جواهر العقود ومعين القضاة والموقعين والشهود

كتاب الشُّفْعَة

وَمَا يتَعَلَّق بهَا من الْأَحْكَام
الشُّفْعَة: اشتقاقها فِي اللُّغَة على أَقْوَال: أَحدهَا: أَنَّهَا من شفعت الشَّيْء أَي ضممته فَهِيَ ضم نصيب إِلَى نصيب وَمِنْه: شفع الْأَذَان
ثَانِيهَا: من الزِّيَادَة وَمِنْه شَاة شَافِع أَي: حَامِل لِأَنَّهَا زَادَت بِوَلَدِهَا
ثَالِثهَا: أَنَّهَا من التقوية والإعانة
لِأَنَّهُ يتقوى بِمَا يَأْخُذهُ وَمِنْه: الْقُرْآن شَافِع مُشَفع
رَابِعهَا: أَنَّهَا مُشْتَقَّة من الشَّفَاعَة
لِأَن الشَّفِيع يَأْخُذهَا بلين ورفق
فَكَأَنَّهُ مستشفع إِذْ المُشْتَرِي لَيْسَ بظالم
وَالشُّفْعَة من أَمر الْإِسْلَام وَلم تكن فِي الْجَاهِلِيَّة
وَهِي ثَابِتَة بِالسنةِ وَالْإِجْمَاع
أما السّنة: فَمَا روى أَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (الشُّفْعَة فِيمَا لم يقسم
فَإِذا وَقعت الْحُدُود فَلَا شُفْعَة) وروى البُخَارِيّ بِإِسْنَادِهِ عَن جَابر بن عبد الله أَنه قَالَ: (إِنَّمَا جعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الشُّفْعَة فِي كل مَا لم يقسم فَإِذا وَقعت الْحُدُود وصرفت الطّرق فَلَا شُفْعَة) وَفِي صَحِيح مُسلم بن الْحجَّاج عَن جَابر قَالَ: (قضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالشُّفْعَة فِي كل مُشْتَرك لم يقسم: ربع أَو حَائِط لَا يحل لَهُ أَن يَبِيعهُ حَتَّى يُؤذن شَرِيكه
فَإِن شَاءَ أَخذ وَإِن شَاءَ ترك
فَإِن بَاعه وَلم يُؤذنهُ فَهُوَ أَحَق بِهِ)
وَالرّبع: اسْم للدَّار مَعَ بنائها والحائط اسْم للبستان مَعَ غراسه
وَأما الْإِجْمَاع: فقد أجمع الْمُسلمُونَ على ثُبُوت الشُّفْعَة
وَالْحكم فِي الشُّفْعَة على

(1/185)


ثَلَاثَة أضْرب: ضرب تثبت فِيهِ الشُّفْعَة سَوَاء بيع مُفردا أَو مَعَ غَيره
وَضرب لَا تثبت فِيهِ الشُّفْعَة بِحَال
وَضرب تثبت فِيهِ الشُّفْعَة تبعا لغيره وَلَا تثبت فِيهِ الشُّفْعَة إِذا بيع مُنْفَردا
فَأَما الضَّرْب الأول وَهُوَ مَا تثبت فِيهِ الشُّفْعَة مُفردا أَو مَعَ غَيره فَهِيَ العرصات عَرصَة الأَرْض وَالدَّار
فَإِذا بَاعَ أحد الشَّرِيكَيْنِ نصِيبه فِيهَا ثَبت لشَرِيكه الشُّفْعَة فِيهِ
وَهُوَ قَول عَامَّة الْعلمَاء إِلَّا الْأَصَم
فَإِنَّهُ قَالَ: لَا تثبت الشُّفْعَة بِحَال لِأَن فِي ذَلِك إِضْرَارًا بأرباب الْأَمْوَال لِأَن المُشْتَرِي مَتى علم أَنه يُؤْخَذ مِنْهُ لم يرغب فِي الشِّرَاء
فَيُؤَدِّي ذَلِك إِلَى الضَّرَر الْبَالِغ
وَرُبمَا تقاعد شَرِيكه عَن الشِّرَاء مِنْهُ
وَدَلِيلنَا عَلَيْهِ: مَا ذَكرْنَاهُ من الْأَخْبَار
وَمَا ذكره الْأَصَم غير صَحِيح لأَنا نشاهد الأشقاص تشترى مَعَ علم المُشْتَرِي بِاسْتِحْقَاق الشُّفْعَة عَلَيْهِ
وَأما الضَّرْب الثَّانِي وَهُوَ مَا لَا يثبت فِيهِ الشُّفْعَة بِحَال فَهُوَ كل مَا ينْقل ويحول مثل الطَّعَام وَالثيَاب وَالْعَبِيد
فَإِذا بَاعَ أحد الشَّرِيكَيْنِ نصِيبه فِي ذَلِك لم يثبت لشَرِيكه فِيهِ الشُّفْعَة وَبِه قَالَ عَامَّة أهل الْعلم خلافًا لمَالِك
فَإِنَّهُ قَالَ: تثبت الشُّفْعَة فِي جَمِيع ذَلِك
دليلنا: قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (الشُّفْعَة فِي كل مَا لم يقسم
فَإِذا وَقعت الْحُدُود وصرفت الطّرق فَلَا شُفْعَة) وَهَذَا لَا يتَنَاوَل مَا ينْقل
وَمَا روى جَابر من قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَا شُفْعَة إِلَّا فِي ربع أَو حَائِط) فنفى الشُّفْعَة فِي غَيرهمَا
وَأما الضَّرْب الثَّالِث وَهُوَ مَا تثبت فِيهِ الشُّفْعَة تبعا لغيره فَهُوَ الْغِرَاس وَالْبناء فِي الأَرْض
فَإِن بَاعَ أحد الشَّرِيكَيْنِ نصِيبه فِيهِ مُنْفَردا عَن الأَرْض لم تثبت فِيهِ الشُّفْعَة لِأَنَّهُ مَنْقُول كالثياب وَالْعَبِيد
فَإِن بَاعَ أحد الشَّرِيكَيْنِ نصِيبه فِي الْبناء وَالْغِرَاس مَعَ نصِيبه من الأَرْض تثبت فِيهِ الشُّفْعَة لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (الشُّفْعَة فِي كل ربع أَو حَائِط) و (الرّبع) هُوَ الدَّار ببنائها
و (الْحَائِط) هُوَ الْبُسْتَان بأشجاره ول الْبناء وَالْغِرَاس يرادان للبقاء والتأبيد
فَتثبت فيهمَا الشُّفْعَة كالأرض

الْخلاف الْمَذْكُور فِي مسَائِل الْبَاب
: الشُّفْعَة: تثبت للشَّرِيك فِي الْملك بِاتِّفَاق الْأَئِمَّة
وَلَا شُفْعَة للْجَار عِنْد مَالك

(1/186)


وَالشَّافِعِيّ وَأحمد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: تجب الشُّفْعَة بالجوار
وَالشُّفْعَة عِنْد أبي حنيفَة وعَلى الرَّاجِح من مَذْهَب الشَّافِعِي: على الْفَوْر
فَمن أخر الْمُطَالبَة بِالشُّفْعَة مَعَ الْإِمْكَان سقط حَقه فِيهَا كَخِيَار الرَّد وَللشَّافِعِيّ
وَقَالَ آخر: أَنه يبْقى حَقه ثَلَاثَة أَيَّام
وَله قَول آخر: أَنه يبْقى أبدا وَلَا يسْقط إِلَّا بالتصريح بالإسقاط
وَأما مَذْهَب مَالك: فَإِذا بيع الْمَشْفُوع وَالشَّرِيك حَاضر يعلم بِالْبيعِ
فَلهُ الْمُطَالبَة بِالشُّفْعَة مَتى شَاءَ
وَلَا تَنْقَطِع شفعته إِلَّا بِأحد أَمريْن
الأول: يمْضِي مُدَّة يعلم أَنه فِي مثلهَا قد أعرض عَن الشُّفْعَة
ثمَّ رُوِيَ عَن مَالك أَن تِلْكَ الْمدَّة سنة
وَرُوِيَ خمس سِنِين
الثَّانِي: أَن يرفعهُ المُشْتَرِي إِلَى الْحَاكِم وَيلْزمهُ الْحَاكِم بِالْأَخْذِ أَو التّرْك
فَالْحَاصِل من مَذْهَب مَالك: أَنَّهَا لَيست على الْفَوْر
وَالثَّانيَِة: على التَّرَاخِي
فَلَا تبطل أبدا حَتَّى يعْفُو وَيُطَالب

فصل: وَالثَّمَرَة إِذا كَانَت على النّخل وَهِي بَين شَرِيكَيْنِ

فَبَاعَ أَحدهمَا حِصَّته فَهَل لشَرِيكه الشُّفْعَة أم لَا اخْتلف فِي ذَلِك قَول مَالك
فَقَالَ فِي رِوَايَة: لَهُ الشُّفْعَة
وَقَالَ فِي أُخْرَى: لَا شُفْعَة لَهُ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَهُ الشُّفْعَة
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: لَا شُفْعَة لَهُ

فصل: وَإِذا كَانَ ثمن الشُّفْعَة مُؤَجّلا
فَللشَّفِيع عِنْد مَالك وَأحمد: الْأَخْذ بذلك الثّمن إِلَى ذَاك الْأَجَل
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ فِي الْجَدِيد الرَّاجِح من مذْهبه: للشَّفِيع الْخِيَار بَين أَن يعجل الثّمن وَيَأْخُذ الشّقص الْمَشْفُوع أَو يصبر إِلَى حُلُول الْأَجَل فيزن وَيَأْخُذ بِالشُّفْعَة

فصل: وَالشُّفْعَة مقسومة بَين الشفعاء على قدر حصصهم
فِي المَال الَّذِي استوجبوا من جِهَته الشُّفْعَة
فَيَأْخُذ كل وَاحِد من الشُّرَكَاء من الْمبلغ بِقدر ملكه فِيهِ عِنْد مَالك وَهُوَ الْأَصَح من قولي الشَّافِعِي
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: هِيَ مقسومة على الرؤوس وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَاخْتَارَهُ الْمُزنِيّ
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ
وَالشُّفْعَة تورث عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ وَلَا تبطل بِالْمَوْتِ فَإِذا وَجَبت لَهُ شُفْعَة فَمَاتَ وَلم يعلم بهَا أَو علم وَمَات قبل التَّمَكُّن من الْأَخْذ انْتقل الْحق إِلَى الْوَارِث وَقَالَ أَبُو حنيفَة: تبطل بِالْمَوْتِ وَلَا تورث
وَقَالَ أَحْمد: لَا تورث إِلَّا أَن يكون الْمَيِّت طَالب بهَا

فصل: وَلَو بنى مُشْتَرِي الشّقص أَو غرس ثمَّ طَالب الشَّفِيع
فَلَيْسَ لَهُ عِنْد مَالك

(1/187)


وَالشَّافِعِيّ وَأحمد مُطَالبَة المُشْتَرِي بهدم مَا بنى وَلَا قلع مَا غرس مُضَافا إِلَى الثّمن
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: للشَّفِيع أَن يجْبر المُشْتَرِي على الْقلع وَالْهدم
وَقَالَ فِي عُيُون الْمسَائِل: وَذهب قوم إِلَى أَن للشَّفِيع أَن يُعْطِيهِ ثمن الشّقص وَيتْرك الْبناء وَالْغِرَاس فِي مَوْضِعه

فصل: وكل مَا لَا يَنْقَسِم كالحمام والبئر والرحا وَالطَّرِيق وَالْبَاب لَا شُفْعَة فِيهِ عِنْد الشَّافِعِي

وَاخْتلف قَول مَالك فَقَالَ: فِيهِ الشُّفْعَة
وَقَالَ: لَا شُفْعَة
وَاخْتَارَ القَاضِي عبد الْوَهَّاب الأول
قَالَ: وَهُوَ قَول أبي حنيفَة
وعهدة الشَّفِيع فِي الْمَبِيع: على المُشْتَرِي وعهدة المُشْتَرِي: على البَائِع عِنْد جُمْهُور الْعلمَاء
فَإِذا ظهر الْمَبِيع مُسْتَحقّا أَخذه مُسْتَحقّه من يَد الشَّفِيع وَرجع الشَّفِيع بِالثّمن على المُشْتَرِي ثمَّ يرجع المُشْتَرِي على البَائِع
وَقَالَ ابْن أبي ليلى: عُهْدَة الشَّفِيع على البَائِع بِكُل حَال
وَاخْتلفُوا: هَل يجوز الاحتيال بِإِسْقَاط الشُّفْعَة مثل أَن يَبِيع سلْعَة مَجْهُولَة عِنْد من يرى ذَلِك مسْقطًا للشفعة أَو أَن يقر لَهُ بِبَعْض الْملك ثمَّ يَبِيعهُ الْبَاقِي أَو يَهبهُ لَهُ
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَهُ ذَلِك
وَقَالَ مَالك وَأحمد: لَيْسَ لَهُ ذَلِك
فَإِذا وهبه من غير عوض فَلَا شُفْعَة فِيهِ عِنْد أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ
وَكَذَلِكَ قَول أَحْمد بل لَا بُد أَن يكون قد ملك بعوض
وَاخْتلف قَول مَالك فِي ذَلِك
فَقَالَ: لَا شُفْعَة فِيهِ
وَقَالَ فِيهِ الشُّفْعَة
فَإِذا وَجَبت لَهُ الشُّفْعَة فبذل لَهُ المُشْتَرِي دَرَاهِم على ترك الْأَخْذ بِالشُّفْعَة جَازَ لَهُ أَخذهَا وتملكها عِنْد الثَّلَاثَة
وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يجوز ذَلِك وَلَا يملك الدَّرَاهِم
وَعَلِيهِ ردهَا
وَهل تسْقط شفعته بذلك لأَصْحَابه وَجْهَان

فصل: وَإِذا ابْتَاعَ اثْنَان من الشُّرَكَاء نصيبهما صَفْقَة وَاحِدَة
كَانَ للشَّفِيع عِنْد الشَّافِعِي وَأحمد أَخذ نصيب أَحدهمَا بِالشُّفْعَة كَمَا لَو أَخذ نصيبهما جَمِيعًا
وَقَالَ مَالك: لَيْسَ لَهُ أَخذ حِصَّة أَحدهمَا دون الآخر بل إِمَّا أَن يأخذهما جَمِيعًا أَو يتركهما جَمِيعًا
وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة
وَلَو أقرّ أحد الشَّرِيكَيْنِ: أَنه بَاعَ نصِيبه من رجل وَأنكر الرجل الشِّرَاء وَلَا بَيِّنَة وَطلب الشَّفِيع الشُّفْعَة قَالَ مَالك: لَيْسَ لَهُ ذَلِك إِلَّا بعد ثُبُوت الشِّرَاء
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: تثبت الشُّفْعَة وَهُوَ الْأَصَح من مَذْهَب الشَّافِعِي إِلَّا أَن إِقْرَاره يتَضَمَّن إِثْبَات حق المُشْتَرِي وَحقّ الشَّفِيع
فَلَا يبطل حق الشَّفِيع بإنكار المُشْتَرِي
وَتثبت الشُّفْعَة للذِّمِّيّ كَمَا تثبت للْمُسلمِ عِنْد مَالك وَأبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ أَحْمد: لَا شُفْعَة للذِّمِّيّ
انْتهى
فَائِدَة: حكى ابْن الصّلاح: أَن الْأَصْمَعِي سُئِلَ عَن معنى قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (الْجَار أَحَق

(1/188)


بسقبه) فَقَالَ: أَنا لَا أفسر حَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَكِن الْعَرَب تزْعم أَن السقب: اللزيق

المصطلح: تشْتَمل صوره على أَنْوَاع
مِنْهَا: صُورَة طلب الشُّفْعَة وَالْأَخْذ بهَا: حضر إِلَى شُهُوده فلَان وَفُلَان
وتصادقا على أَن الْحَاضِر الأول حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ وأحضر مَعَه الْحَاضِر الثَّانِي
وَادّعى عَلَيْهِ عِنْد الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ: أَنه ابْتَاعَ من فلَان جَمِيع الْحصَّة الَّتِي مبلغها كَذَا الشائعة فِي جَمِيع الدَّار الْفُلَانِيَّة الْجَارِي نصفهَا الآخر فِي ملك الْمُدَّعِي الْمَذْكُور وتحدد بِثمن مبلغه كَذَا وَأَنه حَال اطِّلَاعه على ذَلِك حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْمشَار إِلَيْهِ قبل أَن يجلس أَو يشْتَغل بشغل مَا وَطلب مِنْهُ الشُّفْعَة فِي الْمَبِيع الْمعِين أَعْلَاهُ
وَقَامَ فِي طلبَهَا على الْفَوْر
وأحضر مَعَه الثّمن
وَسَأَلَ الْحَاكِم سُؤَاله عَن ذَلِك
فَسئلَ فَأجَاب بالتصديق على أَن النّصْف الآخر من الدَّار ملكه وَأَنه ابْتَاعَ مِنْهَا النّصْف الْمُدعى بِهِ بِالثّمن الْمعِين أَعْلَاهُ وَالْتمس يَمِين الْمُدَّعِي الْمَذْكُور أَنه لما بَاعه ذَلِك بَادر على الْفَوْر بِطَلَب الشُّفْعَة من الْمَبِيع الْمَذْكُور
وَلم يتَأَخَّر سَاعَة وَاحِدَة وَلَا اشْتغل بشغل
فَحلف كَمَا أَحْلف بالتماسه لذَلِك
وَأَن الطَّالِب الْمَذْكُور سَأَلَ الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الحكم عَلَيْهِ برد الْمَبِيع بِالثّمن الْمعِين أَعْلَاهُ
فَحكم لَهُ بذلك حكما شَرْعِيًّا
فَحِينَئِذٍ أَخذ الشَّفِيع الْمَذْكُور من المُشْتَرِي الْمَذْكُور النّصْف الْمَبِيع من الدَّار الْمَذْكُورَة أخذا شَرْعِيًّا
وَدفع الثّمن الْمعِين أَعْلَاهُ إِلَيْهِ
فَقَبضهُ مِنْهُ قبضا شَرْعِيًّا
وَسلمهُ الْمَبِيع الْمعِين أَعْلَاهُ
فتسلمه مِنْهُ تسلما شَرْعِيًّا
وبمقتضى ذَلِك صَار جَمِيع الدَّار الْمَذْكُورَة أَعْلَاهُ ملكا من أَمْلَاك الشَّفِيع الْمَذْكُور وَحقا من حُقُوقه بطريقه الشَّرْعِيّ من وَجه حق لَا شُبْهَة فِيهِ
ويكمل على نَحْو مَا سبق
وَصُورَة الْأَخْذ بِالشُّفْعَة فِي ملك الْجَار: أَخذ فلَان من فلَان جَمِيع الدَّار الْفُلَانِيَّة ويحددها الَّتِي ابتاعها من فلَان من قبل تَارِيخه بمبلغ كَذَا وَكَذَا أخذا صَحِيحا شَرْعِيًّا
وَدفع الْآخِذ إِلَيْهِ نَظِير الثّمن الْمعِين أَعْلَاهُ فَقَبضهُ مِنْهُ قبضا شَرْعِيًّا وتصادقا على أَنَّهُمَا ترافعا إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْحَنَفِيّ
وَادّعى الْأَخْذ عَلَيْهِ بِالشُّفْعَة فِي الدَّار الْمَذْكُورَة
وَأقَام عِنْد الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ بَيِّنَة أَنه حَال اطِّلَاعه على البيع طلب الشُّفْعَة على الْفَوْر من

(1/189)


المُشْتَرِي الْمَذْكُور وَهُوَ قَائِم على الْمَبِيع
وأحلفه على ذَلِك الْيَمين الشَّرْعِيَّة
وَحكم لَهُ الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ بذلك حكما شَرْعِيًّا مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ تَصَادقا شَرْعِيًّا
وتسلم الْآخِذ من المُشْتَرِي الْمَشْفُوع الْمعِين أَعْلَاهُ تسلما شَرْعِيًّا
وَصَارَ فِي يَده بِحكم أَخذه لذَلِك بِالسَّبَبِ المشروح أَعْلَاهُ مصيرا تَاما
ويكمل على نَحْو مَا سبق
وَصُورَة طلب الشُّفْعَة من الخليط: حضر إِلَى شُهُوده فِي يَوْم تَارِيخه فلَان
وَأشْهد عَلَيْهِ أَنه لما بلغه أَن شَرِيكه فلَانا بَاعَ من فلَان النّصْف الشَّائِع من جَمِيع الدَّار الْفُلَانِيَّة الَّتِي يملك الْحَاضِر الْمَذْكُور النّصْف الآخر مِنْهَا وتحدد بِثمن مبلغه كَذَا
بَادر على الْفَوْر من غير تَأَخّر وَلَا إهمال وَلَا جُلُوس بعد سَاعَة وَلَا اشْتِغَال بشغل وَطَلَبه الشُّفْعَة فِي الْمَبِيع الْمعِين أَعْلَاهُ
وَأشْهد عَلَيْهِ بِالطَّلَبِ للشفعة فِيهِ بِحَق خلطته إشهادا شَرْعِيًّا
ويكمل
وَصُورَة طلب شُفْعَة الْجوَار: حضر إِلَى شُهُوده فِي يَوْم تَارِيخه فلَان
وَأشْهد عَلَيْهِ أَنه لما بلغه أَن جَاره فلَانا بَاعَ جَمِيع الدَّار الْمُجَاورَة لَهُ من الْجِهَة الْفُلَانِيَّة وتحدد بِمَا مبلغه كَذَا حضر إِلَى البَائِع ووقف على الْمَبِيع
وَطلب الشُّفْعَة فِيهِ وَأَنه مطَالب بِالشُّفْعَة بِحَق الْمُجَاورَة غير تَارِك لَهَا وَلَا نَازل عَنْهَا
وَأشْهد عَلَيْهِ بذلك
ويكمل
وَصُورَة الْأَخْذ بِالشُّفْعَة وَيكْتب بِظَاهِر كتاب البايع: حضر إِلَى شُهُوده فِي يَوْم تَارِيخه فلَان
وأحضر مَعَه فلَانا
وَقَالَ لَهُ بِحَضْرَة شُهُوده: إِنَّه يملك جَمِيع الدَّار الْفُلَانِيَّة ويحددها ملكا صَحِيحا شَرْعِيًّا بتاريخ مُتَقَدم على تَارِيخه
وَأَن الدَّار الْمَذْكُورَة قَابِلَة للْقِسْمَة وَأَنه يسْتَحق أَخذ الْمَبِيع الْمعِين أَعْلَاهُ بشفعة الخليط أَو بِالشُّفْعَة الشَّرْعِيَّة
وَأَنه قَامَ على الْفَوْر وَطلب الشُّفْعَة مِنْهُ حِين سَمَاعه بِالْبيعِ من غير إهمال
وَاجْتمعَ بِهِ وأعلمه أَنه طَالب للشفعة وَأَنه اسْتحق أَخذ الْمَبِيع الْمعِين أَعْلَاهُ وَطلب مِنْهُ تَسْلِيمه إِلَيْهِ
وأحضر لَهُ نَظِير الثّمن الْمعِين بَاطِنه وَطلب يَمِينه أَنه لم يكن الْأَمر جرى بَينهمَا كَذَلِك
فَأَعْرض المُشْتَرِي الْمَذْكُور عَن بذل الْيَمين
واعترف بذلك
وَصدق عَلَيْهِ تَصْدِيقًا شَرْعِيًّا
وَالْتمس من الطَّالِب الْمَذْكُور الْقيام لَهُ بنظير الثّمن الْمعِين بَاطِنه
فَدفعهُ إِلَيْهِ
فَقَبضهُ مِنْهُ قبضا شَرْعِيًّا
وَسلم إِلَيْهِ الْمَبِيع الْمعِين بَاطِنه
فتسلمه مِنْهُ تسلما شَرْعِيًّا
وَصَارَت الدَّار الْمَذْكُورَة جَمِيعهَا ملكا من أَمْلَاك الْآخِذ بِالشُّفْعَة الْمَذْكُورَة وَحقا من حُقُوقه
اسْتَقَرَّتْ بِيَدِهِ وَتَحْت تصرفه مصيرا واستقرارا شرعيين وَأقر كل مِنْهُمَا أَنه بعد ذَلِك لَا يسْتَحق على الآخر حَقًا وَلَا دَعْوَى وَلَا طلبا إِلَى آخِره
ويكمل
وَصُورَة تسلم الْحصَّة للمحجور عَلَيْهِ بشفعة الخليط بِتَصْدِيق المُشْتَرِي
وَيكْتب فِي

(1/190)


ظَاهر كتاب التبايع: حضر إِلَى شُهُوده فلَان الْوَصِيّ الشَّرْعِيّ على الْيَتِيم الصَّغِير فلَان بِمُقْتَضى الْوَصِيَّة الشَّرْعِيَّة المسندة إِلَيْهِ من وَالِد الصَّغِير الْمَذْكُور المحضرة لشهوده
المؤرخ بَاطِنهَا بِكَذَا الثَّابِت مضمونها مَعَ مَا يعْتَبر ثُبُوته شرعا بِمَجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ وأحضر مَعَه فلَانا المُشْتَرِي الْمَذْكُور بَاطِنه
واعترف أَنه تسلم مِنْهُ للْيَتِيم الْمَذْكُور أَعْلَاهُ جَمِيع الْحصَّة الْمَبِيعَة من الدَّار المحدودة الموصوفة بَاطِنه الَّتِي يملك الْيَتِيم الْمَذْكُور مِنْهَا الْبَاقِي ملكا صَحِيحا شَرْعِيًّا بتاريخ مُتَقَدم على تَارِيخ كتاب التبايع المسطر بَاطِنه تسلما شَرْعِيًّا
وَدفع إِلَيْهِ نَظِير الثّمن الْمعِين بَاطِنه من مَال الْيَتِيم الْمَذْكُور
ومبلغه كَذَا وَكَذَا
فَقَبضهُ مِنْهُ قبضا شَرْعِيًّا بعد أَن ترافعا بِسَبَب ذَلِك إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ
وَادّعى الْوَصِيّ الْمَذْكُور لمحجوره الْيَتِيم الْمَذْكُور أَعْلَاهُ على المُشْتَرِي الْمَذْكُور بَاطِنه بشفعة الْخلطَة بِالطَّرِيقِ الشَّرْعِيّ
وَبعد ثُبُوت ملكية الْيَتِيم الْمَذْكُور لِلنِّصْفِ الْبَاقِي من الدَّار الْمَذْكُورَة وَأَن الثّمن المبذول الْمعِين أَعْلَاهُ ثمن الْمثل للحصة الْمعينَة أَعْلَاهُ وَأَن للْيَتِيم الْمَذْكُور حظا ومصلحة فِي ذَلِك الثُّبُوت الشَّرْعِيّ وَالْحكم للْيَتِيم الْمَذْكُور بذلك وَاعْتِبَار مَا يجب اعْتِبَاره شرعا وَصدقه المُشْتَرِي الْمُسَمّى بَاطِنه على ذَلِك كُله تَصْدِيقًا شَرْعِيًّا وَأقر أَنه لَا يسْتَحق مَعَ الْيَتِيم الْمَذْكُور أَعْلَاهُ فِي ذَلِك وَلَا فِي شَيْء مِنْهُ حَقًا وَلَا دَعْوَى وَلَا طلبا بِوَجْه وَلَا سَبَب وَلَا ملكا وَلَا شُبْهَة ملك وَلَا ثمنا وَلَا مثمنا وَلَا مَنْفَعَة وَلَا اسْتِحْقَاق مَنْفَعَة
وَلَا شَيْئا قل وَلَا جلّ لما مضى من الزَّمَان وَإِلَى يَوْم تَارِيخه
ويؤرخ

فصل: فِي الْحِيَل الدافعة للشفعة
مِنْهَا: أَن يَجْعَل الثّمن حَاضرا مَجْهُول الْقدر ويقبضه البَائِع من غير وزن فتندفع الشُّفْعَة وَيكْتب فِي الثّمن بصبرة من الدَّرَاهِم المجهولة الْوَزْن والمقدار المرئية حَالَة العقد أَو بِكَذَا وَكَذَا درهما وبجوهرة فاخرة أَو لؤلؤة نقية مَجْهُولَة الْقيمَة مرئية حَالَة العقد
قَالَ النَّوَوِيّ وَمِنْهَا: أَن يهب لَهُ الشّقص بِلَا ثَوَاب ثمَّ يهب لَهُ صَاحبه قِيمَته
وَمِنْهَا: أَن يَشْتَرِي عشر الدَّار مثلا بِتِسْعَة أعشار الثّمن كَيْلا يرغب الشَّفِيع لِكَثْرَة الثّمن
ثمَّ يَشْتَرِي تِسْعَة أعشارها بِعشر الثّمن فَلَا يتَمَكَّن الْجَار من الشُّفْعَة لِأَن المُشْتَرِي حَالَة الشِّرَاء شريك فِي الدَّار وَالشَّرِيك مقدم على الْجَار أَو بِخَط البَائِع على طرف ملكه خطا مِمَّا يَلِي دَار جَاره وَيبِيع مَا وَرَاء الْخط فتمتنع شُفْعَة الْجَار لِأَن بَين ملكه وَبَين الْمَبِيع فاصلا ثمَّ يَهبهُ الْفَاصِل
وَدفع الشُّفْعَة بالحيلة مَكْرُوه
وَأما الْحِيلَة فِي دفع شُفْعَة الْجوَار: فَلَا كَرَاهَة فِيهَا قطعا
وَالله أعلم

(1/191)