جواهر العقود ومعين القضاة والموقعين والشهود

كتاب الِاسْتِبْرَاء

وَمَا يتَعَلَّق بِهِ من الْأَحْكَام

وَهُوَ وَاجِب بسببين أَحدهمَا حُصُول الْملك فَمن ملك جَارِيَة بشرَاء اَوْ إِرْث أَو اتهاب أَو سبي لزمَه الِاسْتِبْرَاء وَكَذَا لَو زَالَ الْملك ثمَّ عَاد بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ أَو بالتخالف أَو الْإِقَالَة
وَلَا فرق بَين الْبكر وَالثَّيِّب وَلَا بَين أَن يَسْتَبْرِئهَا البَائِع قبل البيع أَو لَا يَسْتَبْرِئهَا وَلَا بَين أَن يكون الِانْتِقَال من صبي أَو امْرَأَة أَو مِمَّن يتَصَوَّر اشْتِغَال الرَّحِم بمائه
وَلَو كَاتب جَارِيَة ثمَّ عجزت وَجب الِاسْتِبْرَاء وَإِن حرمت بِصَوْم أَو اعْتِكَاف أَو إِحْرَام ثمَّ حلت لم يجب الِاسْتِبْرَاء وَفِي الْإِحْرَام وَجه أَنه يجب وَلَو ارْتَدَّت ثمَّ أسلمت فَوَجْهَانِ أصَحهمَا وجوب الِاسْتِبْرَاء وَلَو اشْترى زَوجته فَالْأَظْهر أَنه لَا يجب الِاسْتِبْرَاء وَلَو اشْترى زَوجته فَالْأَظْهر أَنه لَا يجب الِاسْتِبْرَاء ويدوم فِي الْحَال
وَإِن كَانَت الْجَارِيَة الْمُشْتَرَاة مُزَوّجَة أَو مُعْتَدَّة وَهُوَ عَالم بِحَالِهَا أَو جَاهِل وَاخْتَارَ إِمْضَاء البيع فَلَا اسْتِبْرَاء فِي الْحَال
فَإِذا زَالَ الْمحرم فأظهر الْقَوْلَيْنِ وجوب الإستبراء وَالثَّانِي زَوَال الْفراش عَن الْأمة الْمَوْطُوءَة والمستولدة بِالْإِعْتَاقِ أَو بِمَوْت السَّيِّد يُوجب الإستبراء
وَلَو مَضَت مدى الِاسْتِبْرَاء على الْمُسْتَوْلدَة ثمَّ أعْتقهَا أَو مَاتَ عَنْهَا وَجب الِاسْتِبْرَاء تَزْوِيجهَا وَالأَصَح أَنه إِذا عتق مُسْتَوْلدَة جَازَ لَهُ أَن ينْكِحهَا قبل تَمام الِاسْتِبْرَاء
وَلَو أعتق مستولدته أَو مَاتَ عَنْهَا وَهِي مُزَوّجَة فَلَا اسْتِبْرَاء عَلَيْهَا والاستبراء فِي ذَوَات الْأَقْرَاء بقرء وَاحِد والجديد ان الِاعْتِبَار فِيهِ بِالْحيضِ لَا كالعدة وَلَا يَكْفِي بَقِيَّة الْحيض بل يعْتَبر حَيْضَة وَاحِدَة كَامِلَة

(2/157)


وَذَات الْأَشْهر تستبرأ بِشَهْر وَاحِد أَو بِثَلَاثَة أشهر فِيهِ قَولَانِ أصَحهمَا الأول فَإِذا زَالَ الْفراش عَن أمته أَو مستولدته وَهِي حَامِل فاستبراؤها بِالْوَضْعِ
وَإِن ملك أمة بِالسَّبْيِ وَهِي حَامِل فَكَذَلِك وَإِن ملكهَا بِالشِّرَاءِ فقد تقدم أَنه لَا اسْتِبْرَاء فِي الْحَال بل إِذا كَانَت مُزَوّجَة أَو مُعْتَدَّة وَهُوَ عَالم بِحَالِهَا أَو جَاهِل وَاخْتَارَ إِمْضَاء البيع فَلَا اسْتِبْرَاء فِي الْحَال
فَإِذا زَالَ الْمحرم فأظهر الْقَوْلَيْنِ وجوب الِاسْتِبْرَاء وَإِن اشْترى أمة مَجُوسِيَّة فَحَاضَت ثمَّ أسلمت لم يعْتد بِتِلْكَ الْحَيْضَة بل استبراؤها من حِين إسْلَامهَا
وكما يحرم وَطْء الْأمة الَّتِي ملكهَا قبل الِاسْتِبْرَاء كَذَلِك يحرم سَائِر الاستمناعات إِلَّا فِي المسبية فأظهر الْوَجْهَيْنِ أَنه لَا يحرم
وَإِذا قَالَت الْأمة المتملكة حِضْت اعْتد بقولِهَا وَلَو اعتزلت عَن السَّيِّد فَقَالَ أَخْبَرتنِي بِتمَام الِاسْتِبْرَاء فَهُوَ الْمُصدق
الْخلاف الْمَذْكُور فِي مسَائِل الْبَاب
اتّفق الْأَئِمَّة رَحِمهم الله تَعَالَى على أَن من ملك أمة بِبيع أَو هبة أَو سبي أَو إِرْث لزمَه استبراؤها إِن كَانَت حَائِلا تحيض فبقرء وَإِن كَانَت مِمَّن لَا تحيض لصِغَر أَو كبر فبشهر
وَلَو بَاعَ أمة من امْرَأَة أَو خصي ثمَّ تَقَايلا لم يكن لَهُ وَطْؤُهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئهَا عِنْد الثَّلَاثَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا تَقَايلا قبل الْقَبْض فَلَا اسْتِبْرَاء أَو بعده لزمَه الِاسْتِبْرَاء
وَلَا فرق فِي الِاسْتِبْرَاء بَين الصَّغِيرَة والكبيرة وَالْبكْر وَالثَّيِّب عِنْد أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَقَالَ مَالك إِن كَانَت مِمَّن يُوطأ مثلهَا لم يجز وَطْؤُهَا قبل الِاسْتِبْرَاء وَإِن كَانَت مِمَّن لَا يُوطأ مثلهَا جَازَ وَطْؤُهَا من غير اسْتِبْرَاء وَقَالَ دَاوُد لَا يجب اسْتِبْرَاء الْبكر
وَمن ملك أمة جَازَ لَهُ بيعهَا قبل الِاسْتِبْرَاء وَإِن كَانَ قد وَطئهَا عِنْد أبي حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَقَالَ النَّخعِيّ وَالثَّوْري وَالْحسن وَابْن سِيرِين يجب الِاسْتِبْرَاء على البَائِع كَمَا يجب على المُشْتَرِي وَقَالَ عُثْمَان البتي الِاسْتِبْرَاء يجب على البَائِع دون المُشْتَرِي
فصل

وَلَو كَانَ لرجل أمة فَأَرَادَ أَن يُزَوّجهَا وَقد وَطئهَا لم يجز حَتَّى يَسْتَبْرِئهَا وَكَذَلِكَ إِذا اشْترى أمة قد وَطئهَا البَائِع لم يجز لَهُ أَن يُزَوّجهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئهَا

(2/158)


وَكَذَا إِذا أعْتقهَا قبل أَن يَسْتَبْرِئهَا لم يجز لَهُ تَزْوِيجهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئهَا عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَقَالَ أَبُو حنيفَة يجوز أَن يَتَزَوَّجهَا قبل أَن يَسْتَبْرِئهَا وَيجوز عِنْده أَن يتَزَوَّج أمته الَّتِي اشْتَرَاهَا وأعتقها قبل أَن يَسْتَبْرِئهَا
قَالَ الشَّافِعِي فِي الْحِلْية وَهَذِه مَسْأَلَة القَاضِي أبي يُوسُف مَعَ الرشيد فَإِن اشْترى أمة وتاقت نَفسه إِلَى جِمَاعهَا قبل أَن يَسْتَبْرِئهَا فجوز لَهُ أَبُو يُوسُف أَن يعتقها ويتزوجها ويطأها
وَإِذا عتق أم وَلَده أَو عتقت بِمَوْتِهِ وَجب عَلَيْهَا الِاسْتِبْرَاء عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد بقرء وَهُوَ حَيْضَة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة تَعْتَد بِثَلَاثَة أَقراء وَقَالَ عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ إِذا مَاتَ عَنْهَا الْوَلِيّ اعْتدت بأَرْبعَة أشهر وَعشرَة أَيَّام ويروى ذَلِك عَن أَحْمد ودواد
فَائِدَة إِذا وطىء أمته ثمَّ استبرأها بقرء ثمَّ أَتَت بِولد لتسعة أشهر من حِين الْوَطْء فَإِنَّهُ لَا يلْحقهُ عِنْد الشَّافِعِي
وَهَذَا مُشكل من جِهَة أَن الْأمة فرَاش حَقِيقِيّ وَهَذِه مُدَّة غالبة فَكيف لَا يلْحق الْوَلَد بفراش حَقِيقِيّ مَعَ غَلَبَة الْمدَّة وَيلْحق بِإِمْكَان الْوَطْء من الزَّوْجَة مَعَ قلَّة الْمدَّة وندرة الْولادَة فِي مثلهَا وَقد قَالَه بعض الْأَصْحَاب وَهُوَ مُتَّجه كَذَا ذكره ابْن عبد السَّلَام فِي قَوَاعِده
وَيتَفَرَّع على الْخلاف الْمَذْكُور مسَائِل
الأولى ظهر بالمستبرأة حمل فَقَالَ البَائِع هُوَ مني فَإِن صدقه المُشْتَرِي فَالْبيع بَاطِل وَهِي أم ولد للْبَائِع وَإِن كذبه وَلم يقر البَائِع بِوَطْئِهَا عِنْد البيع وَلَا قبله لم يقبل مِنْهُ كَمَا لَو قَالَ بعد البيع كنت أَعتَقته لَكِن لَهُ تَحْلِيف المُشْتَرِي لِأَنَّهُ لَا يعلم كَونه مِنْهُ وَفِي ثُبُوت نسبه من البَائِع خلاف
الثَّانِيَة لَو أعتق مُسْتَوْلدَة أَو مَاتَ وَهِي فِي نِكَاح أَو عدَّة زوج فَلَا اسْتِبْرَاء على الْمَذْهَب وَمَتى انْقَضتْ عدَّة الزَّوْج عَادَتْ فراشا للسَّيِّد إِن كَانَ حَيا وَلَو أعْتقهَا أَو مَاتَ عقيب انْقِضَائِهَا فَالصَّحِيح وجوب الِاسْتِبْرَاء فَلَو مَاتَ بعد ذَلِك لَزِمَهَا الِاسْتِبْرَاء
الثَّالِثَة مَاتَ سيد الْمُسْتَوْلدَة ثمَّ مَاتَ زَوجهَا فَلَا اسْتِبْرَاء على الْمَذْهَب لَكِن تَعْتَد عدَّة حرَّة بعد موت الزَّوْج وَكَذَا لَو طَلقهَا
وَإِن مَاتَ الزَّوْج أَولا اعْتدت عدَّة أمة ثمَّ إِن مَاتَ السَّيِّد فِيهَا كملت عدَّة أمة فِي

(2/159)


الْأَظْهر وَلَا اسْتِبْرَاء على الْمَذْهَب أَو بعْدهَا لَزِمَهَا الِاسْتِبْرَاء فِي الْأَصَح وَإِن مَاتَا فِي الِاسْتِبْرَاء فَهَل تَعْتَد كحرة أَو أمة وَجْهَان
الرَّابِعَة لَو قَالَت الْمَرْأَة حِضْت صدقت بِلَا يَمِين
وَهل لِلْجَارِيَةِ أَن تمْتَنع من سَيِّدهَا إِذا كَانَ أبرص أَو مجذوما فِيهِ خلاف وَلَو ادَّعَت وطئا واستيلادا فَأنْكر أصل الْوَطْء لم يحلف على الصَّحِيح وقطعا إِن لم يكن ولد وَلَو قَالَ كنت أَطَأ وأعزل لحقه فِي الْأَصَح أَو فِي الدّين فَلَا على الصَّحِيح أَو فِيمَا دون الْفرج فَكَذَا فِي الْأَصَح
المصطلح وَهُوَ يشْتَمل على صور
أَحدهَا أشهد عَلَيْهِ فلَان أَنه اتِّبَاع جَمِيع الْجَارِيَة المدعوة فُلَانَة وَيذكر نوعها وجنسها ابتياعا صَحِيحا شَرْعِيًّا مُشْتَمِلًا على الْإِيجَاب وَالْقَبُول أَو يذكر الْملك وَأَنه استبرأها بعد ذَلِك بِحَيْضَة كَامِلَة يحصل بهَا الِاسْتِبْرَاء الشَّرْعِيّ على الْوَجْه الشَّرْعِيّ وَإِن كَانَ ذَلِك بِوَضْع الْحمل فيذكره أَو بِشَهْر فيذكره ثمَّ يَقُول وَذَلِكَ بحضورها وتصديقها على ذَلِك التَّصْدِيق الشَّرْعِيّ ويؤرخ
الصُّورَة الثَّانِيَة أشهدت عَلَيْهَا فُلَانَة بِإِذن مَوْلَاهَا فلَان أَنَّهَا لما حصلت فِي ملك مَوْلَاهَا فلَان الْمَذْكُور وَيذكر جِهَة الْملك استبرأت بعد ذَلِك بِحَيْضَة كَامِلَة اَوْ بِشَهْر كَامِل أَو بِوَضْع الْحمل اسْتِبْرَاء شَرْعِيًّا على الْوَجْه الشَّرْعِيّ وَأَنَّهَا صَارَت فِي حق مَوْلَاهَا فلَان الْمَذْكُور خَالِيَة من كل الْمَوَانِع الشَّرْعِيَّة وصدقها مَوْلَاهَا على ذَلِك تَصْدِيقًا شَرْعِيًّا ويؤرخ
الصُّورَة الثَّالِثَة صَارَت فُلَانَة بِإِقْرَار مَوْلَاهَا فلَان وإقرارها بِإِذْنِهِ بريئة الرَّحِم بالاستبراء الشَّرْعِيّ بِحكم حُصُولهَا بعد دُخُولهَا فِي ملك مَوْلَاهَا فلَان الْمَذْكُور وَهِي حَيْضَة وَاحِدَة كَامِلَة أَو بِشَهْر كَامِل هلالي أَو بِوَضْع الْحمل وَهُوَ كَذَا وَصَارَت بمقتضي ذَلِك خَالِيَة من الْمَوَانِع الشَّرْعِيَّة فِي حق مَوْلَاهَا الْمَذْكُور وَحل لَهُ وَطْؤُهَا والاستمتاع بهَا وتصادقا على ذَلِك كُله تَصَادقا شَرْعِيًّا وَالله تَعَالَى أعلم

(2/160)