حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء

فصل وَلَا يجوز أَن يُصَلِّي بِتَيَمُّم أَكثر من فَرِيضَة وَمَا شَاءَ من النَّوَافِل
وَهُوَ قَول مَالك وَاخْتلف أَصْحَابه فِي الْجمع بَين فوائت بِتَيَمُّم وَاحِد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يجوز أَن يُصَلِّي بِتَيَمُّم مَا شَاءَ من الْفَرَائِض وَبِه قَالَ الثَّوْريّ وَدَاوُد وَاخْتَارَهُ الْمُزنِيّ

(1/205)


وَقَالَ أَحْمد وَأَبُو ثَوْر يتَيَمَّم لوقت كل فَرِيضَة وَلَا فرق عندنَا بَين الْمَنْذُورَة والفائتة
وَذكر القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله فِي الْجمع بَين الْفَائِتَة والمنذورة جوابين بِنَاء على أَن مُطلق النّذر مَاذَا يَقْتَضِي فَإِن قُلْنَا أقل مَا يتَقرَّب بِهِ وَهُوَ رَكْعَة حملا على النَّفْل جَازَ لَهُ الْجمع بَين المنذورتين والمنذورة والفائتة وَهَذَا فَاسد
فَإِن أَرَادَ أَن يجمع بَين فريضتين فِي وَقت الأولى مِنْهُمَا فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا لَا يجوز بِسَبَب تخَلّل الطّلب
وَالثَّانِي يجوز
فَإِن نسي صَلَاة من خمس صلوَات وَلم يعرف عينهَا صلى خمس صلوَات بِتَيَمُّم وَاحِد
وَقيل يحْتَاج ان يتَيَمَّم لكل صَلَاة
فَإِن نسي صَلَاتَيْنِ من صلوَات الْيَوْم وَاللَّيْلَة وَلم يعرف عينهَا فقد ذكر ابْن الْقَاص أَنه يلْزمه أَن يتَيَمَّم لكل صَلَاة

(1/206)


وَقيل إِن شَاءَ زَاد فِي عدد الصَّلَوَات فصلى ثَمَان صلوَات بتيممين فيتيمم وَيُصلي الصُّبْح وَالظّهْر وَالْعصر وَالْمغْرب ثمَّ يتَيَمَّم وَيُصلي الظّهْر وَالْعصر وَالْمغْرب وَالْعشَاء وَإِن شَاءَ صلى خمس صلوَات بِخمْس تيممات
فَإِن نسي صَلَاتَيْنِ من صلوَات يَوْمَيْنِ وليلتين فَإِن كَانَتَا مختلفتين فعلى مَا ذَكرْنَاهُ فِيهِ إِذا كَانَتَا من يَوْم وَلَيْلَة وَإِن كَانَتَا متفقتين كعصرين أَو ظهرين صلى خمس صلوَات بِتَيَمُّم وَخَمْسَة بِتَيَمُّم على الْمَذْهَب الصَّحِيح
وَيجوز أَن يُصَلِّي بِتَيَمُّم وَاحِد على جنائز إِذا لم يتَعَيَّن عَلَيْهِ وَإِن كَانَت قد تعيّنت عَلَيْهِ فَفِيهِ وَجْهَان
أظهرهمَا أَنه يجوز وَهُوَ قَول أبي إِسْحَاق وَأبي الْعَبَّاس وَاخْتِيَار القَاضِي أبي الطّيب رَحمَه الله
فصل إِذا رأى الْمُتَيَمم المَاء قبل الشُّرُوع فِي الصَّلَاة بَطل تيَمّمه
وَحكي عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن أَنه قَالَ لَا يبطل تيَمّمه وَإِن

(1/207)


رَآهُ بعد الْفَرَاغ من الصَّلَاة وَكَانَ فِي السّفر لم يلْزمه الْإِعَادَة
وَحكي عَن طَاوس أَنه قَالَ يتَوَضَّأ وَيُعِيد مَا صلى بِالتَّيَمُّمِ
وَحكي عَن الْحسن الْبَصْرِيّ وَمَالك أَنه يُعِيد إِذا كَانَ الْوَقْت بَاقِيا
وَإِن كَانَ فِي الْحَضَر وَتيَمّم لعدم المَاء كالمحبوس فِي بَيت لَا مَاء فِيهِ وَلَا يجد من يناوله المَاء فَتَيَمم وَصلى ثمَّ قدر على المَاء وَجب عَلَيْهِ الْإِعَادَة وَهُوَ قَول أبي حنيفَة حَكَاهُ الطَّحَاوِيّ وَبِه قَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد
وَقَالَ زفر لَا يتَيَمَّم وَلَا يُصَلِّي حَتَّى يجد المَاء وَهِي رِوَايَة شَاذَّة عَن أبي حنيفَة

(1/208)


وَقَالَ مَالك يتَيَمَّم وَلَا يُصَلِّي وَلَا يُعِيد وَبِه قَالَ الثَّوْريّ وَاخْتَارَهُ الْمُزنِيّ والطَّحَاوِي وَإِن كَانَ فِي سفر قصير لم يجب عَلَيْهِ الْإِعَادَة فِيمَا صلى بِالتَّيَمُّمِ على أحد الْقَوْلَيْنِ وَإِن كَانَ فِي سفر مَعْصِيّة فصلى بِالتَّيَمُّمِ فَفِي وجوب الْإِعَادَة وَجْهَان
وَإِن كَانَ مَعَه مَاء فأراقه بعد دُخُول الْوَقْت وَتيَمّم وَصلى فَفِي الْإِعَادَة وَجْهَان
وَكم يُعِيد من الصَّلَوَات فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا صَلَاة الْوَقْت
وَالثَّانِي يُعِيد مَا يُصَلِّي بِالْوضُوءِ الْوَاحِد غَالِبا وَلَيْسَ بِشَيْء

(1/209)


وَإِن وهب المَاء بعد دُخُول وَقت الصَّلَاة فقد ذكر القَاضِي حُسَيْن فِي صِحَة الْهِبَة وَجْهَيْن وَلَيْسَ بِشَيْء
وَإِن رأى المَاء فِي أثْنَاء الصَّلَاة فَإِن كَانَ فِي الْحَضَر بطلت صلَاته وَإِن كَانَ فِي السّفر لم تبطل وَبِه قَالَ مَالك وَدَاوُد وَهُوَ رِوَايَة عَن أَحْمد
وَهل يجوز لَهُ الْخُرُوج مِنْهَا فِيهِ وَجْهَان
أظهرهمَا أَن الْأَفْضَل لَهُ الْخُرُوج
وَالثَّانِي أَنه لَا يجوز لَهُ الْخُرُوج مِنْهَا
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ الْخُرُوج مِنْهَا مَكْرُوه لَا يخْتَلف الْمَذْهَب فِيهِ وَإِنَّمَا الْوَجْهَانِ فِي جعل الصَّلَاة نَافِلَة يسلم من رَكْعَتَيْنِ وَهَذَا خلاف نَص الشَّافِعِي رَحمَه الله

(1/210)


وَقَالَ أَبُو حنيفَة يبطل تيَمّمه وَهُوَ رِوَايَة عَن أَحْمد وَاخْتِيَار الْمُزنِيّ إِلَّا أَن عِنْد أبي حنيفَة لَا يبطل بِرُؤْيَة المَاء فِي صَلَاة الْجِنَازَة والعيد وَلَا بِرُؤْيَة سُؤْر الْحمار والبغل
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ تصير صلَاته نفلا
فَإِن رأى المَاء فِي أثْنَاء الصَّلَاة فَلَمَّا فرغ مِنْهَا فني المَاء لم يصل النَّافِلَة بتيممه
وَقيل يُصَلِّي النَّافِلَة بذلك التَّيَمُّم
فَإِن رأى المَاء فِي نافلته وَكَانَ قد نوى عددا أتمه وَإِن كَانَ قد أطلق النِّيَّة أتم رَكْعَتَيْنِ نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي رَحمَه الله
وَحكي عَن الْقفال أَنه قَالَ إِذا كَانَ قد نوى رَكْعَتَيْنِ فَلهُ أَن يُصَلِّي مَا شَاءَ بِالتَّيَمُّمِ بعد رُؤْيَة المَاء
وَقَالَ غَيره إِذا كَانَ قد أطلق النِّيَّة فَلهُ أَن يُصَلِّي مَا شَاءَ بعد رُؤْيَة المَاء وَإِن تيَمّم لشدَّة الْبرد فِي الْحَضَر وَجَبت عَلَيْهِ الْإِعَادَة وَإِن كَانَ فِي السّفر فَفِي وجوب الْإِعَادَة قَولَانِ

(1/211)


قَالَ ابْن الْقَاص فِي التَّلْخِيص إِذا وجد المَاء فِي صلَاته وَنوى الْمقَام مَعَ وجود المَاء بَطل تيَمّمه وَصلَاته وَإِذا نوى الْمقَام مَعَ عدم المَاء مضى فِي صلَاته وَأعَاد تَغْلِيبًا لحكم الْإِقَامَة
قَالَ الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله وَفِي هَذَا نظر وَقد ذكر فِي الْحَاوِي نَظِير مَا قَالَه