حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء

فصل إِذا احْتَاجَ إِلَى وضع الْجَبِيرَة على عُضْو ولحقه الضَّرَر من حلهَا
وَكَانَ قد وَضعهَا على طهر وَمسح عَلَيْهَا مسح على جَمِيعهَا فِي أظهر الْوَجْهَيْنِ وَهل يجب ضم التَّيَمُّم إِلَيْهِ فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا لَا يضم إِلَيْهِ التَّيَمُّم وَيُصلي مَا شَاءَ من الْفَرَائِض
وَالثَّانِي يضم إِلَيْهِ التَّيَمُّم فيتيمم لكل فَرِيضَة
ذكر فِي الْحَاوِي أَن الْجَبِيرَة إِذا كَانَت على عُضْو التَّيَمُّم لم يحْتَج إِلَى التَّيَمُّم مَعَ الْمسْح عَلَيْهَا وَإِن كَانَت على غَيره فعلى قَوْلَيْنِ وَهَذَا فَاسد
وَهل يجب عَلَيْهِ الْإِعَادَة بعد الْبُرْء على قَوْلَيْنِ
أَحدهمَا لَا يُعِيد وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَاخْتِيَار الْمُزنِيّ

(1/212)


وَإِن كَانَ قد وضع الْجَبِيرَة على غير طهر وَخَافَ من نَزعهَا مسح عَلَيْهَا وَأعَاد قولا وَاحِدًا
وَقيل فِيهِ قَولَانِ وَلَيْسَ بِشَيْء
وَقَالَ أَحْمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ لَا يعْتَبر الطَّهَارَة فِي وَضعهَا وَلَا يُصَلِّي وَلَا يُعِيد وَبِه قَالَ مَالك

(1/213)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب الْحيض
الْحيض يحرم الْوَطْء فَإِن وَطئهَا مَعَ الْعلم بِالتَّحْرِيمِ وَجب عَلَيْهِ على قَوْله الْقَدِيم فِي إقبال الدَّم دِينَار وَفِي إدباره نصف دِينَار
وَحكى بعض أَصْحَابنَا الخراسانيين أَنه يجب عَلَيْهِ عتق رَقَبَة وَحَكَاهُ فِي الْحَاوِي عَن سعيد بن جُبَير

(1/214)


وَقَالَ أَحْمد هُوَ مُخَيّر بَين دِينَار وَنصف دِينَار
وَحكي عَن الْحسن الْبَصْرِيّ وَعَطَاء أَنه يجب عَلَيْهِ كَفَّارَة الْفطر فِي رَمَضَان
وَقَالَ فِي الْجَدِيد لَا شَيْء عَلَيْهِ سوى الاسْتِغْفَار والتوبه وَهُوَ الصَّحِيح وَبِه قَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه والمباشرة بَين السُّرَّة وَالركبَة مُحرمَة نَص عَلَيْهِ فِي الْأُم وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأَبُو يُوسُف
وَقَالَ أَحْمد وَدَاوُد مَا دون الْفرج مُبَاح وَهُوَ قَول أبي إِسْحَاق وَأبي عَليّ بن أبي هُرَيْرَة وَقَول مُحَمَّد بن الْحسن وَقَول بعض أَصْحَاب مَالك
وَحكى أَبُو الْفَيَّاض من أَصْحَابنَا وَجها ثَالِثا أَنه إِن كَانَ يَأْمَن أَن تغلبه نَفسه وشهوته على الْوَطْء فِي الْفرج جَازَ لَهُ أَن يسْتَمْتع بهَا فِيمَا دونه وَإِن لم يَأْمَن أَن تغلبه الشَّهْوَة فيطأ فِي الْفرج حرم عَلَيْهِ الِاسْتِمْتَاع بِمَا دونه إِلَّا من وَرَاء الْإِزَار
وَوَطْء الْمُسْتَحَاضَة فِي غير ايام الْحيض مُبَاح
وَقَالَ أَحْمد لَا يجوز إِلَّا أَن يخَاف الْعَنَت

(1/215)


فَإِذا طهرت من الْحيض لم يحل لَهُ وَطْؤُهَا حَتَّى تَغْتَسِل وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وَأَبُو ثَوْر
وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا انْقَطع دَمهَا لأكْثر الْحيض حل وَطْؤُهَا قبل الْغسْل وَإِن انْقَطع لما دون الْأَكْثَر لم يحل وَطْؤُهَا حَتَّى تَغْتَسِل أَو يمْضِي عَلَيْهَا وَقت صَلَاة
وَقَالَ دَاوُد إِذا غسلت فرجهَا من الدَّم بعد انْقِطَاعه حل وَطْؤُهَا
وَحكى عَن طَاوس وَمُجاهد أَنَّهَا إِذا تَوَضَّأت حل وَطْؤُهَا
فَإِن لم تَجِد مَاء تيممت وَحل وَطْؤُهَا
قَالَ مَكْحُول لَا يحل وَطْؤُهَا بِالتَّيَمُّمِ

(1/216)


وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يحل وَطْؤُهَا بِالتَّيَمُّمِ حَتَّى تصلي بِهِ فَإِن صلت بِالتَّيَمُّمِ فَرِيضَة لم يحرم وَطْؤُهَا فِي أظهر الْوَجْهَيْنِ
إِذا أَرَادَ الرجل أَن يَأْتِي امْرَأَته فَذكرت أَنَّهَا حَائِض
قَالَ القَاضِي حُسَيْن إِن كَانَت فاسقة لم يقبل قَوْلهَا وَإِن كَانَت عفيفة قبل قَوْلهَا وَامْتنع عَن وَطئهَا وَهَذَا فِيهِ نظر بل يجب أَن يعْتَبر فِي ذَلِك إِمْكَان صدقهَا فِي قبُول قَوْلهَا كَمَا اعْتبر ذَلِك فِي انْقِضَاء عدتهَا وَلم يعْتَبر الْعَدَالَة وَالْفِسْق فَإِن تيممت فَوَطِئَهَا ذكر فِي الْحَاوِي فِي جَوَاز وَطئهَا ثَانِيًا بذلك التَّيَمُّم وَجْهَيْن
أَحدهمَا يحل لَهُ
وَالثَّانِي لَا يحل وَهُوَ فَاسد
فَإِن تيممت عَن حدث الْحيض فِي وَقت صَلَاة فَدخل عَلَيْهَا وَقت صَلَاة أُخْرَى فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَن تيممها يبطل بِخُرُوج الْوَقْت
وَالثَّانِي ذكره أقضى الْقُضَاة الْمَاوَرْدِيّ أَنه لَا يبطل وَهُوَ الْأَصَح

(1/217)


فصل أقل سنّ تحيض فِيهِ الْمَرْأَة تسع سِنِين
فَإِن قيل فقد قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي اللّعان وَلَو جَاءَ بِحمْل وَزوجهَا صبي لَهُ دون الْعشْر لم يلْزمه لِأَن الْعلم مُحِيط أَن لَا يُولد لمثله فَإِن كَانَ لَهُ عشرا فَأكْثر وَكَانَ يُمكن أَن يُولد لَهُ كَانَ لَهُ
وَأجَاب الشَّيْخ أَبُو حَامِد رَحمَه الله بِأَنَّهُ لَا فرق بَين الْغُلَام وَالْجَارِيَة وَأَرَادَ بِهِ إِذا جَاءَت بِهِ لأَقل من تسع وَمُدَّة الْحمل وَذَلِكَ دون الْعشْر
قَالَ القَاضِي ابو الطّيب رَحمَه الله تسع سِنِين وَمُدَّة الْحمل قريب من عشر
قَالَ الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله وَهَذَا خلاف مَا قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله وَلَا يجب أَن يعْتَبر الْغُلَام بالجارية لِأَن الْحيض قد يعجلها لشدَّة الْحر وَلِهَذَا اخْتصَّ بنساء تهَامَة وَكَلَام الشَّافِعِي رَحمَه الله يدل على أَنه يعْتَبر الْوُجُوه فِي الْغُلَام فَيجوز أَن يكون الْوُجُوه فِيهِ مُخَالفا للوجوه فِي الْجَارِيَة
وَأَقل الْحيض يَوْم وَقَالَ فِي مَوضِع آخر يَوْم وَلَيْلَة فَمن أَصْحَابنَا من قَالَ فِيهِ قَولَانِ وَمِنْهُم من قَالَ قولا وَاحِدًا يَوْم وَلَيْلَة وَهُوَ قَول أَحْمد وَمِنْهُم من قَالَ قولا وَاحِدًا يَوْم وَهُوَ قَول دَاوُد

(1/218)


وَقَالَ أَبُو حنيفَة أَقَله ثَلَاثَة أَيَّام
وَقَالَ ابو يُوسُف اقله يَوْمَانِ وَأكْثر الثَّالِث
وَقَالَ مَالك لَيْسَ لأقله حد وَيجوز أَن يكون سَاعَة
وَأكْثر الْحيض خَمْسَة عشر يَوْمًا وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَأَبُو يُوسُف وَدَاوُد قَالَ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى سَبْعَة عشر يَوْمًا
واقل طهر فاصل بَين الحيضين خَمْسَة عشر يَوْمًا
وَحكي عَن يحيى بن أَكْثَم أَنه قَالَ أقل الطُّهْر تِسْعَة عشر يَوْمًا لِأَن أَكثر الْحيض عِنْده عشرَة أَيَّام
وَحكي عَن عبد الْملك بن حبيب من أَصْحَاب مَالك أَنه قَالَ أقل الطُّهْر عشرَة أَيَّام
وَحكي عَن مَالك أَنه قَالَ لَا أعلم بَين الحيضتين وقتا يعْتَمد عَلَيْهِ

(1/219)


وروى ابْن الْقَاسِم عَنهُ أَنه قَالَ مَا يعلم النِّسَاء أَن مثله يكون طهرا أَن الْخَمْسَة والسبعة لَا يكون طهرا
وَقَالَ مُحَمَّد بن مسلمة مثل قَوْلنَا وَهُوَ من متأخري أَصْحَابه
وَحكى عَن مَالك أَيْضا أقل الطُّهْر خَمْسَة ايام
وَفِي الدَّم الَّذِي ترَاهُ الْحَامِل قَولَانِ
أَحدهمَا أَنه حيض وَهُوَ قَول مَالك
وَالثَّانِي أَنه لَيْسَ بحيض وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد
وَفِي أول زمَان ارتفاعه وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه يرْتَفع بِنَفس الْعلُوق
وَالثَّانِي من وَقت حَرَكَة الْحمل
وَإِذا لم يُجَاوز الدَّم خَمْسَة عشر يَوْمًا فكله حيض وَإِن كَانَ صفرَة أَو كدرة
وَقَالَ أَبُو سعيد الاصطخري الصُّفْرَة والكدرة فِي غير وَقت الْعَادة لَا يكون حيضا
وَقَالَ أَبُو ثَوْر إِن تقدم الصُّفْرَة والكدرة دم أسود كَانَت حيضا تبعا لَهُ
وَقَالَ أَبُو يُوسُف الصُّفْرَة حيض والكدرة إِن تقدمها دم أسود فَهِيَ حيض

(1/220)


وَقَالَ دَاوُد لَا تكون الصُّفْرَة والكدرة حيضا بِحَال
وَإِن جَاوز الدَّم خَمْسَة عشر يَوْمًا فقد اخْتَلَط الْحيض بالاستحاضة فَيحْتَاج إِلَى تَمْيِيز أَحدهمَا عَن الآخر
فَإِن كَانَت مُبتَدأَة غير مُمَيزَة وَهِي الَّتِي بَدَأَ بهَا الدَّم وَاسْتمرّ على صفة وَاحِدَة حَتَّى عبر الْخَمْسَة عشر يَوْمًا فَفِيهَا قَولَانِ
أصَحهمَا أَنَّهَا ترد إِلَى غَالب عادات النِّسَاء وَهِي السِّت والسبع وَبِه قَالَ الثَّوْريّ
وَهِي رِوَايَة عَن أَحْمد وَإِلَى أَي عَادَة ترد فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَنَّهَا ترد إِلَى غَالب عَادَة النِّسَاء
وَالثَّانِي إِلَى غَالب عَادَة لداتها وَنسَاء بَلَدهَا وَهُوَ رِوَايَة عَن مَالك
وَالْقَوْل الثَّانِي أَنَّهَا تحيض اقل الْحيض وَهُوَ رِوَايَة عَن أَحْمد وَقَول زفر
وَقَالَ أَبُو حنيفَة تحيض أَكثر الْحيض عشرَة أَيَّام
وَقَالَ مَالك تقعد عَادَة لداتها وستطهر بعد ذَلِك بِثَلَاثَة ايام مَا لم يُجَاوز مَجْمُوع ذَلِك خَمْسَة عشر يَوْمًا وَعنهُ رِوَايَة أُخْرَى أَنَّهَا تجْلِس مَا دَامَ الدَّم إِلَى أَن يبلغ خَمْسَة عشر يَوْمًا وَهَذِه الرِّوَايَة أَيْضا فِي الْمُعْتَادَة الَّتِي لَا تَمْيِيز لَهَا وَهُوَ رِوَايَة عَن أَحْمد

(1/221)


وَقَالَ أَبُو يُوسُف تَأْخُذ فِي الصَّوْم وَالصَّلَاة بِالْأَقَلِّ وَفِي وَطْء الزَّوْج بِالْأَكْثَرِ فَأَما فِي الشَّهْر الثَّانِي وَمَا بعده إِذا جَاوز الدَّم السِّت أَو السَّبع اغْتَسَلت وصلت وصامت وَلَا تقضي الصَّلَاة وَلَا تقضي الصَّوْم بعد خَمْسَة عشر يَوْمًا
وَهل تقضي مَا صَامت بعد السِّت والسبع فِيهِ وَجْهَان
أصَحهمَا أَنَّهَا لَا تقضي
وَإِن كَانَت مُبتَدأَة مُمَيزَة وَهِي الَّتِي بَدَأَ بهَا الدَّم وَعبر الْخَمْسَة عشر وَهُوَ فِي بعض الْأَيَّام بِصفة دم الْحيض وَهُوَ المحتدم القاني الَّذِي يضْرب إِلَى السوَاد وَفِي بَعْضهَا أَحْمَر مشرق أَو أصفر فَإِنَّهَا ترد إِلَى السوَاد بِشَرْط أَن لَا ينقص السوَاد عَن يَوْم وَلَيْلَة وَلَا يزِيد على خَمْسَة عشر يَوْمًا وَبِه قَالَ مَالك من غير اعْتِبَار مَا ذكر من الِانْتِظَار

(1/222)


وَكَانَ الْمُغيرَة من أَصْحَابه يَحْكِي أَنَّهَا تَغْتَسِل وَتصلي وتصوم وَلَكِن لَا يَطَؤُهَا الزَّوْج
وَقَالَ ابو حنيفَة التَّمْيِيز لَا يعْمل بِهِ فِي الْحيض
وَإِن رَأَتْ خَمْسَة ايام دَمًا أَحْمَر أَو أصفر ثمَّ رَأَتْ خَمْسَة أَيَّام دَمًا أسود ثمَّ أَحْمَر إِلَى آخر الشَّهْر فالحيض هُوَ الْأسود
وَقيل إِنَّه لَا تَمْيِيز لَهَا
وَقيل حَيْضهَا الْعشْرَة الأولى وَلَيْسَ بِشَيْء
وَإِن رَأَتْ خَمْسَة أَيَّام دَمًا أَحْمَر ثمَّ أسود إِلَى آخر الشَّهْر فَلَيْسَ لَهَا تَمْيِيز فَيكون على الْقَوْلَيْنِ فِي المبتدأة غير المميزة
وَقيل تحيض من أول الدَّم الْأسود إِمَّا يَوْمًا وَلَيْلَة أَو سِتا أَو سبعا
وَإِن رَأَتْ سِتَّة عشر يَوْمًا دَمًا أَحْمَر ثمَّ أسود وَجَاوَزَ خَمْسَة عشر يَوْمًا فَلَا تَمْيِيز لَهَا
وَقَالَ ابو الْعَبَّاس تحيض من أول الْأَحْمَر يَوْمًا وَلَيْلَة ثمَّ تحيض من أول الْأسود يَوْمًا وَلَيْلَة فِي أحد الْقَوْلَيْنِ
وَحكي فِيهِ وَجه آخر أَن الدَّم الثَّانِي لَا يكون اسْتِحَاضَة لِأَن الِاسْتِحَاضَة مَا كَانَ فِي أثر حيض وَلَيْسَ بِشَيْء فَإِن كَانَت مُعْتَادَة غير مُمَيزَة وَهِي أَن تكون عَادَتهَا أَن تحيض فِي كل شهر خَمْسَة ايام فاستحيضت وَجَاوَزَ خَمْسَة عشر يَوْمًا وَهُوَ على صفة وَاحِدَة فحيضتها ايام عَادَتهَا وَبِه قَالَ ابو حنيفَة

(1/223)


وَإِن كَانَت عَادَتهَا أَن تحيض الْخَمْسَة الثَّانِيَة من الشَّهْر فرأت الدَّم فِي أَيَّام عَادَتهَا وَخَمْسَة قبلهَا وَخَمْسَة بعْدهَا كَانَ الْجَمِيع حيضا
وَقَالَ أَبُو حنيفَة الْخَمْسَة الَّتِي بعْدهَا تكون حيضا وَالَّتِي قبلهَا لَا تكون حيضا إِلَّا أَن يتَكَرَّر فَإِن كَانَت عَادَتهَا أَن تحيض الْخَمْسَة الثَّانِيَة من الشَّهْر فرأت الْخَمْسَة الأولى وَاسْتمرّ دَمهَا فحيضها الْخَمْسَة الْمُعْتَادَة فِي أصح الْوَجْهَيْنِ
وَالثَّانِي أَن حَيْضهَا الْخَمْسَة الأولى
وَإِن كَانَت عَادَتهَا أَن تحيض من أول كل شهر خَمْسَة ايام فرأتها وطهرت خَمْسَة عشر يَوْمًا ثمَّ رَأَتْ الدَّم وَجَاوَزَ خَمْسَة عشر يَوْمًا فَإِن حَيْضهَا على عَادَتهَا فِي أول الشَّهْر الثَّانِي فِي أصح الْوَجْهَيْنِ
وَقيل أَنَّهَا تحيض حَيْضَة أُخْرَى من اول الدَّم الثَّانِي وَلَيْسَ بِشَيْء
وَإِن كَانَت مُعْتَادَة مُمَيزَة بِأَن ترى الدَّم فِي بعض الْأَيَّام بِصفة دم الْحيض وَلها عَادَة أَن تحيض أَيَّامًا مَعْلُومَة من الشَّهْر فَإِنَّهَا ترد إِلَى التَّمْيِيز فِي أظهر الْوَجْهَيْنِ

(1/224)


وَقَالَ أَبُو عَليّ بن خيران نقدم الْعَادة على التَّمْيِيز
وَقَالَ مَالك الِاعْتِبَار بالتمييز دون الْعَادة فَإِن لم يكن لَهَا تَمْيِيز استنظرت بعد زمَان الْعَادة بِثَلَاثَة أَيَّام إِلَى أَن تجَاوز خَمْسَة عشر يَوْمًا
وَتثبت الْعَادة بِمرَّة وَاحِدَة على أصح الْوَجْهَيْنِ
وَقَالَ ابو حنيفَة لَا تثبت إِلَّا بمرتين
وَإِن كَانَت ناسية للْعَادَة غير مُمَيزَة وَلم تذكر وَقت عَادَتهَا وَلَا عَددهَا وَهِي الْمُتَحَيِّرَة فَفِيهَا قَولَانِ
أَحدهمَا إِنَّهَا كالمبتدأة الَّتِي لَا تَمْيِيز لَهَا وفيهَا قَولَانِ
وَالْقَوْل الثَّانِي وَهُوَ الصَّحِيح الْمَنْصُوص عَلَيْهِ فِي الْحيض أَنه لَيْسَ لَهَا حيض بِيَقِين وَلَا طهر بِيَقِين فتغتسل لكل صَلَاة وَلَا يَطَؤُهَا الزَّوْج بِحَال وَلَا تقضي الصَّلَاة هَذِه طَريقَة الشَّيْخ أبي حَامِد وَالْقَاضِي أبي الطّيب وَغَيرهمَا من اصحابنا بِبَغْدَاد
وَذكر فِي الْحَاوِي طَريقَة لأبي الْعَبَّاس بن سُرَيج فِي اسْتِعْمَال الْيَقِين فِي الصَّلَاة كَمَا يسْتَعْمل فِي الصَّوْم فتغتسل فِي أول وَقت الظّهْر وتصليها فِيهِ ثمَّ تَغْتَسِل فِي أول وَقت الْعَصْر وتصليها فِيهِ ثمَّ تَغْتَسِل فِي أول الْمغرب وتصليها فِي أول وَقتهَا ثمَّ تتوضأ وتعيد الظّهْر ثمَّ تتوضأ وتعيد الْعَصْر فَإِذا دخل وَقت الْعشَاء اغْتَسَلت وصلتها فِي أول وَقتهَا فَإِذا طلع

(1/225)


الْفجْر اغْتَسَلت وصلت الصُّبْح فِي أول وَقتهَا ثمَّ تتوضأ وتقضي الْمغرب ثمَّ تتوضأ وتقضي الْعشَاء فَإِذا طلعت الشَّمْس اغْتَسَلت وقضت الصُّبْح فَتُصَلِّي عشر صلوَات بست اغتسالات وَقد أسقطت الْفَرْض بِيَقِين وَهَذَا صَحِيح
وَأما الصّيام فقد ذكر ابو عَليّ فِي الإفصاح أَنَّهَا إِذا صَامت رَمَضَان مَعَ النَّاس قَضَت خَمْسَة عشر يَوْمًا بِصَوْم شهر آخر وَتَبعهُ الشَّيْخ أَبُو حَامِد وَغَيره
وَقَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله وهموا فِي ذَلِك إِنَّمَا يَصح لَهَا من رَمَضَان أَرْبَعَة عشر يَوْمًا إِذا كَانَ تَاما فَإِذا صَامت شهرا آخر تَاما حصل لَهَا اربعة عشر يَوْمًا وَبَقِي عَلَيْهَا يَوْمَانِ
وَكَيْفِيَّة الْقَضَاء فِي ذَلِك أَنَّهَا إِذا أَرَادَت قَضَاء يَوْم فَإِنَّهَا تضيف إِلَى أَكثر الْحيض يَوْمَيْنِ فَيكون سَبْعَة عشر يَوْمًا وتصوم يَوْمَيْنِ فِي أَولهَا ويومين فِي آخرهَا السَّادِس عشر وَالسَّابِع عشر فَيسلم لَهَا يَوْمَانِ بِيَقِين وَكلما زَاد فِي الْوَاجِب عَلَيْهَا يَوْم زَادَت فِي الصَّوْم يَوْمَيْنِ يَوْمًا فِي أول الْمدَّة وَيَوْما فِي آخرهَا وزادت فِي الْمدَّة يَوْمًا وعَلى هَذَا ذكر القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله بعد مَا ذكر هَذَا
قَالَ أَبُو بكر بن الْحداد إِذا كَانَ عَلَيْهَا صَوْم يَوْم قضته بِثَلَاثَة أَيَّام من سَبْعَة عشر يَوْمًا فتصوم الأول وَالسَّابِع عشر وتترك الثَّانِي وَالسَّادِس عشر وتصوم يَوْمًا فِيمَا بَين الثَّانِي وَالسَّادِس عشر وَقد صَحَّ لَهَا يَوْم بِيَقِين

(1/226)


فَإِن أَرَادَت أَن تقضي صَوْم يَوْمَيْنِ قضتها بصيام سِتَّة ايام من ثَمَانِيَة عشر يَوْمًا يَوْمَيْنِ فِي أَولهَا ويومين فِي آخرهَا ويومين فِيمَا بَين ذَلِك وَلَا تحْتَاج أَن تتْرك شَيْئا
ذكر فِي الْحَاوِي أَنَّهَا تمنع من حمل الْمُصحف واللبث فِي الْمَسْجِد وَقِرَاءَة الْقُرْآن فِي غير الصَّلَاة والتطوع بِالصَّلَاةِ وَالصَّوْم وَذكر فِي وَطْء الزَّوْج وَالسّنَن الرَّاتِبَة وَجْهَيْن
أَحدهمَا يحرم عَلَيْهَا
وَالثَّانِي لَا يمْنَع
قَالَ الشَّيْخ الإِمَام أيده الله وَعِنْدِي أَنه لَا وَجه لإباحة الْوَطْء وَبَقِيَّة الْأَحْكَام وَيَنْبَغِي أَن يجوز لَهَا تبعا للْفَرض فِي طَهَارَته

(1/227)


فصل فِي التلفيق
إِذا رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَيَوْما نقاء وَلم تجَاوز الْخَمْسَة عشر يَوْمًا فقد نَص الشَّافِعِي رَحمَه الله أَن الْجَمِيع حيض وَهُوَ قَول ابي حنيفَة
وَفِيه قَول آخر أَنه يلفق إِلَى النَّقَاء فَيجْعَل طهرا وَهُوَ قَول مَالك وَإِن عبر الْخَمْسَة يَوْمًا فقد اخْتَلَط الْحيض بالاستحاضة
وَقَالَ ابْن بنت الشَّافِعِي رَحمَه الله النَّقَاء فِي السَّادِس عشر يفصل بَين الْحيض والاستحاضة وَالْمذهب الأول
وَإِن كَانَت مُعْتَادَة وَكَانَت عَادَتهَا أَن تحيض من أول الشَّهْر خَمْسَة أَيَّام فَإِن قُلْنَا لَا تلفق فالخمسة كلهَا حيض وَإِن قُلْنَا تلفق حصل لَهَا ثَلَاثَة أَيَّام حيض
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ تلفق لَهَا خَمْسَة ايام من خَمْسَة عشر يَوْمًا وعَلى هَذَا إِذا كَانَت عَادَتهَا زِيَادَة على مَا ذَكرْنَاهُ

(1/228)


فَإِن رَأَتْ نصف يَوْم دَمًا وَنصف يَوْم نقاء وَلم يُجَاوز الْخَمْسَة عشر بني على الْقَوْلَيْنِ فِي التلفيق
وَقيل لَا يثبت لَهَا حكم التلفيق حَتَّى يتقدمه أقل الْحيض مُتَّصِلا
وَقيل يعْتَبر أَن يتَقَدَّم أقل الْحيض مُتَّصِلا ويتعقبه أقل الْحيض مُتَّصِلا وَالْمذهب الأول
قَالَ أَبُو الْعَبَّاس لَا يجب عَلَيْهَا الْغسْل فِي الْيَوْم الأول من الشَّهْر على القَوْل الَّذِي يَقُول لَا يلفق وَإِن قُلْنَا يلفق وَجب عَلَيْهَا الْغسْل إِذا رَأَتْ النَّقَاء فِي الْيَوْم الاول
قَالَ الشَّيْخ ابو نصر رَحمَه الله وَعِنْدِي أَن الَّذِي يَجِيء على هَذَا القَوْل أَن لَا يجب الْغسْل أَيْضا وانما يتَصَوَّر ذَلِك فِي الْيَوْم الثَّانِي وَمَا بعده
قلت مَا ذكره صَحِيح فِي الْيَوْم الأول وَقَوله إِنَّه لَا يتَصَوَّر فِي الْيَوْم الأول من الشَّهْر الثَّانِي وَمَا بعده لَيْسَ بِصَحِيح بل ينيغي أَن يجب الْغسْل عَلَيْهَا بعد ذَلِك على الْقَوْلَيْنِ لِأَن مَا تقدم قد ثَبت كَونه حيضا فَإِن لفقنا فَهُوَ طهر بعد حيض وَإِن لم نلفق فَالظَّاهِر بَقَاء الطُّهْر
وَإِن رَأَتْ سَاعَة دَمًا وَسَاعَة نقاء وَلم يُجَاوز الْخَمْسَة عشر وَبلغ بمجموعه أقل الْحيض فقد قَالَ أَبُو الْعَبَّاس وَأَبُو اسحاق فِيهِ الْقَوْلَانِ فِي التلفيق وَإِن لم يبلغ بمجموعه أقل الْحيض بِأَن رَأَتْ سَاعَة دَمًا ثمَّ رَأَتْ سَاعَة فِي الْخَامِس عشر دَمًا فقد قَالَ ابو الْعَبَّاس إِذا قُلْنَا لَا يلفق احْتمل وَجْهَيْن

(1/229)


أَحدهمَا أَنه يكون حيضا
وَالثَّانِي أَنه لَا يكون حيضا
فَإِن كَانَت عَادَتهَا أَن تحيض فِي أول كل شهر خَمْسَة ايام فرأت فِي بعض الشُّهُور الْيَوْم الأول نقاء وَالثَّانِي دَمًا وعَلى هَذَا وَلم يُجَاوز الْخَمْسَة عشر وَقُلْنَا لَا يلفق كَانَ لَهَا ثَلَاثَة عشر يَوْمًا حيضا وَإِن قُلْنَا يلفق يلفق لَهَا سَبْعَة أَيَّام وَإِن جَاوز خَمْسَة عشر يَوْمًا وَقُلْنَا يلفق فَفِي زَمَانه وَجْهَان
أَحدهمَا من زمَان الْعَادة فَيُلَفقُ لَهَا يَوْمَانِ
وَالْوَجْه الثَّانِي أَنه يلفق لَهَا من زمَان الْإِمْكَان فيتلفق لَهَا خَمْسَة أَيَّام من عشرَة ايام وَإِن قُلْنَا لَا يلفق فَهَل الِاعْتِبَار بِزَمَان الْعَادة أَو بعددها قَالَ أَبُو الْعَبَّاس فِيهِ قَولَانِ يَعْنِي وَجْهَان
وَالْوَجْه الثَّانِي أَن الِاعْتِبَار بِعَدَد الْعَادة فَيكون حَيْضهَا خَمْسَة أَيَّام أَولهَا الثَّانِي وَآخِرهَا السَّادِس وَالْأول أظهر فيتحصل فِي قدر حَيْضهَا ثَلَاثَة أوجه وَفِي وقته اربعة أوجه
قَالَ أَبُو الْعَبَّاس لَو كَانَت الْمَسْأَلَة بِحَالِهَا غير أَنَّهَا حَاضَت قبل عَادَتهَا يَوْمًا وَرَأَتْ الْيَوْم الأول من الشَّهْر نقاء وعَلى هَذَا وَجَاوَزَ الْأَكْثَر

(1/230)


فَإِن قُلْنَا يلفق لَهَا من زمَان الْعَادة حصل لَهَا من الْحيض يَوْمَانِ وَإِن قُلْنَا من زمَان الْإِمْكَان
قَالَ ابو الْعَبَّاس يحْتَمل وَجْهَيْن
أَحدهمَا أَن يكون أول حَيْضهَا الْيَوْم الَّذِي سبق عَادَتهَا وَاحْتمل أَن يكون أَوله الثَّانِي من الشَّهْر قَالَ وَالْأول أظهر على هَذَا الْوَجْه
فَإِن قُلْنَا يحْتَسب من الثَّانِي من الشَّهْر تلفق لَهَا خَمْسَة ايام من عشرَة وَإِن قُلْنَا لَا يلفق بني على الْوَجْهَيْنِ فِي أَن الِاعْتِبَار بِزَمَان الْعَادة أَو عَددهَا فَإِن قُلْنَا بِزَمَان الْعَادة حصل لَهَا ثَلَاثَة أَيَّام وَإِن قُلْنَا بعددها حصل لَهَا خَمْسَة ايام فَحصل فِي قدر الْحيض ثَلَاثَة أوجه وَفِي مَوْضِعه