حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء

فصل وطهارة الثَّوْب الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ شَرط فِي صِحَة الصَّلَاة
فَإِن كَانَ

(2/45)


على ثَوْبه نَجَاسَة غير مَعْفُو عَنْهَا وَلم يجد مَا يغسلهَا بِهِ صلى عُريَانا وَلم يصل فِيهِ
وَقَالَ فِي الْبُوَيْطِيّ قد قيل يُصَلِّي فِيهِ وَيُعِيد وَلَيْسَ بِصَحِيح
وَحكى ابو يُوسُف عَن أبي حنيفَة أَنه إِن شَاءَ صلى عُريَانا وَإِن شَاءَ صلى فِي الثَّوْب النَّجس من غير اعْتِبَار لمقادير النَّجَاسَة
وروى مُحَمَّد عَن أبي حنيفَة أَنه إِذا كَانَ الدَّم فِي بعض الثَّوْب لم يجز أَن يُصَلِّي عُريَانا وَصلى فِيهِ وَإِن كَانَ جَمِيعه نجسا بِالدَّمِ فَإِن شَاءَ صلى فِيهِ وَإِن شَاءَ صلى عُريَانا
وَقَالَ مَالك يُصَلِّي فِي الثَّوْب النَّجس وَلَا يُعِيد
فَإِن كَانَ مَعَه ثَوْبَان أَحدهمَا نجس واشتبها عَلَيْهِ تحرى فيهمَا وَهُوَ قَول أبي حنيفَة
وَقَالَ احْمَد لَا يتحَرَّى فيهمَا وَيُصلي فِي كل وَاحِد مِنْهُمَا فَإِن أَدَّاهُ اجْتِهَاده إِلَى طَهَارَة اُحْدُ الثَّوْبَيْنِ ونجاسة الآخر فَغسل النَّجس ولبسهما وَصلى فيهمَا صحت صلَاته فِي أصح الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ قَول ابي الْعَبَّاس بن سُرَيج
وَالثَّانِي لَا تصح صلَاته وَهُوَ قَول ابي إِسْحَاق
فَإِن أصَاب أحد كمي الْقَمِيص نَجَاسَة لم يتحر فيهمَا فِي أحد الْوَجْهَيْنِ

(2/46)


ذكر فِي الْحَاوِي أَنه إِذا أخبرهُ ثِقَة أَن النَّجَاسَة حلت أحد الكمين فَإِن قُلْنَا يجوز التَّحَرِّي فيهمَا قبل خَبره وَإِن قُلْنَا لَا يجوز التَّحَرِّي لم يقبل خَبره وَهَذَا فَاسد بل يقبل خَبره وَجها وَاحِدًا وَإِن كَانَ فِي التَّحَرِّي فيهمَا وَجْهَان فَإِن فصل أحد الكمين عَن الآخر جَازَ التَّحَرِّي وَجها وَاحِدًا
فَإِن صلى وَفِي وَسطه حَبل مشدود إِلَى كلب كَبِير لم تصح صلَاته فِي اصح الْوَجْهَيْنِ وَإِن كَانَ الْحَبل مشدود إِلَى سفينة كَبِيرَة فِيهَا نَجَاسَة والشد فِي مَوضِع طَاهِر مِنْهَا صحت صلَاته فِي أصح الْوَجْهَيْنِ
فَإِن كَانَ فِي قَارُورَة نَجَاسَة وسد راسها وَحملهَا فِي الصَّلَاة لم تصح صلَاته فِي أصح الْوَجْهَيْنِ
ذكر القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله أَنه إِذا حمل فِي صلَاته رجلا قد استنجى بِالْحجرِ لم تصح صلَاته وَهَذَا فِيهِ نظر لِأَن هَذِه نَجَاسَة مَعْفُو عَنْهَا وَلِهَذَا لَا تمنع صِحَة صلَاته
وَذكر أَيْضا أَنه إِذا وَقع على مصلاة نَجَاسَة وَلم يلاقها شَيْء من ثِيَابه وَلَا بدنه وَلكنهَا تَحت ظله فَصلَاته صَحِيحَة فِي اصح الْوَجْهَيْنِ
وَالثَّانِي لَيْسَ بِشَيْء

(2/47)


فصل وطهارة الْموضع الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ
شَرط فِي صِحَة الصَّلَاة فَإِن أصَاب موضعا من الْبَيْت نَجَاسَة وَلم يعرف موضعهَا لم يجز لَهُ أَن يُصَلِّي فِيهِ حَتَّى يغسل جَمِيعه فِي أصح الْوَجْهَيْنِ
وَالثَّانِي أَنه يُصَلِّي حَيْثُ شَاءَ مِنْهُ كالصحراء وَهَذَا فَاسد
وَإِن حبس فِي حبس وَلم يقدر أَن يتَجَنَّب النَّجَاسَة فِي قعوده وَسُجُوده تجافى النَّجَاسَة وتجنبها فِي قعوده وَأَوْمَأَ فِي سُجُوده إِلَى الْحَد الَّذِي لَو زَاد عَلَيْهِ لَاقَى النَّجَاسَة وَلَا يسْجد على الأَرْض
قيل يسْجد على الأَرْض وَلَيْسَ بِشَيْء
وَمن اصحابنا من يَحْكِي فِي وجوب الصَّلَاة على هَذِه الصّفة قَوْلَيْنِ
أَحدهمَا يجب
وَالثَّانِي يسْتَحبّ
وَهل تجب عَلَيْهِ الْإِعَادَة إِذا قدر فِيهِ قَولَانِ فَإِذا أعَاد فبأيهما تحتسب لَهُ

(2/48)


قَالَ فِي الْأُم الثَّانِيَة فَرْضه
قَالَ الشَّيْخ الإِمَام وَهُوَ الْأَصَح وَالْأول لشغل الْوَقْت
وَقَالَ فِي الْقَدِيم الأولى فَرْضه وَالثَّانيَِة اسْتِحْبَاب
وَقَالَ فِي الْإِمْلَاء كِلَاهُمَا فَرْضه وَاخْتَارَهُ الشَّيْخ ابو نصر رَحمَه الله
وَخرج أَبُو إِسْحَاق قولا رَابِعا أَن الله تَعَالَى يحْتَسب بِأَيِّهِمَا شَاءَ وَيَنْبَغِي أَن يكون مَوضِع قدمه طَاهِرا
وَذكر الشَّيْخ أَبُو حَامِد أَن من صلى فِي الْوَقْت بِغَيْر طَهَارَة وأعادها ففرضة الثَّانِيَة قولا وَاحِدًا
قَالَ الشَّيْخ ابو نصر رَحمَه الله كَيفَ نقُول هَذَا وَمَا فعله فِي الْوَقْت فرض
وَقَالَ ابو حنيفَة إِذا وضع قدمه على أَكثر من قدر الدِّرْهَم لم تصح صلَاته وَإِن وضع ركبته أَو رَاحَته على أَكثر من قدر الدِّرْهَم لم تبطل صلَاته وَإِن وضع جَبهته على أَكثر من قدر الدِّرْهَم فَعَنْهُ رِوَايَتَانِ
رِوَايَة مُحَمَّد تبطل صلَاته
وَرِوَايَة أبي يُوسُف لَا تبطل اسْتِحْسَانًا
فَإِن فرغ من الصَّلَاة فَرَأى على ثَوْبه أَو بدنه أَو مَوضِع صلَاته نَجَاسَة غير مَعْفُو عَنْهَا وَكَانَت مَوْجُودَة حَال الصَّلَاة وَلم يكن قد علم بِحَالِهَا

(2/49)


وَجب عَلَيْهِ الْإِعَادَة فِي أحد الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ قَول ابي حنيفَة وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد كَمَا لَو علم بِحَالِهَا قبل الصَّلَاة ثمَّ نَسِيَهَا فَإِنَّهُ يُعِيد قولا وَاحِدًا
وَذكر القَاضِي أَبُو حَامِد قولا آخر فِيهِ إِذا نسي النَّجَاسَة لَا يُعِيد مخرجا من قَوْله الْقَدِيم فِيهِ إِذا لم يسْبق علمه بهَا وَلَيْسَ بِصَحِيح
فَإِن صلى فِي مَقْبرَة يشك فِي نشبها صحت صلَاته فِي أحد الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ قَول مَالك وَهُوَ قَول أبي عَليّ بن ابي هُرَيْرَة
وَالثَّانِي لَا يَصح وَهُوَ قَول أبي إِسْحَاق
وَقَالَ احْمَد لَا تصح الصَّلَاة فِي الْمقْبرَة وَإِن كَانَت جَدِيدَة وَإِن اسْتَقْبلهَا وَصلى إِلَيْهَا فَعَنْهُ فِي صِحَة صلَاته رِوَايَتَانِ وَيجْعَل النَّهْي عَن ذَلِك تعبدا
وَتكره الصَّلَاة فِي الْحمام وَقيل إِن الْكَرَاهَة بِسَبَب النَّجَاسَة فَتكون كالمقبرة
وَقيل إِن ذَلِك لأجل أَنه مأوى الشَّيْطَان فتكره الصَّلَاة وَإِن كَانَ الْموضع طَاهِرا

(2/50)


وَقَالَ أَحْمد لَا تجوز الصَّلَاة فِي الْحمام وَلَا على سطحه
وَلَا تجوز الصَّلَاة فِي أَرض مَغْصُوبَة فَإِن صلى فِيهَا صحت صلَاته وَبِه قَالَ ابو حنيفَة
وَقَالَ أَحْمد لَا تصح
وَتجوز الصَّلَاة على مَا اتخذ من شعر أَو صوف أَو وبر
وَقَالَت الرافضة لَا تجوز الصَّلَاة إِلَّا على مَا أخرجته الأَرْض من قطن أَو كتَّان أَو قصب أَو حشيش

(2/51)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب ستر الْعَوْرَة
ستر الْعَوْرَة عَن الْعُيُون وَاجِب وَهل يجب فِي حَال الْخلْوَة فِيهِ وَجْهَان وَهُوَ شَرط فِي صِحَة الصَّلَاة وَهُوَ قَول أبي حنيفَة
وَقَالَ مَالك ستر الْعَوْرَة وَاجِب للصَّلَاة وَلَيْسَ بِشَرْط فِي صِحَّتهَا
فَإِن انْكَشَفَ من الْعَوْرَة شَيْء لم تصح الصَّلَاة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا ظهر من الْعَوْرَة الْمُغَلَّظَة وَهِي الْقبل والدبر

(2/52)


قدر الدِّرْهَم لم تبطل الصَّلَاة وَإِن كَانَ أَكثر بطلت وَأما المخففة فَإِن انْكَشَفَ مِنْهَا مَا دون الرّبع من الْفَخْذ أَو شعر الْمَرْأَة لم تبطل الصَّلَاة
وَقَالَ أَبُو يُوسُف إِن انْكَشَفَ أفل من النّصْف لم تبطل
وعورة الرجل مَا بَين السُّرَّة وَالركبَة والسرة وَالركبَة ليستا من الْعَوْرَة وَبِه قَالَ مَالك وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ هما من الْعَوْرَة وَهُوَ قَول أبي حنيفَة فِي الرّكْبَة
وَقَالَ دَاوُد السوأتان هما الْعَوْرَة وَرُوِيَ عَن ذَلِك عَن أَحْمد أَيْضا
والحرة جَمِيع بدنهَا عَورَة إِلَّا الْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ وَبِه قَالَ مَالك
وَقَالَ أَبُو حنيفَة قدمهَا أَيْضا لَيْسَ بِعَوْرَة وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَاخْتِيَار الْمُزنِيّ
وَقَالَ أَحْمد يجب عَلَيْهَا ستر جَمِيع بدنهَا إِلَّا الْوَجْه وَبِه قَالَ دَاوُد

(2/53)


وَحكي عَن أبي بكر بن عبد الرَّحْمَن بن الْحَرْث بن هِشَام أحد الْفُقَهَاء السَّبْعَة أَن جَمِيع بدنهَا عَورَة حَتَّى ظفرها
ذكر القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله قَالَ إِنَّه لَا يجوز للْأَجْنَبِيّ مس يَد الْأَجْنَبِيَّة وَلَو لم تكن عَورَة
وَكَذَلِكَ ذُو الرَّحِم الْمحرم لَا يجوز أَن يمس ذَات الرَّحِم وَإِن لم تكن عَورَة فِي حَقه
قَالَ الشَّيْخ الإِمَام رَحمَه الله وَهَذَا صَحِيح فِي الْأَجْنَبِيَّة وَلَيْسَ بِصَحِيح فِي ذَات الْمحرم فَإِنَّهُ يجوز لَهُ مَسهَا إِذا لم يقْصد الشَّهْوَة
وَأما الْأمة فعورتها كعورة الرجل على ظَاهر الْمَذْهَب
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ جَمِيع بدنهَا عَورَة إِلَّا مَوضِع التقليب مِنْهَا فِي الشّعْر كالرأس والساعد والساق
وَمِنْهُم من قَالَ عورتها كعورة الْحرَّة إِلَّا أَنه يجوز لَهَا كشف رَأسهَا
وَمن نصفهَا حرَّة وَنِصْفهَا رَقِيق بِمَنْزِلَة الْحرَّة على ظَاهر الْمَذْهَب

(2/54)


قَالَ ابْن الْمُنْذر كَانَ الْحسن الْبَصْرِيّ من أهل الْعلم يُوجب على الْأمة الْخمار إِذا تزوجت أَو اتخذها السَّيِّد لنَفسِهِ وروى إِذا ولدت
وَحكم أم الْوَلَد حكم الْأمة الْقِنّ
وَحكي عَن ابْن سِيرِين أَن أم الْوَلَد تصلي مُتَقَنعَة بِثَوْب وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد ويحكى عَن مَالك فَإِن أعتقت الْأمة فِي أثْنَاء صلَاتهَا ورأسها مَكْشُوف وَهُنَاكَ ستْرَة بعيدَة بطلت صلَاتهَا
ذكر فِي الْحَاوِي اخْتِلَافا بَين أَصْحَابنَا فِيمَا تبطل بِهِ صلَاتهَا فَالصَّحِيح أَنَّهَا تبطل بِالْقُدْرَةِ على أَخذ الثَّوْب فَتبْطل فِي الْحَال
وَالثَّانِي أَنَّهَا تبطل بالمضي لأخذ الثَّوْب وتطاول الْعَهْد
قا ل الشَّيْخ وَهُوَ الصَّحِيح عِنْدِي
قَالَ الشَّيْخ الإِمَام رَحمَه الله وَالْأول عِنْدِي أصح
فَإِن انتظرت من يناولها الستْرَة فناولها من غير أَن تحدث عملا فقد حُكيَ فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا وَهُوَ قَول أبي إِسْحَاق أَن صلَاتهَا لَا تبطل
وَالثَّانِي أَنَّهَا تبطل
وَذكر القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله فِي ذَلِك قَوْلَيْنِ بِنَاء على الْقَوْلَيْنِ فِي سبق الْحَدث فِي الصَّلَاة وَهَذَا بِنَاء فَاسد وَالصَّحِيح هَا هُنَا أَن لَا تبطل وَفِي سبق الْحَدث أَن تبطل صلَاته

(2/55)


فَإِن لم تعلم بِالْعِتْقِ حَتَّى فرغت من الصَّلَاة فَفِي وجوب الْإِعَادَة عَلَيْهَا قَولَانِ
وَقيل تجب الْإِعَادَة قولا وَاحِدًا وَالْأول أصح
فَإِن صلى الرجل فِي سَرَاوِيل أَو مئزر فالمستحب لَهُ أَن يطْرَح على عَاتِقه شَيْئا وَلَو حبلا وَقَالَ أَحْمد لَا تصح صلَاته حَتَّى يطْرَح على عَاتِقه شَيْئا فَإِن صلى فِي قَمِيص وَاسع االجيب ترى الْعَوْرَة مِنْهُ من غير سَرَاوِيل وَلم يزره عَلَيْهِ لم تصح صلَاته
وَحكي فِي الْحَاوِي عَن أبي حنيفَة أَن صلَاته تصح
وَحكي عَن لقَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله أَنه إِذا كَانَ قد زر الْقَمِيص ووقف يُصَلِّي على جِدَار ترى عَوْرَته من تَحْتَهُ فَصلَاته صَحِيحَة وَفِي هَذَا نظر وَيَنْبَغِي أَن لَا تصح صلَاته
وَذكر أَيْضا أَنه إِذا كَانَ فِي الْقَمِيص أَو السَّرَاوِيل خرق فَوضع يَده عَلَيْهِ وستره بكفه فَهَل تصح صلَاته فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا لَا تصح
وَذكر أَيْضا أَنه إِذا كَانَت لحيته كثة كَبِيرَة تستر مَوضِع الأزرار من الجيب فَلَا ترى عَوْرَته مِنْهُ فَفِيهِ وَجْهَان
وَذكر أَيْضا أَنه إِذا كَانَ فِي مَاء فَهَل يعد ذَلِك سترا فِيهِ وَجْهَان

(2/56)


أظهرهمَا عِنْدِي فِي جَمِيع هَذِه الْمسَائِل أَن لَا تصح صلَاته ويتعذر عَلَيْهِ السّتْر بعض بدنه فَإِن لم يجد ستْرَة وَوجد طينا فَهَل يلْزمه أَن يطين بِهِ عَوْرَته فِيهِ وَجْهَان

أَحدهمَا يلْزمه
وَلَا يجوز أَن يُصَلِّي الرجل فِي ثوب حَرِير وَلَا على ثوب حَرِير فَإِن صلى فِيهِ صحت صلَاته
وَقَالَ أَحْمد لَا تصح
فَإِن كَانَ عُريَانا وَلم يجد إِلَّا ثوب حَرِير فقد حُكيَ فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يُصَلِّي بِهِ وَلَا يُصَلِّي عُريَانا
وَالشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله ذكر أَنه يلْزمه أَن يُصَلِّي فِيهِ وَغَيره بِنَاء على الثَّوْب النَّجس إِذا لم يجد غَيره هَل يلْزمه لبسه فِيهِ وَجْهَان وَهَذَا بِنَاء فَاسد
فَإِن وجد مَا يستر بِهِ بعض الْعَوْرَة ستر الْقبل والدبر

(2/57)


فَإِن وجد مَا يستر بِهِ أَحدهمَا ستر الْقبل فِي أصح الْوَجْهَيْنِ فَإِن لم يجد ستْرَة صلى قَائِما وَبِه قَالَ مَالك
وَقَالَ الْمُزنِيّ رَحمَه الله يلْزمه أَن يُصَلِّي قَاعِدا وَبِه قَالَ أَحْمد
وَقَالَ ابو حنيفَة إِن شَاءَ صلى قَاعِدا وَإِن شَاءَ صلى قَائِما
قَالَ فِي الْأُم إِذا كَانُوا عُرَاة صلوا جمَاعَة وفرادى
وَقَالَ فِي الْقَدِيم الأولى أَن يصلوا فُرَادَى
فَإِن كَانَ مَعَ وَاحِد مِنْهُم ثوب فأعارهم ليصلوا فِيهِ وَاحِدًا بعد وَاحِد لَزِمَهُم قبُول ذَلِك فَإِن خَافُوا فَوت الْوَقْت إِذا صلوا فِيهِ فقد قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله ينتظرون حَتَّى يصلوا فِيهِ
وَقَالَ فِي قوم فِي سفينة لَيْسَ فِيهَا إِلَّا مَوضِع يقوم فِيهِ وَاحِد انهم يصلونَ من قعُود إِذا خَافُوا فَوت الْوَقْت فَمن أَصْحَابنَا من خرج الْمَسْأَلَتَيْنِ على قَوْلَيْنِ ينْقل الجوابين وَمِنْهُم من حملهما على ظاهرهما وَفرق بَينهمَا
فَإِن وهب الثَّوْب من الْعُرْيَان ليُصَلِّي فِيهِ لم يلْزمه قبُوله
وَقيل يلْزمه قبُوله فَيصَلي فِيهِ ثمَّ يردهُ إِن شَاءَ
وَقيل يلْزمه قبُوله وَلَيْسَ لَهُ رده وَالْأول أصح
فَإِن كَانَ مَعَه ثوب على طرفه نَجَاسَة ويمكنه قطع النَّجس فقد ذكر القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله أَنه إِن كَانَ أرش النَّقْص يزِيد على أُجْرَة مثله لم يلْزمه ذَلِك وَهَذَا فِيهِ تعسف فَإِن الزَّمَان الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ لَا يكون لَهُ من الْأُجْرَة مَا يُقَابل أرش النَّقْص بِهِ وَكَانَ من حَقه أَن يعتبره بِقِيمَة الثَّوْب فَإِنَّهُ يلْزمه ابتياعه بِثمن مثله فيقابل الْأَرْش بِالثّمن

(2/58)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب اسْتِقْبَال الْقبْلَة
يجوز أَن يُصَلِّي فِي الْكَعْبَة وَالْأَفْضَل أَن يُصَلِّي النَّفْل فِيهَا وَالْفَرْض خَارِجا مِنْهَا لِكَثْرَة الْجَمَاعَة وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة

(2/59)


وَقَالَ أَحْمد وَمَالك يُصَلِّي النَّافِلَة فِيهَا دون الْفَرِيضَة
وَحكي عَن مُحَمَّد بن جرير الطَّبَرِيّ أَنه قَالَ لَا يجوز فعل الْفَرِيضَة وَلَا النَّافِلَة فِيهَا
فَإِن صلى على ظهر الْكَعْبَة وَلَيْسَ بَين يَدَيْهِ ستْرَة لم تصح صلَاته
وَقَالَ أَبُو حنيفَة تصح
فَإِن صلى على ظهرهَا وَبَين يَدَيْهِ عَصا مغروزة فِي سطح الْبَيْت غير مسمرة فَفِي صِحَة صلَاته وَجْهَان
وَإِن صلى فِي عَرصَة الْبَيْت وَلَيْسَ بَين يَدَيْهِ ستْرَة فقد قَالَ أَبُو إِسْحَاق لَا يجوز وَهُوَ الْمَنْصُوص عَلَيْهِ وَقَالَ غَيره يجوز
وَمن كَانَ غَائِبا عَن مَكَّة وَأخْبرهُ مخبر عَن الْقبْلَة عَن علم عمل لخبره وَلَا يجْتَهد وَلَا يقبل خبر فَاسق وَلَا كَافِر
قَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب سَمِعت المسارجسي يَقُول يقبل قَول

(2/60)


الْكَافِر فِي قبُول الْهَدِيَّة وَالْإِذْن فِي دُخُول الدَّار
قَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله وَيجب أَن يقبل قَول الْفَاسِق الْمُسلم وَحكي فِي الْقبْلَة وَجه آخر أَنه يقبل قَول الْفَاسِق فِيهَا وَلَيْسَ بِشَيْء
وَذكر فِي الْحَاوِي أَنه إِذا استعلم مُسلم من مُشْرك دَلَائِل الْقبْلَة وَوَقع فِي نَفسه صدقه واجتهد لنَفسِهِ بذلك على الْقبْلَة جَازَ وَفِيه نظر
وَحكى القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله فِي قبُول خبر الصَّبِي عَن الْقفال عَن أبي زيد انه حكى عَن الشَّافِعِي رَحمَه الله نصا أَنه يقبل
وَحكي الخضري نصا أَنه لَا يقبل
قَالَ الْقفال فحكيت للخضري مَا قَالَه أَبُو زيد فَقَالَ لَا يتهم ذَلِك الشَّيْخ
قَالَ الشَّيْخ الإِمَام رَحمَه الله وَمَا ذكره لَا يسْتَمر على أصل الشَّافِعِي رَحمَه الله
وَإِن لم يجد من يُخبرهُ بالقبلة اجْتهد فِي طلبَهَا وَفِي فَرْضه قَولَانِ

(2/61)


قَالَ فِي الْأُم فَرْضه إِصَابَة الْعين بِالِاجْتِهَادِ وَهُوَ قَول الْجِرْجَانِيّ من اصحاب أبي حنيفَة
وَظَاهر مَا نَقله الْمُزنِيّ رَحمَه الله أَنه فَرْضه إِصَابَة الْجِهَة وَهُوَ قَول البَاقِينَ من أَصْحَاب أبي حنيفَة وَإِن كَانَ بِأَرْض مَكَّة وَبَينه وَبَين الْبَيْت حَائِل طارىء يمْنَع الْمُشَاهدَة كالأبنية
من أَصْحَابنَا من قَالَ هُوَ بِمَنْزِلَة الْحَائِل الْأَصْلِيّ كالجبل فَيكون حكمه حكم الْغَائِب وَهُوَ الْأَصَح
وَمِنْهُم من قَالَ يلْزمه أَن يُصَلِّي إِلَيْهَا بِيَقِين
فَإِن اجْتهد رجلَانِ فَاخْتلف اجتهادهما لم يُقَلّد أَحدهمَا الآخر وَلَا يجوز أَن يأتم بِهِ
وَقَالَ ابو ثَوْر يجوز أَن يأتم بِهِ
وَإِن صلى بِالِاجْتِهَادِ إِلَى جِهَة ثمَّ حضرت الصَّلَاة الثَّانِيَة لزمَه أَن يُعِيد الِاجْتِهَاد فِي أحد الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ الْمَنْصُوص عَلَيْهِ
وَإِن تغير اجْتِهَاده وَهُوَ فِي الصَّلَاة تحول إِلَى الْجِهَة الثَّانِيَة وَبنى على صلَاته فِي اصح الْوَجْهَيْنِ

(2/62)


وَالثَّانِي أَنه يستأنفها بِقَلْبِه
وَذكر فِي الْحَاوِي وَجها آخر أَنه يبْقى على اجْتِهَاده وَلَيْسَ بِشَيْء فَإِن بَان لَهُ يَقِين الْخَطَأ بعد الْفَرَاغ من الصَّلَاة لم يجب عَلَيْهِ الْإِعَادَة فِي أحد الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمَالك وَأحمد وَاخْتِيَار الْمُزنِيّ
وَالْقَوْل الثَّانِي إِنَّه يجب عَلَيْهِ الْإِعَادَة
وَإِن بَان لَهُ يَقِين الْخَطَأ فِي أثْنَاء الصَّلَاة فَإِن قُلْنَا إِنَّه إِذا بَان لَهُ ذَلِك بعد الْفَرَاغ تجب عَلَيْهِ الْإِعَادَة وَجب عَلَيْهِ الِاسْتِئْنَاف هَا هُنَا وَإِن قُلْنَا لَا تجب عَلَيْهِ الْإِعَادَة هُنَاكَ فقد ذكر الشَّيْخ ابو حَامِد فِي الْبناء على صلَاته وَجْهَيْن
وَذكر الشَّيْخ أَبُو نصر فِي ذَلِك تَفْصِيلًا فَقَالَ إِن كَانَ قد بَانَتْ لَهُ الْقبْلَة حِين بَان لَهُ الْخَطَأ توجه إِلَيْهَا وَبنى على صلَاته وَإِن احْتَاجَ إِلَى اجْتِهَاد بطلت صلَاته
فَإِن شرع الْأَعْمَى فِي الصَّلَاة عَن تَقْلِيد رجل فَقَالَ لَهُ آخر قد أَخطَأ بك الأول يَقِينا
قَالَ أَبُو إِسْحَاق لزمَه أَن يتَحَوَّل إِلَى حَيْثُ قَالَ لَهُ وَهل يسْتَأْنف الصَّلَاة أَو يَبْنِي عَلَيْهَا على مَا ذَكرْنَاهُ من الْقَوْلَيْنِ وَإِن قَالَ لَهُ بِاجْتِهَادِهِ إِن الأول قد أَخطَأ بك واستويا عِنْده أَقَامَ على مَا هُوَ عَلَيْهِ

(2/63)


وَذكر فِي الْحَاوِي فِيهِ وَجْهَيْن
أَحدهمَا أَنه يبْقى على حَاله
وَالثَّانِي أَنه يرجع إِلَى قَول الثَّانِي
وَإِن كَانَ قد اخْتلف عَلَيْهِ اجْتِهَاده رجلَيْنِ فِي ابْتِدَاء الصَّلَاة فقد حكى فِيهِ وَجْهَيْن أَيْضا
أَحدهمَا أَنه يتَخَيَّر فِي الْأَخْذ بقول أَيهمَا شَاءَ
قَالَ الشَّيْخ الإِمَام رَحمَه الله وَعِنْدِي على هَذَا الْوَجْه يجب إِذا كَانَ ذَلِك فِي أثْنَاء الصَّلَاة أَن يتَخَيَّر بَين الْبَقَاء على الأول وَبَين الِانْتِقَال إِلَى قَول الثَّانِي مَعَ الْبناء على صلَاته
وَالْوَجْه الثَّانِي أَنه يَأْخُذ بقولهمَا فَيصَلي صَلَاتَيْنِ إِلَى كل جِهَة صَلَاة وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْء فَإِن أَدَّاهُ اجْتِهَاده إِلَى جِهَة فصلى إِلَى غَيرهَا لم تصح صلَاته وَإِن بَان لَهُ أَنه الْقبْلَة وَبِه قَالَ ابو حنيفَة
وَقَالَ أَبُو يُوسُف تصح صلَاته
وَمن لَا يعرف الدَّلَائِل وَالْأَعْمَى سَوَاء فِي التَّقْلِيد
وَقَالَ دَاوُد يسْقط عَنْهُمَا فرض التَّقْلِيد ويصليان إِلَى حَيْثُ شاءا
وَإِن كَانَ مِمَّن يعرف الدَّلَائِل وَلكنهَا خفيت عَلَيْهِ لظلمة أَو غيم فقد قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي مَوضِع هُوَ كالأعمى

(2/64)


وَقَالَ فِي مَوضِع وَلَا يسع بَصيرًا أَن يُقَلّد
فَقَالَ ابو إِسْحَاق يُصَلِّي على حسب حَاله وَيُعِيد وَلَا يُقَلّد
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ إِن ضَاقَ عَلَيْهِ الْوَقْت قلد غَيره وَإِن اتَّسع عَلَيْهِ الْوَقْت للِاجْتِهَاد لم يجز لَهُ التَّقْلِيد
وَقَالَ الْمُزنِيّ وَغَيره يُمكنهُ تعلم الْأَدِلَّة وَالْوَقْت يَتَّسِع لَهُ فَأخر التَّعَلُّم حَتَّى ضَاقَ الْوَقْت قلد غَيره وَصلى وَفِي الْإِعَادَة وَجْهَان
فَأَما النَّافِلَة فِي السّفر فَإِن كَانَ رَاكِبًا فِي مَوضِع وَاسع يُمكنهُ أَن يَدُور فِيهِ من كَنِيسَة أَو غَيرهَا لزمَه أَن يتَوَجَّه إِلَى الْقبْلَة فِي جَمِيع الصَّلَاة فِي أصح الْوَجْهَيْنِ فَإِن أَرَادَ أَن يُصَلِّي الْفَرِيضَة على هَذِه الصّفة لم يَصح
قَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله إِذا أمكنه أَن يُصَلِّي الْفَرِيضَة فِي محمل وَاسع فَيقوم ويركع وَيسْجد صحت صلَاته إِذا كَانَت الرَّاحِلَة واقفة أَو كَانَ لَهَا من يسيرها فتتبعه كَمَا لَو صلى على سَرِير يحملهُ أَرْبَعَة
وَإِن كَانَ رَاكِبًا فِي كَنِيسَة ضيقَة أَو على قتب أَو سرج وَكَانَ

(2/65)


سائرا وَالدَّابَّة سهلة يُمكن إدارتها إِلَى الْقبْلَة فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه يلْزمه أَن يُدِير رَأسهَا إِلَى الْقبْلَة فِي حَال الْإِحْرَام
وَالثَّانِي أَنه لَا يلْزمه وَهُوَ ظَاهر الْمَذْهَب
وَأما الْمَاشِي فَإِنَّهُ يتَوَجَّه إِلَى الْقبْلَة فِي الْإِحْرَام وَالرُّكُوع وَالسُّجُود وَالْجُلُوس بَين السَّجْدَتَيْنِ وَفِيمَا سوى ذَلِك يتْرك الْقبْلَة
وَقيل إِنَّه يسلم إِلَى الْقبْلَة ايضا وَلَيْسَ بِشَيْء
وَقَالَ ابو حنيفَة الْمَاشِي لَا يُصَلِّي النَّافِلَة
وَأما صَلَاة الْجِنَازَة
فقد ذكر الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله وَالْقَاضِي أَبُو الطّيب أَن الشَّافِعِي رَحمَه الله قَالَ فِي الْأُم لَا يُصَلِّي فَائِتَة وَلَا صَلَاة نذر وَلَا صَلَاة جَنَازَة
وَقَالَ الْقفال يحْتَمل أَن يُقَال فِي صَلَاة الْجِنَازَة إِذا لم تتَعَيَّن يجوز أَن يُصليهَا رَاكِبًا كَمَا يُصليهَا بِتَيَمُّم الْفَرِيضَة وَهَذَا خلاف نَص الشَّافِعِي رَحمَه الله
وَذكر فِي الْحَاوِي أَنه إِذا لم يتَغَيَّر عَلَيْهِ فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا وَهُوَ قَول الْبَصرِيين أَنه يجوز
وَالثَّانِي وَهُوَ قَول البغداديين أَنه لَا يجوز فعلهَا إِلَى غير الْقبْلَة

(2/66)


قَالَ القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله قد نَص الشَّافِعِي رَحمَه الله على أَن صَلَاة الْجِنَازَة لَا يجوز فعلهَا رَاكِبًا وَنَصّ فِي التَّيَمُّم أَنه يجوز الْجمع بَينهَا وَبَين الْفَرِيضَة بِتَيَمُّم وَاحِد فَمن اصحابنا من جعلهَا على قَوْلَيْنِ
وَمِنْهُم من حملهَا على حَالين وَاعْتبر التَّعْيِين وَعدم التَّعْيِين وَسوى بَينهمَا فِي الحكم
وَمِنْهُم من فرق بَينهمَا وَكَذَلِكَ ذكر فِي فعل الْمَنْذُورَة على الرَّاحِلَة قَوْلَيْنِ وَهَذَا خلاف نَص الشَّافِعِي رَحْمَة الله عَلَيْهِ
فَإِن كَانَ رَاكِبًا على دَابَّة فَوقف عَن السّير لاستراحة فَإِنَّهُ يلْزمه اسْتِقْبَال الْقبْلَة فِيمَا بَقِي من صلَاته لِأَنَّهُ قد لزمَه التَّوَجُّه إِلَى الْقبْلَة بوقوفه فَلم يجز لَهُ تَركه حَتَّى يُنْهِي صلَاته كَذَا ذكر فِي الْحَاوِي
وَذكر الشَّيْخ ابو نصر رَحمَه الله فِي الْوَاقِف على الدَّابَّة انه يسْتَقْبل الْقبْلَة فَإِذا سَافر انحرف إِلَى جِهَة سَفَره وَبنى على صلَاته وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح
فَإِن عدلت بِهِ دَابَّته فِي حَال سَيرهَا عَن جِهَة سَفَره إِلَى غير جِهَة الْقبْلَة وغلبه لم تبطل صلَاته وَسجد لذَلِك سُجُود السَّهْو نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي رَحْمَة الله عَلَيْهِ

(2/67)


وَذكر فِي الْحَاوِي فِي سُجُود السَّهْو لذَلِك وَجْهَيْن وَذكر أَيْضا إِذا طَال سَيرهَا فِي تِلْكَ الْجِهَة وَلم يقدر على ردهَا فِي بطلَان صلَاته وَجْهَيْن بِنَاء على أَن فعلهَا كَفِعْلِهِ فِي الْعمد فَكَذَلِك فِي السَّهْو وطويل السّفر وقصيره سَوَاء فِيمَا ذَكرْنَاهُ
وَقَالَ مَالك لَا يجوز الترخيص بِمَا ذَكرْنَاهُ إِلَّا فِي سفر تقصر فِي مثله الصَّلَاة فَأَما الْمُقِيم فَلَا يجوز لَهُ ترك الْقبْلَة فِي النَّفْل
وَقَالَ ابو سعيد الْإِصْطَخْرِي يجوز لَهُ ذَلِك فِي حَال سيره

(2/68)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب صفة الصَّلَاة
إِذا فرغ الْمُؤَذّن من الْإِقَامَة قَامَ الإِمَام وَالْمَأْمُوم إِلَى الصَّلَاة وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وَأَبُو يُوسُف
وَقَالَ ابو حنيفَة وَالثَّوْري إِذا قَالَ الْمُؤَذّن حَيّ على الصَّلَاة قَامُوا فِي الصَّفّ فَإِذا قَالَ قد قَامَت الصَّلَاة كبر الإِمَام وَكبر الْقَوْم
وَقَالَ زفر إِذا قَالَ الْمُؤَذّن قد قَامَت الصَّلَاة مرّة نَهَضَ الإِمَام وَقَامُوا فِي الصَّفّ فَإِذا ثنى الْمُؤَذّن فَقَالَ قد قَامَت الصَّلَاة كبر الإِمَام وَكبر الْقَوْم

(2/69)


فَإِذا قَالَ الْمُؤَذّن الله أكبر إِلَى آخِره أَخذ الإِمَام فِي الْقِرَاءَة وَهُوَ قَول الْحسن بن زِيَاد
وَقَالَ الطَّحَاوِيّ مُحَمَّد مَعَ أبي يُوسُف فِي هَذِه الْمَسْأَلَة
وَقَالَ ابو بكر الرَّازِيّ مُحَمَّد مَعَ أبي حنيفَة
وَلَا يكبر الْمَأْمُوم حَتَّى يفرغ الإِمَام من التَّكْبِير وَبِه قَالَ مَالك وَأَبُو يُوسُف
وَقَالَ ابو حنيفَة وسُفْيَان وَمُحَمّد يكبر مَعَ تَكْبِير الإِمَام
فَإِن سبق الْمَأْمُوم بتكبيرة الْإِحْرَام فَإِنَّهُ يقطعهَا بِالتَّسْلِيمِ ويستأنف التَّكْبِير ويتابعه
قَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله وَيحْتَمل وَجها آخر أَن يصير إِلَى صَلَاة الإِمَام من غير قطع بِنَاء على الْقَوْلَيْنِ فِي نفل صَلَاة الْمُنْفَرد إِلَى الْجَمَاعَة وَحكى عَن مَالك أَنه قَالَ يُعِيد تكبيرته
وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله وَيَنْبَغِي أَن يكون هَذَا بعد قطع الصَّلَاة وَهَذَا إِنَّمَا يتَصَوَّر إِذا اعْتقد أَن الإِمَام قد كبر فَكبر وَلم يكن قد كبر فَأَما إِذا كبر مَعَ الْعلم بِأَنَّهُ لم يكبر مقتديا بِهِ فَإِنَّهُ لَا تَنْعَقِد صلَاته
وَيَنْوِي وَالنِّيَّة فرض للصَّلَاة ومحلها الْقلب وَغلط بعض أَصْحَابنَا فَقَالَ لَا تُجزئه النِّيَّة حَتَّى يتَلَفَّظ بِلِسَانِهِ وَلَيْسَ بِشَيْء

(2/70)


وَأما كيفيتها فقد قَالَ ابو إِسْحَاق الْمروزِي يَنْوِي صَلَاة الظّهْر الْمَفْرُوضَة
وَقَالَ ابو عَليّ بن أبي هُرَيْرَة يُجزئهُ نِيَّة الظّهْر أَو الْعَصْر وَلَا تجب نِيَّة الْفَرْض وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَلَا تجب نِيَّة الْأَدَاء وَالْقَضَاء فِي اصح الْوَجْهَيْنِ فَأَما السّنَن الرَّاتِبَة كَصَلَاة الْعِيدَيْنِ والكسوفين وَالِاسْتِسْقَاء وَقيام رَمَضَان وَالسّنَن الرَّاتِبَة مَعَ الْفَرَائِض فَلَا بُد مِنْهَا من نِيَّة مُقَيّدَة بِمَا تنْسب إِلَيْهِ
وَقيل فِي السّنَن الرَّاتِبَة سوى رَكْعَتي الْفجْر يَكْفِي فِيهَا نِيَّة الْفِعْل وَاخْتَارَهُ الشَّيْخ ابو نصر رَحمَه الله وَالْأول أصح
قَالَ فِي الْأُم وَلَو شكّ هَل دَخلهَا بنية أم لَا ثمَّ ذكر قبل أَن يحدث فِيهَا عملا أَجزَأَهُ وَالْعَمَل فِيهَا قِرَاءَة أَو رُكُوع أَو سُجُود

(2/71)


وَقيل فِيهِ إِذا قَرَأَ لَا تبطل صلَاته وَلَيْسَ بِشَيْء
وَذكر فِي الْحَاوِي أَنه إِذا كَانَ الزَّمَان فِي حَال الشَّك قَرِيبا بنى على صلَاته وَإِن طَال الزَّمَان فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَن صلَاته تبطل وَكَلَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ مُطلق وَبنى القَاضِي حُسَيْن الْقِرَاءَة فِي حَال الشَّك على تكْرَار الْقِرَاءَة هَل تبطل الصَّلَاة أم لَا وَهَذَا بِنَاء فَاسد الحكم بِخِلَاف نَص الشَّافِعِي رَحمَه الله
وَفرع القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله على ذَلِك أَنه إِذا شكّ فِي نِيَّة الِاقْتِدَاء بِالْإِمَامِ ثمَّ تذكر فِي الْحَال بنى على صلَاته وَإِن لم يتَذَكَّر حَتَّى فعل فعلا بنى على الْوَجْهَيْنِ فِيهِ إِذا تَابع الإِمَام فِي الْأَفْعَال من غير نِيَّة الِاقْتِدَاء بِهِ وَحكى فِيهِ وَجْهَيْن
قَالَ الإِمَام ابو بكر رَضِي الله عَنهُ وَهَذَا الأَصْل الَّذِي بني عَلَيْهِ عِنْدِي غير صَحِيح وَيَنْبَغِي أَن يكون الحكم فِيهِ أَنه إِذا تَابع الإِمَام فِي الْأَفْعَال وَلم يتْرك من تَرْتِيب صلَاته فِي مُتَابَعَته فِي الْأَفْعَال شَيْئا لم تبطل صلَاته وَإِن ترك من وَاحِد تَرْتِيب صلَاته بمتابعته فِي الْأَفْعَال شَيْئا بطلت صلَاته

(2/72)


فَإِن نوى الْخُرُوج من الصَّلَاة أَو شكّ هَل يخرج مِنْهَا أَو لَا يخرج بطلت صلَاته
وَقَالَ ابو حنيفَة لَا تبطل
وَذكر القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله أَنه إِذا علق نِيَّة الْخُرُوج من الصَّلَاة بِشَرْط فَنوى إِن دخل فلَان خرجت من الصَّلَاة فَهَل يصير خَارِجا فِي الْحَال مِنْهَا فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا لَا يصير خَارِجا مَا لم يُوجد الشَّرْط وَهَذَا تَخْرِيج فَاسد
فَإِن أحرم بِالْفَرْضِ ثمَّ صرف النِّيَّة إِلَى النَّفْل بَطل الْفَرْض وَهل يَصح النَّفْل فِيهِ قَولَانِ
أصَحهمَا أَنه لَا يَصح
وَالثَّانِي أَنه يصير نفلا نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي كتاب الْإِمَامَة فَقَالَ لَو أحرم فِي مَسْجِد ثمَّ جَاءَ الإِمَام فَتقدم فَأحب أَن يكمل رَكْعَتَيْنِ ثمَّ يسلم تَكُونَانِ لَهُ نَافِلَة فَمن أَصْحَابنَا من لم يَجْعَل مَا ذكره فِي الْإِمَامَة قولا آخر للشَّافِعِيّ رَحمَه الله وَإِنَّمَا أجَازه للْحَاجة إِلَى فعل الْجَمَاعَة
قَالَ الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله وَالْقَوْل الأول أصح
ذكر القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله أَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ نَص فِيمَن

(2/73)


صلى قَاعِدا فَقدر على الْقيام أَن صلَاته تبطل إِذا لم يقم وَنَصّ فِي الْمَسْبُوق إِذا أدْرك الإِمَام رَاكِعا فَكبر هاويا انْعَقَد نفلا وَقَالَ فِي رجل دخل الْمَسْجِد وَشرع فِي فَرِيضَة ثمَّ حضر جمَاعَة فعقدوا جمَاعَة أَن يسلم على مَا تقدم فحكي أَن اصحابنا جعلُوا فِي جَمِيع الْمسَائِل قَوْلَيْنِ
وَذكر انه إِذا دخل فِي ظهر فَنوى أَن يَجْعَلهَا عصرا أَو سنة راتبة بَطل مَا نَوَاه وَهل تصير نفلا فِيهِ قَولَانِ
وَإِن نوى سنة راتبة فَنوى نقلهَا إِلَى فرض لم تصر فرضا وَهل تصير نَافِلَة فِيهِ قَولَانِ
وَحكي أَنه إِذا نوى فَرِيضَة وَشرع فِيهَا ثمَّ نوى إبِْطَال الْفَرِيضَة من أَصْحَابنَا من قَالَ فِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا تصير نفلا
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ هَا هُنَا قولا وَاحِدًا لَا تبطل وعَلى هَذَا لَو شرع فِي تطوع ثمَّ نوى نَقله إِلَى فرض أَو إِلَى فرض أَو إِلَى سنة راتبة فَفِيهِ طَرِيقَانِ
أَحدهمَا فِيهِ قَولَانِ
وَالثَّانِي يبْقى نفلا قولا وَاحِدًا
قَالَ الشَّيْخ الإِمَام رَحمَه الله وَعِنْدِي أَن إِطْلَاق الْقَوْلَيْنِ فِي

(2/74)


ذَلِك لَيْسَ بِصَحِيح بل يحْتَاج إِلَى تَفْصِيل فَيُقَال إِن كَانَ نَقله للصَّلَاة من صفة إِلَى صفة اخْتِيَارا من جِهَته لَا لفرض صَحِيح يفوتهُ بطلت صلَاته وَلم يحصل لَهُ مَا نَوَاه وَذَلِكَ مثل مَسْأَلَة الْقَاعِد قدر على الْقيام فَتَركه
وَكَذَا إِذا أحرم فينوي الظّهْر قبل الزَّوَال مَعَ الْعلم بِالْحَال لم ينْعَقد لَهُ نفل وَلَا فرض لِأَنَّهُ متلاعب بِصَلَاتِهِ
وَأما إِذا كَانَ نَقله إِلَى النَّفْل لفرض صَحِيح كَمَسْأَلَة الْمُنْفَرد إِذا حضر جمَاعَة فَفِي صِحَة نقلهَا إِلَى النَّفْل قَولَانِ
وعَلى هَذَا إِذا أحرم بِالظّهْرِ قبل الزَّوَال مُعْتَقدًا أَن الشَّمْس قد زَالَت وَلم تكن قد زَالَت انْعَقَد نفلا فِي أحد الْقَوْلَيْنِ
وعَلى هَذَا مَسْأَلَة الهاوي إِلَى الرُّكُوع إِن كَانَ عَالما بِأَن ذَلِك لَا يجوز لم يحصل لَهُ شَيْء وَإِن كَانَ جَاهِلا بذلك حصل لَهُ نقل
فَأَما وَقت النِّيَّة فقد قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله يَنْوِي حَال التَّكْبِير لَا قبله وَلَا بعده وَمَعْنَاهُ أَن تكون نِيَّته ذكرا بِقَلْبِه مقترنة بِالتَّكْبِيرِ من أَوله إِلَى آخِره
وَقَالَ الْقفال إِذا قارنت نِيَّته ابْتِدَاء التَّكْبِير انْعَقَدت صلَاته وَإِن عزبت بعده
وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا تقدّمت النِّيَّة على التَّكْبِير بِزَمَان يسير انْعَقَدت الصَّلَاة وَإِن تقدّمت بِزَمَان طَوِيل لم تَنْعَقِد كَذَا ذكر أَبُو بكر الرَّازِيّ

(2/75)


وَذكر الطَّحَاوِيّ فِي كِتَابه أَن مَذْهَب أبي حنيفَة مثل مَذْهَبنَا وَكَذَا قَالَ الْكَرْخِي
وَقَالَ دَاوُد يجب أَن يَنْوِي قبل التَّكْبِير
فصل وَيكبر وَذَلِكَ فرض
وَحكي عَن الزُّهْرِيّ وَالْحسن بن صَالح أَن الصَّلَاة تَنْعَقِد بِمُجَرَّد النِّيَّة من غير لفظ
وَالتَّكْبِير أَن يَقُول الله أكبر أَو الله الْأَكْبَر وَبِه قَالَ سُفْيَان وَدَاوُد وَأَبُو ثَوْر
وَقَالَ ابو حنيفَة تَنْعَقِد بِكُل اسْم من أَسمَاء الله تَعَالَى على وَجه التَّعْظِيم كَقَوْلِه الله عَظِيم أَو جليل وَإِن قَالَ الله اَوْ الرَّحْمَن فَعَنْهُ فِيهِ رِوَايَتَانِ
روى الْحسن بن زِيَاد أَنه يجوز وَظَاهر رِوَايَة الْأُصُول أَنه لَا بُد من ذكر الصّفة وَبِه قَالَ مُحَمَّد بن الْحسن
وَقَالَ أَبُو يُوسُف تَنْعَقِد بِلَفْظ التَّكْبِير فيضيف إِلَيْهِ الله الْكَبِير وَلَا ينْعَقد بِمَا سوى ذَلِك

(2/76)


وَقَالَ مَالك وَأحمد ينْعَقد بقوله الله أكبر وَلَا ينْعَقد بقوله الله الْأَكْبَر
فَإِن قَالَ أكبر الله أَو الْأَكْبَر الله أَجزَأَهُ فِي أصح الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ قَول أبي إِسْحَاق ذكره فِي الشَّرْح
وَالثَّانِي لَا يُجزئهُ
وَقد خرج القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله التَّسْلِيم وَالتَّكْبِير على قَوْلَيْنِ بِنَقْل الجوابين وَلَيْسَ بِشَيْء
وَمِنْهُم من فرق بَينهمَا وَلَيْسَ بِشَيْء
وَذكر فِي الْحَاوِي أَنه إِذا قَالَ الْأَكْبَر الله فِيهِ وَجْهَان
وَإِن قَالَ أكبر الله لم يجزه وَالصَّحِيح الأول
ذكر فِي الْحَاوِي أَنه إِذا فصل بَين الِاسْم وَبَين التَّكْبِير بِشَيْء من صِفَات الله نظر فَإِن كَانَ يَسِيرا لَا يصير التَّكْبِير بِهِ مَفْصُولًا عَن الِاسْم كَقَوْلِه الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ أكبر أَو الله عز وَجل أكبر أَجزَأَهُ وَإِن كبره وَإِن طَال كَقَوْلِه لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ أكبر لم يجزه وَهَذَا فِيهِ نظر

(2/77)


قَالَ الشَّيْخ الإِمَام رَحمَه الله وَلَا اعْتِبَار عِنْدِي فِي ذَلِك بالطول وَالْقصر وَإِنَّمَا الِاعْتِبَار بنظام الْكَلَام فِي مَقْصُوده فَمَتَى كَانَ مَقْصُود الْكَلَام التَّكْبِير بِأَن يكون قَوْله أكبر مُتَعَلقا بِهِ وخبرا عَنهُ انْعَقَد
وَإِن تضمن تهليلا كَقَوْلِه الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وَحده لَا شريك لَهُ أكبر بِخِلَاف قَوْله لَا إِلَه إِلَّا الله أكبر لِأَنَّهُ يُسمى تهليلا
إِذا أدْرك الإِمَام رَاكِعا فَكبر تَكْبِيرَة يَنْوِي بهَا تَكْبِيرَة الِافْتِتَاح وَالرُّكُوع لم يجزه عَن الْفَرْض
وَيَنْبَغِي أَن يكبر للْإِحْرَام قَائِما ثمَّ يكبر للرُّكُوع وَهل ينْعَقد نَافِلَة فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا لَا ينْعَقد
وَالثَّانِي ينْعَقد هَذَا إِذا كَانَ جَاهِلا بِتَحْرِيم ذَلِك إِذا كَانَ يحسن الْعَرَبيَّة فَكبر بغَيْرهَا لم تَنْعَقِد صلَاته وَإِن لم يحسن الْعَرَبيَّة كبر بِلِسَانِهِ وَبِه قَالَ ابو يُوسُف وَمُحَمّد
ذكر فِي الْحَاوِي أَنه إِذا كَانَ لَا يحسن الْعَرَبيَّة وَيحسن بِالْفَارِسِيَّةِ والسريانية فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا يكبر بِالْفَارِسِيَّةِ
وَالثَّانِي بالسُّرْيَانيَّة
وَالثَّالِث بِأَيِّهِمَا شَاءَ

(2/78)


وَإِن كَانَ يحسن بِالْفَارِسِيَّةِ والتركية فالفارسية أولى فِي أحد الْوَجْهَيْنِ
وَالثَّانِي أَنَّهُمَا سَوَاء
وَإِن كَانَ يحسن بالسُّرْيَانيَّة والنبطية فالسريانية أولى فِي أحد الْوَجْهَيْنِ
وَالثَّانِي أَنه يُخَيّر بَينهمَا
وَإِن كَانَ يحسن بالتركية والهندية فهما سَوَاء وَجها وَاحِدًا
قَالَ الشَّيْخ الإِمَام رَحمَه الله وَهَذَا التَّخْرِيج فَاسد فَإِن اللُّغَات بعد الْعَرَبيَّة سَوَاء وَإِنَّمَا اخْتصّت الْعَرَبيَّة بذلك تعبدا
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يجوز أَن يكبر بِغَيْر الْعَرَبيَّة وَإِن كَانَ يحسن الْعَرَبيَّة
وَإِن أَتَى بِذكر غير وَاجِب بِغَيْر الْعَرَبيَّة لم تبطل الصَّلَاة
وَقَالَ الْقفال تبطل صلَاته وَلَيْسَ بِصَحِيح
قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي الْأُم وَكَذَلِكَ الذّكر وَالتَّكْبِير وَالتَّشَهُّد وَالْقُرْآن وَكَذَلِكَ التَّعَوُّذ فَإِن قَالَ ذَلِك بِلِسَانِهِ مَعَ الْقُدْرَة على الْعَرَبيَّة فقد أَسَاءَ وَصلَاته مجزئة
وَقَالَ الْقفال تبطل صلَاته وَلَيْسَ بِصَحِيح
فَإِن ضَاقَ عَلَيْهِ الْوَقْت عَن التَّعَلُّم وَخَافَ فَوتهَا إِن اشْتغل بِهِ صلاهَا على حسب حَاله وَكبر بِلِسَانِهِ وَلَا قَضَاء عَلَيْهِ

(2/79)


وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ إِذا لم يجد فِي مَوْضِعه من يُعلمهُ لَا يلْزمه أَن يرحل إِلَى مَوضِع يجد فِيهِ من يُعلمهُ
قَالَ الشَّيْخ الإِمَام رَحمَه الله وَهَذَا عِنْدِي وهم وَلَيْسَ بِصَحِيح
ذكر القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله أَنه إِذا صلى الظّهْر وَلم يعرف أَنَّهَا فرض لم تصح صلَاته وَكَذَا لَو اعْتقد فِي بعض الْأَركان أَنه نفل لم تصح صلَاته وَإِن اعْتقد أَن جملَة الهيئات والأركان فرض فَهَل تَنْعَقِد صلَاته فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا تَنْعَقِد
وَالثَّانِي لَا تَنْعَقِد
قَالَ الشَّيْخ الإِمَام رَحمَه الله وَهَذَا عِنْدِي فِيهِ نظر لِأَنَّهُ إِن اعْتقد ذَلِك جَاهِلا بِأَحْكَام الشَّرْع فالجهل فِي الصَّلَاة يُؤثر فِي الْعَفو وَإِن كَانَ يُعْفَى بترك التَّعَلُّم فَلَا يمْنَع الصِّحَّة كمن يعْقد النِّكَاح جَاهِلا بِشُرُوطِهِ وَقد حصلت شُرُوطه فَإِنَّهُ ينْعَقد
وَالتَّكْبِير أول الصَّلَاة وَالتَّسْلِيم آخرهَا
وَقَالَ ابو الْحسن الْكَرْخِي الَّذِي يَقْتَضِيهِ مَذْهَب أبي حنيفَة أَن التَّكْبِير لَيْسَ من الصَّلَاة

(2/80)


فصل وَالسّنة أَن يرفع يَدَيْهِ فِي تَكْبِيرَة الْإِحْرَام
حَذْو مَنْكِبَيْه وَهُوَ قَول مَالك
وَقَالَ ابو حنيفَة يرفعهما حِيَال أُذُنَيْهِ وَيثبت مرفوعتين حَتَّى يفرغ من التَّكْبِير ثمَّ يحطهما
وَقَالَ ابو عَليّ فِي الإفصاح رَأَيْت للشَّافِعِيّ رَحمَه الله أَنه إِذا أَرَادَ أَن يكبر اسبل يَدَيْهِ ثمَّ يرفعهما فَيكون ابْتِدَاء الرّفْع مَعَ ابْتِدَاء التَّكْبِير وانتهاؤه مَعَ انتهائه
وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو نصر وَمَا قَالَه أَبُو عَليّ خلاف نَصه
وَحكى القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله وَجها ثَالِثا أَنه يرفع غير مكبر وَيُرْسل غير مكبر وَالْأول أصح ثمَّ يَأْخُذ كوعه الْأَيْسَر بكفه الْأَيْمن وَبِه قَالَ ابو حنيفَة وَأحمد وَدَاوُد وَاخْتلفت الرِّوَايَة عَن مَالك
فَروِيَ عَنهُ مَا ذَكرْنَاهُ
وَرُوِيَ عَنهُ أَنه يُرْسل يَدَيْهِ إرْسَالًا وَرُوِيَ ذَلِك عَن الْحسن الْبَصْرِيّ وَابْن سِيرِين

(2/81)


وَقَالَ اللَّيْث بن سعد أَنه يُرْسل يَدَيْهِ إِلَّا أَن يُطِيل الْقيام فيعيا
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ من شَاءَ فعل وَمن شَاءَ ترك
ويضعهما تَحت صَدره وَفَوق سرته
وَقَالَ ابو أسْحَاق الْمروزِي يجعلهما تَحت سرته وَهُوَ قَول أبي حنيفَة
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ فِي ذَلِك
وَالسّنة أَن ينظر إِلَى مَوضِع سُجُوده
قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله وَإِن رمى بَصَره أَمَامه كَانَ حَقِيقا والخشوع اولى وَهُوَ قَول ابي حنيفَة
وَقَالَ مَالك يكون بَصَره امام قبلته