حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء

فصل وتطهر الْخمْرَة إِذا استحالت خلا بِنَفسِهَا
وَإِن خللت بِمَا طرح فِيهَا من ملح أَو خل لم تطهر وَإِن نقلت من الظل إِلَى الشَّمْس حَتَّى تخللت طهرت فِي أحد الْوَجْهَيْنِ وَلَا يجوز إِِمْسَاكهَا لتخلل فَإِن أمْسكهَا حَتَّى صَارَت خلا طهرت فِي أحد الْوَجْهَيْنِ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة تطهر بالتخليل وَكَذَلِكَ سَائِر النَّجَاسَات عِنْده تطهر بالاستحالة
وَفِي دُخان النَّجَاسَة وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه نجس فعلى هَذَا حُكيَ فِي الْعَفو عَنهُ وَجْهَان
أَحدهمَا يُعْفَى عَنهُ
وَقَالَ أَبُو الْحسن ابْن الْمَرْزُبَان من أَصْحَابنَا إِذا عمل الْآجر من طين فِيهِ سرجين فَغسل طهر ظَاهره
وَمن اصحابنا من خرج فِيهِ قولا من قَوْله الْقَدِيم فِي الشَّمْس أَنَّهَا تطهر الأَرْض النَّجِسَة وَلَيْسَ بِشَيْء وَاخْتَارَ الشَّيْخ ابو نصر رَحمَه الله قَول ابْن الْمَرْزُبَان

(1/245)


وَيجوز إمْسَاك ظروف الْخمر وَالِانْتِفَاع بهَا
وَحكي عَن أَحْمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ أَنه يجب كسر دنانها وشق أزقاقها
وَيجب غسل الْإِنَاء من ولوغ الْكَلْب سبعا إِحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ
وَمن اصحاب مَالك من يَقُول الْعدَد مُسْتَحبّ
وَعَن مَالك رِوَايَة أُخْرَى أَنه يغسل ثَمَانِي غسلات
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه يغسل حَتَّى يغلب على الظَّن طَهَارَته وَالْعدَد لَا يعْتَبر
وَإِن جعل مَكَان التُّرَاب غَيره من جص أَو أشنان فَفِيهِ قَولَانِ
أظهرهمَا أَنه يجزىء وَفِي مَوضِع الْقَوْلَيْنِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَن الْقَوْلَيْنِ مَعَ عدم التُّرَاب فَأَما مَعَ وجوده فَلَا يجوز قولا وَاحِدًا
وَالثَّانِي أَن الْقَوْلَيْنِ فِي جَمِيع الْأَحْوَال
فَإِن قُلْنَا إِن غير التُّرَاب لَا يقوم مقَام التُّرَاب فِي الْإِنَاء فَفِي الثَّوْب وَجْهَان ذكر ذَلِك فِي الْحَاوِي وَذكر فِي قدر التُّرَاب وَجْهَيْن
أَحدهمَا مَا يَقع عَلَيْهِ الِاسْم
وَالثَّانِي مَا يستوعب مَحل الولوغ

(1/246)


فَإِن غسل مَكَان التُّرَاب غسلة ثامنة بِالْمَاءِ لم يجزه فِي أحد الْوَجْهَيْنِ
فَإِن ولغَ فِي إِنَاء كلبان أَو أَكثر كفي فِي غسله سبع مَرَّات
وَمن اصحابنا من قَالَ يغسل لكل كلب سبع غسلات
وَحكي فِي الْحَاوِي وَجها ثَالِثا أَن الولوغ إِن تكَرر من كلب وَاحِد كَفاهُ سبع مَرَّات وَإِن كَانَ من كلاب وَجب لكل كلب سبع مَرَّات وَهَذَا ظَاهر الْفساد
فَإِن أصَاب الثَّوْب من مَاء الغسلات كَفاهُ فِي غسله مرّة وَاحِدَة فِي أحد الْوَجْهَيْنِ
وَالثَّانِي أَنه يغسل بِقدر مَا بَقِي على الْمحل من الْغسْل
فَإِن جمع مَاء الغسلات فِي إِنَاء كَانَ طَاهِرا فِي أحد الْوَجْهَيْنِ
وَالثَّانِي أَنه نجس اعْتِبَارا بِالْمحل
فَإِن وَقع الْإِنَاء الَّذِي ولغَ الْكَلْب فِيهِ فِي مَاء يبلغ قُلَّتَيْنِ لم ينجس المَاء وَهل يطهر الْإِنَاء فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا لَا يطهر ويعد ذَلِك غسلة وَاحِدَة
وَحكم سَائِر أَعْضَاء الْكَلْب فِي الْعدَد حكم فِيهِ
وَقَالَ مَالك وَدَاوُد لَا يجب الْغسْل من غير الولوغ بِحَال

(1/247)


وَذكر القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله أَن بَوْل الْكَلْب إِذا لم يزل عَن الْمحل إِلَّا بمرتين فَهَل يَكْفِيهِ بعد ذَلِك خمس غسلات فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا يَكْفِيهِ
وَالثَّانِي أَنه يسْتَأْنف الْغسْل سبعا
فَإِن أَدخل الْكَلْب رَأسه فِي إِنَاء فِيهِ مَاء وَأخرجه وَلم يعلم هَل ولغَ فِيهِ أم لَا وَكَانَ على فَمه رُطُوبَة نجس المَاء فِي أظهر الْوَجْهَيْنِ
فصل ويجزىء فِي بَوْل الصَّبِي
الَّذِي لم يطعم الطَّعَام النَّضْح هُوَ أَن يبله بِالْمَاءِ وَإِن لم ينزل عَنهُ وَيغسل من بَوْل الْجَارِيَة فَيصب عَلَيْهِ المَاء حَتَّى ينزل عَنهُ وَبِه قَالَ احْمَد

(1/248)


وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ يطهر بولهما جَمِيعًا بالرش عَلَيْهِ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك يجب عَلَيْهِ غسل بَوْل الصَّبِي أَيْضا
وَأما سَائِر النَّجَاسَات سوى مَا ذَكرْنَاهُ فَالْوَاجِب فِيهَا أَن تكاثر بِالْمَاءِ حَتَّى تستهلك بِهِ وتزول صفاتها وَلَا يتَغَيَّر المَاء بهَا فَإِن حصل ذَلِك بِمرَّة وَاحِدَة أَجْزَأَ وَيسْتَحب أَن يغسل ثَلَاثًا
وَقَالَ أَحْمد يجب غسل سَائِر النَّجَاسَات سبعا إِلَّا الأَرْض إِذا أصابتها نَجَاسَة وَاخْتلف أَصْحَابه فِي ضم التُّرَاب إِلَيْهِ
فَإِن كَانَت النَّجَاسَة فِي الثَّوْب خمرًا فغسلها وَبقيت رائحتها طهر فِي أحد الْقَوْلَيْنِ
وَفِي الثَّانِي لَا يطهر وَهُوَ الْأَصَح
وَلَا يعْتَبر الْحَث والقرص فِي غسل الثَّوْب من الدَّم وَغَيره إِذا زَالَ وَإِن بَقِي الْأَثر

(1/249)


وَقَالَ دَاوُد يجب الْحَث والقرص فِي غسل الدَّم من الثَّوْب
وَذكر فِي الْحَاوِي أَن الْخمر فِي الثَّوْب لَا تطهر حَتَّى تَزُول الرَّائِحَة وَفِي الأَرْض لَا يعْتَبر ذَلِك وَلَيْسَ بِشَيْء
وَذكر أَيْضا أَنه إِذا بل خضابا ببول أَو خمر أَو دم وخضب بِهِ شعره أَو يَدَيْهِ وغسله فَبَقيَ اللَّوْن فَإِن كَانَ لون النَّجَاسَة لم يطهر وَإِن كَانَ لون الخضاب فَفِيهِ وَجْهَان
فَإِن قُلْنَا إِنَّه نجس وَكَانَ الخضاب فِي شعره لم يلْزمه حلقه وَصلى فَإِذا انْفَصل الخضاب أَعَادَهُ وَإِن كَانَ فِي يَدَيْهِ وَكَانَ لَا ينْفَصل كالوشم وَخَافَ التّلف من إِزَالَته وَكَانَ هُوَ الَّذِي فعله فَفِيهِ وَجْهَان
قَالَ الشَّيْخ الإِمَام وَهَذَا تَفْرِيع عَجِيب وَاعْتِبَار زَوَال اللَّوْن لَا معنى لَهُ
وَقد نَص الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي مَوضِع آخر على أَنه يطهر بِالْغسْلِ وَإِن لم يزل اللَّوْن وَلِأَنَّهُ عرض فَلَا تحله النَّجَاسَة

(1/250)


قَالَ ابْن الْقَاص لَو أَن ثوبا كُله نجس غسل بعضه فِي جَفْنَة ثمَّ عَاد إِلَى الْبَاقِي فَغسله لم يطهر حَتَّى يغسل الثَّوْب كُله دفْعَة قلته تخريجا وَذكر فِيهِ وَجه آخر أَنه يطهر فَإِن صب المَاء على الثَّوْب النَّجس وعصر فِي إجانة وَهُوَ متغير ثمَّ صب عَلَيْهِ مَاء آخر وعصر فَخرج غير متغير ثمَّ جمع بَين الماءين فَزَالَ التَّغَيُّر فَفِيهِ وَجْهَان
أصَحهمَا أَنه نجس
وَالثَّانِي أَنه يطهر وَلَيْسَ بِشَيْء
فَإِن غمس الثَّوْب النَّجس فِي إِنَاء فِيهِ مَاء قَلِيل نجس المَاء وَلم يطهر الثَّوْب
وَقيل إِن قصد بغمسه إِزَالَة النَّجَاسَة طهر وَلَيْسَ بِشَيْء
فَإِن وضع الثَّوْب النَّجس فِي إجانة وصب عَلَيْهِ المَاء حَتَّى غمره واستهلك النَّجَاسَة وَلم يعصره طهر فِي أظهر الْوَجْهَيْنِ
فَإِن كَانَ فِي إِنَاء قَلِيل بَوْل فكاثره بِالْمَاءِ حَتَّى اسْتَهْلكهُ طهر فِي اظهر الْوَجْهَيْنِ
وَالثَّانِي لَا يطهر حَتَّى يريق مَا فِيهِ ثمَّ يغسلهُ

(1/251)


ذكر القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله إِذا سقى سكينا بِمَاء نجس ثمَّ غسله طهر ظَاهره دون بَاطِنه وَالْحَد فِي تَطْهِيره أَن يسْقِيه بِمَاء طَاهِر مرّة أُخْرَى
قَالَ الشَّيْخ الإِمَام وَهَذَا بعيد
وَمُجَرَّد الْغسْل يَكْفِي فِي تَطْهِيره كالذهب وَالْفِضَّة وزبر الْحَدِيد
وَذكر أَيْضا انه إِذا طبخ اللَّحْم بِمَاء نجس فَإِنَّهُ ينجس ظَاهره وباطنه وَالطَّرِيق فِي تَطْهِيره أَن يغليه مرّة أُخْرَى فِي مَاء طَاهِر وَهَذَا أَيْضا فِيهِ نظر لِأَنَّهُ يُمكن عصره ثمَّ مكاثرته بِالْمَاءِ كالبساط الصفيق النَّجس
وَذكر ايضا إِذا ابتلعت الْبَهِيمَة حبات من طَعَام وألقتها فِي الْحَال وَكَانَت الصلوبة بِحَالِهَا بِحَيْثُ إِذا زرعت نَبتَت فَإِنَّهَا تغسل وتطهر وَإِن كَانَت صلابتها قد ذهبت بِحَيْثُ إِذا زرعت لم تنْبت لم تطهر بِالْغسْلِ فِيهِ نظر لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَة مَا يطْبخ فِي مَاء نجس
فَإِن كَانَت النَّجَاسَة على الأَرْض وَكَانَت عذرة وَجب إِزَالَتهَا ثمَّ غسل موضعهَا وَإِن كَانَت بولا أَجْزَأَ فِيهِ المكاثرة حَتَّى تستهلكه

(1/252)


لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر فِي بَوْل الْأَعرَابِي بذنوب من مَاء وَذَلِكَ تقريب على سَبِيل المكاثرة
وَقَالَ أَبُو سعيد الْإِصْطَخْرِي بل هُوَ تَقْدِير فَيجب فِي بَوْل الْإِثْنَيْنِ ذنوبان وَالْمذهب الأول
وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن كَانَت الأَرْض رخوة ينزل المَاء فِيهَا كفى صب المَاء عَلَيْهَا وَإِن كَانَت صلبة وَجب حفرهَا وَنقل التُّرَاب النَّجس عَنْهَا فَإِن أصَاب الأَرْض نَجَاسَة فِي مَوضِع ضاح فطلعت عَلَيْهَا الشَّمْس وهبت عَلَيْهَا الرِّيَاح حَتَّى ذهب أَثَرهَا فقد قَالَ فِي الْقَدِيم تطهر وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد
فَتجوز الصَّلَاة عَلَيْهَا وَلَا يجوز التَّيَمُّم بترابها
وَقَالَ فِي الْأُم لَا تطهر وَهُوَ الْأَصَح وَهُوَ قَول مَالك وَأحمد

(1/253)


وَإِن أصَاب أَسْفَل الْخُف نَجَاسَة لم يجز فِيهِ إِلَّا المَاء على قَوْله الْجَدِيد وَبِه قَالَ مَالك فِي الْعذرَة وَالْبَوْل
وَفِي أرواث الدَّوَابّ رِوَايَتَانِ
إِحْدَاهمَا تغسل
وَالثَّانيَِة تمسح
وَقَالَ فِي الْقَدِيم إِذا دلكه بِالْأَرْضِ كَانَ عفوا
وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن كَانَ يَابسا جَازَ الِاقْتِصَار فِيهِ على الدَّلْك وَإِن كَانَ رطبا لم يجز

(1/254)


= كتاب الصَّلَاة

(2/5)


= كتاب الصَّلَاة لَا تجب الصَّلَاة إِلَّا على كل مُسلم بَالغ عَاقل طَاهِر وَأما الْمُرْتَد فَتجب عَلَيْهِ الصَّلَاة وَيُؤمر بقضائها إِذا أسلم

(2/7)


وَقَالَ أَبُو حنيفَة الرِّدَّة تسْقط عَنهُ فرض الْقَضَاء فِي الصَّلَاة الَّتِي وَجَبت عَلَيْهِ فِي حَال الْإِسْلَام وَلَا يُؤمر بِقَضَاء مَا فَاتَهُ فِي حَال الرِّدَّة بعد العودة إِلَى الْإِسْلَام وَبِه قَالَ مَالك
وَعَن احْمَد رِوَايَتَانِ
وَالْإِغْمَاء إِذا كَانَ بِغَيْر مَعْصِيّة يسْقط فرض الْقَضَاء وَإِذا كَانَ بِمَعْصِيَة لم يمْنَع الْوُجُوب وَبِه قَالَ مَالك
وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا زَاد الْإِغْمَاء على يَوْم وَلَيْلَة أسقط فرض الْقَضَاء وَإِن كَانَ فِي يَوْم وَلَيْلَة فَمَا دون لم يمْنَع الْوُجُوب
وَقَالَ أَحْمد الْإِغْمَاء لَا يمْنَع وجوب الْقَضَاء بِحَال
وَلَا يُؤمر أحد مِمَّن لَا تجب عَلَيْهِ الصَّلَاة بِفِعْلِهَا إِلَّا الصَّبِي فَإِنَّهُ يُؤمر بِالصَّلَاةِ لسبع وَيضْرب على تَركهَا لعشر وَتَصِح صلَاته
وَقَالَ بعض أَصْحَاب أبي حنيفَة لَا تصح صلَاته

(2/8)


وَقَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله وعَلى الْآبَاء والأمهات أَن يؤدبوا أَوْلَادهم ويعلموهم الطَّهَارَة وَالصَّلَاة وَظَاهر هَذَا يقْضِي الْوُجُوب
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ المُرَاد بِهِ الِاسْتِحْبَاب وَهَذَا أجْرى على الْقيَاس وَإِن خَالف الظَّاهِر
فَإِن شرع فِي الصَّلَاة وَبلغ فِي أَثْنَائِهَا فقد قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله أَحْبَبْت أَن يتم وَيُعِيد وَلَا يبين لي أَن عَلَيْهِ الْإِعَادَة
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق يلْزمه الْإِتْمَام وَيسْتَحب لَهُ الْإِعَادَة وَهُوَ ظَاهر كَلَام الشَّافِعِي رَحمَه الله
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ يسْتَحبّ لَهُ الْإِتْمَام وَيجب عَلَيْهِ الْإِعَادَة
وَمِنْهُم من قَالَ إِن بلغ بَعْدَمَا فرغ مِنْهَا وَلم يبْق من الْوَقْت مَا يَتَّسِع لفعلها لم يجب عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا وَلَيْسَ بِشَيْء
وَإِن بلغ بعد الْفَرَاغ من الصَّلَاة فعلى قَوْله الأول لَا يجب عَلَيْهِ الْإِعَادَة وعَلى الْوَجْه الآخر يجب عَلَيْهِ الْإِعَادَة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك يجب عَلَيْهِ الْإِعَادَة بِكُل حَال فِي الصَّوْم وَالصَّلَاة 3
وَاخْتَارَ الْمُزنِيّ رَحمَه الله أَن يُعِيد الصَّلَاة وَلَا يُعِيد الصَّوْم

(2/9)


وَمن ترك الصَّلَاة بعد اعْتِقَاده وُجُوبهَا كسلا وأصر على تَركهَا قتل وَبِه قَالَ مَالك

(2/10)


وَقَالَ أَبُو حنيفَة يحبس حَتَّى يُصَلِّي
وَقَالَ الْمُزنِيّ يضْرب وَلَا يقتل
وَاخْتلف أَصْحَابنَا فِي الْوَقْت الَّذِي يقتل فِيهِ
فَقَالَ أَبُو سعيد الْإِصْطَخْرِي يقتل إِذا ضَاقَ وَقت الصَّلَاة الرَّابِعَة
وَقَالَ أَبُو عَليّ بن أبي هُرَيْرَة يقتل إِذا ضاقلا وَقت الصَّلَاة الأولى وَهُوَ ظَاهر كَلَام الشَّافِعِي رَحمَه الله
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق يقتل إِذا ضَاقَ وَقت الصَّلَاة الثَّانِيَة
ذكر فِي الْحَاوِي هَل يقتل لصَلَاة الْوَقْت أَو لما فَاتَ فِيهِ وَجْهَان

(2/11)


أصَحهمَا أَنه يقتل لصَلَاة الْوَقْت فعلى هَذَا لَا يقتل للفوائت إِذا تَركهَا
وَالثَّانِي أَنه يقتل لما فَاتَ فعلى هَذَا يقتل لترك فعل الْفَوَائِت وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيح وَهل يجب استتابته ثَلَاثَة أَيَّام فِيهِ قَولَانِ كالمرتد ثمَّ يضْرب عُنُقه بِالسَّيْفِ
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ ينخس بِالسَّيْفِ وَإِن ادى إِلَى قَتله
وَقَالَ أَحْمد يكفر بترك الصَّلَاة وَهُوَ قَول بعض أَصْحَابنَا

(2/12)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب مَوَاقِيت الصَّلَاة
أول وَقت الظّهْر إِذا زَالَت الشَّمْس
وَحكى القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله أَن من النَّاس من قَالَ لَا تجوز الصَّلَاة حَتَّى يصير الْفَيْء مثل الشرَاك بعد الزَّوَال
وَقَالَ مَالك أحب أَن يُؤَخر الظّهْر بعد الزَّوَال بِقدر مَا يصير الظل ذِرَاعا

(2/13)


وَآخر وَقتهَا إِذا صَار ظلّ كل شَيْء مثله وَيعْتَبر الْمثل من حد الزِّيَادَة على الظل الَّذِي كَانَ عِنْد الزَّوَال وَبِه قَالَ الثَّوْريّ وَأحمد وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَهُوَ رِوَايَة الْحسن بن زِيَاد عَن أبي حنيفَة
وروى أَبُو يُوسُف عَن أبي حنيفَة وَهُوَ الْمَشْهُور عَنهُ أَن وَقت الظّهْر إِلَى أَن يصير ظلّ كل شَيْء مثلَيْهِ
قَالَ ابْن الْمُنْذر تفرد بِهَذَا أَبُو حنيفَة
وَعَن أبي حنيفَة رِوَايَة ثَالِثَة أَنه صَار ظلّ كل شَيْء مثله خرج وَقت الظّهْر وَلم يدْخل وَقت الْعَصْر حَتَّى يصير ظلّ كل شَيْء مثلَيْهِ
وَقَالَ أَبُو ثَوْر وَابْن جرير الطَّبَرِيّ قدر أَربع رَكْعَات بعد الْمثل يكون مُشْتَركا بَين الظّهْر وَالْعصر
وَحكي عَن مَالك أَنه قَالَ إِذا صَار ظلّ كل شَيْء مثله فَهُوَ آخر وَقت الظّهْر وَأول وَقت الْعَصْر فَإِذا زَاد على الْمثل زِيَادَة بَيِّنَة خرج وَقت الظّهْر واختص الْوَقْت بالعصر
وَحكى الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله عَن مَالك وَقت الظّهْر إِلَى أَن يصير ظلّ كل شَيْء مثله وقتا مُخْتَارًا وَأما وَقت الْأَدَاء فآخره إِذا بَقِي إِلَى غرُوب الشَّمْس قدر أَربع رَكْعَات
وَحكى ابْن جريح عَن عَطاء أَنه قَالَ لَا يكون مفرطا بتأخيرها حَتَّى يصير فِي الشَّمْس صفرَة
وَعَن طَاوُوس أَنه قَالَ لَا تفوت حَتَّى اللَّيْل

(2/14)


فَإِذا زَاد على الْمثل أدنى زِيَادَة فقد دخل وَقت الْعَصْر
وَقَالَ أَبُو حنيفَة أول وَقت الْعَصْر إِذا صَار ظلّ كل شَيْء مثلَيْهِ وَزَاد عَلَيْهِ أدنى زِيَادَة لَا يخْتَلف مذْهبه فِيهِ
وَلَا يزَال وَقت الِاخْتِيَار للعصر بَاقِيا حَتَّى يصير ظلّ كل شَيْء مثلَيْهِ ثمَّ يبْقى وَقت الْجَوَاز إِلَى غرُوب الشَّمْس
وَقَالَ أَبُو سعيد الْإِصْطَخْرِي يصير قَضَاء بمجاوزة الثُّلثَيْنِ الْمسكن
فَإِذا غربت الشَّمْس فقد دخل وَقت الْمغرب وغروب الشَّمْس سُقُوط القرص
وَذكر فِي الْحَاوِي أَن يسْقط القرص ويغيب حَاجِب الشَّمْس وَهُوَ الضياء المستعلي عَلَيْهَا كالمتصل بهَا وَلم يذكرهُ غَيره
وَحكي عَن الشِّيعَة أَنهم قَالُوا أول وَقتهَا إِذا اشتبكت النُّجُوم وَهَذَا لَا يُسَاوِي الْحِكَايَة

(2/15)


وَلها وَقت وَاحِد وَهُوَ قَول مَالك
وَحكى أَبُو ثَوْر عَن الشَّافِعِي رَحمَه الله أَن لَهَا وَقْتَيْنِ
وَآخر وَقتهَا إِذا غَابَ الشَّفق وَلَيْسَ بِمَشْهُور عَنهُ وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد وَدَاوُد وَاخْتلف أَصْحَابنَا فِي قدر الْوَقْت الْوَاحِد
فَمنهمْ من قَالَ هُوَ مُقَدّر بِقدر الطَّهَارَة وَستر الْعَوْرَة وَالْأَذَان وَالْإِقَامَة وَفعل ثَلَاث رَكْعَات
وَمِنْهُم من قَالَ يتَقَدَّر بِمَا يعرف من أول الْوَقْت فِي الْعرف وَلَا ينْسب إِلَى التَّفْرِيط فِي التَّأْخِير فِيهِ وَذَلِكَ إِلَى تضييق الْوَقْت
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق هَذَا التَّضْيِيق إِنَّمَا هُوَ فِي الشُّرُوع فإمَّا الاستدامة فَيجوز إِلَى مغيب الشَّفق
وَبَعض الخراسانيين من أَصْحَابنَا خرج فِي وَقت جَمِيع الصَّلَوَات وَجْهَيْن
أَحدهمَا أَنه وَقت الِابْتِدَاء والاستدامة
وَالثَّانِي أَنه وَقت الِابْتِدَاء فَأَما الاستدامة فَيجوز بعد خُرُوج الْوَقْت وَهَذَا ظَاهر الْخَطَأ وَأول وَقت الْعشَاء إِذا غَابَ الشَّفق وَهُوَ الْحمرَة وَهُوَ قَول مَالك وَأحمد وَدَاوُد وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد
وَمَا يحْكى عَن أَحْمد أَنه قَالَ الشَّفق الْبيَاض فِي الْحصْر فَإِنَّمَا قَالَه

(2/16)


لِأَن الْحمة تكون مُسْتَقلَّة تواريها الْحِيطَان فيظن أَنَّهَا قد غَابَتْ وَلم تغب فَإِذا غَابَ الْبيَاض تحقق مغيب الْحمرَة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة الشَّفق الْبيَاض وَبِه قَالَ زفر والمزني
وَآخر وَقتهَا الْمُخْتَار إِلَى نصف اللَّيْل فِي قَوْله الْقَدِيم وَهُوَ قَول أبي حنيفَة
وَفِي قَوْله الْجَدِيد إِلَى ثلث اللَّيْل وَبِه قَالَ مَالك وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد ثمَّ يذهب وَقت الِاخْتِيَار وَيبقى وَقت الْجَوَاز إِلَى طُلُوع الْفجْر الثَّانِي خلافًا لأبي سعيد الْإِصْطَخْرِي وَقد تقدم
وَأول وَقت الصُّبْح إِذا طلع الْفجْر الثَّانِي وَلَا يزَال وَقتهَا الْمُخْتَار بَاقِيا إِلَى أَن يسفر ثمَّ يبْقى وَقت الْجَوَاز إِلَى طُلُوع الشَّمْس خلافًا للإصطخري على مَا تقدم
وَصَلَاة الصُّبْح من صلوَات النَّهَار
وَحكي عَن الْأَعْمَش أَنه قَالَ هِيَ من صَلَاة اللَّيْل وَحَكَاهُ فِي الْحَاوِي عَن الشّعبِيّ

(2/17)


قَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله لَا أعرف صِحَة هَذِه الْحِكَايَة عَنهُ وَمَا عِنْدِي أَن احدا من أهل الْعلم يخفي عَلَيْهِ تَحْرِيم الطَّعَام وَالشرَاب على الصَّائِم من طُلُوع الْفجْر الثَّانِي لشهرة ذَلِك فِي الشَّرْع
فَإِن طلعت الشَّمْس وَقد صلى رَكْعَة من الصُّبْح فَإِنَّهُ يُتمهَا وَيكون مُؤديا لجميعها فِي قَول أبي الْعَبَّاس بن سُرَيج وَاخْتَارَهُ القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله وَإِنَّمَا يكون ذَلِك فِي حق من سَهَا
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق يكون مُؤديا لما فعل فِي الْوَقْت قَاضِيا لما فعل بعده وَحَكَاهُ ابْن الْمُنْذر عَن أبي ثَوْر
وَقَالَ أَبُو حنيفَة تبطل صلَاته بِطُلُوع الشَّمْس فِيهَا
فَأَما إِذا خَفِي عَلَيْهِ وَقت الصَّلَاة فقد قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي كتاب اسْتِقْبَال الْقبْلَة وَإِذا كَانَ أعمى وَسعه خبر من يصدقهُ فِي الْوَقْت والاقتداء بالمؤذنين وَله كَلَام آخر يدل على جَوَاز التَّحَرِّي فَيجوز لَهُ التَّحَرِّي وَيجوز لَهُ التَّقْلِيد كَذَا ذكر القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله وَحَكَاهُ الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله
وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد رَحمَه الله فِي التَّعْلِيق وَجها أَنه لَيْسَ لَهُ التَّقْلِيد وَالْأول أصح

(2/18)


فَأَما سَماع المؤذنين فقد ذكر القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله أَن من أَصْحَابنَا من قَالَ الْبَصِير وَالْأَعْمَى فِيهِ سَوَاء وَلَيْسَ بِصَحِيح لِأَن الشَّافِعِي رَحمَه الله خص بِهِ الْأَعْمَى
قَالَ الشَّيْخ أَبُو نصر ذكر الشَّيْخ أَبُو حَامِد رَحمَه الله فِي التَّعْلِيق أَن الْبَصِير وَالْأَعْمَى فِي ذَلِك سَوَاء
وَحكي عَن أبي الْعَبَّاس الرُّجُوع إِلَى الْأَذَان للبصير وَالْأَعْمَى بِلَا خلاف
قَالَ الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله وَيَنْبَغِي أَن يفصل فَإِن كَانَ فِي الصحو جَازَ وَإِن كَانَ فِي الْغَيْم فَيحْتَمل أَن يكون قد أذن عَن اجْتِهَاد فَيجوز للأعمى تَقْلِيده وَلَا يجوز للبصير
وَذكر فِي الْحَاوِي هَذَا التَّفْصِيل لبَعض أَصْحَابنَا وَذكر أَيْضا أَن الْبَصِير إِذا سمع الْمُؤَذّن لم يَسعهُ تَقْلِيده حَتَّى يعلم ذَلِك بِنَفسِهِ إِلَّا أَن يكون المؤذنون عددا لَا يجوز على مثلهم التواطؤ وَالْخَطَأ ثمَّ قَالَ هَذَا هُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي رَحمَه الله
قَالَ الشَّيْخ الإِمَام رَحمَه الله وَهَذَا شَرط لَا معنى لاعتباره وَمَا ذكره الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله أصح وَأحسن