حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء

فصل وَيجوز الِاسْتِنْجَاء بِالْحجرِ وَمَا يقوم مقَامه
وَهُوَ كل جامد طَاهِر منقي لَا حُرْمَة لَهُ لَيْسَ بِجُزْء من حَيَوَان

(1/164)


فَإِن استنجى بِشَيْء نجس لم يَصح وَلَزِمَه أَن يستنجي بعده بِالْمَاءِ وَلَا يُجزئهُ الْحجر وَفِيه وَجه آخر أَنه يُجزئهُ الْحجر بعده
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يَصح الِاسْتِنْجَاء بالجامد النَّجس
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ فِي الْحجر الْمُسْتَعْمل بعد الإنقاء لِاسْتِيفَاء الْعدَد أَنه لَا يجوز الِاسْتِنْجَاء بِهِ كَالْمَاءِ الْمُسْتَعْمل وَلَيْسَ بِشَيْء
وَلَا يَصح الِاسْتِنْجَاء بِالطَّعَامِ وَالْعِظَام وَمَا لَهُ حُرْمَة
وَقَالَ مَالك إِذا كَانَ ظَاهرا جَازَ الِاسْتِنْجَاء بِهِ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يَصح الِاسْتِنْجَاء بالعظم
فَإِن استنجى بِجُزْء من حَيَوَان كذنب حمَار لم يَصح فِي أحد الْوَجْهَيْنِ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله

(1/165)


وَالثَّانِي يَصح وَاخْتَارَهُ فِي الْحَاوِي
وَحكي عَن أبي عَليّ بن خيران أَنه أجَاز أَن يستنجي بكف نَفسه كَمَا يجوز أَن يستنجي بكف غَيره وَإِن استنجى بجلد مذكى غير مَذْبُوح لم يَصح فِي أظهر الْقَوْلَيْنِ
فَإِن جَاوز الْخَارِج الْموضع الْمُعْتَاد إِلَى بَاطِن الألية أَجزَأَهُ فِيهِ إِلَّا المَاء
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ يجوز الْحجر فِي أظهر الْقَوْلَيْنِ
وَالثَّانِي لَا يجزىء فِيهِ إِلَّا المَاء
وَإِن خرج إِلَى ظَاهر الألية لم يُجزئهُ إِلَّا المَاء
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ يجوز أَن يسْتَعْمل فِي ظَاهر الألية المَاء وَفِي الْبَاطِن الْحجر
فَأَما الْبَوْل فقد قَالَ أَبُو إِسْحَاق الْمروزِي إِذا جَاوز الْمخْرج الْمُعْتَاد لم يجز فِيهِ إِلَّا المَاء

(1/166)


وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ هُوَ بِمَنْزِلَة الْغَائِط
فَإِذا لم يُجَاوز الْحَشَفَة كَانَ فِيهِ قَولَانِ
وَإِن كَانَ الْخَارِج نَادرا كَالدَّمِ فَهَل يجزىء فِيهِ الْحجر فِيهِ قَولَانِ
فَإِن انسد الْمخْرج الْمُعْتَاد وَانْفَتح مخرج آخر وَقُلْنَا ينْتَقض الْوضُوء بالخارج مِنْهُ فَهَل يجزىء فِيهِ الْحجر فِيهِ وَجْهَان

(1/167)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب مَا يُوجب الْغسْل
وَالَّذِي يُوجب الْغسْل إيلاج الْحَشَفَة فِي الْفرج وإنزال الْمَنِيّ وَالْحيض وَالنّفاس

(1/168)


فالإيلاج يُوجب الْغسْل وَإِن لم يتَّصل بِهِ إِنْزَال
وَقَالَ دَاوُد لَا يُوجب الْغسْل بِحَال وَرُوِيَ ذَلِك عَن أبي بن كَعْب فِي آخَرين من الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم
وَقيل إِنَّهُم رجعُوا عَن ذَلِك
وَلَا فرق بَين فرج الْآدَمِيَّة والبهيمة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يجب الْغسْل بالإيلاج فِي فرج الْبَهِيمَة وَالْميتَة
إِذا لف على ذكره خرقه وأولجه فِي الْفرج حَتَّى جَاوز حد الْخِتَان وَجب الْغسْل عَلَيْهِمَا فِي أحد الْوَجْهَيْنِ
وَالثَّانِي أَنه لَا غسل فِيهِ
وَكَانَ أَبُو الْفَيَّاض يَقُول إِن كَانَت الْخِرْقَة خَفِيفَة وَجب الْغسْل وَإِن كَانَت صفيقة تمنع وُصُول اللَّذَّة لم يجب وَالْأول أصح

(1/169)


فَإِن كَانَ مَقْطُوع الذّكر من حد الْخِتَان تعلق الْغسْل بالإيلاج جَمِيع مَا بَقِي
وَفِيه وَجه آخر أَنه إِذا غيب من الْبَاقِي الْحَشَفَة وَجب الْغسْل
وإنزال الْمَنِيّ يُوجب الْغسْل بدفق وَغير دفق
وَقَالَ إبو حنيفَة وَمَالك وَأحمد إِذا خرج الْمَنِيّ بِغَيْر دفق وشهوة لم يُوجب الْغسْل وَلَا يجب الْغسْل بالمني من غير خُرُوج من الذّكر
وَقَالَ أَحْمد إِذا انْتقل الْمَنِيّ من الظّهْر إِلَى الاحليل وَجب الْغسْل وَإِن لم يخرج
إِذا استدخلت الْمَرْأَة الْمَنِيّ ثمَّ خرج لم يجب عَلَيْهَا الْغسْل
وَحكي عَن الْحسن الْبَصْرِيّ أَنه قَالَ يجب عَلَيْهَا بِخُرُوجِهِ الْغسْل
والمذي مَاء رَقِيق لزج يخرج بِأَدْنَى شَهْوَة وَلَا يُوجب الْغسْل

(1/170)


وَقَالَ أَحْمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ إِنَّه يجب عَلَيْهِ غسل الذّكر والأنثيين من الْمَذْي
وَقَالَ مَالك يغسل الذّكر مِنْهُ
فَإِن خرج مِنْهُ مَا يشبه الْمَنِيّ وَيُشبه الْمَذْي وَلم يتَمَيَّز لَهُ وَجب مِنْهُ الْوضُوء
وَقيل يُخَيّر بَين أَن يَجعله منيا فيغتسل مِنْهُ وَبَين أَن يَجعله مذيا فيتوضأ مِنْهُ وَيغسل الثَّوْب مِنْهُ
وَقَالَ الشَّيْخ الإِمَام أَبُو إِسْحَاق رَحمَه الله يجب أَن يتَوَضَّأ مُرَتبا وَيغسل سَائِر بدنه وَيغسل الثَّوْب مِنْهُ احْتِيَاطًا وَالْأول أظهر رَجَعَ إِلَيْهِ الْقفال بعد مَا كَانَ يَقُول بِغَيْرِهِ
فَإِن اغْتسل ثمَّ خرج مِنْهُ مني وَجب عَلَيْهِ أَن يغْتَسل ثَانِيًا سَوَاء خرج قبل الْبَوْل أَو بعده
وَقَالَ مَالك وَأحمد وَأَبُو يُوسُف يُجزئهُ الْغسْل الأول بِكُل حَال
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِن خرج مِنْهُ قبل الْبَوْل فَلَا غسل عَلَيْهِ

(1/171)


وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن خرج قبل الْبَوْل فَعَلَيهِ الْغسْل لِأَنَّهُ بَقِيَّة مني خرج مِنْهُ بدفق وشهوة وَإِن خرج بعد الْبَوْل فَلَا غسل
وَعَن مَالك فِي وجوب الْوضُوء من هَذَا المنى رِوَايَتَانِ وَالْحيض وَالنّفاس يوجبان الْغسْل فَإِن ولدت الْمَرْأَة وَلم تَرَ نفاسا فَلَا غسل عَلَيْهَا فِي أصح الْوَجْهَيْنِ
فَإِن أسلم وَلم يكن قد وَجب عَلَيْهِ غسل فِي حَال الشّرك فَلَا غسل عَلَيْهِ وَيسْتَحب أَن يغْتَسل
وَقَالَ مَالك وَأحمد يجب عَلَيْهِ الْغسْل بِالْإِسْلَامِ
وَيحرم عَلَيْهِ بالجنابة وَالْحيض قِرَاءَة الْقُرْآن
وَحكي أَبُو ثَوْر عَن الشَّافِعِي رَحمَه الله أَنه يجوز للحائض أَن تقْرَأ وَهُوَ قَول مَالك فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ
وَقَالَ مَالك أَيْضا يقْرَأ الْجنب آيَات يسيرَة

(1/172)


وَأنكر أَصْحَابنَا مَا ذكر من الرِّوَايَة عَن الشَّافِعِي رَحمَه الله
وَحكي عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه قَالَ يقْرَأ ورده وَهُوَ جنب
وَحكي عَن سعيد بن الْمسيب أَنه سُئِلَ أيقرأ الْجنب قَالَ نعم أَلَيْسَ هُوَ فِي جَوْفه وَهُوَ قَول دَاوُد وَاخْتَارَهُ بن الْمُنْذر
وَقَالَ ابو حنيفَة وَاحْمَدْ يقْرَأ مَا دون الْآيَة
وَعَن الْأَوْزَاعِيّ أَنه قَالَ يقْرَأ آيَة النُّزُول وَالرُّكُوب كَقَوْلِه {وَقل رب أنزلني منزلا مُبَارَكًا وَأَنت خير المنزلين} و {سُبْحَانَ الَّذِي سخر لنا هَذَا}
وَيحرم بالجنابة اللّّبْث فِي الْمَسْجِد وَلَا يحرم العبور وَبِه قَالَ عَطاء
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك لَا يجوز لَهُ العبور
وَقَالَ أَحْمد إِذا تَوَضَّأ يجوز لَهُ اللّّبْث فِيهِ

(1/173)


وَقَالَ دَاوُد يجوز لَهُ اللّّبْث من غير وضوء وَاخْتَارَهُ ابْن الْمُنْذر
وَأما الْحَائِض فَظَاهر كَلَام الشَّافِعِي رَحمَه الله أَنه لَا يجوز لَهَا العبور
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق إِن أمنت تلويث الْمَسْجِد بالاستيثاق فِي الشد جَازَ لَهَا العبور وَكَلَام الشَّافِعِي رَحمَه الله مَحْمُول عَلَيْهِ إِذا لم تأمن تلويث الْمَسْجِد

(1/174)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب صفة الْغسْل
إِذا أَرَادَ الْغسْل من الْجَنَابَة فَإِنَّهُ يُسَمِّي الله عز وَجل وَيَنْوِي الْغسْل من الْجَنَابَة أَو الْغسْل لأمر لَا يستباح إِلَّا بِالْغسْلِ كَقِرَاءَة الْقُرْآن وَيغسل كفيه ثَلَاثًا قبل إدخالهما الْإِنَاء ثمَّ يغسل مَا على فرجه من أَذَى ثمَّ يتَوَضَّأ وضوءه للصَّلَاة ثمَّ يدْخل أَصَابِعه الْعشْر فِي المَاء فيغرف غرفَة يخلل بهَا أصُول شعره من رَأسه ولحيته ثمَّ يحثي على رَأسه ثَلَاث حثيات من مَاء ثمَّ يفِيض المَاء على سَائِر جسده ويمر يَدَيْهِ على مَا يقدر عَلَيْهِ من بدنه ثمَّ يتَحَوَّل من مَكَانَهُ فَيغسل قَدَمَيْهِ
وَالْوَاجِب من ذَلِك النِّيَّة وإيصال المَاء إِلَى جَمِيع الشّعْر والبشرة وَغسل نَجَاسَته إِن كَانَت عَلَيْهِ وَمَا سوى ذَلِك مِنْهُ
وَحكي عَن مَالك أَنه قَالَ إمرار الْيَد إِلَى حَيْثُ تناله من بدنه وَاجِب وَهُوَ اخْتِيَار الْمُزنِيّ

(1/175)


وَحكي عَن دَاوُد أَنه قَالَ يجب عَلَيْهِ الْوضُوء وَالْغسْل جَمِيعًا عَن الْجَنَابَة الْمُجَرَّدَة بِأَن ينظر بِشَهْوَة فَينزل الْمَنِيّ
فَأَما إِذا وجد مِنْهُ جَنَابَة وَحدث فمنصوص الشَّافِعِي رَحمَه الله أَنه يدْخل الْوضُوء فِي الْغسْل فيجزئه الْغسْل لَهما وَهُوَ قَول مَالك
وَفِيه وَجه آخر أَنه يلْزمه أَن يتَوَضَّأ ويغتسل
وَفِيه وَجه ثَالِث أَنه يقْتَصر على الْغسْل غير أَنه يلْزمه أَن يَنْوِي الْحَدث والجنابة
فَإِن غسل أَعْضَاء وضوئِهِ من الْجَنَابَة ثمَّ أحدث لزمَه الْوضُوء مُرَتبا
وَذكر فِي الْحَاوِي وَجها آخر أَنه مُخَيّر بَين أَن يتَوَضَّأ وَبَين أَن يغْتَسل فِي جَمِيع بدنه غسلا وَاحِدًا فيجزئه عَن الْجَنَابَة وَالْحَدَث وَهل يلْزمه أَن يرتب أَعْضَاء وضوئِهِ فِيهِ وَجْهَان
فَإِن اجْتمع على الْمَرْأَة جَنَابَة وحيض كفاها لَهما غسل وَاحِد
وَحكي عَن دَاوُد أَنَّهَا تحْتَاج إِلَى غسلين
وَغسل الْمَرْأَة كَغسْل الرجل إِلَّا أَن الْغَالِب كَثْرَة شعرهَا فتحتاج أَن تغمره بِالْمَاءِ فَإِن كَانَ يصل إِلَى جَمِيعه من غير نقض لم يلْزمه نقضه

(1/176)


وَقَالَ النَّخعِيّ يلْزمهَا نقضه بِكُل حَال
وَحكي عَن أَحْمد أَنه قَالَ الْحَائِض تنقض شعرهَا وَفِي الْجَنَابَة لَا تنقضه
وَبِأَيِّ مَوضِع بدا من بدنه فِي غسله جَازَ
وَحكي عَن إِسْحَاق ابْن رَاهَوَيْه أَنه قَالَ يبْدَأ بأعالي بدنه
وَإِن اغْتسل الْجنب وعَلى مَوضِع من بدنه نَجَاسَة فاستهلكها المَاء فِي غسله هَل يرْتَفع حَدثهُ بِتِلْكَ الغسلة عَن ذَلِك الْمحل فِيهِ وَجْهَان
فَإِن انغمس فِي مَاء يبلغ قُلَّتَيْنِ يَنْوِي بِهِ غسل الْجَنَابَة لم يصر مُسْتَعْملا

(1/177)


وَإِن كَانَ أقل من قُلَّتَيْنِ صَار مُسْتَعْملا وَصَحَّ غسله فِي أحد الْوَجْهَيْنِ
فَإِن اغترف المَاء بِيَدِهِ من الْإِنَاء ليغسلها لم يصر مُسْتَعْملا فِي أصح الْوَجْهَيْنِ
وَقيل يصير مُسْتَعْملا
فَإِن غمس يَده أَو غَيرهَا من الْأَعْضَاء فِي الْإِنَاء قبل غسلهَا لم ينجس المَاء
وَقَالَ أَبُو يُوسُف إِذا أَدخل يَده لم ينجس المَاء وَإِن أَدخل غَيرهَا من الْأَعْضَاء ينجس وَيجوز للرجل أَن يتَوَضَّأ بِفضل الْمَرْأَة فِي الْإِنَاء
وَحكي عَن أَحْمد أَنه قَالَ لَا يجوز للرجل أَن يتَوَضَّأ بِفضل الْمَرْأَة إِذا خلت بِهِ

(1/178)


وَفِي رِوَايَة أُخْرَى أَنه يكره
وَيسْتَحب أَن لَا ينقص فِي وضوئِهِ عَن مد وَفِي غسله من صَاع فَإِن كَفاهُ أقل من ذَلِك أَجزَأَهُ
وَحكي عَن مُحَمَّد بن الْحسن أَنه قَالَ لَا يُمكن المغتسل ان يعمم جَمِيع بدنه بِأَقَلّ من صَاع وَلَا المتوضىء أَن يسبغ بِأَقَلّ من مد وَهَذَا فَاسد

(1/179)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب التَّيَمُّم
يجوز التَّيَمُّم عَن الْحَدث الْأَصْغَر والأكبر
وَرُوِيَ عَن عمر وَعبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنْهُمَا أَنَّهُمَا قَالَا لَا يجوز للْجنب ان يتَيَمَّم

(1/180)


وَقيل إنَّهُمَا رجعا عَن ذَلِك
وَحكي عَن النَّخعِيّ أَن الْجنب يُؤَخر الصَّلَاة حَتَّى يجد المَاء رَوَاهُ ابْن الْمُنْذر
وَلَا يجوز التَّيَمُّم عَن النَّجَاسَة
وَقَالَ أَحْمد يجوز
وَالتَّيَمُّم مسح الْوَجْه وَالْيَدَيْنِ مَعَ الْمرْفقين بِالتُّرَابِ بضربتين أَو أَكثر وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمَالك
وَحكي عَن الشَّافِعِي رَحمَه الله أَنه قَالَ فِي الْقَدِيم إِن التَّيَمُّم فِي الْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ وَلَيْسَ بِمَشْهُور عَنهُ وَهُوَ قَول أَحْمد وَدَاوُد وَهُوَ رِوَايَة

(1/181)


عَن مَالك
وَعِنْدهم يقْتَصر فيهمَا على ضَرْبَة وَاحِدَة
وَعِنْدنَا يحْتَاج إِلَى ضربتين
وَقَالَ الزُّهْرِيّ يمسح الْيَد إِلَى الْإِبِط
وَحكي عَن ابْن سِيرِين انه قَالَ لَا يُجزئهُ أقل من ثَلَاث ضربات ضَرْبَة للْوَجْه وضربة للكفين وضربة للذراعين
وَلَا يَصح التَّيَمُّم إِلَّا بِتُرَاب طَاهِر لَهُ غُبَار يعلق بِالْيَدِ وَبِه قَالَ أَحْمد وَدَاوُد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك يجوز التَّيَمُّم بِكُل مَا كَانَ من جنس

(1/182)


الأَرْض وَلَا يعْتَبر أَن يعلق بِالْيَدِ غُبَار حَتَّى قَالَ مَالك يَصح التَّيَمُّم بالثلج
وَحكي عَنهُ أَنه قَالَ يَصح التَّيَمُّم بِكُل مَا كَانَ مُتَّصِلا بِالْأَرْضِ من النَّبَات
وَقَالَ أَبُو يُوسُف يجوز التَّيَمُّم بِالتُّرَابِ والرمل وَهُوَ قَول الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي الْقَدِيم
وَحكي عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه قَالَ لَا يجوز التَّيَمُّم إِلَّا بِتُرَاب عذب تُرَاب الْحَرْث وَبِه قَالَ إِسْحَاق فَإِن ضرب يَده على ثِيَابه فعلق بهَا غُبَار فَتَيَمم بِهِ صَحَّ تيَمّمه
وَقَالَ ابو مُوسَى لَا يَصح وَحكي أَيْضا عَن مَالك
وَحكي عَن دَاوُد أَن التُّرَاب إِن كَانَ قد تغير بِالنَّجَاسَةِ لم يجز التَّيَمُّم بِهِ وَإِن لم يتَغَيَّر جَازَ
وَلَا يجوز التَّيَمُّم بِتُرَاب خالطه دَقِيق أَو جص وَحكي فِيهِ وَجه آخر أَنه يجوز إِذا كَانَ التُّرَاب غَالِبا
وَلَا يَصح التَّيَمُّم بِتُرَاب مُسْتَعْمل فِي التَّيَمُّم

(1/183)


وَقَالَ أَصْحَاب أبي حنيفَة يجوز وَهُوَ وَجه لبَعض أَصْحَابنَا
وَمَا تناثر من الْعُضْو مُسْتَعْمل
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ الْمُسْتَعْمل مَا بَقِي على الْعُضْو دون مَا تناثر عَنهُ
فَإِن أحرق الطين الْخُرَاسَانِي فَتَيَمم بمدقوقه صَحَّ فِي أحد الْوَجْهَيْنِ
فصل وَلَا يَصح التَّيَمُّم إِلَّا بِالنِّيَّةِ
فينوي اسْتِبَاحَة الصَّلَاة فَإِن نوى بِهِ رفع الْحَدث لم يَصح تيَمّمه فِي أصح الْوَجْهَيْنِ
وَحكي عَن بعض أَصْحَاب أبي حنيفَة أَن التَّيَمُّم يرفع الْحَدث
وَلَا بُد فِي اسْتِبَاحَة الْفَرِيضَة من نِيَّة التَّيَمُّم للْفَرض وَهُوَ قَول مَالك وَأحمد وَهل يفْتَقر إِلَى تعْيين الْفَرْض من ظهر أَو عصر فِيهِ وَجْهَان

(1/184)


وَحكي فِيهِ قَول آخر أَنه يستبيح االفريضة بنية التَّيَمُّم للصَّلَاة الْمُطلقَة والنافلة حَكَاهُ الشَّيْخ الإِمَام أَبُو إِسْحَاق عَن ابي حَاتِم الْقزْوِينِي عَن أبي يَعْقُوب الأبيوردي عَن الْإِمْلَاء
فَإِن تيَمّم للفريضة يعْتَقد انه مُحدث فَذكر أَنه كَانَ جنبا صَحَّ تيَمّمه
وَقَالَ مَالك لَا يَصح تيَمّمه وَبِه قَالَ أَحْمد
وَحكى ابْن الْقصار عَن مَالك أَنه يَصح تيَمّمه وَمَوْضِع الْخلاف أَن يكون ذَاكِرًا للجنابة وَالْحَدَث فينوي اسْتِبَاحَة الصَّلَاة من الْحَدث وَفِي ذَلِك عَن مَالك رِوَايَتَانِ وَإِن تيَمّم للْفَرض استباح بِهِ النَّفْل قبل الْفَرْض وَبعده وَفِيه قَول آخر أَنه لَا يجوز أَن يُصَلِّي بِهِ النَّفْل قبل الْفَرْض وَيجوز بعده وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد
وَإِن تيَمّم للنفل جَازَ أَن يُصَلِّي بِهِ على الْجِنَازَة نَص عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيّ

(1/185)


وَفِيه وَجه آخر أَنه لَا يجوز مخرج من الْجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ على جنازتين بِتَيَمُّم وَاحِد وَإِن نوى التَّيَمُّم لمس الْمُصحف أَو لقِرَاءَة الْقُرْآن أَو للْوَطْء استباح مَا نَوَاه وَهل يستبيح بِهِ النَّفْل فِيهِ وَجْهَان
فَإِن شكّ هَل عَلَيْهِ فَائِتَة أم لَا فَتَيَمم يَنْوِي الْفَائِتَة ثمَّ تذكر أَنَّهَا عَلَيْهِ فقد قيل إِنَّه لَا يجوز أَن يُصليهَا بِهِ وَفِي هَذَا عِنْدِي نظر
فَإِن تيَمّم لفوائت جَازَ لَهُ أَن يُصَلِّي وَاحِدَة مِنْهَا فِي أصح الْوَجْهَيْنِ
فَإِذا أَرَادَ التَّيَمُّم سمى الله عز وَجل وَنوى وَضرب يَدَيْهِ على التُّرَاب فَإِن كَانَ التُّرَاب نَاعِمًا كَفاهُ وضع الْيَد وَمسح من وَجهه الْبشرَة الظَّاهِرَة وَظَاهر الشّعْر على الصَّحِيح من الْمَذْهَب
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ يجب إِيصَال التُّرَاب إِلَى بَاطِن الشُّعُور الْأَرْبَعَة كَمَا يجب فِي الْوضُوء ثمَّ يضْرب ضَرْبَة أُخْرَى فيمسح يَدَيْهِ

(1/186)


فَيَضَع بطُون اصابع يَده الْيُسْرَى على ظُهُور أَصَابِع يَده الْيُمْنَى ويمرها على ظهر الْكَفّ فَإِذا بلغ الْكُوع جعل أَطْرَاف أَصَابِعه على حرف الذِّرَاع ثمَّ يمرها إِلَى الْمرْفق ثمَّ يُدِير بطن كَفه إِلَى بَاطِن الذِّرَاع ويمره عَلَيْهِ وَيرْفَع إبهامه فَإِذا بلغ الْكُوع أَمر بَاطِن إِبْهَام يَده الْيُسْرَى على ظَاهر إِبْهَام يَده الْيُمْنَى ثمَّ يمسح بكفه الْيُمْنَى يَده الْيُسْرَى كَذَلِك ثمَّ يمسح إِحْدَى الراحتين بِالْأُخْرَى
وَحكى الْحسن بن زِيَاد عَن ابي حنيفَة أَنه إِذا مسح أَكثر وَجهه وَأكْثر يَدَيْهِ أَجزَأَهُ فَإِن أَمر غَيره حَتَّى يممه وَنوى هُوَ أَجزَأَهُ
وَقَالَ ابْن الْقَاص فِي التَّلْخِيص لَا يُجزئهُ قلته تخريجا

(1/187)


وَإِن سفت الرّيح على وَجهه تُرَابا عَمه فَأمر يَده على وَجهه لم يجزه وَبِه قَالَ ابْن الْقَاص وَأَبُو على الطَّبَرِيّ
وَقَالَ القَاضِي أَبُو حَامِد هَذَا إِذا لم يصمد للريح فَأَما إِذا صَمد للريح وَنوى أَجزَأَهُ
والتكرار فِي التَّيَمُّم غير مُسْتَحبّ فَأَما إِذا أَرَادَ تَجْدِيد التَّيَمُّم لنافلة بعد الْفَرِيضَة ذكر الْقفال أَن ذَلِك لَا يتَصَوَّر بِحكم الْعَدَم وَيتَصَوَّر فِي الجريح فَيُسْتَحَب التَّجْدِيد فِي المغسول وَهل يسْتَحبّ فِي التَّيَمُّم

(1/188)


للنافلة فِيهِ وَجْهَان وَيَنْبَغِي أَن يسْتَحبّ التَّجْدِيد بِحكم الْعَدَم للنافلة والنافلة ايضا

فصل وَلَا يَصح التَّيَمُّم للمكتوبة قبل دُخُول وَقتهَا
وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وَدَاوُد وَقَالَ أَبُو حنيفَة يجوز ذَلِك
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ إِذا لم ينْعَقد تيَمّمه للْفَرض قبل دُخُول الْوَقْت فَهَل ينْعَقد للنفل فِيهِ وَجْهَان بِنَاء على من أحرم بِالظّهْرِ قبل الزَّوَال لم ينْعَقد الْفَرْض وَهل تَنْعَقِد نَافِلَة فِيهِ قَولَانِ وَهَذَا خلاف نَص الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي الْبُوَيْطِيّ
فَإِن تيَمّم للصَّلَاة على الْمَيِّت قبل غسله فَهَل يَصح تيَمّمه فِيهِ وَجْهَان

(1/189)


أصَحهمَا أَنه لَا يَصح
وَلَا يجوز التَّيَمُّم إِلَّا للعادم للْمَاء أَو الْخَائِف من اسْتِعْمَاله
وَقَالَ ابو حنيفَة يجوز التَّيَمُّم مَعَ وجود المَاء لصَلَاة الْجِنَازَة والعيد عِنْد خوف فوتهما فَإِن تيَمّم فِي أول الْوَقْت فَهَل يجوز لَهُ تَأْخِير الصَّلَاة إِلَى آخر الْوَقْت ليصليها بِهِ فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا لَا يجوز وَهُوَ قَول أبي الْعَبَّاس وَأبي سعيد
فَإِن تيَمّم قبل دُخُول الْوَقْت لفائتة فَلم يصلها حَتَّى دخل وَقت الْحَاضِرَة فَهَل يجوز لَهُ فعل الْحَاضِرَة أم لَا
قَالَ ابْن الْحداد يجوز
وَقَالَ غَيره لَا يجوز
وَيجوز أَن يتَيَمَّم فِي أول الْوَقْت
وَحكي عَن الزُّهْرِيّ أَنه قَالَ لَا يجوز أَن يتَيَمَّم حَتَّى يخَاف فَوت الْوَقْت
قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله وَإِذا تيَمّم لنافلة فِي الْوَقْت الَّذِي نهي عَن الصَّلَاة فِيهِ لم يجزه ذَلِك يُرِيد بِهِ أَنه لَا يُصَلِّي بِهِ نَافِلَة بعد خُرُوج الْوَقْت فَجعله كالتيمم للْفَرض قبل دُخُول وقته
وَمن أَصْحَابنَا من بنى صِحَة تيَمّمه فِيهِ على انْعِقَاد نفله وَهَذَا خلاف النَّص

(1/190)


وَلَا يجوز للعادم للْمَاء التَّيَمُّم إِلَّا بعد طلبه فِي مَوَاضِع الطّلب فِي الْعَادة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا كَانَ مُسَافِرًا وَلم يعلم بِقُرْبِهِ مَاء جَازَ لَهُ التَّيَمُّم إِلَّا أَن يطلع عَلَيْهِ ركب فَإِن بيع مِنْهُ المَاء بِثمن مثله وَهُوَ وَاجِد للثّمن غير مُحْتَاج إِلَيْهِ لزمَه ابتياعه
قَالَ أَبُو إِسْحَاق يعْتَبر ثمن مثله فِي مَوْضِعه فِي الْعرف الْجَارِي فِي عَامَّة الْأَحْوَال
قَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله يحْتَمل عِنْدِي أَنه إِذا كَانَ مَا طلب مِنْهُ فِي ثمنه هُوَ ثمن مثله فِي ذَلِك الْوَقْت مَعَ ذَلِك الْعَارِض لزمَه الابتياع بِهِ وَلَا يجوز لَهُ التَّيَمُّم وَهَذَا صَحِيح يَقْتَضِيهِ الْمَعْقُول وَالْأُصُول
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ لَيْسَ للْمَاء ثمن وثمنه أُجْرَة نَقله إِلَى ذَلِك الْموضع وَلَيْسَ بِشَيْء
وَذكر أَيْضا أَنه إِذا طلب مِنْهُ زِيَادَة على ثمن الْمثل يعْتَبر أَن يزِيد على

(1/191)


مَا يعد غلا فِي الْعَادة فَأَما إِذا كَانَ يَسِيرا بِحَيْثُ لَو اشْترى بِهِ وَكيله سامحه وَرَضي بِهِ لزمَه وَإِن كَانَ لَا يرضى بِهِ لم يلْزمه وَهَذَا لَا يَجِيء على مَذْهَب الشَّافِعِي رَحمَه الله وَإِنَّمَا هُوَ ميل إِلَى قَول مَالك فَإِنَّهُ قَالَ إِذا طلب مِنْهُ زِيَادَة لَا يجحف لزمَه أَن يَشْتَرِي وَإِن بذل لَهُ المَاء بِثمن مثله فِي ذمَّته وَهُوَ غير وَاجِد للثّمن فِي مَوْضِعه وَوجد فِي مَوضِع آخر
ذكر الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله أَنه يلْزمه
وَذكر أقضى الْقُضَاة الْمَاوَرْدِيّ أَنه لَا يلْزمه
قَالَ الشَّيْخ الإِمَام أيده الله وَهَذَا عِنْدِي أصح
فَإِن كَانَ عِنْده بِئْر وَلَيْسَ مَعَه حَبل وَلَا دلو ووجدهما على غَيره بِثمن الْمثل أَو أُجْرَة الْمثل لزمَه الطَّهَارَة

(1/192)


وَإِن أعبير مِنْهُ دلو أَو حَبل وَكَانَ ثمنه بِقدر ثمن المَاء لزمَه قبُول الْعَارِية وَإِن كَانَ ثمنه أَكثر فَهَل يلْزمه قبُول الْعَارِية فِيهِ وَجْهَان
أصَحهمَا عِنْدِي وجوب الْقبُول
وَإِن لم يُمكنهُ استقاء المَاء إِلَّا أَن يُدْلِي ثوبا تنقص قِيمَته إِذا ابتل فَإِن كَانَ نقصانه لَا يزِيد على ثمن المَاء لزمَه أَن يَسْتَقِي بِهِ وَإِن زَاد لم يلْزمه
وَإِن كَانَ مَعَه ثوب إِذا شقَّه نِصْفَيْنِ وصل إِلَى المَاء وَلكنه ينقص قِيمَته بالشق
فقد ذكر القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله إِنَّه إِذا كَانَ النُّقْصَان لَا يزِيد على أُجْرَة الرشا لزمَه فعل ذَلِك وَإِن كَانَ يزِيد لم يلْزمه فَاعْتبر الْأُجْرَة وَفِيمَا ذكرته قبله عَن أَصْحَابنَا اعْتِبَار الثّمن
وَقد ذكرُوا أَيْضا أَن الرشا إِذا بذل لَهُ بِثمن مثله لزمَه قبُوله وَرُبمَا كَانَ بَينهمَا تفَاوت
قَالَ الشَّيْخ الإِمَام أيده الله وَالصَّوَاب أَن يُقَال ينظر إِلَى أَكثر ذَلِك إِذا لم ينْفق فَإِذا كَانَ النَّقْص لَا يزِيد على أَكثر وَاحِد مِنْهُمَا وَإِن زَاد على الأجرتين لزمَه احْتِمَاله فَإِن كَانَ مَعَه مَاء طَاهِر وَمَاء نجس وَخَافَ الْعَطش
قَالَ فِي الْحَاوِي لَا يتَيَمَّم وَيسْتَعْمل الطَّاهِر وَيشْرب النَّجس إِذا كَانَ قد دخل عَلَيْهِ وَقت الصَّلَاة

(1/193)


قَالَ الإِمَام أَبُو بكر وَهَذَا فِيهِ نظر لِأَن مَا يحْتَاج إِلَيْهِ للعطش لَا يتَعَلَّق بِهِ فرض الطَّهَارَة فيشرب الطَّاهِر وَيتَيَمَّم وَلَا يشرب النَّجس
فَإِن لم يكن على ثِقَة من وجود المَاء فِي آخر الْوَقْت وَلَا على يأس من وجوده فَالْأَفْضَل أَن يُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ فِي أول الْوَقْت فِي أصح الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ اخْتِيَار الْمُزنِيّ
وَالثَّانِي أَن التَّأْخِير أفضل
وَعَن أبي حنيفَة رِوَايَتَانِ كالقولين
وَقَالَ الثَّوْريّ التَّأْخِير أفضل بِكُل حَال وَبِه قَالَ أَحْمد

(1/194)


وَقَالَ مَالك يتَيَمَّم الْمَرِيض وَالْمُسَافر فِي وسط الْوَقْت لَا يُؤَخِّرهُ جدا وَلَا يعجله
وَحكي عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ فِي الْجنب لَا يجد المَاء يتلوم مَا بَينه وَبَين آخر الْوَقْت فَإِن وجد المَاء وَإِلَّا يتَيَمَّم
وَهَكَذَا حكم تَأْخِير الصَّلَاة عَن أول الْوَقْت لأجل الْجَمَاعَة على مَا ذَكرْنَاهُ
وَذكر القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله أَنه إِذا كَانَ عَليّ علم من وجود المَاء فِي آخر الْوَقْت فَفِي جَوَاز التَّيَمُّم فِي أول الْوَقْت قَولَانِ وَلَيْسَ بِصَحِيح
فَإِن تيَمّم ثمَّ علم أَن فِي رَحْله مَاء لزمَه إِعَادَة الصَّلَاة وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَأحمد
وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ
قَالَ أَبُو إِسْحَاق يشبه أَن يكون الشَّافِعِي رَحمَه الله أجَاب بذلك على قَوْله الْقَدِيم إِذا نسي الْقِرَاءَة فِي الصَّلَاة
وَقَالَ غَيره يحْتَمل أَن يكون أَرَادَ مَالِكًا أَو أَحْمد

(1/195)


وَمن أَصْحَابنَا من حكى طَريقَة أُخْرَى عَن أبي عَليّ بن أبي هُرَيْرَة وَأبي الْفَيَّاض أَنه اخْتِلَاف الرِّوَايَة لاخْتِلَاف الْحَال فَأوجب الْإِعَادَة إِذا كَانَ رَحْله صَغِيرا يُمكن الْإِحَاطَة بِهِ وَحَيْثُ قَالَ فِي رَحْله مَاء قَالَ لَا يُعِيد إِذا كَانَ رَحْله كَبِيرا لَا يُمكن الْإِحَاطَة بِهِ
والطريقة الأولى هِيَ الصَّحِيحَة
وَإِن كَانَ فِي رَحْله مَاء فأضل رَحْله فَطَلَبه فَلم يجده فَتَيَمم وَصلى لم يلْزمه الْإِعَادَة فِي أحد الْوَجْهَيْنِ
قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله إِذا تيَمّم ثمَّ بَان بِقُرْبِهِ بِئْر حَيْثُ يلْزمه الطّلب فَعَلَيهِ الْإِعَادَة نَص عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيّ
وَقَالَ فِي الْأُم لَا إِعَادَة عَلَيْهِ وَظَاهره قَولَانِ
وَمن أَصْحَابنَا من جعل ذَلِك على حَالين فَحَيْثُ قَالَ لَا إِعَادَة عَلَيْهِ إِذا كَانَت خفيه وَحَيْثُ قَالَ يُعِيد إِذا كَانَ عَلَيْهَا علم ظَاهر
فصل إِذا وجد من المَاء مَا لَا يَكْفِيهِ
لجَمِيع الْأَعْضَاء لزمَه اسْتِعْمَاله فِي أصح

(1/196)


الْقَوْلَيْنِ وَيتَيَمَّم بعد اسْتِعْمَاله لما بَقِي فِي وَجهه وَيَديه وَبِه قَالَ معمر
وَالْقَوْل الثَّانِي أَنه يقْتَصر على التَّيَمُّم وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَدَاوُد وَهُوَ اخْتِيَار الْمُزنِيّ
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ كالقولين
وَقَالَ عَطاء وَالْحسن الْبَصْرِيّ إِذا وجد من المَاء مَا يَكْفِيهِ لوجهه وَيَديه غسلهمَا بِهِ وأغناه عَن التَّيَمُّم
وَقَالَ عَطاء قَصده إِذا كَانَ مَعَه مَا يَكْفِي وَجهه غسله وَمسح يَدَيْهِ بِالتُّرَابِ وأجزأه

(1/197)


فَإِن كَانَ جنبا فَتَيَمم لعدم المَاء وَصلى فَرِيضَة ثمَّ أحدث وَوجد من المَاء مَا يَكْفِيهِ لأعضاء وضوئِهِ فَإِن قُلْنَا يلْزمه اسْتِعْمَاله فِي الِابْتِدَاء بَطل تيَمّمه وَلَزِمَه اسْتِعْمَاله وَالتَّيَمُّم بعده لما بَقِي وَإِن قُلْنَا لَا يلْزمه اسْتِعْمَاله فقد قَالَ أَبُو الْعَبَّاس بن سُرَيج إِن تَوَضَّأ بِهِ ارْتَفع حَدثهُ وَعَاد إِلَى مَا كَانَ قبله من حكم التَّيَمُّم فَيصَلي النَّفْل وَلَا يُصَلِّي فَرِيضَة وَهَذَا وضوء يستبيح بِهِ النَّفْل دون الْفَرْض
فَإِن ترك اسْتِعْمَال هَذَا المَاء وَتيَمّم للْفَرض صَحَّ تيَمّمه واستباح بِهِ فَرِيضَة وَمَا شَاءَ من النَّوَافِل
وَإِن تيَمّم للنفل فقد قيل يَصح تيَمّمه
قَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيح بل يجب أَن يُقَال لَا يَصح تيَمّمه للنفل وَهَذَا من الْغَرِيب
فَإِن لم يجد مَاء وَوجد تُرَابا لَا يَكْفِي وَجهه وَيَديه فَفِي وجوب اسْتِعْمَاله الْقَوْلَانِ
وَقيل يجب اسْتِعْمَال قولا وَاحِدًا
فَإِن اغْتسل الْجنب فِي جَمِيع بدنه إِلَّا عضوا مِنْهُ لم يجد لَهُ مَاء فَتَيَمم عَنهُ ثمَّ أحدث ثمَّ تيَمّم ثَانِيًا ليُصَلِّي فَوجدَ مَا يَكْفِي لذَلِك الْعُضْو بني على الْقَوْلَيْنِ فِيهِ إِذا لم يجد ابْتِدَاء غير ذَلِك الْقدر فَإِن قُلْنَا لَا يلْزمه

(1/198)


اسْتِعْمَاله غسل بِهِ الْعُضْو الَّذِي بَقِي وتيممه صَحِيح وَإِن قُلْنَا لَا يلْزمه اسْتِعْمَاله بَطل تيَمّمه هَا هُنَا
قَالَ الشَّيْخ الإِمَام أيده الله وَعِنْدِي أَنه يلْزمه اسْتِعْمَاله فِي الْعُضْو الْبَاقِي من الْجَنَابَة قولا وَاحِدًا لِأَنَّهُ يتم بِهِ غسله وَلَا يُؤثر فِي تيَمّم حصل بِحكم الْحَدث
فَإِن عدم الْمُحدث المَاء فِي السّفر فَتَيَمم ثمَّ أَصَابَته جَنَابَة وَوجد من المَاء مَا يَكْفِي أَعْضَاء الْوضُوء فَإِن قُلْنَا لَا يدْخل الْحَدث فِي الْجَنَابَة لزمَه أَن يتَوَضَّأ بِهِ عَن الْحَدث وَتيَمّم عَن الْجَنَابَة وَيقدم أَيهمَا شَاءَ وَإِن قُلْنَا أَن الْحَدث يدْخل فِي الْجَنَابَة سقط حكمه وَكَانَ فِي اسْتِعْمَال مَا وجده من المَاء عَن الْجَنَابَة قَولَانِ فَإِن قُلْنَا يلْزمه اسْتِعْمَاله قدمه على التَّيَمُّم
إِذا اجْتمع ميت وَحي على بدنه نَجَاسَة وَالْمَاء مُبَاح يَكْفِي أَحدهمَا فالميت أَحَق بِهِ فِي ظَاهر الْمَذْهَب
وَقيل اسْتِعْمَاله فِي النَّجَاسَة أولى
وَإِن اجْتمع حَائِض وجنب وَالْمَاء يَكْفِي أَحدهمَا
قَالَ أَبُو إِسْحَاق الْجنب أولى
وَقيل الْحَائِض أولى

(1/199)


وَإِن اجْتمع جنب ومحدث وَالْمَاء يَكْفِي الْمُحدث ويفضل مِنْهُ مَا لَا يَكْفِي الْجنب وَيَكْفِي الْجنب وَلَا يفضل مِنْهُ شَيْء فالجنب اولى وَقيل الْمُحدث أولى وَقيل هما سَوَاء فِيهِ
فَإِن لم يجد مَاء وَلَا تُرَابا صلى على حسب حَاله وَأعَاد إِذا قدر وَبِه قَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَأحمد فِي أصح الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ فِي الْإِعَادَة
وَحكي عَن الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي الْقَدِيم أَن الْفِعْل فِي الْوَقْت مُسْتَحبّ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالثَّوْري لَا يجوز أَن يُصَلِّي فِي الْوَقْت وَلكنه يقْضِي إِذا قدر

(1/200)


وَقَالَ مَالك وَدَاوُد لَا يُصَلِّي فِي الْوَقْت وَلَا يلْزمه الْقَضَاء إِذا قدر
وَإِمَّا الْخَائِف من اسْتِعْمَال المَاء فَإِنَّهُ إِذا كَانَ يخَاف الزِّيَادَة فِي الْمَرَض أَو إبطاء الْبُرْء فقد اخْتلف نَص الشَّافِعِي رَحمَه الله فِيهِ وَاخْتلف أَصْحَابنَا فِيهِ على طرق
فَمنهمْ من قَالَ لَا يجوز لَهُ التَّيَمُّم قولا وَاحِدًا وَهُوَ قَول أَحْمد
وَمِنْهُم من قَالَ يجوز قولا وَاحِدًا وَهُوَ قَول أبي الْعَبَّاس وَأبي سعيد الاصطخري
وَمِنْهُم من قَالَ فِيهِ قَولَانِ وَهُوَ أصح الطّرق وَهُوَ قَول أبي إِسْحَاق وَعَامة أَصْحَابنَا
وَأَصَح الْقَوْلَيْنِ جَوَاز التَّيَمُّم وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمَالك
فَإِن كَانَ بِهِ مرض لَا يلْحقهُ مَعَه ضَرَر من اسْتِعْمَال المَاء كالصداع والحمى لم يجز لَهُ التَّيَمُّم

(1/201)


وَقَالَ دَاوُد يجوز ويحكى ذَلِك عَن مَالك
وَحكي فِي الْحَاوِي عَن عَطاء وَالْحسن الْبَصْرِيّ أَنه لَا يجوز التَّيَمُّم للمرض إلاعند عدم المَاء
فَإِن خَافَ من اسْتِعْمَال المَاء شينا فِي الْمحل
قَالَ أَبُو الْعَبَّاس لَا يخلف مَذْهَب الشَّافِعِي رَحمَه الله أَنه لَا يجوز لَهُ التَّيَمُّم
وَقَالَ غَيره إِن كَانَ الشين كأثر الجدري والجراحة لم يجز لَهُ التَّيَمُّم وَإِن كَانَ يشوه خلقه ويسود كثيرا من وَجهه كَانَ على الْقَوْلَيْنِ
وَإِن كَانَ فِي بعض بدنه قرح يخَاف من اسْتِعْمَال المَاء فِيهِ غسل الصَّحِيح وَتيَمّم عَن الجريح
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق يحْتَمل قولا آخر أَنه يقْتَصر على التَّيَمُّم كَمَا لَو وجد من المَاء مَا يَكْفِي بعض الْأَعْضَاء

(1/202)


وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن كَانَ أَكثر بدنه صَحِيحا اقْتصر على غسل الصَّحِيح وَإِن كَانَ الْأَكْثَر جريحا اقْتصر على التَّيَمُّم
وَإِن كَانَ فِي بعض بدنه قرح وَهُوَ جنب غسل الصَّحِيح وَتيَمّم عَن الجريح وَبَدَأَ بِأَيِّهِمَا شَاءَ
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ الأولى أَن يبْدَأ بِالْغسْلِ
وَحكي وَجه عَن بعض أَصْحَابنَا الخراسانيين أَنه لَا يَصح التَّيَمُّم قبل الْغسْل وَلَيْسَ بِشَيْء
فَأَما الْمُحدث إِذا كَانَ فِي وَجهه جرح وَفِي يَده جرح وَفِي رجله جرح غسل الصَّحِيح من وَجهه وَتيَمّم عَن الجريح فِيهِ فِي وَجهه وَيَديه ثمَّ يغسل الصَّحِيح من يَده وَيتَيَمَّم عَن الجريح مِنْهَا فِي وَجهه وَيَديه ثمَّ يمسح بِرَأْسِهِ ثمَّ يغسل الصَّحِيح من رجله وَيتَيَمَّم عَن الجريح مِنْهَا فِي وَجهه وَيَديه
قَالَ ابْن الْحداد

(1/203)


فَإِن حضر وَقت صَلَاة أُخْرَى فَإِنَّهُ يُعِيد التَّيَمُّم دون الْغسْل
قَالَ الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله وَهَذَا يحْتَاج إِلَى تَفْصِيل
فَإِن كَانَ الْجرْح فِي رجله أعَاد التَّيَمُّم وأجزأه وَإِن كَانَ فِي وَجهه أَو يَدَيْهِ فَيَنْبَغِي على الأَصْل الَّذِي قدمْنَاهُ أَن يُعِيد التَّيَمُّم وَمَا بعده من الْغسْل ليحصل التَّرْتِيب
قَالَ الشَّيْخ الإِمَام أيده الله تَعَالَى وَعِنْدِي أَن مَا ذكره ابْن الْحداد أصح
قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله وَلَو ألصق على مَوضِع التَّيَمُّم لصوقا وَنزع اللصوق وَأعَاد
وَاخْتلف أَصْحَابنَا فِي صُورَة ذَلِك
فَمنهمْ من قَالَ صورته أَن يكون الْقرح على مَوضِع التَّيَمُّم وَقد ألصق عَلَيْهِ لصوقا يمْنَع وُصُول التُّرَاب إِلَيْهِ وَلَا يخَاف من نَزعه الضَّرَر وَإِنَّمَا يخَاف من إمرار المَاء عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يلْزمه نَزعه وَغسل الصَّحِيح مِنْهُ وإمرار التُّرَاب على الْقرح فِي التَّيَمُّم عَنهُ وَلَا اعادة عَلَيْهِ فِي الصَّلَاة
وَقَوله أعَاد أَرَادَ إِعَادَة اللصوق بعد التَّيَمُّم
وَمِنْهُم من قَالَ صُورَة ذَلِك أَن يخَاف من نزع اللصوق الضَّرَر

(1/204)


فيمسح بِالتُّرَابِ على اللصوق وَيغسل الصَّحِيح وَيُعِيد الصَّلَاة قولا وَاحِدًا
قَالَ الْمَاوَرْدِيّ هَذَا التَّصْوِير يبعد لِأَنَّهُ قَالَ نزع اللصوق
وَإِذا كَانَ يخَاف الضَّرَر من نَزعه أَو من اسْتِعْمَال التُّرَاب فِيهِ لم يلْزمه نَزعه
قَالَ الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله يحْتَمل أَن يكون أَرَادَ نزع اللصوق إِذا برىء وَأعَاد الصَّلَاة الَّتِي صلاهَا بِالْمَسْحِ