جواهر العقود ومعين القضاة والموقعين والشهود

كتاب الْغَصْب

وَمَا يتَعَلَّق بِهِ من الْأَحْكَام
الْغَصْب محرم
وَالْأَصْل فِي تَحْرِيمه: الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع
أما الْكتاب: فَقَوله تَعَالَى: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُم بَيْنكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تكون تِجَارَة عَن ترَاض مِنْكُم} وَقَوله تَعَالَى: {إِن الَّذين يَأْكُلُون أَمْوَال الْيَتَامَى ظلما إِنَّمَا يَأْكُلُون فِي بطونهم نَارا وسيصلون سعيرا} وَقَوله تَعَالَى: {وَالسَّارِق والسارقة فَاقْطَعُوا أَيْدِيهِمَا جَزَاء بِمَا كسبا نكالا من الله} وَالسَّرِقَة من الْغَصْب
وَأما السّنة: فَمَا رُوِيَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي خطبَته فِي حجَّة الْوَدَاع: (أَلا إِن دماءكم وَأَمْوَالكُمْ عَلَيْكُم حرَام كَحُرْمَةِ يومكم هَذَا فِي شهركم هَذَا فِي بلدكم هَذَا) وَمعنى ذَلِك: دِمَاء بَعْضكُم على بعض وأموال بَعْضكُم على بعض
وَرُوِيَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (لَا يحل مَال امرىء مُسلم إِلَّا عَن طيب نفس مِنْهُ) وروى عبد الله بن السَّائِب عَن أَبِيه عَن جده أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (لَا يَأْخُذن أحدكُم مَال أَخِيه لاعبا وَلَا جادا
فَمن أَخذ عَصا لِأَخِيهِ فليردها) وروى سَمُرَة بن جُنْدُب أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (على الْيَد مَا أخذت حَتَّى ترده) وَرُوِيَ (حَتَّى تُؤَدِّيه) وروى يعلى بن مرّة الثَّقَفِيّ: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (من أَخذ

(1/175)


أَرضًا بِغَيْر حَقّهَا كلف أَن يحمل ترابها إِلَى الْمَحْشَر) وروى أَبُو هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (من أَخذ من الأَرْض شبْرًا بِغَيْر حَقه طوقه من سبع أَرضين يَوْم الْقِيَامَة) وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (ليَأْتِيَن على النَّاس زمَان لَا يُبَالِي الْمَرْء بِمَا أَخذ المَال بحلال أَو بِحرَام)
وَأما الْإِجْمَاع: فقد أَجمعت الْأمة على تَحْرِيم الْغَصْب
قَالَ الصَّيْمَرِيّ: من غصب شَيْئا واعتقد إِبَاحَته: كفر بذلك وَإِن اعْتقد تَحْرِيمه: فسق بِفِعْلِهِ وَردت شَهَادَته
وَالْغَصْب: هُوَ الِاسْتِيلَاء على مَال الْغَيْر على وَجه التَّعَدِّي
وَالرُّكُوب على دَابَّة الْغَيْر وَالْجُلُوس على فرَاش الْغَيْر غَاصِب لما عَلَيْهِ
وَإِن لم ينْقل ذَلِك وَلَو دخل دَار الْغَيْر وأزعجه مِنْهَا فَكَذَلِك
وَلَو أزعجه وقهره على الدَّار وَلم يدْخل صَار غَاصبا
وَلَو سكن بَيْتا
وَمنع الْمَالِك مِنْهُ دون بَاقِي الدَّار
فَهُوَ غَاصِب لذَلِك الْبَيْت فَقَط
وَلَو دخل على قصد الِاسْتِيلَاء وَلم يكن الْمَالِك فِي الدَّار فَهُوَ غَاصِب
وَإِن سكن بهَا وَلم يزعجه
فَهُوَ غَاصِب لنصف الدَّار إِلَّا أَن يكون السَّاكِن ضَعِيفا لَا يعد مثله مستوليا فَلَا يكون غَاصبا
وعَلى الْغَاصِب رد الْمَغْصُوب
فَإِن تلف فِي يَده ضمنه
وَكَذَلِكَ الْأَيْدِي المترتبة على يَد الْغَاصِب أَيدي ضَمَان

الْخلاف الْمَذْكُور فِي مسَائِل الْبَاب
: الْإِجْمَاع قد انْعَقَد على تَحْرِيم الْغَصْب وتأثيم الْغَاصِب وَأَنه يجب رد الْمَغْصُوب إِن كَانَت عينا بَاقِيَة وَلم يخف من نَزعهَا إِتْلَاف نفس
وَاتَّفَقُوا على أَن الْعرُوض وَالْحَيَوَان وكل مَا كَانَ غير مَكِيل وَلَا مَوْزُون إِذا غصب وَتلف يضمن بِقِيمَتِه
وَأَن الْمكيل وَالْمَوْزُون يضمن بِمثلِهِ إِذا وجده إِلَّا فِي رِوَايَة عَن أَحْمد
وَمن جنى على مَتَاع إِنْسَان فأتلف عَلَيْهِ غَرَضه الْمَقْصُود مِنْهُ
فَالْمَشْهُور عَن مَالك: أَنه يلْزمه قِيمَته لصَاحبه وَيَأْخُذ الْجَانِي ذَلِك الشَّيْء المتعدى عَلَيْهِ وَلَا فرق فِي ذَلِك بَين المركوب وَغَيره وَلَا بَين أَن يقطع ذَنْب حمَار القَاضِي أَو أُذُنه أَو غَيره مِمَّا يعلم أَن مثله لَا يركب مثل ذَلِك إِذا جنى عَلَيْهِ
وَسَوَاء كَانَ حمارا أَو بغلا أَو فرسا
هَذَا هُوَ الْمَشْهُور

(1/176)


عَنهُ
وَعنهُ رِوَايَة أُخْرَى: أَن على الْجَانِي مَا نقص
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن جنى على ثوب حَتَّى أتلف أَكثر مَنَافِعه لزمَه قِيمَته وَيسلم الثَّوْب إِلَيْهِ
فَإِن أذهب نصف قِيمَته أَو دونهَا
فَلهُ أرش مَا نقص
وَإِن جنى على حَيَوَان ينْتَفع بِلَحْمِهِ وظهره كبعير وَغَيره
فَإِنَّهُ إِذا قلع إِحْدَى عَيْنَيْهِ لزمَه دفع نصف قِيمَته
وَفِي الْعَينَيْنِ جَمِيع الْقيمَة وَيرد على الْجَانِي بِعَيْنِه إِن كَانَ مَالِكه قَاض أَو عدله
وَقَالَ فِي غير هَذَا الْجِنْس: مَا نقص
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: فِي جَمِيع ذَلِك مَا نقص
وَمن جنى على شَيْء غصبه بعد غصبه جِنَايَة لزم مَالِكه عِنْد مَالك أَخذه مَعَ مَا نَقصه الْغَاصِب أَو يَدْفَعهُ إِلَى الْغَاصِب وَيلْزمهُ بِقِيمَتِه يَوْم الْغَصْب
وَالشَّافِعِيّ يَقُول: لصَاحبه أرش مَا نقص وَهُوَ قَول أَحْمد
وَمن جنى على عبد غَيره
فَقطع يَدَيْهِ أَو رجلَيْهِ
فَإِن كَانَ أبطل غَرَض سَيّده مِنْهُ فلسيده أَن يُسلمهُ إِلَى الْجَانِي وَيعتق على الْجَانِي إِن كَانَ قد تعمد ذَلِك
وَيَأْخُذ السَّيِّد قِيمَته من الْجَانِي أَو يمسِكهُ وَلَا شَيْء لَهُ
هَذَا هُوَ الرَّاجِح من مَذْهَب مَالك
وَفِي رِوَايَة عَنهُ: أَنه لَيْسَ لَهُ إِلَّا مَا نقص وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَهُ أَن يُسلمهُ وَيَأْخُذ قِيمَته أَو يمسِكهُ وَلَا شَيْء لَهُ
وَقَالَ الشَّافِعِي: لَهُ أَن يمسِكهُ وَيَأْخُذ جَمِيع قِيمَته من الْجَانِي تَنْزِيلا على أَن قيمَة العَبْد كديته
وَمن مثل بِعَبْد فَقطع أَنفه أَو يَده أَو قلع سنه عتق عَلَيْهِ عِنْد مَالك
وَاخْتلف قَوْله: هَل يعْتق بِنَفس الْجِنَايَة أَو يحكم الْحَاكِم وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يعْتق عَلَيْهِ بالمثلة
وَمن غصب جَارِيَة على صفة
فزادت عِنْده زِيَادَة كسمن أَو تعلم صَنْعَة حَتَّى علت قيمتهَا ثمَّ نقصت الْقيمَة بهزال أَو نِسْيَان للصنعة: كَانَ لسَيِّدهَا أَخذهَا بِلَا أرش وَلَا زِيَادَة
وَهَذَا قَول مَالك وَأبي حنيفَة وَأَصْحَابه
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: لَهُ أَخذهَا وَأرش نقص تِلْكَ الزِّيَادَة الَّتِي كَانَت حدثت عِنْد الْغَاصِب
وَالزِّيَادَة الْمُنْفَصِلَة كَالْوَلَدِ إِذا حدث بعد الْغَصْب فَهِيَ غير مَضْمُونَة عِنْد مَالك وَأبي حنيفَة
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: هِيَ مَضْمُونَة على الْغَاصِب بِكُل حَال

فصل: وَاخْتلف فِي مَنَافِع الْغَصْب

فَقَالَ أَبُو حنيفَة: هِيَ غير مَضْمُونَة
وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا: وجوب الضَّمَان
وَالثَّانيَِة: إِسْقَاط الضَّمَان وَالثَّالِثَة: إِن كَانَت دَارا فسكنها الْغَاصِب بِنَفسِهِ لم يضمن وَإِن أجرهَا لغيره ضمن
فعلى هَذَا: إِذا كَانَ الْمَغْصُوب حَيَوَانا فَرده لَا يضمن
وَإِن أنكرهُ ضمن
وَعنهُ رِوَايَة رَابِعَة أَن الْغَاصِب إِذا كَانَ قَصده الْمَنْفَعَة كَالَّذي يسخر دَوَاب النَّاس
فَإِنَّهُ يُوجب ضَمَان الْمَنْفَعَة عَلَيْهِ رِوَايَة وَاحِدَة

(1/177)


وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد فِي أظهر روايتيه: هِيَ مَضْمُونَة
وَإِذا غصب جَارِيَة وَوَطئهَا
فَعَلَيهِ الْحَد وَالرَّدّ عِنْد الثَّلَاثَة
وَقِيَاس مَذْهَب أبي حنيفَة: أَنه يحد وَلَا أرش عَلَيْهِ للْوَطْء
فَإِن أولدها وَجب رد الْوَلَد وَهُوَ رَقِيق للْمَغْصُوب مِنْهُ
وَأرش مَا نقصته الْولادَة عِنْد الشَّافِعِي وَأحمد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: إِن جبر الْوَلَد النَّقْص فَلَا أرش
وَإِذا غصب دَارا أَو عبدا أَو ثوبا وَبَقِي فِي يَده مُدَّة وَلم ينْتَفع بِهِ فِي سكن وَلَا كِرَاء وَلَا اسْتِخْدَام وَلَا ركُوب وَلَا لبس إِلَى أَن أَخذه من الْغَاصِب فَلَا أُجْرَة عَلَيْهِ للمدة الَّتِي بَقِي فِيهَا فِي يَده وَلم ينْتَفع بِهِ
هَذَا قَول مَالك وَأبي حنيفَة
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: عَلَيْهِ أُجْرَة الْمدَّة الَّتِي كَانَت فِي يَده أُجْرَة الْمثل
وَالْعَقار وَالْأَشْجَار تضمن بِالْغَصْبِ
فَمَتَى غصب شَيْئا من ذَلِك
فَتلف بسيل أَو حريق أَو غَيره: لزمَه قِيمَته يَوْم الْغَصْب عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ وَمُحَمّد بن الْحسن
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف: إِن مَا لَا ينْقل كالعقار لَا يكون مَغْصُوبًا بِإِخْرَاجِهِ عَن يَد مَالِكه إِلَّا أَن يجني الْغَاصِب عَلَيْهِ ويتلف بِسَبَب الْجِنَايَة
فَيضمنهُ بِالْإِتْلَافِ وَالْجِنَايَة
وَمن غصب إسطوانه أَو لبنة وَبنى عَلَيْهَا لم يملكهَا الْغَصْب عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد
وَعند أبي حنيفَة يملكهَا وَيجب عَلَيْهِ قيمتهَا للضَّرَر الْحَاصِل على الْبَاقِي بهدم الْبناء وبسبب إخْرَاجهَا
وَاتَّفَقُوا على أَن من غصب قِطْعَة من سَاج وأدخلها فِي سفينة
فطالبه بهَا مَالِكهَا وَهُوَ فِي لجة الْبَحْر: أَنه لَا يجب عَلَيْهِ قلعهَا إِلَّا مَا حكى عَن الشَّافِعِي: أَنَّهَا تقلع
وَالأَصَح أَن ذَلِك إِذا لم يخف تلف نفس أَو مَال

فصل: وَمن غصب ذَهَبا أَو فضَّة فصاغ ذَلِك
حليا أَو ضربه دَنَانِير أَو دَرَاهِم أَو نُحَاسا أَو رصاصا أَو حديدا فَاتخذ مِنْهُ آنِية أَو سيوفا
فَعِنْدَ مَالك: عَلَيْهِ فِي ذَلِك كُله مثل مَا غصب فِي وَزنه وَصفته وَكَذَا لَو غصب ساجة فعملها أبوابا أَو تُرَابا فعمله لَبَنًا
وَكَذَلِكَ الْحِنْطَة إِذا طحنها وخبزها
وَقَالَ الشَّافِعِي: يرد ذَلِك كُله على الْمَغْصُوب مِنْهُ
فَإِن كَانَ فِيهِ نقص ألزم الْغَاصِب بِالنَّقْصِ
وَوَافَقَ أَبُو حنيفَة مَالِكًا إِلَّا فِي الذَّهَب وَالْفِضَّة إِذا صاغهما
هَكَذَا نقل فِي عُيُون الْمسَائِل
وَقَالَ القَاضِي ابْن رشد فِي الْمسَائِل: إِذا غصب حِنْطَة فطحنها أَو شَاة فذبحها
أَو ثوبا فَقَطعه
كَانَ كل ذَلِك للْمَغْصُوب مِنْهُ عِنْد الشَّافِعِيَّة والمالكية وَلم يملكهُ الْغَاصِب
وَكَذَلِكَ إِذا غصب بَيْضَة فحطها تَحت دجَاجَة أَو حبا فزرعه أَو نواة فغرسها
وَعند الْحَنَفِيَّة: تلْزم الْقيمَة

(1/178)


فصل: فتح قفص طَائِر بِغَيْر إِذن مَالِكه فطار
ضمنه الفاتح عِنْد مَالك وَأحمد
وَكَذَلِكَ إِذا حل دَابَّة من قيدها فهربت أَو عبدا مُقَيّدا أَو هربت الدَّابَّة فِي الْحَال عقب الْفَتْح والحل إِذا وقفت بعده ثمَّ طَار أَو هربت
وَقَالَ الشَّافِعِي: إِن طَار الطَّائِر أَو هربت الدَّابَّة بعد مَا وقفت سَاعَة فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ
وَإِن كَانَ ذَلِك عقب الْفَتْح أَو الْحل
فَقَوْلَانِ أصَحهمَا: الضَّمَان
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا ضَمَان على من فعل ذَلِك على كل وَجه
وَإِذا غصب عبدا فأبق أَو دَابَّة فهربت أَو عينا فسرقت أَو ضَاعَت
فَعِنْدَ مَالك: يغرم قيمَة ذَلِك وَتصير الْقيمَة ملكا للْمَغْصُوب مِنْهُ
وَيصير الْمَغْصُوب عِنْده ملكا للْغَاصِب حَتَّى لَو وجد الْمَغْصُوب لم يكن للْمَغْصُوب مِنْهُ الرُّجُوع فِيهِ وَلَا للْغَاصِب الرُّجُوع فِي الْقيمَة إِلَّا بتراضيهما وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة: إِلَّا فِي صُورَة
وَهِي مَا لَو فقد الْمَغْصُوب فَقَالَ الْمَغْصُوب مِنْهُ: قِيمَته مائَة
وَقَالَ الْغَاصِب: خَمْسُونَ
وَحلف غرم خمسين مُقَيّدا خوف هربه فهرب فَعَلَيهِ قِيمَته
وَسَوَاء عِنْد مَالك طَار الطَّائِر ثمَّ وجد الْمَغْصُوب وَقِيمَته مائَة كَمَا ذكر
فَإِن لَهُ أَن يرجع فِي الْمَغْصُوب وَترد الْقيمَة
وَعند مَالك يرجع الْمَالِك بِفضل الْقيمَة
وَقَالَ الشَّافِعِي: الْمَغْصُوب مِمَّا ذكر بَاقٍ على ملك الْمَغْصُوب مِنْهُ
فَإِذا وجد الْمَغْصُوب مِنْهُ الْقيمَة الَّتِي كَانَ أَخذهَا وَأخذ الْمَغْصُوب
وَأما إِذا كتم الْغَاصِب الْمَغْصُوب وَادّعى هَلَاكه فَأخذ مِنْهُ الْقيمَة ثمَّ ظهر الْمَغْصُوب
فَلَا خلاف أَن للْمَغْصُوب مِنْهُ أَخذه
وَيرد الْقيمَة

فصل: وَمن غصب عقارا فَتلف فِي يَده

إِمَّا بهدم أَو سيل أَو حريق
قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يضمن الْقيمَة
وَعَن أبي حنيفَة: أَنه إِذا لم يكن ذَلِك بِسَبَبِهِ فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ
وَلَو غصب أَرضًا وزرعها فأدركها رَبهَا قبل أَن يَأْخُذ الزَّرْع
قَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَهُ إِجْبَاره على الْقلع
وَقَالَ مَالك: إِن كَانَ وَقت الزَّرْع لم يفت فللمالك الْإِجْبَار
وَإِن فَاتَ فروايتان أشهرهما: لَيْسَ لَهُ قلعه
وَله أُجْرَة الأَرْض
وَقَالَ أَحْمد: إِن شَاءَ صَاحب الأَرْض أَن يقر الزَّرْع فِي أرضه إِلَى الْحَصاد وَله الْأُجْرَة وَمَا نقص الزَّرْع
وَإِن شَاءَ دفع إِلَيْهِ قيمَة الزَّرْع وَكَانَ الزَّرْع لَهُ
وَإِذا أراق مُسلم خمرًا على ذمِّي فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ عِنْد الشَّافِعِي وَأحمد
وَكَذَلِكَ إِذا أتلف عَلَيْهِ خنزيرا
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: يغرم الْقيمَة لَهُ فِي ذَلِك
تذييل: كل من غصب شَيْئا وَعمل فِيهِ عملا
كَانَ لَهُ إبِْطَال عمله إِلَّا فِي خمس مسَائِل

(1/179)


إِحْدَاهَا: إِذا غصب غزلا فنسجه ثوبا
الثَّانِيَة: إِذا غصب نقرة فضربها دَرَاهِم
الثَّالِثَة: إِذا غصب طينا وضربه لَبَنًا
الرَّابِعَة: إِذا غصب جَوْهَر زجاج فاتخذه آنِية
الْخَامِسَة: إِذا غصب ذَهَبا وَفِضة
وَاتخذ ذَلِك حليا
والمعاني: الَّتِي يجب بهَا الضَّمَان سَبْعَة: الْغَصْب وَالْعَارِية والتعدي والإتلاف وَمَنَافع الْإِجَارَة على أحد الْقَوْلَيْنِ بعد انْقِضَاء الْأَجَل
وَالشَّيْء الْمَقْبُوض على البيع الْفَاسِد وَالشَّيْء الْمَقْبُوض على السّوم
والمضمونات: على خَمْسَة أَقسَام
أَحدهَا: مَا يضمن بِمثلِهِ
وَالثَّانِي: مَا يضمن بِقِيمَتِه
وَالثَّالِث: مَا يضمن بِغَيْرِهِ
وَالرَّابِع: مَا يضمن بِأَقَلّ الْأَمريْنِ
وَالْخَامِس: مَا يضمن بِأَكْثَرَ الْأَمريْنِ
فَأَما مَا يضمن بِمثلِهِ: فَأَرْبَعَة أَنْوَاع: الْمكيل
وَالْمَوْزُون وَالذَّهَب وَالْفِضَّة
وَأما مَا يضمن بِقِيمَتِه: فَأَرْبَعَة أَنْوَاع: الدّور والحيوانات والسلع وَمَنَافع الْإِجَارَة
وَأما مَا يضمن بِغَيْرِهِ: فَأَرْبَعَة أَنْوَاع: الْمَبِيع فِي يَد البَائِع وَلبن الْمُصراة وَالْمهْر فِي يَد الزَّوْج
وجنين الْأمة
وَأما مَا يضمن بِأَقَلّ الْأَمريْنِ: فَأَرْبَعَة أَنْوَاع: الضَّامِن إِذا بَاعَ شَيْئا من الْمَضْمُون لَهُ بالمضمون بِهِ صَحَّ فِي وَجه وَالسَّيِّد إِذا أتلف العَبْد الْجَانِي
والراهن إِذا أتلف الرَّهْن وَالرَّابِع: مهر الْمَرْأَة إِذا هربت من دَار الْحَرْب إِلَى دَار الْإِسْلَام فِي وَقت الْهُدْنَة
وَأما مَا يضمن بِأَكْثَرَ الْأَمريْنِ: فنوعان
أَحدهمَا: الْمُلْتَقط بيع اللّقطَة بعد مُضِيّ الْحول ومجيء صَاحبهَا
فَإِنَّهُ يضمن بِأَكْثَرَ الْأَمريْنِ
وَالثَّانِي: أَن يَأْخُذ سلْعَة ليبيعها فيتعدى عَلَيْهَا ثمَّ يَبِيعهَا
فَإِنَّهُ يضمن أَكثر الْأَمريْنِ فِي ثمنه وَقِيمَته
انْتهى

المصطلح: وتشتمل صوره على أَنْوَاع
مِنْهَا: صُورَة رد عين الْمَغْصُوب: أشهد عَلَيْهِ فلَان أَنه كَانَ من قبل تَارِيخه استولى على جَمِيع الْقطعَة الأَرْض الَّتِي بِالْمَكَانِ الْفُلَانِيّ ويحددها الْجَارِيَة فِي ملك فلَان على سَبِيل الْغَصْب والتعدي وانتزعها من يَده قهرا وظلما وانتفع بهَا انْتِفَاع مثلهَا بالزرع وَالْغِرَاس وَالْبناء وَأَنه الْآن رَجَعَ إِلَى الله تَعَالَى
وَتَابَ إِلَيْهِ وعَلى

(1/180)


أَنه وَجب عَلَيْهِ رد الأَرْض الْمَذْكُورَة إِلَى مَالِكهَا فَردهَا إِلَيْهِ خَائفًا من الله تَعَالَى متحذرا مَا حذره رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَيْثُ قَالَ: (من ظلم قيد شبر من الأَرْض طوقه من سبع أَرضين) وَسلم الأَرْض الْمَذْكُورَة إِلَى مَالِكهَا
فتسلمها مِنْهُ تسلما شَرْعِيًّا ثمَّ بَاعَ الْغَاصِب الْمَذْكُور مِنْهُ جَمِيع الْبناء وَالْغِرَاس الْقَائِم على الأَرْض الْمَذْكُورَة المحدودة الموصوفة بأعاليه
الْمُشْتَمل على كَذَا وَكَذَا ويصفه وَصفا تَاما فَاشْترى ذَلِك مِنْهُ شِرَاء شَرْعِيًّا بِثمن مبلغه كَذَا وَكَذَا على حكم الْحُلُول ثمَّ بعد ذَلِك ولزومه شرعا تصادق الْمُتَبَايعَانِ الْمَذْكُورَان أَعْلَاهُ على أَن مُدَّة الْغَصْب للْأَرْض الْمَذْكُورَة أَعْلَاهُ واستقرارها بيد الْغَاصِب الْمَذْكُور كَذَا وَكَذَا سنة مُتَقَدّمَة على تَارِيخه وَإِلَى تَارِيخه وَأَن أُجْرَة الْمثل لَهَا عَن الْمدَّة الْمَذْكُورَة مبلغ كَذَا وَكَذَا
قاصص المُشْتَرِي الْمَذْكُور البَائِع الْمَذْكُور بِمَا وَجب لَهُ من أُجْرَة الْمثل للْأَرْض الْمَذْكُورَة وَهُوَ كَذَا بنظيره من الثّمن الْمعِين أَعْلَاهُ
مقاصصة شَرْعِيَّة وَدفع إِلَيْهِ الْبَاقِي من الثّمن وَهُوَ كَذَا وَكَذَا
فَقَبضهُ مِنْهُ قبضا شَرْعِيًّا وَسلم البَائِع الْمَذْكُور إِلَى المُشْتَرِي الْمَذْكُور جَمِيع الْمَبِيع الْمعِين أَعْلَاهُ
فتسلمه مِنْهُ تسلما شَرْعِيًّا
وَصَارَ ذَلِك لَهُ وَملكه بِحكم هَذَا التبايع المشروح أَعْلَاهُ
وَذَلِكَ بعد النّظر والمعرفة وَالْمُعَاقَدَة الشَّرْعِيَّة
ويكمل
وَصُورَة غصب مَكِيل ورد مثله أَو قِيمَته
أشهد عَلَيْهِ فلَان أَنه من قبل تَارِيخه استولى لفُلَان على عشْرين مكوكا أَو غرارة أَو إردبا من الْقَمْح الصعيدي أَو الْبُحَيْرِي أَو من الْحِنْطَة الصَّفْرَاء الجيدة الهودية أَو الأحصبة أَو المرجبة أَو العميقية أَو اللقيمية أَو الزيلعية أَو الجزائرية أَو غير ذَلِك
وَأَنه تصرف فِي ذَلِك لنَفسِهِ وأزال عينه وأنهما ترافعا بِسَبَب ذَلِك إِلَى حَاكم شَرْعِي
فَحكم عَلَيْهِ بِمثل الْحِنْطَة الْمَذْكُورَة وألزمه بِدفع ذَلِك إِلَيْهِ
فَدفعهُ إِلَيْهِ
فَقَبضهُ مِنْهُ قبضا شَرْعِيًّا
وَنَقله إِلَى ملكه
وَصَارَ ذَلِك لَهُ
وَملكه بِحكم هَذَا الترافع أَو يَقُول: وأنهما ترافعا إِلَى حَاكم حنبلي الْمَذْهَب
وتداعيا لَدَيْهِ بذلك فَأوجب عَلَيْهِ قيمَة الْحِنْطَة الْمَذْكُورَة
وَحكم عَلَيْهِ بذلك على مُقْتَضى مذْهبه الشريف حكما شَرْعِيًّا
فَدفع إِلَيْهِ الْقيمَة عَن ذَلِك
وَهِي كَذَا وَكَذَا
فقبضها مِنْهُ قبضا شَرْعِيًّا
وتصادقا على ذَلِك تَصَادقا شَرْعِيًّا ويكمل
وَصُورَة غصب الْعرُوض وَالْحَيَوَان وَالضَّمان بِقِيمَتِه بعد إِتْلَافه: أشهد عَلَيْهِ فلَان أَنه غصب من فلَان جَمِيع الْجمل الْأَحْمَر الفاطر أَو أول فطر وَجَمِيع الْحمل القماش

(1/181)


السكندري الَّذِي عدته من التفاصيل كَذَا وَكَذَا تفصيلة وَمن الثِّيَاب المرش كَذَا وَكَذَا ثوبا
وَكَذَا وَكَذَا منديلا محيشي وَأَن قيمَة الْجمل الْمَذْكُور كَذَا وَكَذَا وَقِيمَة القماش كَذَا وَكَذَا الْقيمَة العادلة لَهُ حِين الْغَصْب وَأَنه تصرف فِي ذَلِك بِغَيْر طَرِيق شَرْعِي وأنهما ترافعا بِسَبَب ذَلِك إِلَى حَاكم شَرْعِي أَو إِلَى الْحَاكِم الْفُلَانِيّ وَحكم عَلَيْهِ بذلك بعد اعترافه لَدَيْهِ وتصديقه على ذَلِك كُله أَو بعد قيام الْبَيِّنَة الشَّرْعِيَّة عِنْد الْحَاكِم بذلك
وَدفع إِلَيْهِ الْقيمَة الْمعينَة أَعْلَاهُ
فقبضها مِنْهُ قبضا شَرْعِيًّا
وَلم يتَأَخَّر لَهُ بِسَبَب ذَلِك مُطَالبَة وَلَا شَيْء قل وَلَا جلّ
وَأقر كل مِنْهُمَا أَنه لَا يسْتَحق على الآخر حَقًا وَلَا دَعْوَى وَلَا طلبا ويستوفى أَلْفَاظ الْإِقْرَار بِعَدَمِ الِاسْتِحْقَاق على نَحْو مَا تقدم شَرحه
ويكمل
وَصُورَة غصب العَبْد سمينا ورده هزيلا مَعَ أرش مَا نقص وَهُوَ صَحِيح عِنْد الشَّافِعِي وَأحمد خلافًا ل مَالك وَأبي حنيفَة: أشهد عَلَيْهِ فلَان أَنه غصب من فلَان جَمِيع الْمَمْلُوك الرُّومِي الْجِنْس أَو الحبشي أَو غَيره العشاري الْمَدْعُو فلَان الْمُعْتَرف للْمَغْصُوب مِنْهُ بِالرّقِّ والعبودية وَأَنه اسْتعْمل الرَّقِيق الْمَذْكُور فهزل وأنهما ترافعا بِسَبَب ذَلِك إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ الشَّافِعِي
وَحكم على الْغَاصِب الْمَذْكُور بِأَرْش مَا نقص بالهزال وَهُوَ كَذَا وَكَذَا
وأنهما اتفقَا على أَن يدْفع إِلَيْهِ مَمْلُوكه الْمَذْكُور ومبلغ كَذَا وَكَذَا وَهُوَ أرش مَا نقص الْمَمْلُوك الْمَذْكُور بالهزال وَرَضي الْمَغْصُوب مِنْهُ بذلك وَسلم الْغَاصِب الْمَذْكُور إِلَى الْمَغْصُوب مِنْهُ مَمْلُوكه الْمَذْكُور والمبلغ الْمعِين أَعْلَاهُ
فتسلم ذَلِك مِنْهُ تسلما شَرْعِيًّا
وَأقر كل مِنْهُمَا أَنه لَا يسْتَحق على الآخر إِلَى آخِره
ويكمل
وَصُورَة غصب الْجَارِيَة وإحبالها واستيلادها
وَوُجُوب الْحَد على الْغَاصِب وَأَنه غير مُحصن فَكَانَ حَده الضَّرْب
وَالْحكم عَلَيْهِ بعد اسْتِيفَاء الْحَد برد الْجَارِيَة إِلَى الْمَغْصُوب مِنْهُ وَأرش مَا نقصتها الْولادَة ورد الْوَلَد إِلَى الْمَغْصُوب مِنْهُ رَقِيقا وَبيعه وَأمه من وَالِده الْغَاصِب بعد ذَلِك
حضر إِلَى شُهُوده فِي يَوْم تَارِيخه فلَان وَفُلَان وتصادقا على أَن الْحَاضِر الأول غصب من الْحَاضِر الثَّانِي جَمِيع الْجَارِيَة التترية الْجِنْس الْمَرْأَة الْمسلمَة الْحَاضِرَة بحضورهما أَيْضا عِنْد شُهُوده المعترفة للْمَغْصُوب مِنْهُ بِالرّقِّ والعبودية
وَأَنه افترشها وأولدها ولدا يدعى فلَان وأنهما ترافعا إِلَى الْحَاكِم الْفُلَانِيّ الشَّافِعِي وَادّعى الثَّانِي على الأول بِالْغَصْبِ وَأقَام عَلَيْهِ بِهِ الْبَيِّنَة وَأَنه اعْترف بذلك بعد ثُبُوته بِالْبَيِّنَةِ الشَّرْعِيَّة وَأَن الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ حكم عَلَيْهِ بِالْحَدِّ بعد أَن ثَبت عِنْده أَنه غير مُحصن
وَحكم عَلَيْهِ برد الْجَارِيَة الْمَغْصُوبَة إِلَى مَالِكهَا وبأرش مَا نقصت بِالْوَطْءِ والولادة وَبرد الْوَلَد الْمَذْكُور

(1/182)


إِلَى الْمَغْصُوب مِنْهُ رَقِيقا لَهُ حكما شَرْعِيًّا
وَاسْتوْفى الْحَد مِنْهُ ورد الْوَلَد على الْمَغْصُوب مِنْهُ
فتسلم مِنْهُ الْجَارِيَة وَوَلدهَا الْمَذْكُور
وَدفع إِلَيْهِ الْأَرْش وَهُوَ كَذَا وَكَذَا
فَقَبضهُ مِنْهُ قبضا شَرْعِيًّا ثمَّ بعد ذَلِك اشْترى الْغَاصِب الْمَذْكُور من الْمَغْصُوب مِنْهُ الْمَذْكُور جَمِيع الْجَارِيَة وَوَلدهَا مِنْهُ الْمَذْكُور الرَّضِيع الْمَدْعُو فلَان شِرَاء شَرْعِيًّا بِثمن مبلغه كَذَا وَكَذَا
وَدفع إِلَيْهِ الثّمن فَقَبضهُ مِنْهُ قبضا شَرْعِيًّا وَسلم إِلَيْهِ الْجَارِيَة وَوَلدهَا الْمَذْكُورين فتسلمهما مِنْهُ تسلما شَرْعِيًّا وَعتق وَلَده الْمَذْكُور عَلَيْهِ حِين دُخُوله فِي ملكه بِعقد هَذَا البيع وَمُقْتَضَاهُ عتقا صَحِيحا شَرْعِيًّا
ويكمل
وَصُورَة مَا إِذا غصب رجل جَارِيَة من رجل وباعها من آخر فأولدها المُشْتَرِي وَهُوَ لَا يعلم أَنَّهَا مَغْصُوبَة وترافعا إِلَى حَاكم شَافِعِيّ فَحكم برد الْجَارِيَة إِلَى الْمَغْصُوب مِنْهُ وَمهر مثلهَا وعَلى المُشْتَرِي من الْغَاصِب بِأَن يفتدي وَلَده بِقِيمَتِه وَيكون حرا وبالرجوع على الْغَاصِب بذلك كُله وَتَسْلِيم مَا وَجب للْمَغْصُوب مِنْهُ من الْجَارِيَة وَمهر الْمثل وَقِيمَة الْوَلَد
وابتياع الْجَارِيَة لأَب الْوَلَد أَو إعْتَاقهَا وتزويجها بأب الْوَلَد
حضر إِلَى شُهُوده فِي يَوْم تَارِيخه فلَان وَأشْهد عَلَيْهِ طَوْعًا فِي صِحَّته وسلامته: أَنه غصب من فلَان جَمِيع الْجَارِيَة الْفُلَانِيَّة غصبا عُدْوانًا وَأَنه بَاعهَا من فلَان وَأَن فلَانا افترشها وأولدها على فرَاشه ولدا يدعى فلَان وَأَنَّهُمْ بعد ذَلِك ترافعوا إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ الشَّافِعِي
وتحاكموا عِنْده وتحرر الْأَمر بَينهم على أَن ثَبت عِنْد الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ مَا حصلت الدَّعْوَى بِهِ من الْغَصْب وَالْبيع والافتراش والولادة وَمَا يحْتَاج إِلَى ثُبُوته عِنْده شرعا بالاعتراف أَو بِالْبَيِّنَةِ الشَّرْعِيَّة وَأَنه حكم على المُشْتَرِي المفترش الْمَذْكُور برد الْجَارِيَة الْمَذْكُورَة أَعْلَاهُ وبمهر مثلهَا بعد ثُبُوت مِقْدَاره لَدَيْهِ وَقِيمَة الْوَلَد الْمَذْكُور مِنْهَا إِلَى الْمَغْصُوب مِنْهُ الْمَذْكُور أَعْلَاهُ حكما شَرْعِيًّا مسؤولا فِيهِ بسؤال من جَازَ سُؤَاله شرعا مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ فبمقتضى ذَلِك دفع فلَان الْمَذْكُور إِلَى فلَان الْمَغْصُوب مِنْهُ الْمَذْكُور جَمِيع الْجَارِيَة الْمَذْكُورَة ومبلغ كَذَا وَكَذَا
من ذَلِك مَا هُوَ مهر مثلهَا الثَّابِت شرعا كَذَا وَكَذَا
وَالْبَاقِي وَهُوَ كَذَا وَكَذَا قيمَة الْوَلَد الْمَذْكُور فَقَبضهُ مِنْهُ قبضا شَرْعِيًّا وَحكم الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ للدافع الْمَذْكُور بِالرُّجُوعِ على فلَان الْغَاصِب الْمَذْكُور أَعْلَاهُ بِمهْر الْمثل وَقِيمَة الْوَلَد الْمَذْكُور حكما شَرْعِيًّا
وَقبض كل من الْمَغْصُوب مِنْهُ وَأبي الْوَلَد من الآخر مَا وَجب لَهُ قَبضه شرعا
ثمَّ بعد ذَلِك ولزومه شرعا: أعتق الْمَغْصُوب مِنْهُ الْجَارِيَة الْمَذْكُورَة عتقا صَحِيحا شَرْعِيًّا
وَزوجهَا بِإِذْنِهَا ورضاها من فلَان وَالِد ابْنهَا الْمَذْكُور تزويجا شَرْعِيًّا بِشُرُوطِهِ الشَّرْعِيَّة على صدَاق مبلغه كَذَا
قبل ذَلِك مِنْهُ قبولا

(1/183)


شَرْعِيًّا وَوَقع الْإِشْهَاد بذلك على الْوَجْه المشروح أَعْلَاهُ وبتصادقهما على ذَلِك كُله فِي تَارِيخ كَذَا وَكَذَا
وَصُورَة مَا إِذا غصب من رجل شَيْئا وَاسْتَعْملهُ على سَبِيل الْغَصْب حَتَّى هلك وَلَزِمتهُ قِيمَته: أشهد عَلَيْهِ فلَان أَنه من قبل تَارِيخه تعدى على فلَان فِي مَتَاعه ويصفه وَأَخذه قهرا
وَاسْتولى عَلَيْهِ عُدْوانًا
وَاسْتَعْملهُ على سَبِيل الْغَصْب حَتَّى هلك وَذَهَبت عينه وَأَن أقْصَى قِيمَته كَذَا وَكَذَا وَأَن ذَلِك لزم ذمَّته بِالسَّبَبِ الْمعِين أَعْلَاهُ يقوم لَهُ بذلك حَالا
وَأقر بالملاءة وَالْقُدْرَة على ذَلِك
عرف الْحق فِي ذَلِك فَأقر بِهِ والصدق فَاتبعهُ لوُجُوبه عَلَيْهِ شرعا وَصدقه الْمَغْصُوب مِنْهُ الْمَذْكُور على ذَلِك تَصْدِيقًا شَرْعِيًّا
ويكمل
وَصُورَة مَا إِذا غصب جَارِيَة وَوَطئهَا عَالما بِالتَّحْرِيمِ أَو جَاهِلا بِهِ: أشهد عَلَيْهِ فلَان: أَنه غصب فُلَانَة جَارِيَة فلَان
وَاسْتولى عَلَيْهَا بِغَيْر إِذن سَيِّدهَا وَوَطئهَا وطئا يُوجب الْمهْر وَأَن الْمهْر كَذَا وَكَذَا وَأَن ذمَّته مَشْغُولَة بِهِ وَيلْزمهُ دفع ذَلِك لمولاها بِالسَّبَبِ الْمَذْكُور أَعْلَاهُ وَأَنه عَالم بِالتَّحْرِيمِ
وَأَن الْوَلَد إِذا وَلدته من ذَلِك الْوَطْء رَقِيق لسَيِّدهَا الْمَذْكُور
وَإِن كَانَ جَاهِلا بِالتَّحْرِيمِ كتب: وَأَن الْوَلَد حر نسيب بِحكم جَهله بِالتَّحْرِيمِ حَالَة الْوَطْء
وَأَن الْقيمَة للْوَلَد يَوْم الِانْفِصَال كَذَا وَكَذَا وَأَن ذَلِك لَازم ذمَّته لسَيِّد الْجَارِيَة حَالا
وَأَنه مَلِيء قَادر بذلك
وَصدقه السَّيِّد الْمَذْكُور على ذَلِك تَصْدِيقًا شَرْعِيًّا
ويكمل
وَصُورَة دفع الشَّيْء الْمَغْصُوب لمَالِكه: يصدر بالاعتراف من الْمَغْصُوب مِنْهُ بالتسلم إِن كَانَ بِعَيْنِه وَإِن كَانَ مثله كتب: وَهُوَ مثل مَا غصبه مِنْهُ وَإِن كَانَ أقْصَى قِيمَته كتب: وَهُوَ أقْصَى قيمَة مَا غصبه مِنْهُ ويذيل بِالْإِقْرَارِ بِعَدَمِ الِاسْتِحْقَاق على نَحْو مَا تقدم شَرحه
وَكَذَلِكَ يفعل فِي كل صُورَة من صور الْغَصْب وَغَيره
قَاعِدَة: الْكَاتِب لهَذِهِ الصِّنَاعَة الحاذق فِيهَا يسْتَخْرج الوقائع ويرتبها على الْقَوَاعِد الشَّرْعِيَّة وينزلها تَنْزِيلا مطابقا
وَإِذا كتب شَيْئا فَلَا ينْتَقل مِنْهُ لغيره حَتَّى ينهيه ويستوفيه ويفرغ مِنْهُ وَإِلَّا فتجيء الْكِتَابَة مبددة
فَإِن الْمَأْكُول إِذا عمل قانون الْحِكْمَة أَكثر شهيا
وَلَا يخفى ذَلِك على الحاذق البارع
انْتهى

(1/184)