حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء

فصل وَالْوُجُوب فِي هَذِه الصَّلَوَات المؤقتة مُتَعَلق بِأول الْوَقْت وجوبا
موسوعا على معنى جَوَاز التَّأْخِير إِلَى آخر الْوَقْت وَبِه قَالَ مَالك

(2/19)


وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه يتَعَلَّق الْوُجُوب بآخر الْوَقْت إِذا بَقِي من الْوَقْت قدر تَكْبِيرَة على قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد وعَلى قَول زفر إِذا بَقِي من الْوَقْت قدر فعل الصَّلَاة
وَقَالَ أَبُو الْحسن الْكَرْخِي لَا يخْتَلف قَوْلهم إِن الْوُجُوب يتَعَلَّق بِقدر صَلَاة الْوَقْت وَمَا ذكر من قدر التَّكْبِيرَة إِنَّمَا هُوَ فِي حق المعذورين
وَاخْتلفُوا فِيمَن صلى أول الْوَقْت
فَقَالَ الْكَرْخِي تقع وَاجِبَة فَيكون الْوُجُوب عِنْده مُتَعَلقا بِوَقْت غير معِين من الْوَقْت الرَّاتِب وَيتَعَيَّن بِالْفِعْلِ وَمِنْهُم من قَالَ تقع مَوْقُوفَة فَإِن أدْركهُ آخر الْوَقْت وَهُوَ من اهل الْوُجُوب وَقعت وَاجِبَة وَإِن لم يكن من أهل الْوُجُوب فِيهِ وَقعت نَافِلَة
وَمِنْهُم من يَقُول إِنَّهَا تقع نَافِلَة بِكُل حَال غير أَنَّهَا تمنع توجه الْفَرْض عَلَيْهِ فِي الْوَقْت فعلى هَذِه الطَّرِيقَة يخرج من صلى فِي أول الْوَقْت من الدُّنْيَا وَلم يتَوَجَّه عَلَيْهِ لله تَعَالَى فَرِيضَة فِي الصَّلَاة بِحَال
وَالْأَفْضَل فِي صَلَاة الصُّبْح تَقْدِيمهَا فِي أول وَقتهَا وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وَأَبُو ثَوْر وَدَاوُد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالثَّوْري الْإِسْفَار بهَا افضل وَكَذَلِكَ التَّقْدِيم فِي الْعَصْر وَالْمغْرب عندنَا أفضل
وَقَالَ أَبُو حنيفَة تَقْدِيم الْعَصْر فِي الْغَيْم أفضل وتأخيرها فِي الصحو أفضل مَا دَامَت الشَّمْس بَيْضَاء نقية وَالنَّخَعِيّ كَانَ يُؤَخر الْعَصْر وَبِه قَالَ الثَّوْريّ

(2/20)


وَقَالَ أَبُو حنيفَة تَأْخِير الْمغرب فِي الْغَيْم أفضل
وَأما الظّهْر فتقديمها عندنَا أفضل فِي غير شدَّة الْحر فَأَما فِي شدَّة الْحر فِي الْبِلَاد الحارة فتأخيرها أفضل فِي حق من يقْصد الصَّلَاة فِي جمَاعَة من بعد فتؤخر حَتَّى يصير للشَّخْص فَيْء يمشي بِهِ القاصد إِلَى الصَّلَاة
وَمن اصحابنا من قَالَ التَّأْخِير بِحكم الْإِبْرَاد رخصَة وَلَيْسَ بفضيلة
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ هَذِه الرُّخْصَة تعم جَمِيع الْبِلَاد فِي شدَّة الْحر
وَفِي الْإِبْرَاد بِالْجمعَةِ وَجْهَان
وَقَالَ أَبُو حنيفَة تَعْجِيلهَا فِي الشتَاء أفضل وَفِي الصَّيف تَأْخِيرهَا أفضل
وَقَالَ مَالك تُؤخر الظّهْر فِي الشتَاء حَتَّى يصير الْفَيْء قدر ذِرَاع
وَأما الْعشَاء فقد قَالَ فِي الْقَدِيم تَقْدِيمهَا أفضل وَهُوَ الْأَصَح
وَقَالَ فِي الْجَدِيد تَأْخِيرهَا أفضل وَهُوَ قَول أبي حنيفَة
وَذكر فِي الْحَاوِي عَن أبي عَليّ بن أبي هُرَيْرَة أَنه كَانَ يمْتَنع من تَخْرِيج الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِك ويجعلهما على اخْتِلَاف حَالين فَمن عرف من نَفسه الصَّبْر وَأَن لَا يغلبه النّوم فالتأخير لَهُ أفضل وَمن لم يَثِق من نَفسه بذلك قالتقديم لَهُ أفضل

(2/21)


قَالَ الشَّيْخ الإِمَام رَحمَه الله وَعِنْدِي أَن هَذَا التَّفْصِيل يَسْتَقِيم فِي الْمُنْفَرد وَله وَجه
فَأَما فِي حَال الْجَمَاعَة فَلَا يَسْتَقِيم لاخْتِلَاف أَحْوَالهم وَالصَّحِيح أَن الْمَسْأَلَة على قَوْلَيْنِ
وَالصَّلَاة الْوُسْطَى الْمَذْكُورَة فِي الْقُرْآن هِيَ صَلَاة الصُّبْح وَبِه قَالَ مَالك وَرُوِيَ عَن عَليّ وَابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا

(2/22)


وَقَالَ أَبُو حنيفَة هِيَ صَلَاة الْعَصْر فِي حِكَايَة الطَّحَاوِيّ عَنهُ
وَرُوِيَ عَن زيد بن ثَابت أَنَّهَا الظّهْر

(2/23)


وَذكر الْقَدُورِيّ أَنه مَذْهَب أبي حنيفَة وَأَصْحَابه
وَحكي عَن قبيصَة بن ذويب أَنَّهَا الْمغرب
فصل قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله وَالْوَقْت للصَّلَاة وقتان
وَقت مقَام ورفاهية وَوقت عذر وضرورة وَاخْتلف أَصْحَابنَا فِي ذَلِك
فحكي عَن أبي عَليّ بن خيران أَنه قَالَ وَقت الْمقَام أول الْوَقْت للمقيم الَّذِي لَا يترفه وَوقت الرَّفَاهِيَة آخر الْوَقْت للمقيم المترفه بِالتَّأْخِيرِ
وَحكي عَن أبي إِسْحَاق وَأبي عَليّ بن أبي هُرَيْرَة وَعَامة أَصْحَابنَا

(2/24)


أَن وَقت الْمقَام والرفاهية وَقت وَاحِد وَهُوَ مَا بَين أول الْوَقْت إِلَى آخِره وَقد مضى بَيَان هَذَا الْوَقْت
وَاخْتلفُوا أَيْضا فِي قَوْله وَقت عذر وضرورة
فَمنهمْ من قَالَ وَقت الْعذر هُوَ وَقت الصَّلَاة فِي السّفر وَوقت الضَّرُورَة فِي حق الصَّبِي يبلغ وَالْمَجْنُون يفِيق وَقد بَقِي من الْوَقْت قدر رَكْعَة
وَمِنْهُم من قَالَ الْعذر والضرورة وَقت وَاحِد وَهُوَ فِي حق الْمَجْنُون وَالصَّغِير وَالْحَائِض وَالنُّفَسَاء وَالْكَافِر يسلم فَاتبع أحد اللَّفْظَيْنِ الاخر وَالْمَقْصُود بَيَان حكمهم فِي هَذَا الْفَصْل فَإِذا زَالَ عذر من هَذِه الْأَعْذَار فِي شخص وَقد بَقِي من الْوَقْت قدر رَكْعَة وَجب عَلَيْهِ صَلَاة الْوَقْت وَإِن بَقِي قدر تَكْبِيرَة فَفِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا يجب عَلَيْهِ وَهُوَ قَول أبي حنيفَة
وَالثَّانِي لَا يجب وَهُوَ قَول مَالك
وَهل يلْزمه الْمغرب بِإِدْرَاك جُزْء من وَقت الْعشَاء وَالظّهْر بِإِدْرَاك جُزْء من وَقت الْعَصْر
قَالَ فِي الْجَدِيد تجب الظّهْر بِمَا تجب بِهِ الْعَصْر وَتجب الْمغرب بِمَا تجب بِهِ الْعشَاء وَقد حكينا الْقَوْلَيْنِ فِيمَا يجبان بِهِ
وَذكر فِي الْقَدِيم قَوْلَيْنِ

(2/25)


أَحدهمَا أَنه يجب عَلَيْهِ الظّهْر وَالْعصر بِقدر خمس رَكْعَات أَربع لِلظهْرِ وركعة للعصر وَتجب الْمغرب وَالْعشَاء بقد أَربع رَكْعَات ثَلَاث رَكْعَات للمغرب وركعة للعشاء وَهُوَ قَول مَالك وَاعْتبر مَعَ ذَلِك إِمْكَان الطَّهَارَة
وَمن اصحابنا من اعْتبر فِي النَّصْرَانِي يسلم مثل ذَلِك
وَمِنْهُم من لم يعْتَبر ذَلِك
وَغلط أَبُو إِسْحَاق وَقَالَ أَربع للعصر وَلَيْسَ بِصَحِيح
وَالْقَوْل الثَّانِي من الْقَدِيم أَنه تجب عَلَيْهِ الصَّلَاتَان بِقدر رَكْعَة وطهارة فاما إِذا أدْرك من أول الْوَقْت قدر رَكْعَة ثمَّ طَرَأَ الْعذر الْمسْقط لفرض الصَّلَاة كالجنون وَالْإِغْمَاء وَالْحيض وَالنّفاس واستغرق وَقت الصَّلَاة فَإِنَّهُ لَا تجب عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَقَالَ أَبُو يحيى الْبَلْخِي تجب عَلَيْهِ صَلَاة الْوَقْت بِإِدْرَاك جُزْء من أول الْوَقْت كَمَا تجب بِإِدْرَاك ذَلِك من آخِره
وَإِن طَرَأَ الْعذر بعد التَّمَكُّن من فعل الصَّلَاة اسْتَقر فَرضهَا فِي ذمَّته
وَحكي فِيهِ وَجه آخر أَنه يسْقط وَلَيْسَ بِشَيْء فَأَما الصَّلَاة الَّتِي بعْدهَا فَلَا تجب عَلَيْهِ

(2/26)


وَقَالَ أَبُو يحيى الْبَلْخِي تجب الثَّانِيَة من صَلَاتي الْجمع بِإِدْرَاك جُزْء من وَقت الأولى فَإِن فَاتَتْهُ صَلَاة اسْتحبَّ لَهُ قَضَاؤُهَا على الْفَوْر
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الْمروزِي إِن كَانَ قد تَركهَا بِغَيْر عذر وَجب عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا على الْفَوْر
وَإِن فَاتَتْهُ صلوَات اسْتحبَّ قَضَاؤُهَا مُرَتبا
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يجب قَضَاؤُهَا مُرَتبا مَعَ الذّكر إِلَّا أَن تدخل فِي حد التّكْرَار وَهُوَ قَول مَالك
وَإِن ذكر فَائِتَة وَقد ضَاقَ وَقت الْحَاضِرَة بَدَأَ بالحاضرة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك يبْدَأ بالفائتة وَخَالف مَالِكًا بعض أَصْحَابه فِي ذَلِك
وَإِن ذكر فَائِتَة وَهُوَ فِي الْحَاضِرَة قَالَا بطلت الْحَاضِرَة وَصلى الْفَائِتَة ثمَّ يُصَلِّي الْحَاضِرَة
وَعِنْدنَا يتم الْحَاضِرَة ثمَّ يقْضِي الْفَائِتَة وَبِه قَالَ أَبُو يُوسُف
وَقَالَ أَحْمد يجب أَن يتم الْحَاضِرَة ثمَّ يُصَلِّي الْفَائِتَة ثمَّ يُعِيد الْحَاضِرَة

(2/27)


وَذكر بعض اصحابه أَنَّهَا تكون نَافِلَة
وَإِن اجْتمع عَلَيْهِ فوائت وَجب عَلَيْهِ فِيهَا التَّرْتِيب عِنْده مَعَ الذّكر وَلَا فرق بَين قليلها وكثيرها إِلَّا أَن يضيق الْوَقْت فَعَنْهُ رِوَايَتَانِ
وَإِن كَانَ عَلَيْهِ فوائت لَا يعرف عَددهَا وَيعرف مدَّتهَا من شهر وَغَيره
قَالَ الْفُقَهَاء يُقَال لَهُ كم تتَحَقَّق أَنَّك تركت من الصَّلَوَات فَإِن قَالَ عشرَة قَضَاهَا دون مَا زَاد عَلَيْهَا
قَالَ القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله إِن الْأَمر بِالْعَكْسِ من ذَلِك فَيُقَال كم تتَحَقَّق أَنَّك صليت فِي هَذِه الْمدَّة فَيَقُول عشرَة فَيَقْضِي مَا زَاد على ذَلِك
قَالَ وَيقرب من هَذَا إِذا شكّ بعد السَّلَام انه ترك ركنا من أَرْكَان الصَّلَاة
فعلى قَوْله الْجَدِيد إِذا لم يطلّ الْفَصْل يَبْنِي وَإِن طَال اسْتَأْنف
وعَلى قَوْله الْقَدِيم لَا شَيْء عَلَيْهِ
وَقَالَ الشَّيْخ الإِمَام أيده الله وَهَذَا الَّذِي ذكره من حِكَايَة الْقَوْلَيْنِ فِيهِ إِذا شكّ فِي ركن من الْأَركان بعد السَّلَام لَيْسَ بِصَحِيح فَإِنَّهُ لَا يخْتَلف الْمَذْهَب أَن الشَّك بعد السَّلَام لَا يُؤثر وَإِنَّمَا يعْتَبر طول الْفَصْل وقصره بعد السَّلَام إِذا تَيَقّن أَنه ترك ركنا بعد السَّلَام

(2/28)


فَإِن نسي صَلَاة وَلم يعرف عينهَا فَإِنَّهُ يُصَلِّي خمس صلوَات
وَقَالَ الْمُزنِيّ رَحمَه الله يُصَلِّي أَربع رَكْعَات يَنْوِي الْفَائِتَة الَّتِي عَلَيْهِ وَيجْلس ويتشهد فِي رَكْعَتَيْنِ ثمَّ يجلس فِي الثَّالِثَة ثمَّ يجلس فِي الرَّابِعَة وَيسلم وَهَذَا فَاسد وَالله أعلم

(2/29)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب الْأَذَان
الْأَذَان وَالْإِقَامَة مشروعان للصلوات الْخمس
وَقَالَ أَبُو سعيد الْإِصْطَخْرِي هما فرض على الْكِفَايَة
وَقَالَ أَبُو عَليّ بن خيران الْأَذَان سنة إِلَّا فِي الْجُمُعَة فَإِنَّهُ فرض على الْكِفَايَة

(2/30)


وَالْمذهب الأول
فَإِن اتّفق أهل بلد على ترك الْأَذَان وَالْإِقَامَة لم يقاتلوا عَلَيْهِمَا فِي أصح الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ قَول أبي عَليّ بن أبي هُرَيْرَة
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق يُقَاتلُون
قَالَ الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله هَذَا رُجُوع إِلَى قَول أبي سعيد
وَقَالَ دَاوُد الْأَذَان وَالْإِقَامَة واجبان وَتَصِح الصَّلَاة مَعَ تَركهمَا
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِن نسي الْأَذَان وَصلى أعَاد الصَّلَاة فِي الْوَقْت
وَقَالَ عَطاء إِن نسي الْإِقَامَة أعَاد الصَّلَاة
وَالْأَذَان أفضل من الْإِقَامَة

(2/31)


وَقيل الْإِمَامَة أفضل
وَيسن الْأَذَان فِي حَال الْجَمَاعَة والانفراد فِي قَوْله الْجَدِيد
وَقَالَ فِي الْقَدِيم وَالرجل يُصَلِّي فِي الْمصر وَحده فأذان المؤذنين وإقامتهم كَافِيَة لَهُ وَالْأول أصح
وَقَالَ مَالك يسن الْأَذَان للْجَمَاعَة الرَّاتِبَة
وَاخْتلف قَول الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي الْأَذَان للفوائت فَقَالَ فِي الْأُم لَا يُؤذن لَهَا وَيُقِيم لكل وَاحِدَة مِنْهَا وَبِه قَالَ مَالك
وَقَالَ فِي الْقَدِيم يُؤذن للأولى وَحدهَا وَيُقِيم لَهَا وللتي بعْدهَا وَبِه قَالَ أَحْمد

(2/32)


وَقَالَ فِي الْإِمْلَاء إِن أمل اجْتِمَاع النَّاس أذن وَأقَام وَإِن لم يؤمل ذَلِك لم يُؤذن
قَالَ أَبُو إِسْحَاق فعلى هَذَا القَوْل يَنْبَغِي أَن يكون فِي الْحَاضِرَة مثله
وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن أذن لكل فَائِتَة فَحسن وَإِن ترك فَجَائِز
فَإِن جمع بَين صَلَاتَيْنِ فِي وَقت الأولى مِنْهُمَا أذن وَأقَام للأولى وَأقَام للثَّانِيَة كَمَا فعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِعَرَفَة
وَإِن جمع بَينهمَا فِي وَقت الثَّانِيَة فَفِي الْأَذَان للأولى ثَلَاثَة أَقْوَال وَيُقِيم للثَّانِيَة
وَمن اصحابنا من قَالَ إِن قدم الْعَصْر على الظّهْر فِي وَقت الْعَصْر أذن للعصر قولا وَاحِدًا وَهل يُؤذن لِلظهْرِ بعْدهَا فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال كَذَا ذكره فِي الْحَاوِي وَهُوَ صَحِيح فِي الْعَصْر وَلَيْسَ بِصَحِيح فِي الظّهْر بعْدهَا فَإِنَّهُ لَا يزِيد حَالهَا على الْفَائِتَة الثَّانِيَة والفائتة الثَّانِيَة لَا يُؤذن لَهَا قولا وَاحِدًا وَإِنَّمَا الْأَقْوَال فِي الْفَائِتَة الأولى
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يُقيم الْعشَاء بِالْمُزْدَلِفَةِ
وَيجوز الْأَذَان للصبح قبل دُخُول وَقتهَا بعد منتصف اللَّيْل وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وَدَاوُد وَأَبُو يُوسُف

(2/33)


وَقَالَ ابو حنيفَة وَالثَّوْري لَا يجوز الْأَذَان لَهَا قبل طُلُوع الْفجْر
وَالْأَذَان تسع عشرَة كلمة مَعَ الترجيع فِي الشَّهَادَتَيْنِ يخْفض صَوته فِي الأوليتين وَيرْفَع فِي الأخريتين
وَقَالَ ابو حنيفَة الْأَذَان خمس عشرَة كلمة فأسقط الترجيع
وَقَالَ مَالك الْأَذَان سبع عشرَة كلمة فَأثْبت الترجيع واسقط من التَّكْبِير كَلِمَتَيْنِ فِي أول الْأَذَان
وَقَالَ ابو يُوسُف الْأَذَان ثَلَاث عشرَة كلمة فأسقط الترجيع وكلمتين من التَّكْبِير
وَقَالَ أَحْمد إِن رَجَعَ فَلَا بَأْس وَإِن لم يرجع فَلَا بَأْس كَذَا حَكَاهُ ابْن الْمُنْذر
وَحكى الْخرقِيّ الْأَذَان من غير تَرْجِيع
وَقَالَ إِسْحَاق قد ثَبت أَذَان بِلَال وأذان أبي

(2/34)


مخدورة وكل سنة
فَإِن ترك الترجيع فَالْمَذْهَب أَنه يعْتد بِهِ كَمَا لَو ترك التَّكْبِيرَات الزَّوَائِد فِي صَلَاة الْعِيد
وَحكى بعض أَصْحَابنَا عَن الشَّافِعِي رَحمَه الله أَنه لَا يعْتد بأذانه وَهَذَا فِيهِ نظر
وَالْإِقَامَة إِحْدَى عشرَة كلمة فُرَادَى سوى لفظ الْإِقَامَة وَهُوَ قَول أَحْمد
وَقَالَ فِي الْقَدِيم لفظ الْإِقَامَة أَيْضا مرّة وَهُوَ قَول مَالك
وَقَالَ ابو حنيفَة الْإِقَامَة مثنى مثنى كالأذان وَيزِيد على الْأَذَان لفظ الْإِقَامَة مرَّتَيْنِ فَتَصِير سبع عشرَة كلمة
وَيسن التثويب فِي أَذَان الصُّبْح بعد الحيعلة فَيَقُول الصَّلَاة خير من النّوم مرَّتَيْنِ وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد
وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحسن فِي الْجَامِع الصَّغِير كَانَ التثويب الأول الصَّلَاة خير من النّوم مرَّتَيْنِ بَين الْأَذَان وَالْإِقَامَة ثمَّ أحدث النَّاس

(2/35)


حَيّ على الصَّلَاة حَيّ على الْفَلاح مرَّتَيْنِ بَين الْأَذَان وَالْإِقَامَة وَهُوَ حسن ثمَّ اخْتلف أَصْحَابه
فَحكى الطَّحَاوِيّ فِي اخْتِلَاف الْفُقَهَاء مثل قَوْلنَا
وَقَالَ أَبُو بكر الرَّازِيّ التثويب لَيْسَ بِسنة فِي الْأَذَان قَالَ وَالَّذِي قَالَه الطَّحَاوِيّ لَا يحفظ
وَمِنْهُم من قَالَ االذي قَالَه الطَّحَاوِيّ هُوَ الصَّحِيح وَقد روى ابْن شُجَاع مثله
وَلَا يسْتَحبّ التثويب فِي غير أَذَان الصُّبْح
وَقَالَ الْحسن بن صَالح يثوب فِي أَذَان الْعشَاء
وَحكي عَن النَّخعِيّ أَنه يثوب فِي أَذَان جَمِيع الصَّلَوَات
وَلَا يَصح الْأَذَان إِلَّا من مُسلم عَاقل وَيصِح أَذَان الصَّبِي الَّذِي تصح صلَاته ويعتد بِهِ للرِّجَال

(2/36)


وَقَالَ دَاوُد لَا يعْتد بأذانه للبالغين
وَيسْتَحب أَن يُؤذن على طَهَارَة فَإِن أذن جنبا أَو مُحدثا اعْتد بأذانه
وَقَالَ أَحْمد لَا يعْتد بأذانه
وَيسْتَقْبل الْقبْلَة فِي أَذَانه ويلوي عُنُقه يَمِينا وَشمَالًا فِي الحيعلة وَلَا يَدُور
وَذكر فِي الْحَاوِي أَنه إِذا كَانَ الْبَلَد وَاسِعًا والخلق كثيرا كبغداد وَالْبَصْرَة فَفِي كَرَاهَة أَذَانه فِي مجَال المنارة وَجْهَان
وَحكي عَن الْقفال فِي كَيْفيَّة الِالْتِفَات أَن يلْتَفت عَن يَمِينه فَيَقُول حَيّ على الصَّلَاة ثمَّ يلْتَفت عَن شِمَاله فَيَقُول حَيّ على الْفَلاح ثمَّ يلْتَفت عَن يَمِينه فَيَقُول حَيّ على الصَّلَاة ثمَّ يلْتَفت عَن شِمَاله فَيَقُول حَيّ على الْفَلاح وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيح وَلَا أصل لَهُ فِي الشَّرْع

(2/37)


وَقَالَ ابو حنيفَة لَا يكره لَهُ أَن يَدُور فِي مجَال المنارة وَيكرهُ لَهُ على الأَرْض
وَعَن مَالك أَنه قَالَ لَا بَأْس باستدارة الْمُؤَذّن عَن يَمِينه وشماله إِذا أَرَادَ الإسماع
وَيكرهُ أَن يتَكَلَّم فِي أَذَانه وإقامته فَإِن تكلم لم يمْنَع ذَلِك الِاعْتِدَاد بهما
وَحكى ابْن الْمُنْذر عَن الزُّهْرِيّ أَنه إِذا تكلم فِي خلال الْإِقَامَة أَعَادَهَا
قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله وَلَو سكت سكاتا طَويلا أَحْبَبْت استئنافه وَكَانَ لَهُ الْبناء
قَالَ ابو عَليّ فِي الإفصاح يَنْبَغِي أَن يكون فِي الْكَلَام مثله
قَالَ القَاضِي أَبُو لَيْسَ الطّيب وَلَيْسَ بِصَحِيح لِأَن الْكَلَام الَّذِي لَيْسَ من شَأْن الْأَذَان يَسْتَغْنِي عَن قَلِيله وَكَثِيره وَالسُّكُوت خِلَافه
قَالَ الإِمَام ابو بكر وَمَا ذكره أَبُو عَليّ خلاف ظَاهر كَلَام الشَّافِعِي رَحمَه الله فَإِنَّهُ ذكر اسْتِحْبَاب الِاسْتِئْنَاف فِي الْكَلَام وَلم يفرق
قَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله مَا ذكره فِي الْكَلَام إِنَّمَا هُوَ الْكَلَام الْعَائِد إِلَى حَاجَة الْإِنْسَان فِي نَفسه

(2/38)


فَأَما الْكَلَام الْمُتَعَلّق بمصلحة النَّاس فِي الصَّلَاة فَإِن الشَّافِعِي رَحْمَة الله عَلَيْهِ قَالَ
الأولى أَن يَقُوله بعد الْفَرَاغ من الْأَذَان فَإِن قَالَه فِي الْأَذَان فَلَا بَأْس بِهِ وَلَا يسْتَحبّ إِعَادَته وَذَلِكَ كَقَوْلِه فِي اللَّيْلَة الْمَطِيرَة أَلا صلوا فِي رحالكُمْ فَإِن نَام أَو غلب على عقله فِي خلال الْأَذَان ثمَّ زَالَ ذَلِك اسْتحبَّ لَهُ استئنافه طَال أم قصر وَإِن بنى عَلَيْهِ جَازَ مَعَ الْقرب وَلَا يجوز لغيره أَن يَبْنِي عَلَيْهِ
قَالَ القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله يجب أَن يَبْنِي جَوَاز بِنَاء غَيره على اذانه على الْبناء فِي الْخطْبَة فَإِن قُلْنَا فِي الْخطْبَة لَا يجوز فها هُنَا أولى وَإِن قُلْنَا فِي الْخطْبَة يجوز فها هُنَا قَولَانِ وَهَذَا خلاف نَص الشَّافِعِي رَحْمَة الله عَلَيْهِ فِي الْأَذَان فِي الْإِغْمَاء
فَإِن ارْتَدَّ فِي خلال الْأَذَان وَعَاد فِي الْحَال جَازَ أَن يَبْنِي على أَذَانه فِي أصح الْوَجْهَيْنِ كَمَا لَو أُغمي عَلَيْهِ ثمَّ أَفَاق فِي الْحَال
وَقَالَ ابو حنيفَة يبطل أَذَانه
وَلَا يكره أَذَان الرَّاكِب وإقامته وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن مَالك وَالرِّوَايَة الثَّانِيَة أَنه يكره الْإِقَامَة رَاكِبًا

(2/39)


وَالْمُسْتَحب لمن سمع الْمُؤَذّن أَن يَقُول مثل مَا يَقُول إِلَّا فِي الحيعلة فَإِنَّهُ يَقُول لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَلَا يَقُوله فِي الصَّلَاة
وَحكى القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله فِي محاكاة الْمُؤَذّن فِي الصَّلَاة قَوْلَيْنِ وَالْمذهب الأول
وَقَالَ مَالك إِذا كنت فِي نَافِلَة فَقل مثل مَا يَقُول وَإِنَّمَا يحاكيه فِي التَّكْبِير والشهادتين وَيَقُول فِي الحيعلة لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه
وَفِي جَوَاز أَخذ الْأُجْرَة على الْأَذَان وَجْهَان
أَحدهمَا يجوز وَهُوَ اخْتِيَار القَاضِي أبي الطّيب كَمَا يجوز أَخذ الرزق
وَالثَّانِي لَا يجوز وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَأحمد وَاخْتِيَار الشَّيْخ ابي حَامِد رَحْمَة الله عَلَيْهِ

(2/40)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب طَهَارَة الْبدن وَمَا يصلى فِيهِ وَعَلِيهِ
طَهَارَة النَّجس شَرط فِي صِحَة الصَّلَاة
وَقَالَ مَالك إِذا صلى مَعَ النَّجَاسَة أعَاد فِي الْوَقْت وَلَا يُعِيد بعد فَوَاته
وَحكي عَنهُ أَن إِزَالَة النَّجَاسَة وَاجِبَة إِلَّا يسير الدَّم
وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه قَالَ لَيْسَ على الثَّوْب جَنَابَة

(2/41)


وَعَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ أَنه نحر جزورا فَأَصَابَهُ من فرثه وَدَمه فصلى فِيهِ وَلم يغسلهُ
وَرُوِيَ عَن سعيد بن جُبَير أَنه سُئِلَ عَن رجل صلى وَفِي ثَوْبه أَذَى فَقَالَ أَقرَأ عَليّ الْآيَة الَّتِي فِيهَا غسل الثَّوْب
والنجاسة دم وَغير دم فَغير الدَّم إِذا لم يُدْرِكهُ الطّرف فِيهِ ثَلَاث طرق
أَحدهمَا يُعْفَى عَنهُ
وَالثَّانِي لَا يُعْفَى عَنهُ
وَالثَّالِث فِيهِ قَولَانِ
وَأما الدَّم فيعفى عَن الْقَلِيل من دم الْقمل والبراغيث وَفِي كَثِيره وَجْهَان

(2/42)


أصَحهمَا أَنه يُعْفَى عَنهُ
وَقَالَ أَبُو سعيد الْإِصْطَخْرِي لَا يُعْفَى عَنهُ
وَفِي دم غَيرهَا ثَلَاثَة اقوال
اصحهما قَوْله فِي الْأُم أَنه يُعْفَى عَن الْقدر الَّذِي يتعافاه النَّاس بَينهم
وَالثَّانِي أَنه لَا يُعْفَى عَن شَيْء فِيهِ
وَقَالَ فِي الْقَدِيم يُعْفَى عَمَّا دون الْكَفّ
وَعَن مَالك أَنه قَالَ يُعْفَى عَن يسير الدَّم وَلَا يُعْفَى عَمَّا تفاحس
وَعنهُ فِي دم الْحيض رِوَايَتَانِ
أَحدهمَا أَنه كَغَيْرِهِ من الدِّمَاء
وَالثَّانيَِة أَنه يَسْتَوِي كَثِيره وقليله
وَحكي عَن أَحْمد أَنه قَالَ الشبر متفاحش وَحكي عَنهُ أَيْضا أَنه يُعْفَى عَن النقطة والنقطتين وَاخْتلف عَنهُ فِيمَا بَين ذَلِك
وَقَالَ اصحاب أبي حنيفَة يُعْفَى عَمَّا لَا يتفاحش من غير الدَّم كالبول والعذرة وَاخْتلفُوا فِي قدر التفاحش

(2/43)


فَقَالَ الطَّحَاوِيّ التفاحش ربع الثَّوْب
وَمِنْهُم من قَالَ ذِرَاع فِي ذِرَاع
وَقَالَ ابو بكر الرَّازِيّ شبر فِي شبر
فَإِن كَانَ على فرجه دم يخَاف من غسله صلى وَأعَاد على أصح الْقَوْلَيْنِ
وَقَالَ فِي الْقَدِيم لَا يُعِيد وَهُوَ قَول أبي حنيفَة
وَإِن جبر عظمه بِعظم نجس وَلم يخف التّلف من قلعه لزمَه قلعه
وَقَالَ ابو حنيفَة لَا يلْزمه
وَإِن خَافَ من قلعه تلف نَفسه أَو عُضْو من أَعْضَائِهِ لم يلْزمه قلعه
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ يلْزمه وَلَيْسَ بِشَيْء
فَإِن مَاتَ لم يقْلع على الْمَنْصُوص
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس يقْلع وَالْمذهب الأول
فَإِن شرب خمرًا لزمَه أَن يتقيأ على الْمَنْصُوص

(2/44)


وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ لَا يلْزمه ذَلِك وَالْمذهب الأول
وَيحرم على الْمَرْأَة أَن تصل شعرهَا بِشعر نجس فَأَما إِذا وصلته بِشعر طَاهِر أَو حمرت وَجههَا أَو سودت شعرهَا أَو طرفت أناملها وَلها زوج لم يكره وَإِن لم يكن لَهَا زوج كره لما فِيهِ من الْغرُور
وَذكر بعض أَصْحَابنَا أَنه إِن لم يكن لَهَا زوج لم يجز وَإِن كَانَ لَهَا زوج فَفِيهِ وَجْهَان
فَإِن فعلته بِإِذْنِهِ جَازَ فِي اصح الْوَجْهَيْنِ وَبِغير إِذْنه لَا يجوز وَلَيْسَ الْمَذْهَب كَذَلِك