق" شخص "عينا" عند آخر بملك وكذا بنحو إجارة أو وقف أو وصية بمنفعة كما بحثه جمع أو ولاية كأن غصبت عين لموليه وقدر على أخذها "فله أخذها" مستقلا به "إن لم يخف فتنة" عليه أو على غيره كما هو ظاهر سواء أكانت يده عادية أم

 

ج / 4 ص -442-        لا كأن اشترى مغصوبا لا يعلمه نعم من ائتمنه المالك كوديع يمتنع عليه أخذ ما تحت يده من غير علمه؛ لأن فيه إرعابا له بظن ضياعها ومنه يؤخذ حرمة كل ما فيه إرعاب للغير ودليله أن زيد بن ثابت نام في حفر الخندق فأخذ بعض أصحابه سلاحه فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ترويع المسلم من يومئذ ذكره في الإصابة لكن يشكل عليه ما رواه أحمد أن أبا بكر خرج تاجرا ومعه بدريان نعيمان وسويبط فقال له أطعمني قال حتى يجيء أبو بكر فذهب لأناس ثم وباعه لهم موريا أنه قنه بعشر قلائص فجاءوا وجعلوا في عنقه حبلا وأخذوه فبلغ ذلك أبا بكر رضي الله عنه فذهب هو وأصحابه إليهم فأخذوه منهم ثم أخبر النبي صلى الله عليه وسلم فضحك هو وأصحابه من ذلك حتى بدا سنه وقد يجمع بحمل النهي على ما فيه ترويع لا يحتمل غالبا كما في القصة الأولى والإذن على خلافه كما في الثانية؛ لأن نعيمان الفاعل لذلك معروف بأنه مضحاك مزاح كما في الحديث ومن هو كذلك الغالب أن فعله لا ترويع فيه كذلك عند من يعلم بحاله ورواية ابن ماجه أن الفاعل سويبط لا تقاوم رواية أحمد السابقة فتأمل ذلك فإني لم أر من أشار لشيء منه مع كثرة المزاح بالترويع وقد ظهر أنه لا بد فيه من التفصيل الذي ذكرته، ثم رأيت الزركشي قال في تكميله نقلا عن القواعد: إن ما يفعله الناس من أخذ المتاع على سبيل المزاح حرام وقد جاء في الحديث: "لا يأخذ أحدكم متاع صاحبه لاعبا جادا" جعله لاعبا من جهة أنه أخذه بنية رده وجعله جادا؛ لأنه روع أخاه المسلم بفقد متاعه ا هـ. وما ذكرته أولى وأظهر كما هو واضح وفي نحو الإجارة المتعلقة بالعين يأخذ العين ليستوفي المنفعة منها وفي الذمة يأخذ قيمة المنفعة التي استحقها من ماله ويظهر من كلام بعضهم أنه لا يستأجر بها وقياس ما يأتي من شراء غير الجنس بالنقد أنه يستأجر ويظهر أنه يلزمه الاقتصار على ما يتيقن أنه قيمة لتلك المنفعة أو يسأل عدلين يعرفانها ويعمل بقولهما "وإلا" بأن خاف فتنة أي: مفسدة تفضي إلى محرم كأخذ ماله لو اطلع عليه بأن غلب ذلك على ظنه وكذا إن استويا كما بحثه جمع "وجب الرفع" ما دام مريدا للأخذ "إلى قاض" أو نحوه لتمكنه من الخلاص به، "أو دينا" حالا "على غير ممتنع من الأداء طالبه" ليؤدي ما عليه "ولا يحل أخذ شيء له"؛ لأن له الدفع من أي ماله شاء فإن أخذ شيئا لزمه رده وضمنه إن تلف ما لم يوجد شرط التقاص "أو على منكر" أو من لا يقبل إقراره على ما بحثه البلقيني ورد بقول مجلي من له مال على صغير لا يأخذ جنسه من ماله اتفاقا ا هـ ويجاب بحمل هذا إن صح على ما إذا كان له بينة يسهل بها خلاص حقه "ولا بينة" له عليه أو له بينة وامتنعوا أو طلبوا منه ما لا يلزمه أو كان قاضي محله جائرا لا يحكم إلا برشوة فيما يظهر في الأخيرتين "أخذ جنس حقه من ماله" ظفرا لعجزه عن حقه إلا بذلك فإن كان مثليا أو متقوما أخذ مماثله من جنسه لا من غيره. "وكذا غير جنسه" أي: غير جنس حقه ولو أمة "إن فقده" أي: جنس حقه "على المذهب" للضرورة نعم إن وجد نقدا تعين ولو أنكر كون ما وجده ملكه لم يجز أخذه قطعا ولو كان المدين محجورا عليه بفلس أو ميتا وعليه دين لم يأخذ إلا قدر حصته بالمضاربة إن علمها أي: وإلا احتاط "أو على مقر ممتنع" ولو مماطلا "أو منكر وله بينة فكذلك" له الاستقلال

 

ج / 4 ص -443-        بأخذ حقه لما في الرفع من المؤنة والمشقة "وقيل يجب الرفع إلى قاض" لإمكانه وأطال جمع في الانتصار له وخرج باستحق عينا الزكاة؛ لأنها وإن تعلقت بعين المال شائعة فيه كما مر فإذا امتنع المالك من أدائها لم يكن للمستحقين وإن انحصروا إذا ظفروا بجنسها من ماله الظفر بها لتوقف إجزائها على النية وقضيته أنهم لو علموه عزل قدرها ونواها به جاز للمحصورين الظفر حينئذ والوجه خلافه؛ لأنه لا يتعين للزكاة بذلك إذ له الإخراج من غيره، "وإذا جاز الأخذ" ظفرا "فله" بنفسه لا بوكيله وإن كان الذي له تافه القيمة أو اختصاصا كما بحثه الأذرعي ولو قيل بجواز الاستعانة به لعاجز عن نحو الكسر بالكلية لم يبعد "كسر باب ونقب جدار" للمدين وليس مرهونا ولا مؤجرا مثلا ولا لمحجور عليه وغيرهما مما "لا يصل إلى المال إلا به" لأن من استحق شيئا استحق الوصول إليه ولا يضمن ما فوته كمتلف مال صائل تعذر دفعه إلا بإتلافه ونازع جمع في جواز هذا مع إمكان الرفع للحاكم ويرد بأن تعدي المالك أهدر ماله ومن ثم امتنع ذلك في غير متعد لنحو صغر. قال الأذرعي وفي غائب معذور وإن جاز الأخذ "ثم المأخوذ من جنسه" أي: جنس حقه "يتملكه" أي: يتموله ويتصرف فيه بدلا عن حقه وظاهره كالروضة والشرحين أنه لا يملكه بمجرد الأخذ لكن قال جمع يملكه بمجرده واعتمده الإسنوي وغيره؛ لأن الشارع أذن له في قبضه فكان كإقباض الحاكم له وهو متجه وأوجه منه الجمع بحمله على ما إذا كان بصفته أو بصفة أدون فحينئذ يملكه بمجرد أخذه بنية الظفر إذ لا يجوز له نية غيره كرهنه بحقه وحمل ما أفهمه كلامهما على غير الصفة بأن كان بصفة أرفع إذ هو كغير الجنس فيما يأتي فيه فلا يملكه وإنما يملك ما يشتريه بثمنه بمجرد الشراء فإذا كان دراهم مكسرة وظفر بصحاح لم يتملكها ولا يبيعها بمكسرة بل بدنانير ثم يشتري بها المكسرة فيملكها بمجرد الشراء وبهذا الجمع يظهر تأويل قولهما يتملكه بما ذكرناه مع فرضه في الحالة الثانية بأن يقال معنى يتملكه يتصرف فيه أما الأولى فلا يحتاج فيها بعد الأخذ ظفرا إلى تملك أي: تصرف ولا لفظ، "و" المأخوذ "من غيره" أي: الجنس أو منه وهو بصفة أرفع كما تقرر "يبيعه" بنفسه أو مأذونه للغير لا لنفسه اتفاقا أي: ولا لمحجوره كما هو ظاهر لامتناع تولي الطرفين وللتهمة هذا إن لم يتيسر علم القاضي به لعدم علمه ولا بينة أو مع أحدهما لكنه يحتاج لمؤنة ومشقة وإلا اشترط إذنه "وقيل يجب رفعه إلى قاض يبيعه" مطلقا؛ لأنه غير أهل للتصرف في مال غيره بنفسه ولا يبيعه إلا بنقد البلد ثم إن كان من جنس حقه تملكه وإلا اشترى جنس حقه لا بصفة أرفع وملكه "والمأخوذ" من الجنس وغيره "مضمون عليه" أي: الآخذ؛ لأنه أخذه لحظ نفسه "في الأصح فيضمنه" حيث لم يملكه بمجرد أخذه "إن تلف قبل تملكه" أي: الجنس "و" قبل "بيعه" أي: غير الجنس بل ويضمن ثمنه إن تلف بعد البيع وقبل شراء الجنس به فليبادر بحسب الإمكان فإن أخر فنقصت قيمته ضمن النقص ولو نقصت وارتفعت وتلف ضمن الأكثر قبل التملك لمالكه "ولا يأخذ" المستحق "فرق حقه إن أمكن الاقتصار" على قدر حقه لحصول المقصود به فإن زاد ضمن الزيادة إن أمكن عدم أخذها وإلا كأن كان له مائة فرأى سيفا بمائتين لم يضمن الزائد لعذره ويقتصر فيما

 

ج / 4 ص -444-        يتجزأ على بيع قدر حقه وكذا في غيره إن أمكن وإلا باع الجميع ثم يرد الزائد لمالكه بنحو هبة إن أمكنه وإلا أمسكه إلى أن يمكنه، "وله أخذ مال غريم غريمه" بأن يكون لزيد على عمرو دين ولعمرو على بكر مثله فلزيد أخذ ما له على عمرو من مال بكر وإن رد عمرو إقرار بكر له أو جحد بكر استحقاق زيد على عمرو وشرط المتولي أن لا يظفر بمال الغريم وأن يكون غريم الغريم جاحدا ممتنعا أيضا. قال الأذرعي أو مماطلا ويلزمه أن يعلم الغريم بأخذه حتى لا يأخذ ثانيا وإن أخذ كان هو الظالم ولا يلزمه إعلام غريم الغريم إذ لا فائدة فيه ومن ثم لو خشي أن الغريم يأخذ منه ظلما لزمه فيما يظهر إعلامه ليظفر من مال الغريم بما يأخذه منه ثم التصريح بذلك اللزوم وهو ما ذكره شارح وهو زيادة إيضاح وإلا فالتصوير المذكور يعلم منه علم الغريمين أما علم الغريم فمن قولهم وإن رد عمرو إقرار بكر له أما علم غريمه فمن قولهم أو جحد بكر إلى آخره فاندفع ما يقال الغريم قد لا يعلم بالأخذ فيأخذ من مال غريمه فيؤدي إلى الأخذ منه مرتين وغريمه قد لا يعلم بذلك فيأخذ منه الغريم فيؤدي إلى ذلك أيضا ووجه اندفاعه أن المسألة مصورة بالعلم فلا يرد ذلك.
فرع: له استيفاء دين له على آخر جاحد له بشهود دين آخر له عليه قضى من غير علمهم وله جحد من جحده إذا كان له على الجاحد مثل ما له عليه أو أكثر منه فيحصل التقاص وإن لم توجد شروطه للضرورة فإن كان له دون ما للآخر عليه جحد من حقه بقدره وفي الأنوار عن فتاوى القفال لو مات مدين فأخذ غريمه دينه من بعض أقاربه ظلما فللمأخوذ منه الرجوع على تركة الميت؛ لأن له مالا على الظالم وللظالم دين في التركة فيأخذ منها ما له على الظالم كمن ظفر بغير جنس حقه من مال مدينه ا هـ وفيه نظر كما قاله بعضهم ولعله من حيث التشبيه المذكور فلو قال كمن ظفر بمال غريم غريمه اتجه ما قاله.
"والأظهر أن المدعي" وشرطه أن يكون معينا معصوما مكلفا أو سكرانا وإن حجر عليه بسفه فيقول ووليي يستحق تسلمه "من يخالف قوله الظاهر" وهو براءة الذمة "والمدعى عليه" وشرطه ما ذكر "من يوافقه" أي: الظاهر واستشكل بأن الوديع إذا ادعى الرد أو التلف يخالف قوله الظاهر مع أن القول قوله ورد بأنه يدعي أمرا ظاهرا هو بقاؤه على الأمانة ويرده ما في الروضة وغيرها أن الأمناء الذين يصدقون في الرد بيمينهم مدعون؛ لأنهم يدعون الرد مثلا وهو خلاف الظاهر لكن اكتفي منهم باليمين؛ لأنهم أثبتوا أيديهم لغرض المالك وقدم في دعوى الدم والقسامة شرط المدعي والمدعى عليه في ضمن شروط الدعوى ولا يختلف الأظهر ومقابله في أغلب المسائل وقد يختلفان كما في قوله. "فإذا أسلم زوجان قبل وطء فقال" الزوج "أسلمنا معا فالنكاح باق وقالت" الزوجة بل أسلمنا "مرتبا" فلا نكاح "فهو مدع" لأن إسلامهما معا خلاف الظاهر وهي مدعى عليها لموافقتها الظاهر فتحلف هي ويرتفع النكاح وفي عكس ذلك لا نكاح أيضا ويصدق في سقوط المهر بيمينه، "و" من "ادعى نقدا" خالصا أو مغشوشا أو دينا مثليا أو متقوما "اشترط" فيه لصحة

 

ج / 4 ص -445-        الدعوى، وإن كان النقد غالب نقد البلد "بيان جنس ونوع وقدر وصحة و" هي بمعنى أو "تكسر" وغيرها من سائر الصفات "إن اختلفت بهما" يعني بكل واحد من المتقابلين ومقابله "قيمة" كألف درهم فضة خالصة أو مغشوشة أشرفية أطالبه بها؛ لأن شرط الدعوى أن تكون معلومة كما مر وما علم وزنه كالدينار ولا يشترط التعرض لوزنه ولا يشترط ذكر القيمة في المغشوش بناء على الأصح أنه مثلي فقول البلقيني يجب فيه مطلقا ممنوع ومر فيه أول البيع بسط فراجعه أما إذا لم يختلف بهما قيمة فلا يجب ذكرها إلا في دين السلم.
تنبيه: لا تسمع دعوى دائن مفلس ثبت فلسه أنه وجد مالا حتى يبين سببه كإرث واكتساب وقدره ومن له غريم غائب لا بد أن يقول لي غريم غائب الغيبة الشرعية ولي بينة تشهد بذلك ويأتي أن الدعوى إنما تسمع غالبا على من لو أقر بالمدعى به قبل.
"أو" ادعى "عينا" حاضرة بالبلد يمكن إحضارها بمجلس الحكم أما غيرها فقد مر قبيل القسمة بما فيه "تنضبط" بالصفات مثلية أو متقومة "كحيوان" وحبوب "وصفها" وجوبا "بصفة السلم"؛ لأنه لا تتميز التميز الكامل إلا بذلك "وقيل يجب معها ذكر القيمة" احتياطا وقضيته أنه لا تجب في متقوم ولا مثلي منضبط لكن ناقضاه في القضاء على الغائب فنقلا عن الأصحاب وجوبها في المتقوم دون المثلي ومر ما فيه فإن لم ينضبط بالصفات كجوهرة أو ياقوتة أو جواهر أو يواقيت وجب ذكر القيمة قال الماوردي مع جنس ونوع ولون اختلف ولا تسمع بأن له في ذمته نحو ياقوتة؛ لأنه لا يثبت فيها نعم إن ذكر السبب كأسلمت له دينارا في ياقوتة أو أطالبه به لفساد السلم أو ادعى إتلافا أو حيلولة وطلب القيمة وقدرها سمعت واعترض الزركشي وغيره زيادته على أصله معها بأن الثاني يكتفي بها وحدها كما بينه الرافعي ولو وجبت قيمة المغصوب للحيلولة كفى ذكرها وحدها على الأوجه؛ لأنها الواجبة الآن ولا بد أن يصرح في مذبوحة وحامل بأن قيمتها مذبوحة أو حاملا كذا ومر في القضاء على الغائب ما يجب في ذكر العقار والدعوى في مؤجر على المستأجر وإن كان لا يخاصم؛ لأنه بيده الآن دون مؤجره، "فإن تلفت" العين "وهي متقومة" بكسر الواو "وجب ذكر القيمة" مع الجنس كما بحثه جمع كعبد قيمته كذا بل قال البلقيني مع ذكر صفات السلم وبسطه لكن المعتمد الأول؛ لأنها الواجبة حينئذ بخلاف المثلية لا بد من ذكر صفاتها ليجب مثلها وقضية ذلك الاكتفاء في المتقومة التالفة بذكر القيمة وحدها وقد تسمع الدعوى بالمجهول في صور كثيرة كوصية وإقرار؛ لأن المقصود ثبوت الأصل لا غير ودية وغرة لانضباطهما شرعا وممر أو مجرى ماء بملك الغير بل يكفي مجرد تحديده إن لم ينحصر حقه في جهة منه وعليه يحمل إطلاق الهروي عدم وجوب تحديده أي: ذكر قدره وإلا وجب بيان قدره وعليه حمل إطلاق غيره وجوب بيانه بل قد لا تتصور إلا مجهولة وذلك فيما يتوقف تعيينه على القاضي كغرض مهر ومتعة وحكومة ورضخ قال الغزي ومن تبعه ودعوى زوجة أو قريب النفقة رد بأن واجب الزوجة مقدر لا اجتهاد فيه ونفقة القريب للمستقبل لا تسمع الدعوى بها وللماضي ساقطة وبعد فرض

 

ج / 4 ص -446-        القاضي معلومة، ويجاب بأن نفقة الزوجة يتوقف تقديرها على النظر في إعسار الزوج وغيره وذلك خاص بالقاضي فسمعت على أن منها نحو الأدم وهو غير مقدر لإناطته بالعادة ونظر القاضي وما ذكر في القريب يتصور بمطالبته بنفقته الآن فتسمع دعواه بأنه امتنع من إنفاقي الآن مع احتياجي له ويشترط للدعوى أيضا كونها ملزمة كما علم مما مر بأن يكون المدعى به لازما فلا تسمع بدين حتى يقول وهو ممتنع من أدائه ولا بنحو بيع أو هبة أو إقرار حتى يقول وقبضته بإذن الواهب أو أقبضنيه ويلزم البائع أو المقر التسليم إلي ويزيد المشتري إن لم ينقد الثمن وها هو ذا أو والثمن مؤجل ولا برهن بأن قال هذا ملكي رهنته منه بكذا إلا إن قال وأحضرته فيلزمه تسليمها إلي إذا قبضه واعتمد البلقيني في فتاويه وغيرها أن دعوى المرتهن الرهن لا تسمع إلا إن ادعى القبض المعتبر قال وذكر النووي في التحالف في القراض والجعالة ما يقتضي خلاف ذلك والمعتمد ما ذكره هنا ا هـ. وأخذ الغزي من ذلك أنه لا تسمع دعوى المؤجر على المستأجر بالعين قبل مضي المدة؛ لأنه لا يمكنه أن يقول ويلزمه التسليم إلي ورد بأنه قد يريد التصرف في الرقبة فيمنعه المستأجر بدعوى الملك فيتجه صحة دعواه وأنه منعه من بيعها بغير حق ويقيم بينة بذلك وأن لا يناقضها دعوى أخرى وليس من ذلك من أثبت إعساره وأنه لا مال له ظاهرا ولا باطنا ثم ادعى على آخر بمال له؛ لأنه إن أطلقه فواضح لاحتمال حدوثه وإن أرخه بزمن قبل ثبوت الإعسار فلأن المال المنفي فيه ما يجب الأداء منه وهذا ليس كذلك؛ لأن الغرض أن المدعى عليه منكر، ولا تسمع دعوى دائن ميت على من تحت يده مال للميت مع حضور الوارث فإن غاب أو كان قاصرا والأجنبي مقر به فللحاكم أن يوفيه منه وعلى هذا حمل قول السبكي للوصي والدائن المطالبة بحقوق الميت أي: بالرفع للقاضي ليوفيهما مما يثبت له ولو ادعى ولم يقل سله جواب دعواي أو نحوه جاز للقاضي سؤاله وله أن يستفصله عن وصف أطلقه لا شرط أهمله بل يلزمه الإعراض عنه حتى يصحح دعواه كما مر، وليس له سماع الدعوى بعقد أجمع على فساده إلا لنحو رد الثمن وله سماعها بمختلف فيه ليحكم فيه بما يراه بخلاف الشفعة لا تسمع دعواه إلا فيما يراه؛ لأنها مجرد دعوى فتبطل برده لها بخلاف العقد الفاسد لا بد من الحكم بإبطاله وبحث الغزي سماعها فيها إن قال المشتري: إن طالبها يعارضني فيما اشتريته بلا حق فيمنعه من معارضته وحينئذ ليس له الدعوى بها عند من يراها "أو" ادعى رجل ويأتي أن المرأة مثله في ذلك وكان الاقتصار عليه؛ لأنه الغالب "نكاحا" في الإسلام "لم يكف الطلاق على الأصح بل يقول نكحتها" نكاحا صحيحا "بولي مرشد" أو سيد يلي نكاحها أو بهما في مبعضة "وشاهدي عدل ورضاها إن كان يشترط" لكونها غير مجبرة وبإذن وليي إن كان سفيها أو سيدي إن كان عبدا؛ لأن النكاح فيه حق الله تعالى وحق الآدمي فاحتيط له كالقتل بجامع أنه لا يمكن استدراكهما بعد وقوعهما وإنما لم يشترط ذكر انتفاء الموانع كرضاع؛ لأن الأصل عدمها أما إذا لم يشترط رضاها كمجبرة فلا يتعرض له بل لمزوجها من أب أو جد أو لعلمها به أنه إن ادعى عليها قال البلقيني: وقوله مرشد ليس صريحا في عدل فينبغي تعيينه ورده الزركشي بأن المراد بمرشد من دخل

 

ج / 4 ص -447-        في الرشد أي: صلح للولاية وهو أعم لتناوله العدل والمستور والفاسق إن قلنا يلي وفيه نظر بل المراد بمرشد عدل وإنما آثره؛ لأنه الواقع في لفظ خبر لا نكاح إلا بولي مرشد وأما بحثه أنه لا يحتاج لوصف الشاهدين بالعدالة لانعقاده بالمستورين وتنفيذ القاضي لما شهدا به ما لم يدع شيئا من حقوق الزوجية فلا بد من التزكية ا هـ. فيرد بأن ذلك إنما هو في نكاح غير متنازع فيه وأما المتنازع فيه فلا يثبت إلا بعدلين فتعين ما قالوه قال القمولي ولا يشترط تعيين الشهود إلا إن زوج الولي بالإجبار ا هـ وفيه نظر بل لا يصح كما هو ظاهر أما نكاح الكفار فيكفي فيه الإقرار ما لم يذكر استمراره بعد الإسلام فيذكر شروط تقرير.
فرع: ادعت زوجية وذكرت ما مر فأنكر فحلفت ثبتت زوجيتها ووجبت مؤنها وحل له إصابتها؛ لأن إنكار النكاح ليس بطلاق قاله الماوردي وحل إصابتها باعتبار الظاهر لا الباطن إن صدق في الإنكار.
"فإن كانت" الزوجة "أمة" أي: بها رق "فالأصح وجوب ذكر" ما مر مع ذكر إسلامها إن كان مسلما و "العجز عن طول" أي: مهر لحرة "وخوف عنت" وأنه ليس تحته حرة تصلح ولو أجابت دعواه النكاح بأنها زوجته من منذ سنة فأقام آخر بينة بأنها زوجته من شهر حكم بها للأول؛ لأنه ثبت بإقرارها نكاحه فما لم يثبت الطلاق لا حكم للنكاح الثاني. "أو" ادعى "عقدا ماليا كبيع" ولو سلما "وهبة" ولو لأمة "كفى الإطلاق في الأصح"؛ لأنه دون النكاح في الاحتياط نعم لا بد في كل عقد نكاح أو غيره أريد إثبات صحته من وصفه بالصحة مع ما مر.
فرع: بحث الأذرعي أن الدعوى بنحو ريع الوقف على الناظر لا المستحق وإن حضر ففي وقف على معينين مشروط لكل منهم النظر في حصته لا بد من حضورهم وإن كان الناظر عليهم القاضي المدعى عنده فالدعوى عليهم قال ومن هذا القبيل الدعوى على بعض الورثة مع حضور الباقين ونازعه الغزي بأن المتجه سماع الدعوى على البعض في المسألتين لكن لا يحكم إلا بعد إعلام الباقين بالحال وللسبكي كلام طويل فيما إذا كانت الدعوى لميت أو غائب أو محجور عليه تحت نظر الحاكم أو لبيت المال أو على أحد هؤلاء ثم استقر رأيه على أن القاضي لا يتوجه عليه دعوى أصلا ولا على نائبه بل لا بد أن ينصب الشافعي من يدعي ومن يدعى عليه عنده أو عند غيره فيما يتعلق بوقف أو مال نحو يتيم أو بيت مال وتخصيصه نصب ذلك بالقاضي الشافعي إنما هو باعتبار ما كان في تلك الأزمنة من اختصاصه بالنظر في هذه الأمور دون غيره من الثلاثة وأما الآن فالنظر في ذلك متعلق بالحنفي لا غير فليختص ذلك به.
"ومن قامت عليه بينة" بحق "ليس له تحليف المدعي" على استحقاق ما ادعاه؛ لأنه تكليف حجة بعد حجة فهو كالطعن في الشهود نعم له تحليف المدين مع البينة بإعساره لجواز أن له مالا باطنا وكذا لو شهدت له بينة بعين وقالوا لا نعلمه باع ولا وهب فلخصمه تحليفه أنها ما خرجت عن ملكه بوجه أما المدعى عليه كأن أقام عليه بينة ثم قال لا تحكم

 

ج / 4 ص -448-        عليه حتى تحلفه فبحث الرافعي بطلان بينته لاعترافه بأنها مما لا يجب الحكم بها ورده المصنف بأنه قد يقصد ظهور إقدامه على يمين فاجرة مثلا فينبغي أن لا تبطل ا هـ. ولا نظر فيه خلافا لمن زعمه "فإن ادعى" عليه "أداء" له "أو إبراء" منه أو أنه استوفاه "أو شراء عين" منه "أو هبتها وإقباضها" أي: إنه وهبه إياها وأقبضها له "حلفه" أي: مدعي نحو الأداء مقيم البينة عليه "على نفيه" أي: الأداء وما بعده لاحتماله هذا إن ادعى حدوث شيء من ذلك قبل قيام البينة والحكم أو بينهما ومضي زمن إمكانه وإلا لم يلتفت إليه خلافا لما اعتمده الأذرعي والبلقيني والزركشي من تحليفه إذا ادعى بعد الحكم وقوع ذلك قبله؛ لأنه لو أقر به نفعه ولم يكن المدعي حلف مع شاهده أو يمين الاستظهار وإلا لم يحلف كما صوبه البلقيني من وجهين أطلقاهما؛ لأنه قد تعرض في يمينه لاستحقاقه الحق فلا يحلف بعدها على نفي ما ادعاه الخصم ولا تسمع دعوى إبراء من الدعوى؛ لأنه باطل وتقبل دعوى أجير لم يثبت أنه بغير عرفة يومها بحيث لا يمكنه وصوله إليها عادة الحج من غير بينة ولا يمين، ومطلقة ثلاثا أنها تحللت من غير بينة ولا يمين أيضا "وكذا لو ادعى" خصمه عليه "علمه بفسق شاهده" أو نحوه من كل ما يبطل الشهادة "أو كذبه" فإنه يحلف على نفيه "في الأصح"؛ لأنه لو أقر به بطلت شهادته له وسيعلم مما يأتي أن كل ما لو أقر به نفع خصمه لخصمه تحليفه على نفيه نعم لا يتوجه حلف على شاهد أو قاض ادعى كذبه قطعا وإن كان لو أقر نفعه؛ لأنه يؤدي إلى فساد عام ولو نكل عن هذه اليمين حلف المدعى عليه وبطلت الشهادة ومر في الإقرار أن للمقر تحليف المقر له إذا ادعى أنه إنما أشهد على رسم القبالة ولو أجاب المدعى عليه بعين بلا أمنعك منها لم يكن له المنع ولم تقبل بينته إلا إذا حلف أنها حين قوله ذلك لم تكن بيده، "وإذا استمهل" من قامت عليه البينة أي: طلب الإمهال "ليأتي بدافع" وفسره وإلا وجب استفساره إن كان عاميا أي: أو مخالفا لمذهب الحاكم كما هو ظاهر؛ لأنه قد يعتقد ما ليس بدافع دافعا "أمهل" وجوبا لكن بكفيل وإلا فبالترسيم عليه إن خيف هربه "ثلاثة أيام" ومكن من سفر ليحضره إن لم تزد المدة على الثلاث؛ لأنها مدة قريبة لا يعظم الضرر فيها ولو أحضر بعد الثلاث شهود الدافع أو شاهدا واحدا أمهل ثلاثة أخرى للتعديل أو التكميل كما صرح به الماوردي لكن ضعفه البلقيني ولو عين جهة ولم يأت ببينتها ثم ادعى أخرى عند انقضاء مدة المهلة واستمهل لها لم يمهل أو أثناءها أمهل بقيتها، "ولو ادعى رق بالغ" عاقل مجهول النسب ولو سكرانا "فقال أنا حر" في الأصل ولم يكن قد أقر له بالملك قبل وهو رشيد على ما مر قبيل الجعالة "فالقول قوله" بيمينه وإن تداولته الأيدي بالبيع وغيره لموافقته الأصل وهو الحرية ومن ثم قدمت بينة الرق على بينة الحرية؛ لأن الأولى معها زيادة علم بنقلها عن الأصل أما لو قال أعتقني هو أو غيره فيحتاج للبينة وإذا ثبتت حريته الأصلية بقوله رجع مشتريه على بائعه بثمنه وإن أقر له بالملك؛ لأنه بناه على ظاهر اليد "أو" ادعى "رق صغير" أو مجنون كبير "ليس في يده" وكذبه صاحب اليد "لم تقبل إلا ببينة" أو نحوها كعلم قاض ويمين مردودة؛ لأن الأصل عدم الملك "أو في يده" أو يد غيره وصدقه "حكم له به إن" حلف

 

ج / 4 ص -449-        لعظم خطر الحرية و "لم يعرف استنادها" فيهما "إلى التقاط" ولا أثر لإنكاره إذا بلغ؛ لأن اليد حجة بخلاف المستندة للالتقاط؛ لأن اللقيط محكوم بحريته ظاهرا كما مر في بابه وذكرت هنا تتميما لأحوال المسألة فلا تكرار "ولو أنكر الصغير وهو مميز" كونه قنه "فإنكاره لغو"؛ لأن عبارته ملغاة "وقيل كبالغ"؛ لأنه يعرف نفسه وكذا لا يؤثر إنكاره بعد كماله؛ لأنه حكم برقه فلا يرتفع ذلك إلا بحجة. "ولا تسمع دعوى دين مؤجل في الأصح" إذ لا يتعلق بها إلزام ومطالبة في الحال نعم إن كان بعضه حالا ادعى بكله ليطالبه ببعضه وإن قل ويكون المؤجل تبعا قاله الماوردي واستشكل بما لا يجدي وبحث البلقيني صحة الدعوى بقتل خطأ أو شبه عمد على القاتل وإن استلزمت الدية مؤجلة؛ لأن القصد ثبوت القتل ومن ثم صحت دعوى عقد بمؤجل قصد بها إثبات أصل العقد قاله الماوردي وهو متجه؛ لأن المقصود منها مستحق في الحال. ونقل بعضهم عن ابن أبي الدم أنه نازعه وبعضهم أنه استحسنه ولعل كلامه اختلف. ولو ادعى دينا على معسر وقصد إثباته ليطالبه به إذا أيسر فظاهر كلامهم أنها لا تسمع مطلقا واعتمده الغزي وقضية ما تقرر عن الماوردي سماعها؛ لأن القصد إثباته ظاهرا مع كونه مستحقا قبضه حالا بتقدير يساره القريب عادة ويجري ذلك فيمن له دين على عبد يتبع به بعد العتق هل تسمع الدعوى عليه به أو لا ثم رأيت البلقيني قال: والأقرب تشبيه هذه الدعوى بالدين على من تحقق إعساره وقال قبل ذلك الذي يظهر أنه يعطى حكم الحال أخذا من تصحيحهم الحوالة عليه به المستلزمة أن ما عليه من الدين له حكم الحال لا المؤجل للجهل بوقت استحقاقه ومر أن من شروط الدعوى أن لا ينافيها دعوى أخرى ومنه أن لا يكذب أصله فلو ثبت إقرار رجل بأنه عباسي فادعى ولده أنه حسني لم تسمع دعواه ولا بينته كما أفتى به ابن الصلاح.
تنبيه: هذه الشروط الثلاثة المعلومة مما سبق العلم والإلزام وعدم المناقضة معتبرة في كل دعوى ويزيد عليها في الدعوى على من لا يحلف ولا يقبل إقراره ولي بينة أريد أن أقيمها فلو طلق امرأة ثم نكحت آخر فادعى الأول أنه نكحها في عدته لم تسمع دعواه حتى يقول ولي بينة أريد أن أقيمها على أني طلقتها يوم كذا فلم تنقض عدتي وفي الدعوى لعين بنحو بيع أو هبة على من هي بيده واشتريتها أو اتهبتها من فلان وكان يملكها أو وسلمنيها؛ لأن الظاهر أنه إنما يتصرف فيما يملكه وفي الدعوى على الوارث بدين ومات المدين وخلف تركة تفي بالدين أو بكذا منه وهي بيد هذا وهو يعلم الدين أي: أو لي به بينة وتسمع الدعوى في عقد بيع فاسد قطعا لرد الثمن وفي مختلف فيه ليحكم بما يراه كشفعة الجوار كما مر ولو ادعى عليه ألفا قرضا فقال بل ثمنا مثلا لزمه الألف لاتفاقهما عليها فلم ينظر لاختلافهما في السبب ولا تبطل دعواه بقوله شهودي فسقة أو مبطلون فله إقامة بينة أخرى والحلف وقول البائع المبيع وقف مثلا مسموع كبينة إن لم يصرح حال البيع بملكه وإلا سمعت دعواه لتحليف المشتري أنه باعه وهو ملكه والله أعلم.

 

ج / 4 ص -450-        فصل في جواب الدعوى وما يتعلق به
إذا "أصر المدعى عليه على السكوت عن جواب الدعوى" الصحيحة وهو عارف أو جاهل أو حصلت له دهشة ونبه فلم يتنبه كما أفاد ذلك كله قوله أصر، وتنبيهه عند ظهور كون سكوته لذلك واجب وعرف بذلك بالأولى أن امتناعه عنه كسكوته "جعل كمنكر ناكل" فيما يأتي فيه بقيده وهو أن يحكم القاضي بنكوله أو يقول للمدعي احلف فحينئذ يحلف ولا يمكن الساكت من الحلف لو أراده ويسن له تكرير أجبه ثلاثا وسكوت أخرس عن إشارة مفهمة أو كتابة أحسنها كذلك ومثله أصم لا يسمع أصلا وهو يفهم الإشارة وإلا فهو كمجنون على ما مر فيه في باب الحجر.
تنبيه: يقع كثيرا أن المدعى عليه يجيب بقوله يثبت ما يدعيه فتطالب القضاة المدعي بالإثبات لفهمهم أن ذلك جواب صحيح وفيه نظر ظاهر إذ طلب الإثبات لا يستلزم اعترافا ولا إنكارا فتعين أن لا يكتفى منه بذلك بل يلزم بالتصريح بالإنكار أو الإقرار.
"فإن ادعى" عليه "عشرة" مثلا "فقال لا يلزمني العشرة لم يكف" في الجواب "حتى يقول ولا بعضها وكذا يحلف" إن توجهت اليمين عليه؛ لأن مدعي العشرة مدع بكل جزء منها فلا بد أن يطابق الإنكار واليمين دعواه وإنما يطابقانها إن نفى كل جزء منها "فإن حلف على نفي العشرة واقتصر عليه فناكل" عما دون العشرة "فيحلف المدعي على استحقاق دون عشرة بجزء" وإن قل من غير تجديد دعوى "ويأخذه" لما يأتي أن النكول مع اليمين كالإقرار نعم إن نكل المدعى عليه عن العشرة وقد اقتصر القاضي في تحليفه على عرض اليمين عليها فقط لم يحلف المدعي على استحقاق ما دونها إلا بعد تجديد دعوى ونكول الخصم؛ لأنه إنما نكل عنها فلا يكون ناكلا عن بعضها هذا إن لم يسند المدعى به لعقد وإلا كأن ادعت أنه نكحها بخمسين وطالبته بها كفاه نفي العقد بها والحلف عليه فإن نكل لم تحلف هي على أنه نكحها بدون الخمسين لأنه ينافي دعواها أولا وهو النكاح بالخمسين فيجب مهر المثل ولو ادعى عليه مالا فأنكر وطلب منه اليمين فقال لا أحلف وأعطى المال لم يلزمه قبوله من غير إقرار وله تحليفه؛ لأنه لا يأمن أن يدعي عليه بما دفعه بعد وكذا لو نكل عن اليمين وأراد المدعي أن يحلف يمين الرد فقال خصمه أنا أبذل المال بلا يمين فيلزمه الحاكم بأن يقر وإلا حلف المدعي، "وإذا ادعى مالا مضافا إلى سبب كأقرضتك كذا كفاه في الجواب لا تستحق" أنت "علي شيئا" أو لا يلزمني تسليم شيء إليك "أو" ادعى عليه "شفعة كفاه" في الجواب "لا تستحق علي شيئا" ولا نظر لكون العامة لا يعدون الشفعة مستحقة على المشتري "أو لا تستحق تسليم الشقص" ولا يشترط التعرض لنفي تلك الجهة؛ لأن المدعي قد يصدق فيها ولكن عرض ما أسقطها من نحو أداء أو إبراء أو إعسار أو عفو في الثانية فإن نفاها كذب وإن أقر بها لم يجد بينة فاقتضت الضرورة قبول إطلاقه، ومر في بابها كيفية دعواها وجواب دعوى الوديعة على تودعني أو لا تستحق علي شيئا أو هلكت أو دفعتها دون قوله لم يلزمني دفع أو تسليم شيء

 

ج / 4 ص -451-        إليك؛ لأنه لا يلزمه ذلك بل التخلية وجواب دعوى ألف صداقا لا يلزمني تسليم شيء إليها إن لم يقر بالزوجية وإلا لم يكفه وقضي عليه بمهر المثل إلا إن ثبت خلافه وقد شنعوا على جهلة القضاة بمبادرتهم إلى فرض مهر المثل بمجرد عجزها عن حجة بما ادعته والصواب سؤاله فإن ذكر قدرا غير ما ادعته تحالفا فإن حلفا أو نكلا وجب مهر المثل أو حلف أحدهما فقط قضي له بما ادعاه ويكفي في جواب دعوى الطلاق أنت وزوجتي والنكاح لست زوجتي ولا يكون طلاقا فلو صدقها سلمت له ولو أنكر وحلف حل له نحو أختها وليس له تزوج غيره حتى يطلقها أو يموت وتنقضي عدتها وينبغي للحاكم أن يرفق به ليقول إن كنت نكحتها فهي طالق "ويحلف على حسب جوابه هذا" ليتطابق الحلف والجواب "فإن أجاب بنفي السبب المذكور حلف عليه" ليطابق اليمين الجواب "وقيل له حلف بالنفي المطلق" كما لو أجاب به ويرده وضوح الفرق أو بالطلاق فكذلك ولا يكلف التعرض لنفي السبب فإن تعرض له جاز لكن لو أقام المدعي به بينة لم تسمع بينة المدعى عليه بأداء أو إبراء؛ لأنه كذبها بنفيه للسبب من أصله وعلم مما تقرر أنه لو ادعى دينا وهو مؤجل ولم يذكر الأجل كفى الجواب بلا يلزمني تسليمه الآن ويحلف عليه ولو ادعى على من حلف لا يلزمني تسليم شيء إليك بأن حلفك إنما كان لإعسار والآن أيسرت سمعت دعواه ويحلف له ما لم تتكرر دعواه بحيث يظن منه التعنت.
تنبيه: ما تقرر من الاكتفاء بلا تستحق علي شيئا استثنوا منه مسائل منها ما إذا أقر بأن جميع ما في داره ملك زوجته ثم مات فأقامت بينة بذلك فقال الوارث هذه الأعيان لم تكن موجودة عند الإقرار فإنه يحلف لا أعلم أن هذه ولا شيئا منها كان موجودا في البيت إذ ذاك ولا يكفي حلفه على أنها لا تستحقها.
"ولو كان بيده مرهون أو مكرى وادعاه مالكه كفاه" في الجواب "لا يلزمني تسليمه"؛ لأنه جواب مفيد ولا يلزمه التعرض للملك "فلو اعترف" له "بالملك وادعى الرهن أو الإجارة" وكذبه المدعي "فالصحيح أنه لا يقبل" في دعوى الرهن والإجارة "إلا ببينة"؛ لأن الأصل عدمهما "فإن عجز عنها وخاف أولا إن اعترف بالملك" للمدعي "جحده" مفعول خاف "الرهن أو الإجارة فحيلته أن يقول" في الجواب "إن ادعيت ملكا مطلقا فلا يلزمني تسليم" لمدعاك "وإن ادعيت مرهونا" أو مؤجرا عندي "فاذكره لأجيب، وإذا ادعى عليه عينا" عقارا أو منقولا "فقال ليس هي لي أو" أضافها لمن لا تمكن مخاصمته كقوله "هي لرجل لا أعرفه أو لابني الطفل" أو المجنون أو السفيه سواء أزاد على ذلك أنها ملكه أو وقف عليه أو لا كما هو ظاهر. "أو وقف على الفقراء أو مسجد كذا" وهو ناظر عليه "فالأصح أنه لا تنصرف الخصومة" عنه "ولا تنزع العين" منه؛ لأن الظاهر أن ما في يده ملكه أو مستحقه وما صدر عنه ليس بمزيل ولم يظهر لغيره استحقاق كذا قالوه هنا وقد ينافيه قولهما عن الجويني وأقراه لو قال للقاضي بيدي مال لا أعرف مالكه فالوجه القطع بأن القاضي يتولى حفظه ويجاب بحمل هذا على ما إذا قاله لا في جواب دعوى وحينئذ يفرق بأن هنا قرينة تؤيد اليد وهي ظهور قصد الصرف بذلك عن المخاصمة فلم يقو هذا الإقرار

 

ج / 4 ص -452-        على انتزاعها من يده بخلافه ثم فإنه لا قرينة تؤيد يده فعمل بإقراره "بل يحلفه المدعي" لا على أنها لنحو ابنه بل على "أنه لا يلزمه التسليم" للعين رجاء أن يقر أو ينكل فيحلف المدعي وتثبت له العين في الأوليين في المتن والبدل للحيلولة في البقية وله تحليفه كذلك "إن" كان للمدعي بينة أو "لم تكن" له "بينة" كما سيعلم من كلامه الآتي وفيما إذا كان له بينة وأقامها يقضي له بها كذا أطلقوه وسيأتي فيه تفصيل عن البغوي ونازع البلقيني في هذه الصور وأطال بما ليس هذا محل بسطه مع الجواب عنه، "وإن أقر به" أي: المذكور "لمعين حاضر" بالبلد "تمكن مخاصمته وتحليفه" جمع بينهما إيضاحا وإلا فأحدهما مغن عن الآخر لاستلزامه له ثم التقييد لإفادة أنه إذا أقر به لمن لا تمكن مخاصمته وهو المحجور لا تنصرف الخصومة عنه بل تنصرف عنه لوليه وإنما هو ليترتب عليه قوله "سئل فإن صدقه صارت الخصومة معه" لصيرورة اليد له "وإن كذبه ترك في يد المقر" لما مر في الإقرار أي: وحينئذ لا تنصرف الخصومة عنه كما هو ظاهر عملا بالظاهر نظير ما مر "وقيل يسلم إلى المدعي" إذ لا طالب له سواه وزيفه الإمام بأن القضاء له بمجرد الدعوى محال "وقيل يحفظه الحاكم لظهور مالك" له كما مر في الإقرار وفي الأنوار عن فتاوى القفال لو ادعى دارا في يد آخر وأقام شاهدا ثم ثانيا فقال المدعى عليه قبل شهادته هي لزوجتي سمعه القاضي وحكم بها للمدعي ثم تدعي الزوجة عليه قيل وهو مشكل؛ لأن المدعى عليه معترف بأنها لغيره فكيف تتوجه الدعوى عليه ا هـ ويرد بأنه مقصر بسكوته عن ذلك حتى سمعت الدعوى وشهادة الأول فلم يقبل منه الصرف للغير وبهذا يرد قول المستشكل فكيف تتوجه الدعوى عليه؟ وبيانه أنها توجهت وسمعت هي ثم شهادة الأول فقبول الثاني والحكم تتميم لا ابتداء دعوى عليه. وفي فتاوى البغوي إن أقامها فأقر ذو اليد بالعين لآخر قبل الحكم للمدعي حكم بها من غير إعادتها في وجه المقر له إن علم أن المقر متعنت في إقراره وإلا أعادها في وجهه قال الأذرعي: والظاهر أنه لا بد من إعادة الدعوى في وجهه أيضا، "وإن أقر" به "ل" معين "غائب فالأصح انصراف الخصومة عنه ويوقف الأمر حتى يقدم الغائب"؛ لأن المال بظاهر الإقرار للغائب إذ لو قدم وصدقه أخذه وصارت الخصومة معه "فإن كان للمدعي بينة" ووجدت شروط القضاء على الغائب "قضى" له "بها" و سلمت له العين قيل هذا تهافت؛ لأن الوقف ينافيه ما فرعه عليه وعبارة أصله سالمة منه ا هـ. ولا تهافت فيه؛ لأنه بان بهذا التفريع أن قبله مقدرا هو حيث لا بينة ومثل هذا ظاهر لا يعترض بمثله إلا ليتنبه للمراد المتبادر من العبارة بأدنى تأمل "وهو قضاء على غائب فيحلف" المدعي "معها" يمين الاستظهار كما مر؛ لأن المال صار له بحكم الإقرار "وقيل" بل قضاء "على حاضر" فلا يمين.
تنبيه: أطلقوا الغائب وقيدوا الحاضر بالبلد فاقتضى أن المراد بالغائب الغائب عن البلد ولو لدون مسافة العدوى ثم قالوا وهو قضاء على غائب فاقتضى أنه بمسافة العدوى وحينئذ تنافى مفهوما الحاضر والغائب فيمن بدون مسافة العدوى والذي يتجه فيه أنه كالحاضر فإن سهل سؤاله وجب ورتب عليه ما مر وإن لم يسهل وقف الأمر إلى حضوره

 

ج / 4 ص -453-        ولا تسمع عليه حجة إلا نحو تعزز أو توار ثم انصراف الخصومة عنه في الصور السابقة والوقف إلى قدوم الغائب إنما هو بالنسبة للعين المدعاة أما بالنسبة لتحليفه فلا إذ للمدعي طلب يمينه أنه لا يلزمه التسليم إليه فإن نكل حلف المدعي وأخذ بدل العين المدعاة بناء على الأظهر السابق أواخر الإقرار أنه لو أقر له به غرم له بدله للحيلولة بينهما بإقراره الأول ولو أقام المدعي بينة بدعواه والمدعى عليه بينة بأنها للغائب عمل بينته إن ثبتت وكالته وإلا لم تسمع بالنسبة لثبوت ملك الغائب. والحاصل أن المقر متى زعم أنه وكيل الغائب احتاج في ثبوت الملك للغائب إلى إثبات وكالته وأن العين ملك الغائب فإن أقامها بالملك فقط لم تسمع إلا لدفع التهمة عنه وكذا لو ادعى لنفسه حقا فيها كرهن مقبوض وإجارة فتسمع بينته أنها ملك فلان الغائب؛ لأن حقه لا يثبت إلا إن ثبت ملك الغائب فيثبت ملكه بهذه البينة ووقع هنا لغير واحد من الشراح ما لا ينبغي فاحذره.
تنبيهان: الأول: قال المدعى عليه هي لي وفي يدي فأقام المدعي بينة وحكم الحاكم له بها ثم بان أنها ليست في يد المدعى عليه فالذي يتجه أنه لا ينفذ إن كان ذو اليد حاضرا وينفذ إن كان غائبا ووجدت شروط القضاء على الغائب.
الثاني: علم مما مر أن من يدعي حقا لغيره وليس وكيلا ولا وليا لا تسمع دعواه ومحله إن كان يدعي حقا لغيره غير منتقل إليه بخلاف ما إذا كان منتقلا منه إليه أي: أو كان عينا لمدينه له بها تعلق كما علم مما مر ويأتي في ضابط الحالف فمن الأول ما لو اشترى أمة ثم أراد أن يثبت على بائعه أنه أقر بأنها مغصوبة من فلان بخلاف ما لو ادعى فساد البيع لإقراره قبله بغصبها؛ لأنه هنا يثبت حقا لنفسه هو فساد البيع وإنما سمعت بينته بإقراره قبل البيع أنها عتيقة؛ لأنه لا يثبت حقا لآدمي ومنه دعوى دائن ميتة أن لها مهرا على زوجها ودعوى زوجة دينا لزوجها فلا تسمعان وإن كان لو ثبت ذلك تعلق به حق الدائن ونفقتها في الثانية ومن الثاني ما لو اشترى سهما شائعا من ملك وأثبت في غيبة البائع أن ما اشتراه منه هو الذي خصه من تركة أبيه فادعى أخوه أن أبانا وهبني ذلك الملك كله هبة لازمة وأقام بينة بذلك فأقام المشتري شاهدا بأن الأب رجع في الهبة سمعت دعواه وبينته فيحلف مع شاهده؛ لأنه يدعي ملكا لغيره منتقلا منه إليه كالوارث فيما يدعيه لمورثه بخلاف غريم الغريم قاله ابن الصلاح ومنه ما مر قبيل التنبيه الأول في دعوى الرهن والإجارة ومنه ما لو أقر من له أخ بملك لابنه فلان ثم مات فادعى الأخ أنه الوارث وأن المقر ببنوته ولد على فراش فلان وأثبت ذلك ثبت نسب المقر به ممن ولد على فراشه وبطل إقرار الميت ببنوته ومنه ما لو ادعى دارا بيد بكر وأنه اشتراها من زيد المشتري لها من عمرو المشتري لها من بكر فأنكر سمعت بينته بالبيعين.
"وما قبل إقرار عبد" أي: قن "به كعقوبة" لآدمي من قود أو حد قذف أو تعزير "فالدعوى عليه وعليه الجواب" ليرتب الحكم على قوله لقصور أثره عليه دون سيده أما عقوبة لله تعالى فلا تسمع الدعوى بها مطلقا كما مر "وما لا" يقبل إقراره به "كأرش" لعيب

 

ج / 4 ص -454-        وضمان متلف "فعلى السيد" الدعوى به والجواب؛ لأن متعلقه الرقبة وهي حق السيد دون القن فلا تسمع به عليه ولا يحلف كالمتعلق بذمته؛ لأنه في معنى المؤجل نعم الدعوى والجواب على الرقيق في نحو قتل خطأ أو شبه عمد بمحل اللوث مع أنه لا يقبل إقراره به وذلك لتتعلق الدية برقبته إذا أقسم الولي وقد يكونان عليهما كما في نكاحه ونكاح المكاتبة لتوقف ثبوته على إقرارهما.

فصل في كيفية الحلف وضابط الحالف وما يتفرع عليه
"تغلظ" ندبا، وإن لم يطلبه الخصم، بل، وإن أسقط كما قاله القاضي "يمين مدع" اليمين المردودة ومع الشاهد. "و" يمين "مدعى عليه" إن لم يسبق لأحدهما حلف بنحو طلاق أنه لا يحلف يمينا مغلظة ويظهر تصديقه في ذلك من غير يمين؛ لأنه يلزم من حلفه طلاقه ظاهرا فساوى الثابت بالبينة "فيما ليس بمال ولا يقصد به مال" كنكاح وطلاق وإيلاء ورجعة ولعان وعتق وولاء ووكالة ولو في درهم وسائر ما مر مما لا يثبت برجل وامرأتين، وذلك؛ لأن اليمين موضوعة للزجر عن التعدي فغلظ مبالغة وتأكيدا للردع فيما هو متأكد في نظر الشرع وهو ما ذكر، وما في قوله: "و" في "مال" أو حقه كخيار وأجل "يبلغ نصاب زكاة" وهو كما قالاه مائتا درهم أو عشرون دينارا، وما عداهما لا بد أن تبلغ قيمته أحدهما، واعترض بأن نص الأم والمختصر أن العبرة بالذهب لا غير واعتمده البلقيني، ويجاب بأنه لا يظهر هنا لتعين الذهب معنى فلذا أعرضا عنه أي: وما أوهم التعين يحمل على أنه تصوير لا غير لا في اختصاص ولا فيما دون نصاب أو حقه كإن اختلف متبايعان في ثمن فقال البائع: عشرون والمشتري عشرة؛ لأن التنازع إنما هو في عشرة وذلك؛ لأنه حقير في نظر الشرع، ولهذا لم تجب فيه مواساة، نعم إن رآه لنحو جراءة الحالف فعله وبحث البلقيني أن له فعله بالأسماء والصفات مطلقا "وسبق بيان التغليظ في اللعان" بالزمان وكذا المكان في غير نحو مريض وحائض، ويظهر أن يلحق بالمرض سائر أعذار الجماعة، وأن التغليظ به حينئذ حرام، لكن يشكل على ذلك أن المخدرة يغلظ عليها به، وإن قلنا: لا تحضر للدعوى عليها، وقد يفرق بأن نحو المرض عذر حسي بخلاف التخدير وغيرهما، نعم التغليظ بحضور جمع أقلهم أربعة وبتكرير اللفظ لا يعتبر هنا ويسن بزيادة الأسماء والصفات أيضا، وهي معروفة، ومر أوائل الأيمان أن ما يذكر فيها من الطالب الغالب المدرك المهلك معترض بأنه لا توقيف فيها وأسماء الله لا يجوز إطلاقها إلا بتوقيف، وإن هذا لا يأتي إلا على كلام الباقلاني أو الغزالي المشترطين انتفاء الإشعار بالنقص دون التوقيف، والجواب بأن هذا من قبيل اسم المفاعلة الذي غلب فيه معنى الفعل دون الصفة فالتحق بالأفعال التي لا تتوقف إضافتها على توقيف، ولذا توسع الناس فيها غير صحيح، أما أولا فهي ليست من ذلك القبيل لفظا وهو واضح، ولا معنى وكونها تقتضي تعلقا تؤثر فيه لا يختص بها بل أكثر الأسماء التوفيقية كذلك، وأما ثانيا فمن الذي صرح على طريقة الأشعري بأن الأسماء أو الصفات التي من باب المفاعلة لا تقتضي توقيفا، بل الفعل لا بد فيه من التوقيف لكن الفرق

 

ج / 4 ص -455-        بينه وبين الاسم والصفة أن هذين لا بد من ورود لفظهما بعينه ولا يجوز اشتقاقهما من فعل أو مصدر ورد كما صرحوا به بخلاف الفعل لا يشترط ورود لفظه، بل يكفي ورود معناه أو مرادفه، بل عدم إشعاره بالنقص وإن لم يردا، وهذا وإن لم أر من صرح به كذلك إلا أنه ظاهر من فحوى عبارات الأصوليين فتأمله. ويسن أن تقرأ عليه آية آل عمران {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً} [آل عمران: 77] وأن يوضع المصحف في حجره، ويحلف الذمي بما يعظمه مما نراه نحن لا هو ولا يجوز التحليف بنحو طلاق أو عتق، بل يلزم الإمام عزل من فعله أي: إن لم يكن يعتقده كما هو ظاهر، وقد يختص التغليظ بأحد الجانبين كما إذا ادعى قن على سيده عتقا أو كتابة فأنكره السيد فتغلظ عليه إن بلغت قيمته نصابا فإن رد اليمين على القن غلظ عليه مطلقا؛ لأن دعواه ليست بمال، "ويحلف على البت" وهو الجزم فيما ليس بفعله ولا فعل غيره كإن طلعت الشمس أو إن كان هذا غرابا فأنت طالق نعم المودع إذا ادعى الوديع التلف ورد اليمين وعليه يحلف على نفي العلم مع أن التلف ليس من فعل أحد و "في فعله" نفيا أو إثباتا لإحاطته بفعل نفسه أي: من شأنه ذلك، وإن كان ذلك الفعل وقع منه حال جنونه مثلا كما أطلقوه "وكذا فعل غيره إن كان إثباتا" كبيع وإتلاف وغصب لسهولة الوقوف عليه "وإن كان نفيا" غير محصور "فعلى نفي العلم" كلا أعلمه فعل كذا ولا أعلمك ابن أبي لعسر الوقوف على العلم به، ويفرق بينه وبين عدم جواز الشهادة بالنفي غير المحصور بأنه يكتفى في اليمين بأدنى ظن بخلاف الشهادة فلا بد فيها من الظن القوي القريب من العلم كما مر، أما المحصور فقضية تجويزهم الشهادة به؛ لأنه كالإثبات في سهولة الإحاطة بذاته أنه يحلف عليه بتا بالأولى قال البلقيني: وقد يكلف الحلف على البت في فعل غيره النفي كحلف البائع أنه لم يأبق عبده مثلا وكحلف مدعي النسب اليمين المردودة أنه ابنه وحلف مدين أنه معسر وأحد الزوجين اليمين المردودة أن صاحبه به عيب ورد الأول بأنه حلف على فعل عبده، والحلف فيه ولو نفيا يكون بتا، والثاني يرجع إلى أنه ولد على فراشه، وهو إثبات والحلف فيه بت، وإن لم يكن فعله، والثالث نفي لملك نفسه على شيء مخصوص، والرابع فعله تعالى فهو حلف على فعل الغير إثباتا قال: والضابط أنه يحلف بتا في كل يمين إلا فيما يتعلق بالوارث فيما ينفيه، وكذا العاقلة بناء على أن الوجوب لا في القاتل ويرد عليه مسائل مرت في الوكيل في القضاء على الغائب وفي الوكالة فيما لو اشترى جارية بعشرين، وأن المشتري لو طلب من البائع أن يسلمه المبيع فادعى عجزه الآن عنه فأنكر المشتري، فإنه يحلف على نفي العلم بعجزه، "ولو ادعى دينا لمورثه فقال: أبرأني" منه أو استوفاه أو أحال به مثلا "حلف على" البت إن شاء كما مر أو على "نفي العلم بالبراءة"؛ لأنه حلف على نفي فعل الغير ويشترط هنا وفي كل ما يحلف المنكر فيه على نفي العلم التعرض في الدعوى لكونه يعلم ذلك قال البلقيني: ومحله إن علم المدعي أن المدعى عليه يعلمه، وإلا لم يسعه أن يدعي أنه يعلمه. ا هـ أي: لم يجز له ذلك فيما بينه وبين الله تعالى إلا أن يوجه إطلاقهم بأنه قد يتوصل به إلى حقه إذا نكل المدعى عليه فيحلف هو فسومح له فيه، "ولو قال: جنى عبدك" أي: قنك "علي بما

 

ج / 4 ص -456-        يوجب كذا فالأصح حلفه على البت" إن أنكر؛ لأن قنه ماله، وفعله كفعل نفسه، ولذا سمعت الدعوى عليه واعترضه الأذرعي وغيره بأن الجمهور على المقابل وفي قن مجنون أو يعتقد وجوب طاعة الآمر بحلف بتا قطعا؛ لأنه كالبهيمة المذكورة في قوله: "قلت ولو قال: جنت بهيمتك" على زرعي مثلا "حلف على البت قطعا والله أعلم"؛ لأنه إنما ضمن لتقصيره في حفظها، فهو من فعله ومن ثم لو كانت بيد من يضمن فعلها كمستأجر ومستعير كانت الدعوى والحلف عليه فقط كما بحثه الأذرعي وغيره وسبقهم إليه ابن الصلاح في الأجير. "ويجوز البت بظن مؤكد يعتمد" ذلك الظن "خطه" إن تذكر، وإلا فلا، وعبارة أصل الروضة مؤكد يحصل من خطه، والمعنى واحد "أو خط أبيه" أو مورثه الموثوق به بحيث يترجح عنده بسببه وقوع ما فيه، وظاهر أن ذكر المورث تصوير فقط فلو رأى بخط موثوق به أن له كذا على فلان أو عنده كذا جاز له اعتماده ليحلف عليه بخلاف ما إذا استوى الأمران، ومن القرائن المجوزة للحلف أيضا نكول خصمه أي: الذي لا يتورع مثله عن اليمين، وهو محق فيما يظهر ثم رأيت البلقيني أشار لذلك "ويعتبر" في اليمين موالاة كلماتها عرفا ثم يحتمل أن المراد به عرفهم فيما بين الإيجاب والقبول في البيع ويحتمل أن المراد به عرفهم في الخلع، بل أوسع ولعله الأقرب؛ لأن العقود يحتاط لها أكثر، وطلب الخصم لها من القاضي وطلب القاضي لها ممن توجهت عليه و "نية القاضي" أو نائبه أو المحكم أو المنصوب للمظالم وغيرهم من كل من له ولاية التحليف "المستحلف" وعقيدته مجتهدا كان أو مقلدا دون نية الحالف وعقيدته مجتهدا كان أو مقلدا أيضا لخبر مسلم: "اليمين على نية المستحلف" وحمل على الحاكم؛ لأنه الذي له ولاية الاستحلاف؛ ولأنه لو اعتبرت نية الحالف لضاعت الحقوق أما لو حلفه نحو الغريم ممن ليس له ولاية الاستحلاف أو حلف هو ابتداء، فالعبرة بنيته، وإن أثم بها إن أبطلت حقا لغيره، وعليه يحمل خبر مسلم: "يمينك ما يصدقك عليه صاحبك".
تنبيه: معنى يعتبر في غير الأخيرة يشترط وفيها يعتمد.
"فلو ورى" الحالف بالله ولم يظلمه خصمه كما بحثه البلقيني "أو تأول خلافها" أي: اليمين "أو استثنى" أو وصل باللفظ شرطا مثلا "بحيث لا يسمعه القاضي لم يدفع إثم اليمين الفاجرة" وإلا لبطلت فائدة اليمين من أنه يهاب الإقدام عليها خوفا من الله تعالى، أما من حلف بنحو طلاق فتنفعه التورية والتأويل، وإن رأى القاضي التحليف به على ما اعتمده الإسنوي ونقله عن الأذكار ورد بأنه وهم إذ ليس فيه الغاية المذكورة، بل كلامه يقتضي أن محله فيمن لا يراه، وهو ظاهر، وأما من ظلمه خصمه في نفس الأمر كأن ادعى على معسر فحلف لا يستحق علي شيئا أي: تسليمه الآن فتنفعه التورية والتأويل؛ لأن خصمه ظالم إن علم ومخطئ إن جهل، وهي قصد مجاز لفظه دون حقيقته، كماله عندي درهم أي: قبيلة كذا قاله شارح، والذي في القاموس إطلاقه على الحديقة، ولم يذكر القبيلة، وهو الأنسب هنا أو قميص أي: غشاء القلب أو ثوب أي: رجوع، وهو هنا اعتقاد خلاف ظاهر لفظه لشبهة عنده واستشكل الاستثناء بأنه لا يمكن في الماضي إذ لا يقال: أتلفت كذا إن شاء الله، وأجيب بأن المراد رجوعه لعقد اليمين ومر عن الإسنوي في الطلاق ما له تعلق بذلك وخرج بحيث

 

ج / 4 ص -457-        لا يسمع ما إذا سمعه فيعزره ويعيد اليمين ولو وصل بها كلاما لم يفهمه القاضي منعه وأعادها، "و" ضابط من تلزمه اليمين في جواب الدعوى أو النكول أنه كل "من توجهت عليه يمين" أي: دعوى صحيحة كما بأصله أو المراد طلبت منه يمين ولو من غير دعوى كطلب قاذف ادعي عليه يمين المقذوف أو وارثه أنه ما زنى، وحينئذ فعبارته أحسن من عبارة أصله فزعم أنها سبق قلم ليس في محله "لو أقر بمطلوبها" أي: اليمين أو الدعوى؛ لأن مؤداهما واحد "لزمه" وحينئذ فإذا ادعى عليه بشيء كذلك "فأنكر" حلف للخبر السابق: "واليمين على من أنكر" ولا ينافي هذا الضابط حكايتهما له في الروضة وأصلها بقيل؛ لأنهما لم يريدا إلا أنه أطول مما قبله فلا يحتاج إليه لا أنه غير ما قبله، بل هو شرح له ثم كل منهما أغلبي إذ عقوبة الله تعالى كحد زنا وشرب لا تحليف فيها؛ لامتناع الدعوى بها كما مر في شهادة الحسبة، ولو قال: أبرأتني عن هذه الدعوى لم يلزمه يمين على نفيه؛ لأن الإبراء من الدعوى لا معنى له ولو علق طلاقها بفعلها فادعته وأنكر فلا يحلف على نفي العلم بوقوعه، بل إن ادعت فرقة حلف على نفيها على ما مر في الطلاق بما فيه أنه لا يقبل قولها في ذلك، وإلا فلا ولو ادعى عليه شفعة فقال إنما اشتريت لابني لم يحلف، ولو ظهر غريم بعد قسمة مال المفلس بين غرمائه فادعى أنهم يعلمون دينه لم يحلفوا، ولو ادعت أمة الوطء وأمية الولد فأنكر السيد أصل الوطء لم يحلف ومر في الزكاة أنه لا يجب على المالك فيها يمين أصلا، ولو ادعى على أبيه أنه بلغ رشيدا، وأنه كان يعلم ذلك وطلب يمينه لم يحلف مع أنه لو أقر به انعزل، وإن لم يثبت رشد الابن بإقرار أبيه، أو على قاض أنه زوجه مجنونة فأنكر لم يحلف مع أنه لو أقر قبل، أو الإمام على الساعي أنه قبض زكاة فأنكر لم يحلف أيضا، ولو ثبت لزيد دين على عمرو فادعى على خالد أن هذا الذي بيدك لعمرو فقال: بل لي لم يحلف لاحتمال رده اليمين على زيد ليحلف فيؤدي لمحذور هو إثبات ملك الشخص بيمين غيره، ولو قصد إقامة بينة عليه لم تسمع ونظر فيه شيخنا، والنظر واضح فقد قال ابن الصلاح: لو أقر خالد أن الثوب لعمرو وبيع في الدين ولو كان له حق على ميت فأثبته وحكم له به ثم جاء بمحضر يتضمن ملكا للميت وأراد أن يثبته ليبيعه في دينه، ولم يوكله الوارث في إثباته، فالأحسن القول بجواز ذلك ا هـ. وصرح بمثله السبكي فقال: للوارث والوصي والدائن المطالبة بحقوق الميت ا هـ. ومر أن قولهم ليس للدائن أن يدعي على من عليه دين لغريمه الغائب أو الميت، وإن قلنا: غريم الغريم غريم لا يخالف ذلك للفرق بين العين والدين، وكذا يقال: فيما مر في ثاني التنبيهين السابقين آنفا؛ لأن ذاك في الدين كما علمت، وخرج بلو أقر إلى آخره نائب المالك كوصي ووكيل فلا يحلف؛ لأنه لا يقبل إقراره، نعم لو جرى عقد بين وكيلين تحالفا كما مر، وهذا مستثنى أيضا، وكالوصي فيما ذكر ناظر الوقف فالدعوى على أحد هؤلاء ونحوهم، إنما هي لإقامة البينة إذ إقرارهم لا يقبل ولا يحلفون إن أنكروا، ولو على نفي العلم إلا أن يكون الوصي وارثا، ولو أوصت غير زوجها فادعى آخر أنه ابن عمها ولا بينة له لم تسمع دعواه على الوصي والزوج؛ لأنها إنما تسمع غالبا على من لو أقر بالمدعى به قبل وهنا لو صدقه أحدهما لم يقبل لأن

 

ج / 4 ص -458-        النسب لا يثبت بقوله، نعم إن كان الزوج معتقا أو ابن عم أخذ بإقراره بالنسبة للمال، وإن أنكر خصم وكالة مدع لم يحلفه على نفي العلم بها؛ لأن له طلب إثباتها، وإن أقر بها، "و" مما يستثنى أيضا من الضابط أنه "لا يحلف قاض على تركه الظلم في حكمه ولا شاهد أنه لم يكذب" لارتفاع منصبهما عن ذلك، وإن كانا لو أقرا انتفع المدعي به وعدل عن تصريح أصله بهذا الاستثناء؛ لأنه غير صحيح لخروج هذا من قوله: توجهت عليه دعوى لما مر أن هذين لا تسمع عليهما الدعوى بذلك، وخرج بقوله في حكمه غيره فهو فيه كغيره.
"ولو قال مدعى عليه: أنا صبي" في وقت يحتمل ذلك "لم يحلف"؛ لأن يمينه تثبت صباه، والصبي لا يحلف "ووقف" الأمر "حتى يبلغ" ثم يدعى عليه، وإن كان لو أقر بالبلوغ في وقت احتماله قبل، ومن ثم قيل: هذه المستثنيات من الضابط، نعم لو صبي كافر أنبت فادعى استعجال الإنبات بدواء حلف فإن نكل قتل، "واليمين تفيد قطع الخصومة في الحال لا براءة" من الحق للخبر الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم أمر حالفا بالخروج من حق صاحبه أي: كأنه علم كذبه كما رواه أحمد "فلو حلفه ثم أقام بينة" بمدعاه أو شاهدا ليحلف معه "حكم بها"، وكذا لو ردت اليمين على المدعي فنكل ثم أقام بينة لاحتمال أن نكوله تورع ولقول جمع تابعيين البينة العادلة أحق من اليمين الفاجرة رواه البخاري والحصر في خبر:
"شاهداك أو يمينه ليس لك إلا ذلك" إنما هو حصر لحقه في النوعين أي: لا ثالث لهما، وأما منع جمعهما بأن يقيم الشاهدين بعد اليمين، فلا دلالة للخبر عليه، وقد لا تفيده البينة كما لو أجاب مدعى عليه بوديعة بنفي الاستحقاق وحلف عليه فلا يفيد المدعي إقامة بينة بأنه أودعه؛ لأنها لا تخالف ما حلف عليه من نفي الاستحقاق، ولو اشتملت الدعوى على حقوق فله التحليف على بعضها دون بعض لا على كل منها يمينا مستقلة إلا إن فرقها في دعاوى بحسبها كما قاله الماوردي ولا يكلف جمعها في دعوى واحدة، ولو أقام بينة ثم قال: هي كاذبة أو مبطلة سقطت هي لا أصل الدعوى، ولو ثبت لجمع حق على واحد حلف لكل يمينا ولا تكفي يمين واحدة وإن رضوا بها بخلاف ما لو أنكر ورثة ميت دعوى دين عليه وردوا اليمين على المدعي، فإنه يحلف لهم يمينا واحدة، ويوجه بأن خصمه في الحقيقة إنما هو الميت وهو واحد "ولو قال" من توجهت له يمين أبرأتك عنها سقط حقه منها، لكن في هذه الدعوى لا غير فله استئناف دعوى وتحليفه، وإن قال "المدعى عليه" الذي طلب تحليفه: "قد حلفني مرة" على هذه الدعوى عند قاض آخر أو أطلق، لكن ينبغي ندب الاستفسار حينئذ "فليحلف أنه لم يحلفني" عليها "مكن" من ذلك ما لم تكن له بينة ويريد إقامتها فيمهل له ثلاثة أيام "في الأصح"؛ لأن ما قاله محتمل ولا يجاب المدعي لو قال: قد حلفني أني لم أحلفه فليحلف على ذلك لئلا يتسلسل الأمر فإن نكل حلف المدعى عليه يمين الرد، واندفعت الخصومة عنه ولا يجاب لحلفه يمين الأصل إلا بعد استئناف دعوى؛ لأنهما الآن في دعوى أخرى، أما لو قال: حلفني عندك فإن تذكر منع خصمه عنه ولم تفده إلا البينة، وإلا حلفه ولا تنفعه البينة بالتحليف لما مر أن القاضي لا يعتمد بينة بحكمه بدون تذكره، ولو قال للمدعي: قد حلفت أبي أو بائعي على هذا مكن من تحليفه على نفي ذلك

 

ج / 4 ص -459-        أيضا فإن نكل حلف هو، وكذا لو ادعى على مقر له بدار في يد المقر فقال: هي ملكي لا ملك المقر لك فقال: قد حلفته فاحلف أنك لم تحلفه فيمكن من تحليفه، "وإذا" أنكر مدعى عليه فأمر بالحلف فامتنع و "نكل" عن اليمين "حلف المدعي" بعد أمر القاضي له اليمين المردودة إن كان مدعيا عن نفسه لتحول اليمين إليه "وقضى له" بالحق أي: مكن منه إذ الذي في الروضة وأصلها أنه لا يحتاج بعد اليمين إلى القضاء له به "ولا يقضى له بنكوله" أي: الخصم وحده ومخالفة أبي حنيفة وأحمد فيه ردت بنقل مالك رضي الله عنهم في موطئه الإجماع قبلهما على خلاف قولهما وصح أنه صلى الله عليه وسلم رد اليمين على طالب الحق، وترد اليمين في كل حق يتعلق بالآدمي، ولو ضمنا كما في صورة القاذف لا في محض حق الله تعالى كما لا يحكم القاضي فيه بعلمه "والنكول" يحصل بأمور منها "أن يقول" بعد عرض اليمين عليه: "أنا ناكل أو يقول له القاضي احلف فيقول: لا أحلف" لصراحتهما فيه، ومن ثم لو طلب العود للحلف ولم يرض المدعي لم يجب كما اعتمداه، وإن نازع فيه جمع ورجح البلقيني أنه لا بد من الحكم؛ لأنه مجتهد فيه وسيعلم مما يأتي في مسألة الهرب أن محل قولهما هنا لم يجب ما إذا وجه القاضي اليمين على المدعي ولو بإقباله عليه ليحلفه فقول شيخنا كغيره هنا فإنه يردها، وإن لم يحكم به مرادهم وإن لم يصرح بالحكم به لما صرحوا به في مسألة الهرب بقولهم للخصم بعد نكوله إلى آخر ما يأتي الصريح في أنه لا يسقط حقه من اليمين بمجرد النكول، وحينئذ استوت هذه ومسألة السكوت الآتية في أنه لا بد من حكم القاضي حقيقة أو تنزيلا فإن قلت: بل يفترقان في أن هذا قبل الحكم التنزيلي يسمى ناكلا بخلاف الساكت قلت: ليس لاختلافهما في مجرد التسمية فائدة هنا فإن قلت: يمكن تأويل قولهم الآتي بعد نكوله أي: بالسكوت ويبقى ما هنا على إطلاقه أنه لا يحتاج إلى حكم، ولو تنزيليا قلت: يمكن لولا قول الروضة ومقتضاه التسوية إلخ فتأمله. ومن النكول أيضا أن يقول له: قل بالله فيقول: بالرحمن كذا أطلقوه ويظهر تقييده أخذا مما يأتي فيمن توسم فيه الجهل بأن يصر عليه بعد تعريفه بأنه يجب امتثال ما أمر به الحاكم، وكلامهم هنا صريح في الاكتفاء بالحلف بالرحمن وهو ظاهر خلافا للبلقيني وفي قل: بالله فقال: والله أو تالله وجهان والمعتمد أنه ليس بناكل، وكذا في عكسه لوجود الاسم، وإنما التفاوت في مجرد الصلة فلم يؤثر، ولو امتنع من التغليظ بشيء مما مر فناكل على المعتمد خلافا للبلقيني "فإن سكت" بعد عرض اليمين عليه لا لنحو دهشة "حكم القاضي بنكوله" بأن يقول له جعلتك ناكلا أو نكلتك بالتشديد؛ لامتناعه ولا يصير هنا ناكلا بغير حكم، ومنه ما يأتي؛ لأن ما صدر عنه ليس صريح نكول ويسن للقاضي عرضها عليه ثلاثا، وهو في الساكت آكد، ولو توسم فيه جهل حكم النكول عرفه به وجوبا بأن يقول له: إن نكولك يوجب حلف المدعي وأنه لا تسمع بينتك بعده بأداء أو نحوه فإن حكم عليه ولم يعرفه نفذ؛ لأنه المقصر بعدم تعلمه حكم النكول "وقوله" أي: القاضي "للمدعي" بعد امتناع المدعى عليه أو سكوته "احلف" أو أتحلف ولو بإقباله عليه ليحلفه، وإن لم يقل له احلف على المنقول المعتمد "حكم" منه "بنكوله" أي: نازل منزلة قوله

 

ج / 4 ص -460-        حكمت بنكوله فليس للمدعى عليه أن يحلف إلا إن رضي المدعي، وبما تقرر هنا وفيما مر علم أن للخصم بعد نكوله العود إلى الحلف، وإن كان قد هرب وعاد ما لم يحكم بنكوله حقيقة أو تنزيلا، وإلا لم يعد له إلا إن رضي المدعي فإن لم يحلف لم يكن للمدعي حلف المردودة لتقصيره برضاه بحلفه، ولو هرب الخصم من مجلس الحكم بعد نكوله وقبل عرض القاضي اليمين على المدعي امتنع على المدعي حلف المردودة كما علم مما تقرر، وله طلب يمين خصمه بعد إقامة شاهد واحد، وحينئذ لا ينفعه إلا البينة الكاملة فإن حلف الخصم سقطت الدعوى، وليس له تجديدها في مجلس آخر ليقيم البينة لتقصيره، ولو نكل في جواب وكيل المدعي ثم حضر الموكل فله أن يحلفه بلا تجديد دعوى، "واليمين المردودة" من المدعى عليه أو القاضي على المدعي "في قول" أنها "كبينة" يقيمها المدعي؛ لأنها حجة مثلها أي: غالبا "و" في "الأظهر" إنها "كإقرار المدعى عليه"؛ لأنه بنكوله توصل للحق فأشبه إقراره "ف" عليه يجب الحق بفراغ المدعي من يمين الرد من غير افتقار إلى حكم كما مر، و "لو أقام المدعى عليه بعدها بينة" أو حجة أخرى "بأداء أو إبراء" أو نحوهما من المسقطات "لم تسمع"؛ لتكذيبه لها بإقراره وقالا في محل آخر: تسمع وصحح الإسنوي الأول والبلقيني الثاني وبسط الكلام عليه وتبعه الزركشي فصوبه؛ لأنه إقرار تقديري لا تحقيقي فلا تكذيب فيه واعترض بأن ظاهر كلام الشيخين تفريع السماع على الضعيف أنها كالبينة، وهو متجه فالمعتمد ما في المتن ونقل الدميري عن علماء عصره أنهم أفتوا بسماعها فيما إذا كان المدعى عينا قال: وأشار إليه المتن بقوله: بأداء أو إبراء وأفتى ابن الصلاح فيمن ادعى حصة من ملك بيد أخيه إرثا فأنكر فحلف المدعي المردودة وحكم له فأقام المدعى عليه بينة بأن أباه أقر له به وحكم له به بأنه يتبين بطلان الحكم السابق ونظر فيه الغزي بأن قياس كون المردودة كإقرار المدعى عليه أن لا تسمع بينته ا هـ. ويرده ما تقرر عن الدميري ويوجه بأن العين أقوى من الدين وأن الإقرار هنا ليس حقيقيا من كل وجه "فإن لم يحلف المدعي ولم يتعلل بشيء" بأن لم يبد عذرا ولا طلب مهلة أو قال: أنا ناكل مطلقا أو سكت وحكم القاضي بنكوله أخذا مما مر، نعم يلزم الحاكم هنا سؤاله عن سبب امتناعه بخلاف المدعى عليه؛ لأن امتناعه يثبت للمدعي حق الحلف والحكم بيمينه فلا يؤخر حقه بالبحث والسؤال بخلاف امتناع المدعي وأيضا فالمدعى عليه بمجرد امتناعه من اليمين يتحول الحق للمدعي فامتنع على القاضي التعرض لإسقاطه بخلاف نكول المدعي فإنه لا يجب به حق لغيره فيسأله القاضي عن سبب امتناعه "سقط حقه من اليمين" لإعراضه فليس له العود إليها في هذا المجلس وغيره، وإلا لأضره ورفعه كل يوم إلى قاض "وليس له مطالبة الخصم" إلا أن يقيم بينة كما لو حلف المدعى عليه، ومحله إن توقف ثبوت الحق على يمين المدعي، وإلا لم يحتج ليمينه كما إذا ادعى ألفا من ثمن مبيع فقال المشتري: أقبضتك إياها فأنكر البائع فيصدق بيمينه فإن نكل وحلف المشتري انقطعت الخصومة، وإن نكل أيضا ألزم بالألف لا للحكم بالنكول، بل لإقراره بلزوم المال بالشراء ابتداء، ومثله ما إذا ولدت وطلقها ثم قال: ولدت قبل الطلاق فاعتدي فقالت: بل بعده 
 

 

ج / 4 ص -461-        فيصدق بيمينه فإن نكل وحلفت فلا عدة، وإن نكلت أيضا اعتدت لا للنكول، بل لأصل بقاء النكاح وآثاره فيعمل به ما لم يظهر دافع "وإن تعلل" المدعي "بإقامة بينة أو مراجعة حساب" أو الفقهاء أو بإرادة ترو "أمهل" وجوبا على الأوجه "ثلاثة أيام" فقط لئلا يضر بالمدعى عليه فيسقط حقه من اليمين بعد مضي الثلاثة من غير عذر "وقيل أبدا" لأن اليمين حقه فله تأخيرها كالبينة ولاتجاهه انتصر له بأن الجمهور عليه، لكن فرق الأولون بأن البينة قد لا تساعده ولا تحضر واليمين إليه، "وإن استمهل المدعى عليه حين استحلف لينظر حسابه" أو طلب الإمهال وأطلق كما فهم بالأولى "لم يمهل" إلا برضا المدعي؛ لأنه مجبور على الإقرار أو اليمين بخلاف المدعي فإنه مختار في طلب حقه فله تأخيره "وقيل" يمهل "ثلاثة" من الأيام للحاجة وخرج بينظر حسابه ما لو استمهل لإقامة حجة بنحو أداء فإنه يمهل ثلاثا كما مر "ولو استمهل في ابتداء الجواب" لينظر في الحساب أو يسأل الفقهاء مثلا "أمهل إلى آخر المجلس" إن رآه القاضي كما اقتضاه كلامهما وجرى عليه جمع والقول بأن المراد إن شاء المدعي، رده البلقيني بأن هذا لا يحتاج إليه؛ لأن للمدعي ترك الدعوى من أصلها ا هـ. وفيه نظر؛ لأن مراد ذلك القول إن شاء المدعي إمهاله، وإلا لم يمهل، وإنما الذي يرده أن هذه مدة قريبة جدا، وفيها مصلحة للمدعى عليه من غير مضرة على المدعي فلم يحتج لرضاه، وعلى الأول يتجه أن محله ما لم يضر الإمهال بالمدعي لكون بينته على جناح سفر كما هو ظاهر، ويظهر أن المراد مجلس القاضي وكالنكول ما لو أقام شاهدا ليحلف معه فلم يحلف فإن علل امتناعه بعذر أمهل ثلاثة أيام، وإلا فلا.
"تنبيه" ادعى عليه ولم يحلفه وطلب منه كفيلا حتى يأتي ببينة لم يلزمه، واعتياد القضاة خلافه حمله الإمام على ما إذا خيف هربه أما بعد إقامة شاهد وإن لم يعدل فيطالب بكفيل فإن امتنع حبس للامتناع لا لثبوت الحق.
"ومن طولب" بجزية بعد إسلامه فقال: وقد كان غاب أسلمت قبل تمام السنة وقال العامل: بل بعدها حلف المسلم فإن نكل أخذت منه لتعذر ردها فإن ادعى ذلك وهو حاضر لم يقبل وأخذت منه أو "بزكاة فادعى دفعها إلى ساع آخر أو غلط خارص" أو مسقطا آخر ندب تحليفه فإن نكل لم يطالب بشيء. "و" أما إذا "ألزمناه اليمين" على خلاف المعتمد السابق "فنكل وتعذر رد اليمين" لعدم انحصار المستحق ", فالأصح" على هذا الضعيف "أنها تؤخذ منه" لا للحكم بالنكول، بل لأن ذلك هو مقتضى ملك النصاب والحول، ولو ادعى ولد مرتزق البلوغ بالاحتلام ليثبت اسمه حلف فإن نكل لم يعط لا للقضاء بالنكول، بل؛ لأن الموجب لإثبات اسمه، وهو الحلف لم يوجد، ولو نكل مدعى عليه بمال ميت بلا وارث أو نحو وقف عام أو على مسجد حبس إلى أن يحلف أو يقر، وكذا لو ادعى وصي ميت على وارثه أنه أوصى بثلث ماله للفقراء مثلا فأنكر ونكل عن اليمين فيحبس إلى أن يقر أو يحلف، "ولو ادعى ولي صبي" أو مجنون، ولو وصيا أو قيما "دينا له" على آخر "فأنكر ونكل لم يحلف الولي" كما لا يحلف مع الشاهد لبعد إثبات الحق لإنسان بيمين غيره فيوقف إلى كماله "وقيل: يحلف"؛ لأنه بمنزلته "وقيل: إن ادعى مباشرة سببه" أي: ثبوته بمباشرته لسببه

 

ج / 4 ص -462-        "حلف"؛ لأن العهدة تتعلق به وهذا هو المعتمد؛ لأنه الذي رجحاه في الصداق واعتمده الإسنوي وغيره ورد بأن ما قاله ثم لا يخالف ما هنا؛ لأنه إنما يحلف على فعل نفسه، والمهر يثبت ضمنا لا مقصودا، وكذا البيع بخلاف غيرهما، وإن تعلق بمباشرته، وهو ما هنا ويجاب بأنه حيث تعلقت العهدة بمباشرته لتسببه مع عجز المولى عن إثباته ساغ للولي إثباته بيمينه المتعلقة بفعل نفسه رعاية لمصلحة المولى، بل ضرورته ومر في القضاء على الغائب حكم ما لو وجب لمولى على مولى دين، ولو ادعى لموليه دينا وأثبته فادعى الخصم نحو أداء أخذ منه حالا وأخرت اليمين على نفي العلم إلى كمال المولى كما مر.
فرع: علم مما قدمته في التنبيه الذي قبل الفصل أنه لو أقام خارج بينة تشهد له بالعين فادعى ذو اليد أنه اشتراها ممن اشتراها من المدعي وأقام شاهدا جاز له أن يحلف معه لا سيما إن امتنع بائعه من الحلف؛ لأنه، وإن أثبت بها ملكا لغيره لكنه لما انتقل منه إليه كان بمنزلة إثباته ملك نفسه، ونظيره الوارث فإنه يثبت بها ملكا لغيره منتقلا منه إليه بخلاف غريم الغريم، ونظيره قولهم: لو أوصى له بعين في يد غيره فللموصى له أن يدعي بها ويحلف مع الشاهد أو اليمين المردودة.

فائدة: قد لا تسمع البينة من مدعى عليه كفت يمينه كما يأتي في الداخل بقيده.

فصل في تعارض البينتين
إذا "ادعيا" أي: اثنان أي: كل منهما "عينا في يد ثالث" لم يسندها إلى أحدهما قبل البينة ولا بعدها "وأقام كل منهما بينة" بها "سقطتا" لتعارضهما ولا مرجح فكأن لا بينة فيحلف لكل منهما يمينا فإن أقر ذو اليد لأحدهما قبل البينة أو بعدها رجحت بينته، ولو زاد بعض حاضري مجلس قبل إلا إن اختفت القرائن الظاهرة على أن البقية ضابطون له من أوله إلى آخره وقالوا: لم نسمعها مع الإصغاء إلى جميع ما وقع وكان مثلهم لا ينسب للغفلة في ذلك، فحينئذ يقع التعارض كما هو ظاهر؛ لأن النفي المحصور يعارض الإثبات الجزئي كما صرحوا به "وفي قول يستعملان" صيانة لهما عن الإلغاء بقدر الإمكان فتنزع من ذي اليد وحينئذ "ففي قول يقسم" المال بينهما نصفين لخبر أبي داود بذلك وحمله الأول على أن العين كانت بيدهما "وفي قول يقرع" بينهما ويرجح من خرجت قرعته لخبر فيه مرسل له شاهد، وأجاب الأول بحمله على أنه كان في عتق أو قسمة "وفي قول يوقف" الأمر "حتى يتبين أو يصطلحا" لإشكال الحال فيما يرجى انكشافه "و" على التساقط "لو كانت" العين "في يدهما وأقاما بينتين" فشهدت بينة الأول له بالكل ثم بينة الثاني له به "بقيت" بيدهما "كما كانت" إذ لا أولوية لأحدهما، نعم يحتاج الأول لإعادة بينة للنصف الذي بيده لتقع بعد بينة الخارج بالنسبة لذلك النصف، ولو شهدت بينة كل منهما له بالنصف الذي بيد صاحبه حكم له به وبقيت بيدهما لا بجهة سقوط ولا ترجيح بيد لانتساخ يد كل ببينة الآخر أما إذا لم يكن بيد أحد وشهدت بينة كل له بالكل فيجعل بينهما، ويحل التساقط إذا وقع تعارض حيث لم يتميز أحدهما بمرجح، وإلا قدم، وهو بيان نقل الملك على ما يأتي

 

ج / 4 ص -463-        قبيل قوله: وأنها لو شهدت بملكه أمس إلى آخره ثم اليد فيه للمدعي أو لمن أقر له به أو انتقل له منه ثم شاهدان مثلا على شاهد ويمين ثم سبق تاريخ ملك أحدهما بذكر زمن أو بيان أنه ولد في ملكه مثلا ثم بذكر سبب الملك وتقدم أيضا ناقلة عن الأصل على مستصحبة له ومن تعرضت؛ لأن البائع مالك عند البيع ومن قالت نقد الثمن أو هو مالك الآن على من لم يذكر ذلك لا بالوقف ولا بينة انضم إليها الحكم بالملك على بينة ملك بلا حكم على المعتمد كما قاله الإسنوي وغيره خلافا للبغوي كما يأتي وممن جزم بالأول أبو زرعة وغيره، وظاهر كلامه في فتاويه أول الدعاوى أنه لا فرق بين الحكم بالصحة والحكم بالموجب، وهو ظاهر؛ لأن أصل الحكم لا يرجح به فأولى حكم فيه زيادة على الآخر، أما لو تعارض حكمان بأن أثبت كل أن معه حكم القاضي لكن أحدهما بالموجب والآخر بالصحة، فالوجه تقديم الثاني؛ لأنه يستلزم ثبوت الملك بخلاف الأول ومر قبيل العارية أن القاضي إذا أجمل حكما بأن لم يثبت استيفاءه بشروطه حمل حكمه على الصحة إن كان عالما ثقة أمينا، وقد ذكر المصنف أكثر هذه المرجحات بذكر مثلها فقال: "ولو كانت" العين "بيده" تصرفا أو إمساكا "فأقام غيره بها" أي: بملكها من غير زيادة "بينة و" أقام "هو" بها "بينة" بينت سبب ملكه أم لا أو قالت: كل اشتراها أو غصب بها من الآخر "قدم" من غير يمين "صاحب اليد" ويسمي الداخل وإن حكم بالأولى قبل قيام الثانية؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قضى بذلك كما رواه أبو داود وغيره ولترجح بينته، وإن كانت شاهدا أو يمينا والأخرى شاهدين بيده ومن ثم لو شهدت بينة المدعي بأنه اشتراها منه أو من بائعه مثلا أو أن أحدهما غصبها قدم لبطلان اليد حينئذ ولا يكفي قولهما: يد الداخل غاصبة على ما ذكره جمع ويوجه بأنه مجرد إفتاء، ولو قالت: غصبها منه، والثانية اشتراها منه قدمت لبيانها النقل الصحيح، وكذا لو قالت: يده بحق، لأنها تعارض الغصب فيبقى أصل اليد هذا ما أفتى به ابن الصلاح في ميت عن دار ادعى ناظر بيت المال أنها له غصبها الميت وأقام به بينة، والوارث أن يده بحق كمورثه إلى موته، وأقام به بينة صدق؛ لأن مع بينته زيادة علم، وهو حصول الملك ا هـ. وفيه نظر؛ لأن بينة الغصب معها زيادة علم فهي ناقلة وتلك مستصحبة على أن قولها بحق أمر محتمل وسيأتي ومثله لا يقبل من الشاهد على ما مر بما فيه، ولو أقام بينة بأن الداخل أقر له بالملك قدمت ولم تنفعه بينته بالملك إلا إن ذكرت انتقالا ممكنا من المقر له إليه وتقدم من قالت: اشتراه من زيد وهو يملكه على من قالت: وهو في يده أو وتسلمه منه وبحث أن ذات اليد أرجح من قائلة وتسلمه منه ومن انتزع شيئا بحجة صار ذا يد فيه بالنسبة لغير الأول فلو ادعى عليه آخر وأقام بينة مطلقة أعاد بينته ورجحت بيده، ولو أجاب ذو اليد باشتريتها من زيد فأثبت المدعي إقرار زيد له بها قبل الشراء فأثبت المدعى عليه إقرار المدعي بها لزيد قبل الشراء، وجهل التاريخ أقرب بيد المدعى عليه؛ لأن يده لم يعارضها شيء، ولو أقامت بنت واقف وقف محكوم به بينة بأنه ملكها إياه وأقبضه لها قبل وقفه لم يفدها شيئا لترجح الوقف باليد قبل وبحكم الحاكم وإنما يتجه هذا إن كان الترجيح من مجموع الأمرين أما إذا قلنا: أن حكم الحاكم غير مرجح فالذي يتجه تقديم

 

ج / 4 ص -464-        بينتها ولا عبرة باليد؛ لأن بينة التمليك نسختها وأبطلتها ولا يعارضه ما يأتي عن شيخنا قبيل ما لو مات عن ابنين مسلم ونصراني؛ لأن بينتها هنا رفعت يد الواقف صريحا بخلافه فيما يأتي، ولو ادعيا لقيطا بيد أحدهما وأقام كل بينة استويا؛ لأنه لا يدخل تحت اليد، "ولا تسمع بينته إلا بعد" بينة "المدعي"، وإن لم تعدل؛ لأن الحجة إنما تقام على خصم وقيل: تسمع لغرض التسجيل قال الزنجاني: وعليه العمل اليوم في سائر الآفاق وأفهم المتن أنها لا تسمع بعد الدعوى وقبل البينة؛ لأن الأصل في جانبه اليمين فلا يعدل عنها ما دامت كافية وبحث البلقيني سماعها لدفع تهمة نحو سرقة ومع ذلك لا بد من إعادتها بعد بينة الخارج.
فرع: اختلف الزوجان في أمتعة البيت، ولو بعد الفرقة ولا بينة لاختصاص لأحدهما بيد فلكل تحليف الآخر فإذا حلفا جعل بينهما، وإن صلح لأحدهما فقط أو حلف أحدهما فقط قضي له كما لو اختص باليد وحلف، وكذا وارثاهما ووارث أحدهما والآخر.
"ولو أزيلت يده ببينة" حسا بأن سلم المال لخصمه أو حكما بأن حكم عليه به فقط "ثم أقام بينة بملكه مستندا إلى ما قبل إزالة يده" حتى في الحالة الثانية فيما يظهر خلافا لابن الأستاذ ونظره لبقاء يده يرد بأنها بعد الحكم بزوالها لم يبق لها أثر "واعتذر بغيبة شهوده" أو جهله بهم أو بقبولهم مثلا "سمعت وقدمت" إذ لم تزل إلا لعدم الحجة، وقد ظهرت فينقض القضاء، واشترط الاعتذار هنا مع أنه لم يظهر من صاحبه ما يخالفه ليسهل نقض الحكم "وقيل: لا" تسمع ولا ينقض الحكم لإزالة يده فلا يعود وزيفه القاضي أبو الطيب بأنه خلاف الإجماع وليس هنا نقض اجتهاد باجتهاد؛ لأن الحكم إنما وقع بتقدير أن لا معارض فإذا ظهر عمل به، وكأنه استثني من الحكم وخرج بمستندا إلى آخره شهادتها بملك غير مستند فلا تسمع، "ولو قال الخارج هو ملكي اشتريته منك فقال" الداخل: "بل" هو "ملكي وأقاما بينتين" بما قالاه "قدم الخارج" لزيادة علم بينته بالانتقال، ولذا قدمت بينته لو شهدت أنه ملكه، وإنما أودعه أو آجره أو أعاره للداخل أو أنه باعه أو غصبه منه وأطلقت بينة الداخل، ولو قال كل للآخر: اشتريته منك وأقام بينة ولا تاريخ قدم ذو اليد، ولو تداعيا دابة أو أرضا أو دارا لأحدهما متاع عليها أو فيها أو الحمل أو الزرع باتفاقهما أو ببينة قدمت على البينة الشاهدة بالملك المطلق لانفراده بالانتفاع، فاليد له وبه فارق ما لو كان لأحدهما على العبد ثوب؛ لأن المنفعة في لبسه للعبد لا لصاحبه فلا بد له فإن اختص المتاع ببيت فاليد فيه فقط ولو قال أخذت ثوبي من دارك فقال: بل هو ثوبي أمر حيث لا بينة له برده إليه؛ لأنه ذو يد كما لو قال: قبضت منه ألفا لي عليه أو عنده فأنكر فيؤمر برده إليه، ولو قال: أسكنته داري ثم أخرجته منها، فاليد للساكن لإقرار الأول له بها فيحلف أنها له، وقوله: زرع لي إعانة أو إجارة ليس فيه إقرار له بيد، ولو تنازع مكر ومكتر في متصل بالدار كرف أو سلم مسمر حلف الأول أو في منفصل كمتاع حلف الثاني للعرف، وما اضطرب فيه كغير المسمر من الأولين والغلق بينهما إذا تحالفا إذ لا مرجح وأفتى ابن الصلاح في شجر فيها بأن اليد للمتصرف فيه، ومن ثم لو تنازع خياط وذو الدار في مقص وإبرة وخيط حلف؛ لأن تصرفه فيها أكثر بخلاف القميص فيحلف عليه صاحب الدار، وبهذا أعني التصرف يفرق

 

ج / 4 ص -465-        بين هذا وبين الأمتعة المتنازع فيها بين الزوجين وإن صلح لأحدهما، "ومن أقر لغيره بشيء" حقيقة أو حكما كأن ثبت إقراره به، وإن أنكره "ثم ادعاه لم تسمع" دعواه "إلا أن يذكر انتقالا" ممكنا من المقر له إليه؛ لأن الإقرار يسري للمستقبل أيضا، وإلا لم يكن له كبير فائدة وهل يجب بيان سبب الانتقال في هذا ونظائره نقل فيه في المطلب تخالفا بين الأصحاب ومال إلى اشتراط البيان تبعا للقفال وغيره للاختلاف في أسباب الانتقال وبحث غيره التفصيل بين الفقيه الموافق للقاضي وغيره كما ذكروه في الإخبار بتنجس الماء ويرد بأنه يحتاط لما نحن فيه بما لم يحتط بمثله ثم، بل لا جامع بين المحلين إذ وظيفة الشاهد التعيين والقاضي النظر في المعينات ليرتب عليها مقتضاها وقال الزركشي: نص في الأم على أنه لا يشترط بيان السبب، وعليه الجمهور ومر قبيل فصل الشهادة على الشهادة ما يعلم منه المعتمد في ذلك ودخل في قولي كأن إلى آخره ما لو ادعى عليه صنيعة في يده فأنكر فأقام المدعي بينة أنه أقر له بها من شهر فأقام ذو اليد بينة أنها ملكه فلا تدفع بينة المدعي لعدم ذكر سبب الانتقال ولاحتمال اعتماد البينة ظاهر اليد فيقدم إقراره ومر في الإقرار أنه لو قال: وهبته له وملكه لم يكن إقرارا بالقبض لجواز اعتقاده حصوله بمجرد العقد وحينئذ فتقبل دعواه به بعد هذا الإقرار من غير ذكر انتقال، "ومن أخذ منه مال ببينة ثم ادعاه لم يشترط ذكر الانتقال في الأصح"؛ لأن البينة لم تشهد إلا على التلقي حالا فلم يتسلط أثرها على الاستقبال وبه فارق ما مر في المقر، وقضيته أنها لو أضافت لسبب يتعلق بالمأخوذ منه كانت كالإقرار، وهو ما بحثه البلقيني "والمذهب أن زيادة عدد" أو نحو عدالة شهود "أحدهما لا ترجح" بل يتعارضان لكمال الحجة من الطرفين؛ و لأن ما قدره الشرع لا يختلف بالزيادة والنقص كدية الحر وبه فارق تأثر الرواية بذلك؛ لأن مدارها على أقوى الظنين، ومنه يؤخذ أنه لو بلغت تلك الزيادة عدد التواتر رجحت، وهو واضح لإفادتها حينئذ العلم الضروري، وهو لا يعارض قال البغوي ويرجح بحكم الحاكم فيما لو أقاما بينتين إحداهما محكوم بها ورده الإسنوي وغيره بأن المعتمد خلافه فيتعارضان ولا يعمل بواحدة منهما إلا بمرجح آخر، وهذا فائدة التعارض، وليس منها نقض الحكم؛ لأنه باق إذ لم يتعين الخطأ فيه، وإنما العمل به متوقف على مرجح له، وهذا هو المراد من بحث السبكي ومن تبعه أنه إذا قامت بينة بخلاف البينة التي حكم بها لم ينقض حكمه. "وكذا لو كان لأحدهما رجلان وللآخر رجل وامرأتان" أو أربع نسوة فيما يقبلن فيه لكمال الحجة من الطرفين أيضا "فإن كان للآخر شاهد ويمين رجح الشاهدان" والشاهد والمرأتان والأربع النسوة فيما يقبلن فيه "في الأظهر" للإجماع على قبول من ذكر دون الشاهد واليمين، نعم إن كان معهما يد قدما بين سبب أو لا لاعتضادهما بها كما مر وبحث شيخنا أنهما لو تعرضا لغصب هذا لما في يده والشاهدان لملكه قدم الشاهد واليمين؛ لأن معهما زيادة علم قال: ويحتمل العكس؛ لأن الثانية حجة اتفاقا مع قوة دلالة اليد ا هـ. ولعل هذا أقوى، "ولو شهدت" البينة "لأحدهما" أي: متنازعين في عين بيدهما أو يد ثالث أو لا بيد أحد "بملك من سنة و" شهدت بينة أخرى "للآخر" بملكه لها "من أكثر" من سنة، وقد شهدت كل بالملك حالا أو

 

ج / 4 ص -466-        قالت لا: نعلم مزيلا له لما يأتي أن الشهادة لا تسمع بملك سابق إلا مع ذلك ", فالأظهر ترجيح الأكثر"؛ لأنها أثبتت الملك في وقت لا تعارضها فيه الأخرى وفي وقت تعارضها فيه فيتساقطان في محل التعارض، ويعمل بصاحبة الأكثر فيما لا تعارض فيه والأصل في كل ثابت دوامه أما إذا كانت بيد متقدمة التاريخ فيقدم قطعا أو متأخرته فسيأتي، وقد ترجح بتأخر التاريخ وحده كأن ادعى شراء دار بيد غيره وأقام به بينة، وقد بانت مستحقة أو معيبة وأراد ردها واسترداد الثمن، وأقام ذو اليد بينة بأنه وهبها من المدعي ولم يؤرخا تعارضتا فلو أرختا حكم بالأخيرة على ما أفتى به القفال "ولصاحبها" أي: المتقدمة "الأجرة والزيادة الحادثة من يومئذ" أي: من يوم ملكه بالشهادة؛ لأنها فوائد ملكه، نعم لو كانت العين بيد الزوج أو البائع قبل القبض لم تلزمه أجرة كما علم مما مر في بابيهما، "ولو أطلقت بينة" بأن لم تتعرض لزمن الملك "وأرخت بينة" ولا يد لأحدهما واستويا في أن لكل شاهدين مثلا ولم تبين الثانية سبب الملك ", فالمذهب أنهما سواء" فيتعارضان، ومجرد التاريخ ليس بمرجح؛ لاحتمال أن المطلقة لو فسرت فسرت بما هو أكثر من الأولى، نعم لو شهدت إحداهما بدين، والأخرى بالإبراء من قدره رجحت هذه؛ لأنه إنما يكون بعد الوجوب، والأصل عدم تعدد الدين، ولو أثبت إقرار زيد له بدين فأثبت زيد إقراره بأنه لا شيء له عليه لم يؤثر؛ لاحتمال حدوث الدين بعد؛ و لأن الثبوت لا يرتفع بالنفي المحتمل ومن ثم قال في البحر لو أثبت أنه أقر له بدار فادعى أن المقر له قال: لا شيء لي فيها احتمل تقديم الأول وإن كانت اليد للثاني لرجوع الإقرار الثاني إلى النفي المحض، أما إذا كان لأحدهما يد أو شاهدان وللآخر شاهد ويمين فتقدم اليد والشاهدان، وكذا المبينة لسبب الملك كنتج أو أثمر أو نسج أو حلب من ملكه أو ورثه من أبيه ولا أثر لقولها: بنت دابته من غير تعرض لملكها، "و" المذهب "أنه لو كان لصاحب متأخرة التاريخ يد" لم يعلم أنها عادية "قدمت" سواء أذكرتا أو إحداهما الانتقال لمن تشهد له من معين أم لا، وإن اتحد ذلك المعين لتساوي البينتين في إثبات الملك حالا فيتساقطان وتبقى اليد في مقابلة الملك السابق، وهي أقوى سواء أشهدت كل بوقف أم ملك كما أفتى به المصنف كابن الصلاح واقتضاه قول الروضة: بينتا الملك والوقف يتعارضان كبينتي الملك قال البلقيني: وعلى ذلك العمل ما لم يظهر أن اليد عادية باعتبار ترتبها على بيع صدر من أهل الوقف أو بعضهم ا هـ. واعتمده غيره وفي الأنوار عن فتاوى القفال ما يؤيده وبه يعلم أنه لو ادعى في عين بيد غيره أنه اشتراها من زيد من منذ سنتين فأقام الداخل بينة أنه اشتراها من زيد من منذ سنة قدمت بينة الخارج؛ لأنها أثبتت أن يد الداخل عادية بشرائه من زيد ما زال ملكه عنه ولا نظر؛ لاحتمال أن زيدا استردها ثم باعها للآخر؛ لأن هذا خلاف الأصل والظاهر ويؤيده ما يأتي في شرح قول المتن: حكم للأسبق، نعم يؤخذ مما يأتي في مسألة تعويض الزوجة أنه لا بد أن يثبت الخارج هنا أنها كانت بيد زيد حال شرائه منه، وإلا بقيت بيد من هي بيده، وسيأتي في التنبيه في الفصل الآتي ما يعلم منه ذلك فإن ادعاه أعني الاسترداد فعليه البينة به، وأن محل العمل باليد ما لم يعلم حدوثها وإلا كما هنا فهي في الحقيقة للأول فهو الداخل، ومن ثم لو اتحد

 

ج / 4 ص -467-        تاريخهما أو أطلقتاهما أو إحداهما قدم ذو اليد؛ لأنه لم يثبت حدوث يده وعلى ذلك يدل كلام غير البلقيني أيضا كجمع متقدمين لكن ظاهر كلام العزيز أو صريحه كجمع آخرين تقدم ذي اليد الصورية هنا، وإن تأخر تاريخ يده، ويجري ذلك في نظائره من دعواهما إجارة أو نحوها، واعتمد شيخنا كغيره الأول فقال فيمن ابتاعا شيئا من وكيل بيت المال وأقام كل بينة البيع الصحيح هو الأول كما أفاده كلام جمع متقدمين عددهم لسبق التاريخ مع الاتفاق على أن الملك لبيت المال ولا عبرة بكون اليد للثاني وبهذا يقيد إطلاق الروضة وأصلها وغيرهما تقديم الداخل وإن كانت بينة الخارج أسبق وقول السبكي إنما يقدم سبق التاريخ على اليد إذا اعترف الداخل بأن العين كانت بيد البائع حين بيعه للخارج أو قامت به بينة تفقه منه، "و" المذهب "أنها لو شهدت بملكه أمس ولم تتعرض للحال لم تسمع حتى يقولوا: ولم يزل ملكه أو لا نعلم مزيلا له" أو تبين سببه؛ لأن دعوى الملك السابق لا تسمع فكذا البينة، ولأنها شهدت له بما لم يدعه، وليس في قول الشاهد: لم يزل ملكه شهادة بنفي محض؛ لأن الشيء قد يتقوى بانضمامه لغيره كشهادة الأعشار، وقد تسمع الشهادة، وإن لم تتعرض للملك حالا كما يأتي في مسألة الإقرار كأن شهدت أنها أرضه وزرعها أو دابته نتجت في ملكه أو هذا أثمرته نخلته في ملكه أو هذا الغزل من قطنه أو الطير من بيضه أمس أو بأن هذا ملكه أمس اشتراه من المدعى عليه أو أقر له به أو ورثه أمس، وكأن شهدت بأنه اشترى هذه من فلان، وهو يملكها أو نحوه فتقبل، وإن لم تقل إنها الآن ملك المدعي أو بأن مورثه تركه له ميراثا أو بأن فلانا حكم له به فتقبل وذلك؛ لأن الملك ثبت بتمامه فيستصحب إلى أن يعلم زواله بخلافها بأصله لا بد أن ينضم إليها إثباته حالا، وكأن ادعى رق شخص بيده فادعى آخر أنه كان له أمس، وأنه أعتقه فتقبل بينته بذلك؛ لأن القصد بها إثبات العتق وذكر الملك السابق وقع تبعا، وكأن قال: عن عين بيد غيره هي لي ورثتها من أبي ولا وارث له غيري فشهدا له بذلك، وقالا: نحن من أهل الخبرة الباطنة فيقضى له بها؛ لأنها إذا ثبتت إرثا استصحب حكمه فإن سكتا عن: نحن من أهل الخبرة ولم يعلمهما الحاكم كذلك توقف ثم إن ثبت أنه وارث وأن الدار ميراث أبيه نزعت من ذي اليد وتعرف الحاكم الحال حتى يتبين أنه لو كان له وارث آخر لظهر فحينئذ يسلمها إليه، ولو قال: لخصمه كانت بيدك أمس لم يكن إقرارا، ولو قال من بيده عين: اشتريتها من فلان من منذ شهر وأقام به بينة فقالت زوجة: البائع ملكي تعوضتها منه من منذ شهرين، وأقامت به بينة فإن ثبت أنها بيد الزوج حال التعويض حكم بها لها، وإلا بقيت بيد من هي بيده الآن "تنبيه" قضية قولنا أو بأن فلانا حكم له به إلى آخره رد ما نقله الزركشي حيث قال: لو لم تشهد بملك أصلا ولكن شهدت على حاكم في زمن متقدم أنه ثبت عنده الملك كعادة المكاتيب في هذا الزمان قال بعض المتأخرين: لم أر فيه نقلا ويحتمل التوقف؛ لأن الحكم بها بغير مستند حاضر، بل اعتمادا على استصحاب ما ثبت في زمن ماض مع احتمال زواله وظهور اليد الحاضرة على خلافه ا هـ. فما علل به ممنوع لما تقرر أن الملك حيث ثبت بتمامه لا يضر كونه في زمن ماض ولا عبرة باحتمال يخالف الاستصحاب فيه الأقوى من

 

ج / 4 ص -468-        غيره كما يومئ إليه قوله: باليد فضلا عن الملك؛ لأن اليد قد تكون عادية بخلاف كانت ملكك أمس؛ لأنه صريح في الإقرار له به أمس فيؤاخذ به.
"وتجوز الشهادة"، بل تجب فيما يظهر إن انحصر الأمر فيه على أن الجواز قد يصدق بالوجوب "بملكه الآن استصحابا لما سبق من إرث وشراء وغيرهما" اعتمادا على الاستصحاب لأن الأصل البقاء وللحاجة لذلك. وإلا لتعسرت الشهادة على الأملاك السابقة إذا تطاول الزمن ومحله إن لم يصرح بأنه اعتمد الاستصحاب، وإلا لم تسمع عند الأكثرين، نعم إن بت شهادته وذكر ذلك تقوية لمستنده أو حكاية للحال لم يضر على ما مر ونبه الأذرعي على أنه لا تجوز الشهادة بملك نحو وارث أو مشتر أو متهب إلا إن علم ملك المنتقل عنه قال الغزي: وأكثر من يشهد بهذا يعتمد مجرد الاستصحاب جهلا. "ولو شهدت" بينة "بإقراره" أي: المدعى عليه "أمس بالملك له" أي: المدعي "استديم" حكم الإقرار، وإن لم تصرح بالملك حالا إذ لولاه لبطلت فائدة الأقارير وفارق الشهادة بالملك المتقدم بأن ذاك شهادة بأمر يقيني فاستصحب وهذه بأمر ظني، فإذا لم ينضم له الجزم حالا لم يؤثر "ولو أقامها" أي: الحجة "بملك دابة أو شجرة" من غير تعرض لملك سابق "لم يستحق ثمرة موجودة" يعني ظاهرة "ولا ولدا منفصلا" عند الشهادة؛ لأنهما ليسا من أجزاء العين، ولذا لا يدخلان في بيعها؛ ولأن البينة لا تثبت الملك، بل تظهره فكفى تقدمه عليها بلحظة فلم يستحق ثمرا ونتاجا حصلا قبل تلك اللحظة "ويستحق الحمل" والثمر غير الظاهر الموجود عند الشهادة "في الأصح" تبعا للأم والأصل كما لو اشتراها ولا عبرة باحتمال كون ذلك لغير مالك الأم والشجرة بنحو وصية؛ لأنه خلاف الأصل أما إذ تعرضت لملك سابق على حدوث ما ذكر فيستحقه فعلم أن حكم الحاكم لا ينعطف على ما مضى لجواز أن يكون ملكه لها حدث قبل الشهادة، "ولو اشترى شيئا" وأقبض ثمنه "فأخذ منه بحجة" أي: بينة "مطلقة" بأن لم تصرح بتاريخ الملك "رجع على بائعه" الذي لم يصدقه ولا أقام بينة بأنه اشتراه من المدعي، ولو بعد الحكم به "بالثمن" لمسيس الحاجة لذلك في عهدة العقود مع أن الأصل أنه لا معاملة بين المشتري والمدعي ولا انتقال منه إليه فيستند الملك المشهود به إلى ما قبل الشراء، وخرج بحجة التي هي البينة هنا كما تقرر ما لو أخذ منه بإقراره أو بحلف المدعي بعد نكوله؛ لأنه المقصر، وبمطلقة ما لو أسندت الاستحقاق إلى حالة العقد فيرجع قطعا وقال البلقيني لا حاجة له بل لو أسندت لما بعد العقد رجع أيضا على مقتضى كلام الأصحاب خلافا للقاضي؛ لأن المسندة لذلك الزمن حكمها بالنسبة لما قبله حكم المطلقة، وببائعه بائع بائعه فلا رجوع له عليه؛ لأنه لم يتلق منه، وبلم يصدقه ما لو صدقه على أنه ملكه فلا يرجع عليه بشيء لاعترافه بأن الظالم غيره، نعم لا يضر قوله ذلك له في الخصومة ولا إن قاله معتمدا فيه على ظاهر اليد وادعى ذلك فيرجع عليه مع ذلك لعذره، ومن ثم لو اشترى قنا وأقر بأنه قن ثم ادعى بحرية الأصل وحكم له بها رجع بثمنه ولم يضر اعترافه برقه؛ لأنه معتمد فيه على الظاهر، ولو أقر مشتر لمدع ملك المبيع لم يرجع على بائعه بالثمن ولا تسمع دعواه عليه بأنه ملك للمقر له حتى يقيم به بينة ويرجع

 

ج / 4 ص -469-        عليه بالثمن، نعم له تحليفه أنه ليس ملكا للمقر له فإن أقر أوخذ به "وقيل: لا" يرجع المشتري على بائعه بالثمن "إلا إذا ادعى" المدعي على المشتري "ملكا سابقا على الشراء" لينتفي احتمال الانتقال من المشتري إليه وأطال البلقيني في الانتصار له، وإن لم يقله أحد قبل القاضي، وأن الأول يلزمه محال عظيم هو أن المشتري يأخذ النتاج والثمرة والزوائد المتصلة كلها وهو قضية صحة البيع، ويرجع على البائع بالثمن وهو قضية فساد البيع، ويرده ما مر من تعليل الرجوع وليست الزوائد كالثمن، بل هي كالعين، وقد تقرر أولا أن حكمها غير حكم زوائدها قال: ومحل الخلاف إن قبض المشتري المبيع، وإلا رجع بالثمن قطعا تنزيلا لذلك منزلة هلاك المبيع قبل القبض.
"ولو ادعى ملكا" لدار مثلا بيد غيره "مطلقا" بأن لم يذكر له سببا "فشهدوا له" به "مع" ذكر "سببه لم يضر" ما زادوه في شهادتهم؛ لأن سببه تابع له، وهو المقصود وقد وافقت البينة فيه الدعوى، نعم لا يكون ذكرهم للسبب مرجحا؛ لأنهم ذكروه قبل الدعوى به فإن أعاد دعوى الملك وسببه فشهدوا بذلك رجحت حينئذ وفي الأنوار عن فتاوى القفال لو ادعى شراء عين فشهدت بينة له بملك مطلق قبلت، لكن رد بأن الصحيح أنها لا تسمع حتى تصرح له بالشراء، وفيه نظر، بل الأوجه الأول إذ لا فرق بين هذه وما في المتن من حيث إن الشاهدين في كل منهما لم يصرحا بما يناقض الدعوى، ويؤيده قولهم أن حالف الشاهد الدعوى في الجنس أي: الشامل للنوع والصنف بل والصفة كما هو ظاهر ردا وفي القدر حكم بالأقل من الدعوى والبينة ما لم يكذبهما المدعي "وإن ذكر سببا وهم سببا آخر ضر" في شهادتهم لمناقضتها الدعوى ويفرق بين هذا، وما لو قال له: علي ألف من ثمن عبد فقال: المقر له لا، بل من ثمن دار بأنه يغتفر في الإقرار ما لا يغتفر في الشهادة المشترط فيها المطابقة للدعوى لا فيه.
فرع: أقر الراهن بالرهن لأجنبي فإن أرخت بينة المقر له بما قبل الرهن أخذه كله أو بما بعده لم يكن له إلا ما فضل عن الدين فإن أطلقت بينة الإقرار وأرخت بينة الرهن أو أطلقت تعارضتا ولم يثبت رهن ولا إقرار كما أفتى به ابن الصلاح، لكن نازعه في القوت، ولا تقبل الشهادة بنفي إلا إن حصر كلم يكن بمحل كذا وقت أو مدة كذا فتقبل، وإن لم تكن لحاجة.

فصل في اختلاف المتداعيين
في نحو عقد أو إسلام أو عتق إذا اختلفا في قدر ما اكترى من دار أو أجرته أو هما كأن "قال أجرتك البيت" شهر كذا مثلا "بعشرة" مثلا "فقال: بل" آجرتني "جميع الدار" المشتملة عليه "بالعشرة" أو بعشرين "وأقاما بينتين" أطلقتا أو إحداهما أو اتحد تاريخهما وكذا إن اختلف تاريخهما واتفقا على أنه لم يجر إلا عقد واحد "تعارضتا" فيسقطان على الأصح لتناقضهما في كيفية العقد الواحد فيتحالفان ثم يفسخ العقد كما علم مما مر في البيع "وفي قول: يقدم المستأجر"؛ لاشتمال بينته على زيادة هي اكتراء جميع الدار، كما لو

 

ج / 4 ص -470-        شهدت بينة بألف وبينة بألفين يجب ألفان، وفرقوا بأنه لا تنافي بينهما بخلافه هنا فإن العقد واحد، وكل كيفية تنافي الأخرى، أما إذا اختلف تاريخهما ولم يتفقا على ذلك فتقدم السابقة ثم إن كانت هي الشاهدة بالكل لغت الثانية أو بالبعض أفادت الثانية صحة الإجارة في الباقي، وألحق الرافعي بحثا بالمختلفين في هذا المطلقتين أو إحداهما إذا لم يتفقا على ذلك لجواز الاختلاف حينئذ فيثبت الزائد بالبينة الزائدة، ولك أن تقول: مجرد احتمال الاختلاف لا يفيد، وإلا لم يحكم بالتعارض في أكثر المسائل، لكن يؤيده بل يصرح به قول المتن الآتي: وكذا إن أطلقتا أو إحداهما إلا أن يجاب بأن العقد الموجب للثمن تعدد ثم يقينا فساعد احتمال اختلاف الزمن فعملوا به لقوة مساعده، وأما هنا فليس فيه ذلك فلم يؤثر فيه مجرد جواز الاختلاف، "ولو ادعيا" أي: كل من اثنين "شيئا في يد ثالث" فإن أقر به لأحدهما سلم إليه، وللآخر تحليفه إذ لو أقر به له أيضا غرم له بدله، وإن أنكر ما ادعياه ولا بينة حلف لكل منهما يمينا وترك في يده "و" إن ادعيا شيئا على ثالث و "أقام كل منهما بينة" إحداهما بأنه غصبه منه، والأخرى بأنه أقر أنه غصبه منه قدمت الأولى؛ لأنها أثبتت الغصب بطريق المشاهدة فكانت أقوى ولا يغرم شيئا للمقر له؛ لأن الملك للأول إنما ثبت بالبينة فهي الحائلة بين المقر له وبين حقه بزعمه أو "أنه اشتراه" منه، وهو يملكه أو وسلمه إليه أو تسلمه منه والمبيع بغير يده، وإلا كما هو الفرض المعلوم من قول المتن بيد ثالث لم يحتج لذكر ذلك كما يأتي "ووزن له ثمنه فإن اختلف تاريخ حكم للأسبق" منهما تاريخا؛ لأن معها زيادة علم لأن الثاني اشتراه من الثالث بعد ما زال ملكه عنه، ولا نظر لاحتمال عوده إليه؛ لأنه خلاف الأصل، بل والظاهر واستثنى البلقيني ما لو ادعى صدور البيع الثاني في زمن الخيار وشهدت بينة به فتقدم، وللأول الثمن وما لو تعرضت المتأخرة لكونه ملك البائع وقت البيع، وشهدت الأولى بمجرد البيع فتقدم المتأخرة أيضا أي: كما نقلاه وأقراه، وحاصله أن من شهدت من البينتين بملك المدعي للبائع وقت البيع أو للمشتري الآن أو بنقد الثمن دون الأخرى قدمت ولو متأخرة؛ لأن معها زيادة علم و لأن التعرض للنقد يوجب التسليم، والأخرى لا توجبه لبقاء حق الحبس للبائع فلا تكفي المطالبة بالتسليم ويأتي أول التنبيه الآتي ما له تعلق بذلك أيضا، وخرج بقوله: ووزن له ثمنه ما لو لم تذكره فإذا ذكرته إحداهما قدمت ولو متأخرة؛ لأنها تعرضت لموجب التسليم كذا قالاه، لكن أطال البلقيني في رده "وإلا" يختلف تاريخهما بأن أطلقتا أو إحداهما أو أرختا بتاريخ متحد "تعارضتا" فيتساقطان ثم إن أقر لهما أو لأحدهما فواضح، وإلا حلف لكل يمينا ويرجعان عليه بالثمن؛ لثبوته بالبينة، وسقوطهما إنما هو فيما تعارضتا فيه، وهو العقد فقط، ومحله إن لم يتعرضا لقبض المبيع، وإلا قدمت بينة ذي اليد ولا رجوع لواحد منهما بالثمن؛ لأن العقد قد استقر بالقبض وبما قررته في هذه والتي قبلها علم أن حكمهما واحد في التعارض وتقديم الأسبق، وكان المتن إنما خالف أسلوبهما الموهم لتخالف أحكامهما لأجل الخلاف، ويجري ذلك في قول واحد اشتريتها من زيد وآخر اشتريتها من عمرو على الوجه المذكور، وأقاما بينتين كذلك فيتعارضان ويصدق من العين بيده فيحلف لكل منهما أو يقر.

 

ج / 4 ص -471-        تنبيه: لا يكفي في الدعوى كالشهادة ذكر الشراء إلا مع ذكر ملك البائع إذا كان غير ذي يد أو مع ذكر يده إذا كانت اليد له ونزعت منه تعديا أو مع قيام بينة أخرى بأحدهما يوم البيع، ويصيران كبينة واحدة، وكذا كل ما ذكره شرط، لو تركته بينة وقامت به أخرى كأقرت امرأة لفلان وقت كذا بمحل كذا فشهد آخران بأنها فلانة وإنما تسمع البينة بالملك المطلق إن كان المدعى بيد المدعي أو بيد من لم يعلم ملكه ولا ملك من انتقل منه إليه أو لم يكن بيد أحد، وفيما عدا ذلك قد تسمع، لكن لا يعمل بها كما لو انتزع خارج عينا من داخل ببينة فأقام الداخل بينة بملكها مطلقا فإنها تسمع، وفائدتها معارضة بينة الخارج فقط لترد العين إلى يده، ولو أقام بينة بأن هذا رهنني وأقبضني داره في ربيع الأول سنة كذا وآخر بينة بأنه أقر لي بها تلك السنة ولم يذكروا شهرا قال ابن الصلاح: تعارضتا؛ لأن الرهن يمنع صحة الإقرار فلا يثبت رهن ولا إقرار كما مر آنفا بما فيه.
"ولو قال كل منهما" والمبيع في يد المدعى عليه "بعتكه بكذا"، وهو ملكي، وإلا لم تسمع الدعوى فأنكر "وأقاماهما" أي: البينتين بما قالاه وطالباه بالثمن "فإن اتحد تاريخهما تعارضتا" وتساقطتا؛ لامتناع كونه ملكا في وقت واحد لكل وحده فيحلف لكل كما لو لم يكن لواحد منهما بينة، وإن كان لأحدهما بينة قضى له وحلف للآخر "وإن اختلف" تاريخهما "لزمه الثمنان" لإمكان دعواهما ومن ثم اشترط اتساع الزمن للعقد الأول ثم الانتقال للبائع الثاني ثم للعقد الثاني، وإلا حلف لكل ", وكذا" يلزمه الثمنان "إن أطلقتا أو" أطلقت "إحداهما" وأرخت الأخرى "في الأصح"؛ لاحتمال اختلاف الزمن وحيث أمكن الاستعمال فلا إسقاط وفارقت هذه ما قبلها بأن العين تضيق عن حقهما معا فتعارضتا، والقصد هنا الثمنان والذمة لا تضيق عنهما فوجبا وشهادة البينتين على إقراره كهي على البيعين فيما ذكر وفي الأنوار عن فتاوى القفال لو شهدا أنه باع عاقلا وآخران أنه مجنون ذلك اليوم عمل بالأولى أو أنه باع مجنونا قدما وفي فتاوى القاضي نحوه وهو لو قالت بينة: أقر بكذا يوم كذا فقالت أخرى: كان مجنونا في ذلك الوقت قدمت؛ لأن معها زيادة علم وقيده البغوي بمن لم يعرف له أنه يجن وقتا ويفيق وقتا، وإلا تعارضتا، ولو أقام بينة بأن هذه الدار التي بيدك وقفها أبي علي، وهو مالك حائز يومئذ فأقام ذو اليد بينة بأنها ملكه قدم ما لم تقم بينة أخرى بأنه غصبها من الواقف؛ لأنه ذو اليد حينئذ، ولو ظهر في موقوف محكوم بصحته بعد ثبوت ملك الواقف وحيازته مكتوب محكوم بصحته يشهد بالملك والحيازة لآخر قبل صدور الوقف لم يبطل الوقف بمجرد ذلك كما أفتى به شيخنا قال: لأنه يجوز بتقدير صحته أن يكون الملك انتقل من صاحبه إلى الواقف لا سيما واليد للواقف أو من قام مقامه كما هو ظاهر السؤال ا هـ. ولا يعارضه ما مر قبيل قوله: وأنها لو شهدت بملكه أمس لتحقق أن اليد عادية ثم فلم ينظر؛ لاحتمال الانتقال بخلافه هنا، ولو شهدت بينة على منكر الشراء له بثمن جزاف قبلا إن قالا حلال لا إن جذفا؛ لأن الجزاف حلال وحرام، ولو أقام بينة بأن هذه التي بيدك ملكي فأخذها فأقام آخر أخرى بأنه اشتراها ممن كانت بيده، وهي ملكه حينئذ حكم بها لهذا لزيادة علم بينته

 

ج / 4 ص -472-        وتقدم بينة قالت: ملك أبيه وقد ورثه على بينة قالت: ملك أبي خصمه وهو وارثه لجواز كونه وارثا ولا يرث المدعي لدين مستغرق، فليس فيه تصريح بملكه بخلافه في وقد ورثه.
تنبيه: الأولى، بل المتعين أن يقال: بدل لدين مستغرق لنحو إقراره به لآخر بعد موت أبيه، وذلك لما هو معلوم أن الدين لا يمنع الإرث، وقد يقال في أصل التعليل: لأن هذا ليس فيه التنصيص على تلقي ملك هذا عن الأب؛ لأنه لم يشهد بإرث شيء خاص بخلاف وقد ورثه فإنه نص على أنه متلق ملكه من أبيه فلا احتمال فيه بخلاف ذاك.
"ولو مات" إنسان "عن ابنين مسلم ونصراني فقال كل منهما مات على ديني" فأرثه ولا بينة "فإن عرف أنه كان نصرانيا صدق النصراني" بيمينه؛ لأن الأصل بقاء كفره "وإن أقاما بينتين مطلقتين" بما قالاه "قدم المسلم"؛ لأن مع بينته زيادة علم بالانتقال، والأخرى مستصحبة، وكذا كل ناقلة ومستصحبة، ومنه تقديم بينة الجرح على بينة التعديل "وإن قيدت" إحداهما "أن آخر كلامه إسلام" أي: كلمته، وهي الشهادتان "وعكسته الأخرى" فقيدت أن آخر كلامه النصرانية كثالث ثلاثة ويظهر أنه لا يكتفى هنا بمطلق الإسلام والتنصر إلا من فقيه موافق للحاكم على ما مر في نظائره بما فيه ثم رأيتهم قالوا: يشترط في بينة النصراني أن تفسر كلمة التنصر وفي وجوب تفسير بينة المسلم كلمة الإسلام وجهان ونقل ابن الرفعة والأذرعي عدم الوجوب عن جمع ثم رجح الوجوب لا سيما من شاهد جاهل أو مخالف للقاضي "تعارضتا" وتساقطتا لتناقضهما إذ يستحيل موته عليهما فيحلف النصراني، وكذا لو قيدت بينته فقط وقيد البلقيني التعارض بما إذا قالت: كل آخر كلمة تكلم بها ومكثنا عنده إلى أن مات، وأما إذا اقتصرت على آخر كلمة تكلم بها فلا تعارض فيه؛ لاحتمال أن كلا اعتمدت ما سمعته منه قبل ذهابها عنه ثم استصحبت بعدها، ولو قالت بينة الإسلام: علمنا تنصره ثم إسلامه قدمت قطعا "وإن لم يعرف دينه وأقام" كل منهما "بينة أنه مات على دينه تعارضتا" أطلقتا أم قيدتا لفظه عند الموت لاستحالة أعمالهما، فإن قيدت واحدة وأطلقت الأخرى فهل يتعارضان أيضا أو تقدم بينة المسلم احتياطا للإسلام؛ لأنه حيث ثبت لا يرفع إلا بيقين ولم يوجد كل محتمل وجرى شارح في تقييد بينة النصراني فقط على التعارض وكأنه أخذه من نظيره في المسألة السابقة، لكن الفرق واضح فإن تقييدها ثم قوي بعلم تنصره قبل فعارض بينة الإسلام لقوته حينئذ، وهذا مفقود في مسألتنا، ومع ذلك فظاهر إطلاقهم التعارض في الصورتين وإذا تعارضتا، أو لا بينة لأحدهما وحلف كل للآخر يمينا في الصورتين، والمال بيدهما أو بيد أحدهما تقاسماه نصفين إذ لا مرجح، أو بيد غيرهما فالقول قوله، ثم التعارض إنما هو بالنسبة لنحو الإرث بخلاف نحو الصلاة عليه وتجهيزه كمسلم ودفنه في مقابرنا ويقول المصلي عليه في النية والدعاء: إن كان مسلما، وظاهر كلامهم وجوب هذا القول ويوجه بأن التعارض هنا صيره مشكوكا في دينه فصار كالاختلاط السابق في الجنائز، ولو قالت بينة: مات في شوال وأخرى في شعبان قدمت؛ لأنها ناقلة ما لم تقل الأولى رأيته حيا أو يبيع مثلا في شوال، وإلا قدمت على المعتمد أو برئ من مرضه الذي تبرع فيه وأخرى ماتت فيه قدمت الأولى على

 

ج / 4 ص -473-        الأوجه خلافا لقول ابن الصلاح بالتعارض؛ لأنها ناقلة، "ولو مات نصراني عن ابنين مسلم" حالة الاختلاف "ونصراني فقال المسلم: أسلمت بعد موته" أي: الأب "فالميراث بيننا فقال النصراني: بل" أسلمت "قبله" فلا إرث لك "صدق المسلم بيمينه"؛ لأن الأصل استمراره على دينه فيحلف ويرث، ومثله كما بأصله وحذفه للعلم به مما ذكره، المفهم أنه لا فرق في تصديق المسلم بين اتفاقهما على وقت موت الأب وعدمه لو اتفقا على موت الأب في رمضان وقال المسلم: أسلمت في شوال والنصراني في شعبان ", وإن أقاماهما" أي: البينتين بما قالاه "قدم النصراني"؛ لأن بينته ناقلة عن الأصل الذي هو التنصر إلى الإسلام قبل موت الأب فهي أعلم وقيده البلقيني بما إذا لم تقل بينة المسلم علمنا تنصره حال موت أبيه وبعده ولم تستصحب فإن قالت: ذلك قدمت، وإلا لزم الحكم بردته عند موت أبيه والأصل عدم الردة، وفيه نظر، وقياس ما يأتي في رأيناه حيا في شوال التعارض فيحلف المسلم ثم رأيت غير واحد جزم به "فلو اتفقا" أي: الابنان "على إسلام الابن في رمضان وقال المسلم: مات الأب في شعبان وقال النصراني: "مات "في شوال صدق النصراني" بيمينه؛ لأن الأصل بقاء الحياة "وتقدم بينة المسلم على بينته" إن أقاما بينتين بذلك؛ لأنها ناقلة من الحياة إلى الموت في شعبان والأخرى مستصحبة الحياة إلى شوال، نعم إن قالت: رأيناه حيا في شوال تعارضتا كما قالاه فيحلف النصراني أما إذا لم يتفقا على وقت الإسلام فيصدق المسلم كما مر لأصل بقائه على دينه وتقدم بينة النصراني؛ لأنها ناقلة ما لم تقل بينة المسلم عاينا الأب ميتا قبل إسلامه فيتعارضان ويحلف المسلم، ونظير ما تقرر في رأيناه حيا وعايناه ميتا شهادة بينة بأن أبا مدع مات يوم كذا فورثه وحده فأقامت امرأة بينة بأنه تزوجها يوم كذا اليوم بعد ذلك اليوم ثم مات بعده فتقدم بينتها؛ لأن معها زيادة علم ومن ثم لو شهدا بموته وآخران بحياته بعد ذلك قدمت بينة الحياة لزيادة علمها، وقد يشكل بذلك قول ابن الصلاح: لو شهدت بينة بأنه برئ من مرضه الفلاني ومات من غيره وأخرى بأنه مات منه تعارضتا بخلاف ما لو شهدت بينة بأنه مات في رمضان سنة كذا فأقام بعض الورثة بينة بأنه أقر له بكذا سنة كذا لسنة بعد تلك فإن بينة موته في رمضان مقدمة ا هـ. فتقديم هذه يشكل بما تقرر إلا أن يجاب بأنه لا يلزم من شهادتها بإقراره رؤيته فليس معها زيادة علم، بل المثبتة لموته أعلم بخلاف الشاهدة بالتزوج وبالحياة بعد الموت ثم ما أطلقه في الأولى لو قيل فيه بناء على اعتماده محله في بينتين استوتا أو تقاربتا في معرفة الطب، وإلا قدمت العارفة به دون غيرها لم يبعد، ولو مات عن أولاد وأحدهم عن ولد صغير فوضعوا يدهم على المال فلما كمل ادعى بمال أبيه وبإرث أبيه من جده فقالوا: مات أبوك في حياة أبيه فإن كان ثم بينة عمل بها وإلا فإن اتفق هو وهم على وقت موت أحدهما واختلفا في أن الآخر مات قبله أو بعده حلف من قال بعده؛ لأن الأصل دوام الحياة، وإلا صدق في مال أبيه، وهم في مال أبيهم ولا يرث الجد من ابنه، وعكسه فإذا حلفا أو نكلا جعل مال أبيه له ومال الجد لهم ذكره شيخنا، "ولو مات عن أبوين كافرين وابنين مسلمين" بالغين "فقال كل" من الفريقين: "مات على ديننا صدق الأبوان باليمين"؛ لأنه محكوم بكفره ابتداء تبعا لهما

 

ج / 4 ص -474-        فيستصحب حتى يعلم خلافه "وفي قول: يوقف" الأمر "حتى يتبين" الحال "أو يصطلحوا" لتساوي الحالين بعد بلوغه، وبه زالت التبعية واعترضه البلقيني بما لا يصح وفي عكس ذلك إن عرف للأبوين كفر سابق وقالا أسلما قبل بلوغه أو أسلم هو أو بلغ بعد إسلامنا وأنكر الابنان ولم يتفقوا على وقت الإسلام في الثالثة صدق الابنان لأصل بقاء الكفر، وإن لم يعرف للأبوين كفر أو اتفقوا على وقت الإسلام في الثالثة صدق الأبوان عملا بالظاهر وأصل بقاء الصبا، ولو شهدت بأن هذا لحم مذكاة أو لحم حلال وعكست أخرى قدمت الأولى كما أخذه بعضهم من قولهم: يقبل قول المسلم في لحم جاءه به المسلم إليه هذا لحم ميتة؛ لأن اللحم في الحياة محرم الآن فيستصحب حتى تعلم ذكاته فعلم أن الأولى ناقلة عن الأصل فقدمت، ومثل ذلك فيما يظهر بينة شهدت بالإفضاء وأخرى بعدمه ولم يمض بينهما ما يمكن فيه الالتحام فتقدم الأولى؛ لأن معها زيادة بالنقل عن الأصل وبه يرد على من أفتى بتعارضهما "ولو شهدت" بينة "أنه أعتق في مرضه" الذي مات فيه "سالما وأخرى" أنه أعتق فيه "غانما ولكل واحد ثلث ماله" ولم تجز الورثة "فإن اختلف تاريخ" للبينتين "قدم الأسبق" لما مر أن تصرفه المنجز يقدم السابق منه فالسابق وهكذا؛ ولأن معها زيادة علم "وإن اتحد" التاريخ "أقرع" بينهما لعدم مزية أحدهما، نعم إن اتحد بمقتضى تعليق وتنجيز كإن أعتقت سالما فغانم حر ثم أعتق سالما فيعتق غانم معه بناء على تقارن الشرط والمشروط، وهو الراجح تعين السابق من غير إقراع؛ لأنه الأقوى والمقدم في الرتبة كما مر في نكاح المشرك. "وإن أطلقتا" أو إحداهما "قيل يقرع" بينهما؛ لاحتمال المعية والترتيب وأطال البلقيني والزركشي وغيرهما في الانتصار له نقلا ودليلا ومن ثم صححه في الروضة في موضع "وقيل: في قول يعتق من كل نصفه قلت: المذهب يعتق من كل نصفه، والله أعلم"؛ لاستوائهما، والقرعة ممتنعة لئلا تخرج بالرق على السابق الحر فيلزم إرقاق حر وتحرير رقيق فوجب الجمع بينهما؛ لأنه العدل ولا نظر للزوم ذلك في النصف؛ لأنه أسهل منه في الكل، "ولو شهد أجنبيان أنه أوصى بعتق سالم، وهو ثلثه" أي: ثلث ماله "ووارثان حائزان" أو غير حائزين، وإنما ذلك قيد لما بعده "أنه رجع عن ذلك ووصى بعتق غانم، وهو ثلثه ثبتت" الوصية الثانية "لغانم"؛ لأنهما أثبتا للمرجوع عنه بدلا يساويه فلا تهمة، وكون الثاني أهدى لجمع المال الذي يرثونه عنه بالولاء بعيد فلا يقدح تهمة، أما إذا كان دون ثلثه فلا يقبلان فيما لم يثبتا له بدلا للتهمة وفي الباقي خلاف تبعيض الشهادة، وقد مر "فإن كان الوارثان" الحائزان "فاسقين لم يثبت الرجوع"؛ لأن شهادة الفاسق لغو "فيعتق سالم" بشهادة الأجنبيين؛ لأن الثلث يحتمله ولم يثبت الرجوع عنه "و" يعتق "من غانم" قدر ما يحتمله "ثلث ماله بعد سالم"، وهو ثلثاه بإقرار الوارثين الذي تضمنته شهادتهما له وكأن سالما قد هلك أو غصب من التركة مؤاخذة للورثة بإقرارهم أما غير الحائزين فيعتق من غانم قدر ثلث حصتهما.
"تتمة" في فروع يعلم أكثرها مما مر لو باع دارا ثم قامت بينة حسبة أن أباه وقفها، وهو يملكها عليه ثم على أولاده انتزعت من المشتري ورجع بثمنه على البائع، ويصرف له ما

 

ج / 4 ص -475-        حصل في حياته من الغلة إن صدق الشهود، وإلا وقفت فإن مات مصرا صرفت لأقرب الناس إلى الواقف قاله الرافعي كالقفال ومرت الإشارة إليه في مبحث شهادة الحسبة ولو شهدا بدين وآخران بالبراءة منه وأطلقتا أو إحداهما قدمت البراءة كما مر، وإن أرختا فالمتأخرة، والأوجه فيما لو شهد واحد بالمال وآخر به ثم بالبراءة منه أن الشهادة بالمال تمت، وهذا شاهد بالبراءة فيحلف معه مدعيها، ويجب تفصيل سبب الشهادة في مسائل، ولو من فقيه موافق على المعتمد لاختلاف أئمتنا أنفسهم في ذلك منها الإكراه وقول الغزالي وغيره: يكفي إطلاقه من فقيه لا يشتبه عليه أي: موافق ضعيف كما يعلم مما مر بما فيه أواخر الشهادات والسرقة ما لم يقصد المسروق منه مجرد التغريم والرشد وانقضاء العدة والرضاع والقتل وكل مختلف في موجبه كالطلاق، والنكاح والبلوغ بالسن فإن لم يقل بالسن لم يحتج لتفصيل، وكونه وارث فلان أو يستحق وقف كذا أو نظره أو الشفعة في كذا وكون هذا وقفا أو وصية فلا بد من بيان المصرف أي: إلا في شهادة الحسبة فيما يظهر وزعم الأصبحي أنه لا يكفي هذا وقف على مسجد كذا إلا إن عينا الواقف، وهو بعيد، بل لا وجه له، وكون نحو البائع زائل العقل وبراءته من دين فلان كما رجحه الغزي ورجح غيره الاكتفاء بإطلاقه وقولهما: أوصى له بكذا فيذكران أنه بيده حتى مات ومن عهد له جنون وعقل فقامت بينة بأنه حال بيعه مثلا عاقل وأخرى بأنه مجنون تعارضتا إن أرختا بوقت واحد أو أطلقتا أو إحداهما، وكذا إن جهل حاله، والفعل يصدر من العاقل والمجنون فإن لم يعرف له إلا عقل قدمت بينة الجنون؛ لأنها ناقلة أو إلا جنون قدمت بينة العقل لذلك، ولو شهدت بينة بإعسار من جهل حاله وأخرى بيساره قدمت إن بينت ما أيسر به وسببه، وأنه باق معه إلى الآن أما إذا علم أحدهما فتقدم الناقلة عنه وكذا بينة السفه والرشد فإن علم أحدهما قدمت الناقلة عنه، وإلا كأن شهدت بسفهه أول بلوغه والأخرى برشده قدمت فإن لم تقيد بأول بلوغه قدمت الأولى؛ لأن الأصل الغالب الرشد، وعليه يحمل إطلاق ابن الصلاح تقديمها قال: كالجرح قال، ولو تكررت بينتا يسار وإعسار كلما شهدت واحدة بواحد منهما شهدت الأخرى بضده قدمت المتأخرة إلا أن يظن أن بينة الإعسار مستصحبة إعساره الأول، ولو قامت بينة باحتياج نحو يتيم لبيع ماله، وأن قيمته مائة وخمسون فباعه القيم به، وحكم حاكم بصحة البيع ثم قامت أخرى بأنه بيع بلا حاجة أو بأن قيمته مائتان نقض الحكم وحكم بفساد البيع عند ابن الصلاح قال؛ لأنه إنما حكم بناء على سلامة البينة من المعارض ولم تسلم فهو كما لو أزيلت يد داخل ببينة خارج ثم أقام ذو اليد بينة فإن الحكم ينقض لذلك وخالفه السبكي قال؛ لأن الحكم لا ينقض بالشك إذ التقويم حدس وتخمين، وقد تطلع بينة الأقل على عيب فمعها زيادة علم، وإنما نقض في المقيس عليه لأجل اليد أي: الثابتة قبل، ولقولهم: لو شهدا بأن قيمة المسروق عشرة وشهد آخران بأنها عشرون وجب الأقل؛ لأنه المتيقن بخلاف نظيره في الوزن؛ لأن مع بينة الأكثر زيادة علم ا هـ. وأطال غيرهما كولده التاج وأبي زرعة في فتاويه في الإجارة وغيرها الكلام في المسألة حتى زعم التاج أن المسألة في الرافعي فيها قولان من تخريج ابن سريج، وهو عجيب منه فإن صورة

 

ج / 4 ص -476-        الرافعي في أمرين محسوسين، وهما الموت في رمضان أو شوال ومسألتنا في أمرين تخمينيين وشتان ما بينهما على أنه اختلف في الراجح من ذينك القولين فرجح الحجازي في مختصر الروضة أخذا من عبارتها النقض ونبه غيره من مختصريها على أنه مبني على ضعيف، وأنه على الصحيح لا يتصور فيه نقض وعلى كل فلا شاهد في واحد من هذين لما نحن فيه لما علمت من بعد ما بين التخمينيات والمحسوسات، ومما يتعجب منه أيضا زعم بعضهم أن المسألة في التنبيه وغيره، وهذا والذي يتعين اعتماده أخذا من تعليل السبكي بالشك وبه يصرح قوله: في فتاويه في الرهن لا يبطل بقيام البينة الثانية مهما كان التقويم الأول محتملا ووفاقا لأبي زرعة وغيره، وإن وافق السبكي والإسنوي والأذرعي وغيرهما حمل الأول على ما إذا بقيت العين بصفاتها وقطع بكذب الأولى والثاني على ما إذا تلفت ولا تواتر أو لم يقطع بكذب الأولى واعتمد شيخنا كلام ابن الصلاح ورد كلام السبكي فقال: ويجاب بأنا لا نسلم أن ذلك نقض بالشك، وما قالوه قبل الحكم بخلاف مسألتنا، ولهذا لو وقع التعارض فيها قبل البيع والحكم امتنعا كما صرح هو به أي: خلافا لبعضهم ا هـ. ونفي تسليم ذلك بإطلاقه غير متضح، والفرق بين ما قبل الحكم وما بعده واضح كيف والدوام يغتفر فيه ما لا يغتفر في الابتداء ؟ وأيضا فالتعارض قبل الحكم محرم له وعدمه موجب له فإذا وقع واجبا ثم عورض وجب أن لا ينظر لمعارضه إلا إن كان أرجح على أن السبكي جوز عند التعارض قبل الحكم البيع بالأقل بعد إشهاره ما لم يوجد راغب بزيادة وبهذا يعلم ما في إطلاق شيخنا عنه منع البيع عند التعارض ويجري ذلك كله في نظائر هذه المسألة، وبحث السبكي أن القول قول القيم في الإشهار وأن ما باع به ثمن المثل، وكذا نحو وكيل وعامل قراض قال، وإنما صدق المولى إذا ادعى بعد كماله عليه البيع بلا مصلحة؛ لأنها المسوغة للبيع كما يحتاج الوكيل لإثبات الوكالة، وثمن المثل من صفات البيع فإذا ثبت جوازه له صدق في صفته لادعائه الصحة وادعاء غيره الفساد ا هـ. وفيه نظر ظاهر، بل الذي يتجه أنه لا بد من إثباته الإشهار وثمن المثل، وليس كالوكيل وغيره لأن نحو الوكيل لا يكلف إثبات مصلحة، فثمن المثل أولى، وأما القيم أو الوصي فيكلفها؛ لأنه لم يتصرف بإذن المالك، فكذا ثمن المثل وفرقه المذكور يرد بأن ثمن المثل مسوغ أيضا، وكون هذا الشيء يباع لحاجة المولى من صفات البيع أيضا فجعله الثمن صفة والحاجة مسوغة كالتحكم فتأمله. ونظره لادعائه الصحة يلزم عليه أنه لا يكلف إثبات المصلحة لادعائه الصحة أيضا فمحل تصديق مدعي الصحة حينئذ حيث لم يكلف إثبات مسوغ البيع، ولو شهدت بينة بأن فلانا حكم لهذا به وبينة بأن آخر حكم به لآخر فقيل يحكم بالحكم الأخير؛ لأنه ناسخ وقيل: يتعارضان فيتساقطان أي: ويرجح بواحد مما مر مما يمكن مجيئه هنا فإن اتحد الحاكم فقيل: كذلك وقيل: يلغى الثاني والذي يتجه أنه لا فرق، وأن الحكمين حيث اختلف تاريخهما قدم السابق إلا أن يرجح الثاني بشيء مما مر نظير ما مر في البينتين، وزعم النسخ هنا مشكل جدا إلا على القول المردود أنه ينفذ باطنا، وإن لم يكن باطن الأمر كظاهره فإن لم يؤرخا كذلك تعارضا نظير ما مر في البينتين أيضا.

 

ج / 4 ص -477-        فصل في القائف الملحق للنسب عند الاشتباه بما خصه الله تعالى به
وهو لغة متتبع الأثر والشبه من قفوته تبعته، والأصل فيه خبر الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم دخل على عائشة رضي الله عنها ذات يوم مسرورا فقال: "ألم تري أن مجززا" أي: بجيم وزاءين معجمتين "المدلجي دخل علي فرأى أسامة بن زيد وزيدا عليهما قطيفة قد غطيا رءوسهما وبدت أقدامهما فقال إن هذه الأقدام بعضها من بعض؟" قال أبو داود: كان أسامة أسود وزيد أبيض قال الشافعي رضي الله عنه: فلو لم يعتبر قوله لمنعه من المجازفة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لا يقر على خطأ ولا يسر إلا بحق.
"شرط القائف" ما تضمنه قوله: "مسلم عدل" أي: إسلام وعدالة وغيرهما من شروط الشاهد السابقة ككونه بصيرا ناطقا رشيدا غير عدو لمن ينفى عنه ولا بعض لمن يلحق به؛ لأنه حاكم أو قاسم قال في المطلب عن الأصحاب سميعا ورده البلقيني، وهو متجه "مجرب" للخبر الحسن لا حكيم إلا ذو تجربة وكما يشترط علم الاجتهاد في القاضي، وفسر أصله التجربة بأن يعرض عليه ولد في نسوة غير أمه ثلاث مرات ثم في نسوة هي فيهن فإذا أصاب في الكل فهو مجرب ا هـ. وهو صريح في اشتراط الثلاث واعتمداه في الروضة وأصلها، وهو ظاهر، وإن أطال البلقيني في اعتماد الاكتفاء بمرة، وكونه مع الأم غير شرط بل للأولوية فيكفي الأب مع رجال، وكذا سائر العصبة والأقارب واستشكل البارزي خلو أحد أبويه من الثلاثة الأول بأنه قد يعلم ذلك فلا يبقى فيهن فائدة، وقد يصيب في الرابعة اتفاقا قال: فالأولى أن يعرض مع كل صنف ولد لواحد منهم أو في بعض الأصناف ولا يخص به الرابعة فإذا أصاب في الكل علمت تجربته حينئذ ا هـ. وكون ذلك أولى ظاهر، وحينئذ فلا ينافي كلامهم "والأصح اشتراط" وصفين آخرين علما من العدالة المطلقة وصرح بهما للخلاف فيهما وهما الحرية والذكورة فلا يكفي الإلحاق إلا من "حر ذكر" لما تقرر أنه حاكم أو قاسم "لا عدد" فيكفي على الأصح قول واحد لذلك "ولا كونه مدلجيا" أي: من بني مدلج، فيجوز كونه من سائر العرب بل العجم؛ لأن القيافة علم فمن علمه عمل به، "فإذا تداعيا مجهولا" لقيطا أو غيره "عرض عليه" مع المتداعيين إن كان صغيرا لما قدمه في الإقرار أن العبرة في الكبير بمن صدقه "فمن ألحقه به لحقه" كما مر في اللقيط والمجنون كالصغير قال البلقيني: وكذا مغمى عليه ونائم وسكران لم يتعد، وإلا لم يعرض؛ لأنه كالصاحي ويصح انتسابه، وكون النائم كذلك بعيد جدا، وقضية كلامهما هنا أنه لا فرق بين أن يكون لأحدهما عليه يد وأن لا لكن الذي استحسنه الرافعي أن يد الالتقاط لا تؤثر ويد غيره مقدم صاحبها إن تقدم استلحاقه على استلحاق منازعة، وإلا استويا فيعرض عليه، "وكذا لو اشتركا في وطء" لامرأة وألحق به البلقيني استدخال مائهما أي: المحترم "فولدت ممكنا منهما وتنازعاه بأن وطئا بشبهة" كأن ظنها كل زوجته أو أمته وللشبهة صور أخرى ذكر بعضها عطفا للخاص على العام فقال: "أو" وطئا "مشتركة لهما" في طهر واحد، وإلا فهو للثاني كما يؤخذ من كلامه الآتي قياسا لتعذر عوده إلى هذا إلى بيتهما صوراً لا

 

ج / 4 ص -478-        يمكن عوده إليها "أو وطئ زوجته فطلق فوطئها آخر بشبهة أو نكاح فاسد" كأن نكحها في العدة جاهلا بها "أو" وطئ "أمته فباعها فوطئها المشتري ولم يستبرئ واحد منهما" فيعرض عليه، ولو مكلفا ويلحق بمن ألحقه منهما، وإن أنكر؛ لأن الحق فيه لله تعالى أو أنكرا؛ لأن الولد صاحب حق في النسب فلا يسقط حقه بإنكار الغير بخلاف المجهول فإن لم يكن قائف أو تحير اعتبر انتساب الولد بعد كماله وعمل بإلحاق القائف لما مر في الخبر؛ ولاستحالة انعقاد شخص من ماء شخصين كما أجمع عليه الأطباء وبرهنوا عليه قال البلقيني: ولو كان الاشتباه للاشتراك في الفراش لم يعتبر إلحاق القائف إلا بحكم حاكم ذكره الماوردي وحكاه في المطلب في ملخص كلام الأصحاب "وكذا لو وطئ" بشبهة "منكوحة" لغيره نكاحا صحيحا كما بأصله واستغنى عنه بقوله الآتي: في نكاح صحيح "في الأصح" ولا يتعين الزوج للإلحاق للاشتباه ولا يثبت ذلك حتى يعرض على القائف إلا ببينة بوطء الشبهة فلا يكفي اتفاق الزوجين والواطئ؛ لأن الولد له حق في النسب، وليس ذلك حجة عليه هذا ما ذكره الرافعي هنا، لكن اعتمد البلقيني ما اقتضاه كلامه في اللعان أنه يكفي ذلك الاتفاق وكالبينة تصديق الولد المكلف لما تقرر أن له حقا "فإذا ولدت لما بين ستة أشهر وأربع سنين من وطئيهما وادعياه" أو لم يدعياه "عرض عليه" أي: القائف لإمكانه منهما "فإن تخلل بين وطئيهما حيضة ف" الولد "للثاني"، وإن ادعاه الأول لظهور انقطاع تعلقه به، إذ الحيض أمارة ظاهرة على البراءة منه "إلا أن يكون الأول زوجا في نكاح صحيح" والثاني واطئا بشبهة أو نكاح فاسد فلا ينقطع تعلق الأول؛ لأن إمكان الوطء مع فراش النكاح الصحيح قائم مقام نفس الوطء، والإمكان حاصل بعد الحيضة بخلاف ملك اليمين والنكاح الفاسد فإنهما لا يثبتان الفراش إلا بعد حقيقة الوطء "وسواء فيهما" أي: المتنازعين "اتفقا إسلاما وحرية أم لا" كما مر في اللقيط؛ لأن النسب لا يختلف مع صحة استلحاق العبد هذا إن ألحقه بنفسه، وإلا كأن تداعيا أخوة المجهول فيقدم الحر لما مر أن شرط من يلحق بغيره أن يكون وارثا حائزا ويحكم بحريته، وإن ألحقه بالعبد لاحتمال أنه ولد من حرة، ولو ألحق قائف بشبه ظاهر وقائف بشبه خفي قدم؛ لأن معه زيادة حذق وبصيرة وقيل: يقدم الأول وأبدى شارح احتمالا أنه يعرض على ثالث ويلحق بمن وافقه منهما كما قيل بمثله في اختلاف جواب المفتين ويرد بأن القائف حاكم بخلاف المفتي فلا يقاس به، وفيما إذا ادعاه مسلم وذمي يقدم ذو البينة نسبا ودينا، وإلا وقد ألحقه القائف بالذمي تبعه نسبا فقط فلا يحضنه.