جواهر العقود ومعين القضاة والموقعين والشهود

كتاب اللَّقِيط

وَمَا يتَعَلَّق بِهِ من الْأَحْكَام
(اللَّقِيط والملقوط والمنبوذ) اسْم للطفل الَّذِي يُوجد مطروحا وَهُوَ فعيل بِمَعْنى مفعول كَمَا يُقَال للمقتول: قَتِيل
والتقاط المنبوذ فرض على الْكِفَايَة لقَوْله تَعَالَى: {وتعاونوا على الْبر وَالتَّقوى} فَأمر بالمعاونة على الْبر
وَهَذَا من الْبر
وَقَوله تَعَالَى {وافعلوا الْخَيْر لَعَلَّكُمْ تفلحون} فَأمر بِفعل الْخَيْر
وَهَذَا من فعل الْخَيْر وَقَوله تَعَالَى: {والمؤمنون وَالْمُؤْمِنَات بَعضهم أَوْلِيَاء بعض} وَالْوَلِيّ يلْزمه حفظ الْمولى عَلَيْهِ
وَقَوله تَعَالَى: {وَمن أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا} فَقيل: إِن مَعْنَاهُ أَن لَهُ ثَوَاب من أَحْيَا النَّاس كلهم
وَفِي أَخذ اللَّقِيط إحْيَاء لَهُ
فَكَانَ وَاجِبا كبذل الطَّعَام للْمُضْطَر
فتقرر أَن الْتِقَاط المنبوذ فرض كِفَايَة
وَفرض الْكِفَايَة: إِذا قَامَ بِهِ بعض النَّاس سقط الْفَرْض عَن البَاقِينَ
وَإِن تَرَكُوهُ أَثم جَمِيع من علم بِهِ
وَإِذا وجد لَقِيط مَجْهُول الْحَال حكم بحريَّته
لما روى أَبُو جميلَة رجل من بني سليم قَالَ: (وجدت مَنْبُوذًا على عهد عمر رَضِي الله عَنهُ فَأَخَذته
فَذَكرته لعريفي
فَذكر عريفي لعمر رَضِي الله عَنهُ
فَقَالَ: عَسى الغوير أبؤسا
فَقَالَ عريفي: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنَّه رجل صَالح لَا يتهم فِي ذَلِك
فَقَالَ عمر: هُوَ كَذَلِك فَقَالَ: نعم
فَقَالَ: هُوَ حر وَوَلَاؤُهُ لَك وعلينا نَفَقَته) وَفِي بعض الرِّوَايَات (وَنَفَقَته من بَيت المَال) وَإِنَّمَا أَرَادَ عمر بِهَذَا لَعَلَّ الرجل الَّذِي وجده هُوَ صَاحب المنبوذ
فَقَالَ: (عَسى الغوير أبؤسا) حَتَّى أثنى عَلَيْهِ عريفه خيرا
وَهَذَا مثل لكل شَيْء يخَاف مِنْهُ أَن يَأْتِي بشر
قَالَ الْأَصْمَعِي: (أبؤس) جمع بَأْس
وأصل هَذَا: أَن غارا كَانَ فِيهِ نَاس
فانهار عَلَيْهِم الْغَار
فماتوا
وَقيل: أَتَاهُم فِيهِ عَدو فَقَتلهُمْ
فَصَارَ ذَلِك مثلا لكل أَمر يخَاف مِنْهُ ثمَّ صغر الْغَار
فَقيل: غوير
وَقيل: غير ذَلِك

(1/325)


وَيجب الْإِشْهَاد عَلَيْهِ وعَلى مَا مَعَه وَإِذا لم يقر اللَّقِيط برق وَلَا ادَّعَاهُ أحد فَهُوَ حر على الْمَذْهَب
وَمن ادّعى رق صَغِير لَا يتَيَقَّن حُرِّيَّته سَمِعت دَعْوَاهُ فَإِن لم يكن فِي يَده فَلَا يقبل إِلَّا بِبَيِّنَة

الْخلاف الْمَذْكُور فِي مسَائِل الْبَاب
: وَإِذا وجد لَقِيط فِي دَار الْإِسْلَام
فَهُوَ مُسلم عِنْد الثَّلَاثَة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن وجد فِي كَنِيسَة أَو بيعَة أَو قَرْيَة من قرى أهل الذِّمَّة فَهُوَ ذمِّي
وَاخْتلف أَصْحَاب مَالك فِي إِسْلَام الصَّبِي الْمُمَيز غير الْبَالِغ على ثَلَاثَة أَقْوَال
أَحدهَا: إِن إِسْلَامه يَصح
وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَأحمد
وَالثَّانِي: أَنه لَا يَصح
وَالثَّالِث: أَنه مَوْقُوف
وَعَن الشَّافِعِي الْأَقْوَال الثَّلَاثَة
وَالرَّاجِح من مذْهبه: أَن إِسْلَام الصَّبِي اسْتِقْلَالا لَا يَصح

فصل: وَإِذا وجد لَقِيط فِي دَار الْإِسْلَام
فَهُوَ حر مُسلم
فَإِن امْتنع بعد بُلُوغه من الْإِسْلَام لم يقر على ذَلِك
فَإِن أَبى قتل عِنْد مَالك وَأحمد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يحد وَلَا يقتل
وَقَالَ الشَّافِعِي: يزْجر عَن الْكفْر
فَإِن أَقَامَ عَلَيْهِ أق عَلَيْهِ
وَاتَّفَقُوا على أَن يحكم بِإِسْلَام الطِّفْل بِإِسْلَام أَبِيه
وَكَذَا بِإِسْلَام أمه إِلَّا مَالِكًا
فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يحكم بِإِسْلَامِهِ بِإِسْلَام أَبِيه
وَعنهُ رِوَايَة كمذهب الْجَمَاعَة

المصطلح
: وَهُوَ يشْتَمل على صُورَة وَاحِدَة
وَهِي: مَا إِذا وجد رجل لقيطا وَأشْهد عَلَيْهِ وعَلى مَا مَعَه
أشهد عَلَيْهِ فلَان أَنه فِي الْوَقْت الْفُلَانِيّ اجتاز بِالْمَكَانِ الْفُلَانِيّ بالزقاق الْفُلَانِيّ ويعين الْمَكَان يُوضحهُ جليا يُؤمن مَعَه الِاشْتِبَاه بِغَيْرِهِ من الْأَمْكِنَة فَوجدَ فِيهِ صَبيا ملقي على الأَرْض وَيذكر صفته الَّتِي وجده بهَا ويعينه للشُّهُود وَأَنه لَقِيط لم يكن لَهُ فِيهِ ملك وَلَا شُبْهَة ملك وَلَا حق من الْحُقُوق الموصلة لملكه وَلَا لملك بعضه وَأَنه مُسْتَمر فِي يَده بِحكم الْتِقَاطه إِيَّاه على الحكم المشروح أَعْلَاهُ
عرف الْحق فِي ذَلِك فَأقر بِهِ والصدق فَاتبعهُ لوُجُوبه عَلَيْهِ شرعا وَأشْهد عَلَيْهِ بذلك فِي تَارِيخ كَذَا
فَائِدَة: إِذا أنْفق الْمُلْتَقط على اللَّقِيط من مَال نَفسه فَلَا بُد من إِذن الْحَاكِم
فَإِن

(1/326)


أنْفق عَلَيْهِ بِغَيْر إِذن الْحَاكِم ضمن
فَإِن عجز عَن إِذن الْحَاكِم فَيشْهد فَإِن لم يكن لَهُ مَال فَمن بَيت المَال فَإِن ظهر أَنه رَقِيق رَجَعَ على سَيّده بِالَّذِي أنفقهُ عَلَيْهِ الْمُلْتَقط من مَاله
وَإِن ظهر أَنه حر وَله كسب أَو مَال فالرجوع فِي كَسبه أَو مَاله وَإِلَّا فيمضي الْحَاكِم ذَلِك من سهم الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين والغارمين
وَأرش جِنَايَته فِي بَيت المَال كَمَا أَن إِرْثه لبيت المَال وَالله أعلم

(1/327)