تحفة المحتاج بشرح المنهاج ط العلمية

ج / 4 ص -479-        كتاب العتق
أي: الإعتاق المحصل له، وهو إزالة الرق عن الآدمي من عتق سبق أو استقل ومن عبر بإزالة الملك احتاج لزيادة لا إلى مالك تقربا إلى الله تعالى ليخرج بقيد الآدمي الطير والبهائم فلا يصح عتقهما على الأصح وقال ابن الصلاح: الخلاف فيما يملك بالاصطياد، أما البهائم الإنسية فإعتاقها من قبيل سوائب الجاهلية، وهو باطل قطعا ا هـ. ورواية أبي نعيم أن أبا الدرداء كان يشتري العصافير من الصبيان ويرسلها تحمل إن صحت على أن ذلك رأي له وبقيد لا إلى مالك الوقف؛ لأنه مملوك له تعالى، ولذا ضمن بالقيمة، وما بعده لتحقيق الماهية لا لإخراج الكافر لصحة عتقه وإن لم يكن قربة على أن قصد القربة يصح منه وإن لم يصح له ما قصده، وأصله قبل الإجماع قوله تعالى: {فَكُّ رَقَبَةٍ} [البلد: 13]، وخبر الصحيحين: "من أعتق رقبة مؤمنة" وفي رواية: "امرأ مسلما أعتق الله بكل عضو منها عضوا من أعضائه من النار حتى الفرج بالفرج"، وصح خبر: "أيما امرئ مسلم أعتق لله امرأ مسلما كان فكا له من النار وأيما امرئ مسلم أعتق امرأتين مسلمتين كانتا فكا له من النار"، وبه يعلم أن عتق الذكر أفضل وفي رواية: "من أعتق رقبة مؤمنة كانت فداء له من النار" وخصت الرقبة بالذكر؛ لأن الرق كالغل الذي فيها، وهو قربة إجماعا ولم يذكره اكتفاء بما سيذكره في الكتابة بالأولى ويسن الاستكثار منه كما جرى عليه أكابر الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين وأكثر من بلغنا عنه ذلك عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه فإنه جاء عنه أنه أعتق ثلاثين ألف نسمة وعن غيره أنه أعتق في يوم واحد ثمانية آلاف عبد، وأركانه ثلاثة عتيق وصيغة ومعتق، ولكونه الأصل بدأ به فقال:
"إنما يصح من" حر كامل الحرية مختار "مطلق التصرف" ولو كافرا حربيا كسائر التصرف المالي فلا يصح من مكاتب ومبعض ومكره ومحجور عليه، ولو بفلس، نعم تصح وصية السفيه به وعتقه قن الغير بإذنه وعتق مشتر قبل قبضه وإمام لقن بيت المال كما يأتي وولي لقن موليه عن كفارة مرتبة على ما مر وراهن موسر لمرهون ووارث موسر لقن التركة، وبهذا علم أن شرط العتيق أن لا يتعلق به حق لازم غير عتق يمنع بيعه كرهن والراهن معسر بخلاف نحو إجارة واستيلاد، ولو قال بائع لمشتري قن منه شراء فاسدا: اعتقه فأعتقه لم يعتق على البائع على ما قاله الماوردي؛ لأنه إنما أذن بناء على أنه ليس بملكه ورد بأن العتق لا يندفع بالجهل، إذ العبرة فيه كسائر العقود بما في نفس الأمر لا بما في ظن المكلف، ومن ثم صرحوا بأنه لو قال غاصب عبد لمالكه أعتق عبدي هذا فأعتقه جاهلا نفذ على المالك، وبهذا يزيد اتضاح ضعف كلام الماوردي، "ويصح تعليقه" بصفة محققة ومحتملة بعوض وغيره كجنون السيد لما فيه من التوسعة لتحصيل القربة نعم عقد التعليق ليس قربة بخلاف التدبير، أما العتق نفسه فقربة مطلقا ويجري في التعليق بفعل المبالي

 

ج / 4 ص -480-        وغيره هنا ما مر في الطلاق، ولا يشترط لصحة التعليق إطلاق التصرف لصحته من نحو راهن معسر ومفلس ومرتد قيل: وقف المسجد تحرير ولا يصح تعليقه ورد بأن حد العتق السابق يخرج هذا فلا يرد على المتن، وأفهم صحة تعليقه أنه لا يتأثر بشرط فاسد كأن شرط لخيار له أو توقيته فيتأبد، نعم إن اقترن بما فيه عوض أفسده ورجع بقيمته نظير ما مر في النكاح، وليس لمعلقه رجوع بقول بل بنحو بيع ولا يعود بعوده ولا يبطل تعليقه بصفة بعد الموت بموت المعلق، فليس للوارث تصرف فيه إلا إن كان المعلق عليه فعله، وامتنع منه بعد عرضه عليه.
فرع: أفتى القلعي في إن حافظت على الصلاة فأنت حر بأنه يعتق إن حافظ عليها أي: الخمس أداء، وإن لم يصل غيرها فيما يظهر سنة كاستبراء الفاسق ا هـ. ويتردد النظر فيما لو أخل بها لعذر، والقياس أن العذر إذا أباح إخراجها عن الوقت كإنقاذ مشرف على هلاك لم يؤثر، وإلا أثر.
"و" تصح "إضافته إلى جزء" من الرقيق معين كيد، ويظهر ضبطه بما مر في الطلاق مما يقع بإضافته إليه أو مشاع كبعض أو ربع "فيعتق كله" الذي له من موسر ومعسر سراية نظير ما مر في الطلاق؛ وذلك لخبر أحمد وأبي داود بذلك وصح عن ابن عباس رضي الله عنهما ولم يعرف له مخالف من الصحابة، وقد لا يعتق كله بأن وكل وكيلا في إعتاق عبده فأعتق نصفه فيعتق فقط واستشكله الإسنوي بأنه لو وكله شريكه في عتق نصيبه فأعتقه الشريك سرى لنصيبه قال: فإذا حكم بالسراية إلى ملك الغير هنا ففي ملك الموكل أولى ويجاب بأن الذي سرى إليه العتق هنا ملك المباشر للإعتاق فكفى فيه أدنى سبب وأما ثم فالذي يسري إليه غير ملك المباشر فلم يقو تصرفه لضعفه على السراية، إذ الأصح فيها كما قاله الزركشي أن العتق يقع على ما أعتقه ثم على الباقي بها، وهو وجه من ترجيح الدميري لمقابله أنه يقع على الجميع دفعة واحدة إذ تفرقة الشيخين التي ذكرناها وأجبنا عنها تقتضي ترجيحهما لما رجحه الزركشي أما إذا كان لغيره فسيأتي، ويشترط في الصيغة لفظ يشعر به أو إشارة أخرس أو كتابة، "وصريحه"، ولو من هازل ولاعب "تحرير وإعتاق" أي: ما اشتق منهما لورودهما في القرآن والسنة متكررين، أما نفسهما كأنت تحرير فكتابة كأنت طلاق وأعتقك الله أو عكسه صريح على تناقض فيه كطلقك الله وأبرأك الله، وفارق نحو باعك الله وأقالك الله وزوجك الله فإنها كنايات لضعفها بعدم استقلالها بالمقصود بخلاف تلك، ولو كان اسمها حرة قبل الرق عتقت بيا حرة ما لم ينو ذلك الاسم، وقول ابن الرفعة لا تعتق عند الإطلاق مردود بأن هذا فيمن اسمها ذلك عند النداء، ولو زاحمته امرأة فقال: تأخري يا حرة فبانت أمته لم تعتق كما أفتى به الغزالي ويشكل عليه ما مر في نظيره من الطلاق إلا أن يجاب بأن هنا معارضا قويا هو غلبة استعمال حرة في نحو ذلك بمعنى العفيفة عن الزنا ولا كذلك ثم، ولو قيل: له أمتك زانية فقال: بل حرة وأراد عفيفة قبل، وكذا إن أطلق فيما يظهر القرينة القوية هنا، ولو قال لمكاس خوفا منه على قنه هذا حر لم يعتق عليه باطنا قال الإسنوي: ولا ظاهرا كما اقتضاه كلامهم في أنت طالق لمن

 

ج / 4 ص -481-        يحلها من وثاق بجامع وجود القرينة الصارفة فيهما، وهو أوجه من تصويب الدميري خلافه كما لو قيل: له أطلقت زوجتك فقال: نعم قاصدا الكذب ويرد قياسه بأن الاستفهام منزل فيه الجواب على السؤال كما صرحوا به فلم ينظر فيه لقصده وبفرض المساواة ليس هنا قرينة على القصد بخلاف مسألتنا وعند الخوف لا فرق بين قصده الكذب في إخباره وأن يطلق اكتفاء بقرينة الخوف وقول بعضهم: يعتق عند الإطلاق يحمل على ما إذا لم يقله خوفا إذ لا قرينة، وقوله لغيره أنت تعلم أنه حر إقرار بحريته بخلاف أنت تظن، ولو قال لقنه افرغ من العمل قبل العشاء، وأنت حر وقال: أردت حرا من العمل دين أي:؛ لأن القرينة هنا ضعيفة بخلافها في حل الوثاق؛ لأن استعمال الطلاق فيه شائع بخلاف الحرية في فراغ العمل أو أنت حر مثل هذا العبد، وأشار إلى عبد آخر عتق الأول أو مثل هذا عتقا الأول بالإنشاء والثاني بالإقرار، ومن ثم لو كذب لم يعتق باطنا "وكذا فك رقبة" أي: ما اشتق منه فإنه صريح "في الأصح" لوروده في القرآن، وترجمة الصريح صريحة وإشارة الأخرس هنا كهي في الطلاق، "ولا يحتاج" الصريح "إلى نية" كما هو معلوم وذكر توطئة لقوله مع أنه معلوم أيضا لئلا يتوهم من تشوف الشارع إليه وقوعه بها من غير نية "وتحتاج إليها كناية"، وإن احتفت بها قرينة؛ لاحتمالها، ويظهر أن يأتي في مقارنة النية لها نظير ما مر في الطلاق، وهي أي: الكناية كثيرة، وضابطها كل ما أنبأ عن فرقة أو زوال ملك، فمنها "لا ملك" أو لا يد أو لا أمر أو لا إمرة أو لا حكم أو لا قدرة "لي عليك ولا سلطان" لي عليك "ولا سبيل" لي عليك و "لا خدمة" لي عليك زال ملكي عنك "أنت" بفتح التاء أو كسرها مطلقا إذ لا أثر للحن هنا "سائبة أنت مولاي" أي: سيدي أنت لله لإشعارها بإزالة الملك مع اجتمالها لغير، ووجهه في مولاي أنه مشترك بين العتيق والمعتق، وكذا يا سيدي كما رجحه في الشرح الصغير ورجح الزركشي أنه لغو قال: لأنه إخبار بغير الواقع أو خطاب تلطف فلا إشعار له بالعتق ا هـ. وفيه نظر، وهل أنت سيدي كذلك أو يقطع فيه بأنه كناية ؟ كل محتمل وقوله: أنت ابني أو أبي أو بنتي أو أمي إعتاق إن أمكن من حيث السن، وإن عرف كذبه ونسبه من غيره ويا ابني كناية ", وكذا كل" لفظ "صريح أو كناية للطلاق" أو للظهار هو كناية هنا كما مر مع ما يستثنى منه كاعتد واستبر رحمك للعبد فإنه لغو، وإن نوى العتق لاستحالته، ومن ثم لو قال لقنه أعتق نفسك فقال السيد: أعتقتك كان لغوا أيضا بخلاف نظيره في الطلاق وعلم مما تقرر أن الظهار كناية هنا لا ثم "وقوله: لعبده أنت حرة ولأمته أنت حر صريح" تغليبا للإشارة، "ولو قال" له: "عتقك إليك" عبارة أصله جعلت عتقك إليك وكأنه حذفه لعدم الاحتياج إليه، وهو متجه وفاقا للبلقيني لكنه عبر بمحتمل، وقول الزركشي لا بد منه فيه نظر "أو خيرتك" من التخيير، وقول أصله في بعض نسخه حررتك مردود بأنه صريح تنجيز كما مر "ونوى تفويض العتق إليه فأعتق نفسه في المجلس" أي: مجلس التخاطب أي: بأن لا يؤخر بقدر ما ينقطع به الإيجاب عن القبول كذا قيل: ويظهر ضبطه بما مر في الخلع؛ لأن ما هنا أقرب إليه منه إليه إلى نحو البيع فهو كتفويض الطلاق إليها "عتق" كما في الطلاق فيأتي هنا ما مر في التفويض ثم وجعلت خيرتك إليك صريح في

 

ج / 4 ص -482-        التفويض لا يحتاج لنية، وكذا عتقك إليك، فقوله: ونوى قيد في خيرتك فقط، ولو قال: وهبتك نفسك ناويا العتق عتق من غير قبول أو التمليك عتق إن قبل فورا كما في ملكتك نفسك، ولو أوصى له برقبته اشترط القبول بعد الموت "أو" قال: "أعتقتك على ألف أو أنت حر على ألف فقبل" فورا "أو قال له العبد: أعتقني على ألف فأجابه عتق في الحال ولزمه الألف" في الصور الثلاث كالخلع، بل أولى لتشوف الشارع للعتق فهو من جانب المالك معاوضة فيها شوب تعليق ومن جانب المستدعي معاوضة فيها شوب جعالة، وإن كان تمليكا إذ يغتفر في الضمني ما لا يغتفر في المقصود ويأتي في التعليق بالإعطاء ونحوه هنا ما مر في خلع الأمة قيل: قوله في الحال لغو وإنما ذكره في أعتقتك على كذا إلى شهر فقبل فإنه يعتق حالا والعوض مؤجل فلعله انتقل نظره إلى هذه ا هـ. وليس بسديد، بل له فائدة ظاهرة هي دفع توهم توقف العتق على قبض الألف على أن ترجيه ما ذكر غفلة عن كون المصنف ذكره عقب ذلك، وحيث فسد بما يفسد به الخلع كأن قال: على خمر مثلا أو على أن تخدمني أو زاد أبدا أو إلى صحتي مثلا عتق وعليه قيمته حينئذ أو تخدمني عشرين سنة مثلا عتق ولزمه ذلك فلو خدمه نصف المدة ثم مات فلسيده في تركته نصف قيمته ولا يشترط النص على كون المدة تلي العتق خلافا للأذرعي لانصرافها إلى ذلك ولا تفصيل الخدمة عملا بالعرف نظير ما مر في الإجارة، "ولو قال: بعتك نفسك بألف" في ذمتك حالا أو مؤجلا تؤديه بعد العتق "فقال: اشتريت، فالمذهب صحة البيع" كالكتابة، بل أولى؛ لأن هذا ألزم وأسرع "ويعتق في الحال" عملا بمقتضى العقد، وهو عقد عتاقة لا بيع فلا خيار فيه وخرج بقوله بألف قوله: بهذا فلا يصح؛ لأنه لا يملكه "والولاء للسيد" لما تقرر أنه عقد عتاقة لا بيع وعليه لو باعه بعض نفسه سرى عليه ولا حط هنا؛ لضعف شبهه بالكتابة.
تنبيه: أفتى بعض تلامذة ابن عبد السلام بصحة بيع وكيل بيت المال عبده لنفسه وخالفه الأصفهاني شارح المحصول، وصوب التاج السبكي الأول نظرا إلى أنه ليس مجانا، بل بعوض فلا تضييع فيه على بيت المال، بل له العتق بغير عوض إذا أذن له فيه الإمام، وقد ذكرا أنه لو جاءنا قن مسلم فللإمام دفع قيمته من بيت المال ويعتقه عن كافة المسلمين. ا هـ ومر في العارية أن المعتمد المنع ومما يدل له قولهم: أن الإمام في مال بيت المال كالولي في مال اليتيم، والولي يمتنع عليه التبرع كما يعلم مما يأتي في الكتابة كهذا البيع ولو بأضعاف قيمته؛ لأن ما يكتسبه قبل العتق ملك لبيت المال وبعد العتق لا يدري ولا حجة فيما ذكر عنهما؛ لأن ذاك لضرورة خوف ارتداده لو رد إليهم، ولو قيل لسيد قن لمن هذا المال فقال لهذا الغلام وأشار له لم يعتق وإنما كان قوله لغيره: بعني هذا إقرارا له بالملك؛ لأن إضافة الملك لمن عرف رقه تجوز يقع كثيرا بخلاف البيع، فإنه لا يكون إلا من مالك حقيقة.
"ولو قال لحامل" مملوكة له هي وحملها: "أعتقتك" وأطلق "أو أعتقتك دون حملك عتقا"؛ لأنه جزء منها، وعتقه بطريق التبعية لا السراية؛ لأنها في الأشقاص دون الأشخاص، وإنما لم يضر استثناؤه ولقوة العتق بخلاف البيع "ولو أعتقه عتق" إن نفخت فيه الروح، وإلا

 

ج / 4 ص -483-        لغا على المعتمد "دونها" وفارق عكسه بأنه لكونه فرعها تتصور تبعيته لها ولا عكس، وقوله: مضغة هذه الأمة حرة إقرار بانعقاد الولد حرا فإن زاد علقت بها مني في ملكي كان إقرارا بكون الأمة أم ولد "ولو كانت لرجل والحمل لآخر" بنحو وصية "لم يعتق أحدهما بعتق الآخر"؛ لأنه لا استتباع مع اختلاف المالكين "وإذا كان بينهما عبد" أو أمة "فأعتق أحدهما كله أو نصيبه" كنصيبي منك حر، وكذا نصفك حر، وهو يملك نصفه، والخلاف في هذه هل العتق انحصر في نصيبه أو شاع فعتق ربعه ثم سرى لربعه ؟ لا فائدة له في غير نحو التعليق "عتق نصيبه" مطلقا وفي عتق نصيب شريكه تفصيل "فإن كان معسرا" عند الإعتاق "بقي الباقي لشريكه" ولا سراية لمفهوم الخبر الآتي، نعم إن باع شقصا بشرط الخيار له ثم أعتق باقيه، والخيار باق سرى، وإن أعسر بحصة المشتري لكنه بالسراية يقع الفسخ فلا شركة حينئذ حقيقة فلا يرد "وإلا" يكن معسرا بأن ملك فاضلا عن جميع ما يترك للمفلس ما يفي بقيمته "سرى إليه" أي: نصيب شريكه ما لم يثبت له الاستيلاد بأن استولدها مالكه معسرا لخبر الصحيحين: "من أعتق شركا له في عبد، وكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم العبد عليه قيمة عدل وأعطى شركاءه حصصهم، وعتق عليه العبد، وإلا فقد عتق عليه ما عتق"، وقيس بما فيه غيره مما مر ويأتي وفي رواية للدارقطني "ورق منه ما رق" قال الحفاظ: ورواية السعاية مدرجة فيه وبفرض ورودها حملت جمعا بين الأحاديث على أنه يستسعي لسيده الذي لم يعتق بمعنى يخدمه بقدر نصيبه لئلا يظن أنه يحرم عليه استخدامه "أو إلى ما أيسر به" من قيمته ليقرب حاله من الحرية، ولو كان لثلاثة فأعتق اثنان منهم نصيبهما معا، وأحدهما موسر فقط قوم جميع ما لم يعتق عليه وحده "وعليه قيمة ذلك يوم الإعتاق" أي: وقته؛ لأنه وقت الإتلاف كجناية على قن سرت لنفسه تعتبر قيمته يومها لا يوم موته كذا أطلقه شارح، وهو غفلة عما مر في المتن في الغصب من قوله: فإن جنى وتلف بسراية، فالواجب الأقصى وبما صرح به من أن الواجب هنا قيمة البعض لا بعض القيمة صرح به جمع متقدمون ويظهر أن يأتي هنا ما مر في نظير ذلك من الصداق إلا أن يفرق بأن الزوجة امتازت بأحكام في مقابلة كسرها لا تأتي في غيرها فلا بعد أن تجب هنا قيمة البعض؛ لأنه المتلف دون بعض القيمة، وإن أوجبناه ثم لما تقرر من التميز.
"وتقع السراية بنفس الإعتاق" للخبر الظاهر فيه؛ و لأن ما يترتب على السراية في حكم الإتلاف والقيمة تجب بسبب الإتلاف فيعطى حكم الأحرار عقب العتق، وإن لم يؤد القيمة "وفي قول" لا يقع الإعتاق إلا "بأداء القيمة" أو الاعتياض عنها لخبر الصحيحين: "إن كان موسرا يقوم عليه قيمة عدل ثم يعتق" وأجابوا بأنه إنما يدل على أن العتق بالتقويم لا بالدفع، وحينئذ فيدل للأول؛ لأنه إنما تمم؛ لأنه صار متلفا، وإنما يتلف بالسراية "وفي قول" يوقف الأمر رعاية للجانبين فعليه "إن دفعها" أي: القيمة "بان أنها" أي: السراية حصلت "بالإعتاق"، وإلا بان أنه لم يعتق "واستيلاد أحد الشريكين الموسر يسري" إلى حصة شريكه كالعتق، بل أولى؛ لأنه فعل، وهو أقوى، ولذا نفذ من محجور عليه دون عتقه، كما

 

ج / 4 ص -484-        بحثه الأذرعي ومن مريض من رأس المال، وإعتاقه من الثلث إما من المعسر فلا يسري كالعتق إلا من والد الشريك؛ لأنه ينفذ منه إيلادها كلها "وعليه" أي: الموسر "قيمة" ما أيسر به من "نصيب شريكه"؛ لأنه أتلفه بإزالة ملكه عنه "وحصته من مهر المثل"؛ لاستمتاعه بملك غيره إن تأخر الإنزال عن تغييب الحشفة كما هو الغالب، وإلا لم تلزمه حصة مهر؛ لأن الموجب له تغييب الحشفة في ملك غيره، وهو منتف لما يأتي أن السراية تقع بنفس العلوق، واعتماد جمع وجوبها مطلقا مبني على ضعيف كما يعلم من التعليل الآتي بوقوع العلوق في ملكه وبذلك يندفع الفرق بين هذا وما مر في الأب بأنه إنما قدر الملك فيه لحرمته، ويجب مع ذلك في بكر حصته من أرش البكارة "وتجري الأقوال" السابقة "في وقت حصول السراية" إذ العلوق هنا كالإعتاق ثم "فعلى الأول"، وهو الحصول بنفس العلوق "والثالث"، وهو التبين "لا تجب قيمة حصته من الولد"؛ لأنه على الأول انعقد حرا لوقوع العلوق في ملكه، وعلى الثالث نزل استحقاق السراية منزلة حصول الملك، وعلى الثاني تجب "ولا يسري تدبير" لبعضه من مالك كل أو بعض إلى الباقي؛ لأنه ليس إتلافا لجواز بيع المدبر فيموت السيد بعتق ما دبره فقط؛ لأن الميت معسر، وحصوله في الحمل ليس سراية، بل تبعا كعضو منها، "ولا يمنع السراية دين" حال "مستغرق" بدون حجر "في الأظهر"؛ لأنه مالك لما في يده نافذ التصرف فيه ولذا نفذ إعتاقه قال البلقيني: ولا حاجة لمستغرق في جريان الخلاف فإذا أوجبت السراية مائة، وهي عنده وعليه خمسون لم يسر على الضعيف إلا في خمسين، ولو كان بالدين الحال رهن لازم ليس له غيره ولا يفضل منه شيء لم يسر قطعا، ولو علق وهو مستقل ثم وجدت الصفة، وهو محجور عليه لم يسر بناء على الأصح أن العبرة في نفوذ العتق بحالة وجود الصفة.
"ولو قال لشريكه الموسر أعتقت نصيبك فعليك قيمة نصيبي فأنكر" ولا بينة "صدق المنكر بيمينه" إذ الأصل عدم العتق "فلا يعتق نصيبه" إن حلف، وإلا حلف المدعي واستحق قيمة نصيبه ولا يعتق نصيب المنكر؛ لأن الدعوى إنما سمعت عليه لأجل القيمة فقط، وإلا فهي لا تسمع على آخر أنك أعتقت حتى يحلف، نعم إن كان مع الشريك شاهد آخر قبلا حسبة أي: إن كان قبل دعواه القيمة كما بحثه الزركشي لتهمته حينئذ "ويعتق نصيب المدعي بإقراره إن قلنا: يسري بالإعتاق" مؤاخذة له بإقراره، وتقييدهما له بما إذا حلف المنكر أو المدعي اليمين المردودة معترض بأنه لا وجه له إذ لو نكلا معا، فالحكم كذلك لوجود العلة وهي إقراره "ولا يسري إلى نصيب المنكر"، وإن أيسر المدعي؛ لأنه لم ينشئ عتقا فهو كقول شريك لآخر اشتريت نصيبي وأعتقته فأنكر فإنه يعتق نصيب المدعي ولا يسري، "ولو قال لشريكه" المعسر أو الموسر: "إن أعتقت نصيبك فنصيبي حر" فقط أو زاد "بعد نصيبك فأعتق الشريك" المقول له نصيبه "وهو موسر سرى إلى نصيب الأول إن قلنا: السراية بالإعتاق"، وهو الأصح "وعليه قيمته" أي: نصيب المعلق ولا يعتق بالتعليق؛ لأن السراية أقوى منه؛ لأنها قهرية تابعة لعتق الأول لا مدفع لها، والتعليق قابل للدفع ببيع ونحوه، وإذا اجتمع سببان لا يمكن اجتماعهما قدم أقواهما، وبهذا فارق ما وقع لهما في الوصايا

 

ج / 4 ص -485-        قبيل الركن الرابع من التسوية بينهما لإمكانها أما لو كان المعتق معسرا فيعتق على كل نصفه تنجيزا في الأول وبمقتضى التعليق في الثاني "فلو قال" لشريكه: إن أعتقت نصيبك "فنصيبي حر قبله" أو معه أو حال عتقه "فأعتق الشريك" المخاطب نصفه "فإن كان المعلق معسرا عتق نصيب كل عنه" المنجز حالا والمعلق قبله ولا سراية وخص المعلق بالإعسار؛ لأنه لا فرق في الآخر بين المعسر والموسر "والولاء لهما" لاشتراكهما في العتق ", وكذا إن كان المعلق موسرا وأبطلنا الدور" اللفظي الآتي بيانه بالنسبة للقبلية إذ لا يتأتى إلا فيها، وهو الأصح يعتق نصيب كل عنه ولا سراية؛ لأن اعتبار المعية والحالية بمنعها والقبلية ملغاة لاستحالة الدور المستلزم هنا سد باب عتق الشريك فيصير التعليق معها كهو مع المعية والحالية. "وإلا" نبطل الدور في صورة القبلية "فلا يعتق شيء" على واحد منهما إذ لو نفذ إعتاق المخاطب عتق نصيب المعلق قبله فيسري فيبطل عتقه فلزم من عتقه عدمه لتوقف الشيء على ما يتوقف عليه ولكونه يوجب الحجر على المالك المطلق التصرف في إعتاق نصيب نفسه من غير موجب، ولا نظير له ضعفه الأصحاب، هذا كله إن لم ينجز المعلق عتق نصيبه، وإلا عتق عليه قطعا وسرى بشرطه، "ولو كان" أي: وجد "عبد لرجل نصفه ولآخر ثلثه ولآخر سدسه فأعتق الآخران" بكسر الخاء كما بخطه لكن ليوافق كلام أصله لا للتقييد إذ لو أعتق اثنان منهم أي: اثنين كانا فالحكم كذلك كما في الروضة وغيرها "نصيبهما" بالتثنية "معا" بأن لم يفرغ أحدهما منه قبل فراغ الآخر أو علقاه بصفة واحدة أو وكلا وكيلا فأعتقه بلفظ واحد. "فالقيمة" للنصف الذي سرى إليه العتق "عليهما نصفان على المذهب"؛ لأن ضمان المتلف يستوي فيه القليل والكثير وكما لو مات من جراحاتهما المختلفة، وبهذا فارق ما مر في الأخذ بالشفعة؛ لأنه من فوائد الملك وثمراته فوزع بحسبه، وهذا ضمان متلف كما تقرر هذا إن أيسرا بالكل فإن أيسر أحدهما قوم عليه نصيب الثالث قطعا، وإن أيسرا بدون الواجب سرى لذلك القدر بحسب يسارهما فإن تفاوتا في اليسار سرى على كل بقدر ما يجد.
"وشرط السراية" أمور أحدها اليسار كما علم مما مر ثانيها "إعتاقه" أي: مباشرته أو تملكه بدليل التفريع الآتي "باختياره"، ولو بتسببه فيه كأن اتهب بعض قريبه أو قبل الوصية له به نعم يأتي في تعجيز السيد آخر الفصل الآتي ما يعكر على ذلك، وخرج بذلك ما لو عتق عليه بغير اختياره وزعم أنه خرج به عتق المكره، وهم؛ لأن ذاك شرط لأصل العتق، وما هنا شرط للسراية مع وقوع العتق ثم عتقه عليه بغير اختياره له صور كثيرة منها الإرث "فلو ورث بعض ولده" مثلا "لم يسر" ما عتق منه إلى باقيه؛ لما تقرر أن سبيل السراية سبيل غرامة المتلف ولم يوجد منه صنع ولا قصد إتلاف، ومنها الرد بالعيب فلو باع شقصا ممن يعتق على وارثه كأن باع بعض ابن أخيه بثوب ومات، ووارثه أخوه ثم اطلع مشتري الشقص على عيب فيه ورده فلا يسري كالإرث فإن وجد الوارث بالثوب عيبا ورده واسترد الشقص عتق عليه وسرى على المعتمد لاختياره فيه، وقد تقع السراية من غير اختيار كأن وهب لقن بعض قريب سيده فقبله فيعتق ويسري على ما يأتي وعلى سيده قيمة باقية، ويجاب بأن

 

ج / 4 ص -486-        فعل عبده كفعله كما مر في الدعوى عليه ثم رأيت ما يأتي قريبا، وهو صريح فيما ذكرته ثالثها قبول محلها للنقل فلا يسري للنصيب الذي ثبت له الاستيلاد أو الموقوف أو المنذور عتقه أو اللازم عتقه بموت الموصي أو المرهون بل لو رهن نصف قن لا يملك غيره فأعتق نصفه غير المرهون لم يسر للمرهون، رابعها أن يوجد العتق لنصيبه أو للكل فلو قال: أعتقت نصيب شريكي لغا، نعم بحث في المطلب أنه كناية فإذا نوى به عتق حصته عتقت وسرت؛ لأنه يعتق بعتقها فصح التعبير به عنها، خامسها أن يكون النصيب العتيق يمكن السريان إليه فلو استولد شريك معسر حصته ثم باشر عتقها موسرا لم يسر منها للبقية، "والمريض" في عتق التبرع "معسر إلا في ثلث ماله" فإذا أعتق في مرض موته نصيبه ولم يخرج من الثلث غيره فلا سراية، وكذا إن خرج بعض حصة شريكه أو كلها، لكن قال الزركشي: التحقيق أنه كالصحيح فإن شفى سرى، وإن مات نظر لثلثه عند الموت فإن خرج بدل السراية من الثلث نفذ، وإلا بأن رد الزائد وفارق المفلس لتعلق حق الغرماء، أما غير التبرع كأن أعتق بعض قنه عن كفارة مرتبة بنية الكفارة بالكل فإنه يسري ولا يقتصر على الثلث "والميت معسر" مطلقا فلا سراية عليه؛ لانتقال تركته لورثته بموته "فلو أوصى بعتق نصيبه" من قن فأعتق بعد موته "لم يسر"، وإن خرج كله من الثلث للانتقال المذكور، ومن ثم لو أوصى بعتق بعض عبده لم يسر أيضا، نعم إن أوصى بالتكميل سرى؛ لأنه حينئذ استبقى لنفسه قدر قيمته من الثلث، وقد يسري كما لو كاتبا أمتهما ثم ولدت من أحدهما واختارت المضي على الكتابة ثم مات، وهي مكاتبة، فيعتق نصيب الميت ويسري ويأخذ الشريك من تركة الميت القيمة، ولو أوصى بصرف ثلثه في العتق فاشترى الموصى منه شقصا وأعتقه سرى بقدر ما بقي من الثلث؛ لأن الوصية تناولت السراية.

فصل في العتق بالبعضية
إذا "ملك" ولو قهرا "أهل تبرع أصله" من النسب، وإن علا الذكور، والإناث "أو فرعه"، وإن سفل كذلك "عتق" عليه إجماعا إلا داود الظاهري، ولا حجة له في خبر مسلم:
"لن يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه"؛ لأن الضمير راجع للشراء المفهوم من يشتريه لرواية فيعتق عليه. والولد كالوالد بجامع البعضية، ومن ثم قال صلى الله عليه وسلم: "فاطمة بضعة مني"، أما بقية الأقارب فلا يعتقون بذلك. وخبر: "من ملك ذا رحم محرم فقد عتق عليه" ضعيف. وخرج بأهل تبرع، والمراد به الحر كله، ولا يصح الاحتراز عن الصبي، والمجنون؛ لما يأتي أنهما إذا ملكاه عتق عليهما وكذا من عليه دين مستغرق كما علم مما مر. مكاتب ملكه بنحو هبة، وهو يكسب مؤنته فله قبوله فيملكه، ولا يعتق عليه لئلا يكون الولاء له وهو محال. ومبعض ملكه ببعضه الحر لتضمن العتق عنه الإرث، والولاء وليس من أهلهما وإنما عتقت أم ولد المبعض بموته؛ لأنه حينئذ أهل للولاء لانقطاع الرق بالموت وما لو ملك ابن أخيه فمات وعليه دين مستغرق وورثه أخوه فقط وقلنا بالأصح أن الدين لا يمنع الإرث فقد ملك ابنه ولم يعتق عليه؛ لأنه ليس أهلا للتبرع فيه؛ لتعلق حق الغير به،

 

ج / 4 ص -487-        وقد يملكه أهل التبرع، ولا يعتق في صور ذكرها شارح، ولا تخلو عن نظر، "ولا" يصح أن "يشتري" من جهة الولي "لطفل" ومجنون وسفيه "قريبه" الذي يعتق عليه؛ لأنه لا غبطة له فيه "ولو وهب" القريب "له أو أوصى له به فإن كان" الموهوب أو الموصى به "كاسبا" أي: له كسب يكفيه "فعلى الولي" وجوبا "قبوله ويعتق" على المولى؛ إذ لا ضرر عليه ولا نظر لاحتمال عجزه فتجب نفقته؛ لأنه خلاف الأصل مع أن المنفعة محققة، والضرر مشكوك فيه "وينفق" عليه "من كسبه" لاستغنائه عن قريبه "وإلا" يكن كسابا "فإن كان الصبي" ونحوه "معسرا وجب" على الولي "القبول"؛ لأن المولى لإعساره لا نفقة عليه، ولا نظر لاحتمال يساره لما مر "ونفقته في بيت المال" إن كان مسلما، وليس له منفق غير المولى، أما الذمي فينفق عليه منه، لكن قرضا على ما قالاه في موضع وقالا في آخر تبرعا "أو موسرا حرم" قبوله، ولا يصح؛ لتضرره بإنفاقه عليه هذا كله إذا وهب مثلا له كله فلو وهب له بعضه، وهو كسوب، والمولى موسر لم يقبله وليه؛ لئلا يعتق نصيبه ويسري فتلزمه قيمة شريكه ويفرق بينه وبين قبول العبد لبعض قريب سيده، وإن سرى على ما يأتي بأن العبد لا يلزمه رعاية مصلحة سيده من كل وجه فصح قبوله إذا لم تلزم السيد النفقة، وإن سرى؛ لتشوف الشارع للعتق، والولي تلزمه رعاية مصلحة المولى من كل وجه فلم يجز له التسبب في سراية تلزمه قيمتها.
تنبيه: فرضه الكلام في الكاسب إنما هو على جهة المثال مع أنه لا يتأتى إلا في الفرع؛ لأن الأصل تجب نفقته، وإن كان كسوبا، والمراد أنه متى لم تلزم المولى نفقته لإعساره، أو لكسب الفرع، أو لكون الأصل له منفق آخر لزم الولي القبول وإلا فلا.
"ولو ملك في مرض موته قريبه" الذي يعتق عليه "بلا عوض" كإرث "عتق" عليه "من ثلثه" فلو لم يكن له غيره لم يعتق إلا ثلثه "وقيل": يعتق "من رأس المال" وهو المعتمد كما في الروضة، والشرحين واعتمده البلقيني وغيره فيعتق جميعه، وإن لم يملك غيره؛ لأنه لم يبذل مالا، والملك زال بغير رضاه "أو ملكه بعوض بلا محاباة" بأن كان بثمن مثله "فمن ثلثه" يعتق ما وفى به؛ لأنه فوت ثمنه على الورثة من غير مقابل "ولا يرث" هنا؛ إذ لو ورث لكان عتقه تبرعا على وارث فيبطل؛ لتعذر إجازته لتوقفها على إرثه المتوقف على عتقه المتوقف عليها فتوقف كل من إجازته وإرثه على الآخر فامتنع إرثه بخلاف من يعتق من رأس المال لعدم التوقف. "فإن كان عليه" أي: المريض "دين" مستغرق له عند موته "فقيل: لا يصح الشراء"؛ لئلا يملكه من غير عتق ", والأصح صحته"؛ إذ لا خلل فيه "ولا يعتق، بل يباع للدين" إذ موجب الشراء الملك، والدين لا يمنع منه وعتقه معتبر من الثلث، والدين يمنع منه وكذا يصح شراء مأذون عليه ديون بعض سيده بإذنه، ولا يعتق إن أعسر سيده بخلاف ما لو أيسر كما في المطلب عن الأصحاب؛ لأنه كالمرهون بالدين، أما إذا كان الدين غير مستغرق فيعتق منه ما يخرج من الثلث بعد وفائه، أو مستغرقا وسقط بنحو إبراء فيعتق منه ما يفي بثلث المال؛ حيث لا إجازة فيهما "أو" ملكه "بمحاباة" من بائعه له كان اشتراه بخمسين، وهو يساوي مائة "فقدرها"، وهو خمسون في هذا المثال "كهبة" فيحسب نصفه من

 

ج / 4 ص -488-        رأس المال على المعتمد السابق، "والباقي من الثلث، ولو وهب لعبد" أي: قن غير مكاتب ولو مبعضا "بعض" أي: جزء "قريب" أي: أصل وفرع "سيده فقبل وقلنا يستقل به" أي: القبول من غير إذن السيد إذا لم تلزمه نفقته، وهو الأصح "عتق وسرى وعلى سيده قيمة باقيه"؛ إذ الهبة له هبة لسيده وقبوله كقبول سيده شرعا هذا ما جزم به الرافعي هنا واستشكله في الروضة ثم بحث عدم السراية؛ لأنه دخل في ملكه قهرا كالإرث وجريا عليه في الكتابة قال الرافعي: وقول الغزالي بالسراية لم أجده في النهاية، ولا غيرها واعتمده البلقيني وقال: السراية غريبة ضعيفة لا يلتفت إليها رادا بذلك تصويب الإسنوي لها لما مر أن فعل عبده كفعله، وفي الرد نظر لما قدمته آنفا أن العبد تصرفه كتصرف سيده من وجه دون وجه؛ لأنه ليس نائبا عنه حتى تلزمه رعاية مصلحته من كل وجه، ولا مستقلا حتى يلزمه رعاية ذلك أصلا. فراعوا مصلحة السيد من وجه فمنعوه القبول إذا لزمه النفقة ومصلحة القريب من وجه وهو صحة قبوله، والسراية إذا لم تلزمه النفقة ولتنزيلهم فعل العبد منزلة فعل السيد في الحلف وغيره مما مر لم يتمحض فعله للقهر على السيد فاتضح ما في المتن، والجواب عن بحث الروضة المذكور فتأمله. أما إذا كان السيد بحيث تلزمه نفقة البعض فلا يصح قبول العبد له جزما، وأما المكاتب فيقبل، ولا يعتق على السيد؛ لأن الملك له نعم إن عجز عتق البعض ولم يسر؛ لعدم اختيار السيد مع استقلال المكاتب، وإن كان هو المعجز له؛ لأنه إنما قصد التعجيز، والملك حصل ضمنا، وأما المبعض وثم مهايأة ففي نوبته لا عتق، وفي نوبة السيد كالقن فإن لم تكن مهايأة فما يتعلق به قن وبسيده فيه ما مر.

فصل في الإعتاق في مرض الموت وبيان القرعة في العتق
إذا "أعتق" تبرعا "في مرض موته عبدا لا يملك غيره" عند موته "عتق ثلثه"؛ لأن المريض إنما ينفذ تبرعه من ثلثه، نعم إن مات في حياة السيد مات كله حرا على الأصح، ومن ثم لو وهبه فأقبضه فمات، والسيد حي مات على ملك الموهوب له، ومن فوائد موته حرا في الأولى انجرار ولاء ولده من موالي أمه إلى معتقه "فإن كان عليه دين مستغرق" وأعتقه تبرعا أيضا "لم يعتق منه شيء" ما دام الدين باقيا؛ لأن العتق حينئذ كالوصية، والدين مقدم عليها، ومن ثم لو أبرأ الغرماء منه، أو تبرع به أجنبي عتق ثلثه، أما إذا كان نذر إعتاقه في صحته ونجزه في مرضه فيعتق كله كما لو أعتقه عن كفارة مرتبة. وخرج بالمستغرق غيره فالباقي بعده كأنه كل المال فينفذ العتق في ثلثه، "ولو أعتق" في مرض موته "ثلاثة" معا كقوله: أعتقتكم "لا يملك غيرهم قيمتهم سواء" ولم تجز الورثة "عتق أحدهم" يعني تميز عتقه "بقرعة"؛ لأنها شرعت لقطع المنازعة فتعينت طريقا ولخبر مسلم أن أنصاريا أعتق ستة مملوكين له عند موته لا يملك غيرهم فجزأهم صلى الله عليه وسلم أثلاثا ثم أعتق اثنين وأرق أربعة قال في البحر: والمراد جزأهم باعتبار القيمة؛ لأن عبيد الحجاز لا تختلف قيمتهم غالبا. ويدخل الميت منهم في القرعة فإن قرع رق الآخران وبان أنه مات حرا فيتبعه كسبه

 

ج / 4 ص -489-        ويورث وتتعين القرعة فلا يجوز اتفاقهم على أنه إن طار غراب فهذا حر أو من وضع صبي يده عليه حر. "وكذا لو قال: أعتقت ثلثكم أو ثلثكم حر" فيقرع لتجتمع الحرية في واحد؛ لأن إعتاق بعض القن كإعتاقه كله فصار كقوله: أعتقتكم "فلو قال: أعتقت ثلث كل عبد" منكم "أقرع" لما مر "وقيل: يعتق من كل ثلثه"، ولا إقراع لتصريحه بالتبعيض، وهو القياس لولا تشوف الشارع إلى تكميل العتق المتوقف على القرعة ولو قال: ثلث كل حر بعد موتي عتق ثلثه، ولا قرعة؛ لأن العتق بعد الموت لا يسري ", والقرعة" علمت مما مر في القسمة وتحصل في هذا المثال بأحد شيئين: الأول "أن تؤخذ ثلاث رقاع متساوية" ثم "يكتب في ثنتين رق، وفي واحدة عتق"؛ لأن الرق ضعف الحرية "وتدرج في بنادق كما سبق" ثم "وتخرج واحدة باسم أحدهم فإن خرج العتق عتق ورق الآخران" بفتح الخاء "أو الرق رق وأخرجت أخرى باسم آخر" فإن خرج العتق عتق ورق الثالث وإلا فالعكس. ويجوز الاقتصار على رقعتين في واحدة رق، وفي أخرى عتق كما رجحه البلقيني كالإمام قال:؛ إذ ليس فيه إلا أن رقعة الرق إذا خرجت على عبد تدرج في بندقتها مرة أخرى فتكون الثلاث أرجح فقط وقال ابن النقيب: كلامهم يدل على وجوب الثلاث. ا هـ. والأول أوجه "و" ثانيهما أنه "يجوز أن تكتب أسماؤهم" في الرقاع "ثم تخرج رقعة" والأولى إخراجها "على الحرية" لا الرق؛ لأنه أقرب إلى فصل الأمر "فمن خرج اسمه عتق ورقا" أي: الباقيان لانفصال الأمر بهذا أيضا. وقضية عبارته أن الأول أولى، لكن الذي صوبه جمع متقدمون أن الأولى الثاني؛ لأن الإخراج فيه مرة واحدة بخلافه في الأول فإنه قد يتكرر. "وإن" لم تكن قيمتهم سواء كأن "كانوا ثلاثة قيمة واحد مائة وآخر مائتان وآخر ثلثمائة أقرع" بينهم "بسهمي رق وسهم عتق" بأن يكتب في رقعتين رق، وفي واحدة عتق ويفعل ما مر "فإن خرج العتق لذي المائتين عتق ورقا" أي: الباقيان؛ لأنه به يتم الثلث "أو" لذي "الثلثمائة عتق ثلثاه"؛ لأنهما الثلث ورق باقيه، والآخران "أو" خرجت "للأول عتق ثم يقرع للآخرين بسهم رق وسهم عتق" في رقعتين "فمن خرج" العتق على اسمه منهما "تمم منه الثلث" فإن خرجت للثاني عتق نصفه، أو للثالث فثلثه. وتجوز الطريق الأخرى هنا أيضا فإن خرج اسم الأول عتق ثم تخرج أخرى فإن خرج اسم الثاني عتق نصفه، أو الثالث عتق ثلثه، "وإن كانوا" أي: المعتقون معا "فوق ثلاثة" لا يملك غيرهم "وأمكن توزيعهم بالعدد، والقيمة" في جميع الأجزاء "كستة قيمتهم سواء". ومثلهم ستة قيمة ثلاثة مائة مائة وثلاثة خمسون خمسون فيضم كل خسيس لنفيس "جعلوا اثنين اثنين" أي: جعل كل اثنين جزءا وفعل كما مر في الثلاثة المستوين في القيمة "أو" أمكن توزيعهم "بالقيمة دون العدد" في كل الأجزاء كخمسة قيمة أحدهم مائة واثنين مائة واثنين مائة جعل الواحد جزءا، والاثنان جزءا، والاثنان جزءا ثالثا، أو في بعضها "كستة قيمة أحدهم مائة وقيمة اثنين مائة و" قيمة "ثلاثة مائة جعل الأول جزءا، والثلاثة جزءا" وأقرع كما سبق وفي عتق الاثنين إن خرج وافق ثلث العدد ثلث القيمة فقوله: دون العدد صادق ببعض الأجزاء في مقابلته للمثبت قبله في جميع الأجزاء فلا اعتراض على المتن، ولا مخالفة بينه وبين ما في الروضة وأصلها من جعل

 

ج / 4 ص -490-        الستة المذكورة مثالا للاستواء في العدد دون القيمة؛ نظرا إلى أن القيمة مختلفة فلا يمكن التوزيع بها في الكل، بخلاف العدد فإنه يمكن الاستواء فيه، وإن كان للنظر إلى القيمة في ذلك دخل، ومن ثم قال الشارح المحقق: لا يتأتى التوزيع بالعدد دون القيمة أي: مع قطع النظر عنها أصلا وأجاب شيخنا عن هذا التناقض بين المتن وأصله، والروضة وأصلها بأن مثال الستة المذكور صالح لإمكان التوزيع بالقيمة دون العدد؛ نظرا إلى عدم تأتي توزيعها بالعدد مع القيمة ولعكسه؛ نظرا إلى عدم تأتي توزيعها بالقيمة مع العدد وهو يرجع لما قدمناه؛ إذ عدم التأتي في كل من الأمرين إنما هو بالنظر لما مر فتأمله. ولك أن تقول: لا منافاة بينهما من وجه آخر، وهو أن المتن وأصله عبرا بالتوزيع، والروضة وأصلها إنما عبرا بالتسوية، وبين التوزيع، والتسوية فرق واضح لصدقها في الستة المذكورة ولو مع قطع النظر عن القيمة، بخلافه فصح جعل الروضة وأصلها لها مثالا لما ذكراه وجعل المتن وأصله لها مثالا لما ذكراه فتأمله أيضا ليتضح لك أن قول الشارح: لا يتأتى التوزيع بالعدد دون القيمة لا ينافي قول الروضة وأصلها: وإن أمكن التسوية بالعدد دون القيمة كستة إلى آخره، "وإن تعذر" توزيعهم "بالقيمة" وبالعدد بأن لم يكن لهم ولا لقيمتهم ثلث صحيح "كأربعة قيمتهم سواء ففي قول يجزءون ثلاثة أجزاء واحد" جزء "وواحد" جزء "واثنان" جزء؛ لأنه الأقرب إلى فعله صلى الله عليه وسلم، "فإن خرج العتق لواحد" سواء أكتب العتق، والرق أم الأسماء "عتق" كله "ثم أقرع" بين الثلاثة الباقين بعد تجزئتهم أثلاثا "ليتم الثلث" فمن خرج له سهم الحرية عتق ثلثه هذا ما دلت عليه عبارة الشيخين وصرح به في التهذيب، وهو يرد ما فهمه جمع من الشراح من بقاء الاثنين على حالهما ثم ترددوا فيما إذا خرجت للاثنين هل يعتق من كل سدسه أم يقرع بينهما ثانيا فمن قرع عتق ثلثه ؟ زاد الزركشي أن الأول مقتضى كلامهم؛ لأنهم جعلوا الاثنين بمثابة الواحد "أو" خرج العتق "للاثنين" المجعولين جزءا "رق الآخران ثم أقرع بينهما" أي الاثنين "فيعتق من خرج له العتق وثلث الآخر"؛ لأنه بذلك يتم الثلث. "وفي قول يكتب اسم كل عبد في رقعة" فالرقاع أربع ثم يخرج على العتق واحدة بعد أخرى إلى أن يتم الثلث "فيعتق من خرج" أولا "و" تعاد الرقعة بين الباقين فمن خرجت له ثانيا بان أن ثلثه هو الباقي من الثلث فيعتق "ثلث الباقي"، وهو القارع ثانيا؛ لأن هذا أقرب إلى فصل الأمر، وفي بعض النسخ الثاني بالمثلثة، والنون وصوبت "قلت: أظهرهما الأول والله أعلم" لما مر أن تجزئتهم ثلاثة أجزاء أقرب لما مر في الخبر "والقولان في استحباب"؛ لأن المقصود يحصل بكل. "وقيل" وانتصر له بأنه نص الأم وقضية كلام الأكثرين "في إيجاب" للأقربية المذكورة، أما إذا أعتق عبيدا مرتبا فلا قرعة بل يعتق الأول فالأول إلى تمام الثلث، "وإذا أعتقنا بعضهم" أي: الأرقاء "بقرعة فظهر مال" آخر للميت لم يعلم وقت القرعة "وخرج كلهم من الثلث عتقوا" أي: بان عتقهم وأنهم أحرار تجري عليهم أحكام الأحرار من حين إعتاقه "و" من ثم كان "لهم كسبهم" ونحوه كأرش جناية ومهر أمة. وتبعية ولدها لها "من يوم" أي: وقت "الإعتاق" وبطل نكاح أمة زوجها الوارث بالملك ويلزمه مهرها إن وطئها ويكمل حد من جلد كقن ويرجم إن كان محصنا،

 

ج / 4 ص -491-        "ولا يرجع الوارث بما أنفق عليهم" مطلقا وإن أطال البلقيني في ترجيح تفصيل فيه؛ لأنه أنفق على أن لا يرجع كمن نكح فاسدا يظن الصحة لا يرجع بما أنفق قبل التفريق ويظهر أنهم يرجعون عليه بما استخدمهم فيه لا بما خدموه له، وهو ساكت أخذا مما مر في غصب الحر "وإن خرج" من الثلث "بما ظهر عبد"، أو بعضه، أو أكثر منه "آخر أقرع" بينه وبين من بقي منهم فمن قرع عتق أيضا، "ومن عتق" ولو "بقرعة حكم بعتقه من يوم الإعتاق" لا القرعة؛ لأنها مبينة للعتق لا مثبتة له، بخلاف الموصى بعتقه فإنه يقوم وقت الموت؛ لأنه وقت الاستحقاق "وتعتبر قيمته حينئذ" أي: حين إذ عتق لما تقرر أنه بان بها أنه حر قبلها "وله كسبه" ونحوه مما مر "من يومئذ غير محسوب من الثلث" لحدوثه على ملكه "ومن بقي رقيقا قوم يوم الموت"؛ لأنه وقت استحقاق الوارث هذا إن كانت القيمة يومه أقل، أو لم تختلف ليوافق ما في الروضة وأصلها من أنه يعتبر أقل قيمة من وقت الموت إلى قبض الورثة للتركة؛ لأنها إن كانت وقت الموت أقل فالزيادة على ملكهم، أو وقت القبض أقل فما نقص قبل ذلك لم يدخل في ملكهم فلا يحسب عليهم كمغصوب أو ضائع من التركة قبل أن يقبضوه "وحسب" على الوارث "من الثلثين هو وكسبه الباقي قبل الموت" ظاهر لكسبه "لا الحادث بعده" فلا يحسب عليه؛ لحدوثه على ملكه فلا يقضى دين المورث منه، "فلو أعتق ثلاثة لا يملك غيرهم قيمة كل" منهم "مائة فكسب أحدهم مائة" قبل موت السيد "أقرع فإن خرج العتق للكاسب عتق وله المائة"؛ لما مر أن من عتق له كسبه من حين عتقه "وإن خرج لغيره عتق ثم أقرع" بين الكاسب، والآخر ليتم الثلث "فإن خرجت" القرعة "لغيره عتق ثلثه" وبقي ثلثاه مع المكتسب وكسبه للورثة وذلك ضعف ما فات عليهم "وإن خرجت له" أي: للمكتسب "عتق ربعه وتبعه ربع كسبه"؛ لأنه يجب أن يبقى لهم ضعف ما عتق، ولا يحصل إلا بذلك فجملة ما عتق مائة وخمسة وعشرون وما بقي مائتان وخمسون، وأما الخمسة، والعشرون التي هي ربع كسبه فغير محسوبة كما مر وحذف من أصله طريقة ذلك بالجبر، والمقابلة لخفائها.

فصل في الولاء
بفتح الواو، والمد من الموالاة أي: المعاونة، والمقاربة، وهو شرعا عصوبة ناشئة عن حرية حدثت بعد زوال ملك متراخية عن عصوبة النسب تقتضي للمعتق وعصبته الإرث وولاية النكاح، والصلاة عليه، والعقل عنه، والأصل فيه قبل الإجماع الأخبار الصحيحة نحو:
"إنما الولاء لمن أعتق" و "الولاء لحمة كلحمة النسب" بضم اللازم وفتحها.
"من عتق عليه" خرج به من أقر بحرية قن ثم اشتراه فإنه يحكم عليه بعتقه ويوقف ولاؤه، ومن أعتق عن غيره، أو عن كفارة غيره بعوض، أو غيره، وقد قدر انتقال ملكه للغير قبيل عتقه فولاؤه لذلك الغير. ووقع في شرح فصول ابن الهائم للمارديني وشيخنا أنه إذا أعتق عن الغير بغير إذنه يكون الولاء للمالك، بخلاف ما إذا كان بإذنه، أو بغير إذنه، لكن في معرض التكفير فإنه يعتق عمن أعتق عنه، والمعتق نائب عنه في الإعتاق. ا هـ. وهو عجيب

 

ج / 4 ص -492-        لتوقف الكفارة على النية المتوقفة على الإذن، وقد اتفقت عباراتهم على أن لغير المكفر التبرع عنه بالتكفير بإذنه فقولهم: بإذنه صريح في توقف التكفير عنه بالإعتاق وغيره على إذنه وكذا كل ما يحتاج للنية لا يفعل عن الغير إلا بإذنه كإخراج زكاة الفطر وغيرها فاحفظ ذلك فإنه مهم. نعم يصح حمل كلامهما على عتق أجنبي عن كفارة الغير الميت إذا كانت مرتبة بناء على ما في الروضة وأصلها في الأيمان وجرى عليه في شرح الروض أن للأجنبي العتق عنه فيها لكنه في شرح منهجه فرع ما فيها على تعليل المنع في المخيرة بسهولة التكفير بغير إعتاق أي، وليس الأمر كذلك وإنما السبب اجتماع بعد العبادة عن النيابة وبعد الولاء للميت وجزم بذلك في شرح البهجة فقال: لا يؤدي أجنبي إعتاقا عنه ولو في مرتبة وعلله بما ذكر، فإن قلت: يحمل كلامهما على عتق الوارث عنه قلت: يمكن بل يتعين بدليل تعليل شيخنا بأن المعتق نائب عنه في الإعتاق، ومن أعتقه الإمام من عبيد بيت المال فإن ولاءه للمسلمين كذا قيل، وهو ضعيف لتصريحهم بأن الإمام لا يجوز له العتق؛ لأنه كولي اليتيم، ومن ثم كان الوجه من اضطراب أنه ليس له بيع عبد بيت المال من نفسه كما مر، نعم مر آنفا عتقه في صورة فيمكن حمل ذلك عليها "رقيق بإعتاق" منجز، أو معلق، ومنه بيع العبد من نفسه لما مر أنه عقد عتاقة "أو كتابة، أو تدبير" ولكون العتق في هذه اختياريا وفيما بعدها قهريا غاير العاطف على ما في نسخ، وفي بعضها العطف بالواو في الكل وكثير منها العطف بها فيما عدا الكتابة وكان وجهه أنه جعل المباشرة الحقيقية قسما وما عداها أقساما أخر فقال: "واستيلاد وقرابة وسراية فولاؤه له"؛ للخبرين المذكورين "ثم لعصبته" المتعصبين بأنفسهم الأقرب فالأقرب كما مر في الفرائض للخبر السابق، والترتيب إنما هو بالنسبة لفوائد الولاء المترتبة عليه من إرث وولاية تزويج وغيرهما لا لثبوته فإنه يثبت لعصبته معه في حياته، ومن ثم لو تعذر إرثه به دونهم ورثوا به كما لو أعتق مسلم نصرانيا ومات في حياته وله بنون نصارى فإنهم الذين يرثونه ثم المنتقل إليهم الإرث به لا إرثه فإن الولاء لا ينتقل كما أن نسب الإنسان لا ينتقل بموته، وسببه أن نعمة الولاء تختص به، ومن ثم قالوا: الولاء لا يورث بل يورث به، أما العصبة بغيره كالبنت مع الابن ومع غيره كهي مع الأخت فلا ترث به، "و" من "ثم لا ترث امرأة بولاء"؛ لأن الولاء أضعف من النسب المتراخي وإذا تراخى النسب ورث الذكور فقط ألا ترى أن ابن الأخ، والعم وبنيهما يرثون دون أخواتهم، "إلا من عتيقها و" كل منتم إليه بنسب، أو ولاء نحو "أولاده"، وإن سفلوا "وعتقائه" وعتقاء عتقائه وهكذا؛ لأنه صلى الله عليه وسلم جعل الولاء على بريرة لعائشة رضي الله عنهما ولأن نعمة إعتاقها شملتهم كما شملت المعتق فاستتبعوه في الولاء وهذه أبسط مما في الفرائض فلا تكرار. وخرج بمنتم من علقت به عتيقة بعد العتق من حر أصلي فإنه لا ولاء عليه لأحد "فإن عتق عليها أبوها ثم أعتق عبدا فمات بعد موت الأب بلا وارث" له ولا للأب بأن مات عنها وحدها "فماله للبنت" لا لكونها بنت معتقه بل؛ لأنها معتقة معتقه، أما إذا مات عنها وعن نحو أخي أبيها فماله له، ولا شيء لها؛ لأنه عصبة نسب، وهو مقدم على معتق المعتق وهذه التي يقال أخطأ فيها أربعمائة قاض؛ لأنهم

 

ج / 4 ص -493-        رأوها أقرب مع أن لها عليه عصوبة فورثوها وغفلوا عن أن المقدم في الولاء المعتق فعصبته فمعتقه فعصبته فمعتق معتقه فعصبته وهكذا وحكى الإمام غلط أولئك أيضا فيما إذا اشترى أخ وأخت أباهما فعتق عليهما ثم أعتق قنا ومات ثم مات العتيق فقالوا: ميراثه لهما لاشتراكهما في الولاء، وهو غلط بل الإرث له وحده "والولاء لا على العصبات" كالنسب فلو مات معتق عن ابنين وثبت لهما ولاء العتيق فمات أحدهما عن ابن فولاء العتيق للابن؛ لأنه لو قدر موت العتيق حينئذ لم يرثه إلا الابن ولو مات المعتق عن ثلاث بنين ثم مات أحدهم عن ابن وآخر عن أربعة وآخر عن خمسة فالولاء بين العشرة بالسوية فيرثون العتيق أعشارا لاستواء قربهم، "ومن مسه رق" فعتق "فلا ولاء عليه إلا لمعتقه وعصبته" ثم بيت المال دون معتق أصوله؛ لأن ولاء المباشرة لقوته يقطع ولاء الاسترسال وهذا مستثنى مما مر أن الولاء على العتيق وفروعه، وإن سفلوا وكذا من أبوه حر أصلي فلا ولاء عليه لموالي أمه؛ لأن الانتساب للأب، ومن ثم لو تزوج عتيق بحرة أصلية ثبت الولاء على الولد لموالي أبيه، "ولو نكح عبد معتقة فأتت بولد فولاؤه لموالي الأم"؛ لأنهم أنعموا عليه لعتقه بعتقها "فإن أعتق الأب انجر" الولاء أي: بطل وانقطع من حين عتق الأب عن موالي الأم "إلى مواليه"؛ لأن الولاء فرع النسب إلى مواليه، والنسب إليه، وإن علا دونها وإنما ثبت لمواليها عند تعذره من جهة الأب برقه فإذا أمكن بعتقه عاد لموضعه فإن انقرضوا فلبيت المال ولا يعود لموالي الأم ولو كان معتق الأب هو الابن نفسه فسيأتي، "ولو مات الأب رقيقا وعتق الجد" أبو الأب، وإن علا دون أبي الأم "انجر" الولاء "إلى مواليه" أي: الجد؛ لأنه كالأب ويستقر بعدهم لبيت المال، "فإن أعتق الجد، والأب رقيقا انجر" لموالي الجد "فإن أعتق الأب بعده" أي: بعد انجراره لموالي الجد "انجر" من موالي الجد "إلى مواليه" أي: الأب؛ لأنه إنما انجر لموالي الجد لرقه فإذا عتق عاد لمواليه؛ لأنه أقوى ثم بعد مواليه لبيت المال "وقيل": لا ينجر لموالي الجد بل "يبقى لموالي الأم حتى يموت الأب" رقيقا "فينجر إلى موالي الجد"؛ لأنه ما بقي مانع فإذا مات زال المانع، "ولو ملك هذا الولد" الذي من العبد، والعتيقة "أباه جر ولاء إخوته لأبيه" من موالي الأم "إليه"؛ لأن أباه عتق عليه فثبت له الولاء عليه وعلى أولاده من أمه وعتيقة أخرى "وكذا ولاء نفسه" يجره إليه "في الأصح" كإخوته "قلت: الأصح المنصوص لا يجره والله أعلم" بل يبقى لموالي أمه وإلا لثبت له على نفسه وهو محال، ومن ثم ثبت للسيد على قن كاتبه، أو باعه نفسه وأخذ منه النجوم، أو الثمن.