جواهر العقود ومعين القضاة والموقعين والشهود

كتاب قسم الصَّدقَات

وَمَا يتَعَلَّق بهَا من الْأَحْكَام
أجمع الْعلمَاء رَضِي الله عَنْهُم على أَن الزَّكَاة أحد أَرْكَان الْإِسْلَام وَفرض من فروضه
وأصل الزَّكَاة فِي اللُّغَة النَّمَاء وَالزِّيَادَة
وَسميت بذلك لِأَنَّهَا تثمر المَال وتنميه يُقَال زكا الزَّرْع إِذا كثر ريعه وزكت النَّفَقَة إِذا بورك فِيهَا
وَأجْمع الْفُقَهَاء على وجوب الزَّكَاة فِي أَرْبَعَة أَصْنَاف الْمَوَاشِي وجنس الْأَثْمَان وعروض التِّجَارَة والمكيل المدخر من الثِّمَار وَالزَّرْع
فَأَما الْمَوَاشِي فَأَجْمعُوا على وجوب الزَّكَاة فِي الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم
وَهِي بَهِيمَة الْأَنْعَام بِشَرْط أَن تكون سَائِمَة
وَأَجْمعُوا على أَن الزَّكَاة فِي كل جنس من هَذِه الْأَجْنَاس تجب بِكَمَال النّصاب واستقرار الْملك وَكَمَال الْحول وَكَون الْمَالِك حرا مُسلما
وَاخْتلفُوا هَل يشْتَرط الْبلُوغ وَالْعقل فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد لَا يشْتَرط الْبلُوغ وَلَا الْعقل بل الزَّكَاة وَاجِبَة فِي مَال الصَّبِي وَالْمَجْنُون
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يشْتَرط ذَلِك وَلَا يجب عِنْده زَكَاة فِي مَال الصَّبِي وَلَا الْمَجْنُون
وَالَّذِي يتَعَيَّن على الإِمَام نصب كُفْء يقوم باستخراج أَمْوَال الصَّدقَات على اخْتِلَاف أجناسها وصرفها على مستحقيها بِالطَّرِيقِ السائغ الشَّرْعِيّ

(1/393)


الْخلاف الْمَذْكُور فِي مسَائِل الْبَاب
اتَّفقُوا على جَوَاز دفع الصَّدقَات إِلَى جنس وَاحِد من الْأَصْنَاف الثَّمَانِية الْمَذْكُورين فِي الْآيَة الْكَرِيمَة إِلَّا الشَّافِعِي
فَإِنَّهُ قَالَ لَا بُد من اسْتِيعَاب الْأَصْنَاف الثَّمَانِية إِن قسم الإِمَام وَهُنَاكَ عَامل وَإِلَّا فالقسمة على سَبْعَة
فَإِن فقد بعض الْأَصْنَاف قسمت الصَّدقَات على الْمَوْجُودين
وَكَذَا يستوعب الْمَالِك الْأَصْنَاف إِن انحصر المستحقون فِي الْبَلَد ووفى بهم المَال وَإِلَّا فَيجب إِعْطَاء ثَلَاثَة
فَلَو عدم الْأَصْنَاف من الْبَلَد وَجب النَّقْل أَو بَعضهم رد على البَاقِينَ
والأصناف الثَّمَانِية هم الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين والعاملون عَلَيْهَا والمؤلفة قُلُوبهم والرقاب والغارمون وَفِي سَبِيل الله وَابْن السَّبِيل
وَالْفَقِير عِنْد أبي حنيفَة وَمَالك هُوَ الَّذِي لَهُ بعض كِفَايَته ويعوزه بَاقِيه
والمسكين عِنْدهمَا هُوَ الَّذِي لَا شَيْء لَهُ
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد بل الْفَقِير هُوَ الَّذِي لَا شَيْء لَهُ والمسكين هُوَ الَّذِي لَهُ بعض مَا يَكْفِيهِ
وَاخْتلفُوا فِي الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم
فمذهب أبي حنيفَة أَن حكمهم مَنْسُوخ
وَهِي رِوَايَة عَن أَحْمد
وَالْمَشْهُور من مَذْهَب مَالك أَنه لم يبْق للمؤلفة سهم لغناء الْمُسلمين
وَعنهُ رِوَايَة أُخْرَى أَنهم إِن احْتِيجَ إِلَيْهِم فِي بلد أَو ثغر اسْتَأْنف الإِمَام عطاءهم لوُجُود الْعلَّة
وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ أَنهم هَل يُعْطون بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أم لَا وَالأَصَح أَنهم يُعْطون من الزَّكَاة وَأَن حكمهم غير مَنْسُوخ
وَهِي رِوَايَة عَن أَحْمد
وَهل مَا يَأْخُذهُ الْعَامِل على الصَّدقَات من الزَّكَاة أَو من عمله قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ هُوَ من الزَّكَاة
وَعَن أَحْمد يجوز أَن يكون عَامل الصَّدقَات عبدا أَو من ذَوي الْقُرْبَى
وَعنهُ فِي الْكَافِر رِوَايَتَانِ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ لَا يجوز
والرقاب هم المكاتبون ليؤدوا ذَلِك فِي الْكِتَابَة
وَقَالَ مَالك لَا يجوز لِأَن الرّقاب عِنْده العبيد الأرقاء فَعِنْدَ مَالك يشترى من الزَّكَاة رَقَبَة كَامِلَة فتعتق وَهِي رِوَايَة عَن أَحْمد
والغارمون المدينون بالِاتِّفَاقِ
وَفِي سَبِيل الله الْغُزَاة
وَقَالَ أَحْمد فِي أظهر الرِّوَايَتَيْنِ الْحَج من سَبِيل الله
وَابْن السَّبِيل الْمُسَافِر بالِاتِّفَاقِ

(1/394)


وَهل يدْفع إِلَى الْغَارِم مَعَ الْغَنِيّ قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد لَا
وَالْأَظْهَر عِنْد الشَّافِعِي نعم
وَاخْتلفُوا فِي صفة ابْن السَّبِيل بعد الِاتِّفَاق على سَهْمه
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك هُوَ المجتاز دون منشىء السّفر
وَقَالَ الشَّافِعِي هُوَ المجتاز والمنشىء
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ أظهرهمَا المجتاز

فصل وَهل يجوز للرجل أَن يُعْطي زَكَاته
كلهَا مِسْكينا وَاحِدًا قَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد يجوز إِذا لم يُخرجهُ إِلَى الْغَنِيّ
وَقَالَ مَالك يجوز إِخْرَاجه إِلَى الْغَنِيّ إِذا أَمن إعفافه بذلك
وَقَالَ الشَّافِعِي أقل مَا يعْطى من كل صنف ثَلَاثَة
وَاخْتلفُوا فِي نقل الزَّكَاة من بلد إِلَى آخر
فَقَالَ أَبُو حنيفَة يكره إِلَّا أَن ينقلها إِلَى قرَابَة مُحْتَاج أَو قوم هم أمس حَاجَة من أهل بَلَده فَلَا يكره
وَقَالَ مَالك لَا يجوز إِلَّا أَن يَقع بِأَهْل بلد حَاجَة فينقلها الإِمَام إِلَيْهِم على سَبِيل النّظر وَالِاجْتِهَاد
وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ
أصَحهمَا عدم الْجَوَاز فِي النَّقْل
وَالْمَشْهُور عَن أَحْمد أَنه لَا يجوز نقلهَا إِلَى بلد آخر تقصر فِيهِ الصَّلَاة مَعَ عدم وجود الْمُسْتَحقّين فِي الْبَلَد الْمَنْقُول مِنْهُ
وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يجوز دفع الزَّكَاة إِلَى كَافِر
وَأَجَازَهُ الزُّهْرِيّ وَابْن شبْرمَة إِلَى أهل الذِّمَّة
وَالظَّاهِر من مَذْهَب أبي حنيفَة جَوَاز دفع زَكَاة الْفطر وَالْكَفَّارَات إِلَى الذِّمِّيّ
وَاخْتلفُوا فِي صفة الْغَنِيّ الَّذِي لَا يجوز دفع الزَّكَاة إِلَيْهِ
فَقَالَ أَبُو حنيفَة هُوَ الَّذِي يملك نِصَابا من أَي مَال كَانَ
وَالْمَشْهُور من مَذْهَب مَالك جَوَاز الدّفع إِلَى من يملك أَرْبَعِينَ درهما
وَقَالَ القَاضِي عبد الْوَهَّاب لم يحد مَالك لذَلِك حدا
فَإِنَّهُ يُعْطي من لَهُ الْمسكن وَالْخَادِم وَالدَّابَّة الَّتِي لَا غنى لَهُ عَنهُ
وَقَالَ يُعْطي من لَهُ أَرْبَعُونَ درهما
وَقَالَ وللعالم أَن يَأْخُذ من الصَّدقَات وَإِن كَانَ غَنِيا
وَمذهب الشَّافِعِي أَن الِاعْتِبَار بالكفاية فَلهُ أَن يَأْخُذ مَعَ عدمهَا
وَإِن كَانَ لَهُ أَرْبَعُونَ وَأكْثر وَلَيْسَ لَهُ أَن يَأْخُذ مَعَ وجودهَا وَإِن قل مَا مَعَه وَإِن كَانَ مشتغلا بِشَيْء من الْعلم الشَّرْعِيّ وَلَو أقبل على الْكسْب لَا نقطع عَن التَّحْصِيل يحل لَهُ أَخذ الزَّكَاة
وَمن أَصْحَابه من قَالَ إِن كَانَ ذَلِك المشتغل يُرْجَى نفع النَّاس بِهِ جَازَ لَهُ الْأَخْذ وَإِلَّا فَلَا
وَأما من أقبل

(1/395)


على نوافل الْعِبَادَات وَكَانَ الْكسْب يمنعهُ عَنْهَا فَلَا تحل لَهُ الزَّكَاة
فَإِن المجاهدة فِي الْكسْب مَعَ قطع الطمع عَن النَّاس أولى من الإقبال على نوافل الْعِبَادَات مَعَ الطمع بِخِلَاف تَحْصِيل الْعلم فَإِنَّهُ فرض كِفَايَة
والخلق محتاجون إِلَى ذَلِك
وَاخْتلف الرِّوَايَة عَن أَحْمد فروى عَنهُ أَكثر أَصْحَابه أَنه مَتى ملك خمسين درهما أَو قيمتهَا ذَهَبا لم تحل لَهُ الزَّكَاة
وَرُوِيَ عَنهُ أَن الْغَنِيّ الْمَانِع أَن يكون للشَّخْص كِفَايَة على الدَّوَام من تِجَارَة أَو أُجْرَة عقار أَو صناعَة أَو غير ذَلِك
وَاخْتلفُوا فِيمَن يقدر على الْكسْب بِصِحَّتِهِ وقوته هَل يجوز لَهُ الْأَخْذ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك يجوز
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد لَا يجوز
وَمن دفع زَكَاته إِلَى رجل ثمَّ علم أَنه غَنِي أَجزَأَهُ عِنْد أبي حنيفَة وَقَالَ مَالك لَا يُجزئهُ
وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ أصَحهمَا أَنه لَا يُجزئهُ
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَيْنِ كالمذهبين
وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يجوز دفع الزَّكَاة إِلَى الْوَالِدين وَإِن علوا وَلَا إِلَى المولودين وَإِن سفلوا إِلَّا مَالك رَحمَه الله
فَإِنَّهُ أجَاز إِلَى الْجد وَالْجدّة وَبني الْبَنِينَ لسُقُوط نَفَقَتهم عِنْده
وَهل يجوز دَفعهَا إِلَى من يَرِثهُ من أَقَاربه بالأخوة والعمومة قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك الشَّافِعِي يجوز
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ
أظهرهمَا أَنه لَا يجوز
وَاتَّفَقُوا عى أَنه لَا يجوز دَفعهَا إِلَى عَبده
وَأَجَازَ أَبُو حنيفَة دَفعهَا إِلَى عبد غَيره إِذا كَانَ سَيّده فَقِيرا
وَهل يجوز دَفعهَا إِلَى الزَّوْج قَالَ أَبُو حنيفَة لَا يجوز
وَقَالَ الشَّافِعِي يجوز
وَقَالَ مَالك إِن كَانَ يَسْتَعِين بِهِ فِي غير نَفَقَتهَا كأولاده الْفُقَرَاء من غَيرهَا أَو نَحْو ذَلِك جَازَ
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ
أظهرهمَا الْمَنْع
وَاتَّفَقُوا على منع الْإِخْرَاج لبِنَاء مَسْجِد أَو تكفين ميت
وَأَجْمعُوا على تَحْرِيم الصَّدَقَة الْمَفْرُوضَة عَليّ بني هَاشم
وهم خمس بطُون آل عَليّ وَآل عَبَّاس وَآل جَعْفَر وَآل عقيل وَآل الْحَارِث بن عبد الْمطلب
وَاخْتلفُوا فِي بَين الْمطلب
فَحَرمهَا مَالك وَأحمد فِي أظهر رِوَايَته
وجوزها أَبُو حنيفَة
وحرمها أَبُو حنيفَة وَأحمد على موَالِي بني هَاشم
وَهُوَ الْأَصَح من مَذْهَب مَالك وَالشَّافِعِيّ

(1/396)


فَائِدَة قَالَ ابْن الصّلاح بلغنَا عَن أَحْمد بن حَنْبَل رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ أَرْبَعَة أَحَادِيث تَدور عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْأَسْوَاق لَيْسَ لَهَا أصل من بشرني بِخُرُوج آذار بَشرته بِالْجنَّةِ وَمن آذَى ذِمِّيا فَأَنا خَصمه يَوْم الْقِيَامَة وَيَوْم نحركم يَوْم صومكم وللسائل حق وَإِن جَاءَ على فرس
وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا كمل النّصاب من الزروع وَالثِّمَار وَجب فِيهِ الْعشْر إِلَّا أَبَا حنيفَة
فَإِنَّهُ لم يعْتَبر كَمَال النّصاب بل أوجب الْعشْر فِي الْقَلِيل وَالْكثير
واختلوا فِي الْجِنْس الَّذِي يجب فِيهِ الْحق مَا هُوَ وَمَا قدر الْوَاجِب فِيهِ فَقَالَ أَبُو حنيفَة يجب فِي كل مَا أخرجت الأَرْض فِي قَلِيله وَكَثِيره الْعشْر سَوَاء سقِِي سيحا أَو سقته السَّمَاء إِلَّا الْحَطب والحشيش والقصب
وَقَالَ مَالك الشَّافِعِي الْجِنْس الَّذِي يجب فِيهِ الْحق هُوَ مَا ادخر واقتنى
كالحنطة وَالشعِير والأرز وَغَيره
وَقَالَ أَحْمد يجب الْعشْر فِي كل مَا يُكَال ويدخر من الزروع وَالثِّمَار
ففائدة الْخلاف بَين مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد أَن أَحْمد يجب عِنْده الْعشْر فِي السمسم وبذر الْكَتَّان والكمون والكراويا والخردل واللوز والفستق
وَعِنْدَهُمَا لَا يجب فِيهِ
وَفَائِدَة الْخلاف مَعَ أبي حنيفَة أَن عِنْده تجب فِي الخضروات الزَّكَاة
وَعند الشَّافِعِي وَمَالك أَحْمد لَا زَكَاة فِيهَا
وَمِقْدَار الزَّكَاة فِيمَا تجب فِيهِ الزَّكَاة من ذَلِك عِنْد أبي حنيفَة الْعشْر
وَأما الْبَاقُونَ فهم على اخْتلَافهمْ فِيهِ كَمَا ذكرنَا مَعَ كَونه يسْقِي سيحا بِغَيْر مُؤنَة أَو كَانَ سقيه من السَّمَاء
وَإِن كَانَ بالنواضح والكلف فَنصف الْعشْر
وَاخْتلفُوا فِي الزَّيْتُون
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَالشَّافِعِيّ فِي أحد الْقَوْلَيْنِ فِيهِ الزَّكَاة
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي القَوْل الآخر وَأحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ لَا زَكَاة فِيهِ

(1/397)


وَاخْتلفُوا هَل يجْتَمع الْعشْر وَالْخَرَاج
فَقَالَ أَبُو حنيفَة لَيْسَ فِي الخراجي من أَرض الْخراج عشر
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد أَرض الْخراج فِيهَا الْعشْر مَعَ الْخراج
لِأَن الْخراج فِي رقبَتهَا
وَالْعشر فِي غَلَّتهَا
وَاخْتلفُوا فِي زَكَاة الْحلِيّ الْمُبَاح إِذا كَانَ مِمَّا يلبس ويعار
فَقَالَ مَالك وَأحمد لَا تجب فِيهِ الزَّكَاة وَقَالَ أَبُو حنيفَة تجب فِيهِ الزَّكَاة
وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ كالمذهبين
وَاخْتلفُوا فِي الْعَسَل
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِيهِ الْعشْر
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ فِي الْجَدِيد لَا يجب فِيهِ شَيْء
ثمَّ اخْتلف مُوجب الْعشْر فِيهِ وهما أَبُو حنيفَة وَأحمد فَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا كَانَ الْعَسَل فِي أَرض عشرِيَّة فَفِيهِ الْعشْر
وَإِن كَانَ فِي أَرض خَرَاجِيَّة فَلَا عشر فِيهِ
وَقَالَ أَحْمد فِيهِ الْعشْر على الْإِطْلَاق
ثمَّ اخْتلفُوا فِيهِ ايضا هَل يعْتَبر فِيهِ نِصَاب فَقَالَ أَبُو حنيفَة يجب فِي قَلِيله وَكَثِيره الْعشْر
وَقَالَ أَحْمد يعْتَبر فِيهِ النّصاب
ونصاب الْعَسَل عِنْده عشرَة أفراق وَالْفرق سِتَّة وَثَلَاثُونَ رطلا
فَيكون نصابه ثَلَاثمِائَة وَسِتُّونَ رطلا
وَاخْتلفُوا فِيمَن اسْتَأْجر أَرضًا فزرعها
فَقَالَ أَبُو حنيفَة الْعشْر على صَاحب الأَرْض
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد الْعشْر على الْمُسْتَأْجر

المصطلح
وَفِيه صُورَة نصب الإِمَام الْأَعْظَم رجلا لذَلِك نصب مَوْلَانَا الإِمَام الْأَعْظَم الى آخر ألقابه فلَانا الى آخر ألقابه لاستخراج أَمْوَال الصَّدقَات والزكوات من الْمَوَاشِي وعروض التِّجَارَة والمكيل المدخر من الزروع وَالثِّمَار وَأَن يسْتَعْمل على ذَلِك عَاملا ساعيا حرا مُسلما فَقِيها عدلا عَارِفًا خَبِيرا

(1/398)


بِالنّصب ومقاديرها وَمَا تجب فِيهِ الزَّكَاة من سَائِر الْأَجْنَاس عَالما بِالْخِلَافِ الْجَارِي بَين الْعلمَاء رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ من الْوُجُوب فِي شَيْء وَعَدَمه وَوُجُوب الصّرْف وَمن يجوز الصّرْف إِلَيْهِ
وَمن لَا يجوز الصّرْف إِلَيْهِ متحريا اسْتِيفَاء الْحق من وجوهه على نهج الصَّوَاب والصدق بِحَيْثُ لَا يَأْخُذ من أَرْبَاب الْأَمْوَال مَا يزِيد على الْوَاجِب عَلَيْهِم شَيْئا وَإِن قل وَأَن يعلم الشَّهْر الَّذِي يَأْخُذ فِيهِ الزَّكَاة وَأَن يعْتَبر مُضِيّ الْحول واستقرار الْملك على المَال حولا كَامِلا
وَكَذَلِكَ فِي الصّرْف
وَأَن يتَّخذ كَاتبا عَارِفًا بِأَبْوَاب الْكِتَابَة والتصريف حسن الرَّأْي صَحِيح الْحساب وَقَاسما فطنا ناهضا حاشرا يقظا عَارِفًا بأرباب الْأَمْوَال وخطابهم وسائقا يَسُوق مواشي الصَّدَقَة وَأَن يسم الْإِبِل وَالْبَقر فِي أفخاذها وَالْغنم فِي آذانها وَأَن يكون الميسم مكتب الله أَو صَدَقَة أَو زَكَاة
وَأَن يكون الْأَخْذ فِي أول نِصَاب الْإِبِل وَهُوَ خمس شَاة جَذَعَة من الضَّأْن أَو ثنية من الْمعز
وَفِي عشر شَاتَان وَفِي خمس عشرَة ثَلَاث شِيَاه وَفِي عشْرين أَربع شِيَاه أَو بنت مَخَاض وَفِي خمس وَعشْرين بنت مَخَاض وَهِي الَّتِي لَهَا سنة وَدخلت فِي الثَّانِيَة
وَفِي سِتّ وَثَلَاثِينَ بنت لبون
وَفِي سِتّ وَأَرْبَعين حقة وَهِي الَّتِي لَهَا ثَلَاث سِنِين وَدخلت فِي الرَّابِعَة
وَفِي إِحْدَى وَسِتِّينَ جَذَعَة وَهِي الَّتِي لَهَا أَربع سِنِين وَدخلت فِي الْخَامِسَة
وَفِي سِتّ وَسبعين بِنْتا لبون
فِي إِحْدَى وَتِسْعين حقتان
وَفِي مائَة وَإِحْدَى وَعشْرين ثَلَاث بَنَات لبون
فَإِذا ازْدَادَ مَال وَاحِد من أَرْبَاب الْأَمْوَال عَن مائَة وَإِحْدَى وَعشْرين فَيَأْخُذ مِنْهُ عَن كل أَرْبَعِينَ بنت لبون وَعَن كل خمسين حقة
وَمَا كَانَ بَين النصب من وقص عَفا عَنهُ
وَمن وَجب عَلَيْهِ سنّ وَلم يكن عِنْده أَخذ مِنْهُ السَّاعِي سنا أَعلَى مِنْهُ ورد عَلَيْهِ شَاتَان أَو عشْرين درهما أَو أَخذ مِنْهُ سنا أَسْفَل مِنْهُ وَعشْرين درهما
وَإِن اتّفق فرضان فِي نِصَاب كالمائتين أَخذ مِنْهُ السَّاعِي أَربع حقاق أَو خمس بَنَات لبون يتَخَيَّر السَّاعِي الأنفع للْمُسلمين
وَأَن يَأْخُذ السَّاعِي فِي أول نِصَاب الْبَقر وَهُوَ ثَلَاثُونَ تبيعا وعَلى هَذَا أبدا فِي كل ثَلَاثِينَ تبيع وَفِي كل أَرْبَعِينَ مُسِنَّة
وَأَن يَأْخُذ السَّاعِي فِي أول نِصَاب الْغنم وَهُوَ أَرْبَعُونَ شَاة وَفِي مائَة وَإِحْدَى وَعشْرين شَاتَان وَفِي مِائَتَيْنِ وَوَاحِدَة ثَلَاث شِيَاه وعَلى هَذَا أبدا فِي كل مائَة شَاة يَأْخُذ شَاة
والساعي مُخَيّر بَين أَن يَأْخُذ ذُكُورا أَو إِنَاثًا مَعَ علم الإِمَام الْأَعْظَم بِالْخِلَافِ فِي ذَلِك

(1/399)


وَإِن كَانَت الْمَاشِيَة صحاحا أَخذ مِنْهَا صحاحا
وَإِن كَانَت مراضا أَخذ مراضا
وَإِن رَضِي رب المَال بِدفع الصِّحَاح أَخذهَا مِنْهُ
وَكَذَلِكَ إِذا كَانَت صحاحا ومراضا
وَإِن كَانَت الْغنم صغَارًا أَخذ مِنْهَا صغَارًا
وَإِن كَانَت الصغار من الْإِبِل وَالْبَقر أَخذ مِنْهَا كبارًا أقل قيمَة من كَبِيرَة تُؤْخَذ من الْكِبَار
وَأَن يَأْخُذ زَكَاة الجواميس كالبقر سَوَاء وَأَن يَأْخُذ زَكَاة بقر الْوَحْش إِذا اجْتمع مِنْهَا عِنْد إِنْسَان نِصَاب أَو أَكثر فَيَأْخُذ مِنْهُ بِحِسَابِهِ مُوَافقَة للْإِمَام أَحْمد رَحْمَة الله تَعَالَى
وَأَن يَأْخُذ زَكَاة خيل التِّجَارَة وَقيمتهَا عَن كل مِائَتي دِرْهَم خَمْسَة دَرَاهِم
وَأَن يَأْخُذ زَكَاة البغال وَالْحمير إِذا كَانَت للتِّجَارَة مثل زَكَاة الْخَيل
وَأَن يَأْخُذ زَكَاة الْغنم المتولدة بَين الظباء وَالْغنم
وَأَن يَأْخُذ زَكَاة الْبَقر المتولدة بَين الإنسية والوحشية على الْخلاف فِي ذَلِك
وَأَن يَأْخُذ زَكَاة الزَّرْع المقتات الَّذِي ينبته الآدميون كالحنطة وَالشعِير والدخن والذرة والأرز والعلس والعدس والحمص والماش والباقلاء واللوبيا والقرطمان
وَأَن يَأْخُذ زَكَاة الثِّمَار وَهِي الرطب وَالْعِنَب وَالزَّيْتُون والورس والقرطم مِمَّن انْعَقَد فِي ملكه نِصَاب من الْحُبُوب أَو بدا الصّلاح فِي ماملكه فِي النّصاب من الثِّمَار
فالنصاب أَن يبلغ الْجِنْس الْوَاحِد بعد التصفية فِي الْحُبُوب والجفاف فِي الثِّمَار خَمْسَة أوسق وَهُوَ ألف وسِتمِائَة رَطْل بالبغدادي إِلَّا الْأرز والعلس
فَإِن نصابه عشرَة أوسق مَعَ قشره
وَالْوَاجِب فِي ذَلِك كُله الْعشْر
وكل مَا سقته السَّمَاء أَو رُوِيَ بِلَا آلَة أَخذ مِنْهُ الْعشْر وَمَا سقِِي بالنواضح والدوالي أَخذ مِنْهُ نصف الْعشْر
وَمَا شرب نصفه شهرا وَنصفه شهرا أَخذ مِنْهُ ثَلَاثَة أَربَاع الْعشْر وَإِن جهل الْمِقْدَار جعله نِصْفَيْنِ
وَيَأْخُذ فِيمَا زَاد على النّصْف بِحِسَابِهِ
وَأَن يعْتَبر أَحْوَال أَرْبَاب الْأَمْوَال الْبَاطِنَة
فَمن كَانَ مِنْهُم مَعْرُوفا بِإِخْرَاج الزَّكَاة وصرفها على الْفُقَرَاء وكل أَمر نَفسه اليه
وَإِن كَانَ غير مَعْرُوف بِإِخْرَاج الزَّكَاة أَخذ مِنْهُ زَكَاة مَاله على نِصَاب الذَّهَب وَقدره عشرُون مِثْقَالا نصف مِثْقَال وعَلى نِصَاب الْوَرق وَقدره مِائَتَا دِرْهَم خَمْسَة دَرَاهِم وَفِيمَا زَاد من النصابين بِحِسَابِهِ
وَأَن يقوم عرُوض التِّجَارَة الَّتِي حَال عَلَيْهَا الْحول وَيَأْخُذ الزَّكَاة من قيمتهَا من كل مِائَتي دِرْهَم خَمْسَة دَرَاهِم

(1/400)


وَأَن يستوعب اسْتِخْرَاج الزكوات جَمِيعهَا على اخْتِلَاف أجناسها وَمن الْمَعَادِن والركاز
وَأَن يصرف الثّمن من ذَلِك كَامِلا الى الْعمَّال على ذَلِك وهم أحد الْأَصْنَاف الثَّمَانِية
ثمَّ يصرف الْبَاقِي فِي مصارفه من الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين والمؤلفة قُلُوبهم
وهم ضَرْبَان فِي الرّقاب وهم المكاتبون
وعَلى الغارمين والغزاة فِي سَبِيل الله وَابْن السَّبِيل
وَإِن تعذر صنف من هَذِه الْأَصْنَاف فرق نصِيبهم على البَاقِينَ
وَأَن يعْتَبر أَحْوَال الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين وَبَقِيَّة الْأَصْنَاف المصروف اليهم
فَإِن أمكن أَن يعمهم فَلْيفْعَل وَأَن يصرف اليهم على قدر حَاجتهم وَأَن يُسَوِّي بَينهم
وَإِذا عَم فُقَرَاء بلد وكفاهم وَفضل بعد ذَلِك شَيْء نَقله الى فُقَرَاء أقرب الْبِلَاد الى ذَلِك الْبَلَد
وَأَن يعْتَبر أَحْوَال الْمُسْتَحقّين السَّائِلين لِلزَّكَاةِ
فَمن عرف أَنه بِصفة الِاسْتِحْقَاق عمل فِيهِ بِعَمَلِهِ
وَإِذا ادّعى الْفقر والمسكنة لَا يُطَالب بِالْبَيِّنَةِ وَيُعْطِي الْغَازِي وَابْن السَّبِيل بقولهمَا
وَيُطَالب الْغَارِم وَالْمكَاتب بِالْبَيِّنَةِ
وَإِن كَانَ قد استفاض حَالهمَا فيستغني بالاستفاضة عَن الْبَيِّنَة
وَيُعْطى الْفَقِير والمسكين بِقدر كفايتهما سنة كَامِلَة وَالْمكَاتب والغارم قدر دينهما وَابْن السَّبِيل مَا يبلغهُ مقصدة والغازي مايحتاج إِلَيْهِ للنَّفَقَة وَالْكِسْوَة مُدَّة الذّهاب وَالْمقَام فِي مَوضِع الْغَزْوَة وَيَشْتَرِي لَهُ الْفرس وَالسِّلَاح وَيصير ذَلِك ملكا لَهُ وَيَشْتَرِي لِابْنِ السَّبِيل المركوب إِذا كَانَ السّفر طَويلا أوكان ضَعِيفا على الْمَشْي
نَصبه مَوْلَانَا الْمقَام الْأَعْظَم الْمشَار إِلَيْهِ خلد الله سُلْطَان وَنصر جيوشه وَجُنُوده وأعوانه فِي ذَلِك صَار كُله نصبا صَحِيحا شَرْعِيًّا
وفوضه إِلَيْهِ تفويضا مُعْتَبرا مرضيا وَأذن أعز الله نَصره وأنفذ فِي الْخَافِقين نَهْيه وَأمره للْمقر والشريف الْمشَار إِلَيْهِ أَن يحمل الْأَمر فِي اسْتِخْرَاج هَذِه الزكوات الْمشَار إِلَهًا على مَا يختاره من اتِّبَاع مَذْهَب من الْمذَاهب الْأَرْبَعَة وَمَا اخْتلف فِيهِ الْأَئِمَّة رضوَان الله عَلَيْهِم وَمَا اتَّفقُوا عَلَيْهِ وَجعل لَهُ أَن يَسْتَنِيب فِي ذَلِك وَفِيمَا شَاءَ مِنْهُ من شَاءَ من الْعُدُول الثِّقَات الْأَكفاء الْأَحْرَار الْأُمَنَاء إِذْنا شَرْعِيًّا قبله الْمَنْصُوب الْمشَار إِلَيْهِ قبولا شَرْعِيًّا ويكمل بِالْإِشْهَادِ والتاريخ وَالله أعلم 2

(1/401)