حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء

فصل الدَّم الَّذِي يخرج بعد الْوَلَد نِفَاس وَالَّذِي يخرج مَعَه فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه نِفَاس فَإِن رَأَتْ قبل الْولادَة خَمْسَة ايام دَمًا ثمَّ ولدت وَرَأَتْ الدَّم فَفِي الَّذِي قبل الْولادَة وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه حيض إِذا قُلْنَا إِن الْحَامِل تحيض

(1/231)


وَأكْثر النّفاس سِتُّونَ يَوْمًا وغالبه أَرْبَعُونَ يَوْمًا وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن مَالك
وَالثَّانيَِة أَنه يرجع إِلَى الْعَادة وأقصى مَا تجْلِس إِلَيْهِ الْمَرْأَة
وَحكى ابْن الْمُنْذر عَن الْحسن الْبَصْرِيّ أَنه قَالَ خَمْسُونَ يَوْمًا
وَحكي فِي الْحَاوِي عَن اللَّيْث بن سعد أَنه قَالَ من النَّاس من قَالَ سَبْعُونَ يَوْمًا
وَقَالَ أَبُو حنيفَة أَكْثَره أَرْبَعُونَ يَوْمًا وَهُوَ اخْتِيَار الْمُزنِيّ وَأحمد
فَإِن ولدت توأمين بَينهمَا زمَان فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا أَنه يعْتَبر من الأول ابْتِدَاء الْمدَّة وَهُوَ قَول أبي إِسْحَاق وَأبي حنيفَة وَأبي يُوسُف
وَالثَّانِي أَنه يعْتَبر ابْتِدَاء الْمدَّة من الثَّانِي وَهُوَ قَول مُحَمَّد وَزفر
وَالثَّالِث أَنه يعْتَبر ابْتِدَاؤُهَا من الأول ثمَّ تسْتَأْنف الْمدَّة من الثَّانِي
فَإِن رَأَتْ سَاعَة دَمًا ثمَّ ظَهرت خَمْسَة عشر يَوْمًا ثمَّ رَأَتْ يَوْمًا وَلَيْلَة دَمًا فَفِيهِ وَجْهَان

(1/232)


احدهما أَن الثَّانِي حيض وَمَا بَينهمَا طهر وَهُوَ قَول مُحَمَّد وَأبي يُوسُف
وَالثَّانِي أَن الْجَمِيع نِفَاس وَفِيمَا بَينهمَا الْقَوْلَانِ فِي التلفيق وَهُوَ قَول أبي حنيفَة واختبار القَاضِي ابي الطّيب رَحمَه الله
فَإِن رَأَتْ سَاعَة دَمًا وَخَمْسَة عشر يَوْمًا طهرا ثمَّ رَأَتْ بعض يَوْم وَلَيْلَة دَمًا وَانْقطع فَالْأول نِفَاس وَمن قَالَ فِي الْمَسْأَلَة قبلهَا إِن الثَّانِي نِفَاس فها هُنَا أولى وَفِيمَا بَينهمَا الْقَوْلَانِ فِي التلفيق وَمن قَالَ إِن الثَّانِي حيض يَقُول هَا هُنَا إِنَّه دم فَسَاد
فَإِن رَأَتْ يَوْمًا ولية دَمًا ثمَّ طهرت ثَلَاثَة عشر يَوْمًا وَنصفا ثمَّ رَأَتْ الدَّم نصف يَوْم فَإِنَّهُ يضم إِلَى الأول لِإِمْكَان حمله على الصِّحَّة
وَحكي عَن أَحْمد أَنه قَالَ الدَّم الأول نِفَاس وَالثَّانِي مَشْكُوك فِيهِ تَصُوم وَتصلي وَلَا يَأْتِيهَا زَوجهَا وتقضي الصَّوْم وَالطّواف
فَإِن جَاوز الدَّم السِّتين ردَّتْ إِلَى أقل النّفاس فِي أحد الْقَوْلَيْنِ وَفِي الثَّانِي إِلَى غَالب الْعَادة
وَقَالَ الْمُزنِيّ رَحمَه الله لَا ينقص عَن أَرْبَعِينَ
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ يَجْعَل مَا زَاد على السِّتين حيضا وَهَذَا مَبْنِيّ عَلَيْهِ
إِذا رَأَتْ قبل الْولادَة خَمْسَة ايام دَمًا ثمَّ ولدت وَرَأَتْ دم النّفاس وَقُلْنَا إِن الْحَامِل تحيض هَل يكون ذَلِك حيضا فِيهِ وَجْهَان

(1/233)


فصل يجب على الْمُسْتَحَاضَة أَن تغسل الدَّم وتعصب الْفرج
وتستوثق بالشد والتلجم وتتوضأ لكل فَرِيضَة وَبِه قَالَ الثَّوْريّ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد تتوضأ لوقت كل فَرِيضَة
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث بن سعد تجمع بطهارتها بَين الظّهْر وَالْعصر وَلَا تتوضأ قبل دُخُول الْوَقْت
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يجوز إِذا لم يكن ذَلِك وَقت صَلَاة فَإِن تَوَضَّأت فِي أول الْوَقْت واخرت فعل الصَّلَاة لغير غَرَض إِلَى آخر الْوَقْت قَالَ أَبُو الْعَبَّاس فِيهَا وَجْهَان

(1/234)


أَحدهمَا أَن صلَاتهَا تبطل
وَالثَّانِي أَنَّهَا صَحِيحَة
وَإِن أخرت الصَّلَاة حَتَّى خرج الْوَقْت
قَالَ أَبُو الْعَبَّاس لَا تصح صلَاتهَا بِتِلْكَ الطَّهَارَة
وَمن أَصْحَابنَا من خَالف أَبَا الْعَبَّاس بن سُرَيج فِي ذَلِك وَقَالَ فَإِن هَذَا يُؤَدِّي إِلَى أَن تصير طَهَارَتهَا مقدرَة بِوَقْت الصَّلَاة وَذَلِكَ مَذْهَب أبي حنيفَة
وَذكر الشَّيْخ ابو نصر رَحمَه الله أَن نَظِير هَذِه الْمَسْأَلَة إِذا تيَمّم لفائتة قبل دُخُول وَقت الْحَاضِرَة ثمَّ دخل وَقتهَا هَل يجوز أَن يُصليهَا فِيهِ وَجْهَان
قَالَ الشَّيْخ الإِمَام ايده الله وَعِنْدِي أَن هَذِه الْمَسْأَلَة لَيست بنظير الْمُسْتَحَاضَة لِأَن الْوَجْهَيْنِ هُنَاكَ فِي فعل الْحَاضِرَة بذلك التَّيَمُّم الَّذِي وَقع للفائتة وَفعل الْفَائِتَة هُنَاكَ جَائِز وَجها وَاحِدًا وَهَا هُنَا الْوَجْهَانِ فِي فعل الصَّلَاة الَّتِي تَوَضَّأت لَهَا وَبطلَان طَهَارَتهَا بِخُرُوج الْوَقْت وَيَنْبَغِي أَن يبْنى ذَلِك على تَأْخِير الصَّلَاة عَن أول الْوَقْت إِلَى آخِره من غير غَرَض
فَإِن قُلْنَا يجوز فها هُنَا وَجْهَان
أَحدهمَا أَنَّهَا لَا تبطل بِخُرُوج الْوَقْت فَيجوز لَهَا أَن تصلي بهَا الصَّلَاة

(1/235)


الَّتِي تَوَضَّأت لَهَا وَهل يجوز لَهَا أَن تصلي الصَّلَاة الثَّانِيَة على الْوَجْهَيْنِ فِي الْمُتَيَمم للفائتة قبل دُخُول وَقت الْحَاضِرَة
فَإِن انْقَطع دَمهَا فِي أثْنَاء الصَّلَاة بطلت صلَاتهَا فِي أصح الْوَجْهَيْنِ
فَإِن قُلْنَا إِنَّهَا تبطل وَانْقطع دَمهَا ثمَّ عَاد قبل الْفَرَاغ من الصَّلَاة فَهَل تبطل صلَاتهَا فِيهِ وَجْهَان
فَإِن انْقَطع دَمهَا قبل الشُّرُوع فِي الصَّلَاة وَجب عَلَيْهَا تَجْدِيد الطَّهَارَة فَإِن لم تفعل وشرعت فِي الصَّلَاة وَعَاد الدَّم بعد الْفَرَاغ من الصَّلَاة وَجب عَلَيْهَا إِعَادَتهَا وَإِن عَاد قبل الْفَرَاغ من الصَّلَاة فَفِيهِ وَجْهَان
أصَحهمَا أَنه لَا تصح صلَاتهَا
وَإِن كَانَ دم الِاسْتِحَاضَة يجْرِي مرّة ويمسك أُخْرَى فَإِن كَانَ زمَان إمْسَاك يَتَّسِع لفعل الطَّهَارَة وَالصَّلَاة لم يجز لَهَا أَن تصلي فِي حَال جَرَيَانه ولزمها أَن تنْتَظر حَال إِمْسَاكه مَا لم يفت الْوَقْت وَإِن كَانَ زمَان إِمْسَاكه لَا يَتَّسِع لفعل الطَّهَارَة وَالصَّلَاة كَانَ لَهَا أَن تتوضأ وَتصلي فِي حَال جَرَيَانه إِذا عرفت ذَلِك بِحَال انْقِطَاعه وتكرره
فَإِن تَوَضَّأت فِي حَال جَرَيَان الدَّم ثمَّ انْقَطع وَدخلت فِي الصَّلَاة واتصل انْقِطَاعه بطلت صلَاتهَا وَجها وَاحِدًا
وَحكي فِي تَعْلِيق الشَّيْخ ابي حَامِد عَن أبي الْعَبَّاس فِي ذَلِك وَجْهَان كابتداء انْقِطَاع الصَّلَاة

(1/236)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب إِزَالَة النَّجَاسَة
الْبَوْل وَالْغَائِط نجس وَبِه قَالَ أَبُو يُوسُف وَأَبُو حنيفَة
وَقَالَ الزُّهْرِيّ وَمَالك وَأحمد وَزفر بَوْل مَا يُؤْكَل لَحْمه ورجيعه طَاهِر وَوَافَقَهُمْ أَبُو حنيفَة فِي ذرق الطير والعصفور من ذَلِك
وَقَالَ اللَّيْث بن سعد وَمُحَمّد بن الْحسن ابوال مَا يُؤْكَل لَحْمه طَاهِر وأرواثها نَجِسَة
وَقَالَ النَّخعِيّ أَبْوَال جَمِيع الْبَهَائِم الطاهرة طَاهِرَة
وَقَالَ دَاوُد بَوْل الصَّبِي مَا لم يَأْكُل الطَّعَام طَاهِر

(1/237)


وَأما مني الْآدَمِيّ فطاهر وَبِه قَالَ أَحْمد فِي أصح الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ وَفِي مني غَيره ثَلَاث أوجه

(1/238)


أَحدهمَا وَهُوَ ظَاهر الْمَذْهَب أَن الْجَمِيع طَاهِر إِلَّا مني الْكَلْب وَالْخِنْزِير وَمَا تولد مِنْهُمَا أَو من أَحدهمَا
وَالثَّانِي أَن الْجَمِيع نجس
وَالثَّالِث أَن مني مَا يُؤْكَل طَاهِر
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك الْمَنِيّ جَمِيعه نجس من الْآدَمِيّ وَغَيره وَهُوَ الرِّوَايَة الْأُخْرَى عَن أَحْمد إِلَّا أَن مَالِكًا قَالَ رطبا ويابسا وَأَبُو حنيفَة وَأحمد قَالَا فِي مني الْآدَمِيّ يغسل رطبا ويفرك يَابسا
وَحكي الحلطوي عَن الْحسن بن صَالح بن حَيّ أَنه قَالَ لَا يُعِيد الصَّلَاة من الْمَنِيّ فِي الثَّوْب وَيُعِيدهَا من الْمَنِيّ فِي الْبدن وَإِن قل
وَأما الدَّم فنجس

(1/239)


وَفِي دم السّمك وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه طَاهِر
وَقَالَ أَبُو حنيفَة دم الْقمل والبراغيث والبق طَاهِرَة وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد والقيء نجس والرطوبة الَّتِي تخرج من الْمعدة نَجِسَة
ويحكى عَن أبي حنيفَة وَأحمد وَمُحَمّد أَنَّهُمَا قَالَا هِيَ طَاهِرَة
وَمَاء القروح إِن كَانَ لَهُ رَائِحَة فَهُوَ نجس وَإِن لم يكن لَهُ رَائِحَة فَهُوَ طَاهِر
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ فِيهِ قَولَانِ

(1/240)


وَفِي الْعلقَة وَجْهَان
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق هِيَ نَجِسَة
وَقَالَ أَبُو بكر الصَّيْرَفِي هِيَ طَاهِرَة
وَالْميتَة سوى السّمك وَالْجَرَاد نَجِسَة
وَقَالَ مَالك مَا لَيْسَ لَهُ نفس سَائِلَة لَا ينجس بِالْمَوْتِ وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَدَاوُد
وَحكى الْقفال الْقَوْلَيْنِ اللَّذين يذكرهما أَصْحَابنَا فِي نَجَاسَة مَا يَمُوت مِنْهُ فِي نَجَاسَته بِالْمَوْتِ
وَفرع عَلَيْهِ أَنا إِذا قُلْنَا لَا ينجس بِالْمَوْتِ جَازَ أكله وَحكي أَنه سُئِلَ الشَّيْخ ابو زيد عَن الْمَنِيّ فَقَالَ طَاهِر فَقيل أيؤكل فَقَالَ إِن اشْتهيت فَكل
قَالَ الشَّيْخ الإِمَام ايده الله وَهَذَا عِنْدِي لَا يَجِيء على أصل الشَّافِعِي رَحمَه الله

(1/241)


وَفِي الْحَيَّة والوزغ هَل لَهما نفس سَائِلَة اخْتِلَاف بَين أَصْحَابنَا
قَالَ الداركي وَالشَّيْخ ابو حَامِد لَهما نفس سَائِلَة
قَالَ أَبُو الْفَيَّاض وابو الْقَاسِم الصَّيْمَرِيّ لَيْسَ لَهما نفس سَائِلَة
وَفِي الْآدَمِيّ قَولَانِ
أصَحهمَا أَنه لَا ينجس بِالْمَوْتِ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة ينجس بِالْمَوْتِ غير أَنه يطهر بِالْغسْلِ
وَحكي فِي الْحَاوِي فِي نَجَاسَة الضفدع بِالْمَوْتِ وَجْهَان
أَحدهمَا ينجس فعلى هَذَا فِي نَجَاسَة المَاء الْقَلِيل بِهِ وَجْهَان وَالْخمر نَجِسَة والنبيذ نجس

(1/242)


وَقَالَ دَاوُد الْخمر طَاهِرَة وَإِن حرم شربهَا وروى الطَّحَاوِيّ عَن اللَّيْث بن سعد مثل ذَلِك
وَقَالَ أَبُو حنيفَة النَّبِيذ طَاهِر
وَالْكَلب وَالْخِنْزِير وَمَا تولد مِنْهُمَا أَو من أَحدهمَا نجس وَمَا سواهُمَا طَاهِر السؤر والذات
وَقَالَ مَالك وَدَاوُد الْكَلْب وَالْخِنْزِير أَيْضا طَاهِر السؤر والذات غير أَنه يجب غسل الْإِنَاء من ولوغ الْكَلْب تعبدا وَإِن كَانَ مَا فِيهِ يحل أكله وشربه
فَإِن ولغَ الْخِنْزِير فِي إِنَاء فِيهِ لبن أَو خل فَفِي وجوب غسله رِوَايَتَانِ
وَحكي فِي الْحَاوِي فِي وجوب إراقته وَالْمَنْع من الِانْتِفَاع بِهِ لِأَصْحَابِنَا وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه يحرم الِانْتِفَاع بِهِ بِكُل حَال
وَقَالَ جمهورهم يجوز الِانْتِفَاع بِهِ وَلَا يجب إراقته وَالأَصَح وجوب الإراقة

(1/243)


وَقَالَ الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ سُؤْر مَا لَا يُؤْكَل لَحْمه نجس سوى الْآدَمِيّ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة الأسآر أَرْبَعَة أضْرب ضرب نجس وَهُوَ سُؤْر الْكَلْب وَالْخِنْزِير وَسَائِر السبَاع فإنخها نَجِسَة عِنْده
وَضرب مَكْرُوه وَهُوَ حشرات الأَرْض وجوارح الطير والهرة
وَضرب مَشْكُوك فِيهِ وَهُوَ سُؤْر الْحمار والبغل
وَضرب طَاهِر غير مَكْرُوه وَهُوَ سُؤْر مَا يُؤْكَل لَحْمه
وَقَالَ أَحْمد كل حَيَوَان يُؤْكَل لَحْمه فسؤره طَاهِر وَكَذَلِكَ الْهِرَّة وحشرات الأَرْض وَعنهُ فِي السبَاع رِوَايَتَانِ وَكَذَا عَنهُ فِي الْحمار والبغل رِوَايَتَانِ
أصَحهمَا أَنه نجس
وَالثَّانيَِة أَنه مَشْكُوك فِيهِ
وَلبن مَا لَا يُؤْكَل لَحْمه نجس على الْمَنْصُوص
وَقَالَ أَبُو سعيد الْإِصْطَخْرِي هُوَ طَاهِر
ورطوبة فرج الْمَرْأَة على الْمَنْصُوص نَجِسَة
وَمن اصحابنا من قَالَ هِيَ طَاهِرَة

(1/244)