جواهر العقود ومعين القضاة والموقعين والشهود

كتاب اللّعان

وَمَا يتَعَلَّق بِهِ من الْأَحْكَام اللّعان مُشْتَقّ من اللَّعْن

واللعن هُوَ الطَّرْد والإبعاد
وَسمي المتلاعنان بذلك لِأَن فِي الْخَامِسَة اللَّعْنَة وَلما يتعقب اللّعان من المأثم والطرد لِأَنَّهُ لَا بُد أَن يكون أَحدهمَا كَاذِبًا
فَيكون ملعونا
وَالْأَصْل فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذين يرْمونَ أَزوَاجهم وَلم يكن لَهُم شُهَدَاء إِلَّا أنفسهم فشهادة أحدهم أَربع شَهَادَات بِاللَّه إِنَّه لمن الصَّادِقين} الْآيَة
ولاعن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين عُوَيْمِر الْعجْلَاني وَبَين امْرَأَته كَمَا روى سهل بن سعد السَّاعِدِيّ قَالَ أَتَى عُوَيْمِر الْعجْلَاني النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالَ يَا رَسُول الله أَرَأَيْت رجلا وجد مَعَ امْرَأَته رجلا أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ أم كَيفَ يفعل فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد أنزل الله فِيك وَفِي صَاحبَتك مَا فِي هِلَال بن أُميَّة وَامْرَأَته يَعْنِي قَوْله {وَالَّذين يرْمونَ أَزوَاجهم وَلم يكن لَهُم شُهَدَاء إِلَّا أنفسهم فشهادة أحدهم أَربع شَهَادَات بِاللَّه إِنَّه لمن الصَّادِقين} لِأَنَّهَا عَامَّة
ولاعن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هِلَال بن أُميَّة كَمَا روى ابْن عَبَّاس أَن هِلَال ابْن أُميَّة قذف زَوجته بِشريك بن سَحْمَاء فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْبَيِّنَة أَو حد فِي ظهرك
فَقَالَ وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ إِنِّي لصَادِق
ولينزلن الله فِي أَمْرِي مَا يبرىء ظَهْري من الْحَد
فَأنْزل الله تَعَالَى {وَالَّذين يرْمونَ أَزوَاجهم} الْآيَة
فَدَعَاهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ أبشر يَا هِلَال وَقد جعل الله لَك فرجا ومخرجا
قَالَ قد كنت أَرْجُو ذَلِك من رَبِّي
فَإِذا رأى الرجل امْرَأَته تَزني أَو أقرَّت عِنْده بِالزِّنَا أَو أخبرهُ بذلك ثِقَة أَو استفاض فِي النَّاس أَن رجلا يَزْنِي بهَا ثمَّ وجده عِنْدهَا وَلم يكن هُنَاكَ نسب يلْحقهُ من

(2/139)


هَذَا الزِّنَا فَلهُ أَن يقذفها بِالزِّنَا
لِأَنَّهُ إِذا رَآهَا فقد تحقق زنَاهَا
وَإِذا أقرَّت عِنْده أَو أخبرهُ ثِقَة أَو استفاض فِي النَّاس وَوجد الرجل عِنْدهَا غلب على ظَنّه زنَاهَا
فَجَاز لَهُ قَذفهَا
وَلَا يجب عَلَيْهِ قَذفهَا لما رُوِيَ أَن رجلا قَالَ يَا رَسُول الله إِن امْرَأَتي لَا ترد يَد لامس تعريضا مِنْهُ بزناها فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طَلقهَا
فَقَالَ إِنِّي أحبها
قَالَ أمْسكهَا
وروى عبد الله بن مَسْعُود أَن رجلا أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالَ يَا رَسُول الله إِن وجد رجل مَعَ امْرَأَته رجلا فَتكلم جلدتموه أَو قتل قَتَلْتُمُوهُ أَو سكت سكت على غيظ
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللَّهُمَّ افْتَحْ
فَنزلت آيَة اللّعان فَظهر أَنه يتَكَلَّم أَو يسكت وَلم يُنكر عَلَيْهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأما إِذا لم يظْهر على الْمَرْأَة بَيِّنَة بِالزِّنَا وَلَا سَبَب حرم عَلَيْهِ قَذفهَا
لقَوْله تَعَالَى {إِن الَّذين جاؤوا بالإفك عصبَة مِنْكُم لَا تحسبوه شرا لكم بل هُوَ خير لكم لكل امْرِئ مِنْهُم مَا اكْتسب من الْإِثْم وَالَّذِي تولى كبره مِنْهُم لَهُ عَذَاب عَظِيم}
وَلما رُوِيَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من قذف مُحصنَة أحبط الله عمله ثَمَانِينَ عَاما
وَإِن أخبرهُ بزناها من لَا يَثِق بقوله حرم عَلَيْهِ قَذفهَا
لِأَنَّهُ لَا يغلب على الظَّن إِلَّا قَول الثِّقَة
وَإِن وجد عِنْدهَا رجلا وَلم يستفض فِي النَّاس أَنه يَزْنِي بهَا حرم عَلَيْهِ قَذفهَا لجَوَاز أَن يكون دخل إِلَيْهَا هَارِبا أَو لطلب الزِّنَا وَلم تجبه فَلَا يجوز قَذفهَا بِأَمْر مُحْتَمل
وَاللّعان يَمِين مُؤَكدَة بِلَفْظ شَهَادَة
وَقيل فِيهَا ثُبُوت شَهَادَة
وَيشْتَرط فِي الْملَاعن أَهْلِيَّة الْيَمين والزوجية
فَلَا يَصح لعان صبي وَمَجْنُون
وَيصِح من ذمِّي ورقيق ومحدود فِي الْقَذْف
فَإِذا نفى الرجل حمل زَوجته وَلم يقر بِهِ ترافعا إِلَى الْحَاكِم ولاعن لإِسْقَاط الْحَد عَن نَفسه وَنفي ذَلِك النّسَب عَنهُ

(2/140)


الْخلاف الْمَذْكُور فِي مسَائِل الْبَاب
أجمع الْأَئِمَّة رَحِمهم الله تَعَالَى على أَن من قذف امْرَأَته أَو رَمَاهَا بِالزِّنَا أَو نفى حملهَا
وأكذبته وَلَا بَيِّنَة لَهُ أَنه يجب عَلَيْهِ الْحَد وَله أَن يُلَاعن وَهُوَ أَن يُكَرر الْيَمين أَربع مَرَّات بِاللَّه إِنَّه لمن الصَّادِقين ثمَّ يَقُول فِي الْخَامِسَة إِن لعنة الله عَلَيْهِ إِن كَانَ من الْكَاذِبين
فَإِذا لَاعن لَزِمَهَا حِينَئِذٍ الْحَد
وَلها درؤه بِاللّعانِ
وَهُوَ أَن تشهد أَربع شَهَادَات بِاللَّه إِنَّه لمن الْكَاذِبين ثمَّ تَقول فِي الْخَامِسَة إِن غضب الله عَلَيْهَا إِن كَانَ من الصَّادِقين
فَإِن نكل الزَّوْج عَن اللّعان لزمَه الْحَد عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ إِلَّا أَن الشَّافِعِي يَقُول إِذا نكل فسق وَمَالك يَقُول لَا يفسق حَتَّى يحد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا حد عَلَيْهِ بل يحبس حَتَّى يُلَاعن أَو يقر
وَإِن نكلت الزَّوْجَة حبست حَتَّى تلاعن أَو تقر عِنْد أبي حنيفَة وَفِي أظهر الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ يجب عَلَيْهَا الْحَد
وَاخْتلفُوا هَل اللّعان بَين كل زَوْجَيْنِ حُرَّيْنِ كَانَا أَو عدين أَو أَحدهمَا عَدْلَيْنِ كَانَا أَو فاسقين أَو أَحدهمَا فَعِنْدَ مَالك إِن كل مُسلم صَحَّ طَلَاقه صَحَّ لِعَانه حرا كَانَ أَو عبدا عدلا كَانَ أَو فَاسِقًا
وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَأحمد غير أَن الْكَافِر يجوز طَلَاقه ولعانه عِنْد الشَّافِعِي وَأحمد
وَالْكَافِر عِنْد مَالك لَا يَقع طَلَاقه
لِأَن أنكحة الْكفَّار عِنْده فَاسِدَة فَلَا يَصح لِعَانه
وَقَالَ أَبُو حنيفَة اللّعان شَهَادَة
فَمَتَى قذف وَلَيْسَ هُوَ من أهل الشَّهَادَة حد
وَهل يَصح اللّعان لنفي الْحمل قبل وَضعه قَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد إِذا نفى حمل امْرَأَته فَلَا لعان بَينهمَا
وَلَا يَنْتَفِي عَنهُ
فَإِن قَذفهَا بِصَرِيح الزِّنَا لَا عَن الْقَذْف وَلم ينف نسبه سَوَاء وَلدته لسِتَّة أشهر أَو لأَقل
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ يُلَاعن لنفي الْحمل إِلَّا أَن مَالِكًا اشْترط أَن يكون استبراؤها بِثَلَاث حيضات أَو بِحَيْضَة على خلاف بَين أَصْحَابه

فصل وَفرْقَة التلاعن
بَين الزَّوْجَيْنِ بالِاتِّفَاقِ
وَاخْتلفُوا بِمَاذَا تقع فَقَالَ مَالك تقع بلعانها خَاصَّة من غير تَفْرِقَة الْحَاكِم وَهِي رِوَايَة عَن أَحْمد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد أظهر روايتيه لَا تقع إِلَّا بلعانهما وَحكم الْحَاكِم
فَيَقُول فرقت بَينهمَا
وَقَالَ الشَّافِعِي تقع بِلعان الزَّوْج خَاصَّة كَمَا يَنْتَفِي النّسَب بلعانه وَإِنَّمَا لعانهما يسْقط الْحَد عَنْهُمَا

(2/141)


وَاخْتلفُوا هَل ترْتَفع الْفرْقَة بتكذيب الزَّوْج نَفسه أم لَا فَقَالَ أَبُو حنيفَة ترْتَفع
فَإِذا كذب نَفسه جلد الْحَد
وَكَانَ لَهُ أَن يَتَزَوَّجهَا
وَهِي رِوَايَة عَن أَحْمد
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي أظهر روايتيه هِيَ فرقة مُؤَبّدَة لَا ترفع بِحَال
وَاخْتلفُوا هَل فرقة اللّعان فسخ أَو طَلَاق فَقَالَ أَبُو حنيفَة طَلَاق بَائِن
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فسخ
وَفَائِدَته أَنه إِذا كَانَ طَلَاقا لم يتأبد التَّحْرِيم
وَإِن أكذب نَفسه جَازَ لَهُ أَن يَتَزَوَّجهَا
وَعند مَالك وَالشَّافِعِيّ هُوَ تَحْرِيم مؤبد كالرضاع فَلَا تحل لَهُ أبدا
وَبِه قَالَ عمر وَعلي وَابْن مَسْعُود وَابْن عمر وَعَطَاء وَالزهْرِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْري
وَقَالَ سعيد بن جُبَير إِنَّمَا يَقع بِاللّعانِ تَحْرِيم الِاسْتِمْتَاع
فَإِذا أكذب نَفسه ارْتَفع التَّحْرِيم وعادت زَوجته إِن كَانَت فِي الْعدة

فصل وَلَو قذف زَوجته
بِرَجُل بِعَيْنِه فَقَالَ زنى بك فلَان فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك تلاعن الزَّوْجَة وَيحد للرجل الَّذِي قذفه إِن طلب الْحَد
وَلَا يسْقط بِاللّعانِ
وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ
أَحدهمَا يحد حدا وَاحِدًا لَهما وَهُوَ الرَّاجِح
وَالثَّانِي يحد لكل وَاحِد مِنْهُمَا حدا
فَإِن ذكر الْمَقْذُوف فِي لِعَانه سقط الْحَد
وَقَالَ أَحْمد عَلَيْهِ حد وَاحِد لَهما وَيسْقط بلعانهما
وَلَو قَالَ لزوجته يَا زَانِيَة وَجب عَلَيْهِ الْحَد إِن لم يُثبتهُ
وَلَيْسَ عِنْد مَالك فِي الْمَشْهُور عَنهُ أَن يُلَاعن حَتَّى يَدعِي رُؤْيَته بِعَيْنِه
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ لَهُ أَن يُلَاعن وَإِن لم يذكر رُؤْيَة

فصل لَو شهد على الْمَرْأَة
أَرْبَعَة مِنْهُم الزَّوْج
فَعِنْدَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد لَا يَصح
وَكلهمْ قذفة
يحدون إِلَّا الزَّوْج فَيسْقط حَده بِاللّعانِ
وَعند أبي حنيفَة تقبل شَهَادَتهم وتحد الزَّوْجَة
وَلَو لاعنت الْمَرْأَة قبل الزَّوْج اعْتد بِهِ عِنْد أبي حنيفَة
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد لَا يعْتد بِهِ

فصل والأخرس
إِذا كَانَ يعقل الْإِشَارَة وَيفهم الْكِتَابَة وَيعلم مَا يَقُوله
فَإِنَّهُ يَصح لِعَانه وقذفه عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد
وَكَذَلِكَ الخرساء
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا

(2/142)


وَإِذا بَانَتْ زَوجته مِنْهُ ثمَّ رَآهَا تَزني فِي الْعدة فَلهُ عِنْد مَالك أَن يُلَاعن
وَكَذَا إِن تبين بهَا حمل بعد طَلَاقه وَلَو قَالَ كنت استبرأتها بِحَيْضَة
وَقَالَ الشَّافِعِي إِن كَانَ هُنَاكَ حمل أَو ولد فَلهُ أَن يُلَاعن وَإِلَّا فَلَا
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد لَيْسَ لَهُ أَن يُلَاعن أصلا
وَلَو تزوج امْرَأَة وَطَلقهَا عقب العقد من غير إِمْكَان وَطْء وَأَتَتْ بِولد لسِتَّة أشهر من العقد لم يلْحق بِهِ عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد كَمَا لَو أَتَت بِهِ لأَقل من سِتَّة أشهر
وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا عقد عَلَيْهَا بِحَضْرَة الْحَاكِم ثمَّ طَلقهَا عقب العقد فَأَتَت بِولد لسِتَّة أشهر لحق بِهِ وَإِن لم يكن هُنَاكَ إِمْكَان وَطْء
وَإِنَّمَا يعْتَبر أَن تَأتي بِهِ لسِتَّة أشهر فَقَط لَا أَكثر مِنْهَا وَلَا أقل
لِأَنَّهَا إِن أَتَت بِهِ لأكْثر من سِتَّة أشهر يكون الْوَلَد حَادِثا بعد الطَّلَاق الثَّلَاث فَلَا يلْحقهُ
وَإِن أَتَت بِهِ لأَقل من سِتَّة أشهر كَانَ الْوَلَد حَادِثا قبل العقد فَلَا يلْحق بِهِ
وَقَالَ أَيْضا لَو تزوج امْرَأَة وَغَابَ عَنْهَا السنين الطوَال فَأَتَاهَا خبر وَفَاته فاعتدت
ثمَّ تزوجت وَأَتَتْ بأولاد من الثَّانِي ثمَّ قدم الأول
فَإِن الْأَوْلَاد يلحقون بِالْأولِ وينتفون من الثَّانِي
وَعند مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد يكونُونَ للثَّانِي
وَقَالَ أَيْضا لَو تزوج وَهُوَ بالمشرق امْرَأَة وَهِي بالمغرب وَأَتَتْ بِولد لسِتَّة أشهر من العقد
كَانَ الْوَلَد مُلْحقًا بِهِ وَإِن كَانَ بَينهمَا مَسَافَة لَا يُمكن أَن يلتقيا أصلا لوُجُود العقد
انْتهى
فَائِدَة قَالَ ابْن عبد السَّلَام فِي الْقَوَاعِد إِذا قَالَ الرجل أَنْت أزنى النَّاس أَو أَنْت أزنى من زيد فَظَاهر هَذَا اللَّفْظ أَن زِنَاهُ أَكثر من زنا سَائِر النَّاس أَو من زنا زيد
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا حد عَلَيْهِ حَتَّى يَقُول أَنْت أزنى زناة النَّاس أَو فلَان زَان وَأَنت أزنى مِنْهُ وَفِي هَذَا بعد من جِهَة أَن الْمجَاز قد غلب على هَذَا اللَّفْظ
فَيُقَال فلَان أَشْجَع النَّاس وأسخى النَّاس وَأعلم النَّاس
وَالنَّاس كلهم يفهمون من هَذَا اللَّفْظ أَنه أَشْجَع شجعان النَّاس وأسخى أسخياء النَّاس
وَالتَّعْبِير الَّذِي وَجب الْحَد لأَجله حَاصِل من هَذَا اللَّفْظ حُصُوله بقوله أَنْت زَان
فرع كل حد أَو تَعْزِير ثَبت بِطَلَب شخص سقط بعفوه بِشَرْط أَهْلِيَّته

المصطلح
وَمَا يشْتَمل عَلَيْهِ من الصُّور
صُورَة مَا إِذا نفى الرجل حمل زَوجته وَكَانَ حملا ظَاهرا وترافعا إِلَى الْحَاكِم
فَإِن كَانَ بَينهمَا كتاب يشْهد بِالزَّوْجِيَّةِ كتب محضرا صورته حضر شُهُود يعْرفُونَ فلَانا

(2/143)


وفلانة معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك أَنَّهُمَا زوجان متناكحان بِنِكَاح صَحِيح شَرْعِي دخل الزَّوْج مِنْهُمَا بِالزَّوْجَةِ وأصابها
يعلمُونَ ذَلِك وَيشْهدُونَ بِهِ مسؤولين بسؤال من جَازَ سُؤَاله شرعا ويؤرخ
وَكتب حسب الْإِذْن الْكَرِيم العالي الحاكمي الْفُلَانِيّ
ثمَّ يثبت هَذَا الْمحْضر عِنْد الْحَاكِم بِشَهَادَة من شهد فِيهِ ثمَّ يكْتب على ظهر كتاب الزَّوْجَة أَو على ظهر هَذَا الْمحْضر حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ هَذَا الْحَاكِم أَو غَيره فلَان وفلانة
واعترفا أَنَّهُمَا زوجان متناكحان بِنِكَاح صَحِيح شَرْعِي إِن كَانَ ذَلِك على ظهر كتاب الزَّوْجَة ثمَّ يَقُول على الحكم المشروح بَاطِنه
وَإِن كَانَ على ظهر الْمحْضر فَيَقُول لما قَامَت الْبَيِّنَة الشَّرْعِيَّة فِي الْمحْضر المسطر بَاطِنه عِنْد سيدنَا الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ بَاطِنه
وَثَبت ذَلِك عِنْده الثُّبُوت الشَّرْعِيّ على الحكم المشروح بَاطِنه
وَإِن كَانَ الثُّبُوت عِنْد غير الْحَاكِم الَّذِي أثبت الْمحْضر فَتَقَع الدَّعْوَى عِنْده
وَلَا بُد من إِيصَال ثُبُوت النِّكَاح بِهِ ادّعى الزَّوْج الْمَذْكُور أَعْلَاهُ أَن زَوجته فُلَانَة الْمَذْكُورَة مَعَه فِيهِ حَامِل وَلَيْسَ هَذَا الْحمل مِنْهُ
وَإِنَّمَا زنت بِهِ وَنفى الْحمل الْمَذْكُور
وَادعت الزَّوْجَة أَن الْحمل مِنْهُ وَلم يصدقها عَلَيْهِ
فخوفهما الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ بِاللَّه تَعَالَى ووعظهما وَزَاد فِي تخويفهما وتحذيرهما
فأصر كل مِنْهُمَا على مَا قَالَه وَلم يرجع واستمرا على ذَلِك
فَاقْتضى الْحَال الحكم بَينهمَا بِمَا تَقْتَضِيه الشَّرِيعَة المطهرة
وبرز أَمر الإِمَام الْأَعْظَم بذلك
فَقضى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ بِاللّعانِ بَين هذَيْن الزَّوْجَيْنِ الْمَذْكُورين
وَأمر بتحليفهما بِالْمَسْجِدِ الْجَامِع بِحُضُور جمَاعَة من الْفُقَهَاء الْعُدُول المتميزين والصلحاء والأخيار وَمن حضر من الْمُسلمين
على نَص كتاب الله الْعَظِيم
فَتقدم الزَّوْج الْمَذْكُور
وَقَامَ قَائِما على قَدَمَيْهِ بالجامع فِي دبر صَلَاة الْعَصْر من يَوْم الْجُمُعَة من شهر كَذَا سنة كَذَا عِنْد الْمِنْبَر واستقبل الْقبْلَة بِحَضْرَة زَوجته وَمن حضر بِالْمَجْلِسِ الْمَذْكُور من الْمُسلمين
وَحلف أَرْبَعَة أَيْمَان بِاللَّه كَمَا أوجب الله أَن يحلف بِهِ فِي الْوَقْت الْمَذْكُور وَهُوَ يُشِير إِلَى زَوجته الْمَذْكُورَة أَنه فِيمَا قَالَه لمن الصَّادِقين
وَقَالَ فِي الْخَامِسَة وَأَن لعنة الله عَلَيْهِ إِن كَانَ من الْكَاذِبين
وَحلفت الزَّوْجَة فِي الْموضع الْمَذْكُور عَقِيبه وَهِي مُسْتَقْبلَة الْقبْلَة أَرْبَعَة أَيْمَان بِاللَّه إِنَّه لمن الْكَاذِبين
وَقَالَت فِي الْخَامِسَة وَأَن غضب الله عَلَيْهَا إِن كَانَ من الصَّادِقين

(2/144)


وَتثبت أَيْمَان كل مِنْهُمَا على مَا نَص فِي كتاب الله الْعَزِيز عِنْد سيدنَا الْمشَار إِلَيْهِ وتشخيصهما عِنْده الثُّبُوت الشَّرْعِيّ
فبحكم ذَلِك وَقَضيته وَقعت الْفرْقَة بَين هذَيْن المتلاعنين بِمُقْتَضى اللّعان الْوَاقِع بَينهمَا على الحكم المشروح أَعْلَاهُ وَحرم عَلَيْهِمَا أَن يتناكحا أبدا
وَأسْقط هَذَا اللّعان نسب حمل الزَّوْجَة الْمَذْكُورَة من فلَان الْمَذْكُور
وَحكم الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أحسن الله إِلَيْهِ بِمُوجب هَذَا اللّعان وَقَضيته وَقضى بذلك وأمضاه
وألزم الْعَمَل بِمُقْتَضَاهُ حكما شَرْعِيًّا تَاما مُعْتَبرا مرضيا مسؤولا فِيهِ مُسْتَوْفيا شَرَائِطه الشَّرْعِيَّة
وإبقاء كل ذِي حجَّة مُعْتَبرَة على حجَّته إِن كَانَت
وَأسْقط الْقَذْف عَن فلَان فِيمَا رمى بِهِ فُلَانَة من لِعَانه وَأسْقط الْحَد عَنْهَا فِيمَا رَمَاهَا بِهِ مَوضِع لعانها
واعترف الْمَحْكُوم عَلَيْهِمَا أَن لَا دَافع لَهما فِيمَا حكم بِهِ عَلَيْهِمَا
وَثَبت ذَلِك عِنْد الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ
وَأشْهد على نَفسه الْكَرِيمَة من حضر مجْلِس حكمه وقضائه وَهُوَ نَافِذ الْقَضَاء وَالْحكم ماضيهما
وَذَلِكَ فِي الْيَوْم الْمُبَارك وَيكْتب القَاضِي التَّارِيخ والحسبلة بِخَطِّهِ
صُورَة الْإِقْرَار بِنَفْي ولد جَارِيَته مملوكته بعد الْوَطْء والاستبراء وَعدم الْوَطْء بعد أشهد عَلَيْهِ فلَان أَو أقرّ فلَان أَنه كَانَ قبل تَارِيخه وطىء مملوكته فُلَانَة وَيذكر جِنْسهَا الْمسلمَة المقرة لَهُ بِالرّقِّ والعبودية ثمَّ استبرأها بعد الْوَطْء اسْتِبْرَاء صَحِيحا شَرْعِيًّا وَأَنه لم يَطَأهَا بعد الِاسْتِبْرَاء وَأَنَّهَا بعد ذَلِك أَتَت بِولد وسمته فلَانا وَأَنه الْآن فِي قيد الْحَيَاة
وَأَن هَذَا الْوَلَد الْمَذْكُور لَيْسَ هُوَ من صلبه وَلَا نسب بَينه وَبَينه
وَأشْهد على نَفسه بذلك بِحُضُور جَارِيَته الْمَذْكُورَة
ويؤرخ
وَصُورَة مَا إِذا أقرّ بِولد رزقه من جَارِيَته سبق فِي كتاب الْإِقْرَار
وَالله أعلم

(2/145)